رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل العاشر
دخل عاصم من الخارج.. ينادى ام سعيد.. التى حضرت على عجل.. عندما وصلتها نداءاته..
-الداكتورة أتعشت..!؟؟... سأل بأهتمام..
-أه.. أمال أيه.. هو احنا نجدر نتأخروا عن عشاها وميعاد دواها كمااان... احضر لجنابك العشا.!!؟...
-لاه.. حضرى كوبايتين لبن كبار.. وطبج فايش.. وطلعيهم للداكتورة فوج..
-حاضر من عنايا يا عاصم بيه.. واندفعت مسرعة تنفذ ما أمر به.. وهم هو بالصعود.. فتفاجئ بأمه تجلس على أريكة جانبية.. لم يكن باستطاعته رؤيتها فور دخوله.. كانت تتابع المشهد السابق فى حبور.. ولم تتفوه او تتدخل.. حتى انتبه لوجودها.. فاندفع يقبل كفها..
-كيفك يا حاچة.. !؟؟.. سأل فى أهتمام..
-أنا زينة.. طول ما انت وأختك.. ومرتك.. زينين.. قالت كلماتها.. وشبح ابتسامة رضا يطل من عيونها...
-الحمد لله.. قال فى سعادة..
-جوم يا الله.. اطلع ارتاح.. ربتت على كتفه فى لطف..
-الله... !!؟؟ انت مش عيزانى أجعد معاكِ ولا ايه يا حاچة..!!؟؟.. سأل مازحاً..
-لا متجعدش... أكدت مازحة على الرغم من صرامة لهجتها.. جوم ارتاح يا الله.. انا كمان جايمة اطمن على ابوك.. وانعس.. جوم.. هم ياالله..
نهض فى تثاقل مبتعداً.. وما ان وصل لأولى درجات السلم حتى ظهرت ام سعيد بصنية الطعام..
-وااااه.. انتِ كل ده.. ولسه مطلعتيش اللبن..!!؟؟..سأل ام سعيد فى حنق.. واستطرد أمراً وهو يتناول الصينية من يدها... طب هاتى الصينية.. وروحى يا الله شوفى حالك.. تركت له الصينية ليصعد بها.. وهى فى قمة دهشتها.. تقف متحيرة فاغرة فاها مما يحدث.. ومن ذلك التغير الذى طرأ على عاصم الهوارى و الذى تحول فجأة لشخص اخر لا تعرفه..
لاحظت الحاجة فضيلة ما اعترى ام سعيد من دهشة..مما جعل الابتسامة تقفز لشفتيها وهى تهتف فيها :- جرى ايه !!... واجفة ليه كده يا ولية..!!؟؟..روحى نامى.. اچرى.. انتفضت ام سعيد من شرودها.. وقالت فى سرعة وهى تستدير مبتعدة.. حاضر.. اها.. رايحة اها يا حاچة..
وما ان ابتعدت ام سعيد.. حتى أطلقت الحاجة فضيلة العنان لضحكاتها.. ونظراتها تتبع ظل ولدها الذى غاب أعلى الدرج.. تتمتم ببعض الدعوات.. تتمنى من الله ان يقبلها..
سمعت زهرة خطواته الواثقة على الدرج صاعداً.. فأرتعشت لا تعرف لما.. وصارت دقات قلبها كالطبول.. تحركت.. وهى تسير ببطء على قدمها المصابة التى استطاعت فى الصباح ان تمشى عليها قليلا... تمددت على اريكتها.. فقد كانت تريد ان تفسح له المجال ليعود لفراشه.. ويتركها حيث تقبع دائما.. بعيدا عن أنظاره.. فتحت الرواية تتصنع القراءة.. عندما وصل لباب الغرفة وفتحه فى هدوء وهو يحمل أكواب الحليب..
لم يجدها على الفراش كعادتها فى الايام الماضية عندما سقطت نظراته عليه.. فأدار وجهه لاريكتها.. فوجدها تزينها بمحياها.. زادها جمالا.. تلك العباءة الحريرية بلون العسل وشعرها الرائع الذى تصر على ربطه بشكل معقوص خلف رأسها.. محاولة ان تدارى من روعته قدر الإمكان.. استفاق من شروده ملقياً السلام..
-السلام عليكم.. كيفيكِ النهاردة !!؟؟..سألها بوجه باسم.. جعلها تزدرت ريقها.. لترطب حلقها الذى جف فجأة.. وترد فى هدوء مصطنع :- الحمد لله.. أحسن كتير..
وضع الصينية على الطاولة المجاورة لها.. وخلع عنه عباءته وعمامته.. وتوجه للحمام.. غاب فيه بعض الوقت
ليخرج منتعشاً... ليفاجأها كعادته فى الايام الماضية...
فيتمدد على الأريكة التى انزلت عنها قدميها منذ دخوله الغرفة... لتستقر رأسه على فخذها... وتنتفض هى فى ذهول من فعلته الغير متوقعة.. ترفع يديها بعيدا عن جسدها.. وكان رأسه الراقدة الان فى حجرها... كتلة من جمر أُلقيت عليها بغتة... كانت تحاول السيطرة على ارتعاشاتها حتى لا يدركها... لكن كيف تدارى تلك الارتعاشة فى صوتها..!!... وهى تحاول الاعتراض على جلسته ممددا بهذا الشكل الحميمى.. الذى يفقدها هدوءها.. وثباتها هتف بنبرة عادية ليخرجها من خواطرها.:- ها.. مش هتكملى الرواية بتاعت امبارح.. !!؟؟..
-اه.. طبعا.. قالت بحروف مرتعشة.. فتحت روايتها عند موضع توقفهما بالامس.. وبدأت فى القراءة.. لا تستطيع التركيز فى الأحداث او الشخوص.. وموضع راْسه كحريق مستعر.. جسدها كله متصلب.. وعنقها متشنج.. لا تقوى على الحراك.. لا ترى سوى شعره الحالك المتموج وبعض من جبهته العريضة.. وأنفه الشامخ.. قاومت رغبة ملحة.. بل هى رغبة مجنونة.. راودتها.. لتمد كفها لتعبث بلطف.. فى خصلات شعره...
حرك رأسه للخلف قليلا لتصعد نظراته لتقابل نظراتها.. فتضطرب... معتقدة ببلاهة انه قرأ خواطرها.. فترتجف كفاها.. لتسقط الروايه مفتوحة الصفحات على وجهه..
وضعت كفها على فمها.. تكتم شهقة خجلى باغتتها. اما هو فرفع الرواية عن وجهه.. وهو يقول مازحاً :- ما تجولى تعبت من الجراية.. بدل ما ترمى الرواية فى وشى.. وقهقه ضاحكا..
اما هى فقد مدت يدها فى تردد واستلمت الروايه تحاول التركيز فى احرف الكلمات... وذهنها شارد يفكر فى طريقة تدفعه بها.. ليغير تلك الوضعية الحميمية التى يتخذها الان... لكن ما كان فوق احتمالها حقا.. هو ان يحول رغبتها المجنونة لحقيقة و ان يمد يده ليمسك كفها المتشبثة بغلاف الرواية.. ليضعها على رأسه.. فتتغلل أناملها بين خصلات شعره.. لتترتجف دون قدرة على مجابهة تلك المشاعر التى غمرتها..
مزيج من الحنان والفرحة والاضطراب والنشوة، ممزوجة جميعها بقليل من رهبة، لا تعرف كيف استطاعت اخيراً، ان تختلق عذرا مقبولاً لإنهاء تلك المعاناة، فقالت وهى تتصنع الالم :-.. انا رجلى بصراحة.. بدأت توجعني.. وعايزة امدها..
لم يكذب خبر.. نهض فى حماسة ليحملها فورا دون ان يمهلها حتى فرصة للاعتراض.. لتكون هى وروايتها..
بين ذراعيه..ليضعها فى حنو بالغ.. على طرف الفراش الذى تفضله.. ويستدير بهدوء.. ليستقر متمدداً بشكل عفوى.. بنفس الوضع الذى اتخده فى الليلة السابقة.. ينتظر ان تكمل سردها للقصة...
ثم تذكر فجأة الحليب القابع على الطاولة الاخرى.. فنهض ليحضره بالقرب منهما.. ناولها كأسها... لتهتف لنفسها... "لقد جاء فى وقته بالضبط... فلقد جف حلقى من افعاله." شربته فى استمتاع.. وكان هو يراقبها فى استمتاع اكبر... وبدأت فى سرد احداث الرواية.. لتجد كفها..فى لحظة خاطفة..قابعة بين احضانه كما كانت فى الليلة السابقة.. وتنتهى الليلة.. بنعاس يخامرها كأثر للدواء.. لتسقط من جديد فى ثبات عميق.. وقد سقطت الرواية بين ذراعيها.. ورأسها يتوسد ظهره الماثل أمامها الان.. بعد ان أولاها أياه... وهو يأسر كفها..
تثأبت فى حبور وهى لا تزال نصف نائمة.. ورفرفت أهدابها..وفجأة فتحت عينيها على اتساعهما عندما اصطدمتا بزوج من العيون القاتمة.. تتفرس فيها بنظرات عابثة مرحة.
انتفضت هى.. تعدل من هندامها.. بعد ان فوجئت بذاك الاقتحام... اضطرابها وصل لذروته.. وعلى العكس تماما..
استمتاعه.. كان فى قمته..فهو يبدو مرتاحا.. صاف الذهن.. تشع من عينيه نظرات لاهية لا تعرف لها سببا.. دفعت الدماء الحارة لوجنتيها خجلا.
كان يجى ويذهب فى الغرفة.. لا يرفع نظراته عنها...
شعرت بالمعنى الحقيقى للأسر.. على الرغم من بعده الجسدي عنها..
-كيفك النهاردة..!!؟؟... سأل والابتسامة لم تفارق وجهه..تلجلج لسانها فى الإجابة... انها غير معتادة على مثل تلك النظرات.. وتلك الابتسامة التى تذيب عظامها..
-الحمد لله..هتفت اخيرا متصنعة الثبات... انا بقدر امشى على رجلى دلوقتى.. ووقفت فى تثاقل تبرهن له على ذلك.. وتقدمت خطوات حتى وصلت على مقربة منه..
-حمدالله على السلامة.. قال فى حبور.. بس متجليش علي رجلك اديها يومين كمان.. قال ناصحاً بصدق...
-حاضر... أجابت بعفوية.. ظل ينظر اليها لبرهة... لا تعرف ما سبب تلك النظرات التى يمطرها بها منذ فتحت عينيها.. انها تكاد تذوب تحت وطأة تلك النظرات.. التى تحمل قدر لا يستهان به من الدفء والحنان.. انها غير معتادة على تلك المعاملة منه.. وغير قادرة على تحمل ذاك القدر الوافر من الدلال والعطف اللذان يشملها بهما.. قطع افكارها ليسألها فى مودة وهو يضع ساعة اليد حول معصمه:-عايزة حاچة اچبهالك معايا وانا چاى..!!؟...
-لا..شكرًا.. عيزاك طيب.. أجابت بعفوية.. كما كانت تجيب ابيها.. عندما يسألها نفس السؤال.. لكم اشتاقت له..
على الرغم من ان اتصالتهما لا تنقطع الا انها فى شوق حقيقى لرؤيته والتمتع بعطفه وحنانه.
استرعت الإجابة انتباهه على الفور.. ليرفع رأسه اليها..
أتريده حقا طيباً.. وبخير.. !!؟؟؟... ام لازالت تكرهه كما لم تكره احد من قبل..!!؟؟.. سأل نفسه..لكن لا أجابة.. لذا سحب نفسه من شروده وقطع سيل نظراته اليها.. والقى التحية فى عجل وخرج مغادرا.
أسترعى تبدله فى اللحظات الاخيرة قبل مغادرته انتباهها
لكن لا تفسير لديها لتلك التقلبات التى بدأت تلاحظها مؤخرا.. على كل من تصرفاته معها.. أو نظراته اليها..
مر اليومان التاليان بنفس الوتيرة التى تحبس انفاسها.. وبنفس النظرات التى باتت تألفها.. حتى انها.. ولتعجبها اصبحت تشتاقها فى احيان كثيرة.. تهيأت أخيراً للنزول فى صحن السراىّ بعد ان حُبست لعدة ايام داخل جدار حجرتها التى ضاقت بها..
همت بفتح الباب.. فإذا برسالة ما تصلها على جوالها..لم تكن لتسأل عن مرسلها.. فوجيب قلبها قد أجاب..لتقرأها
عدة مرات كالعادة.. حتى تتفهم ما تحويه..
" انزلى الجنينة... ورا السرايا.. هتلجى هدية جومتك بخير.. حمدالله على السلامة "...
قرأت الرسالة عدة مرات.. هل أحضرلها هدية بمناسبة شفاءها.. لما يعاملها بكل ذاك اللطف..!!؟.. سألت من جديد
سؤالها الذى اصبح مقرراً... و نزلت فى بطء لا تريد ان تزيد من الضغط على قدمها مر بعض الوقت.. حتى اصبحت اخيراً خلف السراىّ كما أكد فى رسالته.. خطوة اخرى.. وتوقفت مذهولة.. لا تستطيع حراكاً.. فاغرة فاها فى صدمة حقيقية.. حتى انها شعرت بالدموع رغما عنها.. تترقرق فى مقلتيها.. فى فرحة غامرة...
كان يتجسد أمامها.. بناء صغير من حجرة واحدة واسعة أشبه بأكواخ الافلام الخيالية.. بألوانها الزاهية.. والورود والأزهار والنباتات المتلسقة التى تغطي سطحها وجوانبها
تحركت كالمشدوهة لتصل لتلك الغرفة..
حتى انها نسيت آلام قدمها... لتخطر الى غرفة الأحلام هذه لتجد كل ما يخطر على بالها.. آرائك ووسائد ناعمة مخملية.. شاشة عرض تلفزيوني..بساط خفيف ناعم يغطى الارض..منضدة دائرية تتوسط المكان... واخيرا.. مجموعة كبيرة من القصص والروايات المختلفة الاحجام والأنواع مرصوصة على رفوف جانبية بشكل منظم..
جلست تستقبل هذه المفاجأة فى ذهول.. تتلفت حولها فى عدم تصديق.. وهى تجلس فى تلك الغرفة الحالمة.. وكأنها انتقلت.. الى فصول احد تلك الروايات التى تعشقها..
هل فعل كل هذا لأجلها !!؟؟.. هل حقا تُكبد تلك المشقة من اجل اسعادها !!؟؟..
انتفضت فجأة.. عندما باغتتها سهام.. وهى تهتف فى مرح
حمدالله على السلامة.. ايه ده ؟؟!!.. لجيتى المفاچأة.. كان نفسى اوريهالك.. بس الظاهر عصام سبجنى وجلك عليها
ها ايه رأيك.. !!؟؟...
-حلوة قووووى.. بجد تسلم ايديكم... قالت وهى لاتزل تحت تأثير المفاجأة... وأثرها العميق فى نفسها...
-ايديكم مين بس !!؟؟..هتفت سهام ساخرة.. جولى تسلم يده.. عاصم كان بيسبج الزمن علشان لما تجومى وتحبى تنزلى الجنينة.. متجعديش هناك فى مجاعد الرچالة.. فعمل للحريم مجعد لوحدهم..علشان جال ايه..!!!.. هتفت سهام متصنعة الحقد..
انتِ بتحبى جراية الروايات فى الجنينة.. ماشى.. هنيالكِ.. وعجبالى يا رب.. صرخت سهام بدعاءها الاخير بقوة متحمسة مما دفع الضحكات على شفتى زهرة..لكن نظرات سهام انقلبت لنظرات ذات مغزى.. فهمتها زهرة.. فأومأت برأسها.. مجيبة إياها :-حاضر.. هكلمه يا سهام باْذن الله.. بس فى الوقت المناسب
اندفعت اليها سهام فى مرح تقبل وجنتيها.. وتندفع لتلبى نداء ام سعيد عليها... لتساعدها فى بعض الشؤون..
قضت معظم النهار فى خلوتها الجديدة.. تستمتع بالهواء المنعش والطبيعة الخلابة اللذان افتقدتها.. طوال اسبوع كامل من المكوث بغرفتها.. وامتدت يدها تتفحص الرفوف.. لتمسك بإحدى الروايات وتتصفحها.. غير مدركة لذاك الشبح الذى كان يقف بعيدا يراقبها فى مزيج من شوق وتردد.. يراقب سكناتها وحركاتها.. وهى لا تدرى بوجوده..
حمد الله فى سره.. لانه أقام تلك الغرفة العجيبة.. بمنأى عن رواد السراىّ وحراسها.. وإلا كانوا شاهدوه الان وهو يتلصص على زوجته وأصبح أعجوبة تلوكها الافواة ساخرة.. اطال الوقوف فى مكانه خلف تلك الأشجار الوارفة.. مأخوذ بها.. لا يريد ان يتقدم فيكسر حاجز خلوتها البرئ.. الذى يلفها بهالة من الفرحة والحبور.. لا يراهما على وجهها.. الا فيما ندر...
لكن.. لابد له من ذلك.. فقد تلحظ هى وجوده.. أو يلحظه احد خفراءه.. ظهر من خلف الأشجار متظاهرا بانه وصل لتوه.. فتنبهت زهرة لوجوده.. فعدلت من جلستها.. وقد بلغ بها الخجل مبلغه.. ماذا يجب عيها ان تقول.. أتشكره..!؟.. انها لا تقوى على ذلك.. تشعر بخجل رهيب يتملكها ويعقد لسانها على النطق بكلمة شكر واحدة على هديته..
تقدم والابتسامة تكلل محياه متسائلا :- كيفك دلوجت..!!؟..
تلعثمت وهى تحاول اخراج الكلمات من فمها.. :- انا.. الحمد لله.. وأشارت بكفيها للمكان وهى تقول باضطراب.. شكرًا.. بجد.. المكان.. يعنى حلو قوووى..
-عجبك..!!؟؟.. سأل والفرحة تقفز من عينيه..
-أه.. طبعا.. أجابت فى سرعة... عجبنى جدا.. تعبت نفسك..
-تعبك راحة... قالها صادقا... وهى تجلس صامتة.. لا تستطيع ان تزيد كلمة.. فقد تذكرت كيف كان يأتى يوميا.. طول فترة مرضها منهكا ولم تكن تعلم انه يحضر لتلك المفاجأة الرائعة لأجلها...
شعر بحرجها.. فنظر بجوارها.. ليجد احد الروايات التى كانت تطالعها...
-شايف انك بدأتى رواية چديدة من غيرى.. كان يقولها مازحا.. على العموم انا مسامح...
ابتسمت فى ود... وهى لاتسطيع ان ترفع رأسها لتقابل نظراته.. التى لا تقوى على مواجهتها..
استأذنت لتساعد فى اعداد الطعام.. لتهرب من حصار عينيه
لكنه لم يسمح لها.. خوفا على قدمها المصابة.. ودخل وهو يؤكد لها.. انه عند انتهاءهن من اعداد المائدة سيرسل من يناديها... رحل عنها..وتبعته بنظراتها حتى اختفى.. وأخذت هى تجيل بنظراتها فى الحجرة باستمتاع تام... وشعرت بنشوة عجيبة تغمرها..
انه يتذكر.. كيف كانت تحب القراءة فى الحديقة خاصة بجانب احواض الريحان... فأشرف بنفسه طول فترة مرضها على إقامة مكان خاص بها.. والعجيب..انه لم ينسى ان يضع أصيص من الريحان.. فى كل جانب من جوانب الغرفة... لم تستطع ان تترك نفسها لتلك الخواطر والأفكار التى تذهب براحة بالها.. فقررت النهوض لتذهب لتساعد ام سعيد وسهام بالمطبخ.. لعلها تتخلص ولو لبعض الوقت من شتات نفسها..
وقفت بالفعل رغم اعتراض كل من سهام وام سعيد على تواجدها بالمطبخ.. بدلا من راحتها لأجل قدمها التى لم تتعافى بشكل كامل.. لكنها اصرت على صحبتهما حتى ولو لم تقم بعمل حقيقى..فقد اكتشفت ان عاصم اخبرهم بانه سيحضر عمال للبيت ولابد من مساعدة ام سعيد فى تحضير الغداء لهذا العدد..
سألت زهرة سهام... عمال لأيه يا ترى !!؟؟...
-انا عارفة... قالتها سهام فى ضيق...
انخرط النسوة جميعهم داخل ذاك المطبخ الواسع الذى على الرغم مما يحمله من بعض الأدوات القديمة التى تنبأ بعمر تلك السراىّ إلا انه ايضا لا يخلو من بعض اجهزة حديثة تحمل عبق الحداثة والقليل من الرفاهية...
وزعوا الاعمال... وانخرطت كل منهن فى عملها مع بعض المزاح والضحكات التى كانت سببها.. عبث سهام... وشقاوتها...
اضطربت زهرة فجأة... عندما سمعت صوته يأتى من مكان ما داخل صحن السراىّ... حاولت الانكماش فى مكانها..
والاختباء من نظراته.. فى ركن بعيد.. لكن لا مفر..
دخل ينادى أم سعيد... يتأكد ان الطعام.. قد تم أعداده كما أمر..
حاولت ان تتجاهل حضوره الطاغى الذى يغمرها كموجات مد عاتية... على الرغم من أختباءها فى مكان... بعيد عنه
نسبياً... لكن.. لا محالة... صوته العميق ونظراته المتمهلة
وحضوره الأسر... لا يتركوا لها فرصة الهرب أو الفكاك.. من شِركه...
سألته الحاجة فضيلة... التى تبعته للمطبخ..
-العمال.. والحاجات اللى معاهم دى.. ايه يا ولدى.!!؟؟
-دى مولد كهربا... يا حاجة..
-ليه..!!؟..سألت فى تعجب... من ميتا بيهمنا الكهربا جطعت
ولا لاه... عادى يعنى...
-معلش... أنا هرتاح كده...
لم تكن زهرة تسمع ذاك الحوار الجانبى... فهتفت سهام..
تسأل أخيها من جديد... بتجول ده ايه يا عاصم يا خوى..!؟؟...
-أقترب من زهرة وهو يرد على سؤال سهام... ده مولد كهربا يا سهام... علشان ينور البيت دايما أول لما النور
يجطع يشتغل ويرجع الكهربا.. واقترب فى همس من زهرة التى كانت توليه ظهرها... تتحاشى نظراته...
ليستطرد فى جزل... علشان خاطر الناس اللى بيخافوا...
قالها بهمس وهو يقترب من مسامعها... مما جعلها تنتفض
بشكل جعل السكين التى تمسكها تضطرب فى يدها..
وتأوهت لمرأى الجرح النازف فى يدها..
فأندفع هو فى اضطراب... محيطاً بها من الخلف.. يحيطها
بذراعيه.. ليضع كفها المصابة أسفل شلال المياة الجارية
من الصنبور الذى فتحه على عجل... هاتفاً فى سهام بأحضار القطن ومطهر..
كانت لا تستوعب ما يحدث... حدث كل ذلك فى غفلة...
بسبب قربه منها.. فقدت السيطرة تماماً... انها حتى لا تشعر
بأى ألم يذكر.. من جراء ذلك الجرح المزعوم.. منذ اللحظة
التى أحاطها فيها وهو يحتضن كفها المصاب بتلك الطريقة الملهوفة... لم تعد تشعر بشئ إلا بقربه الذى يدمر أعصابهاويفقدها هدؤها النفسى المعتاد... كانت غائبة
فى خواطرها.. لا تركيز يذكر فيما يحدث من حولها.. لا تركيز فيما عاداه...
لم يخرجها من شرودها وخواطرها المتمركزة حول
كنه ذاك الرجل... الذى يحاصرها بذراعيه الأن..
إلا صوت أنثوى يقطر غيرة دخلت صاحبته فى غفلة من أصحاب الدار الذين التهوا بما حدث لزهرة
صوت ينبأ بقدوم رياح حقد.. وكراهية... قد تعصف.. بالجميع...
نظر جميعهم باتجاه ذاك الصوت الذى هتف فى تعجب :- واااااه... لحجتوا تدخلوا العروسة المطبخ..!؟؟... دى لساتها عروسة جديدة... هتفت بذلك سمية أبنة عمهم غسان بصوت يملؤه الحقد.. واستطردت فى سخرية... :-
وكمان جرحت نفسها... شكلها ملهاش فى الطبيخ
وشغل الحريم دى...
كان عاصم لازال مأخوذاً بجرح زهرة الذى كان يطيبه
الأن.. بوضع بعض الضمادات الطبية عليه.. ينظر اليها
قلقاً... لا ينتبه لكلام ابنة عمه الذى ينقط سماً فى كل حرف
من حروفه... كان مأخوذاً بها.. يديها الجريحة بين كفه..
نظراتها الخجلى... تتهرب من نظراته العطشى...
لم يوقظها من شرودهما... الا صوت سمية الحاد النافذ
الصبر وهى تهتف بشراسة :- متخفش.. يا واد عمى
دى جرح صغير... ميخلكش مخلوع عليها كده...
تنبه عاصم للمرة الاولى لمدى أقترابه واحتوائه لزهرة... فتنحنح فى ضيق وقال فى غضب مكبوت :- عاملة ايه يا سمية..قالها وهو ينظر لزهرة.. ومرت عمى وسليم اخبارهم ايه!!؟؟
ابتسمت ابتسامة صفراء وهى تقول فى غنج متكلف :- كلاتهم بيسلموا عليك... انت عارف بنعزك كيف... وركزت على حروف كلمة نعزك وهى تنظر لزهرة نظرة
تمنت ان تقتلها خلالها... نظرة نارية مسمومة..
-سلامى ليهم.. وخلّينا نشوفهم... عن اذنكم... قالها مستديرا للمغادرة.. عندما استطرد من باب الواجب... وانتى يا سمية... اتغدى معانا..
-تسلم لى يا واد عمى... هو انا اجدر ارفض لك طلب.. قالت كلماتها الاخيرة فى... دلال ممجوج لا يخفى على أحد
حتى ان سهام وأم سعيد تبادلتا النظرات فيما بينهما...
مشفقتان على زهرة... من تلك الغيور الحمقاء..
لكن زهرة... أستأذنت فى هدوء... لترتاح فى غرفتها حتى موعد الغذاء...
تمددت على اريكتها قليلا رفعت كفها الجريحة... لتنظر
لتلك الضمادة التى تلفه... هو من وضعها حول كفها... هل كان حقا ملتاعاً عندما رأها تنزف.. أم انها تتوهم... !!؟؟
لماذا كلما اقترب ضاعت منها سيطرتها على أعصابها..
وشعرت ان احرف الأبجدية قد اضطربت على لسانها فلا تستطيع النطق بحرف واحد...
نهضت تنظر من نافذة الغرفة... على ما يحدث من هرج ومرج بالأسفل... هل يفعل كل ذلك من أجلها!!؟؟...
ما سر اهتمامه بها !!؟..منذ ليلة البارحة.. وهو يفاجأها...
بما يقوم به من اجل إرضاءها... وهى ايضا متفاجأة من ردات فعلها تجاه أحواله المتغيرة تجاهها...
ظهر الأن فى مجال نظرها فى الأسفل.. يأمر وينهى..
حضوره الطاغى حتى وهو بعيد عنها لا يدرى وجودها جعلها ترتعش بشكل غريزى لاأرادى..
لكن من قال.. انه لا يدرى... !!؟؟... ففجأة.. نظر للأعلى حيث تقف فى شرفتها...
وتلاقت عيونهما للحظات قبل ان تضطرب وتبتعد للداخل متحاشيه نظراته... وتتساءل..لماذا كلما اقترب ضاعت منها سيطرتها على أعصابها..وشعرت ان احرف الأبجدية قد اضطربت على لسانها فلا تستطيع النطق بحرف واحد...
سمعت طرقات على الباب... أذنت بالدخول للطارق..
توقعت انها سهام... لكن لم تكن غير سمية... التى دخلت
تتفرس فى الحجرة... بشكل خالى من الذوق..
وهى تقول متصنعة المودة.. :- جلت أجى أجعد معاكى..
لحد لما يحضرولنا الغدا...
-أتفضلى... قالتها زهرة فى هدوء مرحبة على مضض
-ها.. عامل ايه معاكى واد عمى عاصم.. هو واعر وشديد... وانتِ بندرية مش متعودة على طبعنا...
-الحمد لله... ردت زهرة فى اقتضاب...
-أوضتكم حلوة... قالتها وهى تجول ببصرها فى ارجاء الغرفة... مستطردة... أنتِ عارفة..دى أول مرة ادخلها..
أصل مش من عويدنا العروسة تدخل أوضتها جبل جوازها..
و تصنعت اضطراباً بعد ذلك التصريح المسموم... وهى تكمل بث سمومها فى جو الغرفة.. والذى اصبح خانقا فجأة بعد هذا التصريح.. ولا تعرف زهرة لذلك سبباً..
-أنا مجصدش... اوعى تكونى زعلتى... دى كان كلام بس يعنى.. أنتِ عارفة الأهل وهنا بالذات فى الصعيد... البت مكتوبة لواد عمها.. من وهى فى اللفة...
ونهضت فى تثاقل... منتظرة أن ترى تأثير كلماتها الحاقدة على وجة غريمتها... لكن وجة زهرة ظل مبهم بلا أى تعبيرات... ولم تستطيع سمية ان تستشف من ملامحها ما يشفى غليلها...
دخلت سهام لتدعوهما للغداء... نهضت سمية تتوجه للخارج وهى تلقى بنظراتها النارية على الغرفة والتى حلمت فى يوم من الايام ان تكون عشها الهانئ...
همست سهام فى أذن زهرة وهما تهبطان الدرج.. متخليش كلامها يدايجك... دى غيرانة منكِ.. ابتسمت زهرة فى شرود تطمئن سهام... لكنها.. لا تعلم ما تلك المشاعر التى تكتنفها
منذ تصريح سمية.. لماذا تشعر ان هناك شئ ما يتحرك.. ها هنا فى صدرها.. شئ لا تعرف كنهه... احساس لم تستشعره من قبل...
أحساس جعل من سمية خصم لدود.. لا تعرف لماذا !؟؟ وضعتها فى خانة المنافسة ولكن على أى شئ نتنافس... !!؟؟ لم تعرف أجابة على أسئلتها... ولم تجد الوقت الكافى لتجد إجابتها عندما وصلت للمائدة... لتجد سمية تحتل كرسيها بجوار عاصم الذى كان يستمع لحكاويها.. وينفجر ضاحكاً...
جاءت لتجلس متوقعة انه سيحث سمية على الانتقال لمقعد أخرغير مقعدها.. لكنه كان مأخوذاً.. بذكرياتهما الحمقاء التى كانت تسردها الحاقدة فى فرحة غير موصوفة... جلست فى المقعد المجاور لسهام.. تختبئ خلفها... يتأكلها ذاك الشعور المتنامى الذى لا تعرف مصدره...
شعور مغلف بغضب مكبوت ينذر بالانفجار فى أية لحظة..
لم تتناول طعامها.. إنما أوهمت الجميع بأنها تأكل فقد كان فى حلقها غصة ما لو انها أكلت ملعقة واحدة من طعامها..
لأختنقت بها...
فى تلك اللحظة سمعت سمية تقول لعاصم.. فى نفس اللهجة
المتغنجة :- فاكر يا عاصم لما سليم وجعنى.. من على المهرة وانجرحت رجلى وفضلت شايلنى لحد الدار...
فى تلك اللحظة نظر عاصم لزهرة والتى أخيرا.. خرجت من مخبأها خلف سهام.. ليصطدم بعيون جوزية تشتعل
غضباً.. مما جعله يبتسم ويهمس فى نفسه... أخيراً..
أستيقظ الوحش...
وكان على حق تماماً فلقد هبت زهرة من مقعدها تستأذن لأنها تشعر بالصداع... شعر بخيبة أمل عندما رأى رد فعلها... انها تهرب لا تدافع كما توقع من روحها الوثابة
المقاتلة والمندفعة دوماً...
-روحى يا بتى أرتاحى... قالت الحاجة فضيلة وهى تتوقع انها غضبت من حكايات سمية الغير بريئة المقصد...
ففضلت لها الأبتعاد..
اندفعت تتجه لصعود الدرج.. وفجأة.. ألتوت قدمها أسفل جسدها..فصرخت فى ألم... صرخة جعلت الجميع ينتفض مهرولاً اليها وكان عاصم أول من وصل اليها..
انحنى يتطلع لقدمها... وما أن لمسها حتى صرخت متأوهة... فهتفت الحاجة فضيلة فى ضيق:- خبر ايه.. عين مين اللى صابتك يا بتى... !!؟؟
ردت سهام مصدقة على كلام أمها تلقى بالكلام.. لتفهم سمية انها المقصودة :- صدجتى يا حاجة... دخل علينا مين غريب النهاردة..!!؟..
اشتعلت سمية غضباً... وتقاذفت الغيرة شرارات مع نظراتها النارية... ليس فقط من كلام الحاجة فضيلة وسهام
والتى كانت تدرك انها المقصودة به...
ولكن غضبها وغيرتها وحقدها وصل ذروته بحق..
عندما وجدت عاصم يحمل زهرة بين ذراعيه ويصعد بها لحجرتهما كانت تتشبث برقبته تستكين فى احضانه..
وهو متيم بها.. لا يهتم لما عاداها...
كان ذاك المشهد كفيل بقتلها... الف مرة غيرة وحقداً..
فأندفعت خارج السرايّ دون ان تلقى التحية على سهام والحاجة فضيلة والتى أطلقت كل منهما ضحكة مجلجلة... على تعبيرات وجهها الشرسة..
فتح عاصم الغرفة... ودخل بشكل جانبى.. حاملا زهرة بين ذراعيه... أغلق الباب بأحدى قدميه...
وجلس على الفراش... والغريب انه لم يضعها عليه.. كما توقعت.. بل ظل محتفظ بها فى أحضانه يميل بجذعه..
ليتفقد قدمها المصابة لكنها فاجأته وتملصت من بين ذراعيه لتقف فى شموخ بلا أى ألم أو وجع يذكر..
ظل ينظر اليها فى حيرة.. وصدرها يهبط ويعلو اضطراباً...
حتى انجلت الصورة بوضوح فى عقله... لينفجر ضاحكاً...
حتى أرتمى على الفراش من شدة قهقهاته...
أعتدل أخيراً... محاولاً كبح جماح الانخراط فى نوبة أخرى من الضحكات الهستيرية ينظر اليها وهى لازالت على حالها تقف فى اعتداد وصمود جندى على وشك الانخراط فى المعركة... يزداد وجيب قلبها مع ارتفاع صوت ضحكاته... حتى انها حاولت منع نفسها قصراً.. من الانخراط فى نوبة ضحك مماثلة..
وقف ليشرّف عليها بقامته المديدة و التى تشعرها بالتهديد وعدم الحماية وبدأت تتهرب بنظراتها بعيدا..
مد كفه فى حنو بالغ يضعها تحت ذقنها ليثبت نظراتها المشتتة لتقابل نظراته القاتمة والتى تراها الأن كنهرين من عقيق مذاب... سأل فى همس قاتل..
-أنتِ عتغيرى... علىّ...
لابد أن تبتعد الأن عن تأثيره وتخرج بعيداً عن مجاله حتى تستطيع أمتلاك زمام أمرها والرد بما يحفظ كبرياءها صوت داخلى فى منطقة ما من وعيها حثها على ذلك..
فتراجعت خطوات للخلف مبتعدة عن تأثير لمسته الحانية وأولت له ظهرها.. وهى تقول فى صوت حاولت تغليفه بالحزم.. على قدراستطاعتها:-
أه طبعا بغيير... تهللت أساريره لاعترافها الغير متوقع...
فأستطردت... بغيير على كرامتى وكبريائى...
استدارت لتواجهه وقد تبدلت ملامحه للنقيض... وهى تكمل.. فى قسوة لم تعتدها فى نفسها.. الغيرة اللى حضرتك تقصدها دى ملح الحب يا باشمهندس.. وأعتقد الحب ده أخر حاجة ممكن تكون بينا...
لاحظت ملامح وجهه الرخامية التى لا تحمل اى تعبير يذكر... اما عينيه فكانت قصة أخرى فقد تحولتا لأعصار ينذر بكارثة كان يضم كفيه فى قسوة وذاك الوريد فى رقبته ينبض فى غضب حد الانفجار...
وفجأة.. اندفع فى سرعة البرق للخارج صافقاً الباب خلفه فى عنف أجفلها...
دخلت كذوبعة نارية تلقى حقيبتها على يمينها لتسقط أحد التماثيل الرخامية... محدثة دوياً صاخباً جعل امها الحاجة
رتيبة تجفل فى انتفاضة... وتهتف فى استنكار:- حُصل
ايه.. يا حزينة... جاية ليه من عندهم زربينك طالعة..!!؟؟
-البت دى مش سهلة.. ياما.. مش هانعرفوا نخلص منها
بالساهل... هموت من الغيظ... هطج... قالتها سمية فى حقد وغيرة... لا مثيل لهما..
-أنا جلت كده... محدش صدجنى... أشربى...
-لا... أنا محدش ياخد من يدىّ... حاجة كانت بتاعتى..
وهتشوفى...
-يعنى هاتعملى أيه!!؟؟... كان التساؤل من نصيب أخوها..
سليم الذى ظهر فجأة أعلى الدرج.. لينزل... ويقابلها..
ساخراً... كنتِ عملتى جبل سابق... ما هو كان جدامك...
-لا.. هعمل.. وهعمل كتير كمان... أنا سمية غسان الهوارى... تيجى واحدة من التهامية تاخد مكانى..
وأجعد ساكتة... دى لو اخر يوم فى عمرى... ومتجعدش
السنيورة دى فى البلد ولا لحظة تانية...
-طيب واللى يساعدك... !!!!؟؟..سأل سليم فى شيطانية
- عنايا ليه... هتفت فى لهفة..
-بس منجيش نجول.. لاه.. ومش هاجدر.. وكلام الحريم ده...
-لاه.. متخافش أى حاجة هتجولى عليها.. هعملها.. بس تغور البت دى... من هنه..
-خليكم كده... أنتِ عايزة عاصم.. وهو عايز سهام.. علشان ثروة عمكم دى كلاتها تجى فى يدكم.. ماهو ابوكم
كان عنديه.. كدها وأزيد... ضيعها على مزاجه.. وعلى الحريم... قالت ذلك الحاجة رتيبة فى تحسر.. مستطردة..
موجهة كلامها لولدها سليم..ما أنت طلبت سهام كذا مرة.. وانت واد عمها.. وأولى بيها رفضوك ليه.. يا حزين.. ثم استدارت عائدة مرة اخرى لمخاطبة سمية ساخرة..وانتِ ما كنتِ جصاد المحروس واد عمك من سنين.. مطلبكيش ليه.. ومستنياه وموجفة حالك عليه واهو راح اتجوز وهملك.. خليكم يا ولاد غسان... والله ما هتجبوها البر... وعاصم الهوارى.. غول
لو وجعتوا فى يده.. تبجى ياالله السلامة...
تركتهم فى نفاذ صبر.. وصعدت لغرفتها...
وانزوى كلاهما... يتحدثان فى صوت خفيض.. هو يشرح
وهى تصدق على كلامه.. بإيماءة من رأسها وأبتسامة جزلة
تحمل كل الحقد مرسومة على محياها...