رواية لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الفصل الثالث عشر
زيارة غير متوقعة أو بالأحرى غير محببة تلتها أخرى والفارق الزمني لم يتخطى الساعة فهي ليست مهيئة بعد لإستقبال أشخاص والحديث عما كان وكيف حدث؟
لم تكن آشري بحاجة لمعرفة التفاصيل لأنها كانت شاهدا رئيسا إنما سيرين الأخت الكبرى التي فزعت وهرعت إليها فور سماع الخبر من كانت بحاجة للمعرفة ابتعدت عنهم بناظريها إن كان الجرح غائرا فالأشد وطأة عليها نكأه مرة بعد الأخرى بسيل من الكلمات الفارغة وأماني لا قيمة لها نظرت لهما غاضبة:
- كفاية بقا كفاية أنا مش عاوزة أحكي ولا حتى أسمع أي حاجة أنا محتاجه أفصل سيبوني شوية في حالي من فضلكم زعقت بها سیرین حانقة:
- یعني تتطلقي منغير ماتاخدي رأي حد وتهدي بيتك ومش عاوزانا ننطق نظرت لها الصغرى بعند:
- أيوه با سیرین عشان دي حياتي أنا مش حياتك أنت ومن حقي أقرر مصيري تدخلت آشري لتهدئة الأختين قائلة:
- براحة يا سیرین، سالي مش غلطانه إحنا اللي غلطانين . . آفتر أوول هيا عملت الصح نظرت لها سيرين كمن تراقب مجنونة تجري بين الطرقات:
- صح؟!
صح إزاي تتطلق وتهد بيتها وتسيب ولادها وترجع تقعد هنا، ده الصح؟!
التفتت لها آشري قائلة بسخرية حانقة:
- لاء هيا كانت تفضل قاعده عندها وجاسر يتجوز عليها بدال المرة ثلاثة وتقعد هيا میسز أمينة تربیله العيال وتمرضله أمه قاطعتهم مجيدة بصوتها الهادیء وهي تضع صينية المشروبات أمامهم على طاولة صالون العائلة المتواضع:
- أنا شايفه كفاية كلام واشربوا حاجه وهدوا أعصابكم كانت سیرین ترمق آشري بغيظ تلك المتحذلقة لابد أنها من دفعت أختها لطلب الطلاق والتمرد ذلك التمرد الذي تطفيء شعلته مرة بعد الأخرى متعمدة للحفاظ على أركان البيت كي يظلل أطفالها بأمان أم وأب مجتمعان شكليا وكلاهما بعيدان بعد المشرق والمغرب لكزت مجيدة ذراع سالي وأشارت لها لتتبعها للخارج صامتة وما أن اختلت بها في المطبخ الصغير حتى قالت بصوت خافت:
- ماتسمعيش لحد باسالي يابنتي خلي قرارتك لنفسك بدال ماتنشغلي بيهم وأنت الأولى بروحك هزت سالي رأسها بإذعان:
- أنا مش عاوزة أسمع حد أصلا أنا نفسي الكل يسبني في حالي أمسكت مجيدة بذراع ابنتها بإصرار وحثتها قائلة:
- خلاص اخرجي قوليلهم كده حالا ودلوقت وكالغريق عندما يتشبث ببارقة نجاة تشبثت سالي بالشجاعة التي تمدها بها أمها لتكون للمرة الأولى بحياتها وقحة تقدمت من الصالون حتى وقفت على عتبته قائلة بصوت قاطع:
- متشكرة يا جماعة على زيارتكم لكن أنا عاوزه أقعد مع نفسي شوية رفعت سيرين حاجبيها متعجبة:
- إنت بتطردیني یا سالی شاهدة ياماما!
تقدمت أمها ووقفت إلى جوار صغيرتها وقالت:
- أختك ماطردتکیش یا سیرین يابنتي ده بيتك زي ماهو بيتها وضعت آشري الكأس بعدما فرغت منه ببرود وابتسمت لسالي وتقدمت منها وقبلتها ثم قالت:
- ایتس أوكيه، آنی واي أنا عندي شغل كتير کنت جاية اتطمن عليك بس مش أكتر تيك كير ياسالي ثم قبلت مجيدة قائلة:
- ثانكس يا طنط على الجوس طعمه كان تحفة ربنت مجيدة على كتف آشري قائلة:
- هنيا يابنتي فالتفتت آشري لسالي قائلة:
- مش هتوصليني باسالي؟
تقدمت سالي بخطوات سريعة لأداء واجب الضيافة حتى آخر أركانها وودعت آشري بإبتسامة صغيرة والتي انتهزت الفرصة لدس بطاقة ورقية بكفها قائلة بهمس:
- أنا مش بتدخل أنا بس بديكي خيط صغنن للبداية إذا حبيتي، باي أغلقت سالي الباب عاقدة الحاجبين وهي تتأمل غموض كلمات آشري الأخيرة ونظرت بالبطاقة لتجدها تخص إحدى مراكز علاج الأسنان المتخصصة بوسط الأسكندرية فوضعتها على الطاولة بجوار الباب يإهمال فهي مرهقة لحد بعيد تحتاج للنوم ولا شيء أكثر منه تجاوزتها أختها لتنصرف دون وداع فاستوقفتها سالي قائلة برجاء:
- سلميلي على الولاد فردت سيرين ببرود:
- يوصل وانصرفت الأخت الكبرى حانقة، غاضبة وهي تعلم أن مصدر غضبها أن أختها تجرأت على القيام بما خافته ورهبته دوما والأشد أنها نالت مباركة الأم، تلك المباركة التي ظنت أنها لن تحصل عليها أبدا إذا ما أقدمت على نفس الخطوة، ولكن الصغرى دوما مدللة، دوما تحصل على ماتريد حب الأب ودلال من الأم بعد رحيله وزوج تركته خلفها نعمها بحياة ثرية مرفهة دون مشقة عيش أو إحتياج لمال وتبقى هيا الكبرى بمسئوليات ترهق كاهليها، تحيل حياتها جحيما تتمنى لو تستطيع فقط الخلاص والعودة كطفلة صغيرة بين جنبات بيتها القديم وبعد يوم شاق طويل أخلدت لفراشها بعدما قامت بإتصال هاتفي سري لنعمات التي صعدت لغرفة الصغار ليتحدثوا مع أمهم وقد عاهدتهم على اللقاء بهم بأرض الأحلام بعد ساعة لتحثهم على النوم باكرا فقال سليم:
- هتلاقيني لابس سوبر مان ومستنيكي فوق السحاب عندها جذبت سلمى منه الهاتف وقالت بطفوليتها المحببة:
- وأنا هكون لابسه ميرميد ومعايا فيش فضحكت سالي وقالت:
- وأنا هكون لابسة باربي ونتقابل، اتفقنا وبالنهاية نامت سالی وأطفالها فلديهم موعدا هاما
وقف أمام الباب وهو يفكر لم قام بتلك الخطوة، لم لم يستمر بعنده وكبرياءه وعاد للقصر دونها وتركها تتحمل هي نتائج أفعالها ولكنه لم يجد سببا مقنعا فقد كان متعبا للغاية فتحت له الباب ولم تكن ارتدت ملابسها بعد وما كانت ترتديه كان أبعد ما يكون عن مسمى الملابس فالغلالة السوداء التي كانت تصل إلى ما قبل ركبتيها بشق الأنفس كانت تكشف أكثر مما ينبغي بكثير فعقد حاجبيه غاضبا ودفعها للداخل بعنف حتى شهقت بإنزعاج قائلة:
- فيه أيه يا جاسر بترقيني كده ليه ؟
هدر فيها بثورة كالأسد الهائج:
- أنتي إزاي تفتحي الباب وأنت لابسه كده ؟
نظرت له بهدوء وضاقت عيناها وسارت نحو الداخل حتى وصلت لغرفة نومها وهي تقول:
- الدور أصلا مافيهوش غير شقتين دي والتانيه صاحبها بيرجع كل سنه مرة تابع هجومه الضاري وهو يسير خلفها حتى أصبح بمنتصف الحجرة:
- يرجع كل سنة مرة اتنين برضه ماينفعش تفتحي الباب کده فاقتربت منه بدلال وضعت يدها على صدره قائلة بغنج:
- بتغير عليا رفع حاجبيه مستنكرا قائلة بسخرية:
- لاء طبعا . . الفكرة أنك دلوقت حرم جاسر سليم ولازم من هنا ورايح تاخدي بالك من تصرفاتك ولبسك فاهمة؟!
قالت ببرود وهي تبتعد عنه لتتموضع على الفراش يإغراء:
- أوكيه نظر حوله بحيرة ودعك رقبته وهو يشعر بألم ثم فقال كمن يستنجد بأحدهم:
- إحنا إيه، مش هتقومي تلبسي عشان نروح؟!
عقدت حاجبيها بغضب متصنع وهي تهز رأسها فأنسابت خصلاتها الماجنة حولها كهالة من سواد الليل البراق قائلة:
- توء . . إحنا اتفقنا أنك لازم تعوضني عن ليلة إمبارح الأول كان بحاجة للجلوس ففعليا قدماه تنوء بحمله فاقترب من الفراش الوثير وجلس على طرفه وهو يقول بصوت مرهق:
- طيب ممكن تقومي تلبسي وفي السكة نكمل كلامنا قامت واقتربت منه وأحاطت رأسه بكفيها وأناملها تقوم بحركات دائرية منتظمة أسفل عنقه وتتغلغل داخل فروة رأسه فرفع حاجبيه وأغلق عيناه وتنهد متلذذا بما تقوم به أناملها الرفيعة فهمست بأذنه بصوت دافيء:
- أجيبلك حاجة تشربها؟!
هم ليفتح فمه ليعترض ولكنها انصرفت بمكر مسرعة وعادت قبل أن يلحظ ناولته كأسا من عصير العنب الأحمر المثلج مخلوط بورقيات النعناع المنعشة فتجرع نصفه وتحركت حتى أصبحت خلفه وهي تمسد كتفه المتشنج وعضلات عنقه المشدوده بخبرة فاستسلم لها ولم يمانع إذ أخذت بخلع سترته ووصلت أناملها المقدمة قميصه فخلعته بثوان معدودة وعطرها يغلف عقله بضبابية محكمة وظهره الصلب يصطدم بنعومه صدرها وخصلات شعرها الناعمة تهفو من حول وجهه وإن كان نالها ليلة البارحة بغضب إعصار ضاري فاليوم نالته هي بنعومة ودلال فائض والفضل کله يرجع لشهادة التجميل والتدليك التي حصلت عليها من فرنسا ومن قال أن الطريق لقلب الرجل معدته فهو لمخطی فاليوم الطريق يبدأ من عضلاته المتعبة التي تشدو الراحة تحت أنامل إمرأة مغرية تحت ظلال غلالة واستيقظت بمنتصف الليل وابتسمت بسعادة بالغة فحبيبها نائم كطفل صغير بين ذراعيها بفراشها فالليلة جعلته يترك القصر وأطفاله وأمه وأذعن لحاجته لها وبالغد القريب لن يستطيع التخلي عنها كما فعل بالبدينة قبلها.
وقفت صباحا أمام بوابة المدرسة العريضة تنتظر وصول أطفالها حتى لمحت الحافلة تقترب بهم فابتسمت وعندما رأتهم أشارت لهم بترحيب حار قفز سليم من الحافلة وكان الأسبق لحضن أمه تلته سلمي ووضعت سالي الحلوي بيديهم قالت:
- بعد ما تفطروا في البريك تاكلوا الحاجات الحلوة، اتفقنا؟!
أشار لها الصغار بالموافقة وحثتهم سالي للدخول حتى لا يثيروا غضب المعلمة وودعتهم بإبتسامة واسعة وهي تعدهم بأنها ستكون بإنتظارهم بالقصر عندما يعودون سارت سالي بخطوات متكاسلة وهي تفكر بالجدوى مما تفعله بحياتها تسترق لحظات بالقرب من أبنائها، ولم عليها أن تخوض هي ذاك الصراع أكانت هي المخطئة؟!
هي من تمتلك الحق بأبنائها حتى تمتلك الحق بسليم الصغير وليس هو فرت دمعة من عيناها فهي غير قادرة على النطق باسمه وتكتفي بتعريفه كأداة ضمير لا قيمة لها أضحى ذكرى مريرة بحياتها واليوم لا يخصها ولا هي تهمه أو تقربه وليت بإمكانها كراهيته مسحت دموعها ورفعت رأسها وعادت لتذكر نفسها أنه من تخلى عنها ولن تعيش هي الباقي من حياتها للبكاء خلف رحيله واصطدمت عيناها بتلك اللوحة الأعلانية عن مركز علاج الأسنان ذاك بوسط المدينة مرة أخرى فعقدت حاجبيها بعزم بالغ إلى متى الهرب؟!
عليها البدء بممارسة حياة فعلية بعده
لكم تكره أشعة الشمس وتكره وقعها على بشرتها الباهتة المزرية وتعشقها في الوقت ذاته فهي تعلن أنها استطاعت خوض يوم آخر ولم ترحل في غياهب الليل المظلمة رفعت ظهرها وأرسلت ناظريها تراقب حركة الأشجار تحت وطأة نسيم الشتاء القارص وتلك الشجرة بالتحديد زرعتها بنفسها عندما تخرج كبيرها من الكلية وأرسل لثكنات الجيش بعدها زرعتها وراقبتها تنمو يوما بعد يوم وكل عام يصيبها الشتاء ببرودته بالآم مبرحة لأوراقها فتسقط ميتة فترقبها هي أكثر وترقب حياتها من جديد لتطمئن على وليدها خشية أن يصيبه مكروة واليوم شجرته عارية أوارقها تتساقط بغزارة تتساءل داخلها أترها تشهد عودتها للحياة مرة أخرى أم تكون هي من ترحل قبلها أم أن ابنها قد حكم بعنده ورعونته على حياته بالخراب والدمار ولن يطل الربيع الدافيء على شجرته مجددا؟!
دلفت نعمات لغرفتها بهدوء فرفعت حاجبيها متعجبة وقالت بصوت هادیء:
كنت لسه جاية اتطمن عليك فقالت هازئة:
- تشوفيني عايشة ولا مت؟!
تجاهلت نعمات كلمات سيدتها القاسية كما اعتادت وقالت:
- أجيبلك الفطار هنا؟
وبالمقابل تجاهلت سوسن سؤالها وقالت:
- الولاد فطروا مع باباهم وراحو المدرسة؟
هربت نعمات بعيناها بعيدا فالسيد غاب عن القصر البارحة ولم يعد هو وعروسه الجديدة وقالت بصوت متردد:
- اه فطروا وراحو المدرسة من بدري عقدت سوسن حاجبيها وكالساحر عندما يتلاعب بأوراقه تلاعبت بكلماتها من جديد:
- وجاسر نزل فطر معاهم هو والعروسه؟!
رفعت نعمات عيناها وقالت بنبرة غاضبة:
- البيه مابتش هنا إمبارح لا هوا ولا العروسة وإن كانت نعمات ظنت أنها من تشعر بالغضب فما رأته بعدها بل وما سمعته لهو بركان من الغضب حتى شعرت بالقلق الشديد على مخدومتها التي أمسكت بصدرها وهي تتألم بصوت مرتفع وصرخت ببقية الخدم ليأتوا لها منقذين وبسرعه اتجهت للهاتف وأول من تبادر لذهنها كان أسامة الذي أمرها بالهدوء قليلا وأخذ أنفسها والتحدث كي يستطيع فهمها فقالت بعدما هدأت أنفاسها نسبيا:
- الست سوسن تعبت أوي كانت ماسكة صدرها واغمى عليها بعدها ألحقني ولم تجد منه إجابة فقد حمل هاتفه وترك الشركة ليقود سيارته بسرعة بالغة لنجدة أمه
ربما تكون رياضية ذكورية بعض الشيء ولكن تلك أقاويل الرجال فالملاكمة تجري بدمائها منذ أن كانت طفلة في السادسة من عمرها تراقب حركة اللاعبين وسرعتهم والنيل من بعضهم بلكمات قاضية كما علمها والدها والمفضل لديها على الإطلاق " محمد علي كلاي " ذلك الأسطورة الذي حصد بطولات وألقاب عظيمة واليوم تمارس تلك الرياضة بإنتظام فهي أولا وأخيرا شغف لا يضاهيه شغف، كما أنها تمد ساعديها بالقوة التي تلزمها لإجراء العمليات الجراحية الطويلة الصعبة قطع صوت الهاتف تدربيها المنتظم الصارم منذ ساعة أو أكثر فرحبت به وهي ترتشف الماء لتروي عطشها وترد قائلة بأنفاس متقطعة:
- آلو أتاها صوته مستنجدا:
- دكتورة ريم، أنا أسامة سلیم حضرتك فكراني وهل غاب عن خاطرها ولكنها كذبت كحواء متمرسة وهي تخلع قفاز الملاكمة الضخم وتمسح عرقها المتصبب من جبهتها قائلة بإستخفاف:
- همم مش أوي . . لكن عاوز إيه ده الأهم؟!
رد أسامة قائلا - والدتی تعبت وأغمي عليها وأنا مش عارف إيه اللي حصل أنا السه رايحلها ممكن حضرتك تيجي تكشفي عليها أكون شاكر جدا زمت شفتيها وقالت بإحترافية متجاهلة مشاعرها المتضاربة:
- هوا أنا في الغالب مابروحش بيوت لكن أنا عندي ساعة زمن فاضية لو العنوان قريب مني هروح غير كده آسفه ياحضرتك تجيبها المستشفى يا إما قاطعها راجيا:
- العنوان في كفر عبده وأرجوك هيا حالتها ماتنفعش تروح مستشفى عقدت حاجبيها وقالت:
- مليني العنوان بالكامل
رنين الهاتف قض مضجعه فقام فزعا وهو يتأمل جدران الغرفة حوله لاعنا تأثير داليا السحري عليه ليلة الأمس لقد بات ليلته بشقتها تاركا صغاره بمفردهما مع أمه رد بصوت نائم نسبيا:
- آلو فقال أسامة غاضبا:
- ممكن أعرف أنت فين دلوقت؟!
فرد كاذبا فهو يخجل من التصريح بأنه قد بات ليلته بشقة زوجته - أنا في البيت خير في حاجة عندك في الشغل فقال أسامة ساخرا حانقا:
- ولما أنت في البيت نعمات بتتصل بيا ليه، عموما ماما تعبانه وأغمي عليها وأنا رايحلها وكلمت دكتورة ياريت تسيب ست الحسن والجمال وتفضيلنا نفسك ساعة دي أمك برضه أغلق الهاتف وألقاه جانبا وقام ليغتسل مسرعا فاصطدم بجسد داليا التي كانت تلف نفسها بمنشفة أرجوانية عريضة وهي تقول له بحبور:
- صباح الخير يابيبي مالك مكشر كده ليه؟!
دفعها جانبا وهو يدلف لداخل الحمام قائلا بخشونة:
- ماما تعبانة أوي وأنا لازم أنزل بسرعة عقدت داليا حاجبيها وخرجت وهي تهمس حانقة:
- الحرباية، كل ده عشان مابتش هناك إمبارح، صبرك عليا یا سوسن هانم * * * * * * * * * * * * وقفت أمام باب المركز مترددة في الدخول داخلها يضج ببدايات حديث والخلاصة لاشيء فهي فعليا تقف خاوية الأيدي حتى من شهادة خبرة أو سيرة ذاتية وماذا عساها تذكر فيها؟!
أنها عملت لعامين في تكليف حكومي ثم تخلت عن مهنتها لتقوم بالعمل سكرتيرة لزوجها السابق لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر وأدارت مرکزا شبيها إدارة دون المتوسطة لتفشل بعدها فشلا ذريعا وبالنهاية هي ربة منزل بإحتراف مشاعرها المتناقضة كانت ترتسم بوضوح على وجهها مابين الخيبة والإحباط والغضب الشديد وأخيرا اليأس فقررت العودة أدراجها غير مدركة أنه هناك من يراقبها وكادت أن تصطدم به فشهقت وعادت للخلف خطوتان فقال معتذرا:
- أنا آسف جدا ماقصدتش تأملته سالي لقليل من الوقت وأقرت أنه يشبه أسامة قبل التغيرات التي طرأت عليه فقالت:
- ولا يهمك وهمت بإنصراف مسرع فاستوقفها الغريب وقال:
- هوا إيه المركز مش حلو ماعجبتكيش الخدمة؟!
فقالت نافية بسرعة:
- لا لا أنا مادخلتش أصلا، مش جاية لعلاج يعني رفع حاجبيه وقال:
- آه، خضتيني . . یعنی معظم الناس بتشكر في الموجودين هنا وأصل الأسنان دي رعب فعلا أشارت له لتطمئنه:
- ماتقلقش حضرتك أنا كنت جاية أقدم على شغل هنا بس ماعييش سي في فقال يإهتمام:
- هوا حضرتك دكتورة أسنان ؟
هزت رأسها:
- آه فتح فمه فجأة واقترب منها وهو يقول بصوت غوغائي:
- هوا الضرس ده محتاج يتخلع؟!
نظرت سالی يإنزعاج لداخل فکه ورأت مايشير إليه فقالت وهي تسترجع معلوماتها الطبيه ثم قالت:
- هوا الأفضل حضرتك تعمل أشعة بس أظن هيحتاج تنضيف وحشو وممکن کراون بس عندك ضروس العقل اللي فوق واللي تحت في الغالب هتخلع حالتهم مدمرة . . أفضلك يعني ابتسم لها الغريب ومد يده يصافحها قائلا:
- أنا دكتور كريم مدير المركز وكنا فعلا محتاجين دكاترة، أهلا بيك يادكتورة تقدري تبدأي شغل معانا وحبذا لو اتعرف بإسمك نظرت له سالي متعجبة وهي تمتم بخجل وتصافحه بالمقابل:
- سالي محسن
أنهت الكشف على المرأة السبعينية والتي استعادت وعيها بحرفيتها المعتادة متجاهلة أسامة الذي كان يقف ملاصقا لفراش أمه والآخر الذي اقتحم الغرفة بصوته المرتفع وسلسلة من الأوامر لم تعيرها أي إهتمام عن فريق طبي آت في الطريق وأن عليها التنحي جانبا، وأن سعيها مشكورا تلك الكلمة التي جعلتها ترمقه بنظرة إستعلاء بتوقيع " ريم الراضي " الطبيبة المحنكة الحاصلة على شهادات طبية تفوق فريقه الطبي الذي ظهر بعد لحظات وهو يوليها فروض الطاعة وفي إنتظار إشارة من طرف إصبعها بفهما المزموم دوما وعيناها المتناقضتان اللتان تنضحان بالبرودة تجاوزته وخلفها سار الفريق الطبي وأسامة وجاسر يتبعهما كمن لاحيلة له حتى قال رئيس الفريق متملقا:
- لو عرفنا يادكتور ريم أن حضرتك هنا، إحنا كنا ماجناش خالص فقالت ببرود وقح:
- حضرتك يا دكتور تقدر تشوف شغلك مع اللي اتصل بيك في الوقت الحالي أنا وقتي ضيق ومحتاجة أتكلم مع الأستاذ أسامة صرف جاسر الفريق الطبي شاكرا بعدما نقدهم أموالهم ووقف البرهة يراقب رحيلهم ومشاعره تتقاذفه كأمواج بحر لا قرار له حتى اصطدم بصخور الواقع الذي يعلنها له صراحة إنه مقصر مقصر بحق أطفاله، مقصر بحق أمه التي شارفت على الموت دون أن يكون إلى جوارها وأنه لم يعد أهلا لحمل لواء الأسرة بعد فلقد تكفل أخيه الأوسط بالمهمة وقام بها على خير وجه حتى الفريق الطبي الذي استدعاه في آخر ساعة وقف مثله قليل الحيلة، عاجزا أمام تلك المحكنة والذنب يقع على عاتقه والغضب أيضا يقع على عاتق المحيطين به واقتحم مجلس الإثنان ليستمع لما تقوله تلك المتحذلقة التي كانت تشرح لأخيه حالة أمهما المريضة:
- یعني طبيعي في السن ده مع الكيموثيرابي والإنفعال اللي اتعرضتله تحصل أزمات زي دي الفكرة أننا ننتبه ليها ونحاول قدر الإمكان نبعدها عن الإنفعال دي أكتر حاجة تأذيها فقال جاسرا مستنكرا:
- بس كده . . الإنفعال ممنوع . . طب ماطول عمرها بتنفعل عمرها ماجالها أزمة بالشكل ده قامت ریم واقتربت منه بهدوء حتى قالت بأمر غير قابل النقاش وعيناها المتناقضتان تلمعان بشراسة قباله فهي تكره أمثاله من الرجال ممن يظنون أن باستطاعهم تحقير مجهود المرأة لمجرد إنها إمرأة:
- عشان كده من هنا ورايح ممنوع الإنفعال فهتف جاسرا مستحقرا:
- دي أمي وأنا عارفها إكتبيلها مهدي على الأقل التفتت ريم الأسامة الذي سارع لفض الإشتباك قائلة بسخريتها المعهودة وهي تتوق للتخلص من ذاك المتذاكي:
- أنا بلغتك إني عندي ساعة واحدة بس فاضيه وحيث إن خلصت الكشف ماعنديش استعداد أضيع وقتي ولا أرهق خلايا مخي الثمينة جدا في الرد على الأستاذ فقال أسامة بأسف بالغ:
- أرجوك تعذريه، وأنا ماتتصوريش متشکرلك أد إيه سارت لتنصرف عندها استوقفها جاسر قائلا:
- استني يا دكتورة مش تاخدي حسابك الأول نظرت له ريم من رأسه حتى أخمص قدميه وقالت بإستهزاء:
- خليهو ملك التفت له أسامة وهو يتوعده سرا حتى أوصلها لسيارتها الفاخرة التي قادتها بسرعة فائقة وعاد له ليقول موبخا:
- یعني أكيد واحدة سابقة لامبورجيني مش مستنيه منك فلوس وكمان تديهوملها بكم الأستهزاء ده وبعدين أنا اللي متصل بيها فكلامي يبقا معاها أخفض جاسر رأسه متعبا فكم الكراهية والإستهزاء اللتان أصبح يتلقاهم بشكل دوري دائم أصبح أمرا مقززا مرهقا فهو لم يعتد أبدا الركون لمكانة زياد بالعائلة فقال بعند:
- وأنا غلطت في إيه ولا أنت عشان خايف على منظرك قصدها؟!
حملق به أسامة وقد بلغ به الصبر مداه:
- أنا بحاول دائما أقدر الحالة النفسية اللي أنت أكيد فيها بس ده مش معناه إنك تتمادی یاجاسر أنا اللي يهمني أمنا هز جاسر رأسه بأسف وهو يشعر بمزيد من السخط الغير مبرر فهو لم يعتد تكرار أخطاءه قائلا:
- نعمات ماقالتش إيه اللي دايقها أوي كده ؟
رد أسامة بغموض:
- ما سألتش ظل جاسر صامتا حتى قرر الرحيل قائلا:
- أنا رايح الشغل أنت راجع ولا وراك مشوار ؟
ضاقت عينا أسامة وقال:
- مش هتدخل تطمن عليها قبل ماتمشي؟!
هز جاسر رأسه نافيا وهو يتوق للهروب من تلك الأحداث المتلاحقة:
- أكيد نامت أما أرجع هبقي أشوفها
مضى يضغط على هاتفه لإعادة الإتصال مرة ثالثة وأخيرا أتاه صوت أخيه الناعس فقال ضائقا:
- أنت فين؟
دعك زیاد وجهه وقال:
- عند واحد صاحبي غمغم أسامة مستفهما:
- سيبت البيت ؟
فرد زیاد متبرما:
- رجعت لقيت نص هدومي متعبية في شنط عند السيكورتي فقال أسامة:
- طب هات نص هدومك وتعالي اقعد معايا هم زیاد بالرفض فقاطعه أسامة بصوت لا يقبل الجدال:
- أنا مش بعزم ولا بتحايل عليك هتيجي وهتقعد معايا لحد ما أمورك تتعدل ماهو أنا مش هفضل ألف وراكوا أنتوا الاتنين ده غير أمكم اللي تعبانه هتف زیاد بقلق عارم:
- ماما جرالها إيه ؟
فغمغم أسامة:
- جاتلها أزمة كده النهاردة وأغمي عليها، المهم أرجع ألاقيك في البيت عندي عشان نروحلها نطمن عليها سوا بالليل، إتفقنا هز زیاد رأسه مذعنا:
- اتفقنا
عودته للبلاد كانت مفاجأة سارة وأيضا حملت في طياتها أسئلة أرقت مضجعها خاصة عندما يقتحم مكتبها ويخصها بتلك النظرة التي بإمكانها دوما سبر أغوراها فرفعت أنظارها له بإبتسامة صافية:
- خير يا بابي اقترب يسري الطحان من صغيرته الوحيدة وجلس قبالها:
- شوفي أنا عمري ما اتدخلت في قرارتك من وأنت بنت سبعتاشر صح؟!
أومأت آشرى برأسها هامسة:
- صح فعقد أبيها حاجبيه قلقا:
- بس یا آشري أنت مش عجباني، الحياة يابنتي مش شغل وبس فهزت رأسها نافية وهي تقول بصوت حاولت تضفي عليه المرح - يابابي ما أنت شايفني بخرج واتفسح و . . . فقاطعها والدها:
- زیاد فین یا آشرى ليه مش بشوفه؟
صمتت لقليل من الوقت حتى قالت بهدوء:
- بابي أنا وزياد قررنا ننفصل نکس والدها رأسه حزينا ثم قال راجيا:
- القرار ده نهائي یا آشري وبالمقابل أومأت له برأسها مؤكدة:
- نهائي يا بابي، وصدقني لما أقولك أنه كان مفروض ناخده من زمان قام أبيها ليحتضنها وقامت هي وغاصت في أحضانه الدافئة وهو يقول لها:
- ماتستعجليش يا آشري خدي وقتك جلست بعد إنصرافه وهي تعيد حساباتها مرة أخرى ولكنها كانت دوما تصل لنفس النتيجة أنها لم تخطيء باتخاذ مثل ذاك القرار ربما أخطأت في تقدير بعض الأمور وربما أخطأت أيضا عندما أخفت أموارا غاية في الأهمية عن زياد فتحملت لومه وتقريعه لها دون ذنب ولكنها لم تكن ترغب في إيذاء مشاعره الذكورية خاصة وهي الناجحة بعملها، كانت تظن إن صارحته فسوف تزيد الفجوة بينهما وبالنهاية هذا ماحدث رغم جهودها المتواصلة لرأب الصدع بينهما ولذلك القرار يعد لصالحهما وقد اتخذته بوقت متأخرا بالفعل .