قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل الأول

رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل الأول

رواية في قبضة الأقدار الجزء الأول للكاتبة نورهان العشري الفصل الأول

بمثل هذا الوقت من العام الماضي في إحدي ليالي كانون الباردة هُزِمت إحداهن أمام كلمات دافئه أغتالت برودة قلبها فأذابته و أضرمت النيران بأوردتها و التي سرعان ما أخمدتها لوعه الفراق لتترك خلفها بقايا حُطام إمرأة أقسمت على نُكران العشق طيله حياتها...
نورهان العشري.

كُلما كانت ذاكرة الإنسان قويه كُلما كانت حياته أصعب بكثير و في قانون العقل كل الأشياء قابله للنسيان ماعدا الشئ الوحيد الذي تود نسيانه.

أخرجت تنهيدة حارة من جوفها و هي تقف أمام شرفه مطبخها تُراقب نزول المطر الذي كان ينهمر بشدة في الخارج. كم كان ذلك المنظر من أهم مسببات السعادة بحياتها و الآن اصبح لا يجلب لها سوي تعاسه كبيرة ممزوجه بألم قاتل يستقر بمنتصف قلبها الذي و بعد مرور أربع سنوات على فاجعته الكبري لايزال ينتفض وجعًا حين يتحسس أي شئ و لو بسيط يُعيد إليه ذكرياته الرائعة المُشبعه بمرارة قاتله لازالت عالقه بحلقها للآن.

أخيرًا استطاعت أن تتخلص من سطوة ذلك العذاب الذي يتجلى بوضوح في عيناها و أغلقت الستار متوجهه إلى الثلاجه التي تتوسط ذلك المطبخ المستدير المترف إلى حد ما و قامت بإخراج ما تحتاجه لإعداد وجبة طعام ساخنه تُدفئ جوفها في هذا الليله شديدة البرودة كليالي كانون المعتادة و التي كانت ذات يوم تحمل الدفء إلى قلبها الذي كان غارقًا بالعشق حتى أذنيه و ها هي الآن تدفع ثمن حماقته...

زفرت بحدة و كأنها تنازع لتُخِرج وجعها بذرات ثاني أكسيد الكربون و شرعت في عملها الذي أتمته بعد عشرون دقيقه ثم توجهت إلى غرفه شقيقتها و طرقت عدة طرقات على الباب فلم يأتيها رد فقامت بفتح الباب بهدوء لتجدها نائمه كالعادة فتسللت مخالب الندم إلى قلبها لتقرضها من الداخل على ذلك الذنب الذي اقترفته بحق شقيقتها و عادت بذكرياتها للأسبوع الفائت
عودة إلى وقت سابق.

كانت جالسه على أحد المقاعد بشموخ في ذلك البهو الكبير تنتظر الميعاد الذي جاهدت أسبوعًا كاملًا حتى تحصل عليه و ها هو يأتي بمنتصف اليوم و هي في عملها لتهاتفها تلك الفتاة بلهجه صلفة تخبرها بأن موعدها مع السيد سيكون بعد خمسة و أربعين دقيقة و ألا تتأخر فاضطرت إلى ترك عملها ومهرولة إلى ذلك الصرح الكبير الذي كان يثير في نفسها التوتر الذي قُلما يظهر عليها و لكنه كان نابع من السبب المحرج في كونها تود مقابلة ذلك السيد الذي كان الوصول إليه شاقًا و كأنه أحد رموز الدوله أو أحد المشاهير.

فجأة طرأ على بالها صورته التي تخيلته عليها من حديث أخاه عنه. عجوز، بدين، أصلع، قصير القامه، سمج، لا يفقه شئ في هذه الحياة سوي جمع الأموال فقط.
كم يثير نفورها و إشمئزازها هؤلاء الأشخاص الذين هم على شاكلته! و تتمني من الله أن يمر موعدها معه على خير و أن تجد عنده من التعقل ما يجعله يستمع إلى حديثها أو بالأحري طلبها كي تعود حياتهم هادئه من جديد.

بلغ توترها ذروته حين أخبرتها الفتاة بأنه ينتظرها فسحبت نفسًا عميقًا إلى رئتيها قبل أن تنهض متوجهه إلى حيث أشارت عليها الفتاة و ما أن دخلت حتى لفت انتباهها المكتب الأنيق الذي يتمتع بذوق رجولي جذاب بتلك المقاعد الجلديه ذات اللون البني يتوسطهم منضده دائريه وضعت فوقها مزهرية بها بعض الزهور الجميله.

كان هذا أول ما رأته حين دلفت إلى الداخل لتجد على يمينها مكتب ضخم و لكنه أنيق و عصري أمامه مقعدين تتوسطهم منضدة صغيرة و خلفهم كان مقعد السيد المنشود و الذي كان يعطيها ظهره مما جعلها تتقدم خطوتين إلى الداخل و قد كانت خطواتها هادئه لا تعكس توترها الذي كان يزداد مع مرور الوقت خاصةً و أن ذلك المتعجرف لا يزال يعطيها ظهره مما جعلها تسخر داخلها قائله
هيا أرنا وسامتك أيها السيد المغرور!

بدأ شبح إبتسامه ساخرة في الظهور على جانب شفتيها و لكنها تجمدت فورًا ما أن دار الكرسي ليواجهها لتجد نفسها أمام أوسم رجل قد رأته بحياتها!

شعر أسود حريري لامع مصفف بأناقه ملامح رجوليه جذابه، عينان ثاقبه، أنف مستقيم، شفاه غليظه، ذقن منحوت ببراعه لحيه كثيفه نوعًا. كانت ملامحه تضج بالرجوله مُحاطه بهاله من الهيبه و الثقه اكتسبها من سنوات عمره الاربعين و جعلت ثباتها يتلاشي شيئًا فشيئًا إلى أن أتتها نبره صوته العميقه لتُكمِل صورتة الرائعه حين قال و هو ينظر إلى أسمها المدون أمامه
أنسه فرح عمران.

لا تعلم لما شعرت بشئ من السخريه في حديثه و إنعكس على نظراته التي بدت و كأنها تُقيمها و قد حمدت ربها كثيراً بأنها كانت ترتدي ثياب العمل الرسميه المكونه من تنوره سوداء تصل إلى أسفل ركبتيها و فوقها قميص من الستان الأزرق و جاكت من نفس لون التنورة و قد كانت تعكص شعرها فوق رأسها على هيئه كعكه منمقه فلا تترك الحريه لخصله واحده منه في الهرب. كان هذا المظهر يعطيها وقارًا تحتاجه كثيرًا و خاصةً الآن لمواجهه تلك الهيبه التي أمامها.

واصلت التقدم إلى أن وقفت أمامه مباشرةً ثم قالت بهدوء
أهلًا بحضرتك يا سالم بيه
هز رأسه ثم قال بإختصار
أتفضلي
أشار إليها لتجلس على المقعد أمامها فأطاعته بصمت و قد كانت عيناه مسلطه عليها بطريقه أربكتها قليلًا و لكنها تجاهلت ذلك و حاولت التركيز على ما أتت لأجله فرفعت عيناها إليه فوجدته يومئ برأسه بمعني أن تبدأ في الحديث فتحمحمت بخفوت و إحتارت كيف تبدأ فوجدت نفسها تقول بخفوت.

بصراحه في موضوع مهم كنت حابه أتكلم فيه مع حضرتك
لم تتغير ملامحه إنما تخللت السخريه نبرته حين قال
أنا كمان عايز أعرف يا تري إيه الموضوع الخاص إللي بيربطنا!
حل محل التوتر شعور بالغضب الممزوج بالخجل فهي حين سألتها مديرة مكتبه عن سبب طلبها لرؤيته أجابتها بإختصار موضوع خاص و كررت تلك الإجابه على مسامعها طوال الأسبوع المنصرم.
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بنبرة ثابته
في الحقيقه هو فعلًا موضوع خاص.

قاطعها دلوف مديرة مكتبه لتسمعه يخبرها بأن تحضر لها عصير ليمون و تحضر قهوته المعتادة. ثوان و التفت اليها قائلًا
معاكي. قولتيلي موضوع خاص!
إغتاظت من تكراره تلك الكلمه و كأنه يسخر منها لذا شدت ظهرها و أستقامت أكثر في جلستها و قالت بنبرة قويه
المقصود هنا بموضوع خاص أنه يخص ناس تهمنا. و إلى هما حازم أخوك و جنة أختي!

قالت جملتها الأخيرة على مهل و هي تُراقِب تبدل ملامحه من السخريه إلى الترقب و لكن لهجته بدت هادئه و هو يقول بإختصار
كملي.
أخذت نفسًا قويًا قبل أن تقول بلهجه قويه
بصراحه أنا عيزاك تبعد حازم أخوك عن جنة أختي!
سالم بلهجه خشنه
أنسه فرح ياريت توضحي أكتر؟
أومأت برأسها قبل أن تقول بنبرة قويه.

تمام. بإختصار حازم و جنه مرتبطين ببعض بقالهم فترة. في البدايه أنا كنت مفكراها مجرد علاقه زماله لكن أكتشفت بعد كدا أنهم بيحبوا بعض. و بصراحه أنا غير راضيه عن العلاقه دي. و كمان أختي لسه صغيرة
سالم بتهكم
و الصغيرة دي عندها كام سنه؟
أهتزت عيناها قليلًا قبل أن تقول بهدوء
21 سنه
رفع سالم إحدي حاجبيه قبل أن يقول بسخريه مبطنه
واضح أنها صغيره فعلًا! أقدر اعرف إيه سبب رفضك لعلاقتهم؟

ناظرته و هي تشعر بالغضب من ملامحه الجامدة و التي لا يبدو عليها أي شيء و لهجته الباردة و كأنها تخبره عن أحوال الطقس و لكنها تجاهلت ذلك كله و قالت بلهجه جافه
عشان أخوك مش مناسب لأختي
سالم بتهكم
حازم الوزان مش مناسب لأختك!
شعرت فرح بالمعني المبطن لكلماته فقالت مؤكده على كل حرف تفوهت به
بالظبط كدا.
لاحت إبتسامه ساخرة على شفتيه قبل أن يقول بتسليه
طب ما تقولي الكلام دا ليها! جايه تقوليهولي ليه.

شعرت فرح بالتسليه في حديثه لذا قالت بجفاء
ماهو لو الموضوع بالبساطة دي أكيد مكنتش هتعب نفسي و آجي أقابلك و أطلب منك تبعده عنها. و خصوصا إني طلبت منه دا و هو ملتزمش بوعده معايا
سالم بإستهجان
أنتي بتشوفيه؟
ذلك الرجل كان يثير بداخلها شعور عارم من الحنق لا تعلم سببه و لكنها أرادت أن تعكر صفو ملامحه الجامدة لذا قالت بهدوء و تشفي
شفته مره واحده لما كان جاي يطلب إيدها مني!

بالفعل و كما توقعت تغيرت كل ملامحه و إنمحت نظراته الساخرة و رأت بعضًا من الدهشه الممزوجه بالغضب الذي جعله يقول بهسيس خشن
يطلبها منك!
فرح بتأكيد
آه. جه طلبها مني من حوالي شهر و أنا رفضت و طلبت منه يبعد عنها و هو وعدني بدا و بعد كدا أكتشفت أنه ملتزمش بوعده معايا.

في البدايه كان مصدومًا من حديثها و لكن سرعان ما إنمحت الصدمه و حل محلها غضب كبير نجح في إخفاؤه و قد وصل إلى نتيجتين إما أن أخاه قد جُن ليفعل فعلته النكراء تلك ام أن تلك الفتاة تكذب و سوف يكتشف هذا الآن لذا قال بنبرة قويه
اقدر اعرف إيه سبب رفضك لواحد زي حازم؟ يعني عريس ميترفضش وسيم غني إبن ناس
فرح بإتزان.

مش عايزة أكون قليله الذوق بس المميزات إلى حضرتك قولتها دي أسبابي لرفضه و تحديدًا أنه إبن ناس. لإني عارفه أن الناس دي أكيد عايزين عروسه لابنهم تكون من نفس مستواهم الاجتماعي. و إحنا أقصد والدي الله يرحمه كان موظف يعني ظروفنا مهما كانت كويسه بس بردو على قدنا!
سالم ساخرًا
ما يمكن دي وجهة نظرك إنتي بس!
فرح بعدم فهم
مفهمتش تقصد إيه؟
سالم بلهجه فظه.

ممكن إنتي شايفه أن حياتكوا كويسه بس أختك لا. و مش عاحبها حياتها فحبت تغيرها للأحسن بإرتباطها بحازم.
تملكها غضب جارف حين إستشعرت الإهانه بين كلماته و أنه يظن بأن اختها صائدة ثروات لذا قالت بلهجه قويه
سالم بيه أنا مسمحلكش. أختي مش من النوع دا. جنه قنوعه جدًا و إن كانت متعلقه بحازم فعشان راسملها دور العاشق الولهان و هي بحكم أنها لسه صغيرة و مراهقه متعلقه بيه و مش شايفه غيره.

توقعت منه كل شئ إلا هذا السؤال المُباغت حين قال بلهجه صلفه
أنسه فرح إنتي مخطوبه؟
إرتبكت لثوان و لم تفهم ما المغزي من سؤاله المباغت و لم تسنح لها الفرصه للتفكير فأجابت بعفويه
لا.
إرتسمت إبتسامه ساخرة على شفتيه قبل أن يهز رأسه قائلًا بتهكم
كدا أنا فهمت!

كانت نظاراتها الطبيه تخفي عنه ذلك الصراع الذي يدور بداخلها فقد أربكتها كلماته و لم تعرف إلى ماذا يرمي فظلت نظراتها مثبته عليه لثوان قبل أن تضيئ عقلها فكرة جعلت الغضب يسري بأوردتها من ذلك المتعجرف البارد المغرور مما جعلها تقول بلهجه حادة بعض الشئ
ممكن اعرف إيه إلى أنت فهمته بالظبط؟ و إيه دخل إني مخطوبه أو لا في موضوعنا؟

كانت عيناه مثبته عليها تتلقفان كل حركه تصدر منها و كأنه يريد الغوص إلى داخلها حتى يعلم ماذا تخبئ خلف تلك القضبان الزجاجيه لنظارتها التي تحتمي بها و لكنه بالأخير أخذ نفسًا طويلًا قبل أن يقول بسلاسه
يعني لما أختك الصغيرة يتقدملها واحد زي حازم و يكون بيحبها أوي كدا أكيد من جواكي هتقولي طب إشمعنا أنا.
للحظه لم تستوعب حديثه و ظلت تناظره بصدمه لم يتأثر لها إنما تابع قائلًا بهدوء.

علي فكرة أنا مقصدش إنك حد وحش بس أعتقد إن الغيرة شعور طبيعي عند كل الستات!
شعرت و كأن دلو من الماء قد سقط فوق رأسها حين القي بعباراته الجافه على مسامعها فهبت من مقعدها و قد اخترقت كلماته المُهينه كبريائها و قالت من بين أنفاسها المتلاحقه.

عندك يا سالم بيه. لحد هنا و كفايه اوي. أنا لما لجأتلك كان عشان تساعدني أوقف وضع بالنسبالي مش مظبوط. حازم شخص مستهتر و دا بحكم سنه وأكيد انت عارف كدا و جنة إلى بتقول إني بغير منها دي تبقي بنتي الصغيرة قبل ما تكون أختي أنا إلى مربياها من و هي عندها عشر سنين بعد وفاة والدتي. و جه بعدها والدي توفي و هي عندها يدوب سبعتاشر سنه و أنا المسؤوله عنها و واجبي إني أحميها لما ألاقي في خطر حواليها. و عشان كدا أتجبرت إني أعمل كل دا و أقابلك و كنت اتمني إني الاقي منك دعم لإن الوضع كله مرفوض. بس يظهر إني غلطت لما جيتلك.

ألقت بكلماتها ثم استدارت بكبرياء للخلف تنوي المغادرة و لكن أتتها كلماته الآمره و لهجته الصارمه فجمدتها في مكانها
أستني عندك!
جفلت من لهجته و حبست أنفاسها حتى أنها لم تشعر به حين توقف خلفها و هو يقول بخشونه
لما تكوني بتكلمي سالم الوزان أوعي أبدًا تديله ضهرك. فاهمه!

لا تعلم متي إستدارت تناظره بزهول ذلك المتعجرف من يظن نفسه حتى يصرخ عليها بتلك الطريقه؟ هل يظنها إحدي رعاياه أو خادمه تعمل عنده؟ إشتعلت نيران غضبها مرة ثانيه ما أن همت أن تُلقنه درسًا لن ينساه حتى باغتها سؤاله حين قال بلهجه هادئه تُنافي لهجته منذ قليل
هي أختك جنه شبهك؟
للحظه نست وقاحته و أجابت بعفويه
آه شويه. بس ليه؟
ظهرت إبتسامه جانبيه على شفتيه حين تمام بخفوت
حازم طلع بيفهم. أهي حاجه تشفعله.

تحولت نيران غضبها بلحظه إلى خجل كبير غمر ملامحها و تجلي في إحمرار وجنتيها و لم تستطيع إجابته و لكنه فاجأها حين توجه مرة ثانيه خلف مكتبه و هو يقول بعمليه
أتفضلي مكانك يا آنسه فرح. موضوعنا لسه مخلصش.
أعادتها كلماته إلى موقفها السابق فرفعت رأسها بعنفوان و هي تقول بلهجه جافه
أعتقد إن معدش في حاجه تانيه ممكن تتقال أنا شرحتلك الموضوع كله و دا إلى كنت جايه عشانه
سالم بغموض
و مش عايزة تعرفي رأيي؟

نجح في جذب انتباهها و جعلها تشعر بالفضول لذا أجابت بلهجه حاولت جعلها ثابته
ياريت
أجابها بهدوء جليدي
رأيي إنك مديه الموضوع أكبر من حجمه!
فرح بإستهجان
بمعني؟
سالم على نفس هدوئه
حازم شاب و علاقاته كتير و معتقدش إن أختك حد مميز بالنسباله. و هي زي ما قولتلك ممكن كانت عايزة تحسن من حياتها عشان كدا فكرت ترتبط بحازم.

ثانيه. إثنان. ثلاثه مروا و لم تتغير ملامحها و ظلت تناظره بغضب و شعرت في تلك اللحظه بأنها إرتكبت حماقه كبيرة بمجيئها إلى هنا و لكن فات أوان الندم فها هو ينظر إليها ببنيتاه الكبيرتين بمنتهي الهدوء ينتظر ردها و هي لن تبخل عليه به فقد أرادت أن تُنهي هذا اللقاء اللعين بأي شكل لذا قالت بلهجه جافه.

بما إن دا رأيك يبقي مالوش لازمه أضيع وقتك و وقتي أكتر من كدا. مع العلم إني ضيعت من وقتي أسبوع بحاول أوصلك فيه. عن إذنك
تجاهل كلماتها و قال بلامبالاه و هو ينظر إلى الأوراق التي أمامه
أوعدك إني هدخل لو لاقيت الموضوع يستدعي زي ما بتقولي. شرفتيني
عودة للوقت الحالي.

زفرت فرح بحنق من ذلك المتعجرف المغرور الذي كانت تتمني لو أنها لم تقابله أبدًا في حياتها. و لكنها كانت تود أن تحمي شقيقتها من براثن أخاه و قد جاءت زياراتها له بنتائجها المرجوة فبعد ذلك اللقاء لم تسمع جنه تتحدث مع ذلك الشاب أبدًا و قد بدت ملامحها ذابله حزينه فأرجعت ذلك لأن ذلك المغرور أجبر أخاه على الإبتعاد عنها و قد كان كان الندم يقرضها من الداخل و الألم يعصف بها لرؤيه شقيقتها بذلك الحال و شعرت بأنها كالسيدة القبيحة التي تحاول منع سندريلا من الذهاب إلى الحفل!

لكنه كان أفضل لها من تلك المغامرة الخاسرة مع شاب مستهتر مثل حازم.
دخلت غرفتها و قد قررت بأنها ستُنهي ذلك اليوم الممل بالنوم عل الغد يأتي حاملًا الفرح بين طياته.

الثانيه عشر بعد منتصف الليل و أغلب الوسائد تفوح منها رائحه الدموع فمنهم من يبكي على فراق اُجبر قسرًا عليه و منهم من يبكي على غائِب سرقته الحياة عنوة و أصعبهم من يبكي ندمًا على فقده ما لا يمكن تعويضه حتى لو بكي مائه عام.
نورهان العشري.

كانت جنه تحتضن وسادتها التي كانت غارقه في سيل من الدموع التي لا تهدأ أبدًا و كأن أنهار العالم أجمع سُكِبت في عيناها. فقد كان هذا حالها منذ أسبوع مضي و هي تجلس وحيدة بغرفتها لا تشعر بشئ حولها و كأنها تود لو تختفي بتلك الغرفه للأبد. ترفض محاولة شقيقتها في التحدث إليها و تشعر بالإمتنان لها كونها لم تضغط عليهاو لكن هل ستصمت طويلًا؟

رجفه قويه ضربت أنحاء جسدها و هي تتخيل أن تُصارح شقيقتها بجُرمها الذي لا تعلم كيف إرتكبته في حق نفسها أولًا؟

إزدادات عبارتها بالهطول و خرجت شهقه قويه من جوفها تحكي مقدار الوجع الذي ينخر عظامها و لم تجد له أي دواء حتى الآن. و فجأة خطر على بالها شئ قد يُريحها قليلًا فهبت من مكانها و توجهت إلى المرحاض بأرجل مهتزة و أخذت تتوضأ بتروٍ و كأنها تزيل عن روحها ما علق بها من قذارة ذلك العشق الذي كان كالإعصار أطاح بحياتها و دمرها كلياً.

بعد مرور دقائق كانت تصلي بكل خشوع و دموعها منسابه على خديها لا تملك القدرة على إيقافها و لا تعرف ماذا تقول فقط كل ما كانت تقوله حين لامست جبهتها الأرض الصلبه
« يارب. سامحني. يارب »
ظلت تردد تلك العبارة كثيرًا و كأنها لا تعرف غيرها. فهي كل ما تحتاجه في تلك الحياة كي تستطيع مواجهه ما هو قادم.

بعد دقائق كانت أنهت صلاتها و ما أن همت بخلع ثوب الصلاة حتى سمعت إهتزاز هاتفها فتوجهت بخطً ثقيله لرؤيه المتصل و حينها سقط قلبها من شدة الذعر و تجمدت بمكانها حتى هدأ إهتزاز الهاتف حينها إستطاعت أن تطلق زفرة قويه من أعماقها و جلست بتعب على السرير خلفها ليعيد الهاتف إهتزازه مرة آخري و لكن تلك المرة كان رساله نصيه فقامت بفتحها بأيد مُرتجِفه لتخرج منها شهقه فزعه حين قرأت محتواها.

« انا قدام الباب لو منزلتيش تقابليني دلوقتي هعملك فضيحه قدام الناس كلها »
إرتعش جسدها بالكامل من هذا التهديد الصريح لهذا الوقح الذي كانت عاشقه له حد النخاع والآن تتمني لو أنها لم تلتقي به أبدًا.
عاد إهتزاز الهاتف مرة آخري فهبت من مكانها و قامت بالضغط على ذر الإجابه و قبل أن تتفوه بكلمه واحده جاءها صوته الغاضب.

أنا مستنيكي قدام الباب تحت دقيقه و الاقيكي قدامي و إلا هنفذ إلى قولته في الرساله.
أجابته بإرتجاف و دموعها تسري على خديها
حازم أنت مجنون أنت عارف الساعه كام دلوقتي؟
حازم بصياح
تكون زي ما تكون قولتلك إنزلي دلوقتي حالًا
إرتعبت من لهجته الغريبه كليًا عليه و قالت بلهفه
طب أرجوك وطي صوتك. وأنا هنزلك حالًا.

أغلقت الهاتف و قامت بالتوجه إلى باب الغرفه بحذر شديد و نظرت إلى غرفه شقيقتها و الندم يكاد يفتك بقلبها ثم أعادت انظارها إلى الباب أمامها و بخطً ثقيله توجهت لملاقاة ذلك المجنون ففتحت الباب برفق فقد كان الجو بارداً جداً و المطر على وشك الهطول فإحتمت بوشاحها أكثر و هي تنظر حولها إلى أن وقعت عيناها على ذلك الذي كان ينتظرها بجانب الطريق فتوجهت إليه و ما أن همت بالحديث حتى إقتادتها يداه و أجلستها في المقعد المجاور للسائق دون أي حديث و ما أن جلس بجانبها حتى أنطلق بالسيارة بأقصى سرعه فجن جنونها و قالت بصراخ.

أنت مجنون؟ أنت واخدني و رايح على فين؟
كان موجهًا نظراته إلى الطريق أمامه و هو يقول بنبرة قويه
هنهرب من هنا!

كانت تغط في نوماً عميق حين أخذ الهاتف يرن دون إنقطاع فتململت في نومتها و ألتفتت إلى النافذه فوجدت الخيوط الأولي لشروق الشمس تلون السماء فإلتفتت تجاه الهاتف لرؤيه من المتصل لتجده يرن من جديد فأجابت بنعاس
آلو.
المتصل
أنسه فرح عمران؟
أيوا أنا مين؟
إحنا بنكلمك من مستشفي (. ) أخت حضرتك عملت حادثه و حالتها خطر.

لا تعلم كم من الوقت مر عليها و هي جالسه أمام تلك الغرفه تنتظر خروج الطبيب ليُطمئِنها على شقيقتها فهي منذ أن علمت بهذا الخبر المشؤوم الذي لم تُصدقه من البدايه وجدت نفسها تلقائيًا تتجه إلى غرفتها في محاوله منها لتكذيب ما سمعته أذناها و لكنها وجدتها خاويه فسقط قلبها رعبًا من أن يُصيبها مكروه و لا تعلم كيف إرتدت ملابسها و هرولت إلى هنا لمعرفه ماذا حدث.

قاطع شرودها خروج الطبيب الذي هرولت إليه قائله بلهفه من بين دموعها
طمني يا دكتور أختي عامله إيه؟
الطبيب بعمليه
متقلقيش. المدام بخير. شويه جروح و كسور لكن هتبقي كويسه بإذن الله
سقطت كلمته فوق رأسها كمطرقه قويه في حين أخذ عقلها يردد جملته بغير تصديق
المدام!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة