قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل الأول

عندما يعشق الرجل الجزء الثاني

رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني الفصل الأول

 

هاج وثار وكأنه ثور يلوحون أمامه بإحدى تلك الأقمشة الحمراء التى تثير هيجانه أكثر وأكثر ... هرول إلى شركة جده مقتحما مكتب الرئيس التنفيذى الجديد الذى كان سابقا مكتب جده ... بغضب عاصف و نار تهدد بحرق الأخضر واليابس معها ... ووجه ينذر بأن صاحبه سيفتك ويمزق بانيابه كل من سيقف أمامه فى هذه اللحظة بالذات ... فلم يستطع أحد إيقافه او منعه من الدخول او بمعنى أقرب لم يجرؤ أحد على الوقوف لمنع أسد آل سيوفى من الدخول وهو فى أوج غضبه ... وملامحه التى تنبض بالشر ...
انتفضت علا من مكانها بقوة وهى تنظر برعب واعين مهتزة للعاصفة الهوجاء التى اقتحمت غرفة مكتبها الجديد ...
وقفت بثبات وعيناها لم ترجف حتى لاستقبال موجة غضبه تلك بقوة عازمة على عدم اظهار رجفتها الشديدة من هياته تلك التى تنذر بالخطر ... وهى تتفحص وتتشرب من ملامحه بتركيز شديد ...


عيناه حادة غاضبة ووجهه أصبح محمرا للغاية كعادته عندما يغضب و تصل الدماء إلى وجهه وكأنه بركان على وشك إخراج حممه...
منذ ان عقدت الاجتماع مع المستثمرين وأصحاب الأسهم منذ ثلاثة ايام وهى تقوم بتهيءة نفسها لاستقبال جام غضبه ... لا لن تتراجع ... فلقد فات أوان التراجع ...
خطوة واحدة فقط ... خطتها بإحدى قدميها للخلف ... وهى تبلع ريقها ما ان نظرت لوجهه الذى حاول بل حارب حتى يصبح هادئا...
وصدره الذى يعلو وينخفض يظهر مدى غضبه ...
صرفت علا بيديها السكرتيرة الجديدة التى قامت باختيارها خصيصا اليوم فهى لا تريد اى موظفين بالقرب منها ينتمى لسليمان الحسينى ...
صمت ... وهى نظرت إليه بترقب واعين خبيثة تخفى ما يعتمل فى صدرها
قائلة بمنتهى الهدوء
" كيف حالك يا وسيم "
راقبت صمته بترقب ...
تبعت كلامها وهى تجلس بارياحية مطلقة على الكرسى خلف المكتب وكأنه عرش مملكتها ناظرة إليه بتعالى مختلف تماما عن خوفها و ذعرها الذى تخفيه .. من هيئته المتوحشة
" تفضل بالجلوس ... يا سيف السيوفى "
نادته باسمه وهى تسبل اهدابها ...
لوى فمه ... يراقب حركاتها بأعين صقر يتربص لفريسته...
وبغضب مكتوم وصمت عميق سألها
" ماذا تفعلين فى مكتب اسيادك "
بلعت اهانته بهدوء تام ونبرة ناعمة سألته
"للاسف لقد انتهى عصر الاسياد والجوارى... كل شخص يصل الى مكانة عالية يصل إليها بمكانته ...
ثم سألته بغموض
هل هو كثير على ..."
ظهرت ابتسامة سخرية على وجه سيف ...
لكنها تابعت بتملك..
"لقد كانت دائما هذه مكانتى... ولو إننى لا استحقها ما كنت وصلت إليها ... لقد تم اختيارى من قبل المساهمين فى هذه الشركة "
هتفت بكلماتها ورفعت رأسها بغرور... ابتعدت عن كرسيها و دنت منه ببط وخيلاء وهى ترفع ذراعيها محيطة به رأسه ... ثم اقتربت برأسها منه وبحفيح أفعى ...
" لو كنت استمعت إلى سابقا لكنت انت الآن من تجلس على هذا الكرسى ... لو كنت معى ... لكنت اوصلتك إلى القمة .. انا وأنت متشابهين للغاية "
تابعت وهى تمرر بشفتيها بالقرب من ثغره ...
" تعلم انك لو كنت فقط معى ... لما أصبحنا يوما هكذا ... تعلم إننى أحبك .. "
أمسك بكوعها بقبضة شديدة وبقوة دفعها بعيدا عنه ... صرخت من شدة قبضته ما ان دفعها...اتسعت عيناها دهشة ... ومررت أصابعها على كوعها تحاول تخفيف الألم ...
" أن ..كنت. سأصل للقمة لن أصل لها بمساعدة امرأة قذرة مثلك "
اصتك باسنانه على كلامته التى خرجت وكأنه أسد يزاءر تابع و ذراعيه مرفوعان عاليا
" أنا وانتى نعلم جيدا كيف وصلت علا ... إلى هذا الكرسى ... "
اقترب منها وكأنه أسد غاضب يكشر عن أنيابه ... جعلها تتراجع للخلف مع كل خطوة يخطوها بقربها وعيناها متسعتان رعبا
صرخ ... صرخ بكلماته
" أنا وانتى نعلم كيف وصلتى إلى هذا الكرسى ... بقذارتك وصلتى إلى هذه المكانة ... زواجك من رجل أعمال كبير ضمن لك عدة أسهم ما ان طلقك ... لقد كنتى بالنسبة له مجرد امرأة لإشباع رغباته ..."
اصتك على كلماته
وبسرعة أمسك برسغها بقوة وهى تءن ألما من قبضته التى تكاد تكسر عظامها
" أما انا أن جلست على هذا الكرسى سيكون لأنه لى ... لى انا ... افرحى. .افرحى به قليلا ...
اقترب بفمه من إحدى اذنيها متابعا
" فمثلما سمحت ليكى بالجلوس عليه ... انا أيضا من سيبعدك عنه ... وحينها ... حينها ساسحقك بقدمى هاتان كالحشرة "
غضبت حتى وصل غضبها لعنان السماء وهى تدفعه بقوة بعيدا عنها لكنه لم يتراجع بل ظل كما هو حدق بها بشر ... و دنا من باب غرفة المكتب
لكنها اوقفته وهى تصرخ قائلة
" نعم ... نعم ... قذاراتى هى ما اوصلتنى إلى هنا ...
وبنبرة خفيضة للغاية قالت
"لذلك أحذر من قذاراتى قبل أن تصل إليك ...
وبنبرة لا تخلو من التهديد
" اهتم بزوجتك جيدا ... و بطفلك"
التمعت عيناها بانتصار ... بانتصار شديد وهى تلمح نظرة الرعب ما ان نطقت بكلماتها ... وبلمح البصر كان قد وصل إليها ويداه تقبضان على رقبتها خانقا إياها وهى تكافح بكل قوتها للخلاص منه لكنها لم تفلح ...
وبنبرة مهددة غاضبة صرخ
" اياكى... ثم اياكى ذكر زوجتى هل فهمتى ... أن خدشت فقط ساقطع يديك هاتان وساجعلك عبرة لكل من سيجرؤ على أن يلمس من ينتمى إلى "
أبعد يديه عنها وبقرف نظر إليها وهى تحاول أخذ أنفاسها ... وعيناها متسعتان بعد ان قاربت على رؤية الموت بأم عيناها ...
اجفلت ما ان استمعت إلى صوت إغلاق الباب الذى أغلق بقوة ...
كسرت أول شئ أمسكت به يديها وهى تصرخ بقهر ... جاءت على أثره مساعدتها ... التى لم ترحم من غضبها العاصف... وهى تسب وتلعن بوعيد وجنون



" أين كنت "
سأله ماجد بقلق
زفر سيف بضيق وهو يمرر يده على وجهه يحاول التماسك وكبح غضبه ...
راقب ماجد صديقه ... وهو يلوم نفسه بشدة ... فهو الملام لم يضع علا تحت انظاره جيدا الفترة الفائتة .. لم يتوقع يوما انها قد يصل بها الأمر وتحاول الوصول الى كرسى الرئيس التنفيذى ...
" سيف انا حقا آسف ... كان يجب على وضعها تحت انظارى...انا الملام من كل هذا "
نطق بها ماجد بخفوت وأسف شديد
" لم يعد يفيد الأسف ... يجب علينا التفكير جيدا وأبعادها عن طريقنا ... وإيجاد الطريقة التى نستطيع من خلالها أقصاها من المنصب "
قالها بصوت عميق لا يخلو من الغضب
اؤما ماجد برأسه ...فتابع سيف يسأله بنبرة حادة
" هل لديك أية اقتراحات "
" نعم ... هتف بها ثم صمت قليلا ...فتابع ما ان رأى نظرات سيف المحدقة به
" لقد عرفت انها استطاعت الوصول إلى المنصب من خلال تصويت معظم أصحاب الأسهم لها ... ونحن نستطيع أقصاها .. وحلولك انت مكانها بطريقة واحدة "
قالها ثم نظر تالى سيف ... الذى رفع إحدى حاجبيه بتمعن وتفكير
فاضاف ماجد بسرعة
" أن نقوم بعمل اجتماع مع أصحاب الأسهم واقناعهم بأنك الأحق ..."
أبتسم سيف بتهكم وهو يردف بنبرة ساخرة ...
" وهل نستطيع جمعهم الأمر سيستغرق وقتا بالإضافة إلى انه من المحتمل أن يرفوضوا "
قاطعه ماجد بسرعة وهو يقول بإصرار
" لا لكن هناك أغلبية المساهمين الأجانب لم يحضروا ولم يوقعوا على قبولهم لها ... ونحن سنحاول إقناعهم "
صمت سيف قليلا ... ثم هو رأسه بسرعة قاءلا بثقة
" ساسافر انا بنفسى إليهم "
سحب سترة بذلته بسرعة ولم يمهل ماجد فرصة الرد ... وهتف وهو يستعد للخروج من المكتب
" ماجد ... قم بجمع أسماءهم ..وعناوينهم. ..أريد أن أجد ملف بهذا على مكتبى اليوم "
هتف بكلماته وخرج مسرعا من غرفة المكتب صافعا بابه بقوة ...
.. لقد بذل كل جهده .. حفر باصابعه فى الصخر حتى يستطيع ان يصل إلى المنصب والمكانة التى تمناها... ولن تبعده امرأة عن ما أراده دوما

جلست وهى تراقب القوارب الصغيرة و عدد من السفن التى تحمل عدد من الثنائيات ... الذى يعبر كلا منهم عن حبه للآخر بطرق مختلفة ومتعددة .. بعضهم يمسك بيد الآخر بقبضة تمليكة... واخرين ينظرون إلى بعضهم بهيام. .. وعشق لم تستطع السنتهم البوح به ...
تنهدت بضعف وتشدقت بابتسامة ساخرة ... وهى تؤكد فى داخلها ان بعض هؤلاء العاشقين لن تكتمل قصص عشقهم وإن كانوا جميعهم...
"نورا"
اجفلت نورا فى مكانها ما ان استمعت لنبرته الدافئة التى نادت باسمها ...
حاولت رسم ابتسامة على وجهها ونظرت إليه وكأنه أخ لها ...
جلس قبالتها و وجهه تعلوه ابتسامة ... قبالتها هى الأخرى بابتسامة أخوية مماثلة
تكلمت هى أولا بهدوء ونبرتها الناعمة
" محمود ...كيف حالك! .. ارجو ألا أكون قد ازعجتك "
حرك رأسه نفيا وأكد نفيه قائلا
" ما هذا الذى تقولينه يا نورا انا فى خدمتك دائما "
ابتسمت بسعادة ... فلطالما كان محمود هو الأقرب إليها منذ ان تعرفت عليه من خلال فيروز واخاه سليم ... محمود الرجل والشاب الذى كان يقف بجوارها دائما... ولم يتوانى يوما عن مساعدتها او تلبية طلباتها... وهى ما ان اتصلت به بعد ما حدث فى منزلها و اكتشافها ان روز ما زالت على قيد الحياة ...وهو اجاب على اتصالها بسرعة وسالته ان كان يعلم بمكان روز ...
أخبرها بعدم معرفته ... لكنه أيضا قال بأنه سيعلم أين هى ... وسيخبرها ... واليوم صباحا أخبرها انه قد علم بمكان روز ويتمنى أن يقابلها ... رغم أنها استغربت من طلبه .. لكنها أيضا لم ترفض ...
فقالت هى بهدوء لا يخلو من بعض الارتباك
" بالتأكيد تعلم بعلاقتى المضطربة مع مراد منذ فترة ... لذلك انا لم أجرؤ على سواله عن مكان روز ... وكذلك الباقين فأنا قد قطعت علاقتى بهم منذ ان توفيت فيروز ... ولم يبقى أمامى غيرك انت .. فأنت لم تكن مجرد صديق بالنسبة لى بل أيضا أخ يساندنى ما ان أحتاج إليه "
أخ ...لطالما كان بالنسبة لها مجرد أخ ... فعل الكثير لكنه لم يستطع الوصول إلى رتبة أكثر من هذه ...
تنهد بخفوت ونظر إليها بنظرات يخفى بها ليالى شوق... إلى من خفق قلبه أول مرة بسببها ...
وقال بنبرة مرحة واعين لامعة تشبه تمام الشبه بابنه الذى ورث كل شى منه
" ساقولها لك مرة أخرى يا نورا ... انا دائما فى خدمتك وتحت امرك ... سليم هو الوحيد الذى كان يعلم بمكان روز لذلك استطعت أن اعرف منه عن مكانها "
تابع كلامه وهو يقرب منها ورقة مطوية ... أخذتها منه بسرعة .. ووضعتها فى حقيبتها ... وبحركة هادئة وقفت مبتعدة عن كرسيها ...
وهى تقول بشكر غامر وهى تمد له يديها
" شكرا لك ..يا محمود انا لن أنسى يوما ما فعلته معى ... حقا شكرا لك "
وبيد مرتبكة ... تكاد تتراجع ... حاوط أصابعها بيديه ...وهى بتلقائية أبعدت اصابعها عن يده وتحركت مبتعدة عن الطاولة وعنه ...
ابتلع ريقه بألم ... وبدون ان يشعر أبت الذكريات إلا أن تأتى وتلاحقه فى هذا الوقت بالذات ... لكى يتذكر ما عاش ما بقى من عمره محاولا أن ينساه ... حبه لنورا... وابتعاده عنها فقط من أجل صديقه وابن عمه مراد ... مراد الذى لم يجرؤ أحد يوم الوقوف أمام شى تمناه واراده...
مراد أحب نورا مثلما هو أحبها تماما ...
لا يستطيع أن ينسى ذلك اليوم ذلك اليوم بالذات ...
الذى دلف به إلى مكتب مراد الصغير الذى كان أول عمود لبناء شركة المحامة الخاصة به الآن ... كانوا الخمسة متجمعين فى مكتبه وهو دلف إليهم بأعين عاشق ولهان ... قد استبد به العشق والوله ... وهم بحكم أنهم أصدقاءه ... راقبوا ابتسامته وعيناه الخضراء التى تكاد تصرخ من عشقها ...
لم يتركوه يجلس سالما ... بل ظلوا يلحون عليه ...حتى أخبرهم ... وياليته لم يقل ... يا ليته لم ينطق .. ياليت .. كلمة لن تنفع ابدا ...
" سأذهب لخطبة نورا اليوم "
قالها بسرور بالغ
" نورا من؟! " سأله مراد بارتباك
" نورا صديقة فيروز " أجابه محمود
" نورا ابنة السائق! " قالها مراد بسخرية
جعلت جميعهم يعقدون ما بين حاجبيهم بتساؤل. .. لكنه بلع سخريته ... ونظر إلى أصدقاءه
...الذين بداو يعبرون عن سعادتهم بطرق مختلفة ... سليم الذى تفاجأ بقراره لكنه رغم ذلك احتضنه بقوة ... وعادل الذى احتضنه... وياسين الذى ظل يدعو له أن تكون هى الزوجة الصالحة ...إلا هو ... مراد الذى كان يجلس بتصلب وبدلا من ان يهناه سأله
" وهل والدتك موافقة؟! " سأله مرة أخرى بوجه مضطرب
أستغرب محمود ... واستغربوا جميعهم من سؤال مراد
لكنه أجابه بابتسامة معبرة عن سعادته
" بالطبع .. لماذا ترفض !.. بل انها موافقة وبشدة ...وخصوصا عندما أخبرتها بكل شئ عنها ... وهى فى غاية السعادة "
وفى نفس اليوم ... نعم فى نفس اليوم ... وربما بعد ما أخبره بقراره بساعتان... ساعتان فقط ... وجده يدلف إلى منزلهم حيث كانوا جميعا مستعدين للذهاب إلى منزل نورا ... وكلا منهم سعيد ...
وبمنتهى البرود هتف
" لقد خطبة نورا ... وقد وافق والدها .. و الزفاف خلال أيام "
صمت رنان أطبق على المكان وجميعهم ينظرون إليه بدهشة ... وتساؤل ... تساؤل غريب اجتاحهم ... الجميع يعلم انه انانى... لكنهم لم يعتقدوا انها قد يصل إلى هذه الدرجة ...
اخرجهم جميعهم من صمتهم وهو يهتف بسعادة وغرور
" الن تباركوا لى .. ام إننى لا أستحق مثل محمود "
نظروا إلى بعضهم ... حتى كان والدهم هو البادى... احتضن الحاج رشاد ابن أخيه وبارك له رغم حزنه على ابنه الآخر ... وتبعه الباقون والدته ...أخاه ... وحتى أصدقاؤه ... لكن هو ركض ... ولم يستطع البقاء ومشاهدة ما يحدث أمامه ببرود ... لكنه استسلم عندما علم بأن نورا موافقة على الزواج منه ...
الشئ الوحيد الذى أعتقد انه السلوان له عندما علم من نورا نفسها انها موافقة وتحب مراد ...
وخلال ايام فعلا تم الزفاف وأصبحت نورا ملكا لمراد السيوفى فقط ... واصتكت بصك ملكيته ...
وضع يده حيث موضع قلبه ... قائلا فى نفسه بألم
" اه ...ما زال قلبى يدق بقوة ..ما ان يلمح طيفك .. لست حزيناعلى نفسى يا نورا ... لكنى حزينا عليكى ... انتى لم تكونى تستحقين رجلا مثل مراد ... انا لا اعيب صديقى ... لكنه جرحك وخصوصا عندما تزوج عليكى .. امرأة أخرى "


استقلت نورا إحدى سيارات الأجرة ما ان خرجت من المقهى الصغير الذى كان على النيل ... و املت للسائق عنوان الفندق ...
أدار السائق سيارته وانطلق حيث امرته السيدة ...
وهى جلست بالخلف و ارجعت رأسها قليلا واستندت على ظهر المقعد ... أبت الذكريات إلا ان تلاحقها فى هذا الوقت ... تذكرت كل شى ... تذكرت من كانت قبل ان تقابل مراد ... ومكانتها التى ارتفعت بلمح البصر ما ان تزوجت به ...
والدها كان يعمل سائق لدى والد فيروز ... وبالأخص كان سائق السيدة الصغيرة ... كان مسئول عن توصيل فيروز إلى اى مكان تريده ... يذهب بها إلى المدرسة ... وهى باسلوبها التلقائي وطريقتها المرحة استطاعت التقرب من السائق العجوز وأخبرها انه لديه ابنة فى مثل سنها تماما ...
بالطبع لم تمهل فيروز الأمر ... أصرت عليه ان يعرفها بابنته... تعرفت نورا بفيروز ومع مرور الوقت اصبحتا الاثنتان أكثر من صديقتان بل يكادان يكونان أخوة ...
وباصرار وتصميم من فيروز تم نقلها إلى مدرستها ... ومنذ تلك اللحظة وهى تتعلم كل ما يخص الطبقة المخملية الأنيقة من عادات ... كانت تحضر دروس اللباقة والإتيكيت معها .. تعلمها كيفية التصرف بدقة وذوق متناهى... حتى تحصل على تقدير واحترام الجميع لها ...
... فالسيد سليم ما ان رأى طريقة ابنته الهوجاء التى تكاد تقارب تصرفات الصبية بسبب وفاة والدتها وهى صغيرة ... حتى بحث عن امرأة تعلم ابنته جيدا كيف تكون امرأة
... ماذا ترتدى .. كيف تمشى ... واخرين .. لتعليم العزف على البيانو والكمان وغيرها من الآلات ... ومن أجل تشجيع ابنته المتمردة ... قامت هى بمشاركتها فى حضور جميع الحصص مجانا هبة من السيد المبجل سليمان الحسينى ...
ما زالت تتذكر تلك المرأة التى قامت بتعليمهم كيفية المشى الصحيح ... الظهر مشدود لكنه أيضا ليس منحنيا او متصلب... كانت تقوم بوضع عدد من الكتب فوق رؤوسهم بالإضافة إلى ذلك الكعب العالى الذى كاد أن يقسم ظهورهم ما ان يرتدونه...
أنهت معها الجامعة ... وما ان حصلت على شهادتها الجامعية حتى تم الحاقهما للعمل والتدريب فى الشركة الرئيسية ...
وهنا كانت بداية كل شى ... بداية قصة فيروز ... وقصتها هى ... لم تكن تعلم ما يخفيه لها القدر ... قصتها التى حملت المعاناة والحب ...
فيروز فى اول ايام عملها فى الشركة تعرفت على مارسيل أخ روز الذى كان والده مساهم من المساهمين الأجانب فى الشركة ... علاقتهم توطدت واصبحا قريبان للغاية من بعضهما بطريقة ارهبتها هى شخصيا ... فيروز تعاملت مع مارسيل بطريقة عفوية للغاية ... لكن مارسيل لم يتأخذها يوما هكذا مجرد علاقة او كانهما صديقان ...
طريقة تقبيله ليد فيروز ما ان يراها ... نظراته .. قبضته التملكية وهو يمسك بيديها ... كل شى كان يعبر إلى أن مارسيل لم يتخذ العلاقة التى بينه وبين فيروز علاقة أخوة فقط بل تعدت هذا ...
وهى بحكم انها صديقتها وأختها ... أخبرتها بما تشعر ... لكن العنيدة لم تهتم ... وقالت أن ما تنخيله ليس صحيحا ... فمارسيل بالنسبة لها مجرد صديق ...
وهنا ظهر سليم ... سليم حب فيروز القديم ... بدأت تقابله سرا من دون معرفة أحد ... إلا هى فقط التى كانت تعلم بعلاقة الاثنان ... حتى والدها رغم قربه من ابنته الوحيدة إلا انه كان يرى سليم من وجهة نظره انه مجرد شاب يتلاعب بها ... ولو كان يريدها حقا ويخاف عليها سيتقدم لخطبتها ...
لكنها كانت تقابله بالرد بأن سليم ما زال فى بداية حياته العملية يريد أن يبنى مستقبله بنفسه من دون مساعدة أحد حتى والده نفسه ... وأنه لا يريد أن يقدم على اى خطوة إلا عندما يعلم انه يستطيع إنشاء منزل ...
لكن والدها أصر على أن كل هذا ما هى إلا حجج واهية .. و أضاف بحزم وربما بنبرة حادة ... عدم مقابلتها لسليم السيوفى ...
لكن فيروز كانت أكثر عنادا مما كان يعتقد والدها ...ولم تكن مستعدة للتخلى عن سليم او حبه لها ... فأصبحت تقابله سرا ... فى اى مكان بعيد عن أعين والدها ...
وهى بحكم صداقتهما حاولت اقناعها بالابتعاد وأنها لو أراد الله لهما أن يجتمعان سيحدث ... لكنها رفضت ... حتى انها لم تكف عن اقناعها بالذهاب معها فى مقابلتها لسليم وحينها ستعرف انه لا يتلاعب بها ... وهى لم ترفض لها طلبها وأصبحت ترافقها فى اجتماعتهما تلك ...
وحينها كان سليم يأخذ فيروز ويبتعد عن انظارها ... ويتركها مع أصدقاءه الأربعة ياسين ..مراد ..محمود .. و عادل ...حتى يستطيع ان ينفرد بفيروز لوحده ...
شعرت بالرهبة والارتباك والخوف وربما بالرعب وهى واقفة وهم حولها ... وكانت تحاول ان تتمسك برباطة جاشها ... وعدم اظهار خوفها او ارتجافها منهم ... لكنها من اول مقابلة رات احتراهم لها ...
وخصوصا ياسين الذى كان يعاملها كأنها طفلة صغيرة ... يقوم باحضار لها كيس مملو بكل ما يتمناه طفل فى عمر الخامسة ... جميعهم كانوا يحاولون إخراجها من ارتباكها هذا ... وإثبات لها أنهم لن يوذوها يوما ... ويوما بعد يوم عرفت كم هم رائعون... وليسوا أشرار كما كانت تعتقد ... إلا واحدا منهم الذى نأى بنفسه بعيدا عنهم ...
كان يراقب كل شئ من بعيد وبصمت ... مراد ... الذى كانت ترتعب من نظراته لها ... نظرة سوداء خالية من اى تعبير ...
استطاع سليم ان ينهض بمشروعه الصغير الذى كان بشراكة أخاه الأصغر محمود ... وما ان استطاع أن يمتلك ماله الخاص ... حتى قام بشراء منزل صغير ... وتقدم لفيروز رسميا ... وبعدها بعدة أشهر من خطبتهم... بدأ مرض فيروز يظهر جليا عليها ... وقبل أن تتزوج أخبرهم الطبيب انها لن تتحمل لا الحمل ولا ألم الإنجاب ...
رغم أن فيروز حاولت ابعاده عن طريقها ما ان علمت بمرضها بطريقة ... خالفت تماما تمسكها به فى البداية ... لكنه رفض تركها تزوجها ... وتخلى عن أكثر شئ قد يتمناه اى رجل ان يصبح أبا ... ومنذ موقف سليم هذا وقد ارتفع فى نظر سليمان الحسينى أكثر وأكثر ... بل انه أعتبره بعد ذلك ابنا له ... وتوطدت علاقتهما ...
أما نورا فى تلك الفترة فقد تقدم لها أحد زملائها مما يعملون فى الشركة معها ... شاب ميسور الحال فى مقتبل العمر يملك شقة ليست بصغيرة ولا كبيرة فى حى راقى ... بالإضافة إلى خلقه الذى اتصف به بين زملاءه ... وهى أمام تلك المميزات بأكملها وافقت ... فمن هى لتجد شاب به كل هذه المواصفات ... فمهما ذهبت او أتت فهى ستظل ابنة السائق رغم انه تقاعد منذ عدة سنوات لكنها ستظل ابنة سائق... وإن تزوجت فهى لن تتزوج غير بمحيط حارتهم الضيقة وجميع شبانها أكثرهم تعلما يحمل شهادة التعليم الإبتدائى... وهى تمنت أن تتزوج رجل بنفس مستوى تفكيرها وتعليمها على الأقل ... لذلك أعطت لنفسها فرصة .. جلست معه مرة واثنان وثلاثة ... وانتهت جميعها انها شعرت بالراحة له ... ورأت به رفيقا للمستقبل ...
بعد مدة من خطبتهم ... تفاجأت فى ليلة من الليالى انه تم القبض عليه .. وحتى الآن هى لا تعلم التهمة او الجريمة التى قام بها ... وعندما علمت بخروجه سأل والدها وبحث عنه وكانت النتيجة انه اختفى هو و عائلته ولا أحد يعلم عنهم شئ ... أخذت نورا وقت طويل للغاية لكى تستطيع الخروج من مما كانت به ... لكنها فى النهاية رضت بقضاء الله ...
وفى أحد الأيام ... ذهلت عندما وجدت مراد فى شقتهم الصغيرة ... يجلس مع والدها ... وما ان رآها حتى هم من مكانه و نطق بنبرة هادئة لوالدها
" ارجو أن تسمح لى ان أتكلم مهها اولا "
اؤما والدها موافقا وتركهما فى الغرفة وترك بابها مفتوحا ... لكنه ما ان خرج والدها حتى قام مراد بغلق الباب عليهما ... أبتسم لها بطريقة جعلت جسدها يقشعر وهو يقول بنفس الهدوء
" لقد تقدمت اليك من والدك ... وهو موافق وينتظر موافقتك ... ما رأيك "
فرغت فاها أولا من طريقته تلك ف عرضه للزواج ...و ثانيا استغرابها الاكبر ان مراد ... مراد السيوفى تقدم لخطبتها هى .. لماذا ؟!... كيف؟! ... متى ؟!... لا تعلم! ... ولا تفهم !... منذ ان تعرفت به وهو لا يعبر بنظراته لها غير انه لا يكاد يطيقها ... كيف ؟!...
لكنها حافظت على هدوءها وقالت بنبرة حادة لا تقبل جدلا
" لا ... آسفة سيد مراد .. ابحث عن غيرى... فأنا لست مناسبة لك "
فى لحظة وجدت ذراعها مكبلا بيديه وهو يهتف من بين أسنانه بنبرة حاول جعلها هادئة متفهمة
" لماذا ؟!"
" باى حق !.. تتحدث معى هكذا او حتى تسألني؟! "
هتفت به متحدية
" بحق إننى أريدك ...إننى أحبك "
نطق بها بعشق وعيناه تنضح بما لم تجرؤ لسانه على قوله ...
" لكنى لست... لست بمستواك ... كيف ؟!..."
نطقت بارتباك ... لكنه قاطعها بسرعة قائلا بتلهف
" هل هذا ما يقلقك ؟!... أننا لسنا بنفس المستوى ... نورا ..انسى اى شى قد يفرق بيننا ... انسى من أكون ... تذكرى فقط شى واحد إننى أحبك ... وأنا لا أريد أكثر من موافقتك ... وأقسم لك إننى لن اجعلك تندمين يوما على الزواج بى"
نظرت إليه بدهشة ... هل حقا يحبها ... نعم هى قد شعرت بذلك من نظراته لها الآن ... من نبرة صوته ...
ضحكت بقوة وهى تتذكر وعوده ... وعوده الكثيرة لها ...لكن رغم ذلك مراد زوج واب رائع ... نعم لن تنكر هذا ... رغم أنها تزوجته زواج عقل ... فى البداية رأته مناسبا لها بالإضافة انها شعرت ببعض الإعجاب له ... وهو بطريقته جعلها تحبه ... لدرجة انها تحملت كل أفعاله ورضيت ... هل ما عرفته عنه آخر مرة هى كانت القشة التى قسمت ظهرها حقا ...
ام انها فعلا تحدثت اخيرا بما كان يؤلمها ما ان قامت بتزويج حازم... ورأت أن مراد لن يستطيع ان يقوم بتهديده كعادته بالابتعاد عن ابنها ما ان تطلب الطلاق ... أفكارها تؤلمها... لكن مشاعرها تؤلمها أكثر ... فهى ما زالت حمقاء وتحبه ... حاولت مرات ...ومرات إيجاد الأسباب لكرهه رغم أنها كانت موجودة لكنها لم تستطع ...
سقطت دموعها حارة ... كسا عيناها الحمرة من كثرة البكاء مع كل ذكرى تتذكرها معه ... كل ألم .. وكل جرح طعنت به بسببه ... فرغم ما عاشته من نعيم معه ... إلا طعناته لها كانت أكثر إيلاما لها ...
مسحت دموعها بسرعة ما ان رأت نظرات السائق المشفقة لها من خلال مرآة السيارة المواجهة لها ...
حتى وصلت الى الفندق وترجلت من السيارة ...

 

داخل غرفة اروى فى منزل والدها الجالسة على السرير وهى تضع يديها على معدتها شاردة فى اللاشى أمامها ...
لم تحصل على نوما هناء منذ ان خطت بقدميها إلى منزل والدها ... لا تعلم هل هى اضطرابات وهرمونات الحمل ... ام لأن عقلها وقلبها يكادان يقتلانها من التفكير به ...
لقد فضلت البقاء بعيدا عنه حتى تحصل على بعض الراحة النفسية ... حتى لا تضر بطفلها... لكنها فشلت ببراعة ... وما ان ياتى الليل ...حتى تبدأ هى بالبكاء والانين شوقا إليه ... تحتاج إلى ضمته التملكية لها ... أنفاسه التى تخبرها بأنها بأمان حتى لو كانا متخاصمان فهو لا يدعها بعيدا عن احضانه ...نزلت دمعة مشتاقة من عيناها ...
تريد الذهاب إليه ... لكن كبرياءها. ..كبرياءها يمنعها ... هو لا يريدها غير جسر لكى يصل به إلى قمة جبله العالى ...
لا تستطيع تركه ... ولا تستطيع البعد ... و بين هذا وذاك ... هى متحيرة ومشتتة...
ليس هذا ما تمنته معه ... هى تحبه ... لكنها أيضا تريد وتتمنى أن تنطق شفتاه يخبرها بأنه يحبها ... لكنه لم يفعل .. ولن يفعل ... تعلم هو لن يفعل ... لانه لا يحبها ... آهة طويلة خرجت من صدرها ألمت قلبها ...
اجفلت ما ان استمعت لصوته الذى جعل عيناها تتسعان ذعرا من نبرته الغاضبة والهادرة ...
وبخطوات متعثرة ... تحركت من مكانها وخرجت من الغرفة ... وهى تستمع لكلماته المتواصلة .. وصوت والدتها الذى يحاول تهدءته و إخراجه من انفعاله ذاك ...
لكنها فشلت ... فشلت وبجدارة... وهو لم يكف عن الصراخ ...
ركضت مرة أخرى إلى غرفتها ... وجسدها يرتعش من التوتر ... دموعها نزلت وهى ترتعش من الفرحة ...
" لقد أتى ... لقد أتى "
ظلت ترددها وهى تصرخ بها بقوة من شدة سعادتها ... وقفت أمام المرآة وهى تعدل من هياتها... وبسرعة ركضت حيث خزانتها... تحاول البحث عن شئ مناسبا لها بعد معدتها المنتفخة تلك ... فهذا قصير ... وهذا طويل وضيق ... وهذا قديم ... واخر قديم للغاية ... تبا لم تحضر أية ملابس معها ...
جلست بوجه عابس على السرير ... وهى تزم شفتيها حزنا ...
اجفلت ما أن رأت والدتها تدلف إلى الغرفة مقتربة منها ...
فرسمت هى بسرعة على وجهها عدم المبالاة ... وهى تعقد ذراعيها على صدرها بكبرياء
" سيف يريدك أن تعودى معه ...ما رأيك "
سألتها والدتها وهى تحاول إخفاء ابتسامتها من شكل ابنتها الدال على انها تحاول أن تخفى شوقها لزوجها من تصرفاتها الامبالية
رفعت اروى حاجبيها بتعالى
" بالطبع ... انا لن اذهب "
" هل انتى متأكدة "
" بالطبع " قالتها بخفوت وهى تخفض راسها للأسفل
" حسنا سأفعل ما تريدينه ... وساخبره بردك "
قالتها والدتها وهى تظهر هى الأخرى عدم مبالاتها. .. رغم أن ابن أخيها يكاد يشيط غيظا وغضبا فى الأسفل ... تكاد تقسم انها ان أخبرته بهذا ... سيقتحم غرفتها و لو لزم الأمر ان يقوم بربطها وحملها على اكتافه والعودة بها سيفعل ...
راقبت خروج والدتها من الغرفة ... وهى تصتك على اسنانها من التوتر ... تحاول إقناع نفسها انه لن يستسلم ويذهب هكذا .

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة