رواية عاشق المجهول الجزء الأول للكاتبة أمنية الريحاني الفصل الثالث
( حب لا تراه الشمس )
فى المساء:
كان خالد يذاكر فى غرفته، فشعر ببعض الإرهاق، فقرر أن يأخذ قسطاً من الراحة ويتوجه للمطبخ لإعداد كوباً من الشاي، وفى طريقه إلى المطبخ لفت إنتباهه وجوده فاطمة فى الشرفة تنظر إلى الطريق فى شرود، وقد لمعت حبات الدموع فى عيونها، ليقطع شرودها قائلاً: مساء الخير يا فاطمة.
تفزع فاطمة من صوته، وتنتفض، ليحاول تهدئتها قائلاً: إيه مالك إتخضيتى ليه، دا أنا ؟
فاطمة فى خجل: أنا أسفة يا أبيه خالد، أنا بس أتخضيت
خالد: أنا اللي أسف إنى دخلت عليكى فجأة وخضيتك، قوليلى بقى مالك، كنتى بتفكرى فى إيه؟
نظرت له فاطمة دون أى رد منها، فأكمل حديثه قائلاً: أنا مش قصدى أتطفل عليكى يا فاطمة، أنا بس شوفتك قاعدة سرحانة وشكلك مضايق، فحبيت أطمن عليكى، لكن لو مش عايزة تتك...
تقاطعه فاطمة قائلة: أنا خايفة
ينظر لها خالد فى دهشة قائلاً: خايفة ؟! خايفة من إيه يا فاطمة؟
فاطمة: مش عارفة
خالد: يعنى إيه مش عارفة، فى حد مش عارف هو خايف من إيه ؟!
فاطمة: آه، لما الخوف يصاحبك طول عمرك، لدرجة إنه يتملك منك ويبقى جزء من حياتك، ساعتها هتبقى مش عارف أنت خايف من إيه
خالد: دا إيه الكلام الكبير ده، إنتى صغيرة اوى على الكلام ده
فاطمة: أنا صحيح صغيرة، بس حصلت حواليا حاجات كتير أكبر من تحمل أى حد فى سنى، طب حضرتك أكبر منى بكتير، وتقدر تجاوبنى على السؤال ده، ممكن تقولى يعنى إيه أمان، إيه الحاجة اللي تخلى الواحد مطمن وينام وهو مش خايف
نظر لها خالد فى صدمة من سؤالها قائلاً: فى حاجات كتير تخلى الواحد مش خايف ويحس بالأمان، حضن أمه، سند أبوه، بيته اللي بيحتويه ويحس جواه بالإستقرار، وجوده فى وسط أهله، يعنى حاجات كتير.
فاطمة: أهو أنا بقى معنديش ولا حاجة من الحاجات اللي قولت حضرتك عليها عشان أحس بالأمان ومخافش، أنا مش عندى أم عشان أحس بالأمان فى حضنها، وبابا سابنى أسافر لوحدى فى بلد معرفش فيها حد، وعشت طول عمرى مليش أهل، يوم ما رجعتلهم طردونى وأتهمونى إنى نصابة، حتى البيت اللي المفروض أحس فيه بالإستقرار، عمرنا ما كان لينا بيت واحد، كنا بنتنقل من بلد لبلد
نظر لها خالد فى شفقة وقد أوجعت كلماتها قلبه، وشعر بالحزن تجاه تلك الصغيرة التى تحمل أوجاعاً تفوق عمرها بكثير
خالد فى حزن: هى والدتك...
فاطمة: ماما ماتت من تلات سنين، كانت تعبانة وماتت فى المستشفى
خالد: الله يرحمها، أكيد هى فى مكان أحسن من هنا
فاطمة: بس أنا فى مكان مش أحسن من اللي هى فيه، ليه مش خدتنى معاها، ليه سابتنى لوحدى، ومحدش عايزنى
خالد: ليه بتقولى كده يا فاطمة، إحنا معاكى وحواليكى؟
فاطمة: دا لفترة مؤقتة، لحد ما أنكل يحيي يرجع ويلاقى مكان تانى أروح فيه، والله أعلم هلاقى حد يرضى يقعدنى معاه ولا لا، مش بقول لحضرتك الخوف صاحبى من زمان
نظر لها خالد نظرة طويلة، حملت بداخله معانى كثيرة لم يستطع فهمها، ثم شعر وكأن قوة لا إرادية تحركه فأمسك يدها فى حنان قائلاً: فى حاجة كمان نسيت أقولك عليها ممكن تخلى الواحد يحس بالأمان
نظرت له فاطمة فى صدمة من فعلته متساءلة، ليجيبها قائلاً: حد يكون سندك وضهرك، ياخد باله منك ويراعاكى، ويعتبرك عوض من ربنا ليه عن حاجة مهمة ضاعت منه وكان فاكرها مش هترجع
فاطمة: حد مين ؟
خالد: هتعرفى بعدين يا فاطمة، كل اللي عايز أقولهولك، أو بمعنى أصح أوعدك بيه، إنى مش هسمح للخوف يعرف طريقك تانى، ممكن تثقى فيا وتتأكدى إنى أقدر أعمل ده
نظرت له فاطمة ثم أمأت رأسها فى موافقة، ليكمل حديثه قائلاً: يالا بقى أدخلى نامى، ونامى وإنتى مطمنة مش خايفة، أنا موجود متخافيش
توميء فاطمة رأسها مرة أخرى بالموافقة وتنظر له نظرة طويلة ليبادلها نفس النظرة بمشاعر هو نفسه لا يعلم سبباً لها.
فى اليوم التالى:
تجلس غالية فى غرفتها وتتحدث لشخص ما فى الهاتف
غالية: انت متاكد يا أستاذ سيد إن مفيش خطورة من البنت دى ؟
سيد: خطورة إيه يا مدام غالية، إنتى بتقولى البنت مكملتش 15 سنة، يعنى لا تعرف يعنى إيه ورث ولا غيره، وحتى لو تعرف مش هتقدر تعمل أى حاجة، إحنا ورقنا كله سليم
غالية: طب لو عاصم رجع ؟
سيد: المشكلة لو عاصم بيه رجع وقدر يثبت إن الحالة الصحية اللي كان عليها الوالد مكنتش تسمح غنه يمضى ورق تنازل زى اللي مضاه ده، وإنه فى الوقت ده مكنش يقدر يتحكم فى قرارته، بس ده كمان صعب لانك بتقولى إنه غايب بقاله 15 سنة، يعنى ميعرفش حاجة عن حالتك إبراهيم بيه الله يرحمه
غالية: طمنتنى، المهم تخلى عينك فى وسط راسك، مش عايزة قرش واحد من ميراث الحديدى يروح لبنت زى دى
سيد: متقلقيش يا غالية هانم، إنتى معاكى سيد فواز المحامى
فى منزل مريم:
يدق جرس الباب فيذهب خالد ليفتح الباب، ليجد عادل هو الطارق
خالد فى مرح: إيه يا ابنى، أنت رجلك خدت على المكان، وكل يوم هتنطلنا ؟!
عادل: لا خد بالك أنا سايب بنت خالى عندك، يعنى أجى أشوفها فى أى وقت
خالد: قال يعنى حامى الحمى يا أخويا
عادل: طب وسع بقى وبطل غلبة، عشان فى حد طالع ورايا
خالد: حد مين، أوعى تقولى خالك طلع مخلف تانى؟
عادل: لا يا خفة
يقطع حديثهم صوت رجولى ضخم، فيدخل رجل يبدو عليه الهيبة والوقار، فى أوائل الستينات
خالد: خالى يحيي !
يحيي: إزيك يا خالد
خالد: الحمد لله يا خالى، حمدا لله على السلامة، رجعت إمتى من السفر؟
يحيي: لما عرفت اللي حصل خدت أول طيارة ورجعت علطول ولسه واصل
وينظر بعينيه فى كل مكان باحثاً عن شيء ما، قائلاً: هى فين يا خالد؟ عايز أشوفها
تخرج فاطمة من الغرفة على صوتهم، لتتقابل عيناها مع يحيي الذى ينظر لها فى حب أبوى وحنان، تنظر فاطمة بإرتياح لهذا الشخص الغريب الذى تشعر وكأنها رأته من قبل
يقترب منها يحيي فى حنان قائلاً: إنتى فاطمة بنت عاصم، صح؟
توميء فاطمة برأسها، فيقترب منها يحيي أكثر ويضمها إليها فى حنان قائلاً: تعالى فى حضنى يا بنت الغالى، تعالى فى حضنى يا بنت أخويا وصديق عمرى
تخرج فاطمة من حضنه ناظرة إليه فى دموع قائلة: حضرتك أنكل يحيي، بابا قالى إنى لما أرجع مصر أسأل على حضرتك، وإن حضرتك هتكون مكانه لحد ما يقدر يرجع
يحيي: وهو مكدبش عليكى يا بنتى، أنا زى أبوكى ومكانه، وهتفضلى معايا وفى حمايتى
تنظر له فاطمة براحة وأمان، ليقطع حديثهم صوت عادل قائلاً: طب ممكن بقى يا بابا تفهمنا الحكاية، وليه إحنا مكناش نعرف حاجة عن فاطمة، وليه ماما عاملتها كده أول ما شافتها
يحيي: هحكيلكم كل حاجة، بس الأول فين مريم؟
خالد: راحت عند جارتنا
يحيي: طب أندهلها يا خالد، وتعالوا كلكم أقعدوا عشان أحكيلكم الحكاية
فى جامعة الإسكندرية:
تمسك غادة هاتفها فى ضيق، وتحاول التحدث لشخص ما، ولكن دون إجابة منه، فتذفر فى ضيق، تقترب منها ياسمين صديقتها قائلة: لسه برضه مبيردش ؟
غادة: لا، أنا هتجنن، دا أول مرة ميردش عليا كده، يا ترى إيه اللي حصل
ياسمين: جربى تانى، يمكن فى حاجة شغلاه
تنظر غادة إلى الموبايل فى غضب وتعاود الإتصال من جديد
فى منزل مريم:
يجلس الجميع ليستمعوا إلى ما يحكيه يحيي، ليقص عليهم يحيي قائلاً: اللي هحكيه ده حصل من زمان أوى، من أكتر من 15 سنة، محدش فيكم يعرف عنه حاجة، لأننا دايما كنا مبنحبش ندخلكم فى مشاكل الكبار، بس طبعا مريم عارفة كل اللي أنا هحكيه
نظر الجميع تجاه مريم التى تنظر فى أسى ليحيي، ثم عاودوا النظر ليحيي من جديد، ليكمل حديثه قائلاً: من 15 سنة حصلت مشكلة كبيرة أوى بين عاصم، أبوكى يا فاطمة، وبين جدكم إبراهيم الحديدى، لأنه كان رافض جواز عاصم من سارة والدة فاطمة
عادل: طب وهو كان رافض جوازهم ليه يا بابا؟
ينظر يحيي فى تردد لفاطمة قائلاً: عشان ... كانت ... مسيحية