رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل السابع والثلاثون
الجزء الثاني من بنت القلب
فاق من تفكيره السيء على هذا الرجل الذي وضع سيفه على رقبته وأيضا على رقبة زوجته، نظر إليها نظرة وداع بعدما تأكد من حدوث ما فكر فيه لكن ضحك الاثنان ورفعا سيفهما ليقول أحدهما:
- تأكدنا من ولائكما .. هيا انهضا وتابعا المحفل
ثم نظر إلى «طيف» وردد:
- وأنت ابحث عن خاتمك ولكن بعد المحفل
هز «طيف» رأسه بالإيجاب وهو يقول:
- حسنا سأفعل ذلك..
وأمسك بيدها ثم تراجعا وهما يتنفسان الصعداء، نظر إليه وقالت بهدوء:
- كنت متأكدة إنك عندك خطة وإنك وافقت علشان عارف إنه اختبار
نظر إلى نفسه ثم نظر إليها بدهشة فهو لم يصدق أنهما على قيد الحياة، ردد بشرود:
- اه طبعا
وضعت يدها على كتفه ورددت بتساؤل:
- مالك حاساك مصدوم وبتتكلم بالعافية !
ابتسم وقال مازحًا:
- أنا كنت فاكرها النهاية .. الأول كنت فاكره اختبار لكن بعد كدا كنت معتمد عليهم يسمعوا اللي بيحصل ويهجموا لكن ده ماحصلش ولو نجينا من الدبح مش هنعرف نقبض عليهم علشان تقريبا في مشكلة في الصوت وهم مش سامعنا
اتسعت حدقتاها بصدمة ورددت بقلة حيلة:
- طيب وهنعمل ايه ؟ لو ظهروا دلوقتي هنبلغهم ازاي ؟
نظر إلى حيث ينظرون جميعًا وردد بثقة:
- مفيش غير الطريقة التانية ودي ممكن تكشفنا في ثانية لو مانفذنهاش بسرعة
نظرت إليه ورددت بتساؤل:
- وايه هي الطريقة التانية ؟
وضعت هاتفها بداخل حقيبتها ثم قامت بإحضار قطعة من القماش وقامت بمسح بصماتها من على سلاح الجريمة، أنهت كل شيء ثم رحلت على الفور وأوقفت سيارة أجرة وهي تلتفت يمينًا ويسارًا، استقلت المقعد الأمامي وطلبت منه التحرك، دقائق قليلة ووصلت إلى وجهتها بإحدى الشقق السكنية حيث كان ينتظرها أحدهم في وسط الظلام لا تظهر ملامح وجهه جيدا مما جعلها تقول:
- افتح النور مش شايفة حاجة ؟
فأجابها بهدوء شديد:
- لا زيادة أمان .. قوليلي خدتي بتار أختك منه وريحتيها في تربتها وريحتِ النار اللي في قلبك ؟
هزت رأسها بالإيجاب وقالت بحزن:
- أيوة خدت حقها وقتلته .. قتلته زي ما قتلها .. دلوقتي تستريح بقى وشكرا إنك وصلتني للحقيقة وفهمتني مين هو يوسف الهواري وإنه هو اللي قتل أختي
ابتسم بمكر وردد:
- على ايه أنتِ اللي شكرا إنك حققتِ الجزء الصعب .. دلوقتي بقى لازم تستريحي زي ما أختك استريحت
أخرج سلاحه من سترته ووجهه تجاهها فتراجعت بخوف وهي تقول:
- أنت بتعمل ايه ؟ انت هتقتلني !
اتسعت ابتسامته وتقدم خطوتين تجاهها وهو يقول:
- لازم السر يتدفن معاكِ، محدش لازم يعرف إني ورا اللي حصل ده ولو وصلولك هبقى أنا في خطر .. كدا أحسن
ثم أطلق ثلاث رصاصات من سلاحه لتستقر بجسدها وتسقط على الأرض وسط دمائها ...
على الجانب الآخر وصلت «ياسمين» إلى «نائل» الذي أسرع واستقل المقعد الأمامي بجوارها وردد بجدية:
- معلش يا ياسمين تاعبك معايا
تحركت بالسيارة وهي تقول بلوم:
- ماتقولش كدا تاني مفيش بينا الكلام ده، قُل لي بقى هنروح على فين ؟
كان يحاول الاتصال بأخيه للمرة العشرون وهو يجيبها بقلق:
- بيت يوسف، لازم أتطمن إنه هناك .. والدته مش هتعرفني لأن آخر مرة شافتني كنت صغير
هزت رأسها بالإيجاب وأكملت طريقها إلى أن وصلت إلى الفيلا الخاصة به ورددت:
- وصلنا ادخل وأنا مستنياك هنا
- تمام
بالفعل تحرك إلى الداخل فأوقفه الحارس وهو يقول:
- رايح فين يا جدع أنت
وقف «نائل» وأشار إلى الداخل وهو يقول:
- أنا صاحب يوسف في الشغل وعايز أقابله
- بس يوسف بيه لسة مارجعش من ساعة ما خرج الصبح
أثارت تلك الجملة قلقه أكثر مما جعله يقول بلهفة:
- طيب ممكن أقابل الست والدته أصل الموضوع مهم وخاص بالشركة
رمقه من أعلاه إلى أسفله قبل أن يقول بجدية:
- طب خليك هنا
دلف إلى الداخل وأخبر والدته بأمر «نائل» ثم عاد وهو يقول بصوت مرتفع:
- اتفضل يا بيه الست هانم مستنياك جوا
أسرع وتقدم إلى الداخل بقلق شديد وبحث بنظره إلى أن وجدها وبالفعل كما توقع لم تتعرف عليه مما سهل مهمته، ردد بتساؤل دون أن يجعلها تشك بشيء:
- معلش يا هانم آسف على الإزعاج بس بتواصل مع يوسف بيه مابيردش هل في رقم تاني له أو هو مسافر ! أصل في ايميل مهم وصل من الوفد الأمريكي ولازم موافقته هو في أسرع وقت..
حركت رأسها وهي تجيبه بعدم معرفة:
- والله هو مالهوش غير رقم واحد بس وهو من عوايده يتآخر .. ممكن سهران مع أصحابه ومش سامع صوت موبايله من الدوشة، كلم محمد بيه والده هو في سفر بس ممكن يرد
ردد بأسف وهو يستعد للرحيل:
- كلمته بس للأسف موبايله مقفول .. خلاص شكرا لحضرتك وآسف على الإزعاج
خرج وسار بشرود وهو يفكر إلى أين ذهب، وصل إلى السيارة واستقل المقعد الأمامي مرة أخرى فرددت هي بفضول:
- ها عرفت مكانه ؟
هز رأسه بالنفي وأجابها بحزن:
- للأسف لا بتقول إنه ممكن سهران مع أصحابه ومش سامع صوت الموبايل بس يوسف اتغير وأكيد مش هيرجع للسهر تاني .. الموضوع فيه حاجة غريبة
وضعت يدها على كتفه بحركة تلقائية لكنها أبعدتها مرة أخرى وقالت:
- آسفة
فردد بابتسامة هادئة:
- مفيش حاجة
ساد الصمت لعدة دقائق وكانت هي تقود السيارة بلا وجهة إلى أن قطعت هي هذا الصمت قائلة:
- ممكن يكون فعلا مشغول بحاجة مش مخلياه يسمع الموبايل، ليه مفترض أسوأ الاحتمالات ؟
أغلق عينيه وردد بقلب يتألم:
- علشان ده نفس الإحساس اللي حسيته يوم ما ماما ماتت، دي أكتر حاجة بكرهها في نفسي بتوقع الحاجة الوحشة قبل ما تحصل وبحس بيها .. أنا ما صدقت كسبت أخ كبير ليا وإن يوسف اتغير، لو حصله حاجة هزعل أوي
هدأت من سرعة السيارة ونظرت إليه لتقول بهدوء:
- إن شاء الله خير، اتفائل ومفيش حاجة هتحصل
- يارب
نظر إلى الأمام حتى لا يشك به أحد وردد بصوت هادئ ومنخفض تسمعه هي فقط:
- الطريقة التانية دي كانت خطة لو حصل تشويش وده كان اقتراحي على بابا وهو وافق واداني جهاز تاني بس مش شغال، أي جهاز تشويش بياخد فترة من 3 لـ 5 دقايق عقبال ما يتفك شفرته ويتم التشويش عليه، المايك ده مش هشغله غير لما اللي مستنينهم يدخلوا وهنبلغهم على طول .. الخطر بقى في الموضوع إن بعد ما الشفرة تتفك هيعرفوا إن في حد بيسجل أو معاه مايك لأن المايك اشتغل هنا في المكان مش كان شغال أول ما دخلنا وساعتها مش عارف ايه اللي ممكن يحصل
هزت رأسها بالإيجاب ورددت بثقة:
- هم قريبين أول ما يدخلوا هنفتح المايك ونبلغهم وهم أكيد مش هيتآخروا عن 3 دقايق، هتعدي ودلوقتي مش عايزين نتكلم علشان محدش يشك فينا تاني خصوصا بعد اللي حصل من شوية
هز رأسه بالإيجاب وظل يتابع فقرات المحفل بملل شديد إلى أن انطفأت الأنوار وهدأت كل الأصوات، في تلك اللحظة أدرك أن ما انتظراه سيحدث الآن وبالفعل انبعث ضوء خفيف باللون الأحمر ودلف إلى المكان ثلاثة أشخاص يرتدون نفس الملابس لكن كانت من الجلد وعلى رأسهم رأس ماعز مخيف، تقدموا إلى الداخل بهدوء شديد وفجأة توقفوا ووقفوا بجوار بعضهم قبل أن يردد رئيسهم والذي كان يتوسط الثلاثة:
- النهارده هو يوم المحفل اللي بنستناه كل سنة، النهارده هي نهضة لوسيفر، النهارده هنقول للعالم إننا هنا وإننا ايد واحدة ضد كل واحد بيهين ملكنا وحامي عهدنا لوسيفر، تعبنا جدا علشان نبني معابدنا هنا في مصر، تعبنا علشان ننشر دعوتنا ونعمل قاعدة لينا في أهم دولة في العالم وهي مصر وخليكم فاكرين إننا لو سيطرنا على مصر هنسيطر على العالم كله، لازم نوسع قاعدتنا ونسيطر على كل جزء في البلد دي علشان ننشر عبادتنا وتبقى في النور بدل ما هي في الظلام وتحت الأرض ودلوقتي وقت سجدة الحفاظ على العهد
سجد الجميع مع بعضهم وبسرعة شديدة عدا طيف ونيران الذان رفضوا السجود وظلا واقفينِ إلى أن هتف رئيسهم بغضب:
- ماسمعتوش اللي قلته ولا ايه؟ بقول دلوقتي وقت السجود .. اسجدوا للوسيفر !
قام «طيف» بتشغيل الميكروفون الاحتياطي وردد بصوت مرتفع:
- عمرنا ما هنسجد غير لربنا، عمرنا ما هنبقى زيكم .. إبليس رفض السجود لسيدنا آدم واحنا كمان مش هنسجد غير لربنا، خلاص قاعدتكم اللي بتقولوا عليها دي هتنتهي دلوقتي ومصر اللي بتتآمروا عليها دي هتتطهر من أشكالكم
وهنا تابعت نيران بصوت غاضب هي الأخرى:
- المكان كله متحاصر بالشرطة وفعلا دي نهايتكم، نهاية الظلم والقتل اللي نشرتوه، نهاية عبادتكم المقرفة دي، البلد هتنضف من أمثالكم..
ضحك بصوت مرتفع وبدل نظراته بين مساعديه ثم نظر إليهم مرة أخرى وردد بثقة:
- هتفضلوا متآخرين عننا بألف خطوة واحنا اللي سابقينكم تعرف ليه؟علشان الجهاز اللي أنت اتكلمت منه ده في جهاز تشويش عليه يعني محدش سامعك ثانيا بقى في خلال نص دقيقة هبقى أنا ومساعديني مالناش وجود يعني كل حاجة فشنك
خلع «طيف» قناعه وأزال اللون الأبيض الذي يغطي وجهه بسترته ثم قال بثقة بعدما تقدم خطوتين إلى الأمام:
- شايف وشي ! أنا عارف إنك مش غارم بس أكيد غارم حد من اللي واقفين على يمينك وشمالك دي مش شغلتنا، الميكروفون فعلا اتشوش عليه وده كان واحد تاني شغلته أول ما دخلتوا وجهاز التشويش مابيفكش الشفرة في نفس الثانية وأنت أدرى بالكلام ده
تقدمت «نيران» هي الأخرى حتى وقفت بجواره بعدما أزالت هي الأخرى أدوات التخفي ورددت:
- المرة دي احنا اللي سبقناكم وبألف خطوة برضه لأنكم مش هتعرفوا تمشوا من هنا.
أزال رأس الماعز من على رأسه ووضعها على الأرض بهدوء قبل أن يضحك بصوت مرتفع وهو يقول:
- طيب أنتوا اللي اخترتوا .. سلام
ثم قام بإلقاء قنبلتين غازيتين بقوة على الأرض غطت المكان بأكمله مما جعل الجميع يسعلون بقوة إلى أن اختفت آثار الدخان بعض الشيء، سعل «طيف» بقوة وهو يبحث بعينيه عنهم لكنه لم يجدهم وكذلك «نيران» التي تحركت بعشوائية وسط الغاز لتلحق بهم لكنهم كانوا كنقطة الزيت التي وقعت بداخل محيط ولم يعد لهم أثر.
اقتحمت قوات الشرطة المكان بعدما أتتهم الإشارة من «طيف» وحاصروه من كل مكان وبالفعل وجدوا الجميع بداخل هذا المكان الذي كان تحت الأرض ولكن لم يجدوا أثر لرئيسهم ومساعديه، اقترب «زين» ومعه «رماح» من «طيف، ونيران» ليطمأنوا عليهم بعد هذا الغاز الذي خنقهم بشدة وردد «رماح» متسائلًا:
- فين هم ! مفيش غير اللي شاركوا في الحفل بس، فين الراس الكبيرة ؟
ردد «طيف» بصوت ضعيف وهو يحاول التنفس بسبب هذا الغاز:
- رموا قنابل غاز وهربوا .. اختفوا ومالهمش أثر
هنا ردد «زين» بتعجب:
- هربوا ازاي المكان كله متحاصر عمرهم ما هيعرفوا بخرجوا
وقفت «نيران» بصعوبة قبل أن تقول:
- مفيش غير بابين واحد اللي كله بيدخل منه والتاني اللي هم دخلوا منه وده كان وراهم على طول أكيد خرجوا منه
وقف «رماح» وردد بصوت مرتفع:
- فتشوا المكان كله وأنتوا تعالوا ورايا.
ركض «رماح» بسرعة ومن خلفه «طيف، نيران، فاطمة، فهد، زين»، سار عبر رواق طويل وضيق وما إن وصل إلى نهايته حتى وجد سلم فصعد إلى الأعلى ومن خلفه الجميع ليجدوا أنفسهم بداخل منزل آخر، وقف وانتظر صعودهم ثم قال بصرامة:
- طيف أنت وزين هتتحركوا من هنا على طول وأنتِ يا نيران أنتِ وفاطمة من الناحية دي وأنت يا فهد تعال معايا..
بالفعل خرجوا من المنزل وسار كل اثنين في اتجاه كما أمرهم رماح، ركض «طيف» ومعه «زين» وهما ينظران في كل مكان بحثًا عنهم حتى رأى «طيف» رئيسهم على بعد مسافة طويلة يستقل سيارته فأسرع تجاهه وهو يقول:
- أهو هناك يا زين يلا نلحقه..
بالفعل ركضا تجاهه لكنه كان أسرع وأدار سيارته ثم تحرك تجاههما بسرعة شديدة ليدهسهما، كان رد فعل «زين» أسرع من «طيف» وقفز ليبعده عن طريق السيارة وأنقذ حياته، تابع قائد عبدة الشيطان طريقه بسرعة ونظر «زين» إلى «طيف» قائلًا:
- أنقذتني مرة وأنا أنقذتك مرة كدا خالصين
وقف وبحث بعينيه عن سيارة وبالفعل وجدها بالقرب منه فأسرع إليها وهو يقول:
- مش وقته يا زين يلا نلحقه..
استقل المقعد الأمامي خلف الموقد وبجواره «زين»، حاول إدارة السيارة من دون المفتاح كما تعلم لكن من سرعة حركة يده توتر ولم يستطع فعل شيء فمد «زين» يده وهو يقول:
- وسع وسع هشغلها أنا..
بالفعل قام بإدارة السيارة وانطلق «طيف» بسرعة جنونية خلف هذا المجرم المجهول، أخيرا بعد سير طويل لاحظا سيارته على بعد ليس بطويل فزاد «طيف» السرعة حتى اقترب منه حاول إيقافه لكنه تحرك يسارًا ليتفادى اصطدامه، تحرك يسارًا هو الآخر ليضيق عليه الطريق لكنه أوقف سيارته فجأة وأدارها إلى الجهة الأخرى فلف «طيف» سيارته بحركة مفاجأة أثناء تحركها بسرعة وتحرك خلفه بينما أخرج «زين» مسدسه وهتف بجدية:
- حاول تقرب من العربية وأنا هضرب على الكاوتشات علشان أوقفه..
هز رأسه بالإيجاب واقترب بالفعل منه، أخرج «زين» جسده من السيارة وكاد أن يطلق النار على إطارات السيارة إلا أنه كان أسرع وأطلق عدة رصاصات بصورة عشوائية مما جعله يتفادى تلك الرصاصات، اقترب أكثر من السيارة فأخرج «زين» يده مرة أخرى وأطلق عدة رصاصات على الإطارات وبحركة سريعة انحنى هذا المجرم يمينًا وكالعادة التف طيف بالسيارة أثناء سيرها بتلك السرعة الجنونية لكن تلك المرة انقلبت السيارة بهما وظلت تلتفت عدة مرات في الهواء إلى أن ثبتت على الأرض ولكنها كانت مقلوبة.
لحظات، لحظات قليلة بين الهدوء والعاصفة، لحظات قليلة بين الحياة والموت، بين التمكن وفقدان السيطرة، لم يدرك «طيف» ما حدث إلا عندما ثبتت السيارة، وجد نفسه يجلس بصورة معكوسة وما يثبته حزام الأمان بالسيارة، كانت الدماء تسيل من وجهه ومن جسده، شعر بالدوران وأنه سيفقد الوعي لكنه هز رأسه بقوة رفضًا للاستسلام وفك الحزام ليسقط بقوة على رأسه لكن المسافة كانت قليلة، حاول دفع الباب بقدمه لكنه لم يستطع وفي نفس التوقيت بدأت السيارة في الاشتعال لتعلن عن قرب انفجارها، ظل يركل الباب بكل ما يملك من قوة لكن الباب لم يفتح وكأنه يرفض إخراجهما من السيارة، هز رأسه بقوة ليمنع نفسه من الاستسلام وفقدان الوعي ثم هز «زين» بخفة وهو يقول:
- زين ! أنت سامعني ؟ هنخرج ازاي..
كان «زين» قد فقد الوعي بالفعل، لف رأسه بصعوبة فوجد النيران تشتعل وتزداد في الاشتعال فعلم أنه هالك لا محالة، كاد أن يعلن استسلامه إلا أنه تذكر «نيران» التي ستبقى وحدها بدونه، تذكر حديثها له وهي تقول " ياريت ماتسيبنيش لوحدي تاني، أنا من غيرك هموت "، تنفس بصعوبة وردد بهدوء:
- حاضر يا نيران مش هسيبك .. مش هستسلم..
أمسك بكرسيه جيدًا ثم ركل الباب بأقصى قوة بقدميه وتلك المرة نجح في فتحه، أسرع وخرج منه وتراجع بظهره وهو جالس إلى أن خرج بأكمله من السيارة، التف حول السيارة وحاول فتح الباب لكنه فشل، نظر إلى النيران فوجدها ازدادت بشدة وكأنها تنذر عن انفجار السيارة في أي وقت، ركض بسرعة حول السيارة وأدخل نصف جسده من الجهة التي خرج منها ثم أمسك بـ «زين» وسحبه بقوة إلى الخارج، رفعه من ذراعيه وسحبه بعيدًا عن السيارة التي انفجرت وأصدرت صوتا ضخما ومخيفا.
ألقى بنفسه على الأرض ونظر إلى السماء وهو يتنفس بصعوبة بالغة، لا يصدق أنه نجى من هذا الحادث، استمر هكذا لبضع دقائق قبل أن ينهض من مكانه وينظر حوله بحثًا عن وسيلة نجدة فلم يجد شيئا لأنهما الآن على طريق ومن حولهما صحراء ولا وجود لأي بشر !