رواية طريق الدماء للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل السادس
دلفت حنين هى ووالدها بصحبة الطبيب فوجدوا الهاتف فوق وجهه ونائم، شعرت حنين بالقلق والخوف بسبب هذا المشهد فأردفت بقلق:
- خالد ! خااالد ؟
صرخت عندما ادركت بأن خالد حدث له شئ فتوجه الطبيب على الفور إليه وتحسس نبضه ثم نظر إلى حنين ووالدها قائلاً:
- متقلقوش، هو فاقد الوعى بس .. انا هغيرله على الجرح وهديله حقنة تخليه كويس.
هدأت حنين ووقف والدها بجوارها وربت على كتفها قائلاً:
- ان شاء الله يبقى بخير
اجابته من بين قلقها:
- يارب
لاحظ والدها إهتمامها الزائد بخالد كما انها لم تبعد بصرها عنه لكنه تجاهل هذا وركز فقط على الطبيب الذى قام بكافة الإسعافات اللازمة، انتهى الطبيب ثم توجه إلى مدحت قائلاً:
- هو هيبقى كويس ان شاء الله بس الحقنة دى لازم ياخدها كل اثنى عشر ساعة والبرشام ده مرتين بردو، ان شاء الله بعد اربع ايام يجيلى علشان يغير على الجرح
ابتسم مدحت واتجه مع الطبيب للخارج وهو يقول:
- ان شاء الله يا دكتور، تسلم.
بقت حنين تتابعه بنظرات قلقة خائفة تتوقع اسوأ التوقعات وتحمل نفسها مسؤولية إن حدث له شئ، ظلت على هذه الحالة حتى شعرت بيد فوق كتفها فإلتفتت لتجد والدها يقول:
- يلا يا بنتى، بكرا الصبح هعدى اتطمن عليه
اومأت رأسها واستعدت للرحيل مع والدها قائلة:
- يلا يا بابا.
رحل مدحت بصحبة ابنته تاركين خالد نائماً فى فراشه، دلفت حنين إلى غرفتها يسيطر الحزن عليها وبعدها دلفت خلفها شقيقتها التى لاحظت الحزن على وجهها فجلست بجوارها ووضعت يدها على كتفها قائلة:
- مالك يا حنين !، اية اللى حصل ؟ .. بابا عرف حاجة ؟
حركت رأسها بالنفى قائلة:
- لا، انا حكيت لبابا على اللى حصل النهاردة ومزعلش وكلم الدكتور ورحنا ليه بس لقيناه تعبان اوى وفاقد الوعى، انا خايفة اوى يحصله حاجة بسببى يا ميرا
انهمرت الدموع من عينيها فربتت ميرا على كتفها بحب واردفت:
- ان شاء الله يبقى بخير يا حنين.
صمتت ميرا لبعض الوقت ثم نظرت إلى حنين متسائلة:
- حنين انتى حبتيه !
انتبهت لجملة شقيقتها وهتفت بإعتراض:
- انتى بتقولى اية يا ميرا ! انا لسة عارفاه امبارح
ابتسمت ميرا قائلة:
- واية يعنى، الراجل انقذك من الموت مرتين وعرض حياته للخطر علشانك
- ده مش معناه انى بحبه
ابتسمت ميرا ووقفت مستعدة للرحيل والقت كلمتها الأخيرة قبل الخروج:
- مش عارفة اصدقك، بكرا الايام تثبت.
رحلت ميرا وبقت حنين وحدها بغرفتها تشعر بعدم الإطمئنان و القلق والتوتر، مرت الساعات الباقية من اليوم كأنها سنوات عليها فكانت دائما تفكر فى الذهاب إلى خالد والإطمئنان عليه لكنها لا تستطيع، بقت طوال الليل تفكر لا تستطيع النوم، تشعر بشيء سئ سوف يحدث قريبا .
نهضت حنين من فراشها مبكراً وارتدت ملابسها ثم تحركت للأسفل لتجد والدها ووالدتها فأشار إليها والدها قائلاً:
- تعالى يا حنين، نعمة بتحضر الفطار
لبت دعوة والدها واتجهت إليه، جلست لكنها ظلت صامتة حتى سمعت صوت والدتها تقول:
- يلا يا حنين الفطار جهز
نهضت واتجهت إلى السلم قائلة:
- طيب هطلع اصحى ميرا
تفاجئت بميرا تنزل الدرج قائلة:
- انا صحيت يا قطة ونزلت اهو.
رفعت حاجبيها بتعجب وعدم تصديق قائلة:
- اية ده ! ميرا صاحية بدرى كدا من غير ما حد يصحيها ؟ كدبة ابريل دى ولا اية
ضحكت ميرا وخبطت على كتف حنين قائلة:
- لا يا حبيبتى، انا قايمة بدرى علشان امجد خطيبى هيعدى عليا دلوقتى ونروح نشترى شوية حاجات
لوت شفتيها بعد فهم السبب قائلة:
- اممممم قولى كدا بقى
جلس الجميع يتناولون وجبة الإفطار معاً وبعد مرور عشر دقائق نهض مدحت ونهضت بعده فورا حنين التى استعدت وانتظرت انتهاء والدها وخرجت معه قائلة:
- هاجى معاك يا بابا اطمن عليه.
انتظر مدحت لبعض الوقت ثم اردف:
- طيب، خشى حضريله فطار بس ميكونش فيه حاجة ضرر عليه علشان تلاقيه من امبارح مكلش
ابتسمت واسرعت إلى الداخل واخذت تجهز الإفطار لخالد بمساعدة "نعمة" وخرجت لوالدها وهى تحمل حقيبة بها الطعام قائلة:
- يلا يا بابا
تحرك مدحت وبجواره حنين ودلفا إلى داخل فيلا خالد ومنها اتجهوا إلى غرفته ليجدوه نائم فأتجهت حنين وقامت بإخراج الطعام من الحقيبة ووضعه بأطباق، بعد إعدادها الطعام اتجهت إلى الغرفة وأثناء دخولها فتح خالد عينيه ليجدها امامه وبجوارها والدها الذى تفاجئ خالد بوجوده.
ابتسم مدحت قائلاً:
- حمدالله على سلامتك يا بطل
أجابه خالد بشرود وعدم فهم:
- الله يسلم حضرتك، هو اية اللى حصل ؟
نطقت حنين على الفور:
- جينا انا وبابا نتطمن عليك لقيناك فاقد الوعى وتعبان اوى فبابا كلم الدكتور وهو قام باللازم .. الحمدلله انك بخير دلوقتى.
ابتسم خالد وشعر بإحراج شديد لم يشعر به من قبل ونظر إلى مدحت قائلاً:
- انا مش عارف أقول لحضرتك اية، انا آسف على كل اللى حصل منى .. انا مش هنسى لحضرتك اللى عملته ده خالص والله
ابتسم مدحت واقترب منه ثم ربت على كتفه برفق قائلاً:
- لا ابدا يا خالد، انا اللى مديونلك بحياة بنتى اللى انقذتها مرتين، واللى انت فيه ده دلوقتى بسبب إنقاذك ليها ...
ابتسم خالد ثم نظر الى حنين التى احمرت وجنتاها بمجرد ان وقعت عينيها على عينى خالد، نطق خالد بإبتسامة:
- شكراً يا حنين ... وبعدين ليه الاكل ده وتاعبة نفسك ليه.
اجابته حنين وهى تقترب بالطعام منه قائلة:
- مفيش تعب ولا حاجة وبعدين انت زمانك جعان دلوقتى، انت مكلتش من امبارح، يلا كل ... انا همشى انا وبابا بقى على الشغل
اختفت ابتسامة خالد ونظر بتعجب إلى حنين قائلاً:
- هتروحى المكتب لوحدك ! انتى محرمتيش من اللى حصل ولا انا حياتى كانت هتروح على الفاضى ؟
ثم نظر إلى مدحت قائلاً:
- ياريت حضرتك متسيبهاش تروح لوحدها .. الناس دى خطر جدا وعندهم استعداد يقتلوا ويعملوا بحور دم فى سبيل انهم يحافظوا على مكانتهم.
ربت مدحت على كتفه قائلاً:
- انا اللى رايح الشغل لكن هى هتروح المكتب علشان تستأذن علشان رايحة حفلة عيد ميلاد بنت عمها النهاردة، انا هروح معاها اوصلها لغاية اما تخلص والنهاردة بأذن الله هتفق مع حراسة ليها
ابتسم خالد قائلاً:
- تمام
تحرك مدحت وهو يضع يده على كتف ابنته قائلاً:
- يلا نسيبك بقى يا بطل
- مع السلامة.
رحل مدحت بصحبة ابنته وبقى خالد لبضع لحظات مبتسما فهو لم يشعر بهذا الشعور من قبل، شعور العائلة المترابطة كما انه لقى اهتمام لم يلقاه من قبل، ووجد القلق والخوف فى اعينهم بسبب ما حدث له، شعر وكأنه لأول مرة اصبح فرد من عائلة ...
هربت دمعة من عينه وتحدث إلى نفسه قائلاً:
- ياترا انا ليا ام واب زى الناس ولا مليش، اتولدت لقيت نفسى فى ملجأ اكيد انا ابن حرام، ليه متولدتش فى عيلة تهتم بيا ونبقى سند لبعض ! معظم الشباب والبنات مبيحبوش تحكم اهلهم فيهم او نصايحهم وعايزين يمشوا بدماغهم لكن انا بتمنى اهل ويتحكموا فيا عادى، مهما عملوا فيا اكيد هيكونوا بيعملوا ده علشان بيحبونى، محدش هيتمنالى الخير قدهم ... كتير اوى مش مقدرين النعمة اللى معاهم، انا حلمى بسيط اوى .. بحلم يكون ليا عيلة، هو ده حلمى.
قطع تفكيره وحديثه صوت هاتفه فمد يده بجواره واحضره ليجد المتصل هو "صابر المصرى"
اجاب خالد على الفور قائلاً:
- صابر باشا
اجابه صابر بنبرة تدل على ان هناك شئ ما حدث:
- خالد انت فين
شعر خالد بأن هناك شئ يحدث فنطق بتساؤل:
- هو حصل حاجة يا ريس !
أجابه صابر بنبرة حزن:
- رمزى، اتقتل
شعر خالد بصدمة شديدة ونطق قائلاً:
- رمزى اتقتل ! ازاى وفين ؟
- هقولك كل حاجة بس انت فين ؟
إلتقط أنفاسه ثم نطق قائلاً:
- انا فى الفيلا، تعالى علشان مش هعرف اجيلك وهتعرف لية لما تيجى
اومأ رأسه بالموافقة قائلاً:
- طيب انا جايلك حالا
ماهى إلا دقائق معدودة حتى وصل صابر ودلف إلى داخل الفيلا بحثا عن خالد فلم يجده مما جعله يصعد إلى الأعلى ومنها توجه إلى غرفة خالد ليجده جالسا ويسند ظهره إلى السرير فرفع صابر حاجبيه بتعجب وحيرة:
- خالد ! حصلك اية
أشار إليه بالجلوس قائلاً:
- اقعد هحكيلك اللى حصل من الأول خالص
جلس صابر وانصت إلى خالد بقلق، بدأ خالد بسرد ما حدث منذ تلك الليلة التى نفذ فيها اخر مهمة طلبها منه صابر
انتهت حنين واوصلها والدها إلى منزل اخاه حيث حفل عيد ميلاد ابنة اخيه، وصلت حنين ودلفت إلى داخل الفيلت لتجد زوجة عمها ووالدتها تجلسان فإقتربت حنين والقت السلام على زوجة عمها "انتصار"، رحبت انتصار بحنين ترحيبا واسعاً فهى تحب حنين بشدة ودائما ما تتمناها زوجة لإبنها ياسر، نطقت انتصار بإبتسامة واسعة:
- نورتى بيتك يا حنين، بقى كدا بقالك فترة مبتجيش ! انتى مبقتيش تحبى تيجى هنا زى زمان ؟
ابتسمت حنين واسرعت فى الرد قائلة:
- لا والله يا انطى بس الفترة اللى فاتت دى شغل وتعب وإرهاق وكدا
ربتت على كتفها قائلة بحب:
- ربنا يعينك يا حبيبتى، اطلعى لشيرى فوق دى مستنياكى من بدرى
تحركت حنين وهى تقول:
- طيب انا طالعالها
صعدت حنين إلى الأعلى ثم نظرت رباب الى انتصار قائلة:
- تفتكرى المفاجأة بتاعة النهاردة دى هتعجب حنين !
اسرعت انتصار فى الرد قائلة بثقة:
- شوور، ياسر بيحب حنين وكمان دول ولاد عم وحنين مش هتلاقى احسن من ياسر
اومأت رباب رأسها قائلة:
- ربنا يجعلهم من نصيب بعض ويعدى النهاردة على خير
انتهى خالد من سرد القصة دون ان ينسى حرفاً وانتظر تعليق صابر الذى ظهرت عليه علامات الصدمة والتردد فنطق خالد قائلاً:
- مالك يا بوص !
إلتقط صابر أنفاسه واردف:
- ملقتش غير حنين مدحت الرداد اللى تنقذها ! المهم كدا الرؤية بانت .. رمزى لقوه مقتول قريب من المنطقة اللى فيها شقة حنين وده يثبت حاجة واحدة بس وهى ان لما رمزى راح يتخلص من الجثث قتلوه.
تغيرت ملامح وجه خالد وظهرت عليه علامات الغضب والضيق واردف:
- اقسم بالله دم رمزى ما هيعدى بالساهل كدا، حق كل نقطة دم وقعت منى ووقعت من رمزى هيدفع اكرم المهدى تمنها غالى جدا ولو هو اعلن الحرب يبقى إحنا اللى هنبدأ الهجوم
ربت صابر على كتف خالد قائلاً:
- شد انت بس حيلك وقوم بالسلامة واكرم المهدى هيدفع التمن عمره وانا معاك، طالما بدأ الحرب يبقى يستحمل، لازم يعرف مين صابر المصرى ومين خالد الحسينى.
حرك خالد رأسه بتساؤل قائلاً:
- والورق اللى معانا ده !
ابتسم صابر بمكر قائلاً:
- الورق ده هيكون لعبة الموت اللى هنلعبها معاه المهم دلوقتى تخرج حنين الرداد من الموضوع ده نهائى
اومأ رأسه بالموافقة قائلاً:
- هو ده اللى هيحصل، حنين مش قد اللى بيحصل ده علشان كدا لازم تخرج من اللعبة دى.
ربت صابر على كتفه ووقف مستعداً للرحيل وبالفعل أدار ظهره وتحرك خطوتين ثم وقف لبضع لحظات مترددا مما سيفعله ولكن فى النهاية إلتفت إلى خالد الذى ظهرت عليه علامات الحيرة ونطق بتعجب:
- فيه حاجة يا باشا ؟ حاسك عايز تقولى حاجة ومتردد
حرك صابر رأسه بالإيجاب قائلاً:
- ايوة فيه حاجة
ضم خالد حاجبيه بتعجب وحيرة قائلاً:
- حاجة اية دى !
تحرك صابر بإتجاه خالد وجلس مرة أخرى وتردد فى النطق فحرك خالد رأسه بمعنى ما هو الذى تود إخبارى به فنطق صابر قائلاً:
- خالد انت مش ابن حرام
ضم خالد حاجبيه مرة اخرى بعدم فهم واعتدل دون ان يحتاج إلى مساعدة واردف:
- نعم ! ازاى يعنى، انا مش فاهم حاجة ...
إلتقط أنفاسه وبدأ بالحديث:
- أنت مش ابن حرام زى ما كنت دايما بتقول يا خالد ... انا كنت مستنى اللحظة المناسبة اللى اقولك فيها واظن ان ده الوقت المناسب، عارف انك مش فاهم حاجة علشان كدا هبدأ فى الكلام علطول، الست العجوزة اللى جابتك الملجأ تبقى جدتك .. جدتك ام والدتك، بعد موت والدتك حالتها كانت صعبة جداً وتحت خط الفقر علشان كدا خافت عليك ومقدرتش تربيك وسلمتك للملجأ علشان تضمن انك تاكل وتعيش، جدتك ماتت بعد اسبوعين بالظبط من الموضوع ده
انهمرت الدموع من عينيه قائلاً بحزن:
- وفين ابويا ! كان فين لما حصل ده ؟