رواية عندما فقدت عذريتي للكاتبة سارة علي الفصل التاسع عشر
في صباح اليوم التالي..
فتح باب الشقة وولج الى الداخل بخطوات مترددة بعد ليلة طويلة قضاها في سيارته يجوب الطرقات ذهابا وإيابا دون أن يستطيع العودة الى الشقة بعدما حدث بينهما...
ما زال غير مستوعبا لكل ما جرى وكيف لاحقه طيف علي في أهم لحظات حياته..
تسائل مع نفسه، هل يستحق هو أن يعيش حياته بأكملها مقيدا بذنب أخيه الحبيب..؟!
كلا هو بالتأكيد لا يستحق هذا ولكن ربما هناك من يستحق وهي زينة..
هو يعلم في داخله أن زينة تتحمل جزءا كبيرا مما حدث لأخيه بالرغم من إدراكه لحسن نيتها..
زينة كانت سببا أساسيًا في موت أخيه وإن أنكر هذا..
صوت إغلاق الباب أيقظها من نومها لتقفز من مكانها بسرعة حيث كانت نائمة على الكنبة وهي تنتظره أن يعود طوال الليل...
لقد أنبها ضميرها لدرجة كبيرة بعدما حدث، كيف قررت أن تستغله بهذا الشكل البشع ظنا منها أنها ستحقق إنتقامها وثأرها لنفسها..؟!
هي لم تكن يوما بهذا السوء، لطالما كانت بريئة نقية لا تعرف طريقا للأفعال الخبيثة، لا تعلم كيف فكرت بشيء كهذا، وكيف استطاعت أن تفعل هذا دون خجل..
احمرت وجنتيها بينما جميع هذه الأفكار تدور داخل رأسها...
لقد أخبرته بطريقة مباشرة أنها تريده، يا لها من خطة حقيرة ومخزية..
وقف زياد منتصف الصالة مصدوما من وجودها أمامه بهذا المنظر الغريب، وجهها شاحب يدل على عدم نومها سوى لساعات قليلة وملابسها غير مرتبه، كانت ما زالت ترتدي قميص نوم ليلة البارحة، يبدو أنها كانت تنتظره..
صباح الخير..
ألقى تحية الصباح ببرود وهو يتجه نحو غرفته محاولا إزاحة هذه الأفكار من رأسه لتجيبه زينة بخجل وخفوت:
صباح النور..
ثم تقف في وجهه وتهتف بتردد بينما نظراتها منخفضة نحو الأسفل:.
ممكن نتكلم شوية..؟!
أطلق زياد زفيرا قويا قبل أن يومأ برأسه وهو يتجه نحو الكنبة ليجلس عليها تتبعه زينة والتي جلست على الكرسي المقابل له تفرك يديها الاثنتين بتوتر وعينيها ما زالتا منخفضتين نحو الأسفل..
انا اسفة..
نظر زياد إليها وسألها بنبرة حائرة وحاجبين معقودين:
بتعتذري ليه..؟!
أجابته بجدية وهي ترفع نظراتها المترددة نحوه:
اسفة عشان اللي حصل امبارح...
تنهد بقوة وقال:.
مفيش حاجة تستاهل إنك تعتذري مني عشانها، انتي مغلطتيش يا زينة..
قالت زينة بألم:
لا غلطت يا زياد، وغلطت اوي كمان..
تحدث زياد بنبرة صريحة:.
أنا عارف إنك مبتحبنيش، وإنك إتجوزتيني لسبب مجهول، سبب هعرفه قريب..
نظرت إليه بحزن للحظات، حزن ما زال يحتل أركان قلبها، هي لا تحبه وهو يعرف هذا بل ويعترف به، لكنها تتمنى في نفس الوقت أن تحبه، أن تعطيه وتعطي لنفسها فرصة تجربة مشاعر صادقة معه..
زياد، انا عايزة أحبك، أنا محتاجة أحبك..
قاطعها بإباء:.
لا يا زينة، الحب مبيجيش كده، مفيش حاجة اسمها عايزة احبك، وكمان الحب والاحتياج صعب يتقابلوا سوا، غالبا الاحتياج هيبقى هو الاساس وانا مش عايز أكون شخص تحتاجيه، لو عالإحتياج فأنا جمبك أهو وهفضل جمبك،
أغمضت زينة عينيها بوهن وقد شعرت برغبة عارمة في البكاء بينما نهض زياد من مكانه وجلس بجوارها محتضنا كفيها بكفيه هاتفا بنبرة رجولية بحته:
تعرفي أنا حبيتك ليه..؟!
نظرت إليه من أسفل أهدابها ليجيبها بجدية:
عشان لقيت فيكي طيبة وبراءة مشفتهمش فوحدة قبلك..
صمتت ولم ترد بل إكتفت بإيماءة حزينة منها ليقترب منها ويطبع قبلة طويلة على جبينها قبل أن يتركها ويرحل..
مساءا..
وقف زياد أمام المرأة يعدل من تسريحة شعره بينما زينة في الخارج تسير ذهابا وإيابا أمام باب غرفته دون توقف..
بعد حديثهما صباح اليوم تركها زياد ورحل الى الشركة ليعود مساءا ويلج الى غرفته دون أن يتحدث معها وكأنها شيء غير مرئي بالنسبة له..
هذا الأمر جعلها تشعر بالضيق والغيظ في أن واحد..
وجعلها تفكر جديا في الحديث معه وفهم ما ينوي فعله في الأيام القادمة..
توقفت زينة عن أفكارها تلك وهي تراه يفتح باب الغرفة ويخرج منها لتتوتر كليا بينما يرمقها هو بنظرات مستفهمة، قالت أخيرا مجيبة على نظراته:
كنت عايزة أكلمك فموضوع مهم..
اقترب منها وسألها بجدية:
خير، اتفضلي..
هو احنا متخاصمين..؟!
سألته بصراحة مطلقة ليسألها بتعجب:
انتي شايفة كده..؟!
أغمضت عينيها للحظات قبل أن تفتحها وهي تهتف بنفاذ صبر:
زياد من غير لف ودوران، انت لسه زعلان مني..
لقد باتت تفقد صبرها بسرعة وهذه صفة جديدة عليها..
هو انتي عملتي حاجة تستحق أزعل منك عشانها..؟!
إنه يثير إستفزازها..
رمقته بنظرات مستاءة وقالت:
لا ابدا..
كويس..
قالها بإقتضاب ثم تحرك خارجا من الشقة لتضرب زينة الأرض بقدميها قبل أن تتحرك نحو هاتفها وتجري إتصالًا سريعا بصديقتها نور..
بيتجاهلني يا نور...
قفزت نور من مكانها وسألتها بحيرة:
مالك يا زينة..؟! ومين اللي بيتجاهلك..؟!
أجابتها زينة:.
هو مين غيره، زياد..
استغفرت نور في سرها وقالت بضيق:
وانا اللي افتكرت فيه مصيبة جديدة حصلت، حرام عليكي،
ثم أكملت نور بحيرة:
من إمتى وإنتي عصبية بالشكل ده..؟!
من اللي شفته يا نور..
صمتت نور للحظات قبل أن تقول بجدية:
طب ايه اللي حصل عشان يتجاهلك..؟!
أجابتها بجدية:
حاولت أغريه..
نعم..؟!
صرخت بها نور بعدم تصديق قبل أن تهتف بتخبط:
أنا مش فاهمة حاجة يا زينة...
أخذت زينة نفسا عميقا وقالت:.
الحكاية ومافيها إني إتجوزت زياد عشان أنتقم من أمه بعد اللي عملته فيا...
انتي بتقولي ايه يا زينة..؟!
قالتها نور غير مصدقة لما تسمعه على لسان صديقتها، كيف تغيرت زينة بهذا الشكل وأصبحت تخطط للإنتقام، جاءها صوت زينة الحزين اخيرا:
أنا مش عارفة إزاي فكرت كده، نور انا مش وحشة وانتي عارفة ده، انا مدايقة من نفسي اوي عشان استغليته،
طب اهدي يا زينة، اهدي يا حبيبتي..
قالتها نور محاولة إخراجها من هذا الحزن المسيطر عليها قبل أن تكمل بجدية:
اسمعي كلامي يا زينة، مفيش حد يستحق منك إنك تغيري من نفسك وتخسري طيبتك بسببه، لو هما أذوكي بجد سيبيهم لربنا وربنا أكيد هياخد حقك، لكن بلاش أرجوك تفكري تنتقمي منهم او تفكري حتى فده...
حل الصمت المطبق بينهما لتردف نور:
بلاش تضيعي نفسك يا زينة، الحقي نفسك يا زينة وبلاش تخسريها...
تمام يا نور، .
قالتها زينة بنبرة تائهة قبل أن تغلق الهاتف مع نور وهي تفكر في كلامها..
لحظات قليلة وسمعت صوت باب الشقة يفتح يتبعه دخول زياد الى داخل الشقة متقدما نحوها هاتفا بإبتسامة غريبة:
فيه مفاجئة عشانك..
لمعت عيناها وهي تنهض من مكانها وتتقدم نحوه متسائلة بلهفة:
مفاجئة ايه..؟!
وما إن أنهت كلامها حتى فُتح الباب مرة أخرى ودلفت والدتها ومعها أختها مريم الى داخل الشقة...