قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية في حي الزمالك للكاتبة إيمان عادل فصل إضافي

رواية في حي الزمالك للكاتبة إيمان عادل فصل إضافي

رواية في حي الزمالك للكاتبة إيمان عادل فصل إضافي

داخل ذلك المنزل الكبير الدافئ الذي يجمع اثنين قد امتزجا ليصبح كلاهما كيانٍ واحد، ذلك البيت الذي ضم قصة حب لن تراها سوى في الأفلام العربية القديمة حيث يقع ابن الباشا في حب تلك الفتاة الشعبية الفقيرة فينتصر الحب في النهاية بالرغم من جميع الإختلافات بينهم، في ذلك البيت كانت تجلس هي وإلى جانبها حبيبها الأول والأخير وزوجها رحيم.

كان ذلك الوقت هو الأجمل من العام حيث يعم الفرح والسكينة على بيوت الأمة الإسلامية والعربية جميعًا، لقد كان شهر رمضان الكريم على الأبواب وقد وقف الجميع يستقبلونه مُرحبين به وبأجوائه التي تُضفي سعادة على قلوب قد كسرها كثرة الأحزان والكُربات، يأتي مُهللًا حاملًا معه الأنوار، السعادة، الرحمات فهو شهر التوبة، شهر النجاة، شهر القيام، شهر القرآن وأخيرًا شهر الصوم.

كانت تستند هي على وسادة من خاصة الأريكة وهي تمسك في أحدى يديها قلمًا والآخر قد وضعته خلف أذنها وأمامها ورقة كُتب عليها من الأعلى.

هناكل أيه لمدة تلاتين يوم في رمضان؟
كانت قد بدأت في كتابة بعض الوصفات والأكلات حتى لا تشغل عقلها بالتفكير يوميًا فيما عليها أن تُحضر للإفطار، قاطع إنشغالها بالكتابة والتفكير صوت رحيم المُحبب إلى أذنها وهو يقول:
أفي أنتِ عارفة إن ده أول رمضان لينا في بيتنا؟ رمضان اللي فات زي دلوقتي كنت بدعي ربنا إنه يجعلك من نصيبي.
رحيم بقولك أيه هو أنتَ بتاكل المحشي كله صح ولا في حاجة مبتحبهاش؟

أفنان أنتِ سمعاني طيب ولا أنا بكلم نفسي؟
معلش يا رحيم أصلي كنت بسمع ال?ويس نوت اللي ماما بعتتلي فيها وصفة البط علشان أول مرة أعمله.

أفي أحنا عندنا ناس بتتطبخ ليه تعملي الحاجة بنفسك؟
علشان ده أول يوم رمضان وأنا حابة أعمل الأكل بنفسي وأنا أصلًا قولتلك مية مرة حكاية الناس اللي بتساعدنا في البيت دي مش عجباني،.

طيب calm down أنا مش فاهم أنتِ متعصبة ليه؟ حبيبي هو حصل حاجة زعلتك؟
بصراحة مش متخيلة رمضان من غير ماما وبابا وميرال، ده أول رمضان يعدي عليا من غيرهم،.

تمتمت أفنان فور إدراكها للأمر وعلى الفور تركت كل ما في يدها وقد تشوشت رؤيتها من الطبقة البلورية التي غلفت بنيتاها، أمسك بذراعها بلطف لكي يجعلها تستدير نحوه وبمجرد أن رأى دموعها ضمها إلى صدره بحنان بينما يقول: خلاص من غير عياط يا حبيبي هجبهم يقضوا الشهر كله عندنا لو أنتِ حابة بس متزعليش نفسك please من فضلك.

بجد؟
عمري قولتلك على حاجة ومنفذتهاش؟

طب بص ينفع نروح نفطر معاهم أول يوم؟ أنا عارفة إنك هتقولي إن طنط إي?يلين هتضايق إننا روحنا عند ماما مش عندها بس أنتَ برضوا عارف إنه صعب عليا مقضيش اليوم معاهم وخاصة بعد تعب بابا تاني مبقتش أقدر أفوت يومين من غير ما أطمن عليه.
أردفت بحزن شديد ليسود الصمت لبرهة بينما يحاول رحيم الوصول إلى قرار، دموع أفنان ثمينة بالنسبة إليه وفي الوقت ذاته هو لا يريد من والدته أن تستاء أو تغضب...

طيب let s make a deal لنعقد اتفاقًا أحنا هنروح نفطر عند مامتك وباباكي بس مش هنزل صور ولا هنعرف حد إننا كنا هناك تمام؟
أنا بحبك أوي بجد! صرخت في أذن رحيم وهي تصفق بيديها بحماس قبل أن تُلثم وجنتي زوجها بالعديد من القبلات، قهقه بصوتٍ عالٍ وهو يحاول الإفلات منها بينما يُردف:
كده هغير رأيي على فكرة! يلا قومي بقى كلميهم اتفقي معاهم.

عيوني يا عيوني. ابتسم ابتسامة واسعة وهو يراقب تلك الفتاة التي لم تتعقل قط منذ أن عرفها وحتى اليوم، خصلات شعرها المبعثرة ومنامتها ذات النقوش الغير مفهومة وتصرفاتها العفوية وضحكتها الرنانة التي تُضيء زوايا بيتهم الدافئ، في كل مرة تقع عيناه عليها يستشعر حلاوة استجاب الدعاء والأماني فلقد قضى أيامًا يدعو فيها الله أن تُصبح حلاله وفي منزله ولقد تحققت دعوته وأصبحت تملأ عليه بيته بل ودنياه كاملةً.

في صباح اليوم التالي والذي كان يسبق اليوم الأول لرمضان، كان رحيم منغمسًا في عمله كالمعتاد ولقد كان متشوقًا للعودة إلى المنزل كي يرى الزينة والفوانيس التي قامت أفنان بتزيين كل أركان المنزل بها كما أخبرته أنها ستفعل، كان رحيم يتضور جوعًا وكاد أن يطلب شيئًا ليأكله لكنه تذكر جملة أفنان ذات النبرة الحازمة: آخر أسبوع قبل رمضان ده بناكل بواقي أكل وأي حاجة موجودة في التلاجة وبنعمل حالة تقشف هي عادات الأمهات المصريين كده. لم يستطع أن يُبدِ أي أعتراض بالرغم من أنها ليست أمًا وأن والدته هو إنجليزية من الأساس!

انتهى عمله وعاد إلى المنزل في حوالي السابعة والنصف، دلف إلى المنزل بإرهاق شديد بعد أن استخدم المفتاح لأن أفنان لم تسمع صوت طرقاته على الأغلب لإنشغالها ببعض الأعمال المنزلية، كان السكون يعم البيت كله لدرجة مريبة حتى أن الخدم لم يصدروا أي صوت على غير المعتاد.

أفي أنتِ فين يا حبيبي؟ سأل بصوتٍ مسموع لكنه لم يجد ردٍ كذلك، أخذ يتجول في المكان بحيرة ولم يجدها وكاد أن يتجه نحو الطابق العلوي لولا أن لمح حركة في الحديقة الخلفية في المنزل ليبتسم بلطف وهو ينزع معطف بذلته الرسمية ويضعه بنظام على الأريكة قبل أن يتجه نحو الخارج.

بمجرد أن اقترب نحو الخارج لمح أضواء متفرقة شُكلت على هيئة أشكال تتعلق جميعها بأجواء الشهر الكريم مثل فوانيس صغيرة أو هلال أو نجوم ولم تكتفي بذلك بل قامت بوضع طعام الغداء على الطاولة الصغيرة وقد زينتها ببتلات وردٍ حمراء مجففه وقد وضعت شموع لتُضفي جو رومانسي على الأجواء، وقفت إلى جانب أحد الكراسي وهي تعبث في خصلات شعرها التي تركتها تتحرر بينما كانت ترتدي ثوب بلون الورد نفسه.

مش معقول كل مرة بتبهريني بجمالك، You look like a princess تبدين كالأميرة مش بس كده كمان الزينة تحفة والعشاء شكله حلو أوي كمان تسلم إيديك يا حبيبي.

تمتم رحيم وهو يقترب منها ثم يسحب أحدى يديها ويُقربها إلى فمه ليطبع قبلة رقيقة على يدها لتبتسم بخجل قبل أن تُردف:
طب يلا يا رحيم ناكل علشان الأكل هيبرد وبعدين تبقى تكمل نحنحة بعدين. قهقه بقوة وهو يسحب الكرسي من أجلها لتجلس ثم ذهب هو للجلوس على الكرسي المقابل لها.

أخذ كلاهما يتناولان الطعام وسط ثرثرة أفنان عن ما تنوي فعله في الأيام القادمة وكذلك استمعت إلى كل ما فعله رحيم في العمل اليوم وعلى غير العادة لم يتعكر مزاجها حينما سمعت عن مقابلته لبعض فتيات التدريب في الشركة مما جعله يتعجب كثيرًا لذلك لكنه استنتج أنها ربما لم ترغب في إفساد هذه السهرة اللطيفة.

شبعت يا حبيبي ولا أجبلك تاكل تاني؟

لا لا تمام الحمدلله.

طب كويس أوي علشان يبقى في مكان في بطنك للحلو. أردفت أفنان ليعقد رحيم حاجبيه وهو يضحك مستنكرًا قبل أن يُعلق على جملتها قائلًا:
حلو؟ أفي أنا مش قادر أتنفس أحنا أكلنا كتير.

تصدق صح؟ أنا مخدتش بالي معرفش شهيتي مفتوحة أوي اليومين دول. أردفت وهو تقهقه قبل أن يسود الصمت لبرهة وهو يُراقب تعابير وجهها حيث شعر بأنها ترغب في قول شيء وقبل أن يسألها سبقته هي قائلة:
رحيم أنا جبتلك هدية.

كنت حاسس والله إن في Surprise مفاجأة أو كده، أنتِ قاعدة متوترة من بدري.

هي هدية صغيرة أوي بس إن شاء الله هتعجبك أوي وهتفرح بيها.

اتحمست أوي، Should I close my eyes هل يجب على أن أُغلق عيناي؟ سأل بحماس طفولي وهو يُغمض عيناه دون أن ينتظر ردًا منها لتضحك بينما تقول:
طب يا سيدي إديني فرصة أرد. أمسكت أفنان بعلبة صغيرة كانت قد خبأتها أسف الطاولة، كانت اللعبة باللون الأزرق الداكن وقد نُقش عليها عبارة i love you بالإضافة إلى قلوب.

اتفضل. فتح عيناه وهو يسحب منها العلبة بهدوء وأول ما فعله هو أنه قام بتحريك العلبة بعد أن قربها من أذنه حتى يستطيع أن يتوقع ماهية ما داخلها.

دي حاجة صغيرة شوية أعتقد يعني العلبة كبيرة عليها مش كده؟

صح، افتحها بقى يا عم المحقق كونان. سخرت منه أفنان ليبتسم ابتسامة جانبية قبل أن يحاول فتح العُلبة الصغيرة، نظر إلى محتواها ببلاهة شديدة في محاولة بائسة منه لإدراك ما يراه.

فتح ثغره في صدمة وقد تكونت طبقة بلورية شفافة على خضراواتيه قبل أن يسأل أفنان بصوتٍ يرجف من فرط السعادة والحماس:
أفي هو ده Pregnancy test اختبار حمل؟

أومال يعني triglycerides test اختبار كمية الدهون الثلاثية في الدم. عقبت أفنان على جملته بمزاح سخيف ليطالعها بإشمئزاز وقد أفسدت هذه اللحظة السعيدة التي انتظرها طويلًا، تجاهل رحيم مزحتها السخيفة تلك وهو يسحبها في عناقٍ قوي وقد رفعها عن الأرض وهو يدور بها كالمجنون لتقهقه هي بقوة بينما تُردف:.

حبيبي كده هتفطسني أنا والبيبي. أدرك رحيم أنه كان يعتصرها بين ذراعيه ليخفف من قبضته وهو يضعها على الأرض بينما يقول بنبرة متوترة من فرط السعادة والحماس:
أنا أسف بجد يا أفي، أنا من الفرحة بس، طب أفي هو أنتِ متأكدة إن النتيجة بتاعته positive إيجابية؟ الإختبارات دي مش بتكون دقيقة أوي.

عارفة أنا جربت تلاتة وكلهم طلعوا positive وإن شاء الله هروح اعمل تحليل دم ونحجز مع دكتورة نساء كويسة علشان نتابع معاها.

أنا مش مصدق نفسي، الحمدلله بجد، كده ربنا حققلي كل أحلامي تقريبًا، كده هغير خطة الدعاء اللي كنت حاططتها لنفسي لرمضان السنة دي. تمتم وهو يُمسك بيدها وقد طبع عليها قبلة رقيقة بينما هربت دمعة فرحة من عيناه لتمسحها هي على الفور بينما تهمس بحنان:
الحمدلله يا رحيم ربنا كرمنا وجبر بخاطرنا، إن شاء الله ربنا يتمم حملي على خير وأجبلك أحلى نونو في الدنيا كلها.

يارب يا حبيبي يارب، بصي بقى يا هانم أنا مش عايز أي حاجة في الدنيا تشغلك الفترة اللي جاية دي، كل حاجة نفسك فيها قبل بس ما تقولي إنك عايزاها هتلاقيها عندك. أردف بحنان وهي يُقبل كلتا يديها بينما مازال ينظر إليها بعدم تصديق وكأن عقله توقف عن العمل منذ أن سمع بذلك الخبر السعيد والذي لم يكن يتوقع سماعه حاليًا.

يا حبيبي أنتَ أصلًا بتعمل كده من غير أي حاجة وبعدين عيب عليك يا رحيم تبقى متعلم ومثقف كده وتبقى واخد attitude سلوك أوعي تشيلي حاجة أو تتحركي من مكانك علشان اللي في بطنك أنا طالما حملي مش حرج بتحرك عادي. عقبت على جملته التي سمعتها مئات المرات في الأفلام من قبل وقد حاولت أن تُقنع رحيم بكلام منطقي لكنه لم يقتنع حيث قال بلا مبالاة لحديثها:.

أولًا الدكتور هي اللي تحدد الكلام ده، ثانيًا حتى لو الدكتور قالت تتحركي وتشيلي حاجات عادي أنا مش موافق برضوا Babe you are a queen & you will be treated as one أنت ملكة وسيتم التعامل معك كواحدة.

نبقى نشوف الموضوع ده بعدين المهم قولي بقى نفسك في ولد ولا بنت؟

سؤال كليشية أوي على فكرة، أنا بحب كل ال babies الأطفال وأي حاجة ربنا يجيبها هتبقى حلوة ونعمة كبيرة كفاية إنك أنتِ هتبقي مامي لل baby اللي جاي في السكة.

بجد ساعات لما بتتكلم بسرح كده وبقول معقول ربنا رزقني بزوج حنين ورقيق وكيوت كده مع إني متشردة وبلطجية، سبحان الله بجد، أما أرزاق بصحيح. تمتمت ممازحة إياه وهي تعبث في خصلات شعره الناعمة ليقهقه ثم يسألها بحيرة:
أنتِ كده مبسوطة ولا زعلانة أنا مش فاهم؟

بقولك أيه فكك من الكلام ده تعالى أوريك بقى بقية الزينة اللي أنا علقتها في البيت كله. تمتمت وهي تسحبه من يده لتُريه ما فعلته بالمنزل، تأمل رحيم المكان بحماس شديد بينما يُخبرها الآتي:
عارفة يا أفي طبعًا لما كنت عايش برا كنت بصوم وكده وهناك كانوا المسلمين هناك بيحتفلوا علشان رمضان بس الإحتفالات والأجواء هنا في مصر حاجة تانية غير أي مكان في العالم.

أكيد طبعًا يا ابني، مفيش في حلاوة أي احتفال أو مناسبة في مصر الناس هنا بتبقى فرحانة من قلبها بجد وبيظهروا ده في كل حاجة.

بس عارفة بقى مفيش حاجة أجمل من الإحتفال وأنتِ جنبي هنا.

لا بقولك أيه يا رحيم يا حبيبي أنتَ متسمعنيش كلامك الحلو ده وصوتك الحنين ده غير بعد العيد الواحد عايز يركز في الصيام والعبادات بعد إذنك. رمقها رحيم بحيرة لثوانٍ قبل أن يُحرك رأسه لليمين واليسار بقلة حيلة وهو يستغفر بصوتٍ أقرب إلى الهمس قبل أن يغير مجرى الحديث قائلًا:
صلاة التراويح هتبدأ من النهاردة عايزين نروح نصلي بقى في الجامع اللي قرب من هنا، صحيح هو أنتِ جهزتي Corner ركنة الصلاة صح؟

اه زي ما اتفقنا جهزت واحدة في كل دور بس أنتَ عارف برضوا إننا هنصلي في باقي البيت عادي بس أنا قولت نعمل مكان مميز كده يكون مريح نفسيًا وجاهز على طول. أومئ رحيم وهو يقترب منها ليُقبل يديها بحنان لتضحك بلطف قبل أن تقول الآتي بنبرة دلوعة:
تصدق كنت هتخليني انسى جبتلك مفاجأة.

تاني؟ أنا مش عارف أفوق من الأولى.

لا لا دي مفاجأة بجد يارب تعجبك بس في الآخر وترضى تقبلها. تحدثت وهي تضحك بمراوغة ليعقد رحيم حاجبيه بقليل من التعجب وهي يحاول توقع ماهية الهدية التي تتحدث عنها أفنان.

غابت عن عيناه لبضع دقائق وقد صعدت إلى الحجرة خاصتهم قبل أن تعود نحو الأسفل وهي تحمل في يدها حقيبة كبيرة لم يكن محتواها واضحًا.

بص يا بيبي جبتلك أيه؟ تمتمت بحماس شديد وهي تخرج من الحقيبة جلباب أبيض اللون طويل لرحيم ومن ثم إسدال صلاة جديد من أجلها باللون الأبيض كذلك ولكن عليه نقوش لأشكال متعددة مثل الهلال والنجوم.

أفي Are you kidding me هل تمزحي معي؟

مش عاجبك ولا أيه؟

دي تحفة مكنتش أعرف إن في منها مقاسي بس يعني Do you think it will suit me هل تعتقدِ أنه يناسبني؟ سألها رحيم ببراءة شديدة لتضمه وهي تضحك قبل أن تُردف بجدية:
هتبقى شكلها عسل عليك والله أنا متأكدة جربها أنتَ بس، وبص جبت لنفسي إسدال نفس اللون علشان نبقى Matching متطابقين مع بعض بقى وحركات.

طيب أنا هروح أجربها.

ماشي بس خد shower استحم الأول وأوعي يا رحيم ترمي الهدوم في الأرض هاجي أرميك وراهم عندك سَبت الغسيل جوا.

أنا أصلًا مش برمي حاجتي في الأرض أيه ده؟ تذمر رحيم بطفولية بعد أن منحته أفنان التعليمات فهي من يتولى أمر تنظيف الثياب وكذلك تنظيف حجرتهم فهي لا تسمح لأي شخصٍ غريب بدخول الحجرة فهي تعتبرها مملكتهم الخاصة.

كذلك كانت تفضل طهي الطعام كاملًا بنفسها أما بشأن تنظيف سائر المنزل فلقد كانت تلك وظيفة المساعدات اللاتي أحضرهن رحيم لمساعدتها نظرًا لكون المنزل ذو مساحة كبيرة ومتعدد الغرف.

غاب رحيم لمدة خمسة عشرة دقيقة قبل أن يتوجه نحو الأسفل لكي تراه بعد أن ارتدى الجلباب ناصع البياض خاصته وقد أعاد خصلات شعره السوداء الناعمة الكثيفة نحو الخلف وقد قام بتهذيب لحيته التي ازدادت طولًا مؤخرًا، كان يبدو وسيمًا للغاية وقد زاده الجلباب هيبة وجاذبيه، أخذت تتأمل جماله في صمت قبل أن تُردف:
بسم الله ما شاء الله، تبارك الرحمن الواحد عمره ما شاف حلاوة كده قبل كده ولا هيشوف.

بجد حلوة؟ مش قصيرة شوية؟

يعني شوية صغيرين، من فوق شكلك قمر من تحت بقى الموضوع قلب معاك على مسرحية العيال كبرت شوية، بس تمام يعني أنتَ زي الفل.

مين العيال كبروا دول؟

كبروا مين؟ كبرت يا رحيم، اللي هي طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة يلا بينا نملى ونحلب لبن الجاموسة، قامت أفنان بالغناء والرقص على نفس طريقة أبطال المسرحية ليتابعها رحيم بإنتباه وهدوء قبل أن ينفجر ضاحكًا حتى آلمته معدته.

ضحكتك أوي يا بطة؟ هبقى أغنيهالك كل يوم.

لا لا يا أفي كفاية غُنى لحد كده. أردف من وسط ضحكاته قبل أن يسحبها في عناقًا دافئ وهو يُقبل رأسها قبل أن يتمتم بصوتٍ هاديء:
كل مرة بحضنك بتخض من فرق الطول بينا بجد، أنتِ ازاي ضئيلة أوي كده؟

ضئيلة؟ يعني أنتَ يا ابن طنط إي?يلين نص الكلام العربي عندك طاير وعرفت ضئيلة؟

اه عادي وبعدين أنتِ ناسية إن أنا كنت بتفرج على videos لتعليم اللغة العربية ولا أيه؟

لا مش ناسية وبقولك أيه بقى تعالى نروح نصلي علشان نرجع نشوف هنتسحر أيه. أومئ بهدوء وذهب كلاهما بالفعل إلى جامع قريب من المنزل، اتجهت أفنان إلى مُصلى السيدات وذهب هو إلى إلى مصلى الرجال وقد اتفق معها أن تقابله أمام المسجد بعد انتهاءهم من الصلاة كي يعودوا إلى المنزل سويًا.

كان رحيم يسير بقليل من الخجل فهو لم يعتد بعد مظهره بجلباب الصلاة فالمرة الأولى والأخيرة التي أرتدى فيها مثل هذا الجلباب كانت في أحدى الأعياد في مصر حينما كان في الخامسة من عمره تقريبًا والآن ها هو ذا يكرر الأمر ذاته وقد أقترب من بداية الثلاثينات من عمره.

في تمام الثالثة صباحًا جلست أفنان على طاولة الطعام بعد أن حضرت عدة أصناف للسحور، طبق من الفول المصري المميز وأربعة أقراص من الطعمية/الفلافل، بيضٍ مسلوق وبالطبع عدة أطباق تحوي أنواع مختلفة من الجبن الذي يفضله رحيم كما أنها لم تنسى شرائح التركي وزبدة الفول السوداني.

تصدق بالله السحور ده عالمي، تحس فيه صراع الطباقات والثقافات كده يعني peanut butter زبدة الفول السوداني وجنبها طبق فول بالزيت الحار والدقة شيء لا يصدقه عقل يعني.

عادي يا أفي ما أحنا حياتنا كلها فيها نفس الوضع والإختلافات دي مجتش على الأكل، أنا بس قلقان إن معدتك توجعك من الأكل ده وياريت لما نروح للدكتور نسألها على ال Diet النظام الغذائي الصح ليكي أنتِ وال baby.

بقى يا رحيم عايزني أعمل دايت وأنا حامل؟

لا حول ولا قوة إلا بالله، كُلي يا أفي كُلي علشان الأذان هيأذن علينا وأحنا بناكل.

حاضر، أنا هقوم بقى أعملنا كوبايتين شاي بحليب نحبس بيهم الكلام ده.

أنا نفسي أعرف معدتك دي ازاي لسه شغالة لحد دلوقتي بالعك ده بجد؟ سأل نفسه مستعجبًا فمنذ أن تزوج بها وهي تتناول أكلات غير صحية متجمعة ولم تكتفي بذلك بل تأكل بكميات مُريبة بالنسبة إليه.

بعد انتهاءهم من تناول طعام السحور ذهب كلاهما للجلوس في حجرة المعيشة أمام التلفاز يستمعون إلى التواشيح والإبتهالات التي تسبق صلاة الفجر للشيخ سيد النقشبندي رحمة الله عليه وقد كانت هذه عادة عند أفنان منذ أن كانت في بيت والدها.

أمسكت أفنان في يدها زجاجة تحوي لتر من الماء وأخذت تجترع محتواها بأقصى سرعة ممكنة لكي تنهي كل الكمية قبل آذان الفجر، رمقها رحيم بطرف عيناه وهو يستغفر بهمس قبل أن يسحب من يدها الزجاجة بينما يقول:
كفاية يا أفي يا حبيبي، البيبي هيعوم جوا بطنك كده وبطنك هتوجعك أصلًا من كتر المياه.

لا أنا لسه عطشانة، هات بقى، بص أهو الفجر أذن ولمحقتش أشرب براحتي!

يا أفنان ده أنتِ مخلصة كل المياه اللي في ال fridge الثلاجة ومش هنلاقي حاجة نشربها بكرة لما نرجع من عند مامتك وباباكي.

مازحها رحيم ساخرًا لتضربه في كتفه بخفة بغضب طفولي ليقهقه وهو يسحبها من يدها لكي تتوضأ للصلاة ومن ثم احضر المصحف خاصته وخاصتها.

قام رحيم بإمامة أفنان في الصلاة، كان يقرأ القرآن بصوته الرخيم وقد أحسن القراءة خاصة بعد أن تعلم طريقة نطق اللغة العربية الصحيحة عن طريق بعض الدورات وقد بدأ يستمع إلى طريقة قراءة الشيوخ للقرآن لكي يتعلم ويتقن الأمر أكثر.

حرمًا.

جمعًا إن شاء الله، بص بقى أحنا نقرأ شوية في المصحف وبعدين نقوم ننام علشان نروح لماما من بدري علشان ألحق أقضي اليوم معاهم.

حاضر. بالفعل نفذ كلاهما ذلك وخلدا إلى النوم.

في ضهر اليوم التالي استيقظت أفنان بكسل شديد، نظرت إلى جانبها فوجدت رحيم مايزال نائمًا وقد بُعثرت خصلات وجهه الناعمة بحيث أخفت معظم وجهه، أزحت أفنان تلك الخصلات بعناية بينما تحاول إيقاظه بلطف:.

رحيم، حبيبي اصحى بقى علشان نلحق نروح لماما، يا رحيم، رحيم، حاولت جاهدة أن تُبقي على نبرتها الرقيقة كي لا يفزع لكن ذلك لم يفلح حيث أنه لم يتحرك ولم يسمع صوتها من الأساس، نكزته أفنان في كتفه بخفة لكنه لم يتأثر أيضًا لذا لم يكن أمامها سوى حلًا واحد:.

رحيم ألحقني أنا بولد! صرخت بها أفنان فجاءة لينتفض رحيم من نومته ويتعثر ليسقط من أعلى الفراش على الأرضية الباردة لتصيح أفنان قائلة وهي تحاول مساعدته على النهوض:
يا حبيبي اسم الله عليك قوم.

أنتِ بتهزري يا أفي! You scared the out of me! لقد أخفتني بشدة.

أنا أسفة والله بس ما أنتَ اللي نايم قتيل ومش راضي تصحى أعمل أيه؟

طب ما تسبيني أنا ما صدقت خدت يوم اجازة من الشغل وقولت أنام براحتي شوية.

معلش حقك عليا، فوق كده على ما اجهزلك طقم تلبسه وأحنا نازلين، يلا قوم متبوزشي كده. تمتم من وسط ضحكاتها وهي تدفعه نحو باب دورة المياه الخاصة بحجرتهم.

في تمام الثالثة والنصف وصلت أفنان وزوجها إلى منزل والديها الذي استقبلهم بسعادة شديدة وكأنه لم يراهم منذ زمن بالرغم من أنها كانت في زيارة هنا منذ أسبوع تقريبًا لكن كانت هذه عادة والدها منذ زواجها فهو لم يعتاد بعد على غيابها.

أيه يا حجوج القمر ده، شكلك صغران يجي عشر سنين كده ربنا يحميك.

يا بت يا بكاشة أنتِ، وبعدين حتى لو صغرت عشر سنين هفضل كبير برضوا.

كبير المقام طبعًا يا Uncle عمي.

ربنا يخليك يا حبيبي تسلم، أيه اللي أنتوا جايبينه ده؟ مكنش في لزوم تكلفوا نفسكوا.

يا حبيبي مفيش حاجة تغلى عليكوا وبعدين ما أنتَ طول عمرك بتجيب كل اللي نفسنا فيه من قبل ما نطلب دلوقتي جيه دورنا بقى وبعدين أنتَ عايز أنس ياكل وشنا ولا أيه يا بابا؟ بدأت أفنان حديثها بتأثر وبنبرة حنونة قبل أن تذكر اسم أنس ساخرة، قبل والدها رأسها بينما يقول:
ربنا يباركلي فيكي أنتِ وأختك يا حبيبتي، إن أنا أشوفكوا مبسوطين عندي بالدنيا كلها.

مالك بخطيبي يا حقودة أنتِ؟ ده طيب خالص. سألت ميرال التي ظهرت من اللامكان بمجرد أن سمعت أفنان تذكر اسم أنس، رمقتها أفنان بغيظ قبل أن تسألها:
وأما أنتِ هنا يا هانم مطلعتيش تسلمي عليا ليه؟ بايتة في حضنك أنا؟

يا ستي لسه راجعة من الشغل وكنت بغير الطقم وبلف الطرحة.

فسرت ميرال وهي تقترب من أفنان لتمنحها عناقًا كبير فصلته أفنان سريعًا حيث كادت أن تختنق من العطر خاصة ميرال بالرغم من أن رائحته لم تكون فواحة أو قوية لكنها جعلت أفنان تشعر بعدم رائحة وقد كان الأمر متعلقًا بالحمل على الأغلب.

ماما حبيبتي وحشتيني.

طبعًا افتكرتيني خلاص بعد ما سلمتِ على أبوكي وميرال ما هو أنا محدش بيفتكرني في البيت ده.

يا ماما ده أنتِ الخير والبركة أنا بس كنت بضرب ميرال كالمعتاد وبابا هو اللي فتح أنتِ كنتِ جوا في المطبخ.

أيوا كُلي بعقلي حلاوة، بس بسم الله ما شاء الله يا أفنان أحلويتِ خالص وشكلك فيه حاجة مختلفة بس مش عارفة أيه. تمتمت والدتها وهي تتفحصها مع ابتسامة حنونة لتضحك أفنان بخجل وهي تنظر إلى رحيم وقد فهم مغزى نظرتها تلك.

لم تكن تنوي أفنان أن تُخبرهم بأمر الحمل الآن حيث كانت تود التأكد من الطبيبة أولًا والإطمئنان على أن وضع الجنين مستقر وأن كل شيء على ما يرام ومن ثم ستخبر هي ورحيم المقربون منهم ليشاركوهم هذا الحدث السعيد.

جلس رحيم برفقة والد أفنان يتحدثون بينما ذهبت الأخيرة وشقيقتها لمساعدة والدتها في تجهيز الطعام والذي كان الطعام النموذجي لليوم الأول في الشهر الكريم، محشي بجميع أنواعه/ بط/ بطاطس محمرة/بانية.

في الساعة الخامسة والنصف صدح صوت الجرس في المكان ليذهب أحمد لفتح الباب ليستقبل خطيب ابنته زوجها المستقبلي عن قريب؛ أنس، رحب بوالد ميرال وأفنان ترحيبًا حارًا قبل أن يُلقي التحية على صديق عمره.

برضوا تعبت نفسك يا ابني.

دي حاجة بسيطة والله، كنافة بالمانجا بقى بما إن رحيم جاب كيلو مشكل فقولت أجيب حاجة تانية وبعدين أنا عارف إن ميرال بتحب المانجا. قال أنس وهو يضع العُلبة على طاولة الطعام بينما كان يحمل في يده الآخري صندوقًا مُزين كُتب عليه اسم ميرال من الخارج.

كتر خيرك يا حبيبي، ميرال تعالي علشان تسلمي على خطيبك. جاءت على صوت والدها على الفور لتُلقي التحية على أنس من بعيد والذي لمعت عيناه فور رؤيتها كما لمعت عيناه في المرة الأولى التي رأها فيها.

أنا جبتلك هدية صغيرة.

الله! ده بوكس رمضان صح؟

أيوا هو، علشان تعرفي إن أنس حبيبك صارف ومكلف. أجابها أنس بثقة شديدة وهو يُعدل من ياقة قميصه بغرور ليدعس رحيم على قدمه لينتبه لكلماته على الفور فوالدها يجلس بالقرب منهم.

هروح أفتحه مع أفنان جوا، أفنان تعالي ثواني.
نفذت أفنان طلب شقيقتها بعد أن ألقت التحية على أنس وهي في طريقها إلى حجرتها هي وشقيقتها.

فتحت ميرال الصندوق بحماس شديد لتجد بداخله فانوس بلون اللافندر وقد كان ذا طرازٍ مُختلف له بابٍ صغير يُفتح ليتم إشعال شمعة بداخله، كذلك وضع أنس بضع ألواح مختلفة من الشيكولاتة التي تفضلها ميرال وأيضًا سجادة صلاة من القطيفة ومسبحة ومصحف جميعهم باللون ذاته.

الله حلويين أوي أوي بجد، حقيقي تحفة أنا أول مرة يجيلي هدية حلوة أوي كده بعد الشبكة طبعًا اللي أنس اشتراها. أردفت ميرال بسعادة حقيقة وقد دمعت عيناها من فرط السعادة وهي تتحسس هدية أنس بيدها لتستشعر ملمسها اللطيف، عانقتها أفنان من جانبها بينما تقول:.

شوفتي بقى عوض ربنا حلو ازاي؟ كنتِ ماسكة في حاجة مش خير ليكي ومتبتة فيها بس أول ما توكلتي على الله كده وخدتي القرار الصح حتى ولو كان متعب ربنا عوضك بحاجة أحلى بكتير.

عندك حق بجد، الحمدلله والله بجد أنس ده أجمل حاجة حصلتلي في حياتي هو اه محتاج يتضبط في كام حاجة كده بس هو عنده قابلية للتغير وهو بيساعد نفسه وأنا بساعده.

بركة والله إن أنس طلع فالح في حاجة غير طول اللسان، ربنا يتمملكوا على خير وتتلموا في بيت واحد وأخلص منكوا علشان خطيبك ده كل شوية ينطلي أنا ورحيم يا إما في البيت يا إما الشركة ولا كأنه ضرتي.

لو سمحتِ متقوليش على أنوستي كده، هو اه هزاره بايخ وساعات بحس إن أنا عايزة أضربه بس هو بجد جدع وبيحب رحيم أوي بجد طول الوقت بيحكي عنه.

أنا عارفة والله ده اللي مصبرني عليه.

طب بقولك أيه تعالي نساعد ماما علشان متجيش تضربنا قدام الضيوف علشان عيب وبعد الفطار نبقى نقعد مع بعض لوحدنا علشان تفرجيني الحلل والحاجات الجديدة اللي جبتيها في الجهاز.

خلاص اتفقنا. أردفت ميرال بحماس وهي تسحب يد شقيقتها ويتجه كلاهما نحو الخارج.

قبل نصف ساعة من موعد الإفطار ذهبت أفنان للجلوس إلى جانب والدها لترتاح قليلًا من مساعدة والدتها وميرال وبمجرد أن جلست سرعان ما تذكرت أنه من المفترض أن تكون العائلة بأكملها متجمعة سواء هنا أو في منزل جدتها أو عمتها لكن ذلك لم يحدث لسبب تجهله هي لذا سألت والدها الآتي:
أومال فين تيته وعمتو وخالتو؟ محدش فيهم هيفطر معانا النهاردة ولا أيه؟

هو أنتِ معرفتيش اللي حصل؟ أجابت ميرال على سؤال شقيقتها بواحدٍ آخر لتسألها أفنان بفضول امتزج ببعض القلق:
لا، خير إن شاء الله؟

عمتك عزمت خالتو ومريم ونوح عندها عالفطار النهاردة وطبعًا تيته معاهم.

بتهزري؟ وده بمناسبة أيه بقى إن شاء الله؟

قاعدة تعارف يا حبيبتي، نوح شاف بنت عمتك في فرحك وبعدها بفترة جيه فاتحني في الموضوع قولتله والله يا ابني البنت ليها أب وأم تتكلم معاهم مباشرة بس هو كان عايزني وسطة خير يعني بينهم وهما اتفقوا يبقى في فترة تعارف ولو حصل قبول يعملوا خطوبة.

يااه ما جمع إلا ما وفق بصراحة، ميكس رهيب لا هو نوح ابن حلال ويستاهل ريماس فعلًا. جمعت جملة أفنان بين السخرية والجدية في الوقت نفسه، فلقد تذكرت كيف وبخت ريماس من قبل لأنها أبدت إهتمامًا بنوح ولم تكن لتظن أن بعد مرور كل تلك المدة قد يحدث شيء جاد بين الإثنين.

ميكس يقرف. همس أنس من بين أسنانه فحتى بعد مرور تلك المدة مازال ذكر اسم نوح أمامه يثير حنقه وضيقه من ناحية لأنه يغار على ميرال ويخاف أن تشعر ولو لوهلة بأنها تشتاق إليه ومن ناحية آخرى لأنه يتذكر كم الآذى والضرر الذي ألحقه ذلك الوغد بميرال في السابق.

ربنا يوفقهم ويتمملهم على خير. تمتمت ميرال بعدم إكتراث وكأنها تحاول إنها المحادثة وتغير الموضوع خاصة بعد أن لمحت الضيق باديًا على وجه كلًا من رحيم وأنس فكلاهما يبغضان نوح وبشدة.

أمسكت أفنان بيد رحيم الذي ضم قبضته على الفور فور ذكرهم لنوح ولأنه لمح القليل من الإهتمام في حديث أفنان وإن كان اهتمامها في الواقع من باب الفضول لا أكثر لكنه لم يهتم لأي سبب منطقي حيث كانت الغيرة تسيطر على قلبه وعقله.

غادرت ميرال تلك الجلسة وتوجهت نحو المطبخ لتُلقي نظرة على الطعام لتعود بعد دقيقتين وهي تُخبر والدتها الآتي:
ماما البطة استوت خلاص بس هسيبها تاخد وش كده وهطفي عليها على طول.

عقبال كده ما البطة هي اللي تحضرلنا الفطار السنة الجاية في بيتنا إن شاء الله.

همس أنس من بين أسنانه بنبرة لعوب لترمقه أفنان بإشمئزاز ومن ثم تُلقي عليه عُلبة المناديل الورقية بينما توبخه بغيظ مُردفة:
ما تلم نفسك ياض يا متحرش أنتَ ده أحنا في رمضان! هو خلاص مبقاش في أخلاق خالص؟

سيبتلك الأخلاق ياختي، بت أنتِ هو أنا وأنتِ مولودين فوق روس بعض؟ مالك بيا؟

ما أنتَ قاعد بتعاكس أختي قدامي ومش عامل احترام لحد وأساسًا أنتَ اللي على طول بتجر شكلي!

بس بس stop being childish توقفوا عن التصرف بطفولية. وبخهم رحيم وهو يضرب أنس في كتفه بخفة ومن ثم يرمق أفنان بطرف عيناه لتضحك بصوتٍ مكتوم قبل أن يتابع جميعهم وضع الطعام على الطاولة.

هو فاضل أد أيه على المغرب أنا هفطس من كتر العطش بجد.

ما هو أنتَ لو تبطل رخامة عليا أنا وأختي ريقك مكنش هينشف.

طب بص جر الشكل بقى؟ أنا جيت جنبك يا ستي دلوقتي؟ أنا بكلم أخويا بتتحشري ليه؟ أردف أنس بغيظ طفولي وهو يرمق أفنان بحدة لكنه توقف عن ذلك وجلس في موضعه بأدب شديد بمجرد أن لمح والدهم يقترب ليجلس أمامهم بينما يقول بنبرته الحنونة التي أحبها أنس:
شباب أول لما نسمع الآذان نكسر صيامنا وبعدين نصلي المغرب جماعة ونرجع ناكل براحتنا.

حاضر يا بابا. أردف أنس لا إراديًا فمنذ أن قام بخطبة ميرال وهي يُنادي والدها ب بابا ووالدتها ب ماما فلقد عوض كلاهما غياب والديه.

وقد تعلق أنس بوالدي ميرال تعلقًا شديدًا للدرجة التي جعلته يعرض عليهما أن يسكنا معًا جميعًا في البيت نفسه بعد زواجه من ميرال نظرًا لأن مسكن الزوجية خاصتهم كبير ويحوي عدد كافية من الغرف لكن والدها رفض عرضه بأدب شديد قائلًا بأنه مثل السمك إن غادر المياه فسيموت وكذلك هو لا يستطيع ترك البيت الذي قضى فيه أجمل سنوات عمره وشبابه.

جاء صوت الأذان من الخارج مُعلنًا عن انتهاء فترة الصيام ليتحرك جميعهم في حركات عشوائية بينما تناول رانيا كل واحدٍ منهم طبق الخشاف خاصته ما عدا أنس الذي لم يكن يُحبه لذا منحته ثلاث حبات من التمر لكي يكسر صيامه، انتهى جميعهم من شرب المياه وشرب المرطبات وذهب الرجال جميعًا إلى المسجد القريب إلى المنزل بينما قامت أفنان وميرال ووالدتها بالصلاة في المنزل.

أحنا جينا يلا بسرعة بقى علشان أنا واقع من الجوع وهموت وأكل بط. صاح أنس فور دخوله من الباب لترمقه أفنان بإشمئزاز بينما أقتربت منه ميرال وهي تسحب الصحن الذي أمامه فور جلوسه بينما تقول بلطف:
بعد الشر عنك، تعالى أقعد وأنا هحطلك دلوقتي.

لا أنا مقدرش على الدلع ده والله، أنا بقول نخلي الفرح على العيد وخير البر عاجله. تمتم وهو يغمز بإحدى عينيه ليدعس رحيم على قدمه ثم يُردف من بين أسنانه:
أونكل أحمد قاعد قدامك يا حيوان أنتَ، احترم نفسك شوية ها.

طبعًا ما أنتَ اتجوزت خلاص بقى نسيت أيام الل?ل?ة في طرقة الشركة!

علق أنس بغيظ شديد ليقوم رحيم بدفع ثلاثة أصابع من البطاطس المحمرة بقوة داخل فم أنس لكي يصمت ويكف عن الثرثرة بكلام لا يصح.

إلا قولي يا أنس هو بيتكوا فاضل في أيه؟

خلاص قربنا نخلص فاضل حاجات بسيطة في النقاشة وكده وست ميرال بس تبطل تردد وتختار لون الأنترية اللي هي عايزاه.

ما تخلصي ياختي بقى عايزين نلمك أنتِ والولد الصايع ده في بيت ونخلص.

أهو لأول مرة اتفق مع أفنان في حاجة بجد، يلا بقى انجزي عايزين نتجوز على العيد الكبير بالكتير بقى إن شاء الله.

ربنا يسهل إن شاء الله. تمتمت ميرال بخجل فكلما فُتح أمر الزواج كانت تشعر بالكثير من التوتر والخجل وقد طلب منها أنس أن تتحدث بذلك الشأن مع الطبيبة مسك في الزيارة القادمة فالربما كانت مازالت تعاني من أزمة نفسية بسبب تجربتها الأولى مع نوح حيث تم إنهاء علاقتهم قرب الزفاف.

قولي بقى يا أنس أخبار فرع أكتوبر أيه؟ بقالي كتير مش بروح هناك وسايب الشغل وكل حاجة على ضمانتك. سأل رحيم بينما تضع أفنان أصنافه المفضلة في صحنه ليُشكرها بلطف أثناء انتظاره لرد أنس فلقد قام رحيم بنقل إدارة أحد الفروع إلى أنس لأنه يعلم قدرته على الأدارة وتحمل المسؤولية بالرغم من أنه لا يبدو كذلك.

لا الشغل تمام جدًا بس أنا خلاص بقى يا رحيم قررت أسيب الصيدلة والإدارة والكلام ده وأفتح مشروعي الخاص. أجاب أنس بجدية شديدة ليعقد رحيم حاجبيه وهو يرمقه بقليل من التعجب فهو لم يخبره بذلك الأمر قط، سأله رحيم الآتي بإستنكار وهو يقوم بتقطيع صباع باذنجان محشي بواسطة الشوكة والسكين خاصته:
مشروع أيه بقى إن شاء الله؟

ناوي أعمل قناة صغيرة كده على اليوتيوب وكل محتوايا هيبقى دس في الأفنان وهبدأ بفيديو تعريفي صغير كده هيبقى عنوانه سلفتي بتغير مني إكمن أنا شعري سايح ونايح وهي شعرها كيرلي مخلط وي?ي. طالعه جميعهم بتعابير وجه متحيرة قبل أن ينفجروا ضاحكين على جملة أنس، في الواقع لم يكن الجزء المُضحك هو عبارته الساخرة بل أنه كان يتحدث بجدية تامة.

أنس أنا بقترح إنك تاكل وأنتَ ساكت بدل ما بابا يطردك من هنا.

خلاص أسف مش ههزر معاكوا تاني. تمتم بضيق طفولي وهو ينظر إلى طعامه، تنهدت أفنان قبل أن تعرض على رحيم الآتي:
رحيم أفصصلك بط؟

بس يا أفي أيه ده؟ لا!

في أيه؟ ما أنا بفصصلك البط والفراخ في البيت علشان مش بتعرف تفصصهم لنفسك، اه فهمت أنتَ مكسوف يعني علشان بقول قدامهم إنك مش بتعرف تفصص لنفسك البط!

خلاص يا أفي خلاص أبوس إيديك في واحد في مدغشقر مسمعش. نبس رحيم وهو يُقبل يديها بالفعل لتطالعه بدهشة بسبب فعلته الغير متوقعة قبل أن تضحك بخجل، كان يتأمل أنس ما يحدث قبل أن يغمز لرحيم بإحدى عينيه بينما يقول:
أيوا يا عم رحيم الله يسهلك يا عم.

أنس كل وأنتَ ساكت ممكن؟

حاضر يا أخويا أو ياللي كنت فاكرك أخويا. نبس أنس بحزن مصطنع وهو يأخذ قضمة كبيرة من قطعة البط الموضوعة أمامه.

بقولك أيه يا ميرال متعرفيش الواد آسر هيتقدم لأروى أمتى؟ ده البنت خللت جنبه. همست أفنان وهي تقترب من أذن شقيقتها كي لا يسمع أنس ما يُقال فهو يغار كثيرًا على أروى ويرفض علاقتها بآسر ذلك من الأساس.

ما هو كلمني قالي أحاول أقنعها البنت يا عيني عندها حاجة كده بعيد عن السامعين اسمها Fear of commitment. الخوف من الإلتزام.

يا ستار يارب لا ربنا يشفيها. سخرت أفنان من تفسير ميرال وإن كانت أفنان تعرف ترجمة ذلك المصطلح لكنها لم تعرف تفسيرًا أو سببًا له، تنهدت ميرال قبل أن تقوم بالشرح لأفنان قائلة:
أفنان ده مش مرض يا حبيبتي بالمعنى الحرفي دي فوبيا بيكون فيها الشخص بيخاف من فكرة إنه ياخد على نفسه وعود ويوفي بيها.

وأيه كمان ياختي؟ سألت أفنان بسخرية وهي تضع يدها أسفل ذقنها وهي تُنصت إلى شقيقتها لتتابع الأخيرة حديثها مُردفة:
أنه مثلًا يبقى مسئول عن شيء ما وبيبقى خوف مرضي من الفكرة وده عادة ناتج لو الشخص كان مامته وباباه منفصلين أو كان بيتعرض لعنف أو مثلًا معندوش ثقة في الطرف التاني أو خايف من نقد أو رفضهم كده يعني.

بسم الله ما شاء الله قاعدة مع ويكيبيديا، ميرال قوليلي الحقيقة هو أنتِ بتحضري دبلومة في علم النفس من ورايا؟

توترت معالم ميرال من سؤال أفنان حيث أنها لم تُخبرها بشأن الطبيبة النفسية مسك بعد فلقد جعلت ذلك الأمر سرها الصغير هي وأنس، ضحكت ميرال ضحكة متوترة قبل أن تقول:
لا ده الواحد بيبقى زهقان شوية فقال يثقف نفسه يعني وكده.

ماشي ياختي، عمومًا كلها كام شهر وهتتجوزي ومش هيبقى عندك وقت تهرشي حتى.

ده على أساس يعني إنك بتقومي تقلبي ال?يلا كلها وتكنسي وتمسحي من تحتيها؟ ولا بتعمل أكل ليكي أنتِ وحماتك؟

أولًا أنا بساعد في التنضيف اه، ثانيًا أنا اللي بعمل الأكل معظم الأيام إلا لو رحيم حب يطبخ بما إنه طلع بيعمل أكل حلو جدًا حبيبي ربنا يحفظه، كمان أنا بشتغل حضرتك حتى لو كنت مش بنزل كل يوم بس بخلص حاجات من البيت.

خلاص كفاية يا ستار يارب، ولسه لما تجيبي بيبي بقى مش هتبقى فاضية خالص يا عيني.

حينما قالت ميرال هذه الجملة نمت ابتسامة حالمة على ثغر أفنان وتلقائيًا وضعت يدها أعلى بطنها قبل أن ترفع عيناها وتنظر نحو الرحيم الذي كان في الوقت ذاته يتأمل تعبيرات وجهها وهي تتحدث إلى شقيقتها، ساد الصمت لبرهة أثناء تناولهم الطعام قبل أن تقطعه ميرال وهي تقترح الآتي بقليل من الخجل:.

بقولكوا أيه ما تيجوا ناخد صورة كده بمناسبة أول رمضان كلنا فيه مع بعض. أومئ رحيم موافقًا على الفكرة، أخرج أنس هاتف والذي كان الأحدث من نوعه وكان على وشك إلتقاط الصورة لولا أن عقبت أفنان مُردفة:
طب ما تخلي رحيم هو اللي ياخد السيلفي علشان هو أطول واحد في القاعدة وكده.

لا اللي يسمعك يا بت وأنتِ بتتكلمي يقول فرعة ده أنتِ 160 سنتي بعد الدوشة دي كلها! سخر منها أنس فهي وميرال قِصار القامة بالمقارنة به هو ورحيم بالرغم من أن رحيم كان يفوق أنس طولًا بما يقرب من الخمسة أو السبعة سنتيمترات.

ماشي هقوم أصور بس ممكن بعد إذنكوا محدش ينزل صور علشان محدش عندي يتضايق وكده؟

عيب عليك يا رحيم، محدش هينزل طبعًا علشان الحاج والحاجة ميزعلوش وكده إن ابنهم الوحيد سابهم وراح يفطر عند حماه وحماته. عقب أنس متعمدًا إثارة غيظ رحيم والذي أكتفى بأن رمقه بإحتقار، ساد الصمت لبرهة قبل أن يقطعه والد أفنان وهو يقول الآتي:
صحيح يا رحيم يا ابني أنا هبقى أكلم والدك في يوم إن شاء الله وأعزمه على الفطار هو ووالدتك.

طب وأحنا يا بابا هنيجي برضوا ولا أيه؟

أكيد طبعًا يا نور عين بابا أنا لو عليا تيجي تقضي معايا الشهر كله أنتِ ورحيم.

طب بالنسبالي أنا ممكن أعمل إقامة شاملة فطار وسحور هنا ولا لا؟ سأل أنس ممازحًا وإن كانت نبرته بدت جادة ليقهقه حماه قبل أن يُجيب عن سؤاله مُردفًا:
السنة الجاية بقى إن شاء الله لما تكون أتجوزت ميرال كده هبقى أجيبكوا أنتوا الأربعة تباتوا معانا هنا هأجر لكل واحد فيكوا أوضة.

انتهى جميعهم من تناول الطعام واستقامت أفنان تساعد والدتها في إعداد أطباق الحلوى والمشروبات حيث جلسوا جميعًا يتناولون حاجة حلوة كتحلية بعد الإفطار.

إلا صحيح يا أنس أروى أختك فين؟ مجتش معاك ليه تفطر معانا؟ سألت أفنان بفضول وهي تأخذ قضمة من الكنافة المحشية الموضوعة أمامها تنهد أنس لثوانٍ قبل أن يُجيبها ساخرًا:
أروى مسافرة England إنجلترا بقالها أربع شهور، بتحضر دكتوراه عقبال أمالتك كده.

ما شاء الله ربنا يوفقها، طب وهي مسافرة هناك لوحدها؟ مش هتبقى حاسة إنها لوحدها أو كده؟

لا ما هي ميا معاها ده أولًا، ثانيًا أروى ليها شلة هناك وبعدين نص عائلة رحيم هناك يعني هياخدوا بالهم عليها، الدنيا تمام متتحشريش أنتِ بس.

الحق عليا بسأل عليها! وبعدين هي ست ميا دي مصدر للطمأنينة يعني؟ ده أنتَ المفروض كده تقلق زيادة كتك وكسة!

أنا بجد مش عارف أنتوا هتعقلوا أمتى وتتكلموا مع بعض زي الناس الكبار المحترمين!

وبخ رحيم كلاهما كما يوبخ المعلم تلاميذه، طالعت أفنان أنس وحاول كلاهما كتم ضحكاتهم كي لا يزداد استياء رحيم أكثر، عقبت ميرال على جملة رحيم وقد وافقته الرأي مُردفة بضيق:
قولهم يا رحيم، كل واحد فيهم هما الإتنين وهو في حاله بيبقى محترم ومؤدب يتجمعوا مع بعض تحس إنك قاعد في زريبة مش في بيت محترم.

كده يا ميروللتي؟ ربنا يسامحك. تمتم أنس بنبرة طفولية مصطنعة وقد أطلق عليها اسم تدليل مُريب لم تسمعه أفنان من قبل لتسأله مستنكرة وقد رفعت أحدى حاجبيها:
ميرول أيه يا أخويا؟

ميروللتي. أجابها بثقة شديدة وهو ينطق الاسم ببطء شديد متعمدًا إثارة غيظ أفنان.

بعد عشرة دقائق تقريبًا استأذن أنس أن يجلس هو وميرال في الشرفة أمام أعينهم بالطبع ولكن لكي يتحدثوا حول ترتيبات الزفاف بقليل من الخصوصية
جلست ميرال على الكرسي المقابل له وقد أحضرت الصحون معها لتضعها على الطاولة الصغيرة التي توسطت المكان.

ميرال بقولك بصي كده على الفساتين دي حاسس لو عملتي واحد زيهم في الفرح هياكل منك حتة.

حلويين أوي بس شكلهم غالي أوي يا أنس.

الغالي يرخصلك يا جميل وبعدين يعني أحنا مش هنشتريه من نفس البيدچ دي أحنا ننزل نجيبلك قماش من الأزهر ونشوف ترزي حريمي حلو كده نفصلك عنده الفستان،.

أردف أنس بتعابير وجه جادة تمامًا لتطالعه ميرال بقليل من الحيرة وهي تسأله:
بجد؟

يا مصيبتي! هو أيه اللي بجد يا ميرو يا حبيبتي؟ أنتِ تشاوري على الحاجة بس وتبقى تحت رجلك.

ربنا يخليك يا أنس والله بس أنا بجد مش عايزة أكلفك كتير خاصة لو حاجة مش مستاهلة.

يعني أنا راضي ذمتك فستان فرحك اللي هي ليلة العمر حاجة مش مستاهلة؟ فستان كتب الكتاب حاجة مش مستاهلة؟

هو أحنا هنعمل كتب الكتاب في يوم والفرح في يوم تاني؟

هو مجرد اقتراح يعني لو أنتِ حابة الفكرة، يعني بصراحة أنا فرحان أوي وحابب نحتفل على كذا مرة عايز أفضل مبسوط بالأجواء دي لأطول فترة ممكنة يعني.

أنا كمان فرحانة صدقني بس يا أنس أنتَ كده هتتكلف جامد أوي بجد يعني أولًا أنتَ جايب أغلب الحاجة إلى في بيتنا ده غير أنك جايب البيت أصلًا وكمان لسه فلوس الفرح والفستان والميكب ولسه ال Honey moon شهر العسل كمان بقى عايز تعمل كتب كتاب منفصل عن الفرح؟

يا حبيبتي أنا معايا فلوس المفروض تشكك إن أنا حرامي أساسًا فمتركزيش يعني المهم إن أحنا نبقى مبسوطين لأن دي أيام مش هتكرر تاني. تمتم أنس وهو يضحك لتتنهد هي قبل أن تُردف:
خلاص زي ما أنتَ حابب، بس أنتَ عارف إن أنا مش بكون مرتاحة لما بنصرف كتير كده.

سيبك بقى من الكلام ده وكُلي.

غلف الصمت المكلن لبعض الوقت قبل أن يقطعه صوت ميرال وهي تسأل أنس الآتي:
أنس هو أنتَ مش هتخليني أقابل مامتك؟ أنتَ وعدتني قبل كده. تمتمت ميرال وهي تضع الطبق الذي يحوى أنواع مختلفة من الحلويات الشرقية، أمتعض وجه أنس على الفور وتحاشى النظر إلى وجهها بينما يُردف بإقتضاب:
إن شاء الله يا ميرال ربنا يسهل.

أنت بتهاودني يعني مش كده؟

أظن الوقت مش مناسب إننا نتناقش في حاجة زي كده يعني النهاردة أول يوم رمضان ومتجمعين ومبسوطين فا يعني مفيش أي داعي للنكد.

ماشي يا أنس خليك كده بتفضل تخبي عني كل حاجة ولو فاكر إن أنا مخدتش بالي من خناقتك مع أروى يوم الخطوبة تبقى ساذج.

ساذج؟ أنا ساذج يا ميرال؟ شكرًا. قال وهو يضع الطبق من يده ويستقيم من مقعده استعدادًا للرحيل، تحركت ميرال سريعًا بحيث تقف أمام باب الشرفة تمنعه من الرحيل بينما تعتذر منه قائلة:
استنى بس أنا مكنش قصدي، متزعلش أنا أسفة، بس أنتَ يا أنس مش مرسيني على بر في الموضوع ده وأنا قلقانة.

مفيش حاجة تستحق القلق يا ميرال، أنا قولتلك قبل كده إن علاقتي بأمي مش كويسة خالص وأنا بتطمن عليها من بعيد لبعيد ومحبش أبدًا إنك تخطلتي بيها وأظن أنا حر في حاجة زي دي.

كانت نبرة أنس حادة بعض الشيء ولم تعتد ميرال على ذلك منه، بالطبع هو لم يتعمد ذلك لكن الحديث عن والديه يجعله في حالة غير طبيعية.

ماشي أنتَ حر وكل حاجة بس أنا يا أنس مش بقول كده رخامة عليك، أنا حاسة بوجعك ونفسي أساعدك زي ما أنتَ ساعدتني قبل كده.

أنتِ وجودك في حياتي من غير أي حاجة بيساعدني صدقيني بس الجرح كبير أوي يا ميرال ومحتاج وقت وأوعدك أول لما يبقى عندي القدرة على إني أحكيلك هحكيلك كل حاجة بالتفصيل الملل وبعدين أحنا هنروح من بعض فين يعني؟

صح، ربنا يخليك ليا يا أنس وبعدين بعد كده لو سمحت لما نتخانق أو نشد مع بعض متتقمصش كده وتقوم تمشي وتسيبني،.

أمشي وأسيبك أيه؟ أنا كنت رايح أطلب منهم خربوش شاي علشان أعرف أبلع الحلويات دي يا حلويات. غازلها أنس بطريقته المميزة وهو يغمز بإحدي عينيه لتقهقه هي بخجل قبل أن تُردف:
على فكرة نسيت أشكرك على الهدية بجد تحفة ربنا يخليك والله كلفت نفسك، بجد اتبسطت أوي أوي لأني طول عمري بحب أعمل مفاجأت للناس وكده مش متعودة حد يعملي مفاجأة.

ولسه أنا هخلي حياتك كلها مفاجأت معرفش هي هتبقى مفاجأت حلوة ولا لا بس اللي ضامنه يعني إنك هتتفاجئ. قال أنس بنبرة جادة وإن تخللت عبارته ضحكات متقطعة، طالع أنس ميرال بحب وكاد أن يتفوه بشيء رومانسي لولا أن أقتحم رحيم المكان وهو يقول:
أنس بقولك أيه ممكن تطلع تقعد برا أنتَ وميرال وتجبني مكانك أنتَ وأفنان؟

أيه ده في أيه البلطجة دي؟ وبعدين هتقعدوا في البلكونة تعملوا أيه؟ البلكونة دي للمخطوبين بس أنتوا خلاص تخطيتوا ال Phase مرحلة دي.

قوم أتطلع برا يلا!

يلا؟ رحيم أنتَ بقيت متشرد أوي من كتر القاعدة مع أفنان خد بالك، الله يرحم أيام ما كنت بتفضل تقولي أنس Watch your language انتبه لكلامك.

ما أنا لسه بقول كده عادي بس يعني أنا وأفي من العِشرة بقى طبعنا على بعض، يلا اطلع برا.

عِشرة أيه أنتَ هتمثل محسسني إن بقالكوا عشر سنين وخلاص براحتك هنطلع بس متزعلش من اللي هعمله بقى. لم يهتم رحيم بتهديد أنس ودفعه من كتفه نحو الخارج ليرمقه الأخير بطرف عيناه بإحتقار قبل أن يرافق ميرال نحو الخارج.

أقترب رحيم من أفنان واستند كلاهما على السور يراقبون المارة والأطفال الذين يلعبون في الشارع متسببين في جلبة محببة إلى القلب في شهر رمضان كما صدح في المكان صوت أغاني رمضان من أكثر من مكان سواء كان متجر أو مقهى شعبي.

فاكرة يا أفي لما كنا بنوقف نتخانق هنا؟

فاكرة؟ ده أنا حافظة كل خناقة منهم صم، كانت أيام حلوة أوي والله أكيد الأيام دلوقتي حلوة بس كل مرحلة وليها شعور مختلف. أردفت أفنان بتأثر شديد وهي تُمسك بيد زوجها ليطالعها بحب بينما يتمتم بلطف:
عندك حق.

رحيم هو أيه الريحة دي؟ سألته وقد وصلت إلى أنفها رائحة تعرفها لكن لا تتذكر ماهية الشيء الذي يُصدرها، عقد رحيم حاجبيه وهو يسألها:
ريحة أيه؟

يالهوي صاروخ حاسب! صرخت وهي تترك يد رحيم وتدفعه بعيدًا وقبل أن يستوعب ما يحدث دور صوت إنفجار صغير من وسط المسافة بين أفنان ورحيم، تملك الهلع من رحيم وهو ينظر من حوله باحثًا عن مصدر تلك الألعاب النارية وبينما يفعل أُلقي نوعًا آخر بالقرب منه ولكنه كان سريع التفجير.

مش قولتلك هتزعل يا رحيم؟ سأل أنس صائحًا من الخارج وهو يُمسك معدته بآلم من فرط الضحك على ردة فعل أفنان ورحيم بينما كان يُمسك في يده أداة الجريمة علب البومب والصواريخ وولاعة.

يا عيل يا، عايز تولع فيا أنا والراجل اللي حيلتي أقول فيك أيه وأنتَ فيك كل العِبر؟ صاحت أفنان وهي تتجه نحو الخارج، كان رحيم يسير إلى جانبها بهدوء شديد دون أن ينبس ببنت شفة وكأنه لم يتأثر بتاتًا بما حدث وفجاءة هرول نحو أنس وبحركة خاطفة جعل رأس أنس أسفل ذراعة.

يالهوي على لعب العيال! تمتمت أفنان مستنكرة وإن كانت مستمتعة لأن رحيم يضرب أنس لأنه شخصًا مزعج وطفولي.

مرت الليلة بسلام ورحل أفنان ورحيم في حاولي الثانية عشرة والنصف متجهيًا إلى منزلهم وقد قاموا بإيصال أنس إلى منزله حيث تعطلت سيارته، جلس رحيم بقليل من الإرهاق على الأريكة إلى جانب أفنان التي كانت تشاهد بإهتمام الحلقة الأولى من أحدى المسلسلات الرمضانية بينما أخذ يعبث في هاتفه.

وبالطبع بعد عشرات التحذيرات من رحيم بأن لا يتم نشر أي صورة لهم اليوم مراعاة لشعور والدته وكذلك تجنبًا للشجار الذي لا داعي له قام أنس بنشر صورة جديدة تجمع أفراد العائلة جميعًا على طاولة الطعام وقد كتب عليها التعليق التالي:
«أحلى فطار مع أحلى عائلة. ??».

أخذ رحيم ينظر إلى الصور التي قام أنس بنشرها على جميع التطبيقات تقريبًا والذي لم يكتفي فقط بذلك بل قام بالإشارة إلى رحيم وأفنان وميرال في جميعهم وكأنه يقوم بتأكيد جريمته، أطلق رحيم سبة بالإنجليزية أسفل أنفاسه قبل أن يصيح بحنق:
والله أنس ده غبي بجد مفيش فايدة فيه!

أنا حقيقي خايفة على عياله هو وميرال لا يورثوا الچينات دي منه مش هتبقى چينات غباء وتقل دم يعني كده كتير بصراحة!

هو غبي اه بس دمه مش تقيل خليكي حقانية بقى و، يالهوي مامي بتتصل!

كان يتحدث رحيم بمزاح قبل أن ينتفض من جلسته حينما أضاءت شاشة هاتفه باسم والدته، رمقته أفنان بطرف عيناها وهي تسأله مستنكرة:
تاني يا رحيم؟ مامي تاني يا رحيم؟

ماما، أمي، أما، ست الحبايب، أي حاجة يا أفي المهم دلوقتي إن أنا هاخد كلمتين بسبب أنس المتخلف ده.

أجابها رحيم بسخرية شديدة وهو يستقيم من مقعده لكي يذهب للإجابة على مكالمة والدته وعلى عكس ما توقع لم توبخه والدته بل كانت تطمئن عليه هو وأفنان وتسأله متى سيكون بإمكانهم أن يحضرا إلى منزلها لتناول الإفطار معًا.

في ضهر اليوم التالي استيقظ رحيم حينما شعر بأن أفنان قد غادرت الفراش، توجه نحو الأسفل ليجدها تقف في المطبخ تستعد لطهو الطعام وقد قامت بوضع خصلات شعرها في كعكة مبعثرة حتى لا يعيق رؤيتها وحركتها.

أفي حبيبي هو أحنا هنفطر أيه بقى النهاردة؟ ولا تحبي نجيب فطار من برا؟

لا لا من برا أيه بس؟ أحنا داخلين على متابعة حمل وفلوس ولادة وأوضة للبيبي ومصاريف لا تعد ولا تحصى حضرتك.

أيوا يعني هنفطر أيه؟ ولا هنروح مائدة رحمن؟

ياتي بطة أنتَ عرفت مائدة الرحمن؟ مازحته أفنان بسخرية وهي تقوم بقرصه من خدوده ليطالعها رحيم بتملل لتقهقه قبل أن تُجيبه بجدية:
طب خلاص متضربش بوز كده، بص يا سيدي في باقي محشي وحتة بط ماما بعتتهم معايا إمبارح أنا بقى هعمل معاهم صنية مكرونة بشاميل وهحمر حتتين بانية كده.

حلو أوي تسلم إيديك، بس أنا كنت فاكر يعني إننا هناكل حاجة تكون خفيفة شوية بس تمام. تمتم رحيم فلقد كان ينتظر منها أن تطهو دجاج مشوي و خضار سوتيه على سبيل المثال.

هو الأكل ده تقيل؟ هو أنا عملالك فتة كوارع؟ وبعدين يا حبيبي أنا محتاجة تغذية وأساسًا يعني هي معروفة أول يوم محشي تاني يوم بشاميل.

لا بصراحة القاعدة دي أول مرة اسمع عنها.

أديك سمعتها أهو وأعمل حسابك بقى يا دكتور رحيم إنك هتساعدني.

دكتور رحيم؟ هساعدك في أيه بقى؟ No wait لا انتظري أكيد قصدك بقى نطبخ سوا ونقعد نهزر ونرمي ال Flour دقيق في وش بعض زي في الأفلام الرومانسية مش كده؟ سألها رحيم بنبرة حالمة وقد أشتعلت عيناه بالحماس لكن سرعان ما انطفأ ذلك الحماس حينما طالعته هي بوجه جامد قبل أن تقول بنبرة لا تخلو من التوعد:.

عارف يا رحيم لو في فتفوتة وقعت في الأرض بص مش هقولك هعمل فيك أيه! الكلام ده هناك عندكوا في إنجلترا لكن هنا في مصر المطبخ ده ملكية خاصة لست البيت وغير مسموح بأي تخريب أو كركبة على الإطلاق.

على فكرة أنتِ مُفسدة للبهجة على العموم أنا كده كده عارف هعمل أيه السلطة والبطاطس.

برا?و عليك يا جوزي يا شطور أنتَ، You are such a good boy أنتَ فتى جيد.

هو عادة الجملة دي بتتقال لل puppies بس تمام. تمتم رحيم ممازحًا إياها قبل أن يأخذ حاجته من الخضروات ويجلس على أحد الكراسي التي تستند من الخارج على الرخام الخاص بالمطبخ ليقوم بعمل الوظيفة التي وكلتها له أفنان.

أخذ يتأمل تحركاتها أثناء طهيها للطعام، لقد كانت ماهرة تحفظ كل إنشٍ في المكان وقد كانت تضع المقادير بدقة دون أن تحدد مكيالًا معين وسرعان ما بدأت رائحة الطعام الشهية تداعب أنف رحيم.

فور سماعهم لصوت آذان المغرب جلس كلاهما لتناول الإفطار بينما يشاهدون أحد برامج المقالب، كانت عين رحيم تنتقل تارة بين التلفاز ومع الطعام وتارة آخرى نحو حبيبته، عشقه الوحيد زوجته أفنان والتي كانت تحمل في أحشائها ثمرة ذلك الحب الذي جمعهما والتي كان يحترق شوقًا لرؤيتها تكبر أمام عيناه أكثر فأكثر...

تلك الجالسة أمامه التي لم يعرف معنى للحياةِ قبل أن يُقابلها وبمرور الأيام وهي إلى جانبه شعر بالسعادة الحقيقية، حتى وإن لم تكن بنفس الصورة الخيالية المُبهرة التي تظهرها روايات الحب والأفلام الرومانسية، فلقد كان حبًا مليء بالإختلافات، الجدال
، الغضب في بعض الأحيان لكن الأهم أنه كان صادق وحقيقي لم يزيفه أحدهم قط...

ومنذ يومهم الأول معًا أخذ رحيم عهدًا على نفسه ألا يسمح ليوم تشاجر فيه مع أفنان أن يمر دون أن يُصلح الأمر بينهم فهو لم ولن يدع جفونها تُغلق وقد بكت بسببه أو قد ضاق صدرها بأمر ما فهو يعلم أنه إن مرت ليلة على الغضب والحزن ازداد أضعافًا.

كان رحيم قد أدرك أنه بمرور الأيام والأشهر ستزداد التحديات التي تواجهه هو وأفنان لكنه لم يكن خائفًا فهو واثق من أن ذلك الحب الذي استطاع أن يصمد أمام كل تلك الصعاب يستطيع أن يقف شامخًا أمام أي عقبة فهو لا يريد شيء في هذه الحياة سوى أن يكون إلى جانبها الآن وإلى الأبد.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة