رواية عاشق المجهول الجزء الأول للكاتبة أمنية الريحاني الفصل الخامس عشر
( حب لا تراه الشمس )
فى منزل مريم:
تلتمع عيون فاطمة حين ترى عاصم أمامها، ولا تشعر بنفسها إلَّا وهى فى أحضانه تنهار باكية، لا تعلم لماذا تبكى، أتبكى من شدة إشتياقها له، أتبكى لأنها كانت فى حاجة إليه، أم تبكى لتلقى فى أحضانه كل أوجاعها وهمومها.
يملس عاصم على شعرها فى حنان قائلاً: كفاية يا حبيبتى، كفاية يا فاطمة عياط، أنا خلاص رجعت يا حبيبتى ومعاكى
فاطمة ومازالت تبكى فى حضنه قائلة: ليه سيبتنى يا بابا، ليه مخلتنيش أفضل معاك ؟
عاصم: غصب عنى يا حبيبتى، هنا بالنسبة لك آمن وأحسن
فاطمة: بس أنت كنت واحشنى أوى يا بابا، متسبنيش تانى يا بابا
يخرجها عاصم من حضنه قائلاً: خلاص بقى يا بطة، أنا رجعت ومعاكى، بطلى عياط بقى، كبرتى على الكلام ده
يقطع حديثهم صوت مريم تنادى على فاطمة
مريم: بتكلمى مين يا فاط...
ولكنها تقف مصدومة حين ترى عاصم، تقابلت أعينهم بعد كل هذه السنين، وكأن الوقت عاد للخلف سنين، وتوقف عند لحظة واحدة، أخر لحظة جمعت أعينهم سويا، لحظة رؤية عاصم لمريم فى زفافها، لحظة فراقهم، اللحظة التى ولدت بداخلهم جروحا وأوجاعا لا يقدر على مدواتها أى طبيب، وكأن الجروح قد فتحت من جديد، وكأن بركان الحب الخامد قد أعلن بدء إشتعاله فى قلوبهم بعد كل هذه السنين، أنسحبت الكلمات من على ألسنتهم، لتترك العنان للغة العيون حتى تبوح بما أخفته القلوب، فكانت لحظة لقاء أقوى من أى مشهد رومانسى يعرض على شاشة التليفزيون، فكان الصمت بينهما أقوى من أى كلام.
أما فاطمة فظلت تتابع لحظة لقاءهم، وقد شعرت بدقات قلبها تتسارع، لا تعلم هل هى متأثرة بما تراه لأول مرة من عشق حقيقى تحكيه العيون، أن تحزن لأن والدها كان قلبه ملك لإمراءة أخرى غير والدتها، أم إنها سعيدة لأنها حقا أحبت تلك السيدة، فمن ملكت قلب والدها قديما، قد أحتلت قلبها أيضا مؤخرا
ولكن عذرا، فلابد من أتقطع هذه اللحظة، فتنحنحت فاطمة قائلة: أحم أحم، دا بابا يا ماما مريم، رجع من السفر أخيرا
ينظر عاصم لفاطمة فى دهشة قائلاً: ماما!
تقترب فاطمة من مريم محيطة إياها بذراعيها قائلة: طبعا ماما، ماما مريم عوضتنى عن حنان ماما الله يرحمها، كانت حنينة وطيبة أوى معايا
ينظر عاصم لمريم قائلاً: مريم طول عمرها حنينة وطيبة، إزيك يا مريم
مريم فى تردد: إزيك أنت يا عاصم
عاصم: أنا متشكر أوى يا مريم على كل اللي عملتيه إنتى وابنك مع بنتى
مريم: متشكرنيش يا عاصم، فاطمة جت نورت حياتنا، وملت البيت فرحة وشقاوة، ويعلم ربنا أنا بعتبرها زى علا بنتى الله يرحمها ويمكن أكتر
يقطع حديثهم صوت خالد قائلاً: مساء الخير
يجيبه الجميع: مساء النور
ينظر خالد فى إستفهام لعاصم: مين حضرتك؟
مريم: دا عمك عاصم يا خالد، والد فاطمة، وخال عادل وغادة
خالد فى نفسه: والد فاطمة !
خالد: أهلا بحضرتك يا عمى
عاصم: أهلا يا ابنى، أنت بقى خالد، سمعت عنك كتير، وعن كل اللي عملته مع فاطمة، وليا قاعدة طويلة معاك
خالد: أنا معملتش حاجة، أتفضل حضرتك نقعد ونتكلم
فى فيلا الصفدى:
تجلس غادة فى غرفتها حزينة بسبب شجارها مع خالد، فتدخل عليها غالية متساءلة: غادة بقولك، متعرفيش الواد عادل أخوكى هيرجع إمتى من السفر
غادة: هو قال هيقعد أسبوعين يا مامى
غالية: أنا مش عارفة شرم إيه اللي قرر يسافرها مع الصيع صحابه دول
غادة: بيقول عايز يغير جو بعد ما خلص كلية
غالية: قال يعنى فالح أوى، ما علينا
وقبل أن تخرج غالية تلاحظ حزن غادة فتعود إليها مجدداً
غالية: مالك يا غادة، شكلك حزينة ليه يا حبيبتى؟
تنظر لها غادة فى حيرة وحزن، لا تعلم أتخبرها بما يدور بينها وبين خالد، أم تخفى الأمر حتى لا يعتبرها خالد تفشي ما بينهم مرة اخرى، وربما لا يسامحها هذه المرة
غالية: إيه يا حبيبتى، مبترديش ليه؟
غادة فى تردد: مفيش يا مامى، مفيش
غالية: زعلانة مع خالد ؟
غادة: خالد ؟! لا خالد ملوش دعوة بزعلى
تقترب منها غالية فى حنان مصطنع قائلة: هتخبى على مامى، قوليلى إيه اللي مزعلك، وأوعدك يا ستى مش هقول لأى حد، وخالد نفسه مش هيعرف إنك قولتيلى حاجة
غادة: بجد يا مامى؟
حنان: طبعا يا حبيبتى
غادة: وأنا هحكيلك يا مامى
فى منزل مريم:
تقف مريم فى المطبخ تعد فنجانا من القهوة لعاصم، فيدخل عليها خالد قائلاً: أنا عايز أعرف هو جه عشان يشوفها ولا ناوى ياخدها
مريم: معرفش يا خالد، بس حتى لو قال هياخدها، منقدرش نقوله حاجة
خالد: إزاى يا ماما، إنتى عايزة فاطمة تمشى وتسيبنا، مينفعش يا ماما، مينفعش فاطمة تبعد عننا، مين هيذاكرها، مين هياخد باله منها
مريم: يعنى يا ابنى هنمنعه، دى بنته يا خالد
خالد: أيوا بنته، بس إحنا ممكن نكلم خالى يحيي يخليه يسيبها معانا، ويبقى يجى يزورها، إيه رأيك يا ماما؟
مريم: معرفش يا ابنى، خلينا نشوف هو هيقول إيه، وبعدين ربنا يحلها من عنده
فى غرفة فاطمة:
تضع فاطمة ملابسها وكتبها فى شنطة السفر، فوجدت الفستان الذى أشتراه خالد لها فى يوم عيد ميلاده، ظلت تتأمله وتساقطت دموعها رغما عنها، فهى لا تتخيل أن تفارق هذا البيت الذى أحست فيه بالأمان والحب، لا تتخيل أن تفارق الإنسان الذى أصبح أمانها مرتبط بوجوده معاها، فهى رغم وجود والدها الآن مازالت تشعر بأن أمانها بوجودها بجانب خالد، يدق الباب ويستأذن عاصم فى الدخول.
تمسح فاطمة دموعها قائلة: بابا أتفضل
عاصم: بتعملى إيه يا فاطمة؟
فاطمة: بحضر شنطتى يا بابا، مش حضرتك جاى عشان تاخدنى معاك
عاصم: طب أقعدى يا فاطمة، عايز أتكلم معاكى
تستجيب فاطمة لطلبه، وتجلس بجانبه على السرير
عاصم: اسمعى يا فاطمة، أنا لما عرفت من عمك يحيي إنه جابك هنا، كنت مطمن عليكى، لأنى كنت عارف إن مريم هتكون أحن عليكى من أى حد، وأطمنت أكتر لما عرفت إن ابنها بياخد باله منك وبيعاملك زى أخته، وعرفت إن سايب فى ضهرى راجل يحميكى، حتى من غير ما أشوفه، لأن واثق كويس فى تربية مريم
فاطمة: أه يا بابا، ماما مريم وأبيه خالد كانوا حنينين معايا أوى، متتصورش بيحبونى إزاى، وأنا كمان بحبهم أوى
عاصم: بس أنا دلوقتى رجعت يا فاطمة، والطبيعى إنك تيجى تعيشى معايا، ولا إيه؟
تنظر فاطمة فى حزن قائلة: اللي تشوفه يا بابا
عاصم: إنتى مش عايزة تمشى من هنا يا فاطمة ؟
توميء فاطمة رأسها بالرفض فى خجل
عاصم: طب ممكن هما يا بنتى كانوا مضايقين من وجودك، أو شايفين إنك مينفعش تقعدى هنا طالما أنا رجعت
فاطمة: هما مضايقين منى يا بابا؟
عاصم: أنا بقول ممكن
فاطمة: يبقى خلاص يا بابا، همشى مع حضرتك
عاصم: طب قومى يالا حضرى الشنطة، على ما أتكلم مع خالد ومريم شوية
فى شرم الشيخ:
يجلس عادل شاردا على شاطيء البحر، ويحدث نفسه
هو: وبعدين يا عادل، هتعمل إيه، هتسيب فاطمة كده بعد كل اللي قريته فى عينيها
نفسه: هى يعنى ممكن يكون متعلقة بيه زى اخوها مش أكتر
هو: أنت هتضحك على نفسك، إحساسها كان باين أوى فى عينيها
نفسه: أنت مكبر الموضوع ليه، دى عيلة ومراهقة، يعنى مشاعرها مشاعر مؤقتة مش أكتر، وهتروح مع الوقت
هو: ولما هى مجرد مراهقة، شاغل بنفسك بيها ليه، ليه خايف عليها تنجرح
نفسه: عشان زى ما حسيت بيها وقريت الحب فى عينيها، عارف خالد كمان، وبفهمه أكتر من نفسه، وعارف إن حبها مش هيجيبلها غير وجع القلب والجرح
هو: وأنت بقى شجيع السيما اللي هتعرف تفوقها، ما أنت لسه بنفسك قايل إنها مشاعر مراهقة
نفسه: مش عارف، كل اللي عارفه إنى خايف عليها من اللي جاى
فى منزل مريم:
يجلس عاصم مع خالد قائلاً: أنا متشكر يا ابنى على الفترة اللي أستضفتوا فاطمة فيها، ومتشكر كمان على حمايتك ليها، فاطمة كمان مش هتنسى الأيام اللي قضتها معاكم
خالد: مش هتنسى ؟! هى فاطمة رايحة فين؟
ينظر له عاصم بتفحص قائلاً: رايحة معايا يا خالد، خلاص أنا رجعت والطبيعى إنها تبقى معايا، وكفاية الفترة اللي تعبتكم فيها.
خالد فى ضيق يلاحظه عاصم: ايوا يا عمى، بس إحنا مقولناش إننا مضايقين من فاطمة، وعمرنا ما أعتبرنا إنها ضيفة، هى كانت دايما واحدة مننا
تدخل فاطمة ومعها حقيبتها وبجوارها مريم تودعها باكية، ينظر خالد للحقيبة فى حزن وصدمة، وكأنه لا يصدق أنها سوف تغادر وتتركهم
فاطمة: مع السلامة يا أبيه
خالد: إنتى ماشية يا فاطمة، زهقتى مننا، مبقتيش عايزة تقعدى مع أبيه خالد، وماما مريم
فاطمة: لا يا أبيه متقولش كده، حضرتك عارف أنا بحبكم إزاى
ينظر لها خالد بعيون دامعة تراها لأول مرة، ويلاحظها عاصم، تحتضن مريم فاطمة قائلة: هتوحشينى يا بنت قلبى، فراقك صعب عليا أوى يا بنتى
فاطمة وهى تبكى قائلة: وإنتى كمان يا ماما، هتوحشينى أوى، وهيوحشنى كلمة ماما
تخرج فاطمة مع عاصم، وقبل أن تصل إلى الباب يوقفها عاصم قائلاً: استنى يا فاطمة.
ينظر الجميع إلى عاصم، فينظر عاصم لخالد ومريم قائلاً: خالد يا ابنى، أنا لما جيت كنت خايف تكونوا مضايقين من وجود فاطمة معاكم، بس بعد الحب اللي شفتوا منكم لبنتى، مش هبقى مطمن عليها لو بعدت عنكم، أنا داخل على حرب كبيرة أوى مع غالية ومش بس غالية، يوسف عمران خال فاطمة، ومش عارف نتيجة الحرب دى إيه، ووجود فاطمة معايا مش هيبقى فى صالحها، عشان كده أنا بطلب منكم تخلوا فاطمة معاكم، ممكن ؟
خالد فى فرحة تحتل ملامح وجهه: ممكن إيه بس، دا أنا اللي بترجاك تخليها معانا، دى طمطم بقت نور البيت ده، وحضرتك كنت هتاخد النور وتسيبنا فى الضلمة
فاطمة فى سعادة: بجد يا بابا، هتخلينى مع ماما مريم، وأبيه خالد
عاصم: طبعا يا حبيبتى، أنا ميهمنيش غير سعادتك، وإن أبقى مطمن عليكى
تحتضن فاطمة عاصم فى سعادة، ثم تحتضن مريم قائلة: خلاص يا ماما مش هسيبكم
مريم: الحمد لله يا بنتى، مكنتش متخيلة البيت هيبقى إزاى من غيرك
تنظر فاطمة لخالد فى حب قائلة: خلاص يا أبيه مش همشى
خالد: مينفعش تمشى يا فاطمة، إنتى ربنا بعتك هنا، عشان نصيبك يبقى هنا ... معانا
بينما ينظر عاصم لمريم فى حب قائلاً: مريم ... أنا ...
مريم: متخفش على بنتك يا عاصم، بنتك هتبقى فى قلبى قبل عينى
عاصم: أنا واثق من ده يا مريم، وكنت بستأذنكم أجى أشوفها
خالد: طبعا، حضرتك تقدر تيجى تشوفها فى أى وقت
فى فيلا الصفدى:
تقصّ غادة على غالية ما حدث بينها وبين خالد، فتنظر غالية إلى الفراغ فى شر، ثم تعاود النظر لغادة فى حنان مصطنع قائلة: بس كده، هو ده اللي مزعلك؟
غادة: أيوا يا مامى، أنا حاسة إن خالد مبقاش عايزنى
غالية: إنتى اللي عبيطة، خالد زيه زى أى راجل، ضمنك فى جيبه، وطالما ضمنك يستعجل ليه على الجواز، لكن اللي ينحرروا ويخليه يجيلك زاحف ويتحايل عليكى كمان عشان تتجوزيه، إنه يحس إنك هتضيعى منه
غادة: طب ما أنا هددته هنهى علاقتنا لو فضل مصّر على اللي فى دماغه
غالية: أديكى قولتى، هددتيه، يعنى مجرد كلام
غادة: أمال حضرتك عايزانى أعمل إيه؟
غالية: تتخطبى لواحد غيره
غادة: إيه، حضرتك بتقولى إيه، أتخطب لحد غير خالد
غالية: اسمعى كلامى، مجرد خطوبة، وفى ايدينا نفسخها فى أى وقت، وهو لما يشوف إنك ممكن تضيعى من إيده وتروحى لغيره، هيتجنن، ويجيلك يترجاكى تتجوزيه
تنظر لها غادة فى حيرة وخوف، لتكمل حديثها قائلة: اسمع كلامى وإنتى تكسبى
تنظر غادة إلى الفراغ وتفكر فى حديث والدتها.