رواية ميراث العشق والدموع الجزء الأول للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع
سار عبر الممر القصير الذى يفصل جناحه عن باقى غرف السراىّ ليمر بجوار غرفة سهام.. ليتوقف قليلا.. ويطرق الباب
ويدخل ليجدها.. تقبع متكومة فى احد جوانب فراشها.. وما ان رأته.. حتى انتفضت واقفة.. تتراجع للخلف.. كلما تقدم منها..
تعلو وجهها علامات الرعب من مجرد التفكير فى ردة فعله.. والتى تتوقعها شرسة بالطبع.. اصبحت الأن تلتصق بالحائط خلفها.. لا ملجأ اخر.. تأوى اليه...
وقف يتطلع اليها... لبرهة من الزمن... مرت عليها.. دهراً.. قبل ان ينطق متسائلا بصوت هادر :- ايه اللى بينك.. وبين بن جدرى التهامى.. !!؟؟..
انتفضت وهى تجيب فى سرعة وبحروف مضطربة :- ها يكون ايه يعنى... مفيش يا خووى... دى انا مشفتوش غير مرتين... فى الارض... مع زهرة... حتى أسألها.. دى انا حتى مكنتش أعرفه جبل سابج... ولا عمرى شفته..
-يعنى فى المرتين شفتيه مع زهرة... !!؟؟..سأل بلهجة عجيبة لم تفهمها.. لكنها أجابت بسرعة... آه.. طبعااا.. كنت معاها.. أسألها حتى وهى تجولك...
-ما أنا هسألها طبعا... همس فى لهجة مسمومة... وهو يشرد فى تخيلات شتى... حتى انتبه مرة أخرى ليسلط نظراته القاتمة على أخته التى انتفضت من جديد.. وهو يقول.. مفيش خروج تانى ليكم بره السرايا... الا معاى.. فاهمة... !!؟؟
-أه.. طبعا فاهمة فاهمة... أمرك يا خووى.. واستدار ليخرج من الغرفة كالعاصفة صافقا الباب خلفه فى عنف...
تناولت دواءها.. الذى أحضرته لها الحاجة فضيلة وهى ملتاعة
بعد ان علمت بما حدث... جالستها قليلا.. ثم تركتها لتستريح..
لأن دواءها يسبب النعاس... استلقت على الفراش.. وأغمضت عينيها.. لكن ذاك النعاس المزعوم.. لم يزور جفونها.. كانت تتمنى لو تستطيع ان تأخذ حماما دافئا يلقى عنها ذاك الأرق السخيف الغير مبرر ويدفعها للنوم.. وكالعادة دون تفكير مسبق.. نهضت فى بطء.. تتوجه للحمام.. وهى تقفز على قدم واحدة.. وحمدت الله ان ما من احد تنبه ان قدمها المصابة..بدون ذاك الرباط الضاغط الذى أوصى به الطبيب.. فلا قدرة لها على الانحناء لتفكه..
او تربطه من جديد... بدأت تلهث بسبب قفزاتها المتتالية.. ولازال باب الحمام بعيدا... ستفقد وعيها حتى تصل هناك.. قالتها فى خيبة أمل... وأخيرا وبعد معاناة.. وصلت لأعتاب الحمام.. وكادت ان ترقص فرحا.. الا ان صوت باب الغرفة الذى فُتح فجأة... أجفلها.. فكادت تسقط.. ولكن كالعادة... تلك الذراعين تلقفاها.. من جديد.. لما تشعر أنهما أصبحا قدرها.. هما.. وصاحبهما..
-جمتى ليه من سريرك..!؟؟؟... سأل فى حنق..منادتيش ليه على حد يساعدك.. !!؟؟..
-أكيد الكل نام دلوقت.. محبتش أذعج حد... قالتها متوترة
-هناديلك سهام.. قالها وهو يحاول مساعدتها لتجلس على احد المقاعد المجاورة..
-لا مفيش داعى... قالتها فى سرعة.. دى أنا كنت هاخد حمام علشان اعرف انام... اللعنة على تسرعها وزلات لسانها التى لاتنتهى... لماذا ينزلق لسانها دوما... ولا يكبح جماح عشقه لسرد التفاصيل.. له هو بالذات...
فجأة لمعت عيناه ببريق عجيب... جعل انفاسها تتوقف.. عندما قال..:- بسيطة.. عايزة تاخدى حمام.. مفيش اسهل من كده..
-ايه هو اللى بسيط دى... ومفيش اسهل منه..!!؟..سألت بتوجس وبنبرات متوترة...
لم يجيبها.. بل حملها بذاك المقعد الذى تجلس عليه... وتوجه للحمام... قالت فى فزع حقيقى... من فضلك نزلنى... خلاص مش عايزة.. انا خلاص جالى نوم والله... رجعنى على سريرى لو سمحت...
- أولا ده مش سريرك.. ده سريرى أنا... ثانيا... انا مش سواج جنابك..تجوليلى نزلنى هنا يا أسطى.. أجوم اسمع الكلام وانزلك.. ثالثا.. وده الأهم.. أنت عايزة حمام... يبچى لازماً تخدى حمام.. انا مرتى متنامش ونفسها فى حاچة أبداً... قالها بلهجة مازحة.. مشاكسا إياها..
- طيب انا نفسى ارجع الاوضة... قالتها وهى تعتقد انها نجحت فى إمساك نقطة عليه..
- من عنايا... هارجعك طبعا
-.. صحيح.. قالتها مقاطعة..
لكن بعد الحمام، استدرك وشعرت هى بخيبة الامل، وهى تراه يعدل من ضبط المياه الساخنة والباردة، من صنبور المغطس، الذى أزاح ستائره جانبا، وما ان وصل ضبط المياه.. لدرجة معقولة.. حتى حملها وكرسيها ليدخلهما المغطس... شهقت هى فى عدم تصديق لما يحدث.. وزادت شهقاتها عمقا عندما مد يده.. لأسفل ذقنها.. ليفك رباط حجابها.. فأنتفضت متمسكة به... وهى تهتف فى ذعر..
أنت بتعمل ايه..!!؟؟..
-حد هياخد دش بالحجاب... !!؟؟..رد لها سؤالها بسؤال.. متخابثاً... ولازالت لهجته المرحة تبطن كلامه...
-يعنى هو فى حد بياخد دش بهدومه... !!؟؟.. قالتها فى تهور ثم لعنت نفسها الف مرة... لما لاتصمت.. لما لاتخرس وتبتلع لسانها الذى سيوردها يوم ما موارد التهلكة.. ان لم يحدث ذلك اليوم... الأن.. وفى تلك اللحظة.. ابتعدت يديه عن عنقها.. لتبرق عيونه من جديد.. بنظرات عابثة..
وهو يقول.. تصدجى صوح..!!؟؟..وهم بالاقتراب منها.. الا انها صرخت فى زعر... جعلته يتراجع ضاحكا.. مؤكدا.. انه ما كان فاعلها.. وإنما هو تهديد.. ليفزعها ليس أكثر..خرج من الغرفة لحظات... ليعود بمقص فى يده..
جعلها... تجفل وهى تتمسك بأطراف عباءتها..
امتدت يده... لتقص عباءتها.. على احد جانبيها.. وهى لازالت تتمسك بها.. تضمها اليها.. حتى انتهى.. وقد غامت عيناه... واختفى البريق العابث.. ليحل محله قتامة تحجب الرؤية تماما... عن قراءة اى مشاعر تسكن تلك العينين... وهمس بصوت متحشرج... يحاول تغليفه بالمرح.. واحدة بواحدة... فتذكرت ما فعلته بجلبابه عندما أُصيبت كتفه.. فكتمت ضحكة كادت تقفز على شفتيها.. وتنبهت وهو يقول.. خدى راحتك.. ولما تخلصى نادينى... وتناول مِئْزَر من خلف الباب ووضعه على مقعد اخر بجوار المغطس قائلا.. ألبسى ده.. ها يبجى سهل عَلَيْكِ...
واستدار خارجاً... وتنفست الصعداء... وهى تحاول تنفيذ ما نصحها به... وأعترفت انها ما كانت لتستطيع خلع تلك العباءة بمفردها.. مع حال قدمها المتورم.. وداخل المغطس الذى قد يعرضها للأنزلاق.. وحدوث كارثة أخرى...
انتهت من حمامها... غير قادرة على مناداته.. لا تواتيها الشجاعة لتفعل... ولم تكن فى حاجة لذلك..فعندما سمع صوت خرير الماء وقد توقف منذ مدة.. وهى لم تنتهى.. فقلق.. وجاء يطمئن.. ببعض طرقات على الباب.. فسمحت له بالدخول...
توجه لها ليحملها من جديد... ولكن هذه المرة.. أنتقلت لها عدوى التشنج لتكون من نصيبها.. خاصة وهى تلملم أطراف مئزرها الحريرى.. عند نهاية عنقها تارة.. وأسفل ركبتيها تارة أخرى... غير قادرة على تثبيت تلك المنشفة التى جمعت بها شعرها الندى بديل عن حجابها... لتسقط غير مأسوف عليها وهو يضعها على الفراش... ليتناثر شعرها الرطب..على ذراعه التى كانت لاتزال تحيط بكتفيها..
وضعها ببطء.. وهو يحاول بمجهود جبار كتم شهقة ندت عنه وهو يزيح ذراعه.. لتتساقط جدائله مارة بساعده... ليقف لحظات مبهورا.. ثم يتحرك.. فى هدوء.. يحسد عليه... حيث موضع أدويتها.. على الجانب الأخر من الفراش ليتناول ذاك الدهان.. حانت منها ألتفاته له.. وهى تجمع شعرها.. وتضع علي رأسها تلك المنشفة التى ولحسن الحظ.. سقطت بالقرب من رأسها.. فوجدته يتناول بين يديه الرباط الضاغط.. اذن فهو لم ينساه..
عاد من جديد.. ليجلس أسفل قدميها.. ولا تستطيع هى ان تأتى بأى حركة... مع ذاك المئزر الحريرى.. الذى يقيد حركتها.. مد كفه ليتناول قدمها ويرفعها ليضعها على فخذه... فتندفع هى تلملم أطراف ذاك المئزر اللعين.. لتغطى ما تصل له يديها.. فلا تنكشف ساقيها... كانت يداه ماهرتين.. تعرفان موضع الألم بالضبط.. كيد خبير.. وضع الدهان وبدأ فى نشره... بحركات دائرية حول موضع التورم..
شعرت بالراحة... وبدأ الأسترخاء يدب فى أوصالها.. حتى انتهى أخيرا... فتناول الرباط الضاغط وبدأ فى لفه حول كاحلها.. وموضع التورم... لم يرفع رأسه عن قدمها.. طوال فترة عمله.. وما أن انتهى حتى أعاد قدمها لموضعها ونهض ساحبا غطاء الفراش على جسدها.. وأطفأ الأنوار..
ليعم الصمت التام... الذى لا يقطعه.. الا وجيب القلوب..
وذاك الأرق الذى طرد النعاس بلا رجعة... ولم يزورهما حتى خيوط الصباح الأولى..
استيقظ متململا بسبب النوم على تلك الأريكة التى لا تناسب طوله الفارع... تمطع يشعربتيبس ظهره... وتطلع حوله لا يدرى كم الساعة الأن... فالستائر تعتم الحجرة بالكامل فلا تدرك فى اى ساعة تكون... من نهار او ليل..
نظر لشاشة هاتفه ليفاجئ انها تخطت التاسعة.. نهض فى تثاقل... عظامه تأن..يسير متسللاً حتى لا يوقظ زهرة وقد أرهف السمع.. فتناهى لمسامعه صوت تنفسها المنتظم مما يؤكد انها لاتزل تغط فى نوم عميق.. وقف يتأمل محياها.. وبداخله ألف تساؤل.. تثير شكوكه مرة.. وتطمئنه مرة.. لا يعرف أيهما يصدق !!؟.. هل يمكن ان يكون ادعاء سمية صحيح..!؟.. هل يمكن ان يصل انتقامها مما فعله بها.. حد توريط اخته سهام.. مع بن عمها..!؟.. ام ان شكوكه تلك مجرد شكوك حمقاء.. لا أساس لها من الصحة !!؟..
كيف يكتشف ذلك !!؟..و كيف يتركها تمر بفعلتها تلك بدون عقاب..!؟.. وفى المقابل.. كيف له معاقبتها بعد ذاك السر الذى أفصحت عنه الحاجة فضيلة.. والذى يستوجب منه حسن معاملتها.. لا الاساءة لابنة خالته الراحلة.. !!؟؟...
الكثير من الظنون.. ومئات الأسئلة.. ولا أجابة واحدة.. ترضيه.. وتريح باله.. تنهد فى ضيق.. وخرج فى هدوء..
هبط الدرج... لتقابله امه بابتسامة بشوشة.. حيث تجلس فى صدر الدار حيث جلستها المفضلة.. جلس صامتا..
يبدو عليه الإجهاد.. وأثار الأرق بادية على ملامح وجهه..
ربتت أمه على كتفه... وكأنها تدرك ما يعانيه من تخبط..
-زهرة زينة النهاردة..!!؟؟..سالت لتبادر بكسر حاجز صمته
هز رأسه أن نعم... :-الحمد لله.. أحسن.. سبتها نايمة..الداكتور جالى الأدوية اللى بتاخدها... عتخليها تنعس ولازماً ترتاح..
-وانت !!؟..ميتا ها يرتاح بالك..!!؟..
-أمااااا... قالها متنهدا فى نفاذ صبر... شا الله يخليكِ مطلباش هى حكاوى ملهاش عازة... أنا مفيجش..
-زهرة حلالك يا ولدى.. قالتها فى هدوء من يقرر حقيقة غائبة عن ذهنه.. جعلته ينتبه بكليته لها.. عاقدا جبينه فى
حيرة.. وهو يقول فى صوت متحشرج.. جصدك أيه..!!؟؟
-جصدى انك تجربها منك وتراضيها وتكسب جلبها بالحنية.. و... كان يرهف السمع لكلمات امه بكل مسامعه وقد لاقت صدى محبب فى قلبه وعقله... عندما قاطعه الخفير سعيد متنحنحا... عاصم بيه.. فى حد طالب يجابل الداكتورة..
-حد مين ده..!!؟؟..تسأل فى تعجب.. وانتفض واقفا... ليندفع خارج السراىّ يقف على درجاتها الأمامية ينتظر دخول ذلك الشخص الذى كان يقترب.. وهو يلهث من فرط ثقل ما يحمل.. والذى وضعه أخيرا على الارض زافرا فى راحة.
كانت قد استفاقت من نومها... تشعر بألم قدمها وقد تحسن قليلا... لكنها تشعر بالوحدة.. والرغبة فى استنشاق الهواء النقى.. سقط نظرها على شئ ما يبرق فى ظلمة الحجرة..
تمعنت النظر قليلا لتكتشف انه الرأس الفضى لعصا عاصم الابنوسية... إذن فهو لم يخرج بعد.. وإلا ما كانت عصاه هنا... متى استيقظ يا ترى... !!؟؟... تناولت العصا فى رهبة.. استندت عليها.. وبدأت تتوجه ناحية الشرفة... وصلت أخيرا وفتحتها.. لتجلس على أحد المقاعد.. تتطلع لذلك النهار المبهر... وتملأ رئتيها.. بذاك النسيم العليل.. شاهدت من البعد.. سعيد الخفير يفتح باب السراىّ لشخص بحمل ما... عندما أقترب لينزل ما يحمل كان تحت شرفتها تمام.. فتعرفت عليه.. أليس ذلك هو الفلاح الذى عالجت بهيمته بالأمس والتى تسببت فى أصابتها.!؟..ما الذى آتى به إلى هنا... !!؟؟..
سمعت صوت عاصم.. والذى ميزته نبضات قلبها المتسارعة قبل أذنيها يسأل الرجل المسكين الذى يقف أمامه بلا حول ولا قوة... :-خير... أنت مين !!؟؟.. وتعرف الداكتورة منين..!!..وعايزها فى أيه !!؟؟... أرتبك الرجل أمام ذاك الكم من الأسئلة وخاصة أنه يقف أمام عاصم الهوارى بجلال قدره..
تردد الرجل فى خوف.. وهو يقول :- أنا... حامد أبو عامر يا عاصم بيه... أنا اللى الست الداكتورة لحجت جاموستى أمبارح.. وكانت السبب فى اللى حصل لرجلها..
-وأيه اللى جايبة فى يدك ده..!!؟؟..سأل عاصم فى ريبة..
-ده سطل لبن... جلت والله ما حد دايجه جبل ما أجيبه للداكتورة.. كفاية تعبها معايا.. واللى حصلها بسببى..
-أااااه... هدية يعنى..!!!..سأل عاصم مبتسما... مما شجع الرجل على الابتسام قليلا.. بعد ان كان ينتفض رعبا..
-حاجة على كدنا يا بيه.. مش كد مجام الداكتورة.. بس والله دى أنا حرمته على بيتى.. جبل ما هى تدوجه... كفاية انها عالجت الجاموسة اللى حيلتى.. واللى فاتحه دارى.. ربنا يبارك لها فى صحتها يا رب..
كانت زهرة تستمع إلى الحديث الدائر من الشرفة.. وقد همت بالاستدارة لتدخل للحجرة.. فهى لا تريد أن ترى..
كيف سيتعامل الغول.. بغطرسته المعتادة..مع ذلك الرجل المسكين..لن تتحمل رؤية ذلك... لكن للعجب.. سمعت قهقهاته.. وهو ينزل الدرجات الأمامية للسراىّ.. ويتوجه للرجل.. ويربت على كتفه فى ود.. كأنه صديق قديم..
-هدية مجبولة يا حامد... وبجولك أيه !!؟؟..
-أامرنى يا عاصم بيه !؟؟..قالها الرجل فى صدق.. ورغبة فى التنفيذ..
-أنت السبوع دى كله.. لحد لما تجوم الداكتورة بالسلامة.. تجيب يومى لبن الجاموسة... بس أيه.. هتاخد تمنه.. بتاع النهاردة بس.. هنجبلوه هدية.. ماااشى..!!؟؟..
-ربنا يجبر بخاطرك يا عاصم بيه.. هلل الرجل فرحا..
فأشار له عاصم لباب جانبى يدخل إليه سطل اللبن.. يؤدى لداخل مطبخ السراىّ.. وأشار لسعيد خفيره.. فأقترب ملبياً
-جول لأمك يا سعيد.. تديله اللى فيه النصيب.. من طبيخ النهاردة...
-يا بيه هو كان يطول.. ده كفاية اللى حُصل بسببه للداكتورة..
-سعيد..نهره عاصم... روح أعمل اللى بجولك عليه من غير كتر حديت..
أنت مسمعهوش بيجولك حرمه على بيته.. وده اكل عيشه من بيع اللبن... يرجع لعياله بأيه يا حزين... !!؟؟..
هز سعيد رأسه متفهما.. عندما ظهر الرجل من جديد.. يهم بالانصراف.. ألا ان سعيد أوقفه.. ليعود به من جديد لداخل المطبخ.. ويسير عاصم الهوينا.. يبتسم فى حبور
يشعر بسلام داخلى لم يعهده منذ زمن طويل.. شعور من الراحة النفسية يغمره ويحتل روحه.. شعور قد فارقه
ولم يعود اليه منذ أمد بعيد.. أبتسم لنفسه فى سعادة..
ليجد الرجل قد عاد.. يحمل ما فيه النصيب.. مهللا بالدعاء:- ربنا يبارك لك يا عاصم بيه.. ربنا يحفظلك ست الداكتورة يا رب..ويجعلها جوازة العمر.. والسعد والهنا..
ويرزجكم بالذريه الصالحة.. يااارب..
قهقه عاصم.. وهو يضع يده فى جيب صديريته.. وهو يقول :- وعلشان الدعوتين الحلوين دوول.. خد دوول لعيالك
مد الرجل يده يتناول ما جاد به عاصم وهو يهمس غير مصدق :- وكأن الليلة... ليلة عيد..
انفجر عاصم ضاحكا من جديد.. وهو يربت على كتف الرجل.. الذى استدار مغادرا.. وهو يقلب فى النقود غير مصدق..واخيرا استدار فجأة لعاصم هاتفاً بلهجة تحمل صدق الدنيا كله فى كلمات صاغها بفطرته :- ربنا يريح بالك..ويكفيك الفكر والخاطر.. ويمتعك بحلالك.. يااارب..
.. نظر اليه عاصم فى امتنان ممزوج بالدهشة ولم يعقب الا بابتسامة على دعوة الرجل التى مست قلبه.. فللمرة الثانية وفى أقل من ساعة.. يستمع لتلك الكلمة.. حلالك.. هل هى صدفة..!!؟؟..ولكنه وجد نفسه يهتف من اعماق قلبه..
-أمين... وهو يرفع هامته حيث شرفة حجرة نومه.. حيث تقبع من كان يظنها نائمة... ليصطدم بنظراتها.. وهى تقف هناك فى علياءها... وتساءل.. منذ متى وهى تقف هناك... يا ترى !!؟...
أخفض رأسه... وسار باتجاه السراىّ.. ودخلها.. وهى ايضا.
دخلت فى بطء تستند على عصاه.. حتى وصلت لأريكتها فجلست فى بطء.. تتوقع دخوله.. بين لحظة وأخرى.. لا تعرف لما دقات قلبها تتسارع بهذا الشكل العنيف لمجرد التفكير فى رؤيته.. انها لازالت مشدوهة مما رأته يحدث أمامها مع ذاك الرجل.. المدعو حامد.. انها تكتشف جوانب خفية فى شخصية ذاك الرجل..والملقب بالغول لقساوة قلبه.. لكن ما رأته.. لا يمت بصلة لقساوة القلب.. فلقد عامل الرجل اروع معاملة.. وأحسن إليه..
بالفعل قبل الكلمة..
دق الباب ليخرجها من شردوها.. فأعتدلت فى جلستها.. وأعتلت الحمرة محياها الرقيق.. وهى تسمح لمن بالباب بالدخول.. ظنت لوهلة.. بانه عاصم... لكن كانت ام سعيد.. تحضر لها أفطارها دخلت بصينية الافطار تلقى عليها تحية الصباح.. ثم تتركها أمامها وتستأذن لبعض شؤونها..
لا تعرف لما شعرت ببعض الاحباط عندما ظهرت ام سعيد على الباب.. بدلا منه... مما جعلها تفقد شهيتها فجأة ولا تشعر برغبة فى تناول الطعام.. فحاولت ازاحة الصينية بعيداً.. لكى تنهض متوكئة على عصاه..لكن صوت وصول أشعارا برسالة على هاتفها أعادها لتجلس من جديد.. لتفتح هاتفها.. والذى لحسن الحظ.. كان بالقرب منها على الطاولة بجوار صينية الطعام... فضت الرسالة فى بطء.. يخالف وجيب قلبها المتسارع... "كلِ كويس.. علشان دواكِ.. واشربِ اللبن... ده هدية من الجاموسة اللى صابتك "
انفجرت ضاحكة.. عندما انتهت من قراءة رسالته القصيرة..
وللعجب.. استعادت شهيتها فجأة لتتناول فطورها بأستمتاع
أثار دهشتها.. وشربت اللبن حتى أخر رشفة...
نهضت بهدوء.. تتوجه للفراش حتى تتمدد قليلا.. فذاك الدواء
يدفعها بالفعل للنعاس..
تمددت..وفضت رسالته من جديد..لتقرأها وتعلو وجهها الابتسامة.. واخيرا تغمض عينيها وتروح فى نوم عميق.. تخللته الكثير من الأحلام...
لا تعرف كم مضى عليها... وهى غائبة فى دنيا الحلم..فقد تململت فى فراشها.. عندما تناهى الى مسامعها صوت وصول رسالة إلى هاتفها.. فتحت عينيها.. فى صعوبة.. لتتطلع الى
الرسالة.. قرأتها.. وفجأة تنبه عقلها.. لتستفيق كلية.. وهى تقرأها للمرة الثانية.. انه هو.. هو من أرسل الرسالة..
إنه يذكرها بميعاد الدواء الثانى... ويؤكد عليها تناوله...
كم مضى من الوقت على نومها... !!؟؟.. انها مشوشة..
ورسالته زادت من تشوشها... لقد مر اكثر من ساعتين على نومها... اللعنة على ذلك الدواء.. نظرت مرة أخرى لشاشة هاتفها...
متسائلة فى حيرة.. لماذا يهتم بها بذلك الشكل.!؟؟.. لماذا تغيرت معاملته معها..!؟؟... او بتعبير أدق..
لماذا اصبحت علاقته بها عجيبة ومتقلبة..!!؟...
فما بين صمته القاتل المثير للريبة والذى يصاحبه نظرات ترهبها أو... ثورته العاصفة التى يصل بها للذروة.. فهو اما صامت حد الخرس..او ثائر حد البركان..
حتى نظراته... فهى ما بين نظرات غاضبة تموج بالرغبة فى قتلها..أو نظرات تحمل الكثير من الرغبة فى أرضاءها..
ماذا دهاه..!؟؟؟...
هى لا تدرى حقا ما يحدث !!؟... وما الذى يدفعه لذلك التذبذب.. فى التعامل معها.. !!؟؟..
تناولت دواءها... وتمددت من جديد.. وهى تشعر بالملل..
دق الباب.. فأعتدلت فى جلستها.. فدخلت سهام.. فى خجل تطأطأ رأسها.. فأبتسمت زهرة عندما رأتها هاتفة فى مرح ترفع عنها الحرج :-أخيرا حد جه.. علشان يقعد معايا.. ده أنا هموت من الملل...
-بصراحة يا زهرة..أنا مكسوفة منيكى.. لولاي.. مكنش حُصل اللى حُصل فى رچلك.. أنا السبب سامحينى... قالتها سهام بندم حقيقى..
-أيه يا بنتى !!.. هتفت زهرة ساخرة... حادثة عادية.. وجت بسيطة.. متكبريش الموضوع... يعنى هو انا كنت هروح فين يعنى برجلى... !!؟.. وابتسمت زهرة... أدينى قاعدة.. والاكل بيجيلى لحد عندى.. فى دلع أحسن من كده... !!!
قهقهت سهام.. وهى تقول.. لا مفيش الصراحة..
-سهام..!!؟؟... نادت زهرة لجلب انتباهها كلياً.. ثم استدركت.. انت ايه اللى بينك وبين حسام بن عمى... !!؟؟..
أضطربت سهام.. وطأطأت رأسها من جديد.. وبدأت تفرك فى يديها.. دلالة التوتر.. وأخيرا..أجابت فى تردد.:- أنا مش هخبى عَلَيْكِ يا زهرة.. أنتِ بالذات هتتمنى لنا الخير.. الصراحة..
هو عايز يتجدملى..
شهقت زهرة.. وهى تضع كفها على فمها فى صدمة..
-أنتِ بتتكلمى بجد.. !!؟؟.. انتوا بعقلكم.. أزاى هو يفكر فى كده أصلا.. وأزاى أنتِ تطاوعيه يا سهام.. أزاى..!!؟؟..
-وايه اللى فيها يا زهرة... !!؟؟.. ده عايز يتجوزنى على سنة الله ورسوله.. يعنى لا عيب ولا حرام.. هتفت سهام بتعجب اثار زهرة لتهتف بدورها فى انفعال :-لا عيب.. وحرام.. عيب وحرام فى عُرف الهوارية.. لا يمكن أخوكِ يوافق.. ولا أبوكِ ولا أمكِ طبعااا.. أنتِ بتنبشى فى القديم تانى..بعد ما صدقنا اتقفل بجوازى بأخوكِ...
-بالعكس.. جوازك بأخويا.. هو اللى شجعنا.. خلاص الجديم اتجفل... ايه المشكلة لما واحد من التهامية يتجدم لواحدة من الهوارية..طالما جصده شريف..
-أنتِ متأكده إنه بيحبك.. يا سهام..!!؟؟... استفهمت زهرة
-طبعا بيحبنى.. أمال عايز يتجوزنى ليه..!!؟؟..هتفت سهام بثقة
-مش يمكن حسام عايز يكرر حكايتى مع أخوكى.. ويتجوزك برضة انتقام منه..!!؟؟..
-لاه.. قالتها فى عنف.. حسام بيحبنى.. بيحبنى بجد.. قالتها فى تأكيد... ومش ممكن يعمل معايا كده..
-ربنا يستر.. تنهدت زهرة.. ربنا يسهلها لكم.. الموضوع مش سهل خاالص..
-ما ده دورك أنتِ بچى...
-أنا..!!؟؟... سألت زهرة فى دهشة... وأيه اللى يدخلنى فى موضوع ذى ده..!!؟؟..
-يعنى..ممكن تفتحى عاصم.. وتمهديله الموضوع..
-أنا... !؟؟.. سألت زهرة مرة أخرى.. لكن هذه المرة فى سخرية... أنا أخر حد يقدر يفيدك صدقينى..
-بس..جربى وشوفى.. مش هاتخسرى حاجة...
كادت زهرة تنفجر ضاحكة.. حقا.. لن تخسر أى شئ.. ربما رقبتها.. شئ ليس بالأهمية على أى حال..قررت مهادنة سهام..
حتى تستطلع الحقيقة من حسام.. وترى على ماذا ينوى..
-طيب يا سهام.. هشوف.. ربنا يسهل.. وفى الوقت المناسب..
هقول لأخوكِ.. وربنا يستر..
قفزت سهام.. من الفرحة.. وعانقت زهرة فى سعادة حقيقية..
سعادة عاشقة.. تعتقد ان الحبيب قريب المنال..غير عابئة..
بما تحمله الايام فى جعبتها... من تقلبات ونوائب..
اندفعت سهام لتخرج من غرفة زهرة... عندما استوقفتها فجأة قائلة :- هاتيلى رواية حلوة من عندك.. أقراها.. علشان الملل ده -حاضر.. أحلى رواية لعيون أحلى زهرة... وأرسلت لها قبلة فى الهواء قبل ان تغلق الباب خلفها.. وتغادر.. فى سعادة...
كانت مستغرقة فى قراءة الرواية التى جلبتها لاجلها سهام.. ولم تشعربقدومه الاوهو يفتح باب الغرفة..فانتفضت.. وعدلت من جلستها على الفراش.. دخل فى هدوء..وألقى السلام..بادلته التحية... وعادت الى مطالعة روايتها..وقد غاب عنها التركيز فى وجوده... فأصبحت لا تعى للكلمات معنى... كان يبدو مرهقا.. ترك عصاه.. وخلع عنه عباءته.. وتوجه للحمام..الذى غاب فيه لفترة وكأنه ينفض عنه اثار ذاك الإرهاق الباد على محياه..
فعلا.. كان يغيب النهار بطوله.. لا ترى له اثرا... يبدو ان هناك الكثير من العمل.. يستغرق منه النهار باكمله... خرج اخيرا.. وهو لا يزال.. يجفف شعره بمنشفة تغيب وجهه كله بين طياتها.. واخيرا نفضها بعيدا..ليطالعها بذاك الشكل الطفولى.. وهو غير مهندم الشعر.. لا تعرف لما زاد وجيب قلبها.. بشكل لا أرادى.. توجه لطاولة الزينة.. مشط شعره الحالك السواد.. ونثر على جلبابه بعض من العطر.. وتوجه لاريكتها التى احتلها منذ حادثة قدمها..
تمدد عليها.. وعيونه معلقة بسقف الغرفة.. ربما يزوره النوم..ولو لحظات.. هم باغلاق نور الاباجورة المجاورة
عندما بادرته متأسفة:- انا آسفة.. اخدت السرير منك.. ونمت انت على... لم يمهلها لتكمل أسفها..
-لا أسف ولا حاچة... المهم تطيبى.. وتبچى زينة..
وأغلق الأنوار.. وكأنه يقطع استرسال الحديث بينهما.. تمددت على الفراش.. هى تعرف انها لن تنام.. لانها نامت بما فيه الكفاية..بسبب تلك العقاقير.. التى تدفعها للنعاس دفعا.. فى أوقات لست مناسبة للنوم من الاساس... تقلبت كثيرا على الفراش لعل النوم يزورها اكراما لها.. فهى لا تستطيع حتى الخروج من الغرفة لتقرأ قليلا.. ليس عليها الان.. الا الحملقة فى سقف الغرفة المنقوش.. لتقتل الوقت.. لكنها ارتجفت..
عندما تنامى الى مسامعها صوته.. وهو يسألها :- منمتيش ليه..!!؟؟... هل يشعر بها.. ويشعر بأرقها... وسهادها..
-نمت كتير بسبب الدوا.. فمش جى لى نوم.. أجابت بصوت مرتجف قليلا..
-وانا كمان مش چى لى نوم... اجاب فى صوت رخيم يغلفه الإرهاق.. فتعجبت.. كيف يخاصم النوم من كان فى إرهاقه!!؟؟... فتح النور المجاور لاريكته وهو يعتدل جالسا.. زَافرا فى ضيق.. ثم هب واقفا.. واندفع خارجا من الغرفة.. اعتدلت فى جلستها.. وهى لا تعرف الى أين ذهب!!؟؟... بالتأكيد ليس خارج السراىّ.. لانه لم يأخذ عباءته وعمامته وعصاه كما تعود... ربما يجلس قليلا فى الحديقة.. حتى يغلبه النعاس فيعود..
مدت يديها.. لتفتح الأنوار على الطاولة الملاصقة لفراشها.. وتتناول روايتها.. لتبدأ فى مطالعتها من جديد..غابت فى احداثها.. لتفاجأ به.. يدخل الغرفة.. و هو يحمل بين يديه.. صينية طعام.. عليها كأسين من الحليب.. وبعض المقرمشات الخفيفة التى تصنعها ام سعيد.. فى الفرن الخلفى الملاصق للمطبخ... تعجبت.. هل يحمل لها الطعام..
حتى فراشها... !!.. دوما.. وأبداً.. سيظل يفاجأها..
اقترب من الجانب الاخر للفراش.. ليجلس وهو ممسكاً بالصينية المستديرة.. محاولا عدم سكب الحليب وهو يعتدل ليواجهها.. وضع الصينية على الفراش بينهما اخيرا دون أية خسائر.. ومد لها يده بكأسها.. فتناولته..فى ثبات وهى فاغرة فاها.. مدهوشة مما يصنع..
-اشربى اللبن.. هيساعدك تنامى.. وخدى كلى.. الفايش ده علشان الأدوية اللى بتخديها..
تناولت المقرمشات التى قدمها لها.. وهى مسحورة تقريبا..
اما هو فكان يتعامل بأريحية كبيرة اربكتها.. هل هذا هو عاصم مهران الهوارى... الملقب بالغول.. قاسى القلب.. الذى لا يعرف ما تعنى كلمة رحمة ولم تُخط تلك الأحرف الأربعة فى قاموسه اليومى.. للتعامل مع البشر... !!؟؟... اربكها تماما.. فما عايشته صباحا.. ورأته يحدث مع ذاك المدعو حامد.. الذى أتى بهدية الحليب الذى تتناوله.. وتعامله الرقيق معها الان..!!؟.. يؤكد على خطأ ظنها.. ان ارتباكها من تصرفاته وصل ذروته بالفعل فهى تشعر بانه يدللها.. او شئ ما شبيه بالدلال.. ام تراها واهمة..!!؟؟..
وهو مجرد مشفق عليها لمرضها ليس اكثر..!!؟... او ربما يرد الجميل لها.. لاعتناءها به اثناء حادثة كتفه !!؟... لا تعلم اى الأسئلة السابقة هو الإجابة الصائبة لهذه الحالة العجيبة والرائعة التى يعاملها بها... لكنها شعرت ان السبب الاخير ربما يكون هو الأقرب للصواب.. انه فعلا.. يرد جميل.. لا اكثر...
أجفلها.. عندما لاحظ شردوها وهو يقول :- اشربى اللبن جبل ما يبرد.. وكلى.. يمكن تكونى جعانة وانتِ مش واخدة بالك..
أطاعت دون ان ترفع رأسها لتواجه نظراته.. ارتشفت قليل من الحليب.. وتذوقت المقرمشات اللذيذة.. والتى أعجبت بها عندما تناولتها للمرة الاولى وأصبحت مفضلة لديها...
-بتجرى ايه..!!؟؟... سأل وهو يوجه نظراته متفحصاً غلاف الرواية التى تطالعها.. والتى وضعتها على الفراش مجاورة لها.. بالقرب من صينية الطعام..
-دى رواية بتسلى فيها.. علشان ببقى زهقانة وانا لوحدى طول النهار.. وخاصة لما سهام بتكون مشغولة ومش فاضية تقعد معايا..
-"كبرياء وتحامل "... قرأ اسم الرواية وقد اظهر اهتماما.. اثار تعجبها... بتحكى عن ايه بچى..!!؟؟.. هل ما سمعته صحيحاً..!؟؟..هل يريدها ان تقص عليه احداث الرواية.!؟! حاولت التهرب وهى تقول.:- يعنى... احداثها مش هاتعجبك.. كلها عشق.. ومسخرة.. قالت كلماتها الاخيرة ساخرة.. تذكره بكلمات سابقة له.. قالها عندما رأها منذ فترة ليست بالبعيدة تطالع نفس النوع من الروايات... وعلى ما يبدو انه تذكر فانفجر ضاحكا..:- وماله.. نشوف بتوع العشج والمسخرة دوول بيجولوا ايه..!!؟.. اهو ناخد فكرة..
ويبدو انه مُصر على موقفه وان أرقه عاقبته.. ستدفع هى ثمنها...
-بس انا خلصت ربع الرواية.. قالت متحججة...
-احكيلى اللى فاتنى واتابع معاكى.. احنا مورناش حاچة.. وتمدد بأريحية.. وهو يعدل الوسائد خلف ظهره..
ولمعت عينيه ببريق عابث وابتسامة شقية وهو يقول :- يا الله.. احكى يا زهرة زاد...
انفجرت ضاحكة بعد ما سمعت لقبها الجديد... وتوقفت ضحكاتها فى خجل.. وهى تجده يتفرس فيها.. وفى ملامح وجهها الباسم.. والذى أشرق كشمس فى منتصف الليل.. تداركت خجلها بصعوبة... وأخذت تحكى له ما فاته من احداث الرواية.. وهو يستمع بإنصات أبهرها.. كان لا يقاطعها الا للاستفسار عن حدث ما او اسم شخصية من الشخصيات..
حتى انتهت من سرد ما فاته.. وبدأت فى القراءة.. بصوت مرتعش قليلا يغلب عليه الخجل.. ثم استمدت الثقة قليلا.. بعد ان وجدته متابعاً معها.. يهز رأسه.. متفهما الأحداث.. ظلت تقرأ.. وتقرأ.. حتى رنت منها نظره جانبية له.. فوجدته يشبك ذراعيه لصدره ويغمض عينيه.. ورأسه يرتاح على الوسائد خلف ظهره.. أعتقدته.. راح فى نوم عميق.. الا انه سألها فجأة..
-ليه وجفتى.. انا متابع..لو انتِ تعبتى.. خلاص..
-لا..لا متعبتش.. افتكرتك نمت..
-لا.. انا منمتش..عجبانى الجصة دى.. كملى..
بدأت فى القراءة.. واذ فجأة تمتد كفه لتلتقط كفها فى عذوبة وتحتضنها لصدره وهو لا يزال مغمض العينين.. كأن ما فعله شئ معتاد يقوم به كل ليلة.. والغريب انها لا ترى اى اثرعلى ملامحه ينبأ بتأثره.. فقط استكانة عجيبة لملامح وجهه.. وهى التى تنتفض الان اضطراباً ولا تستطيع قراءة حرف واحد دون تلعثم..
أهو يعذبها بطريقة جديدة..!!؟؟..و كيف يريدها الاستمرار.. وهما على هذا الوضع..!!؟... ستخبره بأنها تعبت.. وهاجمها النعاس لتسترد كفها الحبيسة بين احضانه..
وما ان همت بان تفتح فمها معترضة... حتى وجدته يستدير..ليُوليها ظهره ساحبا كفها معه.. لينجذب جسدها كله بالتبعية.. لتصبح فى وضع لا تحسد عليه.. حمدت الله انه حمل الكاسات الفارغة وصينية الطعام..
بعيدا على الطاولة المجاورة له.. وإلا كانت تنكفئ عليهم الان.. ظلت على وضعها المعلق ذاك.. كفها مشدود لاحضانه.. وجسدها فى الطرف الاخر من الفراش.. حاولت ان تسحب كفها منه ببطء.. لكنه تشبث به... كتشبث طفل بلعبة تمنى الحصول عليها ونام وهو يحتضنها.. كانت على يقين انه غارق فى النوم.. من انتظام انفاسه الهادئ..فكيف يتعلق بكفها هكذا..!؟؟..وماذا هى فاعلة الان..!!؟؟.. تمددت مرغمة تقاوم النعاس حتى باغتها.. لتذهب فى نوم مشوش ملئ بالاحلام.. عن كفها القابعة الان بين احضانه..
همهمت فى نومها.. تتقلب بحرية اخيرا بعد ان كانت اسيره النوم على جانب واحد..ولم تكن تع لما..!؟؟... واخيرا بدأ عقلها فى العمل بكامل طاقته.. لتتذكركفها التى أسرها عاصم..ولم تعرف متى أطلق سراحها... أنتبهت تتطلع حولها.. لا تجد أثرا له.. ولا أثر لكؤوس الحليب.. هل كان حلما.. من بنات أحلامها... التى داهمت نومها.. !!؟؟..
طرقات على الباب اخرجتها من خواطرها.. فأعتدلت فى جلستها... ونسقت شعرها وهندمت عباءتها الحريرية الزرقاء بلون البحر.. فإذا بها سهام.. دخلت بمرحها وصخبها المعتاد... وهى تحمل صينية أفطارها..وهو تقول :- كفياكِ نوم.. جربنا على الضهر..
-صحيح..!!؟؟.. سالت مستفسرة... متى استيقظ ومتى غادر يا ترى.. !؟؟.. سألت نفسها.. وجاءها الجواب من سهام.. وكأنها سمعت تسأل.:- ده عاصم.. بره بجاله ياجى ساعتين وزيادة... نزل فطر معانا.. بس ايه.. مجلكيش على الانبساط.. والزجططة اللى كان فيهم.. عملتى ايه فى اخويا.. يا زهرة.. أعترفى !!؟.. قالت جملتها الاخيرة بصوت احد المحققين.. مما دفع زهرة للانفجار ضاحكة..
يا ترى ما هو سر تلك الفرحة والسعادة.. اللتان.. تصفهما سهام !!؟؟... رِن هاتفها.. معلنا وصول رسالة ما..
انه هو.. لا تعرف لما شعرت بذلك قبل ان تطالع الهاتف..
فضت الرسالة ليتأكد حدسها.. قرأتها بعينيها.. التى شعت بابتسامة فرحة.. " متنسيش دواكِ... ومتجريش الرواية من غيرى.. "
-سهام.. عايزة رواية تانى.. أقراها..
-لحجتى خلصتى اللى اديتهالك امبارح.. !!؟؟..
-لا.. مخلصتهاش..قالتها وهى تبحث عن حجة مناسبة.. بس أفتكرت انى قريتها قبل كده.. فعايزة غيرها..
-طيب يا ستى وماله.. هجيب لك غيرها.. تأمرى.. هو انا أجدر أجول لاه.. ده كان عاصم يجتلنى... ده موصى الكل عَلَيْكِ.. و توجهت للباب.. تحضر من غرفتها رواية أخرى.. لكنها توقفت عند عتبة الباب.. تسأل زهرة فى تردد..:-
- لمحتى لعاصم على موضوعى يا زهرة.. !!؟؟..
-الصراحة.. لا يا سهام.. أجابت زهرة فى صدق.. واستطردت عندما وجدت العبوس يكلل ملامحها.. استنى بس لما اقدر امشى على رجلى.. علشان أكلمه واعرف اهرب من وشه.. قبل ما يقتلنى بسببك..
زال العبوس عن ملامح سهام.. وانفجرت ضاحكة.. وهى تقول :- تصدجى صوح !؟؟.. عندك حج برضك.. لازماً تأمنى نفسك.. واندفعت خارج الغرفة تحضر الرواية.. وتترك زهرة تتناول أفطارها شاردة فى احداث الليلة الماضية.. وما يمكن ان يحدث هذه الليلة من ألف ليلة وليلة.. التى بدأها البارحة.. وتذكرت لقبها الجديدة.. "زهرة زاد"... فكررته ضاحكة فى سعادة...