رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل الثاني عشر
لم أنل شيئًا مما تمنيت و لكن نال كل شئ مني. و إزدادت الغصات بقلبي حتى أصبحت أكثر من نبضاته. حاولت أن أُصارِع خوفي و لكنه كان يُهاجِمني من أكثر نقاطي ضعفًا و حين قررت أن أبوح لليلي بآلامي و أحزاني أهلكني صمته الذي إمتد أمامي كطريق مُظلِم لا نهايه له. و حينها أدركت بأن الأيام تمضي و العمر يتضائل بينما ما زال القلب عَالِقًا عِند لحظه ما ولم يستطع تجاوزها أبدًا...
نورهان العشري.
خرج «سليم »مُهرولًا إثر سماعه شهقه قويه آتيه من الخارج و لكن عندما خرج لم يجد أحد فأخذ ينظر حوله لمعرفه من الذي أستمع إلى حديث والدته الكارثي و لكنه وجد الممر خالً من أي بشر فلعن بداخله ثم دخل إلى الغرفه و أغلق الباب خلفه بقوة أهتزت لها جُدران القصر و إلتفت إلى والدته بعينان تتقدان بنيران الغضب الذي تجلي في نبرته حين قال
عاجبك كدا. أقدر أعرف أستفدتي إيه من إلى عملتيه دا؟
ظهر التوتر الجلي على ملامح «أمينه» قبل أن تقول بلهجه حاولت أن تجعلها ثابته
أنا مش هستني لما يتحرق قلبي مرة تانيه. البنتين دول مش ناويين على خير و أختها قالت بعضمه لسانها أنها بعد ما جنة تولد هتاخدها و يمشوا من هنا. عايزني أستني إيه تاني يا سليم؟
أبتسم بمرارة قبل أن يقول ساخرا
و أنتِ كدا بتقنعيها عشان تفضل معاكي هي و الولد!
قاطعته بحدة.
مش محتاجه أقنعها. واحده زي دي كل إلى يفرق معاها الفلوس و دا إلى عرضته عليها!
تجمد للحظات حين سمع حديث والدته و تأهبت جميع حواسه بينما حُبِست أنفاسه حين تحدت بترقب
و قالتلك إيه؟
تراجعت لتجلس على مقعدها قبل أن تقول بإختصار
المتوقع منها!
إلى هو إيه؟
أمينه بتريث
رفضت و إنهارت و طلعت تجري زي ما شُفتها!
كانت تُراقِب وقع كلِماتها على ملامح وجهه الذي بد جامدًا و لكن صفاء عينيه عكس مدي إرتياحه لما حدث لذا أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بخشونة.
يوم ما وصلوا هنا متحملتش مُعاملتنا ليها. تعبت و ودناها المستشفي و هناك الدكتور قال إننا مُعرضين نفقِد الجنين في أي لحظه و إن حالتها غير مستقرة و حذرنا من أي ضغط نفسي أو عصبي. عشان كدا فضلت أسبوعين نايمه في الملحق و كان الأكل بيروحلها هناك. دي كانت أوامر الدكاترة مش زي ما سالم قالك أنه إجهاد من السفر.
تغيرت تعابير «أمينه» التي غزا الخوف ملامحها و شعرت بنغزات قويه في قلبها و خاصةً حين رأته يتوجه إلى باب الغرفه و من ثم إلتفت إليها مُتمتِمًا بجفاء
لو فعلًا مش عايزة قلبك يتوجع مرة تانيه يبقي متتعرضيش ليها بأي سوء.
كانت «سما»تدور في غُرفتها كمن مسه الجنون فهل ما سمعته لتوها كان صحيحًا! هل تلك الفتاة كانت عشيقته؟ أم هي فتاة كان يعبث معها و غافلته لتحمل بهذا الطفل حتى يكون الطريق الذي يجعلها تستمتع بأمواله!
دخلت «هِمت» الغرفه لتجد «سما»علي حالتها الغريبه فسألتها بإهتمام
مالك يا سما حصل حاجه و لا إيه؟
«سما» بتفكير
دا حصل و حصل و حصل.
«هِمت» بعدم فهم.
حصل إيه يا بنتي؟
«سما» بغل
الزباله إلى كانت بتعايرني من شويه و بتذلني بحُبه ليها طلعت مجرد واحده صا، كان بيقضي وقت معاها.
قطبت جبينها و لم تفهم شي من هذيانها لذا ألتفت تقف أمامها و هي تقول بنفاذ صبر
بت أنتي أقعدي كدا و فهميني في إيه بدل مانتي عماله تهرتلي كدا.
طاوعتها «سما» و جلست على الأريكه خلفها و قصت عليها تلك المحادثه التي حدثت بينها و بين «جنة» صباحًا و من ثم أخبرتها بما دار بين «أمينه» و «سليم» لتُنهي سردها قائله بقهر
عايرتني أنه محبنيش و أنه اختارها هي. بس ربنا أراد يكشفلي قد إيه هي واحده رخيصه و حقيرة.
أنهت جُملتها ثم وجهت أنظارها إلى «هِمت» قائله بفرح يتنافي مع عبراتها المتساقطه و ضجيج قلبها المُلتاع
طلع مكنش بيحبها يا ماما. حازم كان بيحبني أنا و أنا واثقه من دا.
ناظرتها «هِمت» بألم على فلذه كبِدها التي طال قلبها الوجع و لكنها أحكمت تعاطُفها و تأثُرها بحال صغيرتها و قالت بهدوء
و بعدين يا سما. هعتبر أن كلامك صح و أنه فعلًا مكنش بيحبها. إيه إلى أتغير؟
تقصدي إيه؟
«هِمت» بتعقل
كسبتي أنتي إيه من كُل دا؟
لم تستطع الإجابة على والدتها فاخفضت رأسها بألم و قد زال فرحها الواهي و عادت أمام عيناها حقيقه مُرة و هي أن «حازم» لم يعد مُوجودًا من الأساس و لكنها وجدت يد والدتها التي إمتدت ترفع رأسها المُنكث و هي تُناظِرها بحنان تجلي في نبرتها حين قالت.
حازم كان صفحه في حياتك و أتقفلت بموته يا سما. سواء كان بيحبها أو مابيحبهاش مش هتفرق كتير. عيزاكي تنسي الموضوع دا خالص و كإنه محصلش
هبت «سما» من مقعدها و هي تقول بعُنف.
هو إيه إلى أعتبره محصلش! أنا كنت بحبه أكتر من روحي و وقفت حياتي كلها عليه و هو ييجي يدوس عليا بالشكل دا! و يفضل واحده زي دي عليا و يخليها تقف تعايرني و تهيني. و جايه تقوليلي أعتبريه محصلش! دا داس على قلبي بجزمته يا ماما. سنين و أنا متسميه على إسمه. الناس كلها عارفه إني خطيبته. و في الآخر البيه يطلع متجوز و جايله إبن في الطريق. طب و أنا؟ تقدري تقوليلي أنا شكلي هيبقي إيه لما الناس تعرف بالي حصل؟ هعيش إزاي و هرفع عيني في عين الناس إزاي بعد كدا. حتى مرات خالي إلى طول عمري بقولها يا ماما فضلتها عليا و داست على قلبي و مشاعري و لا أكني حشرة مسواش. دي هانتني قدامها لمجرد أنها حامل في أبنه. أنا واثقه أنها مش طيقاها بس عشان حامل في إبن الغالي.
قالت جملتها الأخيرة بصراخ مرير نابع من قلب مُحترِق بنيران الغدر و الخذلان و قد تجلي ألمها الكبير في ملامحها التي جعلت قلب «هِمت» ينفطر ألمًا على ما أصاب ابنتها من وجع كانت بغبائها السبب الرئيسي به فهبت من مقعدها تُحاوِل إحتضانها و هي تقول بألم.
يا قلبي يا بنتي شايله كل دا جواكي و ساكته! حقك عليا يا سما أنا السبب في إلى أنتي فيه دا لو مكُنتش دخلت الموضوع دا في دماغك مكنش زمانك متعذبه كدا.
«سما» بمرارة
وقت الندم عدا يا ماما. أنا دلوقتي ليا تار مع الناس دي و بما أن حازم مات فهاخد تاري من أعز حاجه عنده. و زي ما كسروني هكسر قلبهم كلهم.
صُدِمت «هِمت» من ذلك الجبروت الذي إرتسم على ملامح ابنتها و ذلك الحديث الذي يقطُر كُرهًا و ضغينه فقالت برفق
سما يا بنتي إيه إلى أنتي بتقوليه دا؟ أنتي عُمرك ما كنتي كدا. طول عمرك هاديه و طيبه و بتحبي للخير للناس كلها. أوعي تغيري طبيعتك الطيبه عشان صدمه مريتي بيها في حياتك. دانتي لسه صغيرة و زي القمر و ألف مين يتمناكي ليه تعملي في نفسك كدا!
ناظرت والدتها بمرارة تجلت في نبرته حين قالت.
مش أنا إلى عملت في نفسي كدا يا ماما. هما إلى شوهوني و أذوني من غير ما أعمل فيهم حاجه. و أنا مش هسيب حقي أبدًا.
حق إيه إلى مش هتسبيه يا سما؟
صُدمت كلا من «سما» و «هِمت» لدي سماعهم لذلك الصوت الآت من خلفهم.
كانت «فرح» تحتسي فنجان قهوتها الذي أعدته حتى تُسيطر على ذلك الصداع الذي كان يُقيم إحتفالً في رأسها مما جعلها تقوم بفك مشابك شعرها لتتركه مُنسدِلًا فلم تكن تتحمل أي شئ و توجهت تقف أمام النافذة تنتظر قدوم شقيقتها التي أخبرتها الخادمه بأنها بغُرفة السيدة «أمينه» و حين سمعت ذلك رغمًا عنها شعرت بنغزة مُؤلِمه في قلبها من أن تمس تلك السيدة شقيقتها بسوء و ودت لو تذهب للأعلي حتى تتدخل أن حدث شئ و لكنها تراجعت بآخر لحظه و آثرت الإنتظار حتى لا تظهر بمظهر الأخت المُتسلطه التي تتدخل بشئون شقيقتها و لكن الإنتظار كان أكثر ما تكرهه في حياتها لذا قامت بوضع الفنجان من يدها و إلتفتت لتناول دبابيس شعرها حتى تُعيد إحكامه من جديد و لكنها تفاجئت «بجنة» التي فتحت باب المُلحق و أغلقته خلفها و كل خليه من جسدها ترتعِش يُصاحِبها دموع فياضه أغرقت مُقدمه صدرها و الذي كان ينتفض بين ضلوعها فمظهرها كان مُذري و كأنها آتيه من الجحيم فانتفضت «فرح» و هرولت إليها تحتضنها بقوة و هي تقول بلهفه.
حصل إيه يا جنة؟
كانت ترتجف بشده في أحضان شقيقتها و هي تقول بتلعثُم من بين شهقاتها
مشيني. من. هنا. يا فرح. أرجوكي مش. عايزة. أقعد. هنا. دقيقه. واحده. حاسه. إن. روحي. بتروح.
شددت «فرح» من إحتضانها بينما يدها أخذت تُمسِد خصلاتها بحنان تجلي في نبرتها حين قالت
أهدي يا حبيبتي. أهدي. متخافيش من حاجه طول مانا جمبك.
لم تُزِد في الحديث و لكنها تابعت تهدئتها بالأفعال فأجلستها على الأريكه و جلست بجانبها تحاول تهدئتها إلى أن شعرت بإنتظام أنفاسها و إستقرار ضربات قلبها و سكون جسدها فقالت بنبرة رقيقه
جنة
أجابتها «جنة» بقهر تجلي في خيط من الدموع إنساب من طرف عيناها و هي تقول
أول مرة أجرب الذُل و المهانه يا فرح! أول مرة أعرف حجم المصيبه إلى وقعت نفسي فيها بغبائي. أول مرة أتمني الأرض تنشق و تبلعني.
آلمتها كلمات «جنة» للحد الذي جعل غصه قويه تحتل يسارها فواصلت تمسيد شعرها و قالت بلهجه قويه
ما عاش و لا كان إلى يهينك و لا يزلك يا جنة ليه بتقولي كدا؟
زفرت الهواء المكبوت في صدرها دفعه واحده قبل أن تقوم بسرد ما حدث بينها و بين «أمينه» و أنهت كلماتها قائله بوجع
حسيت إني رخيصه أوي و هي بتعرض عليا فلوس عشان أبيع إبني و أمشي.
هبت «فرح» من مكانها و قد تعاظم شعور الغضب بقلبها و تجلي ذلك في نبرتها القويه حين قالت
الست دي أتجننت هي فاكرة إنك ملكيش حد ياخدلك حقك. طب أنا هوريها.
قامت بفتح باب المُلحق بقوة و توجهت إلى القصر بخطوات مُلتهِبه أشبه بالركض فقد بدا و كأنها تحفُر الأرض تحت قدميها من فرط غضبها و حين دلفت إلى داخل القصر توقفت في منتصف البهو قائله بصوت قوي أجفلهم جميعًا
حاجه أمينه. يا حاجه أمينه.
بعد لحظات تجمع الجميع حولها و ظهرت «أمينه» التي كانت تتدلي من فوق الدرج و هي تقول بغضب
إيه قلة الذوق دي حد يزعق في بيوت الناس كدا؟
ابتسمت هازئه قبل أن تقول بتقريع
و أنتي لما تهيني الناس في بيتك دا يبقي إسمه إيه؟
تدخلت «حلا» قائله بتوبيخ
أحترمي نفسك و أنتي بتتكلمي مع ماما. أنتي مش عارفه أنتي بتتكلمي مع مين؟
صُدِمت «حلا» من صوتها الغاضب حين قالت.
أيًا كان هي مين ميديهاش الحق أنها تهين جنة أو تقلل منها أبدًا
ناظرتها «حلا» بغضب قبل أن تقول بصراخ
والله أنا مشوفتش بجاحه كدا و الست جنة هانم مسموحلها تهين الناس عادي ما تسأليها هي كمان قالت إيه لسما؟
ناظرتها «فرح» بإستخفاف قبل أن تقول بتوبيخ
قبل ما تتكلمي يا شاطرة و تقلي أدبك ابقي أسألي بنت عمتك المُحترمه قالت إيه لجنة عشان ترد عليها كدا. بس واضح إنك متعرفيش حاجه عن الأدب.
في إيه بيحصل هنا؟
كان هذا صوته الغاضب حين سمع حديث « فرح » فقد خرج من مكتبه و خلفه «مروان» على تلك الأصوات الصاخبه ليجد الجميع يقف في البهو و النظرات المُشتعِله دائرة بينهم. و لكنه صُدِم حين رآي نظرات الخذلان تطل من عينيها قبل أن تقول بمرارة
أبدًا بدفع تمن إني وثقت فيك و جيت أنا و أختي نعيش وسطكوا!
لامست جُملتها حواف قلبه الذي شعر بشعور مقيت من نظراتها التي تحمل بداخلها أطنان من الخُذلان و الخيبه و لكنه تفاجئ من حديثها الذي وجهته إلى والدته حين قالت بقسوة
عايزة أقولك كلمتين يا حاجه. أنتي عندك بنت و كما تُدين تُدان و حسبي الله ونعم الوكيل
هنا خرجت شياطين غضبه من جحيمها و صرخ بصوت أفزعهم جميعًا
لما أسأل في إيه تجاوبوا.
أوشك «سليم» على الحديث و لكن نظرات والدته المُتوسِله منعته من الحديث ليخرج صوتها المبحوح حين قالت
تقدر تسأل والدتك يا سالم بيه. هي عارفه حصل إيه كويس أوي. بس لحد هنا و كفايه. أنا هاخد جنة و هنمشي و لما أبنكوا ييجي بالسلامه عمرنا ما هنمنعكوا عنه. و لا هنبيعه يا حاجه أمينه عشان إحنا مابنبيعش لحمنا. عن إذنكوا
أوشكت على المُغادرة و لكن صوته القوي أوقفها حين قال
أستني يا فرح!
كان لنبرته وقع خاص على قلبها الذي تعثرت نبضاته داخلها و أجبرتها على الوقوف بمكانها و لكنها لم تلتفت إليه و شعرت بمدي غضبه حين قال بخشونه
مُنتظر أعرف إلى حصل يا حاجه؟
تحدثت «أمينه» بلهجه مُهتزة بعض الشئ
أتكلمنا أنا و جنة و الظاهر إن كلامي معجبهاش و ضايقها و أعتبرته إهانه ليها. دا كل إلى حصل
ألتفتت «فرح» تُناظرها بغضب بينما قالت ساخرة.
لما تتهميها الإتهامات الفظيعه دي يا حاجه مش إهانه لما تساوميها على إبنها و تعرضي عليها فلوس عشان تشتريه منها مقابل أنها تتنازل عنه و تمشي دا مش إهانه لو بنتك هتقبلي عليها كدا؟
كان حديثها صاعق للجميع مما جعل الهمسات تدور حولهم و قد كانت «هِمت» تُشاهِد ما يحدث بقلب شامت دونًا عنها و بجانبها «سما» التي كانت تُناظرهم ببغض كبير و على يمينها «حلا» التي تدخلت قائله بإندفاع
بنتها متربيه أحسن تربيه و متعملش إلى أختك عملته!
هنا قال «سليم» غاضبًا مُندفِعًا
أخرسي يا حلا!
جفلت من لهجته و حدقتاه التي إشتعلت بنيران الجحيم و ما أوشك على توبيخها حتى جاءت كلمات «فرح» التي تراشقت سهام الإهانه في صدرها
متلوميش على حد يا شاطرة مين عاب ابتلي. و أنتي متعرفيش بكرة مخبيلك إيه.
أستني يا فرح!
قاطعها صوته الحاد و هو يقترب من «حلا» التي دب الرُعب في أوصالها من نظرات شقيقها و نبرته المرعبه
قوليلي يا حلا هو إيه إلى جنة عملته؟
أبتلعت ريقها بصعوبه بينما عيناه تُطالِعها بنظرات جحيميه توازي نبرته حين قال بهسيس مرعب
ردي. سكتي ليه؟ مش كنتي بتتكلمي من شويه و صوتك مسمع الناس كلها؟
حاولت التحلي بالشجاعه حين قالت بنبرة مهزوزة
أتجوزت حازم عُرفي!
إحتدت نظراته و أظلمت عيناه للحظه قبل أن يقول بإستفهام غاضب
و عرفتي منين؟
لم تستطع إخباره و ظلت على صمتها بينما كانت ترتجف رُعبًا ليُنقِذها تدخُل «أمينه» التي قالت بثبات
عرفت مني!
تحولت نظراته إلى والدته و بدت قاتمه غاضبه و لكنه تجاهل ردها حين صرخ مُناديًا على إحدي الخادمات و التي هرولت مُلبيه ندائه في الحال فقال بصوت مرتفع
روحي قولي لجنة سالم بيه عايزك و خليها تيجي على هنا
تدخلت «فرح» قائله
جنة تعبانه و مش.
قاطعها صوته الحاد حين قال
أنا قولت تيجي يعني تيجي!
أغضبتها لهجته كثييرًا و ما أن همت بالحديث حتى توقفت إثر جملته الغامضه حين قال
لازم نحُط النقط عالحروف.
مرت دقائق مُشتعِله بين الجميع إلى أن أتت «جنة» التي كان مظهرها مُذريًا و قد كانت تجُر أقدامها جرًا حتى تستطيع أن تصل إلى القصر و قد تعاظم الخوف بقلبها حين أتت الخادمه لتُخبرها بضرورة توجهها إلى القصر لأمر هام و حين دلفت من الباب وجدت الجميع يقف في البهو و توجهت جميع الأعين إليها و من بينها عيناه التي كانت مُستعِرة بنيران جحيميه جعلتها تمد يدها إلى شقيقتها تُمسِك بها كأنها طوق نجاتها و على الفور إمتدت يد «فرح» تُمسِك بيدها و نظراتها تُطمأِنها فقد كان مظهرها يُؤلِم القلب كانت كعصفور صغير تائه شريد و عيناها تغشاها طبقه كرستاليه من الدموع التي لو فسرنا سببها فلن تكفي الحروف لسرده و قد أشعره مظهرها ذا بألم حاد نخر عِظامه إثر رؤيتها مُدمرة بتلك الطريقه و كأن غريزته الرجوليه أبت عليه أن يري إمرأة ضعيفه مكسورة بهذا الشكل أو لنقُل بأن هناك شئ ما بقلبه قد إنفطر عند رؤيته ألمها مُنذ أن رآها تُهرول من غرفه والدته حتى إندلعت حرب داميه بداخله و ود لو أنه يُطمئنها و ينزع نظرات الخوف تلك التي ترتسم بمُقلتيها و لكن جاءت كلمات أخاه القويه لتُخرجه من دوامه أفكاره.
تعالي يا جنه هنا
عند سماعها صوته الآمر تمسكت أكثر بيد شقيقتها فرق قلب «سالم» على مظهرها و قال يُطمئِنها
تعالي يا جنة متخافيش.
نظرت إليها «فرح» و أومأت برأسها لتُطمئِنها فتحركت بخطً سلحفيه حيث وقفت أمام «سالم» الذي إمتدت يده تُمسِك بمرفقها بلطف تنافي مع لهجته القويه حين قال
الكلمتين إلى هقولهم دول يثبتوا في دماغ الكل و أعتقد ان الكل هنا عشان محدش ييجي يقول مسمعتش.
طافت عيناه على وجوه الجميع و إستقرت عند والدته حين قال بنبرة قويه خشنه
جنة مرات حازم الوزان شرعًا و قانونًا و أنا معايا إلى يثبت دا و إلى في بطنها إبنه و من صُلبه.
إبن الوزان عارفين يعني إيه إبن الوزان!
و اللي هيقول غير كدا ميلومش غير نفسه. و أي حد هيتعرض لجنة أو فرح و لو بنظرة بردو ميلومش غير نفسه. جنة و أبنها ليهم هنا زي ما كلنا لينا بالظبط. كلامي واضح و لا أعيده تاني!
اختتم كلماته و عيناه تتفرق بين الجميع بنظرات صارمه متوعدة لمن يخالف أوامره أو يتفوه بما لا يروقه و لكن ألتزم الجميع الصمت ألا من أ«مينه» التي قالت بوقار
مفيش قول بعد قولك يا سالم. الموضوع أنتهي خلاص و جنة زيها زي حلا و سما مش كدا يا جنة.
لم تتفوه «جنة» بحرف على الرغم من صدمتها بحديث «سالم» الذي أعاد إليها كرامتها المفقوده و قد أراحها ذلك بشكل كبير و لكنها لم تستطيع التاكيد على حديث تلك المرأة فهي أبدًا لن تنسي معاملتها لها و لكن جاء حديث«سليم» الغير متوقع حين قال بتحفظ
الأيام هي إلى هتبين يا حاجه.
لم تفهم إجابته و ما خلفها هل يُدينها أن يدعمها؟ هكذا تسائلت بداخلها و لكن قطع حبل أفكارها حديث «سالم» الذي إلتفت إليها قائلًا بصوت خشن
أعتقد كدا أنتِ فهمتي وضعك إيه في البيت. و ياريت بلاش عياط و جو العيال الصغيرة دي يحصل تاني.
أنهي كلماته و ألتفت متوجهًا إلى مكتبه و ما أن أوشك على الدخول حتى أوقفه صوت «حلا» التي هرولت إليه قائله بلهفه
أبيه سالم.
توقف «سالم» الذي كان مايزال يشعر بالغضب من ما فعلته فلم يلتفت لها و لكنها أقتربت تقف أمامه و قالت بنبرة خافته
أنا.
قاطعها بقوة و لكن بلهجه خفيضه يشوبها العتب
أنتِ خيبتي أملي فيكِ يا حلا.
أصابتها جُملته في الصميم فاندفعت تقول من بين قطرات أوشكت على الهطول
أنا أسفه.
قاطعها قائلًا بحدة
الإعتذار دا تروحي تقوليه لابن اخوكي لما ييجي الدنيا و يعرف أن عمته الوحيده أهانته هو و أمه بالشكل دا.
كان يعلم معدنها و بواطنها و تأصُل الخير بداخلها لهذا أراد اللعب على تلك الاوتار و تركها تُصارِع مع ضميرها الذي حتمًا سيؤنبها و يُعيدها إلى الطريق المستقيم.
ما أن دلف إلى الغرفه و أغلق الباب خلفه حتى سمع طرقًا عليه و قد علم هويه الطارق و لكنه تجاهل إحساسه القوي و قال بلهجه خشنه
أدخل.
دلفت إلى الغرفه و هي تجر أقدامها إلى الداخل بينما عيناه الثاقبه تُناظِرها بنظرات غامضه لم تنجح في تفسيرها و لكنها لم تجعلها تتراجع إذ توقفت أمامه تُناظِره بإمتنان تجلي في عيناها الزيتونيه
شكرًا أنك دافعت عن جنة و ردتلها أعتبارها قدامهم.
صدمه إمتنانها للحظه و لكنه لم ينجح في إخماد غضبه المُشتعِل جراء ما حدث لذلك قال بلامُبالاة
مش مستني منك شُكر أنا عملت إلى كان مفروض يتعمل.
إغتاظت من صراحته الفجة و حديثه المُستفِز و ثارت جيوش غضبها و لكنها كمدت ما تشعر به وتشدقت ساخرة
أنا كمان بشكرك عشان أتعودت أن أي حد يعمل حاجه كويسه مفروض يتشكر عليها و مش فارقلي إذا كنت مستني دا أو لا.
نجحت في إثارة روح التحدي بداخله فرفع رأسه يُطالِعها بغموض بينما قال بإختصار
نعم!
أعادت كلمته بهدوء مستفز
نعم!
رُغمًا عنه أفلتت شفتيه عن بسمه مُتسليه لم ينجح في قمعها فقال بتسليه
أنتِ مبتيأسيش؟
يعني إيه؟
سالم بأعجاب خفي
عندك إستعداد تفضلي تحاربي طول الوقت مبتعديش حاجه أبدًا؟
صُدِمت من حديثه و لكنها قالت بتعجب
عشان جيت أشكرك إنك وقفت جمب جنة أنا كدا بحارب! لا أنت غلطان على فكرة أنا بس بحب أدي الحق دايمًا لصحابه حتى لو كان صاحب الحق ميستاهلش.
قالت كلمتها الأخيرة بخفوت فرفع إحدي حاجبيه قائلًا بوعيد
ميستاهلش!
غمغمت بخفوت.
مش قصدي أنه ميستاهلش بمعني حد وحش يعني! ممكن يكون شخص مُتكبِر مغرور و بيتكلم من طراطيف مناخيره
ردد عباراتها بذهول
مُتكبِر و مغرور و بيتكلم من طراطيف مناخيره. دا أنا المفروض؟
راوغته قائله
والله أنا مقولتش أن أنت كدا بس لو شايف الصفات دي تنطبق عليك فأنت حر أنا يعني هعرفك أكتر من نفسك.
تراجع بمقعده إلى الخلف و قهقه ضاحكًا قبل أن يقول من بين ضحكاته
أنتي مُشكله يا فرح!
أسرتها ضحكاته الخلابه للحظه قبل أن تتخضب وجنتاها بلهيب الخجل جراء كلمته البسيطه و لكن نظراته كانت عميقه حتى شعرت بها تتغلغل إلى داخلها فهربت بنظراتها إلى الجهه الآخري و قالت بنبرة هادئه
و لا مشكله و لا حاجه أنا بس بحب الناس تعاملني زي ما بعاملها و دايمًا ببدأ بالخير عشان ألاقيه
أقتنصت عيناه خجلها و إهتزاز حدقتيها فاقترب واضعًا مُرفقيه فوق المكتب أمامه و هو يقول بغموض.
أفهم من كدا أنك بتقدميلي الخير و منتظراه مني!
جفلت من حديثه و شعرت بضربات قلبها تتخبط بداخِلها بعُنف فإلتفتت إليه بلهفه و قالت بإندفاع
لا طبعًا مقصُدش كدا أنا بقولك بس إن دي طريقتي في التعامل مع الناس!
طب و عيزاني أعاملك إزاي؟
خرجت الكلمات من بين شفتيه ثابته مصحوبه بنظرات ثاقبه كانت تأسرها للحد الذي جعلها غير قادرة على الحديث تكاد تُجزِم بأن قلبها توقف عن الخفقان للحظه و فقدت السيطرة على حواسها و لكن تدخل عقلها ليُنبهها أن ناقوس الخطر قد أقترب منها كثيرًا فحاولت فرض سيطرتها على ما يعتريها من تخبُط و قالت بنبرة مُتزِنة
تعاملني زي ما أي مدير بيتعامل مع سكرتيرته.
دام الصمت للحظات قبل أن ترتسِم إبتسامه ساخِره على شفتيه بينما عيناه ظلت على حالها من الثبات الذي تجلي في نبرته حين قال
بس إلى قاعد قدامي دلوقتي مش فرح سكرتيرتي؟
للحظه لم تفهم مقصده و لكن عيناه التي طافت فوق ملامحها و خصلات شعرها المُسترسِله على ظهرها فوصل إليها مقصده فتحمحمت بخفوت قبل أن تقول بتوتر
دا مالوش علاقه بمظهري على فكرة. أنا فرح في كل حالاتي.
و دي أحلي حاله فيهم. حطي دا في عين الأعتبار!
جاءت كلماته مُباغِته فجعلت حدقتيها تتسع للحظه فلم تكن تستوعب ما قاله هل كان ذلك غزلًا صريحًا منه؟
لم يتثني لها فهم ما يحدث إذ جاء الطرق على الباب و الذي لم يكن سوي «لأمينه» التي دخلت إلى الغرفه و هي تُطالِعها بنظراتها الثاقبه فعادت إليها ذِكري ما حدث فاتقد الغضب مرة ثانيه بداخلها و إلتفتت إليه قائله بجمود
أنا بره وقت ما تعوز نبتدي الشغل نادي عليا.
اومأ برأسه كإجابه بينما تبدلت نظراته إلى آخري جامدة صدمتها و لكنها لم تفصح عن صدمتها بل تحركت في طريقها إلى الباب مرورًا «بأمينه» التي أوقفتها قائله بلهجة ذات مغزي
فاجأتيني النهاردة يا فرح!
توقفت «فرح» بمُنتصف طريقها و ألتفت تُناظِرها بإستفهام قائله
يعني إيه؟
«أمينه» بنبرة ساخرة
وقفتك قُدامنا كُلنا عشان تدافعي عن أختك عجبتني و فاجئتني
«فرح» بنبرة جامدة.
عجبتك و فاهماها إنما فاجئتك ليه؟
«أمينه» بتخابُث
مش لايقه مع مظهرك الجديد يعني لو كنتي فرح إلى كانت هنا من ساعتين كانت هتبقي لايقه أكتر.
شعرت «فرح» كأن دلوًا من الماء المُثلج قد سُكِب فوق رأسها و فكنت إلى ما ترمي إليه تلك العجوز و قد أشعرها ذلك بغضب عارم و لكنها صُدِمت حين تابعت قائله بفجاجه.
هنصحك نصيحه و متزعليش من صراحتي بس أنتِ زي بنتي بردو و على وش جواز. يعني لما ربنا يبعتلك إبن الحلال هتبقي تعرفي قصدي كويس. الراجل مابيحبش الست إلى شخصيتها قويه و تقف تناطحه راس براس بيحب الست إلى تحسسه برجولته. و تبقي ضعيفه قدامه و لا إيه يا سالم؟
سالم بهدوء
في المُطلق الراجل بيحب الست تبقي قدامه ست و من وراه راجل.
شعرت بحريق يسري في معدتها جراء فجاجه تلك العجوز و لكنها أبتلعت جمرات غضبها و أرادت إحراقها و لكن ما أوشكت على الحديث حتى جاءت كلماته لتجهز على ما تبقي من ثباتها لذا قالت بنبرة قويه ثابته.
الراجل ضعيف الشخصيه قليل الحيله بس إلى بيخاف من الست القويه يا حاجه. و متقلقيش أنا هحط نصيحتك في دماغي من باب العلم بالشئ. بس لما آجي أختار شريك حياتي هختار راجل بجد. قوتي دي متهزوش بالعكس يبقي فاهمها صح. الراجل لما بيقع مراته بتبقي هي جيشه الوحيد و لو مراته دي ضعيفه وقليله الحيله هتبقي مُجرد عبأ عليه أما الست القويه بتبقي سند مش أي راجل يستاهله. عن إذنكوا.
قالت جملتها الأخيرة بينما أرسلت نظرات قويه لكليهُما و ألتفتت مغادرة و هي تقوم بقلب شعرها في حركة أستعراضيه أشعلت غضب «أمينه» على نقيضه فقد أثارت حركتها جميع حواسه و إنتفض شئ قوي بداخل قلبه بينما إلتفتت «أمينه» تُناظره بغضب و هي تقول
بنت قليلة الأدب.
كان «مروان» في الخارج يحاول تهدئه «حلا» التي كانت تنتحب و قلبها يؤلمها على ما حدث و مازالت تتذكر نظراته شقيقها التي كانت الخيبه ترتسم بها فهي تعشق أشقائها و لا تتحمل أن يغضب منها أحدهم.
خلاص بقي يا حلا أنتي قرفتيني من ساعة ما جيت و أنتي مش مبطله عياط.
«حلا» بإنهيار.
مش قادرة يا مروان أنت مشفتوش كان بيبصلي إزاي؟ نظراته كلها عتاب و خيبه أمل. كل ما افتكرها قلبي يوجعني أوي
نظر إليها «مروان» بغضب خفي و قال بنفاذ صبر
يا بنتي إيه إلى نظراته بتوجعك هو أنتي شيرين عبد الوهاب و لا حاجه. أومال لو كان لسعك قلمين على وشك كنتي عملتي إيه قطعتي شرايين إيدك. إيه الأوفر دا.
إرتفعت عيناها تُناظره بقرف و قالت حانقه
هستني إيه من واحد عديم الاحساس زيك.
عديم الإحساس إيه دانتي فلقتي أمي. ساعه حازم وحشك و بتعيطي و ساعه أخوكي مزعلك و بتعيطي يا شيخه دانا هقوم أصلي ركعتين شُكر إن ربنا مرزقنيش بأخت كان زماني وأدتها من تانيه إعدادي.
إحتدت نبرتها و هي تقول
كان زمانها ماتت منتحرة بسببك. و بعدين بقولك إيه أنت إبن عمي و أخويا و صاحبي يعني تتحمل كل مشاكلي و عياطي و قرفي و أنت ساكت فاهم و لا لا؟
أوشك على الرد عليها و لكنه لمح «جنة» التي كانت تتجول في الحديقه خلفهم فلفت أنظاره مظهرها الحزين فنظر إلى «حلا» قائلًا بتعاطف
دا باينه مرار طافح. شايفه أهي البت مرات حازم دي شكلها حكايتها حكايه و طالع عين أهلها هي كمان. فكرتني بشاديه في فيلم المرأة المجهوله يا عيني و لا أختها دي بت جبارة سنترت أمك و عرفت تخطف دماغ سالم و تخليه ينفخكوا كلكوا. و أولهم أنتي.
قال جملته الأخيرة و هو يُقهقه قوة فلكزته في كتفه و هي تتذكر ما حدث لتعود إلى البُكاء مُجددًا و هي تقول بغضب
بس يا حيوان بتفكرني تاني ليه؟ و بعدين البت دي مبطقهاش و هي سبب البلاوي و المصايب كلها.
«مروان» بسخريه
إيه دا و أنتوا روحتوا فين؟
يا إبني احترم نفسك هو كان حد جه جمبها و لا كلمها أصلًا
«مروان» بتهكم.
لا يا شيخه كنتوا اضربوها بفاس أحسن. دانتي و أمك كنتوا عاملين زي ريا و سكينه من شويه
ناظرته «حلا» بغضب و قالت
طبعًا لازم تيجي في صفها ماهي مرات حازم
شعر بما تريد قوله فثار غضبه و قال بحدة
قصدك إيه يا بت أنتي؟
قصدي أنت عارفه كويس. و بعدين على فكرة بقي أنا و سما في صف بعض و هي مش طيقاها و خليك عارف كدا عشان لو مش معانا تبقي ضدنا.
عند ذكر إسمها شعر بشئ ما داخله يتحرك بعُنف و لكنه حاول إرتداء ثوب اللامبالاة قائلًا
لا معاكوا و لا ضدكوا و شغل الحريم دا ماليش فيه. أولعوا ببعض.
اأنهي كلماته تزامُنًا مع صدور أصوات قويه حولهم مما جعل «حلا» تقترب منه خائفه و بعدها سمعوا صوت صرخات متتاليه فخرج الجميع على إثرها و فاجأهم صُراخ الخفير الذي هرول تجاههم قائلًا بهلع
إلحقوا ست جنة. إلحقوا ست جنة.