رواية فرط الحب للكاتبة دينا ابراهيم الخاتمة ج1
بعد مرور عامين ...
في صباح يوم مشمس مطت ريم ذراعيها تحاول الانفلات من بين ذراعي ريان المطوقة إياها في قوة ثم تنهدت في راحة حين نجحت في الهروب دون إيقاظه فاليوم ليس مجرد يوم عطلة عادي ولكنه يوم حماسي ومصيري في حياة الجميع، استدارت تتأكد من إنه يغط في سبات عميق ثم جذبت هاتفها وكادت تتجه للخارج لكنها اتجهت إلى الجانب الآخر من الفراش تلقي نظرة على مهد صغيرها الذي لا يتعدى عُمرهُ العام لتغرق في سعادة لا متناهية وهي تتنقل بين ملامحه وملامح والده فخورة وراضية عن التشابه بينهما الذي يتضح يومًا بعد يوم.
خرجت مغلقة الباب خلفها في هدوء امله ألا يستيقظ أحدهما ومتمنية أكثر أن يكون عمر الفضولي لا يزال نائمًا، ابتسمت مفكرة في طفلها الأول الذي صار كظلها منذ ولادتها لشقيقه الأصغر .. ذلك الشقي أخذ خصاص والده المتملكة ورغبته في معرفة كل صغيرة وكبيرة تدور داخل عقلها..
فتحت ريم شرفة الردهة لتجلس في هدوء قبل أن تجري اتصالها الهام الذي تلقاه الطرف الأخر أسرع من المعتاد:
-ألو يا ريم عاملة أيه، كل حاجة تمام عندك؟
ابتسمت ريم وهي تستمع إلى نبرة "ليان" القلقة والمتوترة قبل أن تجيبها في لهجة تتنقل بين التهكم والمزاح:
-تقريبًا أنا اللي لازم أسأل السؤال ده، اوعي تكوني ولدتي خلاص!
-لسه، أنا بجهز وهنزل مع أحمد المستشفى، الدكتور طلب ابقى موجودة من الصبح رغم ان معاد الولادة على المغرب.
-خير يا حبيبتي ان شاء الله هتقومي بألف سلامة...
صمت الطرفان لحظات قبل أن تتساءل ليان في خوف:
-تفتكري الخطة هتنجح وريان هيجي ولا هيفضل غضبان عليا.
-هتنجح يا ست النكد ومية مرة قولتلك هو مش غضبان عليكي بس أنتي عرفة اخوكي عنيد إزاي.
-أنا فاهمة إنه عنيد بس ده عدى سنتين يا ريم، صدقيني سنتين دول كتير أوي يعني قلبه الحجر قسي عليا.
كانت كلماتها حزينة نابعة من قلبها فقاطعتها ريم المؤكدة:
-لو كان قاسي عليكي يا ليان مكنش بعتلك فلوس لما عرف أن أبو أحمد طردكم من البيت وخد المحل وأنكم بتبدأوا من جديد.
-الفلوس مش حنيه يا ريم.
-لكن الاهتمام محبة يا ليان لو ريان قلبه قسي عليكي مش هيهتم واحنا قولنا من البداية أن الأمور محتاجة وقت،
ولا الهانم جاية تيأس دلوقتي واحنا على بُعد خطوة.
زفرت ليان في نفاذ صبر وخوف قائلة:
-ريم أنا خايفة يجرالي حاجة بجد واللعبة تبقى حقيقة.
-يا رب صبرني، أنتي متشائمة ليه كده، متقلقيش يا ستي ان شاء الله هتقوم بالسلامة وانتي جعبيزة مرات أبني.
ضحكت ليان التي ردت في استنكار:
-بنتي بقى اسمها جعبيزة وكمان عايزة تجوزيها لابنك عايزة جوزك يخلص عليها وعلى أبوها.
-يبقى انتي متعرفيش أخوكي كويس ده لو سمع الخطة دي مش بعيد يعمل فرح ويخطفها عشان ينتقم منكم ويقولكم مرات ابني يا شوية غجر.
ضحكت ريم لتوازي علو ضحكات ليان الغير منتبهه لزوجها أحمد الذي يستند على جانب الباب يستمع في هيام لرنة السعادة في نبرتها:
-أنا حاسة ان الخطة هتنجح يا ريم.
حركت ريم رأسها في يأس بأن تستطيع ملاحقة تنقلات ليان المزاجية الشبيهة لتقلبات كلًا من أشقائها... فلا امل لها مع تلك العائلة من المخابيل... فكرت ريم في شقاوة متخيلة رد فعل زوجها ان علم باعتقادها ذاك ولكنها عادت للواقع في سرعة لتسأل:
-المهم كلمتي بييجاد وقولتيله انك هتولدي انهارده؟
-لا طبعا هقوله ازاي واحنا عايزين نخدع ريان، أنا استنيت مكالمته ليا أول الاسبوع زي كل يوم بتتجمعوا فيه وقولتله أني احتمال أولد الأسبوع ده.
-جدعة، أنا هسيبك دلوقتي تجهزي وهقوم أخلص اللي ورايا قبل اللعبة ما تبدأ عشان أبقى جاهزة.
ودعتها ريم بدعواتها البشوشة قبل أن تغلق الهاتف ثم انتقلت لتلقي نظرات خاطفة بالأسفل متابعة في فضول طفيف المارة المنشغلين بهمومهم فجذبتها طفلة صغيرة بجدائل متطايرة متبعة خطوات غلام متذمر يبدو انه شقيقها الذي يكبرها بسنوات قليلة وكلاهما مرتسم على محياه الغضب والوجوم، لكن ما أقار تعجبها هو وقوف الصغيرة لحظة بعد عدة خطوات مجبرة عيناها على الانغلاق وكأنها تستجمع شجاعتها قبل أن تقفز بركبتيها فوق الطريق الوعر ثم بدئت في البكاء لينتبه لها الغلام الذي ركض عائدًا نحوها في خطوتين مخدوع بنظراتها البريئة الباكية وهي تشير إلى ركبتها المخدوشة قليلًا.
راقبت ملامح الخوف والحزن غير قادرة على سماع همسات الاثنان لكنها لا تحتاج فالجذع والمحبة في عيونه يخبراها بكل شيء.
مالت تستند على السور بمرفقيها منغمسة في صدق عواطف المشهد أمامها سعيدة بالشقيق الذي راعى شقيقته وأوقفها ينفض الأتربة عن ركبتها قبل أن يجثو يقبل خدشها كأنه يرضيها ويسرق آلامها بفعلته متناسيًا تمامًا غضبه منذ لحظات.
تابعت الفتاة التي نظرت لأسفل في خجل وعيون دامعة قبل أن تتحرك شفتيها وكأنها تعتذر عن فعلة سابقة فأكتفى الغلام بمسح وجنتها المتسخة وهو يجيبها بما سرق ابتسامة منها ابتسامة لمعت بها أسنانها الصغير، متقبلة فعلته حين جذب إحدى جدائلها في مشاكسة وسمحت له باحتضان كفها ليغادرا بخطوات صغيرة من أمامها، ظلت تتابعهم حتى اختفيا ولا تجد مبرر للسعادة والأمل الذي تولد داخلها ولكنها ستعتبرها رسالة من القدر بأن حيلتها ستكون في الصميم فلا مقدرة لخطيئة مهما كانت بشاعتها على تحويل الدم الذي يتشارك فيه أخوين إلى ماء، ويؤكد معتقدها ذلك رد فعل ريان الغاضب منذ عامين والذي تعيده ذاكرتها أمام عيناها وكأنه حدث بالأمس.
دخلت ريم إلى غرفة ريان المنغمس في جهازه المحمول لتخبره في سرعة وخوف وكأنها تخشى أن تتراجع عن قرارها:
-ريان الحق، أبو أحمد طرده هو وليان من البيت واخد منه المحل.
رمش ريان مرات متتالية في عدم استيعاب قبل أن ينتفض ليستقيم هاتفًا:
-طردهم ازاي وليه؟
سردت ريم طبيعة العلاقة بين أحمد ووالده واخبرته بأنه قد حضر بعد زيارة ريم لهما بيومين لطردهم من المنزل بكل سهولة، ليسرع ريان بالقول في نبرة غاضبة:
-أيه الجنان الرسمي ده؟
قوليلي أن الحيوانة دي رجعت لعقلها ومتصلة بيكي عايزاني اروح اخدها منه واخلي يطلقها.
أجابته ملامح ريم المرتبكة بشكل واضح وعيونها الهاربة بالنفي فهربت منه بضع ألفاظ غير لائقة ولم تجد ريم القدرة على توبيخه في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه لكنها استمرت قائلة وهي تفرك أصابعها:
-أحمد بيبيع عربيته وليان هتساعده باللي معاها عشان يقدروا يشتروا مكان صغير يبدئوا فيه مشروع على القد، أنا بكلمك عشان عارفة انها محتاجة مساعدتك كأخ كبير مهما كان في مشاكل بينكم.
-هتفضل طول عمرها غبية ومدوخه نفسها ومدوخاني معاها،
هي حرة مش ده قرارها واختيارها يبقى تتحمل عواقب أفعالها.
هتف ريان في حده وعنفوان فردت ريم في ذهول:
-أخص عليك يا ريان أنت شمتان في أختك، ده بدل ما تلحقها وتقف جنبها.
-ريم لو سمحتي أنا مش بشمت في حد ولا عايز أعرف حاجة عن حد وياريت ما تدخلنيش في حوارات أنا كارهها.
علا صوته المستنكر الخشن أثناء بحثه عن علبة سجائره كي يطفئ بها الغضب الذي أشعل الحمرة في وجهة الواجم ثم تركها واتجه إلى الشرفة لإشعالها باحثًا عن بوادر أي سلام لكنها لحقت به قائلة في نبرة جدية حادة:
-على فكرة الكلام ده كان من أربع اسابيع وليان مكنتش عايزاني أقولك بس لما لقتها بتعافر وبتحاول تبني حياة وشغل من جديد فرحت بيها وقولت لازم أقولك عشان محدش هيدعمها غيرك.
-ادعمها ضحكتيني والله.
رد في تهكم وهو يطل بجسده من الشرفة قبل أن يلتفت إليها مرة أخرى متسائلًا في لهجة غامضة:
-ولا أنتي شكلك زعلانة على أحمد وعايزاني أساعده، قولي ما أنا عارف ان غلاوته عمرها ما هتختفي من قلبك.
ازدردت ريم استهجانها وغضبها بأنف مرفوع متمسكة في اصرار بعيونه التي تقدح بشر مستطير، لتجيب إياه في زمجرة:
-أنا هعتبر نفسي مسمعتش الكلام ده، ولو أنت شايف ان مبلغ صغير خسارة في أختك يبقى مالوش لازمة،
أنا هتصرف وهستلف من أي حد وربنا يعيني على اللي مالوش خير في أهلة...
جلدته بكلماتها كالسوط ولم تنتظر اجابته لتلتفت مغادرة في خطوات عنفوانيه تعكس الغضب والحنق المتصاعد داخلها.
فرك ريان خصلاته بإحدى كفيه في جنون وبالكاد يقدر على جذب أنفاس سيجارته من بين اسنانه المسكوكة وقد وقع في دوامات من الغضب والحيرة بين الصواب والخطأ.
-يا الله...
ناجي الله بصوت ممدود تائهًا يحاول استجماع أفكاره المتخبطة، ولكن مشاعر الأخوة الراسخة بين معتقداته النفسية تحارب عناده ورفضه،
إيمان ترسخ داخله بإن الشقيق وقت الضراء قبل السراء وان وقوع الأخ في خطأ لا يعني التخلي عنه وقت الضيق.
زفر بحده لأنه يتمنى بكل ذره في كيانه أن يتجاهل ليان خاصة بعد ان كسرت بخاطره واهانت رجولته امام غريب كريه.
ولكنه لا يستطع الوقوف ورؤيتها تغرق...لا يجد داخله القوة للوقوف على أعتاب حياتها بعيدًا في حياد ورؤيتها تتحطم دون تدخل منه.
رمى عقب السيجارة من أصابعه في استهجان ثم اندفع للداخل يشعر بهياج داخل صدره كحمم البركان.
اما ريم فقد جلست في عناد بغرفتها تفكر في خطوتها القادمة لا تزال في حالة من الغضب الموجه نحو زوجها الطفولي الذي لا يستطيع التفكير برشد والتخلي عن عناده السخيف المخجل.
لكن ريان أجفلها حين دخل الغرفة بخطوات قوية مبعثرة متجاهلًا نوبة غضبها متجهًا إلى ضرفة ملابسة جاذبًا ما يريد قبل أن يبصق الكلمات في نقم:
-عايزاني احولها كام؟
انفرجت ملامح ريم المصدومة بعد عدة لحظات لتبتسم بعدها متسائلة في سرعة:
-هتساعدها بجد؟
-ايوة هساعدها عشان النكد وعشان محدش يقولي اللي مالوش خير في اهله ولا نيلة على دماغك،
ولعلمك لازم تتعلمي تحترمي خياراتي أنا من حقي أعيش حياتي بهدوء وباختياري ولا هو حلال ليها وحرام ليا!
رد في تهكم مخلوط بغضب وهو يتجاهل النظر نحوها منشغل في ارتداء ملابسه يحاول إخفاء جانبه المهتم بليان قدر الإمكان.
فحاربت ريم لإخفاء ابتسامتها ثم تركته يتمتم كلماته دون اعتراض لأنها متأكدة بأن غضبه المنصب عليها الآن ما هو إلا حجة يعلق عليها شماعة اهتمامه وخوفه على مصير شقيقته ورغبته الداخلية في مساعدتها دون أن يظهر كالمهتم.
جذب ريان حذائه يرتديه وما ان استقام للرحيل تحركت ريم نحوه محتضنه إياه رغم مقاومته البسيطة الرافضة لعناقها، هامسة بكل حب وامتنان:
-ربنا ما يحرمنا منك أبدًا يا أجدع راجل في الدنيا.
-دلوقتي أنا جدع ومن شويه كان ماليش خير في أهلي!
قال في تهكم وعتاب فحاولت قرص وجنته لكنه أمسك معصمها في اصرار يرفض لمساتها لكنها استمرت في عبثها بلا اهتمام:
-والله على حسب مزاجي...
-قطة ... ناكرة للجميل...
همس بكلماته المتذمرة، ثم تحرك مبتعدًا للخارج مستطردً:
-أنا نازل، انجزي ابعت كام؟
-أي حاجة منك هتكفي.
ضاقت عيناه في انزعاج واضح لأنه يفهم لعبتها الصامتة تمامًا بينما قابلته ريم بعيون متسعة بريئة مليئة بالانتصار، تنهد ريان قبل أن يومأ رأسه محركًا إياها لليسار واليمين فاقدًا الأمل في فهم زوجته المشاكسة ثم ذهب في صمت لتحويل ما يمليه عليه ضميره في مثل هذا الظرف.
خرجت ريم من ذكرياتها بصرخة طفيفة وقد قفز قلبها من صدرها حين حاوطها ريان بذراعيه من الخلف ليخطفها من الشرفة وإلى داخل المنزل في أحضانه.
-ريان حرام عليك خضتني!
سمعت همهماته الضاحكة وهو يقبل عنقها هامسًا بصوت خشن يغلب عليه النوم:
-أحسن عشان تحرمي تغفليني وتدخلي ترغي في البلكونة، كنتي بتكلمي مين على الصبح؟
ارتبكت ريم بعض الشيء ولكنها استدارت تخطف قبلة من وجنته قائلة:
-أبدًا كنت بصبح على وسام قبل ما كتيبة التتار تصحى وتبدأ الحرب.
شعر ريان بنوع من التوتر في نبرتها لكنه تجاهله رافضًا الاستسلام لشكوكه قائلًا في نبرة مازحة:
-أحسن عشان أنتي اللي مدلعاهم ومخلياني مش عارف أربيهم.
لكزته بكتفها في صدره للخلف قائلة في نبرة توازيه مشاغبة:
-تربيهم ؟
ولا أنت اللي مش عايزني أدلعهم وتاخد الدلع كله!
ضغط على خصرها وهو يغرس أسنانه بخفة في كتفها مزمجرًا في تملك وغيرة:
-حقي، هما واخدين كل وقتك لكن أنا كجوزك بشوفك صدفة في البيت.
-ماما...!
تركها ريان تفلت تبتعد عن ذراعيه بتذمر والتفت كلاهما يقابلان عمر ذو العيون الناعسة والمشعث الشعر من خلفهم فقالت ريم في نبرة محببة:
-صباح النور على عيون ماما اللي خاطف قلب ماما كله.
ضاقت عيون ريان وهو يتحسر على الدلال المقطر من نبرتها فمنذ ولادتها "عز" الصغير وطفله الخبيث نجح في سرقه انتباه ريم بأطلاقه لقب ماما رسميًا عليها وكأنه شعر بالتهديد وقرر الهجوم بكل امكانياته وحواسه الطفولية العجيبة.
زفر ريان ثم عقد ذراعيه في غيظ عندما ابتعدت عنه لتحتوي عمر في عناق طويل هامسة:
-روح أغسل وشك وسنانك وورايا على المطبخ نلحق نفطر قبل أبو لهب ما يصحى.
عانقها عمر بارتياح وكسل قبل أن يقبل بطنها التي يستند عليها برأسه ويتجه نحو المرحاض.
-ابن الكلب مقاليش صباح الخير حتى.
تذمر ريان في اعتراض مستنكرًا تصرفات الصغير:
-ومش هيقولك هو لسه زعلان منك عشان زعقتله امبارح وانت كأب مسؤول لازم تروح تصالحه.
-لا أنا كده هبقى أب دلدول مش مسؤول!
المفروض انتي يا هانم تروحي تقولي يلا نصالح بابا لكن واضح ان ماليش لازمه في البيت ده وسطيكم.
ابتعد في استهجان نحو الغرفة فاتبعته ريم في سرعة مغلقة الباب خلفهما في خفة قبل أن تلحق به توقفه في منتصف الغرفة وتلف ذراعيها حول عنقه في دلال هامسة:
-ملاكش لازمه؟!
فشر ده انت قلبي وعنيا وروحي من جوا، اه انت منكد على العيال بس ده ميمنعش اني بموت فيك وبعشق رخامتك.
اتسعت ابتسامه ريان وكأنه لم يكن غاضب منذ لحظات ليحيط خصرها بذراعيه يقربها من احضانه قائلًا في حنو:
-أموت فيكي وأنتي مثبتاني، طيب بالمناسبة السعيدة دي ما...
علا صوت عز الباكي المكالب لوالدته ليقطع كلماته المداعبة فضحكت ريم دون قدرة على كبت شماتتها لرؤية الملامح المرتسمة على وجه ريان فابعد ذراعيه في انزعاج صريح قائلًا في استنكار:
-اضحكي ماشي، روحي لابنك يا ست هانم.
وبذلك اندفع نحو المرحاض ولكن انزعاجه تلاشا تدريجيًا ثم تنهد شاعرًا بسعادة تكتسيه ما ان أغلق الباب ووصله صوت مداعباتها السخيفة لطفلهما، حرك ريان رأسه فاقدًا الأمل في البقاء غاضبًا عليها أو التمسك بجديته بين جدران هذا البيت، فقد نجحت ريم تلك الصغيرة ضئيلة الحجم في رسم حياة أسرية مرحة رغم الضغوطات والمشكلات التي يمران بها كحال اي زوجين ووالدين، لدرجة انه صار كمختل لديه انفصام حاد قادر على خلع رداء صفاته الحادة وكلماته اللاذعة عند عتبه منزلهما خاصة أمام ولديهما وعن طيب خاطر!
أما في منزل أحمد وليان داخل الردهة الصغيرة المكونة من طاولة طعام وصالون للضيوف نجحا في شراءه خلال العام السابق، تنهدت وهي تطالع البيت من حولها بتوجس وذلك الشعور الداخلي بانها لن تعود يحوم حولها ويسيطر عليها.
نظرت لأحمد الذي يطالعها بابتسامه صغيرة مشجعة قبل أن يقبل معصمها مؤكدًا بنبرته الهادئة:
-كل حاجة هتبقى زي الفل، ممكن تبطلي بصات القلق دي ولا هي اللعبة هتقلب بجد!
-خايفة يا أحمد، أنا خايفة ربنا يعاقبني بإني...
اوقفها احمد عن الحديث قائلًا في جدية وصدق:
-ليان ربنا رحيم ومستحيل هيعاقبك على ذنب انتي توبتي منه، بلاش ترعبي نفسك على الفاضي انتي هتقومي بالسلامه زي كل الستات اللي بتولد والدكتور بنفسه قال ان حالتك مستقرة ومفيش اي مشاكل، فخايفة ليه دلوقتي؟
بكت ليان دون قدرة على كبح عبراتها قائلة في خوف:
-مش عارفة يا أحمد، أنا بحبك وخايفة عليك وعلى بنتنا لو حصلي حاجة، اوعدني انك هتاخد بالك منها وتبقى حنين عليها واوعدني انك هتخلي ريان وبيجاد يشوفوها في أي وقت...
وقف احمد في اعتراض قائلًا في نبرة غاضبة متوترة:
-قولنا بلاش الكلام ده، أنتي بتوترني نفسك وبتوتريني معاكي ليه؟
بنتك انتي اللي هتاخدي بالك منها لان أنا اصلا فاشل ومشوفتش الحنان عشان ادهولها.
جثا امامها ممسكًا كفيها بين كفيه قائلًا في عزم يحاول أن يبثها بقوة هي مصدرها:
-فاقد الشيء لا يعطيه يا ليان فخليكي قوية وصامدة لأنك مصدر قوتي وأماني في الدنيا دي.
ضغطت ليان على كفه تناظره بحب قبل ان تميل نحوه تقبله في ضعف تحاولي السيطرة على مشاعرها المختلطة فبادلها قبلتها حتى همست أمام شفتيه:
-أنت مش فاقد لأي شيء يا أحمد أنت احن إنسان قابلته في حياتي ومعنديش شك ولو واحد في المية انك مش حنين أو سوي،
ومتأكدة مليون في المية أنك هتكون احسن أب في الدنيا.
ابتسمت في ضعف مستكمله:
-وهتساعدني أكون احسن أم، اخفضت عيونها قبل ان تستجمع شجاعتها قائلة بابتسامه مجبرة:
-أنا أسفة اني بقلقك على الفاضي، تقريبا كده دي الهرمونات.
همست في اعتذار صريح بينما تقبل باطن كفه ليربت احمد بحنو ورقة لا متناهيه فوق خصلاتها مؤكدًا:
-كفاية كلام ويلا عشان منتأخرش على معادنا.
هزت رأسها بموافقة وتركته يحمل الحقيبة قبل أن تتبع خطواته في بطء بينما شعر أحمد باضطراب شديد وخوف كبير من فقدانها، رمق ليان يراقب نظراتها للمكان ولحق عيناها بنظراته يتذكر كيف نجحا في بناء حياة شبه مستقرة في عامين فقط.
انتقلت به ذكرياته إلي اليوم الذي تلا زيارته للطبيب واكتشافه لمأساته وانه المخطئ الأول في حق نفسه ذلك اليوم عندما أتى والده إلي المنزل يطالبه بكل جحود وقسوة أن يترك المنزل معلنًا إنه قد وجد مشتري للمنزل والمتجر سويًا.
تذكر كيف وقف ليان بكل شجاعة وبسالة أمام والده رافضة ان تظهر ضعف أو ألم، وتذكر كيف ساندته كأنها تُسقيه من قوتها واصرارها حتى استطاع ان يواجه والده بذات القوة والتعالي وبدون إلحاح منه أو إظهار أي نقطة ضعف أو حزن لوالده المعتوه.
هبط على الدرج وهو يتذكر وقتها كيف دلف كلاهما برضا يلملمان ما يحتاجان إليه من ملابس وما يملكه من أموال في حقائب قليلة ليتخذا من السيارة مسكنًا لهما حتى وجدا منزل صغير حددته ليان مسبقًا لاستأجره.
أمسكت ليان أصابعه ما أن فتح باب السيارة لها لتحيي داخله تلك اللحظات حين تمسكت به وتعلقت بذراعه بينما هو يجلس منهارًا باكيًا داخل السيارة فتركته يخرج أخر مكنوناته المضطربة المذعورة من القادم بين أحضانها لتكون تلك أخر مرة يستسلم فيها لضعفه.
-أحمد متخافش.
همست ليان تطمأنه وقد هالها شحوب وجهه ونظراته المتعلقة بها فأجابها في صدق:
-مش خايف طول ما انتي جنبي.
ابتسمت ليان له ما ان ركبا السيارة الصغيرة نسبيًا عن سيارته التي باعها في بداية الطريق لتكون نواة مستقبلهما الحائر المبني بثقه ودون خوف بواسطتهما.
ظل أحمد طوال الطريق ممسكًا بكفها الصغير وكل ثوان يرمق عيونها المغلقة ورأسه المسنود للخلف بتفحص وقلق، لقد اثبتت ليان بانها السحر في حياته فلكل منا تميمة خاصة قادرة على دفعه للأمام ليكيل من خلالها جهوده بالإنجازات والنجاح وليان كانت التميمة خاصته التي استعاد بها نفسه الضالة قبل مستقبله.
ليان هي الحياة وان حدث شيء لها سينهار ويتفتت كالصخور في مواجه الأمواج، تنهد فهو يخشى ان يعترف لها بانه لا يخشى على ابنتهما بل يخشى عليها ويريدها سالمة غانمة تنبض بالحياة والنضارة بين ذراعيه.
رفع كف ليان يقبله وقد تملكه رغبة كبيرة في إخفاءها داخل قلبه وبين ضلوعه، تنهد في توتر لا يزال يشعر بالاضطراب ما بين حماس بقدوم المولودة وخوف على سلامة زوجته.
كل هذا بالإضافة إلي محاربته لتفكيره الذي يصر على نقله إلي أسوأ وأفضل فترة مرت على حياته،
فبعد معاناه ستة أشهر ما بين علاج إدمانه وعلاج اضطراباته النفسية لأن ليان أصرت في نفس الاسبوع الذي طردهم فيه والده أن يعود لزيارة الطبيب وعليه فقد تم حجزه بغتًا لخمسة عشر يوم قضى منهم أول سبع أيام وكأنه في الجحيم، ايام سبع مروا عليه كالسنوات الشائكة وكأنه في صحراء قاحلة لا يجد فيها الماء ولا يواسيه سوى حرارة الشمس الحارقة.
ولكنه أصر على الخروج دون إكمال مدته معللًا إنه لن يوقع زوجته في تلك المأساة ويتركها وحدها وان مرارة الحياة جعلته قادرًا على المضي في علاجه بينما هو في بيته وبجوارها.
وقد أخذ عهد على نفسه بالنجاح وقد نفذه بمساعدة ليان التي تحملت تقلبات مزاجية ونفسيه منه لشهور مريرة، ولكن وجودهما معًا كان كافي لنسيانها.
كما تمكن خلال ذلك الوقت من شراء دكان صغير بمنطقة بسيطة وإقامة مشروع يتناسب مع مواردهم في تلك الفترة، أدارته ليان بشكل كامل متحججه بانه يحتاج وقت للتعافي وانها ستتركه يساعد حتى تسلمه مقاليد الأمور وقد كان.
فقد نجحا سويا في عملهم الجديد وبناء حياة شبة سعيدة في بيتهم المستأجر الخالي من معظم الأثاث.
لكن القدر له حكمته ففي اوج حماسه واستعداداته النفسية للمضي في الحياة جاءه خبر وفاة والده المفاجئ.
تذكر حالة التيه والجمود التي تملكت جسده، فقد كان في حالة من الإنكار والغضب لأنه توفى هكذا دون سابق إندار.
خاطفًا منه امل ضئيل خفي في أن يعود لصوابه ويعوضه حنان أبوي افتقده، رحل دون أن يعتذر بل أسوأ هو رحل عنه دون ان يترك له ذكرى واحدة تجعله قادر على مسامحته لتنتقل روحه إلى ربه في سلام.
وكالعادة كانت ليان هي المحرك حين يعطل عقله عن التفكير ويخونه إدراكه وفي لحظات كانت تلملم حقيبة صغيرة مستعدة للسفر إلى بلدته حيث رأي والدته وشقيقته لأول مرة منذ سنوات ليرتميا في أحضانه وسط شلالات من العواطف المخلوطة بين لوم وعتاب وحزن لن يفهم من يراه سببه سواهم لا هي ولا مشاعر التيه التي سيطرت على عيون ثلاثتهم فقد كان والده الرجل المسيطر على حبال أقدارهم وأفعالهم طيلة حياتهم يعاملهم كدمى يحركها بخيوطه، ذهب وتركهم يواجهون الحياة كإنَس طبيعيون يملكون زمام أمورهم في تجربة مفجعة مهيبة لهم.
وقد حاول أحمد إقناع والدته ببيع المنزل والانتقال للعيش معه في نفس المدينة لكنها رفضت التزحزح من بيتها البسيط وبعد أيام تم فيها تصفيه ممتلكات والده على وجه السرعة فقد كان غير قادر على البقاء في تلك الأجواء كثيرًا.
كما انه رفض أخذ نصيبه بالكامل واكتفى بحق متجره الذي سلبه والده منه دون حق وترك الباقي في حساب بنكي لوالدته وشقيقته المقبلة على الزواج قريبا جدا، كي لا يحتاجان لأحد أبدًا.
وصلا إلى المشفى أخيرًا ليعيد كافة الذكريات في الخلف من عقله ويتجه بتركيزه بالكامل نحو ليان التي ترسل إليه ابتسامه مهتزة، فنظر لها منبهرًا لأنها حتى في خوفها تحاول بث الطمأنينة والأمان في قلبه.
تفتت أعماقه أمام قوة مشاعرها نحوه فهمس في نبرة حاسمة صريحة تفوح بريعان عشقه:
-بحبك...
-وأنا كمان بحبك.
هبط كلاهما بعد أن ساعدها على الهبوط، واندفعا لداخل المشفى ممسكين بيد أحدهم الآخر متجهين إلي جناحها المحجوز المنتظر وعلى لسان كلاهما دعوة واحدة أن تمر الامور على خير وسلام.
في نفس الوقت على الجانب البعيد من المدينة قال ياسر زوج مروة صديقة وسام والمنغمس في حديثة الممل مع بيجاد:
-صح يا بيجاد..
-لا لا بتهزري...
قاطعتهم صديقة وسام متدخلة على طريقتها الفكاهية فتلا هذا الحوار ضحكات عالية سمجة بينهما بينما جلست وسام تربت على ساق زوجها بيجاد الذي يشع بِطاقة من الانزعاج والغيظ، منذ بداية زيارة صديقتها وزوجها اللذان اثبتا غلاظة عالية في التعامل وجدارة في ثقل الدم خاصة مزحتهم السخيفة حول أسم زوجها فكلما نطق أحدهما أسم "بيجاد" رد الآخر سريعًا "بتهزري" ليقع كلاهما ضحكًا على مزحتهم الثقيلة المملة التي فقدت رونقها منء الأزل لكثرة استعمالها.
بينما يحارب بيجاد بصعوبة أن لا ينسى سنوات من كبح الذات وينقض عليهما فلا يتركهما إلا مكسوران العظام.
-مقولتليش يا وسام ناوية تخاوي ابنك امتى؟
-لسه مقررناش الحقيقة.
رمقت زوجها المتشنج في جلسته قبل ان تخبرهم في حرج:
-اه صح يا بيجاد نسيت تعملي حاجه ضروري في المطبخ عن اذنكم يا جماعة البيت بيتكم...
جذبته ليتبعها رغم عضلات جسده المتصلبة الرافضة للحركة وهمست في خفة ما ان دخلا المطبخ:
-أهدى يا حبيبي، حقك عليا معلش لو أعرف انهم سخيفين كده مكنتش رديت ليها العزومه وقولتلها هاتي جوزك...
-سخيفين بس انا فاضلي تكه وادفنهم مكانهم في الليفنج!
أكد بيجاد بعيون ضيقة متوعدة وهو يقبض كفه أمام وجهه في قوة، فأجابته وسام بارتباك بين ابتسامه مرغمة:
-ريلاكس ريلاكس، فين الصفاء الذهني وشغل الاجتماعات اللي قضيت شهور فيها ولسه بتروحها من وقت للتاني.
-ده ملعون أبو الاجتماعات اللي تخليني أهدى قبل ما اقتل الكائنات اللي عايزة الدبح دي!
صدقيني البشرية هتشكرني على الموضوع ده!
تشدق من بين أسنانه في انزعاج واضح ثم سألها في ملل:
-هما مش اتغدوا هيمشوا امتى ؟
وياريت بعد كده لما حد يعزمك متروحيش خصوصا لو هتردي العزومه وتجلطيني انا!
-خلاص فكك أنت وانا مش هعمل كده تاني، بس اضحك كده شوية عشان منحرجش الناس.
ضحك بيجاد في تهكم مؤكدًا:
-يتحرجوا؟!
هما دول عندهم دم !
-معلش يا حبيبي هانت خلاص أكيد هيمشوا دلوقتي...
قاطعهم صوت هاتف بيجاد فحرك عيناه داخل مقلتيه وهو يتنفس ببطء يستعد رباطه النفسي للخروج إليهم من جديد ليحضر الهاتف،
تعمد تجاهل وجوههم المتسائلة في صمت ثم أجاب هاتفه مبتعدًا عنهم مجيبًا ما ان رأى اسم ليان:
-ألو يا ليان..
-بيجاد الدكتور قال لازم أولد دلوقتي ومش هولد قبل ما تيجي حالًا انت وريان لازم اشوفكم مرة اخيرة ليجرالي حاجة!
ارتعب بيجاد من نبرتها المُحطمة ليهتف في خوف:
-يجرالك حاجه ليه؟
انتي مش قولتي الحمل ماشي كويس؟!
-حالتي دلوقتي مش مستقرة يا بيجاد، أنا في مستشفي ******* هات ريان وتعالى ارجوك.
-حاضر يا حبيبتي متقلقيش أقل من ساعة وهنكون عندك متخافيش يا ليان!
أغلق بيجاد الهاتف بوجه شاحب قبل ان يتحرك راكضًا للخارج تاركًا وسام قائلًا:
-ليان بتولد وحالتها حرجه مشي الناس الفقر دول وحصليني ع مستشفى *******، انا رايح ل ريان ..
ذهب وترك وسام تطالع صديقتها وزوجها بعيون متسعة غارقة في حرج وصدمة من كلمات بيجاد الوقحة ...
انتهت المكالمة ثم وضعت ليان يدها فوق فمها باضطراب شديد فتدخل احمد هاتفًا:
-ليان لو اعصابك هتبوظ بالطريقة دي بلاش تكملي الهبل ده عشان خاطري.
-مينفعش يا أحمد أنا عارفة ريان كويس انا بقالي سنتين بتحايل عليه محايله يرد ع الفون او الرسايل حتى ومش مديني فرصة واحدة،
أحمد أنا بسمع صوته صدفه لما بكلم ريم الموضوع ده قاتلني، انا محتاجه ريان، محتاجه اخواتي يرجعولي ويبقوا سندي من تاني صدقني.
هز أحمد رأسه بآسى وذنب قبل ان يهمس في صدق وألم:
-أنا أسف، انا السبب في كل اللي حصل بينكم.
-لا يا أحمد أنت مش السبب بالعكس انت احسن اختيار أخدته في حياتي ولو رجع بيا الزمن ألف مرة بردو هختارك للمرة الألف.
جلس فوق سرير المشفى بجوارها يعانقها مصرحًا في شغف مقبلًا رأسها في عاطفة جياشة وكأنه يشكرها لوجودها في حياته:
-أنتي أحسن حاجة حصلت في حياتي، وأنا معاكي في أي خيار تخديه وفي ضهرك مهما كانت العواقب.
-انا لازم اتصل ب ريان دلوقتي.
انهت اتصالهم العاطفي ثم رفعت هاتفها للاتصال ب ريان في ترقب وقلبها يدق في عنف تخشى القسوة والجحود وتخشى ان تكون فقدت مشاعر الحنين والحب داخله إلي الأبد.
انتهى الرنين وكالعادة لم يجيب، فكتمت شهقة بكاء مستسلمة داخلها واعادت الاتصال في اصرار منتظرة الإجابة.
-ريان تلفونك بيرن!
-عارف مش هرد.
أجاب ريان في عنف وعناد فعضت ريم شفتيها ما ان انتهت نغمة الرنين ... نظرت إلي ريان متسائلة في توتر رغم معرفتها بهوية المتصل:
-مين بيتصل بيك؟
-ليان.
جاءتها اجابته المقتضبة البسيطة قبل ان يعود هاتفه للرنين من جديد فانتظرت ريم عده نبضات قبل ان تميل نحو الهاتف تجذبه في سرعة، قائلة في توجس:
-انا هرد عليها، اصل هي على وش ولادة وممكن تولد في أي وقت!
وقبل ان يهتف برفضه أجابت على هاتفه، عقد ريان حاجبيه في غضب وكاد يجذب الهاتف منها لإغلاقه في وجه المتصل ولكن تعابير وجه ريم المرتاعة ونبرتها المرتعشة اوقفته وجمدت الدماء في عروقه:
-ليان، انتي منهارة ليه كده...
صمتت ريم ثوان تستمع لليان قبل ان تتقن دورها التمثيلي بوضع كفها فوق فمها مثيرة ذعر ريان الذي وقف يشير إليها بيده محاولًا فهم ما يحدث لكنها اكتفت بمد أصابعها بالهاتف نحو ريان هامسة في خوف:
-الحق يا ريان!
لم يقدر ريان على التحمل وقد هبت روح الأخوة منتفضه داخله مسيطرة على جوارحه هازمة العناد المستوطن شخصيته الصلبة فقال في نبرة مضطربة يشوبها اللهفة:
-ألو ...
لم يخرج من فمه جملة متكاملة حتى انفجرت ليان باكية وقد غلبتها مشاعرها المضطربة المكبوتة وانفجر ذلك الشعور الموحش بالقهر داخل قلبها ما أن سمعت صوت شقيقها الأكبر الغارق بالاهتمام لكنها استكملت مخططها وسط انهيارها وللمرة الثانية في حياتها لجأت له هامسة في ضعف وبكاء:
-ريان الحقني يا أخويا...