رواية قلوب مقيدة بالعشق للكاتبة زينب محمد الفصل الحادي والعشرون
فتحت عيونها بصعوبة واعتدلت تنظر في ارجاء الغرفة تبحث عنه، لقد شعرت به بالامس، التقط انفها رائحة عبقه، شعرت بيده تمسد على يديها وشعرها،، شعرت بملمس شفتاه على وجهها وثغرها، نهضت بصعوبة تبحث عنه.. خرجت من غرفتها وجدت خديجة تجلس بجانب ايلين وتتحدث معاها، لمحتها خديجة تقف على أعتاب الغرفة، نهضت بسرعة قائلة: الف سلامة عليكي يا ندى..
مدت ندى يديها واستندت على خديجة قائلة بوهن: مالك فين..
اجابتها خديجة وهي تساعدها على الجلوس: جه امبارح واطمن عليكي وبعدها مشي علشان شغله..
سألتها ندى: وهو ايه اللي عرفه، اخر حاجة فاكرها ان جيتلك وبعدها..
قالت خديجة بابتسامة: وبعدها وقعتي من طولك وانا روحي اتسحبت مني، وفي نفس الوقت كان فارس طالع على السلم يطمن عليكي، الحمد لله دخلناكي جوه وجاب دكتور قالنا ان عندك برد شديد ودرجة حرارتك كانت عالية أوي، الدكتور مشي من هنا مالك جه من هنا وفضل معاكي لغاية الصبح وبعدها مشي..
سقطت دموعها بغزارة قائلة: وهو مش عارف يستنى لغاية ما يطمن عليا.
زمت خديجة شفتاها قائلة: اعذريه شغله بردو صعب يا ندى..
مسحت ندى دموعها لتقول بلامبالاة ظاهرية: مبقاش يفرق..تعبتك معايا يا خديجة ..
ربتت خديجة على يديها: تعبك راحة يا ندوش، انتي بقيتي أختي ومفيش بين الاخوات الكلام ده.
فرك جبينه بتعب، علامات الارهاق تحتل ملامحه بقوة، لم يذق جفنيه طعم النوم منذ الامس، تنهد بحزن وهو ينظر لسقف الغرفة مفكراً بها وبحالتها، أغمض عيناه عندما تذكر بالامس صوت فارس وهو يخبره بمرضها، وقتها فقط شعر بقلبه يخرج من موضعه، لم يعرف كيف اختصر الطريق ولم يعرف كم كانت سرعته، كل ما كان يشغل ذهنه هي فقط، يريد ان يطمئن عليها، تذكر تلك الساعات المعدودة على أصابع يده التي قضاها برفقتها، لاشك انه أخذ طاقة منها عندما روى صدره وشغفه بها، وامتلئ قلبه بذلك الحنان المنبعث منها حتى وهي ترقد لا تشعر به، وشبعت عيونه برؤيتها، بعدما نفذت طاقته عادت تتجدد برؤيتها من جديد .. تمنى ان لو لديه شئ سحري يخترق ذلك السقف ويراها ويقضي معاها اطول وقت ممكن وخاصة عندما تذكر ان هذة المرة سيطول غيابه بالتأكيد بعدما اتخذ قراره بإنهاء اجازته وان يعود لعمله بأسرع وقت حتى ينغمس به ويحاول ان يشغل تفكيره بشئ اخر...
نهض بصعوبة من فراش صديقه عندما قرر بالامس ان يبيت عنده، ارتدى ثيابه وخرج من الغرفة وجد فارس يحضر الطعام قائلاً: بتعمل ايه !.
رفع فارس عيونه قائلاً وهو يشير للصحن بيده: عملتلك مكرونة رهيبة ..
تقدم منه مالك وهو يضع سلاحه خلفه: كُلها انت، انا هامشي.
تحدث فارس بحنق: ياض قدر وقفتي وانا بدخل على النت بجيب طريقتها، وربنا ريحتها تحفة، وقعت على قناة طبخ ايه انما لذيذة..
ابتسم مالك ليقول باستنكار: طبخ، اخرتك تطبخ..
جلس فارس مكانه قائلاً بغيظ: جوايا غيظ يا مالك وخايف اتهور على سراج اكتر من كده تلاقوني لابس البدلة الحمرا، فقررت اتجه للطبخ .
ضحك بخفة ليقول: سراج عاملك جنان في دماغك..
وضع فارس امامه هدية يارا قائلاً باستنكار: شوف اختك جايبلي ايه وبتحرق دمي .
فتح مالك العلبة وجد سلسال به صورة ياسمينا .. فقال فارس بضيق: على أساس ان انا بلبس سلسلة مثلًا أختك دي هبلة ولا هي شايفني ايه، لا وحاطلي صورة ياسمينااا..ربنا ياخد الكفرة بجد علشان انا اتخنقت منها .
ربت مالك على كتفه ليقول: معلش استحملها، انا هاقوم امشي..
نهض فارس يقف بمقباله قائلاً: طيب اطلع اطمن عليها علشان ترتاح.
هز رأسه برفض: لأ انا هامشي مينفعش ارجع في قراري...سلام...
غادر مالك، أطلق فارس تنهيدة قوية قائلاً: قلوبنا متقيدة بالحب والعشق..لغاية امتى هانفضل في العذاب ده.
التفت بجسده ينظر لهديتها ليقول بغيظ: لغاية امتى هافضل مستحمل غبائها .
تقلب بفراشه يمنياً ويساراً عقله أرهقه من التفكير، وقلبه أرهقه من عشقها، ضغط بيده على الغطاء مشددًا عليه بغضب عندما تذكر أمس وحالة الضعف التي انتابته معها، ماذا فعل احتضنها وظهر ضعيفًا أمامها، أين وعوده لنفسه أين انتقامه، نسي كل ذلك، نسي حديثها اللاذع والموجع له، كيف له ان ينسى وهو يتذكره يوميًا وفي كل ساعة وفي كل لحظة، يتجسد امامه الموقف وكأنه البارحة وليس من ثلاث أعوام .. أغلق عيونه متذكرًا أكثر لحظة انفطر قلبه بها...
( فلاش بااك )
سارت بجانب والدتها بخطوات مملة وبطيئة، عيناها على المارة، وقلبها وعقلها متعلقين ب عمار، خطوة تلو الاخرى، الالام تغزو رأسها بقوة، وقفت لثواني تغمض عيناها بقوة، شعرت بيد قوية تعرف ملمسها جيدًا، تجذبها بعيدًا عن الزحام، فتحت عيناها وجدت عمار يتقدم بها بسرعة كبيرة الى أحد الطرقات المظلمة، حولت بصرها الى الخلف لترى والدتها، لم تجدها، حاولت ان تخرج صوتها وتنهره حتى يبتعد عنها، ولكن لم تستطيع، فتركت لنفسها محاولة الاشباع منه ومن نظراته، فهذه المرة ستكون الأخيرة، لتمعن قلبها وعقلها وتروي عطش حرمانها منه...
وقف بها بعد دقائق وهو يلهث بقوة: الحمد لله انك معايا، يالا بسرعة نكمل طريقنا ..
جذبت يداه لتقول بعدم فهم: طريق ايه يا عمار، انا قولتلك طريقنا مش واحد.
هزها بعصبية ليقول بشراسة حبيب يدافع باستماتة عن عشقه: لا واحد، متخافيش انا معاكي، وابوكي هايوافق غصب عنه.
جذبت يدها من قبضته لتقول بهدوء: انا مش هاقف في وش ابويا يا عمار، ولا هاجبله العار قدام اهله واصحابه ولا هاكسره.
قطب عمار ما بين حاجبيه ليقول مستنكرًا: ماهو ياما كسرك يا خديجة، اكسريه مرة .
صرخت بنبرة مكتومة وهي تقول ببكاء: بس ده ابويا، حتى لو كان بيضربني وبيعاملني وحش، انا بحبه، مش هاكسره يا عمار واخليه ميقدرش يرفع عينه في حد، مش انا اللي تعمل كده في ابوها، ارجوك انا خلاص ده قدري ونصيبي، ومش هاقدر اغيره، سميه ضعف، سميه زي ما تسميه، انا مش هاجاي معاك، وهامشي في الطريق اللي ابويا رسموهولي، وارضى بنصيبي.
وقفت للحظات ترى مدى تأثير حديثها عليه، فوجدته ينظر لها بقهر قائلًا بغضب: خسرت شغلي ومكانتي علشانك وفي الاخر تيجي وتقوليلي كده، انا قدمتلك كل حاجة، وانتي مقدمتيش اي حاجة، انا حبيتك وانتي للاسف كنتي واخدني كبري علشان تهربي من ابوكي، ومع اول كوبري جه وافقتي عليه، عارفة انا بقول كده ليه، علشان لو كنتي بتحبيني بجد كنت وقفتي في وشه واتجوزتيني!.
هزت رأسها ببطء وهي تحول بصرها للجهة الاخرى هرباً من نظراته القاتلة لتقول بصوت مختنق: صح، نظرتك فيا صح، لو سمحت سيبني بقى علشان اشوف كبري غيرك اهرب من جحيم ابويا عن طريقه.
توسعت عيناه من وقاحتها، منذ متى وكانت خديجة زهرة قلبه تتحدث بهذه الفظاظة، وجع يضرب صدره من جديد، ولكن هذه المرة كانت القشة التي قسمت ظهر البعير!..
تركها وسار في طريقه بخطوات متمهلة لعلها تصرخ وتناديه فيعود هو بسرعة، ولكن خطوة تلو الاخرى وتبعتد تلك المسافة بينهم، ليقف قليلًا ويستدر نصف استدارة، يلقى نظرة اخيرة على محبوبته، ليجد لا أثر لها، ابتسم بسخرية على سذاجته قائلًا بخفوت: اظاهر انك فعلًا واخدني كبري يا خديجة، ربنا يسامحك او يسامح ابوكي !.
( باااك )
وضع يده على وجهه يحاول كبح مشاعر كثيرة تتسابق بداخله، انتبه على رنين الهاتف، أجاب دون ان يرى من المتصل: ألو..
أغمض عيونه عندما وجدها هي من أرهقته بحبها: عمار انت فين؟!..
بلع تلك الغصة بحلقه في الآونة الاخيرة لم يعد باستطاعته ان يعود للجمود والقوة، حنينه لها سيطر عليه هتف بنبرة هادئة: في البيت.
_ أنا أسفة علشان سبتك امبارح بس ندى كانت تعبانة وانت شوفت كده .
خرج صوته مبحوح: عادي يا خديجة.
هتفت بقلق: انت كويس صح.
تزاحمت الكلمات المتناقضة وكأنها في صراع ليفوز احداهما بالخروج من فمه منها الجامد والحاد ومنها اللين و الضعيف، أخيرًا استطاع التحكم بنفسه: اه.. كنت عاوز اقولك ان ه اسافر الفتره دي.
هتفت بحزن: فين .
_ مش ضروري تعرفي، سلام..
أغلق الهاتف والقاه بجانبه متمتماً: كده احسن، ابعد فترة علشان اعرف ارجع زي زمان..
بعد مرور شهر وأسبوع...
مسحت دموعها بقوة قائلة: قولتلك يا خديجة مبقاش يفرق، انا خلاص اخدت قراري.
عقدت خديجة حاجبيها وهتفت بتوجس: قرار ايه يا ندى..
نظرت لها ندى وتحدثت بنبرة مبحوحة: الطلاق.
شهقت خديجة لتقول بذعر: طلاق ايه!، لا استهدى بالله انتي لسه عروسة مكملتيش شهرين...
ابتسمت بسخرية قائلة: اهو اديكي قولتي عروسة وجوزي سايبني لوحدي في شقة طويلة عريضة مبيسألش عليا ولا مرة، كلت ايه، شربت ايه، كل تعامله معايا عن طريق صاحبه، يطمن عليا من صاحبه، انا مش هاستحمل العيشة دي، انا زهقت من الوحدة، لو هو بيكرهني فيه بالذوق، ف هو نجح في كده وكرهته خلاص.
ربت خديجة على يداها قائلة: طب استهدي بالله، واستني لما يرجع من شغله واقعدي معاه لو ملاقتيش سبب قوي اطلقي.
نهضت ندى تبكي بإنهيار: هو انا هاستني لغاية امتى ؟!، انا تعبت من الانتظار، ومش هاستنى اكتر من كده، مش هو بيتعامل معايا عن طريق صاحبه انا بقى هانزل لصاحبه..
حاولت خديجة إيقافها ولكن ندى لم تستمع لاي شئ، هبطت نحو شقة فارس وطرقت الباب والرؤية لديها مشوشة من كثرة دموعها، فتح فارس باب الشقة تفاجئ بها وبحالتها تلك هتف بقلق: في ايه...انتي كويسة ؟
هزت رأسها بنفي لتقول ب لهجة حادة: تتصل على مالك وتقوله يجي انهارده حالًا، حالًا .
انهت حديثها وصعدت الدرج وصوت بكائها يرتفع شيئاً ف شئياً ..
جلس بمكتبه يهز ساقه بعصبية شديدة، ينظر لباب الغرفة بشرود، تخبطت المشاعر بداخله، ساءت حالته أكثر عندما سمع صوت زملائه ينهئون رأفت بنجاح القضية، صدح رنين هاتفه اجاب على الفور..
_ الو ..
فارس بهدوء: مالك، ندى نزلت وكانت منهارة وبتقولك تيجي حالا..
هتف مالك بحزن: حاضر هاجي..
فارس بتعجب: هاتيجي بجد!.
مالك بضيق: امممم، الموضوع شكله هاينتهي انهارده.
فارس مستفهماً: رأفت رجع امتى؟!.
مالك: أول امبارح ولسه جاي الإدارة انهارده، وبين الثانية والتانية هايدخلي، اقفل انت..
احتضن سمير رأفت بقوة هاتفًا:. ليك وحشة يا بطل، مبروك نجاح العملية .
هتف رأفت بسعادة: الله يبارك فيك، أخيرًا الغمة انزاحت..
ربت سمير على كتفه بفخر: الجهاز كله بيتكلم عن العملية ودقتك فيها..
تنهد رأفت براحة: متتخيليش فرحتي قد ايه وانا والشباب بيقبضوا عليهم، القضية دي طولت أوي مكنتش حاسس انها هاتخلص.
أشعل سمير سيجارة قائلاً: قضية مش سهلة والقبض على أكبر تاجر مخدرات في قنا حاجة مش سهلة بردو، المهم انك نجحت والشباب عملوها على اكمل وجه .. بس الا قولي مكلمتنيش ليه امبارح ؟
جذبه رأفت جانبًا وتحدث بخفوت: كنت بجهز شقه في إسكندرية علشان لما اخلص موضوع ندى اخدها على هناك.
هز سمير رأسه متفهمًا: طيب دخلت ل مالك.
نظر رأفت صوب مكتب مالك: لا لسه هادخله اهو .. ربنا يسهل والموضوع يخلص على خير، انا متفائل.
سأله سمير باهتمام: انت كلمت ندى الفترة دي؟!.
أجابه رأفت: اه وكان باين على صوتها انها زعلانة، ادعيلي يا سمير الفترة دي تعدي على خير .
هتف سمير: ان شاء الله، ادخل انت يالا ل مالك.
تقدم رأفت بخطوات واسعة نحو غرفة مالك، طرق الباب ثم دلف...
_ اخبارك يا مالك .
نهض مالك يستقبله ورسم على وجهه ابتسامة صغيرة: الحمد لله، مبروك يا باشا.
جلس رأفت قائلاً: الله يبارك فيك.
عم الصمت المكان ف توتر رأفت في بداية حديثه وايجاد كلمات مناسبة: انت طبعا عارف طلبي، وعارف انا هاقولك ايه، واظن انت نفذت نص اتفاقنا، ياريت تنفذ الباقي وتطلق ندى..
ابتلع مالك ريقه بصعوبة ليقول: هو مفيش اي حل...
قاطعه رأفت بضيق: مالك انا مقدر انك خايف عليها، ومش عاوز تزعلها بس انا عمها وادرى بيها وبمصلحتها، وهي مينفعش تكمل معاك، اهمهم انها لو عرفت ان ليك أهل هاتتصدم فيك صدمة عمرها واحتمال متقمش منها، وكمان أهلك لو عرفوه هايبقى ايه منظرك قدامهم، من الافضل انك تنفذ وعدك.
هز مالك رأسه بحزن قائلًا: يالا بينا..
تعجب رأفت: دلوقتي!.
هتف مالك وتملك منه بحة غريبة: اه، ده انسب وقت.
جلست بشقتها تراقب عقارب الساعة منتظرة مجيئه وخاصة عندما ابلغها فارس بمجيئه، جهزت بعقلها العديد من الاسئلة، مسحت دموعها للمرة الالف تقريبًا وحاولت رسم الجمود على وجهها، فشلت كالعادة وعاندتها دموعها وهبطت بغزارة، انتبهت على قرع الجرس نهضت واتجهت بخطوات بطيئة فتحت الباب وجدت رأفت امامها ... ابتسمت بسعادة ومسحت دموعها واقتربت منه تحتضنه: وحشتني يا عمو، وحشتني أوي.
مسد رأفت على ظهرها قائلاً بحنو: وحشتيني يا ندى.
رفعت بصرها وجدت مالك يقف خلفه وملامح وجهه جامدة، ابتعدت عن رأفت وهتفت بتهكم: نورت يا مالك، نورت بيتك أخيرًا.
دلف مالك الى الشقة وتجاهل نبرتها، ف ربت رأفت على كتفها: مالك في ايه..
تعلق بصرها بمالك، فدلفت خلفه تتحدث بعصبية: في ايه انت بتتجاهل كلامي كده ازاي!.
وجدها مالك فرصة مناسبة، ف تحدث بعصبية: هاتجاهل بدام بتكلميني بالطريقة دي.
وقفت امامه تهتف بنفس عصبيته: انت ازاي كده، ازاي متفكرش فيا وتسئل عليا، جالك قلب..
جلس مالك وتحدث ببرود ظاهري: شغلي، ولازم تقدريه..
تقدمت منه قائلة بحزن: وان مقدرتش..
تشجنت ملامحه وقبض على يده ليقول بخفوت: يبقى نطلق.
رغم خفوت نبرته ولكن كانت قوية أصابت قلبها، رمشت بعيونها عدة مرات تحاول استيعاب حديثه الخالي من اي مشاعر، لهذه الدرجة نطقها بسهولة، اين وعوده لها!، اين مشاعره، اختفت بهذة السرعة ..رفعت رأسها وهي تبتلع تلك الغصة بحلقها لتقول بكبرياء: يبقى نطلق.
نهض من مكانه واستدار صوب باب الشقة قائلاً بنبرة جامدة: انتي.. طالق.
شهقة قوية صدرت منها حاولت كتمها ففشلت، توقف للحظات واندلع الصراع بداخله في ان يلتفت لها ويحتضنها ضاربًا بكل مخاوفه عرض الحائط، او ان يسير في طريقه ..انتبه لصوت رأفت يقول بجمود: قومي يا ندى لمي هدومك..
ثم وجهه حديثه لمالك بحدة مزيفة: في اقرب وقت تبعتلها ورقة الطلاق..
التفت مالك برأسه يرمقه بكره وحقد لنبرته تلك تحدث وكأنه المذنب وليس هو... هو المذنب الاول والاخير بهذه القصة .. غادر مالك الشقة بسرعة، واستقل سيارته ضاربًا بيده المقود، شعر باختناقه .. لم يدري بنفسه الا وهو امام منزله.. هبط بجسد مرهق وقلب جريح.. ودلف يبحث عن والدته بعينيه تجاهل حديث ليله ويارا، وتقدم صوب والدته وانتظر ريثما تنهي صلاتها.. جلس على الارض امامها وانتظر حتى انتهت تماماً عندها اندفع نحوها يحتضنها بقوة .. جعدت جبينها بقلق: فيك ايه، انت مجتش قعدت كده غير لما ابوك مات.
هتف بهمس حزين: متسألنيش، بس انا تعبان، ومحتاجك يا أمي.
مسدت على ظهره بحنان: وانا معاك يا قلب أمك، ارتاح وارمي همومك عليا.
_ صعب أوي، صعب.. همي ده هايفضل يخنقني على طول..
حاولت التحدث فقاطعها قائلاً: انا سبت كل الدنيا وجتلك انتي، علشان عارف انك مش هاتضغطي عليا وتسأليني زي ماعودتيني من صغري، اجاي واحضنك وانام.
ربتت ماجي على شعره لتقول بنبرة حزينة وخاصة عندما شعرت بنبرته الموجوعة والحزينة: نام.. وحاول تنسى زعلك، انا معاك.
ساعدتها خديجة في ترتيب ثيابها في الحقائب، راقبتها خديجة بعيونها وجدتها هادئة تنتقل من هنا الى هنا بخفة وكأن لم يحدث شئ منذ ساعات قليلة، قطبت جبينها وتقدمت منها وجعلتها تقف قائلة بقلق: انتي كويسة صح؟!.
هزت ندى رأسها وابتسمت: اه كويسة ..
احتضنتها خديجة لتقول بحزن: طيب عيطي، او طلعي الي جواكي حتى..
ابتعدت ندى عنها ورمقتها بحزن أشد: عيطت كتير، واللي جوايا انتي عارفاه كويس.
حاولت خديجة اخراج كلمات مناسبة: ندى دي مش نهاية الدنيا ولا نهاية حياتك، أكيد هاتقابلي حد تاني وتنسي مالك وتكوني حياة تانية جميلة... وسعيدة ..
سقطت دمعة ساخنة على صفحة وجهها قائلة بانكسار: بس دي نهايتي انا، وعمري ما هافتح قلبي لحد غيره، قلبي اتكسر يا خديجة وصعب انه يتصلح تاني، كفاية اوي اللي عيشته معاه بحلوه ومُره هاكمل واعيش على ذكراه..
همست خديجة ببكاء: انتي بتحبيه اوي كده.
هزت ندى رأسها واستسلمت مجددًا لنوبة البكاء التي سيطرت عليها: اه اوي، ربنا يسامحه، علشان انا مش هاسامحه ابدًا.