رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الثامن
- عيد كدة تاني اللي قولته حدق فيه ولازال عقله يحاول إستيعاب ما قاله أخيه الأكبر
فقال جاسر بضيق:
- فيه إيه مش مفهوم في كلامي ؟ قبض على لسانه كي لا يتفوه بألفاظ قد تسيء لأخيه محاولا الهدوء ولكن محاولته لم تكن جدية بالقدر الكافي إذ أنه رد
صارخا: - أنا عايز أعرف أنت حدودك فين بالظبط ؟ إيه اللي ممكن يوقف جاسر سليم ؟
رد بعنف:
- أنا مافيش حاجة ممكن توقفني ومافيش حد يلوي دراعي
ضحك أسامة بسخرية وقال:
طب ما أهيه بتلوي دراعك
فرد جاسر بهدوء: - الجواز مش لوي دراع ده قبول أو رفض بين أي طرفين
التمعت عيناه بحدة وقال: - وأنت موافق یاجاسر ؟
ضاقت عيناه وقال: - القرار مش بتاعي لوحدي
حدق فيه غير مصدقا وقال: - أنت ممكن تعمل كده في سالي فعلا ؟
رفع أنظاره نحو أخيه وقال: - إحنا في مركب واحدة، وهيا بتخاف على مصلحتي
زعق فيه حانقا:
- أومال بتقولي ليه ؟ هه، لمجرد العلم بالشيء أنت أصلا واخد قرارك ومش محتاج ليا ولا لغيري، ولا هامك حتى الأرقام ولا
المعلومات اللي جابتها درية لم يستطع المقاومة أكثر من ذلك فاندفع نحو عبوة السجائر التي تخص أخيه وسحب واحدة وهو الذي أقلع عن التدخين تماما
منذ عام تقريبا ونفثها بقوة: - مش كفاية وماتضمنش أن الشركة ترجعلي
عندها بهدوء قال ساخرا: - ترجعلك ! ! مش ترجع لزياد ؟ ! !
حل ربطة عنقه وهدر: - ولما ترجع لزياد حيحصل إيه، هيضيعها من تاني ونفضل نلف
في الحلقة دية لحد أمتي ؟ هز أسامة رأسه وقال وهو ينظر له بضيق قائلا بتهكم مرير: - أنت أصلا واخد قرارك ومافيش حاجة هترجعك إلا لما تخسر
، عارف وأنا هسيبك تخسر وافتكر كلمتي ياجاسر افتكرها كويس
واقترب منه ولكزه بإصبعه في كتفه قائلا بتصميم: | - أنت محتاج الخسارة عشان بعد كدة تعرف تقدر قيمة اللي معاك
تمر على المرء لحظات يتمنى لو لم يختبرها قط
ولكن للقدر لحظاته الفارقة في زمن قريب بمكان ليس ببعيد خرجت شابة في منتصف العشرينات من بيتها لتتجه لزيارة صديقتها التي انتقلت للحی القريب منذ يومان فقط، زيارة لو أطالتها لساعة واحدة فقط في ثرثرة نسائية ماعرفت بخيانة خطيبها الذي كان يجلس في مطعم برفقة أخرى وهو الذي أخبرها يوم الأمس أنه سيكون مسافرا.
بعمل ولشدة هول المفاجأة عليها تركت الفتاة سيارة الأجرة التي كانت ستقلها عائدة لبيتها وهي تتجه للمطعم لتصب على الخطيب الغادر غضبها
وكانت المحظوظة التالية بتلك السيارة الخاوية في هذا الوقت
المزدحم " سالي " التي لم تكن محظوظة بقدر كافي إذ عادت لقصر " آل سليم
" مبكرة حاملة هدية عيد ميلاد لزوجها وحبيبها وقررت لشدة حظها أن تدخل من باب الشرفة الواسع بدلا من البوابة الرئيسية للقصر لتضعها في حجرة مكتبه حتى تكون مفاجأة لطيفة له.
عندما يعود ولكن المفاجأة لم تكن لطيفة
إذ لم تكن أبدا ! ! فسالي استقرت على الأرض الباردة للشرفة المظلمة ودموعها تجري أنهارا على صفحة وجهها البريء في صمت تام بجوار
الحقيبة التي تحمل هديتها التي غلفتها برونق خاص فلقد سمعت للتو قرار زوجها بالزواج من أخرى والسبب لم يعد أبدا مهم ! !
لقد فكر وقرر واختار رغما عنها فكما قال " هما الإثنان في
مركب واحدة وما قيمتها بمقارنة شركة تقدر بملايين الجنيهات ؟ ! !
لو أراد إختيارها لكان فعل
وبكل الأحوال هي خاسرة إن رفضت فستخسره وإن قبلت أيضا ستخسره.
لا تعلم كيف دفعت بساقيها للنهوض ولا بعد كم من الدقائق تماسكت وحملت هديتها بوجه بارد ودموعها تشق داخلها نهرا
الا قرار له ودلفت من باب القصر الشامخ لمحت الأضواء الخافتة تهرب بظلها من خلف باب غرفة مكتبه فتجاهلتها متعمدة وصعدت للأعلى حيث دفء أبنائها هاربة
ولكن شيئا ما جعلها تتوقف أمام حجرتها نعم هي المسئولة الأولى عما آلت له حياتها، هي من رفضتها وكرهتها وجرعتها كؤوس الهوان والذريعة.
" أم مريضة "
سمعت آه خافتة تلتها أخرى توقعت أن تنشب داخلها نیران الحقد وأن يرقص قلبها طربا بذاك العذاب، ولكن عذابها كان
أكبر وبيقظة ضميرها الذي لا يهدأ اتجهت بخطوات هادئة نحو
غرفتها وطرقتها بحرص وخطت داخل الغرفة المظلمة لمعة عيناها أرشدتها لمكانها لقد كانت تفترش الأرض أمام
الشرفة أضاءت المصباح الخافت وقالت بتساؤل مرتجف:
- أندهلك نعمات ؟ هزت لها رأسها نافية وقالت بقسوة الألم وقوته:
- مش عاوزه حد، عاوزه أموت، تعبت
منعت دموعها من الإنهيار بصعوبة واقتربت منها وقالت بصوت
مرتعش: - طب على الأقل قومي معايا على سريرك ماينفعش تموتي على الأرض
نظرت لها بكراهية وقالت:
- ده اللي بتتمنيه
ابتسمت لها ساخرة: - لیا آه بقيت بتمناه، وليكي . . . إن كان فيه راحة ليكي جذبت ذراعها فجأة بقوة تتنافى مع مرضها وقالت وهي تدفع بجسدها للأعلي بمساعدة ذراع سالي الممدوة لها بخشونة:
- التأخير من عندك
لم تتمالك سالي نفسها وضحكت ودموعها تنهمر وهي تدفع
بجسد سوسن النحيف نحو الفراش وهي تهمس لها:
- مافيش فايدة
أمسكت سوسن بكفها قبل أن تبتعد وقالت بحزن: - مانكرش أنك السبب، بتمسك بأنفاسي عشان أعيش وأقهرك
زي ما أنا مقهورة منك رفعت لها سالي أعين لائمة وهي تقول بنبرة تعيسة:
- لیه قهرتك، ليه بتقولي كده ؟ عملتلك إيه ؟ هزت سوسن رأسها وأخفضت عيناها خجلا وهي تجذب الشراشف الوثيرة نحوها تشدو دفئا فعظامها لم تعد تتحمل برودة الطقس وقالت:
- أكتر واحدة حبها، أكتر مني هزت سالي رأسها نافية وقالت بهدوء وكأنما تقر لها واقعا: - أنت غلطانة، ابنك بيحب نفسه أكتر، ولو كان بيحبني ماکنش
أجبرني أعيش معاك، لخاطرك رفعت سوسن أنظارها وقالت معترفة:
- لاء هوا عشان ضميره مش أكتر
جلست سالى إلى جوارها وقالت وهي تحصي: - طيب، يبقي مش أنا، ضميره وهوا ونفسه وبس
همست لها بخوف:
- کرهتيه ؟ هزت رأسها وقالت مزدرية حالتها والدموع تغالبها: - ياريتني كنت أقدر، حتى بعد اللي عرفته ياريتني كنت أقدر لم تصدق أن يد سوسن من تربت على كفها المنبسط أمامها وهي
تقول لها باسی:
- معلش التفتت لها سالي ومسحت وجهها وأنفها بقوة وأجبرت نفسها على التوقف عن البكاء وتأملت بشرة المرأة الشاحبة ثم قالت
بنبرة هادئة:
- تحبي أجيبلك حاجة دفعت برأسها للخلف وقالت بخجل وهي تغمض عيناها:
- هوا أنا حاولت أخد جرعة زائدة من المسكن وأخلص، بس مالقتش غير حابيتين، ناوليني المصحف أقره شويه يمكن ربنا
ا يغفرلي اتسعت عينا سالي وهي تنظر لمن تصارحها بمحاولتها للإنتحار بهدوء وبرود تام فقامت تبحث عن المصحف الكريم لتلبي لها رغبتها حتى عثرت عليه وعادت لها وهي تلوم نفسها لضعفها
وقلة حيلتها إمراة تتحمل من الآلآم ما لا يمكن تحمله حتى أنها تفكر بالإنتحار وتنهي حياتها هربا من شقاء مرض وقوته وهي تنهار لرغبة زوجها بالزواج من أخرى
يالها من مثيرة للشفقة فليذهب ويتزوج من النساء مايشاء، اللعنة عليه هي لن تبالی
فالخسارة واحدة ولا عزاء إلا للكرامة وهي ستواجهه بكل ما أتيت من برود
حفظا لبقايا ماء وجه
وربما بقايا لما كان في يوم يدعي زواجا تحت مظلة حب
لسعة البرودة في الأجواء كانت غير محتملة ولكن أنفاسة المشتعلة والتي تصب بنيرانها في حلقة مرسلة بأدخنة تخنقه
كانت الأقوى سعل بقوة وبعند تملکه قرر إستكمال لفافة التبغ لآخرها
هل يمكن أن يقوم بالمستحيل ؟ ! ! نعم، لقد كان من رابع المستحيلات بالنسبة له الجمع بين زوجتين
فهو كائنا إنفراديا بطبيعة حاله يشفق على ذويه ممن يتحملون وزر مثنى وثلاث ورباع
فأين لهم بالعدل ؟ ! ! | رحم الله إمرؤ عرف قدر نفسه وهو لم يكن يوما بالعادل ولكن الحسن حظه أن رفيقة دربه تتحمل مغبات ظلمه بنفس راضية
ولايدري أيصارحها ويخيرها وبهذا يكون عادلا أم أنه في الواقع مستمرا بظلمه لها ؟
قبلت جبين صغارها ورفعت ألعابهم المتناثرة وعادت لغرفتها ووضعت هديتها التي كانت تحملها على طرف الفراش يإهتمام
ولمحته ينفث دخان سجائره لقد عاد للتدخين إذا.
" لابد أن الموضوع عويص " خاطرة ساخرة مرت بذهنها وهي تبتسم له بهدوء مرحبة
رفع حاجبيه تعجبا وقال لها:
- لسه راجعة ؟ هزت له رأسها وهي تخلع وشاحها ذو اللون الزيتوني من أعلى رأسها ونثرت خصلاتها البندقية الناعمة حول وجهها وهي تواجه
صورته في المرآة أمامها قائلة:
- من شوية
لمحت علامات الغضب تزین جوانب وجهه وترسم تقطيبة مثالية أعلى جبهته وهو يتقدم منها فاستدارت تواجهه ليقول بحدة:
- الساعة ۱۱ کنت فين كل ده ؟
تناولت الحقيبة الورقية السوداء اللامعة التي كانت مستقرة على
الفراش وقدمتها له قائلة بهدوء: كنت ناوية استنی کمان ساعة، كل سنة وأنت طيب عقد حاجبيه شاردا وهو يستدعي الذكري مطالعا هديتها الثمينة . دبوس ذهبي صنع خصيصا له يحمل حرفي اسمه، كان واثقا أن زواجهم يعود لفصل الصيف، وعندما طال صمته قالت بنفاذ صبر
۱۱ / ۹ عيد ميلادك ارتسمت ملامح الدهشة على وجهه وقال بصدق: - أنا فعلا كنت ناسي ماحستش أصلا أمتي الشهر دخل، متشکر تنازعت الكلمات على طرف لسانها ولكن بقي الصمت القاهر الأقوى يتربع فوق عرش شفتيها وهي تنظر له وعيناها تحمل تأنيبا، إتهاما، رفضا لما سوف يصارحها به وإذعانا في الوقت نفسه لما سوف يطلبه منها أمسك بكفيها وهو يشعر بالذنب يتاكله حملت له هدية ليحمل لها خيارا أقسى مايكون بل هو أقرب لطعنة قائلا:
- سالي أنا كنت عاوز أتكلم معاكي في موضوع مهم هربت بعيناها وسحبت كفها الدافيء بعيدا عن مرمي كفه البارد فهي غير قادرة على المواجهة حتى لو ظنت أنها مستعدة لها، لا ليس بعد فاستبقته بكلمات تتسارع على لسانها بإهتمام بالغ: - جاسر هوا طنط مش كان المفروض تعمل عملية تانيه بعد اللي
عملتها من سنة ؟ توترت ملامحه وعقد حاجبيه بقوة أكبر وهو يحاول سبر أغوارها
وقال بدهشة: - آه . بتسألي ليه ؟ تجاهلت سؤاله وأردفت:
- ليه معملتهاش ؟
رد بنفاذ صبر:
- الدكاترة اختلفوا على أهمية العملية وفيه اللي حذرنا إنها ممكن تفقد ذاكرتها بسببها
اتسعت عيناها وقالت بعصبية: - وفيها إيه لما تفقد الذاكرة مش أحسن من العذاب اللي هيا عايشه فيه ؟ هز رأسه حانقا هو الآخر، فهي تعبث بأفكاره وبقوة جأشه بأسئلتها المتكررة وتوقيتها الغير مناسب إطلاقا لما سوف يلقيه بوجهها وفي الوقت نفسه ملقية بظلال الذنب لقراراته السابقة.
والحالية فقال ضائقا: - مش فاكر ياسالي . . مش فاكر ليه . . وقتها أنا وأسامة قررنا أنه مالهاش لازمه، وقتها كانت آراء كتير من الدكاتره وحتى الدكتور اللي قالنا على موضوع فقدان الذاكرة ده ماکنش معروف أوي
عشان نمشي وره کلامه نظرت له وهي تراقب حركاته المتوترة
فهو قد نزع ربطة عنقه بعنف وألقاها أرضا، فك أزرة ياقته وقميصه، بل وهم بخلعه
وكل ذلك في ثوان معدودة ! ! ثوان خضع فيها جاسر العظيم لضغط عصبي وهي التي عانته السنوات شتی وبالكاد تتماسك وتحارب بأنفاس لاهثة
حقا، ما أضعف الرجال لا يملكون سوی حنجرة قوية وعضلات مفتولة
برها وجلدها وقوة تحملها فابتسمت بهدوء وقالت عاتبة:
- براحة ياجاسر ده ماکنش سؤال المعت عيناه وهو يخلع قميصه ويواجهها بقوة وبنبرة شرسة قال: - أيوا أفهم بقي السؤال ده لازمته إيه دلوقت ياسالي، من إمتی الإهتمام بحالة أمي ومرضها ومن أمتي بتصعب عليكي ؟
هزت رأسها بيأس وقالت بتهكم:
- كل حاجه عندك لازم يكون لها سبب، كل إهتمام صادق لازم يكون وراه دافع، ولو ما اهتمتش يبقى بكره . ولو اهتميت يبقى فيها إن . . وبعد ده كله تقول على نفسك أنك مهما تعمل مش عاجب فضحكت وهي تدفع بدموعها بعيدا وأردفت:
- والله أنا احترت أراضيك أزاي ! ! ظلا يتبادلان النظر بصمت لوهلة
فقط لوهلة حتى تمتمت بخفوت وهي تبتعد عنه نحو باب الحمام:
- ولا أقولك . . . والتفت له وقالت متعمدة جرحه بسخرية حارقة:
- أصلا ماعدش يفرق عندها رسمت شياطين السعیر درب المصارحة التي كان ينتويها بكل شراسة بدلا من ملائكية ضميره المعذب بالذنب لنر إن كانت حقا فقدت الإهتمام وما مدى قوة لامبالتها لنر إن كان ما سيقوله سيصنع فارقا أم لا كما تدعي فقال بقوة:
- سالي أنا قررت أتجوز التفتت له وقالت يإزداراء أشعل النار في هشيم روحه:
- ألف مبروك فاقترب منها وهمس بفيحیح وكأنما يرجو طعنة أخرى:
- الخميس الجاي فعادت له بخطوتان وقالت وعيناها تتصلب في مواجهته:
- خليها الجمعة أحسن فاقترب بدوره وهمس فوق شفتيها:
- یعنی أنت موافقة ؟
رفعت له رأسها وقالت بصوت أبح:
- موافقة جدا
زم شفتيه وقال ورأسيهما يكادان يتعانقا ولكأنما يعقد معه رهانا
- حتحضري كتب الكتاب هزت رأسها وطردت دموعها بعيدا وقالت هامسة:
- أكيد زم شفتيه المرتعشتان وهو يواجه صلابتها المنحوتة بدقة فوق
معالم وجهها لن تشجب، لن تصرخ لن تعترض أو ترفض ولن تبكي بعویل إمرأة قرر رجلها لتوه الزواج والتمتع بأحضان أخرى هي، لم تحبه يوما، وعشقها كان بالأصل وهما لربما كان واجهة مثالية بوابة ذهبية للعبور نحو حياة أكثر رفاهية والعقاب كان قبلة دامية فوق شفتيها، استحقتها ربما ولكنه كان يريد فقط أن ينالها لربما نال معها ولو دمعة واحدة . . .
ولكن كلا هي لم تبالي شفتيها باردة كالجليد لم تنال منها الرعشة ولا من أطراف جسدها المحتبسة بين أحضانه دفعته ببرود عندما انتهى وحررها بإرادته وتركته وتورات خلف الباب تاركة ورائها ظل رجل صرعته فكرة أنها لم يعد مرغوبا وأن كبريائه يضمدها رغبة أخرى قاتلت وراهنت بكل ما تملك لتحصل عليه حتى لو كان يكرها ويحتقرها فهو سيتمم تلك الزيجة اللعينة فقط الإرضاء كبرياء تحطمت تحت أقدام امرأة تدعي زوجته ومن تكون زوجته تبكي سرا من وراء ذاك الباب تکتم بصدرها صرخة وتحبس داخلها آهه فهي لم تكن تملك حقا رفاهية النطق بها.
تنازعت الألوان أمام ناظريه وهو يقود سيارته عائدا لمنزله بعد المناقشة الحامية التي خاضها مع أخيه الذي لايدرك بأي نعيم هو وأي خسارة على وشك إختبارها وهو الذي يرقد في وحدة
جحيمه ورغما عنه اتخذ طريقا غير الطريق
طريقه كان نحو منزلها، لا يعلم لم
يشدو الحصول على هدوء ربما قد يقف لساعات يتطلع لشرفتها كمراهق أحمق ويعود بعدها
المنزله وقد هدأت حواسه وتخدرت صف سيارته بركن منزو ومضى يتطلع للشرفة المظلمة تطلع الساعته لقد تخطت منتصف الليل لابد أنها غارقة بسبات مع صغارها
سخر من حماقته وأعاد محرك سيارته للحياة وعندما هم برحيل المحها وهي تترجل من سيارة رجل فارع الطول برفقة ولديها
والأصغر يتوسد كتف الغريب يرافقها نحو المدخل واشتعلت
الدماء وبلغت حرارتها ذروتها في عروقه والتهبت عيناه | بمخيلات لاحصر لها بين جميلته وذاك الوسيم ونفث أنفاسه بقوة ثم دفع بسيارته بعنف محدثا صريرا بعجلاتها جعلها تقفز دون قصد وهي تتطلع للطريق ورأت سيارته تمر مسرعة من أمامها
فبهتت ملامحها والسؤال يطرق عقلها
" ماذا كان يفعل هنا ؟ " التفتت لمرافقها وقالت بهدوء: - متشكرة جدا يا سيادة العقيد تعبناك معانا
ابتسم لها وعيناه تحمل أكثر من تقبل شكر: - تعبكم راحة، اسمحيلي أوصلك لحد فوق أيهم نایم خالص
هزت رأسها رافضة عرضه المهذب وقالت:
- لاء دلوقت أصحیه هوا متعود على كده أيقظت صغيرها وسار لجوار أخويه ثم التفتت له وقالت:
- معلش أنا نسيت معاد الزيارة أمتي ؟
هز رأسه متفهما وقال: - بكرة الساعة ۲ ححود عليكو ونروح سوا أشارت له بيدها رافضة عرضه مرة أخرى
وهي تشعر بالخجل قائلة: - لا أرجوك مافيش داعي وأصلا مش حاخد الولاد جو المستشفيات مش مناسب ليهم أنا هطلع من شغلي على معاد
الزيارة بأذن الله
قال بتصميم: - خلاص يبقى تديني عنوان الشغل وأمر عليك حاولت التملص من دعوته وقالت وهي تتجه بخطوات هارية
نحو الداخل: - مافيش لزوم صدقني أنا هظبط حالي بكره وممكن أكون هناك
عند بابا قبل المعاد كمان . متشكرة أوي
وقف يتطلع لها وهي تغادر مسرعة مدركا أنه لا يملك سوى شکر الظروف التي جمعته بها فلولا الحالة الصحية الطارئة التي يمر
بها والدها لما ألتقاها مرة أخرى في المشفى ولولا إصرار والدها على أن يصطحبها هو لما حصل على تلك الدقائق الثمينة بصحبتها وبات متأكدا أن أمر زواجه منها أصبح وشيكا فبعد أن يتماثل والدها الشفاء فسيقوم بالأمر على نحو صحيح، فالحصول على زوجة مناسبة لمركزة، على قدر من الجمال والأخلاق كان يعد بالنسبة له أمرا شاقا والجد أبدی ترحيبه التام والسري لرعاية الأحفاد وليس عليه تحمل ضجيج الصغار لوقت طويل
إنه يمضي في طريقه بسعي غير مقطوع
فصفحات المجلة تحمل لها خبرا من حروف حمراء لامعة عن الزيجة القريبة لرجل الأعمال المعروف من جميلة المجتمع مسحت دمعة ساخنة استقرت أعلى خدها وهي تدقق النظر
" ضرتها " بشرة خمرية رائعة وجسد لاتشوبه شائبة وصدرها مكتوم بصرخة وصرخة أخرى هزت أرجاء القصر لا
تمت لها بصلة والطرق المتصاعد على باب غرفتها ودخول " لعنات " كما كانت تطلق عليها سرا أنبئها بحدوث أمرا جلل وتاهت مع حروف
المرأة المتقطعة: - الست . . . سوسن . . . في أوضتها . . . تعالي . . عاوزاكي بسرعة ركضت خلف المرأة المكتنزة حتى غرفة حماتها حيث كانت تتوسط فراشها ووجهها مكفهر بشدة والتي ما أن طالعت وجه
سالي المتغضن حتى بادرتها صارخة:
- ده اللي كنت عارفاه من ساعتها، کنتوا مخبيين عليا كلكم
، فکرکم مش هعرف كانت ممسكة بالمجلة الثقيلة بقوة وتهزها بعنف هزت سالي رأسها نافية واقتربت منها مهدئة:
- مخبيين إيه ؟ رفعت لها أنظارا قاسية وأمرت خادمتها بالإنصراف بهزة رأس
غير قابلة للنقاش وأردفت بحقد: كنت عارفه أنه هيتجوز بنت الزهري، صح ؟ ! نکست رأسها وقالت بتماسك واهن:
- قالي أنه هيتجوز ماقلیش مین همست بإستنكار وهي تضرب بكفيها الفراش إلى جوارها:
- وأنت وافقتی، عادي كده ؟ بالبساطة دي ؟ نظرت لها مصعوقة وقالت ساخرة من ثورة المرأة التي يبدو أنها
فقدت عقلها:
- أنا مش فاهمة أنت مدايقة ليه، طول عمرك بتكرهيني، ما أنا كنت السكرتيرة إنما دي سيدة مجتمع . . إيه إعتراضك عليها ؟ عقدت سوسن حاجبيها وزمت شفتيها بإزدراء وقالت بعجرفة:
- عندك حق، وهتفضلي طول عمرك السكرتيرة أنت ولا حاجة وأهو رايح يتجوز عليكي عشان أنت زي قلتك فعلا، شجرة جميز احمر وجهها بشدة وتقافزت الدموع الحارة لعيناها وقالت: - ليه . . ليه بتهنینی ليه . . حرام عليكي . . عملتلك أيه ؟
تماسكت سوسن بمواجهتها وردت بعنف: - ومش كده بس أنا هفضل أهينك وههينك قدامها كمان ووريني
هتعملي إيه ؟ فغرت فاها وهي تواجه قدر الكراهية السوداء التي تلقيه لها تلك المرأة، كحية تبث سمومها وهي تحاول إستجماع أي كلمات
تجابها بها، ولكن لاشيء فنظرت لها سوسن هازئة وقالت بإزدراء:
- اطلعي برة ماشوفش وشك هنا تاني
سارت بخطوات متخبطة بطول الرواق حتى وصلت لغرفتها مرة أخرى وما أن دخلت حتى جلست على طرف الفراش وأجهشت
ببكاء وما أن اختفت عن ناظريها حتى دلفت مرة أخرى لغرفة سيدتها دون إستئذان وقدمت لها حبة دواء مهدئ وكوب ماء وقالت لها
بخشوع: - ماکنش ليه لازمة كل ده یاست هانم
تناولت منها الحبة وزجرتها قائلة: - اخرسي أنت، إيش فهمك، كلكم أغبيا وهي بالذات أكبر غبية
في البيت ده تناولت منها كوب الماء وقالت بهدوء: - یعني هيا كانت تقدر تعارض البيه
هزت رأسها وقالت بإقرار: - اللي خلت جاسر سليم يقف قدام أمه ويصمم يتجوزها يخليها
تلففه حوالين نفسه.
هزت نعمات رأسها دون فهم: - طب وماله لما يتجوز، دي حتى بيقولو أنها بنت . . لم تدعها تكمل حديثها وقالت مقاطعة بحقد:
- بنت الزهري، بنت أمين الزهري الأسم لم يكن وقعه غريبا على أذني نعمات الخادمة، بل هو في الواقع مألوفا جدا، فبسبب الضائقة المالية التي تعرضت لها أسرة
مخدومتها وكان الفضل کله يرجع لهذا الرجل كادت هي أن تفقد وظيفتها ولكنها تخلت عن رواتب أشهر متتالية فقط لتبقى إلى جوارهم فحتى لو كانت لهم مجرد خادمة فهم بالنسبة لها.
أهل، أهلها وهي ماكانت تتخلى عنهم وفهمت جيدا وتفهمت غضب مخدومتها وقالت بأسف:
- کده یا جاسر بيه على آخر الزمن أغمضت سوسن عيناها بضعف وهي تصدر آهه ثم قالت: - بعد ساعة اتصلي بزياد وأسامة وجاسر . خليهم يجوا كلهم . .
أكون ارتحت شوية.