رواية كن ملاكي للكاتب عبد الرحمن أحمد الرداد الفصل الثامن
الجزء الثاني من بنت القلب
حان وقت الاستراحة لجميع العاملين بالشركة عدا «وحيد، نائل» حيث أن لستراحتهما تلي استراحة كافة العاملين، اقتربت «سهى» من «نائل» ورددت بابتسامة لطيفة:
- بعد إذنك يا نائل عايزة فنجان قهوة علشان مصدعة جامد
نظر إليها فوجدها تفرك برأسها بينما كانت تتألم من الصداع الذي أصابها فشعر بالقلق لأجلها وأردف:
- أنزل أجيبلك مسكن ؟
هزت رأسها بالنفي ثم نظرت إليه نظرات تدل على الألم وأردفت:
- لا ماتتعبش نفسك، أنا هشرب قهوة وهبقى كويسة
هز رأسه بالنفي وارتفع صوته قليلًا وهو يقول:
- لا لا القهوة غلط افرضي ضغطك عالي ؟ خليكي أنا هنزل أجيبلك اسبرين علشان الصداع ده
ثم نظر إلى «وحيد» وتابع:
- معلش يا عم وحيد أنا هنزل أجيب اسبرين لسهى علشان شكلها تعبان أوى
أومأ رأسه وقال:
- طيب ياابني روح..
خرج مسرعًا ولم يمض الكثير من الوقت حتى حضر مرة أخرى ومد يده بحبة الدواء وهو يقول:
- خدى .. لحظة
تركها وملأ كوب بالماء ثم مد يده به إليها وأردف:
- خدى مياه اهىه
تناولتها منه وارتشفت منها مع حبة الدواء الذي جلبه لها وما إن انتهت حتى ابتسمت له قائلة:
- تسلم يا نائل، معلش تعبتك معايا..
كاد أن يجيبها إلا أن «وحيد» قاطعه وهو يقول بجدية:
- الست ياسمين عايزاك في مكتبها يا نائل، سألت عليك أول ما نزلت وقلتلها إنك روحت تجيب برشام لسهى
اتسعت حدقتيه وردد بقلق:
- ربنا يستر، فيها خناقة وزعيق دي..
تركه واتجه إلى مكتبها، تردد في الدخول لكنه اتخذ قراره الأخير وطرق الباب برفق فأتاه الرد من الداخل:
- ادخل
فتح الباب ودلف إلى الداخل بخطوات متمهلة حتى وقف أمام المكتب وقال:
- أيوة يا أنسة ياسمين، عم وحيد بلغني إنك طلبتينى
تركت ما بيدها ورفعت رأسها لترمقه بنظرات مجهولة ثم ابتسمت بسخرية وهي تقول:
- كنت فين وقت ما طلبتك ؟
زاغت عينيه في المكان وارتبك قليلا لكنه تماسك وأجابها بثقة دون تردد:
- سهى كان عندها صداع شديد وباين عليها التعب فنزلت أجيبلها اسبرين
هزت رأسها بعدما لوت ثغرها وقالت بنفس النبرة:
- اممم عندها صداع ونزلت تجيب اسبرين !
ثم غيرت نبرتها وقالت بحدة:
- وده وقت البريك بتاعك ؟
صمت قليلًا لا يعرف كيف يهرب منها ومن أسئلتها فرفعت صوتها وقالت بحدة:
- رد عليا ! ده وقت البريك بتاعك ؟
هز رأسه بالنفي وأردف:
- لا
- ولما هو مش وقت البريك بتاعك بتنزل وتسيب الشركة ليه ؟
تلجلج وتلعثم في الحديث وهو يقول:
- ما هو .. س..سهى كانت تعبانة واستأذنت من عم وحيد قبل ما أنزل..
خبطت بكفها بقوة على سطح المكتب وارتفع صوتها أكثر ليشبه الريح العاصفة التي تهب دون سابق إنذار:
- مهما حصل ماتسيبش الشغل وتنزل، ده اللي قلتلك عليه في أول يوم ! أنا هنا عايزة التزام وشغل بجد مش هزار ومرقعة، ولا فاكر علشان نصرتك قدام أخوك هتعيش الدور وتعمل فيها باشا ؟ لا انسى، أنا شغلتك هنا علشان تبع عم وحيد غير كدا ماكنتش هشغلك .. لو هتبقى كدا على طول ومش شايف شغلك قولي علشان أقطع عرق وأسيح دمه !
لا يعلم هو لماذا كل هذا الهجوم عليه من قبلها، هو لم يفعل شيء يستحق كل هذا العتاب والتعنيف فهو لم يغب لأكثر من خمس دقائق فقط، نظر لها واستجمع قواه وردد باعتراض على لهجتها وطريقتها معه:
- أنا أول يوم ليا في الشركة سمحت تعلي صوتك وتغلطي براحتك علشان كنت محتاج الفلوس فعلا ومش لاقي شغل لكن لو هتعامل كأني عبد هنا فأنا مش هسمح، مش هتغلطي فيا بكلمة تانية ومش هسمح ليكِ تقولي عليا كلمة تانية، أنا شايف شغلي كويس أوى وعمري ما أهملت شغلي وأنتِ عارفة ده كويس في اليومين اللي اشتغلتهم هنا، فلوسك اللى دفعتيهالى مقابل نص شهر هجيبهالك كاملة واليومين اللي اشتغلتهم هعتبرهم صدقة على صحتي، أنا هسيب الشركة ومش عايز أشتغل هنا تاني طالما هتهزأ بدون سبب وربنا زي ما رزقني قبل كدا هيرزقني تاني وتالت وهيفرجها من عنده، عن اذنك..
ثم ترك المكتب وصفق الباب خلفه بقوة...
مر يوم على غيث وليان وفي صباح اليوم التالي كان الاثنان في مركز التدريب كما أمرهم اللواء «أيمن»، نظر إليها بابتسامة وردد:
- فاكرة أول يوم اتدربت فيه على ايدك ؟
ابتسمت بحب وهي تتذكر ذلك اليوم وأجابته:
- ياااه هو ده يوم يتنسي، مش هنسى شكلك وأنت مش عارف أى حاجة في أى حاجة وأنا مدياك الوش الخشب..
ضحك وتذكر ذلك اليوم الذي أيقظته فيه منتصف الليل فلوى ثغره وأردف:
- ولا اليوم اللي صحيتيني فيه من أحلاها نومة ورشيتي عليها مياه متلجة وقال ايه سيب نفسك للهوا .. ده أنا جالي دور برد لمدة أسبوع بعدها وأنتِ ولا هنا
تعالت ضحكاتهما على تلك الذكريات التي كانت سببًا في كونهما معا الآن وكانت سببًا لزرع الحب داخل قلوبهما، قاطعت فاطمة ضحكهما قائلة:
- كان على عيني أسيبكم تكملوا ضحك بس حان وقت التدريب يا شباب المستقبل..
أسرعت «ليان» وقامت باحتضانها وهي تقول:
- بطوط وحشتيني
بادلتها السلام والأحضان قائلة:
- وأنتِ أكتر والله، ادينا هنتقابل على طول
في تلك اللحظة ظهر «رماح» وصافح «غيث» قائلًا:
- ايه الأخبار يا وحش .. جاهز للتدريب
بادله المصافحة وقام بتحريك كتفيه بشكل دائري وهو يجيبه بحماس:
- طبعا جاهز..
في الوقت ذاته لم تستيقظ «نيران» حتى بعد محاولات «طيف» في إيقاظها، تعجب واقترب منها ثم وضع يده على رأسها وهو يقول:
- نوني ! حبيبتي ؟
تفاجأ بالحرارة المنبعثة منها وكأنها جمر مشتعل فأسرع واقترب منها ووضع وجهها بين كفيه بقلق وخوف شديدين وهو يقول:
- نيران ! حبيبتي أنتِ كويسة ؟
لم تجبه فنهض من مكانه وأحضر وعاء من الماء البارد ثم اقترب من خزانة الملابس وسحب تيشيرت قطني خاص به ووضعه بالمياه ثم رفعه مرة أخرى ووضعه على رأسها وظل يكرر فعلته إلى أن هدأت حرارتها قليلا، ترك ما بيده وغير ملابسه بسرعة شديدة ثم اتجه إلى الخارج وبحث عن صيدلية بالقرب من الفندق وبعد بحث لم يدم طويلا وجدها أخيرا، دلف إلى الداخل وهتف بتوتر شديد:
- لو سمحت عايز حقنة مضاد حيوي راميتكس وحقنة كيتولاك، وعايز اوجمنتين وكونجستال وكولدفري من كل حاجة شريط..
رفع الطبيب حاجبيه وردد متسائلًا:
- حضرتك معاك روشتة ولا عارف العلاج وبتطلبه ! علشان لازم المريض يكشف الأول
زاد ضيقه وردد بانفعال:
- أنا دكتور .. لو سمحت عايز الأدوية بسرعة مراتي بتموت !
شعر الطبيب بالحرج واتجه إلى الداخل ثم قام بتحضير ما طلبه بسرعة شديدة، انتهى أخيرا ومد يده بحقيبة الدواء فأخذها منه «طيف» ثم أخرج النقود واتجه إلى الفندق مرة أخرى وهو يدعي الله بأن تكون زوجته بخير وأفضل حال، وصل إلى الغرفة وجهز الحقن ثم اقترب منها وأعطاها إياها وما إن انتهى حتى اقترب وقام بمتابعة ما كان يفعله قبل نزوله، قام بتبديل المياه وأحضر مياه باردة وتابع الكمادات حتى انخفضت حرارتها تمامًا..،
أبعد وعاء المياه والتيشيرت الخاص به ثم ضم وجهها بين كفيه وقال بحب:
- قومي يا حبيبتي ماتخضينيش عليكِ قومي وأنا هعملك اللي أنتِ عايزاه وهعلمك باقي وصفات الأكل بس طمنيني عليكِ .. يلا علشان نكمل خروج وتكملي رخامة عليا .. يلا علشان أكمل تدريب على ايديكِ، أنتِ عارفة اليوم اللي نطينا فيه في الفندق على اد ما كنت خايف بس حسيت كدا إني بعمل حاجة أتشرف بيها وأحكيها لولادنا ..
أنا ماحسيتش الإحساس ده وأنا دكتور، الواحد ساعات بيكون راسم لنفسه طريق حابه ونفسه يمشي فيه لكن سعادته ونجاحه في طريق تاني وده اللي حصل معايا، ماحسيتش بالنجاح والسعادة غير لما دخلت شرطة وعرفتك، أنا عايز أكمل في الطريق ده معاكي ونبقى في ضهر بعض ونعمل حاجة نفتخر بيها ونحكيها لعيالنا اللي واثق إنهم هيبقوا زينا .. أنا عرفت ليه بابا كان عايزني أبقى زيه .. نفس إحساسي دلوقتي وأنا بخطط لولادنا اللي هيكملوا طريقنا بس قومي وفوقي كدا
فتحت عينيها بضعف فوجدته يحاوط وجهها بكفيه ووجهه قريب للغاية منها، أغلقت عينيها ثم فتحتهما مرة أخرى وهي تقول متسائلة:
- حصل ايه يا طيف ؟
تهللت أساريره لتعافيها وردد بابتسامة قبل أن يقبل جبينها:
- مفيش يا روحي دول شوية تعب كدا والحمدلله بقيتِ كويسة
حركت رأسها فوجدت وعاء المياه وبه التيشيرت الخاص به فأدركت أنها كمادات، وجهت بصرها إليه ورددت متسائلة:
- هو أنا كنت سخنة ؟
هز رأسه بالإيجاب وأجابها قائلًا:
- أيوة وعملتلك كمادات واديتك حقنة علشان السخونية تنزل..
اتسعت حدقتيها برعب من جملته الأخيرة ورددت قائلة:
- ايه حقنة ! يعني أنا أخدت حقنة يا طيف ؟
ابتسم وأجابها مازحًا:
- لا سرنجة مش حقنة .. أيوة حقنة يا نوني وبعدين كنتِ نايمة وماحسيتيش بيها
رفعت أصبعها أمام وجهه ورددت بتحذير:
- ولو .. ماتتكررش تاني، لو بفطس جنبك ماتفكرش تديني حقنة مفهوم يا طيف..
ضحك بصوت مرتفع وابتعد عنها وهو يقول:
- طيب ياستي .. اللي يشوفك وأنتِ مدخلانا من شباك الفندق ومتشعلقة على الحبل مايشوفكيش دلوقتي وأنتِ خايفة من حقنة، بقى أنتِ اللي هتدربيني ! يا خسارة
نهضت من نومها وفردت ذراعيها في الهواء قبل أن تقول معترضة:
- مالكش دعوة أنا بخاف من الحقن وبعدين ماتتريقش عليا ده أنا خليتك تنط من الشباك بالعافية وكنت مرعوب .. خليني ساكتة بدل ما أطلع الفضايح يا طوفي يا حبيبي..
رفع إحدى حاجبيه ليقول معترضًا:
- طوفي ! ماتدلعينيش تاني .. اندهيلي باسمي ينفع دلع ومنه اسم في نفس الوقت
وقبل أن يتابع كلامه سمعا طرقات على الباب ...
هز رأسه بعدم تصديق ثم رمقه بغضب وهو يقول:
- أنت هتهزر يا مجدي ؟ أفتحلك قناة ميكي بالمرة !
مال بجسده إلى الأمام وهز رأسه بالنفي وهو يقول بجدية واضحة:
- لا والله يا زين باشا مش بهزر، اللي شغال معاه لقبه سبونج بوب ومحدش يعرف اسمه
ابتسم بسخرية ثم عاد بظهره إلى الخلف وهو يقول مازحًا:
- اه ودراعه اليمين جامبول ؟
أومأ رأسه بالإيجاب وهو يؤكد على ما قاله:
- بالظبط كدا يا باشا
خبط بقوة على مكتبه قبل أن يصرخ فيه بقوة وغضب:
- أنت كنت شغال في المخدرات ولا سبيستون ياعم أنت ؟ أنت عايز تقنعني إنك متعرفش أساميهم الحقيقية وكل اللي تعرفه عنهم إن كل واحد له اسم بشخصية كارتونية ؟ لنفترض إنك فعلا متعرفش اساميهم اشمعنى بقى يسموا نفسهم بشخصيات كارتونية ؟ يا إما إنهم عصابة تافهة يا إما أنت اللي بتسرح بيا..
- والله أبدا يا باشا هو ده اللي حصل فعلًا ومستعد أقول لسعادتك عن المكان اللي كنا بنتقابل فيه وعن حد تاني كان شغال معانا وأعرف اسمه وبيته بس هو مات وممكن حد من قرايبه يعرف حاجة..
داعب طرف ذقنه وهو يفكر في حديثه ثم اتخذ القرار الأخير وأردف:
- اسمه ايه اللي مات ده ؟
أجابه بتردد وخوف:
- هاني عبدالشافي وساكن في "..."، ده العنوان يا باشا
هز رأسه بالإيجاب ودون ما حصله من معلومات في ورقة صغيرة ثم رمقه بنظرات محذرة وهو يقول:
- لو طلعت بتكدب عليا يا مجدي أو بتلعب بيا أقسم بالله هخليك تندم ومش هعاملك بالطيبة اللي بعاملك بيها دي دلوقتي نهائى مفهوم !
توجه إلى الكافيتريا ومن ثم دلف إلى غرفة صغيرة وقام بتبديل ملابسه وخرج على الفور فأسرع «وحيد» إليه ومعه «سهى»، نظر إلى ملابسه التي بدلها وصاح متسائلًا:
- فيه ايه يا نائل ! غيرت هدومك ليه ؟
نظر إلى نقطة بالفراغ وقال بغضب وحزن في آن واحد:
- مش هكمل هنا، مش هتعامل كأني عبد عندها .. ربنا كريم وهيرزقني بشغل تاني
ثم نظر إلى عم «وحيد» وتابع:
- تسلم يا عم وحيد على الشغل ومعلش تعبتك معايا بس فعلا مش هينفع أكمل هنا..
هنا تحدثت «سهى» وقالت بصوت هادئ لكن يظهر فيه تعبها وتألمها:
- ده كله بسببي صح ؟ علشان سيبت الشغل وجيبتلي علاج
هز رأسه بالنفي بعدما رسم ابتسامة خفيفة على وجهه وقال:
- لا يا سهى مفيش حاجة، الست هانم متكبرة وشايفة نفسها شوية وأنا مش هقدر أتعامل معاها تاني..
كان الجميع يتابعون بنظراتهم وتهامسهم فـ بالصباح سمعوا صوت «يوسف» الغاضب بداخل مكتب مديرة الشركة وبعدها خرج وصفق الباب خلفه بقوة وكان الغضب والتجهم يسيطران على قسمات وجهه والآن ذهب «نائل» إلى مكتبها وعاد ليبدل ملابسه استعدادًا للرحيل
نظرت «سمر» إلى ما يحدث وهي تحاول معرفة الأمر ثم نظرت إلى صديقتها «مايا» ورددت متسائلة:
- هو ايه اللي بيحصل يا مايا ؟ الصبح يوسف ودلوقتي نائل ! في حاجة مش فاهماها في الموضوع..
أجابتها وهي تنظر حيث ينظر الجميع وحيث يدور الحوار بين الثلاثة «نائل، سهى، وحيد»:
- تقريبًا كدا والله أعلم ياسمين طردت نائل ولو جينا نربط ده باللي حصل الصبح يبقى نائل زعل يوسف ويوسف خرج متضايق ومشعلل فـ ياسمين قررت تطرده
تجاهل الجميع ونظراتهم ودلف إلى مكتب والده ثم جلس على المقعد المقابل له فرفع والده «محمد» رأسه ورمقه بابتسامة ساخرة وهو يقول:
- يا مرحب بالباشا أخيرا شرفت
عبث وجهه وقال بضيق واضح:
- بالله عليك يا بابا أنا مش ناقص تقطيم ولا كلام من ده كفاية اللي فيا
ارتفع حاجبه بدهشة وردد متسائلًا:
- ايه مالك ! جاي مش طايق نفسك ليه..
نظر إلى الأسفل وضغط بقوة على أسنانه وأردف بغضب شديد:
- كنت عند ياسمين وابن الخدامة طلع شغال عندها و نصرته عليا
هز والده رأسه بعدم فهم ولوى ثغره وهو يقول:
- بالراحة كدا أنا مش فاهم منك حاجة .. ابن خدامة مين ونصرت مين، فهمني
رفع بصره ليكشف عن حمرة وجهه بسبب غضبه الشديد وكأن جمرة من نار قد زادت اشتعالا وتوهجًا وأردف:
- نائل..
- ايه ! نائل ؟ وبيعمل ايه عند ياسمين ! اتكلم أنت هتنقطني ؟
تابع سرد ما حدث:
- كنت عندها في المكتب وفجأة دخل نائل بفنجان القهوة واتفاجئت بيه .. طلع شغال عندها في الكافيتريا، طبعا ابن الشغالة هيشتغل ايه، المهم اتعصبت وقلت ليها تطرده بس مارضيتش بنت الجيار وكسفتني قدامه وقالتلي لا مش هطرده لأنه ماعملش حاجة فخرجت من المكتب وجيت على هنا ومن ساعتها بتتصل بيا ومابردش..
طرق بأصبعه على سطح المكتب وهز رأسه قائلًا:
- أنت غبي وهتفضل غبي طول عمرك
ضيق عينيه وهتف متسائلًا:
- أنا ؟ ليه يعني !
- علشان اللي عملته ده، علشان مصلحتنا لازم تكمل تمثيل على بنت الجيار وإلا هتاكل كل حاجة مننا وهنبقى ولا حاجة، مجرد موزعين وبس .. ايه يعنى لقيت نائل هناك ما يشتغل ولا يتهبب، تصرفك غلط ولو ياسمين رنت عليك كلمها، حكايتها دي لازم تخلص علشان لو طولت هتبوخ أوي، مفهوم ولا لا
فكر قليلًا في حديث والده ورغم غضبه الشديد مما حدث إلا أنه قرر تنفيذ كلام والده ومتابعة ما بدأه بعد ما زاد ما حدث اليوم من كرهه الشديد لها وزاد من رغبته أكثر في الانتقام
- مفهوم يا بابا، ماأبقاش يوسف الهواري إن ما خليتها تمشي تكلم نفسها
اتجه إلى الباب وفتحه ليجد فتاة أمامه فضيق ما بين حاجبيه وهو يسألها:
- افندم ! حضرتك عايزة حد ؟
ابتسمت الفتاة وفتحت كُتيب صغير وعرضته على «طيف» وهي تقول:
- حضرتك ده العيد السنوي للفندق وبالمناسبة دي عاملين Gifts واحتفالات ومن ضمن الهدايا دي إن أي عروسين هيبقى فيه ميكاب ارتيست في الكوافير الخاص بالفندق تجهز العروسة على حساب الفندق علشان الحفلة الخاصة بالفندق النهاردة وهيبقى كله يونيفورم .. تحب زوجة حضرتك تشارك..
نظر إلى «نيران» ثم عاود النظر إليها مرة أخرى وقال بابتسامة:
- لا شكرا .. هي تعبانة ومش هتقدر تحضر الحفلة دي
أسرعت نيران إليه وقالت معترضة:
- أنا كويسة ومش تعبانة
ثم نظرت إلى تلك الفتاة وتابعت:
- أنا موافقة .. المكان فين ؟
- حضرتك هتتفضلي معايا وهوصلك بنفسي
ثم نظرت إلى «طيف» وتابعت:
- ماتقلقش حضرتك .. ساعتين بالظبط وهتبقى جاهزة
استسلم لرغبتها في ذلك وابتسم بلطف لها قائلًا قبل رحيلها:
- طيب ياستي، روحي وأنا هقضيها فيسبوك الساعتين دول وبعدين اجي اخدك..
بدلت ملابسها بسرعة وقبل أن تخرج لوحت بيدها مودعة إياه وقالت:
- بااي .. ماتتآخرش
- حاضر مش هتآخر بس لو حسيتِ بتعب كلميني وأنا هجيلك على طول تمام !
أرسلت له قبلة في الهواء قبل أن تجيبه:
- تمام يا قلبي .. باي..
رحلت وبقى هو وحده في غرفته فقرر تصفح حسابه على فيسبوك طوال هذا الوقت حتى لا يشعر بالملل وقبل أن يمسك هاتفه سمع طرقات على باب الغرفة مرة أخرى فرفع حاجبيه وهو يقول بصوت منخفض:
- ايه الكوافير عايزني أنا كمان ولا ايه !
فتح باب الغرفة ليتفاجأ بفتاة في غاية الجمال وشبه عارية، رددت بدلال شديد:
- أنت طيف ؟
رفع حاجبيه بدهشة وأبعد نظره عنها وهو يقول:
- أيوة أنا طيف .. أعوذ بالله ايه الأشكال دي
دلفت إلى داخل الغرفة واقتربت منه أكثر قائلة:
- بتقول ايه ! ده أنا جاية أبسطك ومالقيتش أحسن من دي فرصة ومراتك مش موجودة
تراجع للخلف قبل أن يرفع كفيه ليدافع عن نفسه أمامها وقال وهو مسلط بصره على الأرض:
- بقولك ايه أنا ظابط وأعرف ظباط صحابي في آداب، اقصري الشر كدا وانصرفي بدل ما أصرفك أنا..
ابتسمت واقتربت بوقاحة أكثر وهي تقول:
- طب ماأنا خريجة آداب وماله ظابط ظابط .. ده حتى الشرطة والشعب في خدمة الوطن
- وطن ايه ياماما أنتِ تعبانة في دماغك ؟ غوري من هنا بدل ما أسجنك حالا أنتِ واللي باعتك
وفي تلك اللحظة عادت «نيران» من الخارج بسبب نسيانها لهاتفها وفوجئت بهذا المشهد أمامها، رفع «طيف» بصره وهتف بابتسامة:
- اوبا .. ده ايه الفيلم العربي الفطسان ده ؟ نيران ! طبعا لو حلفتلك إني ماأعرفهاش مش هتصدقيني...