رواية ملاذي للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الحادي عشر
ضحك الرجل البعيد وهو يقترب ليوقف تقدمه صوت خبطات شديه على الباب وكأن احد يحاول كسره...
-افتحي يا جميله!
وصل اليها صوت وليد المذعور وقد سمع صوت صرخاتها هو وزوجته، وتوجهت الاء تجمع الناس في الخارج لمساعده وليد...
استجمعت شجاعتها وعضت بشده على يد الرجل الذي تألم و صفعها ثم جذب شعرها يوقفها...
قرب وجهه من وجهها وهو يعيد وضع يده جيدا على فمها ويقرص عليه...
-بقك ده يبقي مقفول ولو اتفتح وجيبتي سيره سامح في حاجه هتندمي انتي متعرفيش بتلعبي مع مين ياحلوة...
زادت اصوات محاولات كسر الباب...
ليصفعها مره اخري ويدفعها لتقع على المقعد خلفها، تركها الرجل وركض الي الغرفة يتبع الرجل الثاني للهرب من احدي النوافذ...
حاولت الوقوف والتوجه الي باب الشقة ولكن وليد والرجال سبقوها وتم كسر الباب...
سقطت على المقعد مره اخري تحاول استجماع قواها وحث الهواء على الدخول الي رئتيها...
وضع وليد يديه على رأسها بخوف...
-مالك يا جميله، انتي معايا ياحبيبتي!
هزت رأسها بألم فالصفعة لا تزال تؤثر عليها و اخرجت شهقة عالية لتجهش في البكاء غير مصدقه انه تم انقاذها بالفعل!
اغلق وليد الباب بعد ان شكر اخر رجل كان قد جاء لمساعدتهم ووضع رأسه عليه بتعب ليستعيد نشاطه ويتجه الي جميله مطالبا بهاتفها...
-تلفونك يا جميله متفتكريش اني هسكت!..
جففت دموعها وبحثت بين اغراضها التي تنثرت في ارجاء الغرفة اثر الصراع لتجده ملقي بجوار الفراش لتعطيه ل وليد...
امسك الهاتف يبحث عن رقم ماجد واتصل به على الفور...
جاءه صوته النائم بهدوء..
-الو؟!
-استاذ ماجد؟!
-ايوة انا...
-انا وليد ابقي اخو جميله اللي شغاله عندكم مساعده السكرتير...
اعتدل في جلسته ليردف بقلق وتوتر فهو لا يتذكر وجود اي اخ لها..
-خير انا مش فاهم حاجه جميله كويسه؟!.
سرد له وليد كل ما حدث ليأمره ماجد بالهدوء وانه قادم على وجه السرعة..
فتح ماجد الباب فانتفض محمد من نومه بخضه ليمسك بسلاحه، تسمر ماجد للحظه قبل ان يقول...
-ناس اتهجمت على جميله في بيتها وسامح قسم الالكترونيات في الموضوع...
تبدلت ملامح محمد من التيه الي القلق ثم الغضب والخوف...
ليردف بحلق جاف وبحروف متقطعة...
-جميله حصلها حاجه؟!
-لا اطمن واحد اسمه وليد بيقول اخوها لحقها هو الناس الي في الشارع، اكيد جارهم وبيقول اخوها!
لم يستمع له محمد وانتفض بعد كلمه اطمئن يبحث عن ملابسه ويرتديها على عجله...
لن يسامح نفسه ابدا ان حدث لها شيء بسببه هو او والده الذي اقحمها في حياتهم الخطرة دون سبب!
نظر الي والده بغضب ولأول مره يفقد اعصابه...
-مبسوط كده، انا عارف انك مخطط من الاول ترجعها حياتي تاني! جايبها ليه عشان تروح مني هي كمان، هفضل لحد امتي كل اللي يقرب مني يموت ويجراله حاجه، سيبها في حالها وسيبني حرام عليك...
وقف ماجد شامخا على موقفه ليردف...
-تروح منك ليه وهي اصلا مش بتاعتك!
شعر بلسانه يعجز عن الرد وتفكيره يتوقف ليستكمل ارتداء ملابسه متجها الي السيارة وماجد في اعقابه...
في اقل من نصف ساعه وصل محمد وماجد ولحق بهم عبدالرحمن، انزعج من استدعاء والده له ولكنه كان منشغل بما هو اهم جميله
دلف بعد ان القي عليهم وليد السلام وجدها جالسه بجوار فتاه اخري...
اتجه نحوها يتفحصها بعينيه بحب وكأنه يطمئن قلبه بانها على ما يرام...
التقت نظراتهم فبدأت دموعها بالسقوط دون انذار...
اقترب وجلس بجوارها بقله حيله وقال بخفوت يغاير ما بداخله..
-حصلك حاجه يا جميله؟!
هزت رأسها بالنفي و ظلت انظارها معلقه به وكأنها تترجاه ان يتناسى قسوته و وعوده التي اخبرها ماجد عنها والاقتراب منها فهو اكثر شخص تحتاجه...
بلل شفتيه التي جفت من هول المشاعر التي تلقيها عينيها اليه!
فرك عينيه وهو يحاول تحمل صوت عبدالرحمن الذي امسك بأذنها منذ ان دلف يغرقها بكلمات مفيدة ذات مشاعر الامر الذي فشل هو فيه!..
احاطته الغيرة بحده متغلبه على باقي مشاعره...
ليقف بغيظ قائلا...
-ليه مكلمتنيش على طول لما شفتي سامح بيرمي المفتاح؟!
رأت عيونه الغاضبة متعلقة بها لتردف بخفوت وخوف...
-انشغلت وكمان كنت خايفة!
وقف وليد مدافعا وهو يرفض نبرته الحاده...
-طبيعي يا جميله تخافي وبعدين اللي حصل حصل يا استاذ محمد ؛ هي كانت هتحكي كل حاجه الصبح بس هما كانوا اسرع!
طالعه محمد بحده، الا يكفيه عبدالرحمن، ليظهر له هائم اخر بها..
تكلم ماجد سريعا...
-انا طلبت البوليس واكيد هيقبضوا عليه انهارده!
امسك محمد بنظراتها قائلا...
-مش مهم لأنه اكيد هيختفي، جميله هي اللي لازم نفكر فيها، انتي في خطر ولازم تتأمني زيك زي ماجد باشا بالظبط!.
ضغطت الاء على يدها بقلق لتردف جميله..
-ليه؟!
-ليه؟ هو انتي مش واخده بالك ان في ناس اتهجمت عليكي!
اغمضت عيناها من حده نبرته وعلوها لتردف بهدوء...
-يعني ايه اللي هيحصل دلوقتي!
صمت برهه ليقول بحده وصرامه...
-انتي لازم تيجي معانا الفيلاعشان اقدر احطك تحت المراقبه انتي وهو مع بعض!.
انتفض وليد برفض...
-يعني ايه تيجي تعيش معاكم في الفيلا! لا طبعا، متشغلش بالك انت اختي و انا هحميها!
ليقترب منه محمد بغيظ يعجز عن اخباره بانه ليس اخيها بحق...
-هتحميها ازاي!، بلاش سذاجه محدش هيقدر يحميها قدي!
-انا مش موافق انها تعيش وسط رجاله مالهاش علاقه بيها، الناس هتقول ايه!
-ياسلام تتحرق الناس! المهم سلامتها!..
جز وليد على اسنانه ليردف بحنق...
-انا ههتم بسلامتها، جميله تخصني انا!
نفذ صبره ليردف...
-انت مين اصلا عشان تقرر وتخصك منين!
ليقاطعهم صوت جميله الحاد نسبيا...
-ممكن تسكتوا، مش ملاحظين انكم بتقرروا مكاني!..
رمقها محمد بنظره ارعبتها ليردف بحسم...
-القرار انا خدته بالفعل، انتي بتشتغلي معانا وتحت حمايتي انا! محدش ليه حق الاعتراض، احنا بنتكلم عن حياتك!
حاول ماجد التدخل ليوقفه محمد بصرامه بنظراته!
اطرقت رأسها رافضه الحديث لتقول...
-انت محسسني اني مهمه جدا، الموضوع ابسط من كده و كمان...
صمتت وهي ترمقه بنظرة مبهمة لتردف..
-وليد عنده حق انا مينفعش اعيش مع ناس وبالأخص رجاله لوحدي!
استشاط غضبا ليجز على اسنانه بحنق قائلا...
-انتوا مجانين!
اردفت جميله بغضب مماثل وصوت عال نسبيا...
-احنا اللي مجانين، تقدر تقولي اجي اعيش معاكم ليه؟، لو حد شافني وسألني اقولهم انا عايشة هنا فتره بصفتي ايه؟!..
-بصفتك مراتي!
اتسعت مقلتي عينيها بصدمه رافقها بها الجميع في لحظه صمت قاتله..
لم تتغير ملامحه الغاضبة حتى بعد ما اعلنه الا ان قلبه كان يدق غير مصدقا ما اعلنه للتو...
وليد اول من خرج من صدمته ليردف...
-مراتك! يعني ايه مراتك؟!
ضيق عينيه بملل و اصرار قائلا...
-مراتي زي الناس، هو في معني تاني لمراتي؟!
ليسرع ماجد بحماس...
-ايوة عين العقل وبالطريقة دي كلنا هنبقي مطمنين...
ليردف وليد...
-الكلام ده تهريج، يتجوزها عشان يحميها وانا موجود...
-انا كمان مش مقتنعه!..
قاطع ماجد تصريح جميله وهو يطلب التحدث على انفراد معها في احدي الغرف، على مضض من وليد الذي يشعر بتعجب من تمسك الحارس بحمايه شقيقته...
اما محمد فاستغل الوقت ودلف الي غرفتها يحاول معاينه المكان للحصول على اي دليل...
وهو في مهمه بحثه وجد صوره قديمه في وسط الفراش ويبدو ان الصراع قد طالها...
امسكها بحذر ليري نفس الصورة التي يحتفظ بها بمحفظته و يحفظها داخل قلبه...
شعر بدفء كبير يغمره مازالت تتمسك به و بذكرياتهم، تلك الفتاه الصغيرة بابتسامتها البريئة لتعود مجددا بهيئتها الشابة اليه تصر على قلب كيانه...
لماذا تحتفظ بها حتى الان، هل تنتظره وتلجأ اليه في فرحها وحزنها مثلما يفعل تماما؟!
اما عند ماجد و جميله فدار حوار كبير بينهم في محاوله لأقناعها بالزواج من محمد و لو بشكل صوري...
-ازاي بس يا ماجد باشا؟!
-بصي يا بنتي، زي ما قلتلك مين محمد بالظبط هرجع تاني واقولك ان خطتتي عملتها عشان اجمعكم بعد ما اتأكدت انه عمره ما هيحب او يفكر يتجوز غيرك وانتي شوفتي صورتكم بعنيكي في محفظته يعني لسه متمسك بيكي!.
هزت رأسها ليتابع...
- ساعتها انا اتأكدت من فرحتك انك انتي كمان بتحبيه و كنتي مستنياه وانا شايف ان القدر بيديكم فرصه تانيه انكم تتجمعوا ولازم تستغلي الفرصه دي...
-يعني انا احارب وهو مش عايزني لو زي ما قلت كان بيراقبني لحد ما دخل الكليه يعني عارف شكلي ليه معترفش وجالي!، انا لسه مش متأكده ان كان بيحبني او لا!
ضرب ماجد كف على كف ليردف وهو يضغط على كتفها...
-مكنتش عملت كل ده عشان اجمعكم سوا، محمد مش بيحبك وبس محمد مجنون بيكي، صدقيني دي فرصتك انك تحاربي عشان حب جميل نادر تلاقي حد يحب حد كده، محمد شاف كتير في حياته وموت خديجة اثر فيه اوي، ارجوكي يا جميله انا بجد بترجاكي انك تحاولي فكري ان ربنا بيديكم فرصه تانيه غيركم عمره ما شاف ربعها!..
اطرقت جميله بخوف هل تملك القدرة و القوة للمتابعة، تنهدت فقد وافق قلبها منذ البدايه بدون حاجع لاي اقناع، نظرت الي ماجد بتوتر لتزداد ابتسامته ويربت على يدها بتشجيع...
وبالفعل توجه الجميع في الصباح الباكر الي مكتب لمأذون شرعي وتم عقد قران محمد و جميله...
انتهي الفلاش باااااك.
رفضت جميله اخباره بما حدث بينها وبين ماجد واكتفت بقص تفاصيل الهجوم له فقط...
كان يستمع لها محمد بانفعال وهو يأمرها بان تكرر ضرباتها البائسة نحو رقبته بسيف يدها كمحاوله للإفلات من خاطفها القادم من الخلف، اكثر ما يكره هو ضعفها!
بلا وعي وجد نفسه يدفع يدها بغضب كمحاوله لصد ضرباتها الفاشلة ليتوقف سردها وهي تتأوه بصدمه ويختل توازنها وتقع جالسه للخلف...
تسمر للحظه برعب و جثا امامها بخضه...
-انتي كويسه؟!.
امسكت ذراعها وهي تنظر له بغضب...
-انت مش طبيعي، ايدك دي ولا قالب طوب، انت قاصد على فكره...
شعر بخجل وخزي بانه تسبب بضرر لها ليردف...
-مكنتش اقصد طبعا وريني دراعك...
-لا اوعي ايدك دي بتوجعني!
-خلاص قلتلك اسف، اصل الصراحه انتي طريه اوي!
زمت شفتيها بغيظ لتبعد يده التي احاطت وجهها وهي تعتدل لتجثو في مواجهته..
-ايوة طريه! عادي جدا اني ابقي طريه على فكرة انا بنت مش واحد صاحبك!
انغمس في ملامحها الغاضبة التي تذكره بطفولتهم معا، ورفع يده يزيل احدي خصلاتها المتمردة خلف اذنها، اطرقت رأسها بين راحتيه بخجل لتردف بخفوت...
-اوعي ايدك دي!..
ظل يشبع عيناه منها ومن وجهها البريء ليردف بابتسامه تهرب من قساوة ملامحه...
-خلاص بقي متبقيش طريه كده...
-بردو هيقولي طريه!
نظرت له بغيظ لتضربه على صدره بقليل من القوة، ليميل عليها دون وعي منه وسط دهشتها و يضع شفاه المترقبة على شفاها المنتفخة الحمراء...
كانت لمسه رقيقه للغاية لا يمكن وصفها، اتسعت عيناها وهي تشعر بكل جسدها يقشعر ويتجمد.، فأغمضت عيونها باستلام وهي تشعر بشفاه تقسو وتضغط عليها اكتر...
شعور خيالي لم يصل اليه في اقصي احلامه وهو يلامس شفاها ويحيطها بيده يقربها نحو صدره وكأنه يلمس جزء من السماء...
لم يعد لعقله مكان فقد اخذ قلبه لجام الواقع ليقبلها بنهم كبير و تعطش يحاصره بعقابه لنفسه بالابتعاد عنها...
ابتعد عنها بصعوبة فقط ليتابع استسلامها الذي اثار كل حواسه وجعل قلبه يدق كطبول الحرب...
مالت شفتيه تبحث عن شفتاها ليقنع نفسه بانها القبله الاخيرة فقط لمسه اخيرة قبل ان يتركها!
عاد ليقبلها بشكل اقوي و اعنف يسعي به لإشباع جوع ينهش بداخله لا يستطيع اسكاته اكثر...
شعرت جميله بيده تمر على جسدها لتنتفض بخضه وخجل وتدفعه في صدره...
بلل شفتيه لا يزال يشعر بطعم شفتيها ليتابع خجلها وهي تستقيم وتتجه نحو الروب وحجابها لتهم للعودة الي غرفتها ؛ الا ان سؤاله اوقفها...
-جميله انتي كنت عارفه انا مين من الاول عشان كده ما اتفاجئتيش في المستشفي مش كده؟!
عضت على شفتيها بتوتر لتهز رأسها وهي تمسك بمقبض الباب ليوقفها مره اخري...
-عرفتي ازاي؟
خشت ان تخبره بان جزء من مخطط ماجد ان يجعلها تكتشف هويته ليتأكد من حبها له ولكن المسكين به مايكفي من مصائب ولن تسبب خلاف جديد بينهم فعزفت عن اخباره ببعض الحقائق وقول البعض الاخر...
-احم كنت سايب الجاكت في مكتب ماجد باشا بالصدفة دخلت اجيب حاجه وقع نزلت اشيله لقيت المحفظة واقعه وفيها صورتنا واحنا صغيرين!
لم تخبره بان ماجد من قام بتلك التمثيلية حتى تجد الصورة واتجهت لفتح المقبض ليسألها اهم سؤال يثبت به اقدامها!
-مقولتيش ليه انك عرفاني؟
استدارت بعد لحظه بابتسامه سخريه لتردف...
-انت كمان كنت عارفني مقولتليش ليه؟!
امسكت بنظراته الجامدة قبل ان تزفر بغضب تاركه اياه متجه الي غرفتها...
حتي بعد لحظاتهم معا يرفض الاعتراف بحبه لها!