رواية لازلت أتنفسك للكاتبتان آية عبد العليم و نهال مصطفى الفصل الثاني عشر
شهق بعنف وهو يراها أمامه .. كاد أن يمضغ شفته السُفلية وهو يشعر بالصدمة بدأ الخوف والقلق يتدفق داخله وهو يهتف، وقف أمام الباب كحجر مترسخ في مكانه مردفًا بتردد وارتباك
-ف.. فريدة أهلاً ازيك !
طافت عيناها بحيرة مندهشة من حالة الارتباك التي اتحتله قائلة بشك وهى تمد بصرها للداخل
- كويسة يا زين إيه هتسيبني واقفة على الباب كده وسع خليني أدخل
علت أنفاسه يحدق بها ويفكر بداليدا إن رأتها سترتكب مصيبة لا محال يشعر بالعجز والحيرة لتردف هى مرة أخرى
- إيه يا زين في إيه !
ابتلع ريقه بصعوبة واضعًا ساعده على الباب ليعيق طريقها قائلاً بتوتر
-استني !.. مش هينفع يا فريدة تخشي .. أصل ...
نظرت له بشك وعدم تصديق قائلة
- في إيه يازين ! مالك مش على بعضك كدة .. ايه أنت عندك حد جوه ! ..
رجفة عنيفة بكيانه جعلته يلتفت للخلف ثم التفت إليها سريعًا قائلا بعد تنهيده طويله
- أ
أه عندي ضيوف .. جوه في ضيوف ..
قطبت حاجبيها 111 وهى تعقد ساعديها أمام صدرها مردفة بضيق
- ضيوف مين يا زين .. أنا شاكة فيك !
ضغط على شفته السفلية بنفاذ صبر، للحظات عقدت اتفاقية بين مجاله العاطفي والمادي .. أصبح الخيار أمامه مستحيلًا، ايخسر فريده أم داليدا ! تنهد بمرارة قائلًا
- بنت خالتي وولادها جوه وجوزها زمانه جاي دلوقتي ماينفعش يشوفك ! ولا أنتي شايفة حاجة تانية !
رددت بشك: بنت خالتك ! مممممم ماشي يازين
أجابها سريعًا: امشي أنتي دلوقتي ونتقابل بعدين ياحبيبتي ماشي !
تسرب الشك إلى قلبها وهى ترمقه بنظرات كيدية توحي بعدم تصديقها دارت بجسدها نحو المصعد لتغادر دون أن تجيبه وهو لم يناديها أغلق الباب بتنهيدة عالية وجلس خلفه يستنشق بعض الهواء فهو على استعداد تام لأي شئ إلا خسارة داليدا مرة أخرى والخوض بحرب الفراق وآلامها مستعدًا لخسارة فريدة والعالم مقابل ذلك اكتسابه لداليدا يشعر بأنها نصفه الآخر، أنه كان جسد بدون قلب وعند لقائه بها والوقوع في غرامها بدأ قلبه ينمو ويحيا من جديد
كانت ملاذ اللطف له بعد رحلته .. الأمان والسكينة بعد الخوف، إرادة جديدة تحيا بعد الاستسلام، داليدا الآن ومن بعدها الطوفان .
صباحًا
جلس يحدق في اللا شئ يفكر أين هى الآن إن لم يستطع العثور عليها قبله ستكون كارثة كبرى ونكسة لحالته الصحية مرة أخرى والتي تسوء يومًا عن الآخر يكاد يجن من الاختفاء الغامض هذا حاول الإتصال بزين صدح صوت مزعج يقول
الهاتف المطلوب مغلق أو غير متاح
جز على أسنانه من تلك اللعينة التي تخبره برسالة مسجلة أنه لا يمكنه الاتصال به الآن جوفه يحترق لأجل زين صديق عزيز عليه قبل أن يكون ابن عمه يتألم من أجله ومن أجل ما يعانيه صدح صوت برأسه يخبره أن يتحدث مع أكرم ليسأل عن زين التقط هاتفه وهو يسب نفسه بالغباء مرددًا
- أكرم ازيك ! فينك ؟!
ابتسم أكرم وهو يجلس بجوار مكتبه مرددًا: دكتورنا بخير والله أخبار زين باشا معاك إيه ؟!
تنهد بضيق وهو يجيب: زين في مرحلة خطر أوي يا أكرم وبيتصرف بجنان ممكن يدمرخ وبرن عليه تليفونه مقفول .. متعرفهوش فين !
مسح على وجهه بتعب وهو يقول
- معرفش مجاش الشركة النهاردة ورنِيت برضو على تليفونه مقفول .. أنت كده قلقتني أكتر !
صمت عماد لبرهه ثم أردف قائلاً
- طمني يا أكرم أول ما يوصل أو تعرف عنه حاجة .. لازم نوصله في أسرع وقت
أردف بهدوء عكس أنين قلبه المؤلم
- حاضر يا عماد أول ما يجي هقولك
_ مع السلامة
بعدما أنهى أكرم مكالمته مع عماد قام سريعًا متجهًا نحو مكتب زين، وجد مديرة مكتبه تؤدي عملها ثم أردف قائلاً
- أميرة .. زين بيه اتصل بيكي !
هزت رأسها بالنفي قائلة
- لا يابشمهندس .. وفي شغل كتير متوقف على امضته ..
زم شفته بتفكير قائلاً
- طب بصي لو عرفتي أي حاجة عنه قوليلي على طول .. وهاتيلي الورق دا على مكتبي !
أومأت بهدوء وهى تلملم الأوراق المبعثرة أمامها لتتحرك خلفه مغادرة مكتبها ..
"ماذا يعني الصديق ؟!
هو دائما شمس الحياة الذي ما عمرها غربت .."
استقيظ والضيق يحتل صدره لفقدانه وحيدته التي تركها لأعوام وعند عودته تركته هى وغادرت دون لقاء .. غاردت وهى لا تعرف أنه عائد .. عاد فقط من أجلها وأجل أن يضمها لأحضانه أن يعوضها عن رحيله..
مارتن شعور ما بالضيق يحتلها مردفة بحزن
- فريد .. أعلم أنك حزين، ولكن لا تيأس ستجدها آجلا ..
تنهد فريد بحزن
- أنا ندمان أوي عشان بعدت عنها كل دا .. كنت أناني الدنيا أخذتني منها، كنت شايف نفسي وطموحي وبس مفكرتش فيها، كنت شايف إنها في أمان أكتر مع أمها، طلعت مكنتش شايف ولا عارف أي حاجة .
ذرفت دمعة من طرف عينيها مشفقة على حالة اليأس التي تحتل زوجها قائلة بحكمة
- لولا ظلام الليل ما انشق فجر يوم جديد .. تفاءل حبيبي .. ستعود ثق في ذلك ..
نظر لها بيأس
- يارب ياماري يارب
قطع حديثهم قدوم النادل عندما طرق الجرس، تقدمت مارتن بخفة لتفتح الباب، حرك النادل الطاولة داخل الغرفة قائلًا
- أي أوامر تاني حضرتك ..
ابتسمت له بامتنان قائلًا
- شُكرًا جزيلاً ..
خرج النادل ثم توجهت مارتن نحو فريد قائلة
- هيا لتناول الطعام ..
أردف فريد بيأس
- ماليش نفس والله يامارتن .. كلى أنت ِ
ابتسمت بحنو قائلاً
- منذ عشر سنوات لم أفعلها واتناول طعامي بمفردي .. أتريد أن أفعلها الآن !
ابتسم رغم عنه ثم وقف بتثاقل واتجه نحوها قائلاً
- مش هزعلك ياستي .. يلا ..
جلس فوق المقعد الخشبي .. سقطت عينه على جريدة الأخبار فأخذ يعبث بها منتظرًا قدوم مارتن التي تبدل ملابسها، وقعت عيناه على عمود نهايتهداليدا فريدابنته .. لوهله قفزت في ذهنه، قائلاً أيعقل ! فلذة كبده لها عمود أسبوعي يبدو أنها تصعد سلم المجد والنجاح ولكن أين هي ..؟! عبث مرة أخرى حتى رأى اسم رئيس هذه الجريدة واسم الجريدة التى كان بها أمس ..
أبدل ملابسه على الفور متأهبًا للمغادره متجهها إلي الجريدة ... مارتن بلهفة
- هل من جديد !
أجابها سريعًا
- ادعيلي .. سلام .
شعرت بحزن بالغ على حالة الهلع التي أصابت زوجها تنهدت بكلل قائلة
- الرب يحميك حبيبي !
وصل فريد بجسد مرتجف متلهف للحصول على خيط نور يرشده في طريق عتمته، دلف الغي الداخل فأوقفه
صوت مردفًا بتعجب
- أنت يا أستاذ مش جيت امبارح تسأل على أستاذة داليدا !
رد فريد قائلاً بلهفة
- أنا جاي للاستاذ فؤاد محتاج أقابله ضروري ..
هتف العامل بتفهم
- أه إذا كان كدة ماشي اتفضل أطلعك عند مكتبه .
صعد معه وجلس قرابة النصف ساعة ينتظر انتهاء اجتماعه مع الصحفيين مر الوقت عليه ببطء حتى دلف له وهو يعرف نفسه بهدوء
- ألفريد ترامب أو فريد نور الدين يا أستاذ فؤاد
هتف فؤاد بتحية: ومين ميعرفكش يا فندم عزف حضرتك مسمع هنا زي الطبل .. خير أقدر أساعد حضرتك في حاجة ؟!
ردد فريد بوجع
- داليدا .. داليدا فريد اللي بتشتغل هنا وكاتبة العمود دا .. تبقى بنتي وأنا مسافر من زمان ولما رجعت لقيتها مشيت بعد موت أمها امبارح وملحقتهاش عايز أوصلها ومش عارف .. معندكش فكرة أوصلها إزاي !
رد فؤاد بثبات
- داليدا أخدت إجازة بسبب حالة الوفاة وصدقني معرفش هى فين بس الإيميل اللي هتبتعتلي عليه موضوع العمود كل أسبوع طبعا معايا ممكن أعطيه لحضرتك
ردد فريد بامتنان
- أشكرك يا أستاذ فؤاد وده رقمي برضه علشان أول ما تظهر ولا تكلم حضرتك تبلغني وهكون شاكر ليك جدًا ..
أردف فؤاد بابتسامة: من عنيا يا مبدع اتفضل الإيميل أهو
أخذ الإيميل ورحل وقلبه يحدثه بأنه سيعثر عليها قريبًا وسيعوضها عن كل ما مرت به ولن يبتعد عن أحضانها مرة أخرى...
تجلس في مكتبها تهدر بجميع الموظفين تشعر بالقلق تجاهه طريقته تغيرت كثيرًا في لمح البصر تشعر برائحة تاء تأنيث في هذا الموضوع ستبحث حتى تكشف السر أخذت هاتفها تجري إتصالًا مع شخص ما: - ست الكل عاش من سمع صوتك !
ردت بملل: أسعد محتاجالك في موضوع محدش هيعرف يعمله غيرك .
ردد بسعادة: أؤمرى يا هانم ..
_ زين السباعى صاحب شركة (******) عايزاك وراه زي ضله متفارقوش شقته في العجمى في ***** فاهم يا أسعد متفارقوش
رد بجدية: أوامرك يا هانم .. ابعتيلي صورته بس وأنا هجيبلك قراره في يومين ..
- تمام ..
انتهى الإتصال ولم ينتهي قلقها تجاهه تقسم بداخلها أن غدر بها ستغدر وستلقي به في قاع المصائب ستجعله يخضع لها مرة أخرى .. غير قادرة على استحمال ما يحدث بعقلها لتأخذ حقيبتها وترحل إلى النادى لتفريغ شحنات غضبها ...
في النادي أخذت تجري وشرارات الغضب تتطاير من عينيها ولا ترى أمامها سوى مظهره المرتبك وهو بمنزله ورفضه أن تدخل إلى المنزل ارتطمت بجسد قوي جعلها كادت أن تسقط وهى تردف: أه مش تفتح !
ردد بتعجب: حضرتك اللي خبطتي فيه مش أنا وعلى العموم أنا آسف ياست الستات !
ردت بهدوء محاولة تمالك غضبها
- معلش سورى ما أخدتش بالي ..
ابتسم وهو يمد يده ليصفحها: فايز نصر الله
ردت وهى تضع كفها بداخل كفه بثقه: فريدة رشوان.
لم تخرج من غرفتها منذ الصباح واحترم هو ذلك فهو يعلم ما تعانيه وتمر به ترك له حرية الاختيار والتفكير .. الأهم أن تكون بخير وسلامة أن تبقى في أحضانه خرجت عن صمتها وخرجت إليه وملامحها غير مبشرة بالخير وهي تردد بارتباك: زين أنا فكرت ..
سقط قلبه رعبًا من مظهرها قائلاً:
- طب وإيه قرارك !
صمتت لثواني وبدأت الابتسامة تظهر على وجهها تدريجياً وهي تقول
- موافقة يا زين موافقة طبعًا .. أنا ياما حلمت باليوم دا وأهو الحلم بيتحقق ..
غمز لها بسعادة وهو يقترب منها مرددًا:
- قلب زين يلا طيب مافيش وقت نكتب الكتاب حالًا ...
اتسعت عينيها بذهول وهى تقول: دلوقتي ! استنى يامجنون .
رد بسعادة: طبعًا دلوقتي يلا نكتب الكتاب ادخلي غيري هدومك وأنا هجيب فتحية مرات البواب تقعد مع الولاد يلا بسرعة
ذهلت من جنونة وبحركة سريعة كانت بغرفتها تبدل ملابسها فاليوم ستكون زوجة حبيب عمرها صعدت زوجة حارس العقار تجلس مع الصغار وغادر هو وهيغ منطلقين بسعادة وحب كأن خطاوي الأرض انطوت وألقت بهما في أحضان المكان الذي يستمعان فيه جملة
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"
خرجت تلك العبارة من فم المأذون وسط سيل من دموعها فرحاً وهى ترتمي في أحضانه مغمغمة
- بقيت مراتك يا زين .. أنا مش مصدقة
ضمها إليه بكل قوته وهو يقول: يا قلب زين أنتِ بطلي عياط بقى ويلا بينا ورانا حاجات كتير ..
غادر بها إلى شاطئهم المفضل شاهد عشقهم وغرامهم أخذ يلتقط لهم صور سويا يقبل كفيها يخلد ذكريات لهم على وجهها الناعم وهو يحتضن جسدها الغض جعلها تحلق في السماء مثل اليمامة ... بعد صراع طويل أخيرًا عادت إلى ملجأها وموطنها، ارتوى قلبها بعد ظمأه .. رأت الحياة ألوانًا مبهجو غير لون الأسود والأحمر الآتي لطخت بهما حياتها
قربها إلى صدره أكثر وهو يهمس في أذناها بهدوء قائلاً
- بقيتب مراة زين السباعي ومحدش هيعرف يبعدني عنك أبدًا .. داليدا .. أنا بحبك ماتسبينيش…