رواية لازلت أتنفسك للكاتبتان آية عبد العليم و نهال مصطفى الفصل الخامس عشر
كل ما في الأمر أنني أحتاج أحبك ككاتبة , ذروة الحب بالنسبة لها التفاصيل , جميع الكُتاب مرضى تفاصيل , فمثلًا سأدون لك أخطاءك الفاحشة التي اقترفتها اليوم , نظرة عينيك انحدرت خمس مرات عني لتشاهد شاشة التلفاز اللعينة , تركت يدي لمدة ثلاث دقائق يعني مائة وثمانون ثانية أليس ذلك وقت كافي ليُصاب كفي بأنفلونزا الهجر , اليوم ناديتني باسمى ولم تُنادينىحبيبتي , آخر مكالمة أجريتها استغرقت أربعة دقائق وخمس وثلاثون ثانية أليس من حق قلبي ذلك الوقت المنهدر عبثًا , إنك لم تلتفت للون طلاء أصابعي الأحمر الذي استبدلته باللون النبيتي , نسيت أن تُقبل أناملي مع كل لقيمة تدلف فمك ألم يكن ذلك كلامك أنك تود أن تعطرها بعبير يدي قبل ما تسكن داخلك تود أن تحمل تيار حبي لك لينتقل بجوفك , إنك لم تلتفت لخلخال قدمي الذي لم يتناسق مع منامتي القصيرة وتقل لي إنها غير مناسبة ف عليكِ بارتداء الأخر الذي أحضرته لكِ بعيد ميلادك الأخير , كل ما أريده فقط أن أكون كوكبًا في مدارك إليك المتسع من الوقت لتمرح فيه كما تشاء إلا أن يأت وقتي فهو لي , وأنت لي بكل كيانك , فتذكر أمر غيري في وقتي يعد خيانة لي وأنا سيدة لا تقبل الخيانة ياعزيزي.
تجلس داليدا بجوار المكتب الخشبي الموجود بجانب مخدعهم تدون بعض الخواطر التي تدور برأسها وهى تراقب زين بملامحة تشتاظ غضبًا , تحك قدميها ببعضهما بعنف وهى تزفر بقوة مما جعله يلتف إليها لينهي مكالمته الهاتفية قائلا بفضول
مالك ! أنتي زعلتي عشان سبتك
اصطنعت عدم الاهتمام مردفة
- مش زعلانة خالص .. براحتك .
دنا منها بخطوات ثابتة بعدما ألقى هاتفه فوق الأريكة قائلًا
- طب وريني كنتِ بتكتبي إيه .
طافت عيناها يمينًا ويسارًا ويبدو عليها بوادر الارتباك , كان زين يقرأ بكتاباتها بعيون ضيقة وتتبدل ملامحه مع كل كلمه يقرأها , فرفع عينه نحوها قائلا بشك
- كل دا حصل في الخمس دقايق دوول !
نصبت عودها بتلقائية حتى أصبحت واقفة أمامه مردفة
- عشان نتجنب النكد والخناق بس بتاع كل ليلة لازم تاخد بالك من كل الحاجات دي .
دخل زين في غيبوبة ضحك ثم أردف قائلًا بسخرية
- واحنا هنركز في إيه ولا إيه بس ! احنا صحتنا على أدها والله ..
لكمته برفق على كتفه بسخرية مردفة
- ياسلام ! لا ماينفعش معايا أنا الكلام دا .. طالما اخترت تحبني يبقى تحبني زي ما أنا عاوزة مش على أد مقدرتك .. فاهم ؟
التقط أناملها سريعا ليطبع قبلة عليها قائلًا
- ياسيدي أنت تأمر أمر .. بس وريني كدة وهو أنتِ لابسة خلخال أصلا !
زفرت بنفاذ صبر على بروده أعصابه ومزاحه الساخر من طريقة حبها قائلة
- شووفت ! ما أنت لو مركز مكنتش هتسأل ! عموما الاهتمام ما بيطلبش يابشمهندس .
طبع عدة قبلات متوزعة على وجهها وهى واقفة بثبات منتظرة رد فعل منه ليطفىء براكين الغضب بداخلها , أمسك ذقنها برفق ليرفع وجهها لأعلى قائلًا بمزاح
- اسكتي مش طلع بيطلب عادي .. بس أنتي اللي شكلك نايمه على ودانك .
تغنجت بين يديه بدلال مردفة بنبرة ساخرة
- رخم أووي على فكرة .. صالحني دلوقتي حالًا ..
ضحك بصوت مسموع ثم ألقى نظرة على الورقة الموضوعة فوق سطح المكتب قائلًا
- بطريقتك دي محسساني إني مشتري تلاجة بالدليل ولا الكتالوج بتاعها
رمقته بنظرات غاضبه وأنفاس متصاعدة تريد أن تحرقه ثم تحركت متأهبة للمغادرة
- كدة! وكمان بتهزر ! طيب ابعد بقى .
احكم قبضته عليها سريعا ليجذبها نحوه
- خدي هنا أنتِ هتستهبلي .. ليا ساعتين بهد في أخواتك عشان أنيمهم وفي الأخر تقوليلي ابعد ! إيه الجحود بتاعك دا .. ماهو دا مش أسلوب خالص بردو .
رغم عنها أطلقت ضحكة عالية كأن روحها البرئية تجسدت بها فكانت كافية أن تشعره بأنه للتو أمسك الدنيا بين يديه , كان تأثير ضحكتها عليه كسهم دخل من جهه وخرج من الأخرى بصحبة قلبه تاركًا روحه فارغة تلهث تشتاق لجيوش متتالية من الأسهم المصوبة من ثغرها إليه لأول مرة تمنى أن يكون ممتلئًا بالأسهم فبدون تردد جذبها إليه ليسد ما فرغه سهم ضحكتها فكان له بمثابة رحيقًا تنتشي له حواسه يرتوي منه حبًا كل لحظة مرددًا بلهفة.
- إيه اللي أنت عملتيه دا !
حاولت أن تتحرر من قبضته القوية ولكن بدون جدوى فقالت
- معملتش حاجة .. أنت بتتلكك !
نظر لها بعيون متسعة بهما نبرة شوق
- خدتي روحي مني وأنا لازم أرجعها دلوقتي بطريقتي ..
قرعت طبول قلبها ما بين الشوق واللهفة والخوف والارتباك فقالت بتلقائية وهى تبتعد عنه
- زين صح .. أنا جعانة أوي أوي أوي .
- كلنا جعانين والله ..
ركضت نحو الباب مردفة
- لا أنا جوعت يلا روح هاتلنا أكل من برة حالًا ..
دنا منها وهو يعض على شفته السفلية بنفاذ صبر
- الدلع دا هيستمر كتير !
زمت شفتيها بحركة طفولية ثم أردفت قائلة
- والله جعانة بجد .. وبعدين أنت يرضيك مراتك حبيبتك تنام بالجوع !
- هو أنتي مش لسه أكله من ساعتين ..
لاحت له بأصابعها بتلقائية قائلة
- تؤ تؤ .. هو أنا ماقولتلكش مش أنا بجوع بسرعه وبشبع أسرع .. وبعدين أنت هتحسب عليا اللقمة من أولها .. كدة أنت هتعصي ربنا .
نظر لها بصدمة قائلًا
- لا إله إلا الله ! أنت هتركبينا الغلط من أولها ليه وأنا نطقت .
أومأت رأسها بعناد مردفة
- لما ربنا يقول
} لينفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا {
وتيجي حضرتك تحسب عليا الأكل وتقولي لسه أكله من ساعتين وتسيبني بالجوع كدة يبقى ربنا هيحاسبك على الغلبانة اللي معاك وهى أنا .
استند بكفها على حافة الباب ليضعها تحت سطوته وحصارة قائلًا بغمز
- طيب ولو كانت بتعاند وبتيجي على جوزها الغلبان اللي هو أنا بردو نعمل فيها إيه ياست الشيخة !
عقدت ساعديها أمام صدرها وهى تنظر في عينيه بتحدٍ قائلة
- والله كله وشطارتك يابني .. بص هى نصيحة كدة على الماشي ربنا يجعلها في ميزان حسناتنا وشكلك غلبان فأنا هساعدك ..
رفع حاجبه وهو يرمقها بنفاذ صبر ويزفر بقوة مرددًا
- والله ! كتر من أمثالك .. هاا قولي النصيحة حق أنا محتاس .
ابتسمت بحب وهى تكتم صوت ضحكتها مكملة في مسرحيتها مرددة بثقة
- بص كان في حديث عن النبي بيقول إيه
} إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، وَإِنَّكَ إِنْ تُرِدْ إِقَامَةَ الضِّلْعِ تَكْسِرْهَا، فَدَارِهَا تَعِشْ بِهَا {
بمعنى هفهمك بس متبصليش بجهل كدة .. الرجل الغبي يابيه هو اللي يحاول يعدل تفكير ونمط الست مراته .. المفروض إنك تطلع ناصح كدة أو صايع بمعنى أصح وتستغل عنادها وعوجها في حاجات تانية وتضلل عليهم بضلعها المعوج اللي مش عاجب معاليك ,, فهمت .
جز على أسنانه بنفاذ صبر قائلًا
- أنا دلوقتي مش فاهم أي حاجة غير إني عاوز أشوفك في حضني .
احمرت وجنتها بخجل قائلة بعناد
- وأنا مابعرفش أفهم أي حاجة وأنا وجعانة .
ضحكا سويًا بخفوت ثم أردف زين قائلا
- وحشتيني , أنا بلوم نفسي على كل لحظة قضتها في بعدي عنك , البني آدم دا غريب أوي بيفضل يعاند ويضيع وقت في أكتر حاجة هو محتاجها , مصمم يعيش تعبان محتار ومع إن راحته واستقراره في حضن واحدة بس , الغبي بقى اللي يكابر ويبعد وينسى إن كل دا بيتقسط على حساب قلبه وسعادته .
تنهدت بحب وهى تعبث بأناملها في ملابسه بدلال
- أنتوا كرجالة بتبقوا حلوين أوي لما بتحبوا .
نظر لها بعيون ضيقة ممازحا
- وأنتِ عرفتي كل الرجالة فين ياست هانم .
رفعت حاجبها بصدمة وهى تحرك حدقة عينيها يمينًا ويسارّا بارتباك قائلة بهمس
- شكلي كد. وقعت نفسي في فخ .. -ثم رفعت عينيها إليه لتغير مجرى الحديث قائلة- وأنت كمان وحشتني أوي .
نظر لها نظرات ساخرة قائلًا
- اممم اهربي اهربي .. أول مابتزنقي بترجعي لورا ..
فركت كفها بارتباك وهى تقرب منه لتقول بغمز
- أو نرجع لقدام عادي جدًا هههههه .
لم تشعر بقدميها إلا وهما يجذبونها بداخل أحضانه وتستند برأسها على جدار صدره الصلب لتضع روحها في أكثر الأماكن الضيقة اتساعًا فجميعنا حينما يصيبنا الحب لانريد اتساع الأرض وما بها فقط كل مانريده عالم يتكون من جسدك وذراعيك الملتفين حولي ذلك يكفيني ف أنا لا أريد عطرك , همسك , أنفاسك , نبض قلبك .. أريد أن أمزج أنفاسنا معًا حتى أعجز عن التفريق بينهما , فقربها بالنسبة له بم يعد كافيًا لف ذراعيه حولها ليقربها منه أكثر فأكثر كأنهم جسد واحد بنفس واحد بنبض قلب واحد بقربها أدرك أن الوطن الحقيقي هو ضمة حضن .
همس زين بأذنها قائلًا بمزاح وأنفاسه الحارة ترتطم بعنقها:
- طيب طالما حضني مريح أوي كدة وعاجبك ليه العناد والمكابرة !
ضربته برفق على كتفه وهى تبتعد عنه قليلًا مردفة
- والله بني آدم فصيل .. روح هاتلي أكل يلا .
لازال يحكم حصار ذراعيه حولها ليقول بغمز
- والله أنتِ اللي فصيلة .. لسه كنت بفكر في غزو كدة .
ضاقت حدقة عيونها باستغراب قائلة
- غزو ! قصدك إيه .
فكر لبرهه وعينيه تجوب يمينًا ويسارًا ليقول
- فتحي مخك معايا مش كل كلمة هشرحها بقى !
أشارت له بسبابتها بحيرة وشك
- مش مرتحالك !
تنحنح بخفوت وهو يغمز لها بطرف عينه مرددًا
- أصل كنت عاوز أطبق نظرية كدة قولت يمكن تجيب نتيجة .
- ياسلام ! والنظرية دي اسمها الغزو !
أومأ رأسه إيجابًا وبثقة مرددًا
- أصلهم علمونا في المدرسه إن القبلة تمهيد علوي للغزو السفلي وكدة أنتي طربقتي النظرية خالص .. ارتحتي !
شهقت كشهقة الولادة تكاد أنها سحبت أكسجين الغرفة وهى تنظر له بعيون متسعة
- أنت فظيع ! أوعى كدة لما تتربى أبقى نتفاهم .. روح هاتلي أكل ومتكلمنيش تاني .
كتم صوت ضحكته قائلًا
- أنتِ ليه مصممة ترسخي في ذهني إني شاقطك من المقطم !
كتمت صوت ضحكتها وركضت أمامه مغادرة غرفتها لكي تبتعد عن أسهم نظراته التي تخترقها .. خشيت أن تضعف أمامه وتهد جبال عنادها , ضرب زين كف على الأخر وهو يهم بتبيدل ملابسه
- ننزل نجيب عشا أما نشوف آخرتها إيييه !
أمام إحدى شقق إسكندرية
تصف سيارة بداخلها فريد بصحبة مراد وعماد أمام منزل أكرم
فريد بقلق: أنا عاوز أفهم بس .. إيه علاقة بنتي بالولد دا !
زفر عماد بضيق: حضرتك دي أسرار مريض .. احنا طاوعنا حضرتك إنك تيجي معانا بس عشان أنت أب ومن حقك تطمن على بنتك .
فريد بتوسل: طيب هو ممكن يعمل فيها إيه
مراد بهدوء وحكمة: ادعي بس نلاقيهم وإن شاء الله مش هيحصل حاجة .
دلف عماد من السيارة متجهًا نحو المبنى العالي المطل على بحر إسكندرية , اتبعه مراد وفريد إلى الداخل .. طرق عماد على باب الشقة ففتحت لهم سيدة في عقدها السادس قائلة
- أفندم ! أنتوا مين ؟
عماد بهدوء: البشمهندس أكرم موجود .
أجابته السيدة بتردد
- ااه هو جوه بس بياخد دش .. اتفضلوا وأنا هديله خبر ..
تبادلوا الأنظار بحيرة ثم دلفوا بخطوات متثاقلة نحو أقرب مجلس , أقفلت السيدة الباب خلفهم وتوجهت نحو غرفة ابنها ,, وبعد عدة دقائق أقبل أكرم عليهم ولم تخل نظراته من الحيرة والدهشة
"دكتور عماد ! حصل حاجة ! _ثم أرسل نظرة نحو مراد قائلًا_ هو مش أنت الولد بتاع المطعم اللي اتخانق زين معاه !"
تنهد عماد بنفاذ صبر
- أكرم اقعد بس ! هنفهمك.
رمقهم أكرم بنظرات تعجب وهو يجلس بجوارهم مرددًا
- زين بخير ..
عماد بعفوية: زين فين ؟
هز أكرم كتفه بنفي قائلًا
- معرفش .. أنا شايل شغل الشركة كله على كتافي لوحدي .. وأهم الشحنات اللي المفروض يكون هو في تسليمها مكانش موجود .. وحقيقي أنا قلقان عليه ..
رمقه عماد بنظرات شك قائلًا
- أكرم ... زين فين !
بدي عليه ملامح القلق والاربتاك مردفًا
- معرفش !
مراد بسرعه: أنت صاحبه وأكيد الوحيد اللي تعرف هو فين !
وثب أكرم واقف لينهي الجلسه قائلًا
- معرفش .. ولو سمحتوا اتفضلوا عندي شغل بدري .
نهره عماد بقوه
- يابنى افهم زين في خطر .. قولنا مكانه فين ! كده أنت بتضيعه ياأكرم .
ارتبك أكثر متذكرًا جملة زين التى اردفها بنبرة تحذيرية
"أوعى ياأكرم حد يعرف أنا فين .. أنت فاهمني
وجملة عماد الأخرى التي تدور بذهنه
"زين في خطر .. زين في خطر
رج أكرم رأسه بقوة مردفًا
- المقابلة انتهت ..
نفذ صبر عماد عندما تأكد من ظنونه
- كدة أنت بتضره .. قولنا هو فين وإلا ذنبه هيبقى في رقبتك !
التزم أكرم في عناده وصمته قائلًا
- اللي عندي قولته
فريد بتوسل: يابنى لو تعرف حاجه قولنا .. كدة هتنقذ روحين .. الدكاترة بيقولوا إن تواجد صاحبك مع بنتي فيه خطر .. أرجوك ساعدني نوصله .
دار أكرم بجسده متكأ على عكاز صمته وعناده .. رمقه عماد ومراد بغل أوشك عماد على الانفجار في وجهه ولكن مراد وضع كفه ليمنعه وهو يرمقه بنظرة خاطفة توحي بالتريث .. شرع كلاهما بالتحرك نحو الباب .. كان أكرم استجمع شتات قوته وافكاره مردفا بتردد
- زين في شرم الشيخ .. مع داليدا ..
صاعق كهربي مر على قلوبهم جعلهم يصابون بالشلل في أماكنهم لتحمل ما أردفه أكرم , اقترب فريد منه بتوسل
- بنتي داليدا معاه ! ريح قلبي يابني ..
أكمل عماد بلهفة
- يلا تعالى معانا لازم نروحله دلوقتي !
ألقى أكرم نظرة علي ملابسه ففوجئ بعماد يجذبه من ياقته
- مش وقته ياأكرم .. يلا على كدة ..
( في شالية شرم الشيخ )
شعور ما أجبره للخروج من المنزل ملبيًا مطالبها محاولًا السيطرة على أحاسيس معينة مربكة بداخله لم يحدد هويتها، واقفة تراقبه خلف النافذة وهو يصعد سيارته باستسلام , تضحك بصوت مكتوم وهى تضع يدها فوق صدرها مناجية ربها
_ ربنا يخليك ليا ياحبيبي ..
اقتربت من هاتفها الموضوع جنبًا فالشبكة لم تكن بجودة عالي. مردفة لنفسها
- حاسة جوايا كلام كتير عاوزة اكتبه ,, هكتبه وبعدين أطلع فوق عشان أشغل النت ..
فوجئت باتصال هاتفي من رفيقتها التي انقطعت أخبارها منذ أشهر شروق، ركضت داليدا لأعلى كى تتيح الفرصة لهاتفها أن يلتقط الشبكة الهوائية ثم أجابت بلهفة وهى تقف بجوار النافذة
- طب والله ندلة .. فينك كل دا ! وحشتيني أوي ياحيوانة ..
تنهدت شروق بكلل
- وحشتيني أوي ياداليدا .. اااه لو تعرفي الزمن عمل فيا إيه .. كل يوم بضرب نفسي ألف جزمة إني ماسمعتش كلامك ..
انعقدت ملامح داليدا بغضب قائلهة
- متقلقنيش عنك .. مالك ! دانا اللي بقول البنت مدلعة في السعودية مع جوزها ..
ضحكة ساخره شقت شفتي شروق رغم عنها قائلة
- دلع إيه بس، حياتي ادمرت وكل أحلامي اتبخرت، بقيت زي جارية بالظبط، أول شهر أخدني معاه وتمام وزي الفل بس طول اليوم محبوسة فالشقه مابشوفش الشارع غير مرة كل أسبوع، قاعدة في سجن بالظبط، ولما زهقت واتخنقت قولتله أنا عاوزة انزل مصر تعبت، ونزلت هنا بقيت شغالة خدامة لأمه وأخواته وكلمة من هنا وكلمة من هنا ومش بلاقيه جمبي، دانا لما أتعب بالليل وأكون هموت على برشامة مش بلاقي حد ينزل يجيبهالى، كل اللي بيعمله بيجي ١٥ يوم كل ست شهور ويسافر تاني، اسكتي ياداليدا دانا بقيت شاربة المر من كعاني .. كنت شايفة إن الشخص اللي بيشتغل بره دا مالك الدنيا واللي فيها طلع كله هوا، مافيش قرش بيدخل إلا ومدفوع تمنه وزيادة ...
أصابها الضيق لحال رفيقتها وطريقة حديثها العادية، أين ذهب دلالها وشغفها وتفننها في انتقاء الألفاظ التى تعكس صورة راقية عن تربية أهلها، أصبحت اليوم مثلها مثل أي سيدة آتيه من قلب الأحياء الشعبية، اليوم أدركت أن وجود الزوج مع زوجته ما هو إلا زهو ونضارة لها فبغيابه تضمر هى وتتلاشى سعادتها وتتحطم معالم البهجة بها، وجود الرجل يهب زوجته كل ما هو جميل، كل ما هو مفرح، كل ماهو مريح، فمن أكبر النعم التي جعلتها أن ترفع عينيها لبروج السماء تحمد ربها وجود زوجها بجوارها، متى احتاجته وجدته، ومتى طلبت فهو يُلبي، ابتلعت داليدا ريقها لتبلل حلقها الجاف مردفث
- مش وقت ندم ياشوشو، عيشي والوضع اللي شايفة إنك مغصوبة عليه خديه بالرضا، كنتي دايما بتتمني حياة معينة وربنا استجاب ليكي، اتحملي نتيجة ما اتمنيتي، عشان كدة كنت دايما أقولك ادعي ربنا يكتبلك الخير وبس وسيبي الباقي على القدر ..
تنهدت شروق بمرارة وحزن
- الحمد لله، كل واحد بياخد نصيبة، طمنيني عنك فين أراضيكى !
ابتسمت داليدا بخفوت قائلة بصوت هادئة
- أنا وزين اتجوزنا ..
اتسعت حدقة عيون شروق بدهشة وهى تردد جملتها الأخيره محاولة استعابها
- لأ .. زين زين .. زين بتاع الجامعة ! بتهزري صح ..
ضحكت داليدا بصوت عالي قائلة
- والله بجد .. اتجوزنا إمبارح، اسكتي ياشروق حاسة قلبي بيرفرف جوايا، عمري ما كنت اتخيل إن الجواز هيكون حلو أوي كده .
- الجواز حلو لو مع اللي بتحبيه ياديدا، أما لو كنتي مجبرة وباصة على مديات وأوهام زيي معتقدة إنها هتسعدك، ساعتها هيتحول لجحيم ..
- الحمد لله ياشوشو، أنا أصلا مكنش ينفع اتجوز غير زين، أنا منه وليه وعشانه هو اللي ربنا خلقه عشان قلبي يدقله بس .. أنا لقيت نفسي مع زين وفي حضنه، اللي هو بعد لف وغربه طويلة أخيرًا رجعت وطني ومأمني
شعور بالحقد وبعض الغيرة احتل قلب رفيقتها، فهى أيضًا متزوجة ولكنها لم تستحس بما تقصه داليدا، حياتها مقارنة بحياة داليدا جنة ونار، حاولت أن تخفي غيرتها بتغيير مجرى الحديث قائلة
- المهم احكيلي اتجوزتوا إزاي !
أجابتها داليدا بتلقائية
- عادي روحنا عند المأذون واتجوزنا ..بس .
اعتدلت شروق في جلستها لتسائلها بفضول
- أنتي هتاخديني في دوكة، احكيلي اتقدملك إزاي وطنط سعاد كان إيه رد فعلها وإيه اللي حصل .. احكي تفاصيل يابنتب .
دمعة فرت من طرف عين داليدا بمجرد ذكر اسم أمها فاجابتها بألم
- ماما تعيشي أنتي ياشروق، وأول ماتوفت مالقتش قدامي غير زين رجليا وقلبي اخدوني لعنده، بس بعدها خدني وروحنا للمأذون وكتبنا الكتاب وحاليا أنا مراته ..
شروق بتعجب وهى تفكر في كلمات داليدا ثم أردفت بتساؤل
- ديدا هو مين كان وكيلك !
هزت داليدا رأسها بالنفي قائلة
- مش فاهمة، قصدك إيه ؟
- قصدي إن عشان جوازك يبقى صحيح مش هيكفي مأذون وشهود، طالما إنك بكر ودي أول جوازه ليكي فربنا كرم المرأة بإنها تتجوز بوكيلها فهمتي،، عشان كدة بسألك مين كان وكيلك !
ضحكت بسخريه وعدم استعاب
- يابنتي هو مش اللي يعدي ٢١ سنة يبقى وكيل نفسه، مش دا الشرع والقانون !
أجابتها شروق بنفاذ صبر
- ياغبية اسمعي بس .. أمال عامله فيها شيخة وحافظة قرآن وأحاديث على إيه، بصي الست اللي اتجوزت قبل كدة عادي تجوز نفسها بنفسها، أما البنت مش مستحب في الدين إنها تجوز نفسها وتكون وكيلة نفسها، وإلا كان جوازها عرفي مش رسمي .. أنتي إزاي الفرحة عمت عيونك عن حاجه زي دي !
جيوش من الفكر هجم عليها كانت كافيه أن تفتك بها، حاولت تكذيب ظنونها وأقاويل رفيقتها لها ولكن سرعان ما أرسل الي ذهنها إشارة عبارة عن إحدى الجُمل التي أردفها الإمام في خُطب الجمعة
( لا نكاح إلا بولي ) ..
شروق بفضول: زوجتي فين يابنتي ..
تنحنحت بخفوت محاولة إخفاء خوفها وقلقها
- شروق هقفل دلوقتي .. تصبحي على خير .
قبل أن تنتظر منها ردًا أنهت المكالمة ثم سبحت في بحر دموعها المنهمرة على وجنتيها، محاولة التماس الأعذار له مرددة في ذهنها أن الحب الصادق لم يكتب له نهاية حتى بعد الموت والدليل أن الله عز وجل سيجمعهما في جنة الخلد، فليس للحب نهايهة، ولكن لماذا أشباح النهاية تراود حبها لتحكم عليه بانتهاء تاريخ صلاحيته وظهور تجاعيد الألم فوق روحها، ألم يعد حُبها كافيًا أم أنها لم تتألم بالقدر الكافي كي تظفر بحب يدوم لا ينتهي ..
عجيب قصر الحب فإنه يقتنص سكانه ببراعة ليأسرهم بداخل أسواره، فالباقية إما تائهين يبحثون عن طريقه، وأخرون وصلوا ولكنهم وجدوا أبوابه انغلقت كأنه اكتفى بعشاقه رافضًا تسلل غيرهم، والأغلب منهما لا يبالون له أي أهمية، فهو بالنسبة لهم سراب يركض نحوه الفارغون المستعبدون تحت رحمة مخلوق واحد يظنون أن العيش في ظل أسواره الثليجة جحيم سيفتك بهما وإن حرية الصحراء الملتهبة حرارة وقحدًا أهون من العبودية في كنفه.
يجوب زين بسيارته في شوارع شرم الشيخ المُختلفة، ويشعل رأسه التفكير بتلك التي اقتحمت حياته، الوحيدة التى انخضع لها كبريائه ملبيًا لها كل أوامرها، أهذا حُب أم حيل الأمراء قبل غزو أي معركة، فهو لم يُنكر الهدف الوحيد الذي راوده لكي يصل لها ولكن ما يشتت تفكير أي قوة ساحرة تمتلكها سطو عينيها لتأسره لتجعله خاضعًا ذليلًا مجيبًا لدلالها وتمردها، معها يفقد سيطرته على أفكاره قلبه لسانه بمجرد رؤيتها لم يدرك إلا شعور الاشتياق لها فقط .
وقف بسيارته جانب الطريق فجأة وهو يلتقط أنفاسه بصعوبه، تبدو عليه معالم الحيرة والارتباك، فهو استغل كل الحيل للوصول إليها واليوم نال مراده، ظل يبحث بداخله عن شعور النفور منها بداخله فلم يجد له أثرًا، كان اقتحامها كتسلل رائحة المسك بداخله فمُلأ بها حد الاكتفاء متسائلًا من أي ثقب خفي تسللت هى .
رج رأسه بقوة لتشتيت أفكاره المتهجمة عليه قائلًا بحزم
- زين ما بيحبش حد، زين أقوى من إنه يعيش تحت رحمة واحدة ست، وقتك انتهى معايا ياداليدا .. يمكن اللي جمعنا تاني ظروفك الصعبة اللى تشبه ظروفي بس دا مايمنعش إني اتخلى عن مبادئي عشانك، لازم تختفي واختفي من حياتك .. كفاية .
حسم أمره فعاد ليقود سيارته مرة أخرى متجاهلًا تيارات الألم المتدفقة من خلايا جسده التي لا تحن إلا لهفة وحبًا لها رافعًا رايه كبريائه وعناده .
صوت دق على باب منزلها ليقطع حبال حزنها متأملة
- دا اكيد زين .. منا لازم أفهم منه إزاي المأذون مقالوش حاجه زي دي، أنا كنت زي الغبية الفرحة عمت عيوني ..
تحركت بتثاقل وجسد مرتجف نحو الباب لتفتحه فوجئت بسيده أنيقة ممشوقة القوام ترتدي ملابس باهظة ذات شعر مصبوغ بألوان مختلفة، بعدما تفتنتها بدهشة نظرت إليها بتساؤل
- مين حصرتك !
رمقتها فريدة بنظرات ساخرة قائلة
- أنتي بقى اللى يسيبني عشانك ..
ضاقت حدقة عينيها بتعجب مردفة باستغراب
- أفندم ! أنتي تعرفيني ؟
ضحكة أخرى ساخرة شقت شفتي فريدة وهى تدفع داليدا عن طريقها مرددة بكبرياء
-اجري يابت قولي لزين إن فريدة هانم مستنياك تحت ..
تركت داليدا الباب موارب لتتبع تلك السيدة التى اقتحمت منزلها بتساؤل
- ممكن أعرف أنتي مين .. وبأى حق تتهجمي على بيتي كدة .
ضحكت فريدة بصوت أنثوي ساخر وهى تجلس فوق أقرب أريكة واضعة ساق فوق الأخرى مردفة
- أنتي مين ياشاطرة ؟!
زفرت داليدا بنفاذ صبر قائلة
- أنا مراة زين، أنتي مين بقى .
فزعت فريدة من مكانها بغضب وبراكين تتوق بداخلها لتنفجر بوجهها قائلة
- مراة مين يابت أنتب ! أنتي جرى لعقلك حاجة ؟ زين خطيبي أنا هيتجوزك إزاي ؟
صاعق كهربي أخر صفعها على قلبها بقوة فلم تتحمل أكثر، شعرت باختلال توازنها ودوران برأسها أوشك أن يحط جدران المنزل فوقها، استجمعت شتات قوتها قائلة
- أنا معرفش أي حاجة عن كلامك دا .. وزين مش هنا .. لو سمحتي اتفضلي .
دنت فريده منها بخطوات متباطئة وهى تربت على وجهها بقوة
- هيسيبك ياحبيبتي تلاقيه بس أكل بعقلك الحلاوة يومين وهيدور على غيرك ... اااه ورسالة أخيره تبلغيهالوه أنه لو مظهرش لحد بكرة الصبح هطربقها على دماغه .. باي باي يامدام .
جسد متجمد لم تتحرك إلا عيناها التى ظلت تناشدها هنا وهناك حتى اختفت من أمامها، فلم يقتلها الشوق لم يقتلها البعد بل قتلها الكذب والخداع، استندت على جدار السلم بجسد هذيل محاولة استعاب الصدمات المتتالية نحو قلبها بدون رحمة، كل ما كانت تريده هو الحب معه وله بكل لحظة، أصبحت تُعاقب على ما اشتهت وهو لم يقصر فكان جلادها القاسي .
نسيت باب منزلها مفتوحًا ثم ركضت لأعلى لتهاتفه مرات متتالية في كل مرة كانت تصاب بخيبه أمل بثقل نيزك فوق قلبها، كل مرة تجيبها رساله مسجلة
الهاتف المطلوب مغلق أو غير مُتاح عليك باعادة الإتصال في وقت لاحق
ألقت هاتفها بعيدًا بصراخ، فكل ما تمنته غرز حضوره في شرايينها كي تتغلب على مصاعب الحياة ولكن ما فعله هو غرز ورد الحب بداخل جرحها الدامي فتجاهلت نزيفها منبهرة بجمال ورائحة الورد، فغادر هو تاركًا جرحها ينزف والورد الذي زرعه يذبل، اليوم فاقت من غيبوبتها الطويلة التي كان سببها رجل، رجل خداع لم يعرف للحب سبيل سوا الكذب للفوز بمطالبيه الدنئية، أصبحت هى إحدى ضحياه الآن، طير اقتنصه صياده لإرضاء أهوائه فتركه يتلطخ في دمائه بدون رحمة، فهو لم يتركه يتسمتع بحريته ولم يخلصه من ألمه للأبد ويأكله، تركه يتراقص في بحور دمائه ويراقبه بابتسامة نصر تنتشي له حواسه .
ركز ياأكرم فين الشالية
أردف عماد جملته بتوسل وهم يترقبون الأماكن في الظلمات، التفت أكرم ليبحث عن المنزل الصيفي لدى صاحبه مردفًا
- أنا فاكر كان قدام البيت شجره صغيرة وزيرتين مربوطين فيها ..
عماد بنفاذ صبر
- طب ارجع يامراد نبدأ من تانى .. يمكن يفتكر ..
فريد بتوسل: ركز ياولدي الله يرضى عنك ..
أردف أكرم بسرعه
- مراد امشي علي طول افتكرت .. يلا .