رواية طريق الدماء للكاتب عبد الرحمن أحمد الفصل الثالث عشر
كان الوضع كما هو عليه حتى اتى ياسر الذى كان يسير بحذر وخوف مما سيراه فوجد خالد غارقاً فى دمائه وحوله العديد من الاشخاص من بينهم شقيقته وحنين التى لم تهدأ عن الصراخ .
انطلق ياسر بأقصى سرعته حتى اقترب منه ونظر إليه بعينان دامعتان وهو يهمس بإسم خالد، لم يشعر بشئ إلا وهو يحمل خالد ثم دلف إلى سيارة خالد فصاح مدحت:
- انت بتعمل اية يبنى ؟
لم يجيبه ياسر وانطلق بالسيارة بأقصى سرعته ...
بعد مرور ثلاث سنوات
دلفت شيرى إلى غرفة شقيقها ياسر فوجدته يتصفح فيسبوك عن طريق اللاب توب الخاص به فنطقت بحذر:
- ياسر !
لم يجيبها ياسر واستمر فى متابعة ما يفعله على جهاز الكمبيوتر الخاص به فنطقت شيرى بعينان دامعتان:
- انت هتفضل لحد امتى متكلمنيش يا ياسر ؟ هتفضل لحد امتى مش معتبرنى اختك
ابتسم ياسر ابتسامة سخرية قائلاً:
- ومن امتى وانا بعتبرك اختى، ياريتك ما كنتى اختى ولا اعرفك
بدأت شيرى فى البكاء قائلة:
- انا عملت اية لكل ده !
أجابها ياسر بغضب واضح:
- عملتى اية ؟ طول عمرك وانتى بتحبى الصياعة وعمرك ما كنتى اخت تشرف .. وصل بيكى البجاحة انك تسلمى اخوكى وتكونى سبب فى موته، انتى السبب فى اللى حصل لبابا، ايوة هو يستحق بس انتى فى الاول وفى الاخر السبب فى موت خالد .. عمرى ما هسامحك على اللى عملتيه ده، روحى على اوضتك يا شيرى وسيبينى فى اللى انا فيه
نهضت شيرى بعد ان يأست من محاولتها العديدة لجعل ياسر ينسى مافعته ويسامحها ورحلت تاركة ياسر لا يأبى بحالها
وصلت حنين إلى الفيلا بعد ان انتهت من عملها وصعدت إلى غرفتها على الفور دون ان تلقى السلام فصعدت والدتها خلفها ودلفت الى غرفتها ثم توجهت إلى سريرها واردفت:
- هتفضلى كدا لحد امتى يا حنين ! بقالك تلت سنين على الحال ده
ابتسمت حنين إبتسامة سخرية قائلة:
- ما شاء الله يا ماما ده انتى بتعدى السنين بقى
مسكت امها بيدها بحب واردفت:
- يا حبيبتى انا صعبان عليا حالك ده، من ساعة موت خالد وانتى على الحال ده .. الحياة منتهتش يا بنتى، انتى لسة صغيرة والف واحد يتمناكى واللى انتى بتعمليه ده هيضيع عمرك.
رفعت حنين حاجبيها قائلة بتحدى:
- مكنتش اشتكيتلك يا ماما وبعدين اللى عرفته مكنش سهل، واحد ينقذ حياتى كذا مرة واقرب منه واحبه وفجأة يموت وبعد ما يموت اكتشف ان كان ابن عمى ! ابن عمى اللى ابوه رماه وقتل امه وكان سبب فى تعذيبه طول عمره، يعينى ملحقش يتهنى بحياته
ربتت رباب على كتفها بحب واردفت:
- كلنا اتفاجئنا يا بنتى بالحكاية دى وبعدين الكلام ده عدى عليه تلت سنين يعنى المفروض تنسى بقى.
رفعت إحدى حاجبيها قائلة بإستفهام:
- أنسى ؟ ياريت .. للأسف كل اللى حصل من سنين ده بيطاردنى فى احلامى، كأنه حصل امبارح .. انا مش زعلانة على حد غير خالد، اتولد فى شقى وفقر ومات غدر، بصى يا ماما متتعبيش نفسك معايا انا لما انسى ههدى وارجع حنين بتاعة زمان ... ادعيلى انسى بقى
رفعت يديها للسماء قائلة:
- ربنا يريح بالك يا بنتى
اقترب منها بهدوء ثم جلس بجوارها ووضع يده على كتفها محاولا إرضائها ومصالحتها فأبعدت كتفها وتحركت لتجلس على السرير فتبعها أمجد وجلس بجوارها واردف بحب:
- خلاص بقى يا ميرا قولتلك والله غصب عنى كان عندى مهمة ولازم الموبايل يكون مقفول
اعتدلت ونظرت إليه قائلة:
- على الاقل تكلمنى قبلها تقولى انك هتبقى فى مهمة وهتقفل موبايلك مش تسيبنى طول الليل مرعوبة كدا.
ابتسم ووضع وجهها بين كفيه واردف:
- منا لو عملت كدا هخليكى تقلقى اكتر عليا لكن لو ده هيريحك فمش هتتكرر تانى واى مهمة هروحها بعد كدا هبقى اقولك قبلها، ها لسة زعلانة !
حركت رأسها بالنفى قائلة:
- تؤ تؤ مش زعلانة
ابتسم وقبل يدها بحب ثم اعتدل ونطق متسائلا:
- صحيح حنين عاملة اية دلوقتى ؟
نظرت إلى الأسفل بحزن قائلة:
- للأسف لسة زى ما هى، حياتها من الشغل للبيت ومن البيت للشغل وعلطول قاعدة فى اوضتها وزعلانة من ساعة اللى حصل
- انا مش عارف هى زعلانة على خالد ده لية ! ده كان مجرم وقتل ناس كتير اوى بدم بارد، ايوة هو اتظلم واتقتل غدر بس اللى عمله مش قليل .. خالد قتل بدم بارد وكانت دى شغلته لازم تبقى دى نهايته
نطقت ميرا قائلة:
- ايوة بس بردو ده صعب عليها خصوصاً بعد ما قربت منه، ده كان مستعد يموت علشانها ليها حق تعمل كدا واكتر
حرك رأسه بالرفض قائلاً:
- بردو فى الاول وفى الاخر مجرم ولو مكانش مات كان هيبقى مصيره الإعدام، انا هحاول اتكلم معاها فى الموضوع ده
نظر إلى شيرى النائمة بجواره فأخذ يتحسس خصلات شعرها حتى فتحت عينيها فنطق قائلاً:
- مش هتروحى بقى علشان محدش يلاحظ غيابك !
حركت رأسها بالرفض قائلة:
- محدش هياخد باله اصلا، من ساعة اللى حصل وكل واحد فى حاله .. ماما بتسهر مع صحباتها وكل يوم حفلة وياسر مهتم بالشغل وناسى ان ليه اخت اساسا فلو غبت سنة ولا حد هيلاحظ اصلا
- بس انا حاسك متضايقة من حاجة.
اعتدلت شيرى ونظرت أمامها وأخذت تتذكر ما حدث على مر ثلاث سنوات ثم اردفت:
- واية الجديد يا كريم ! منا علطول متضايقة، من ساعة ما كنت السبب فى موت خالد وبعدها القبض على بابا وبعدين الحكم عليه بالإعدام وبعدين تنفيذ حكم الاعدام وبعدين كل واحد بقى نفسه حتى بنت عمى اللى كانت اختى وكل اسرارنا مع بعض قطعت علاقتها بيا علشان اللى حصل.
انهمرت الدموع من عينيها فضمها كريم قائلاً:
- متعيطيش يا شيرى، الحياة كدا .. عمرها ما كانت مريحة أبدا، متشيليش كل حاجة فوق دماغك كدا علشان متأذيش نفسك
زاد بكائها واردفت:
- مش قادرة يا كريم مش قادرة، بقيت وحيدة ومليش حد فى الدنيا دى دلوقتى غيرك
ربت كريم على ظهرها
- اهدى يا شيرى، اهدى .. وانا مش هسيبك وهفضل جنبك، متعيطيش بقى.
دلف هانى إلى المنزل وصعد إلى الدور الأول وطرق الباب ثم انتظر لبضع ثوانٍ حتى فتح له الباب شخص يملك لحية كثيفة تأخذ نصف وجهه وكان شعره طويل يصل الى كتفه
نطق هذا الشخص قائلاً:
- ادخل يا هانى
دلف هانى إلى الشقة وسار بضع خطوات حتى جلس واردف:
- كل اللى انت عاوزه حصل ودلوقتى الطعم اترمى وعايز اللى يقع فيه
نطق هذا الشخص بسعادة:
- حلو جدا كدا مش ناقصنا غير اننا نبلغ ياسر بالجديد علشان نتفق بكرا هنعمل اية
وقف هانى قائلاً:
- خلاص تمام انا هبعتله على الإيميل اللى بنتواصل بيه وهبلغه يجى بكرا.
- تمام اوى يا هانى، معلش تاعبك معايا.
تقدم هانى خطوتين للأمام واردف بإبتسامة:
- تاعب مين يا خالد ! انا بعتبرك اخويا ده ان مكنتش انت كدا فعلا بالنسبالى ده غير ان بابا الله يرحمه وصانى عليك وقالى اعاملك كأخ، الصراحة انا مكنتش عارف ليه بابا كان بيحبك كدا وبيعتبرك ابنه بس التلت سنين اللى فاتوا دول عرفت ليه .. احنا كلنا عيش وملح مع بعض واشتغلنا مع بعض وياما انت بردو خرجتنى من مشاكل، متقولش كدا تانى
ابتسم خالد وربت على كتفه قائلاً:
- تسلم يا هانى، انت اخويا التانى فعلا
ابتسم هانى ورحل تاركاً خالد فى شقة والدته التى ولدته بها، جلس خالد واعاد ظهره للخلف ليتذكر ما حدث خلال الثلاث سنوات الماضية.
قبل ثلاث سنوات
فتح خالد عينيه ليجد ياسر يجلس امامه وبجواره عم محمد و ولده هانى فنطق بضعف:
- شيرى كويسة ! حصلها حاجة ؟
رفع ياسر حاجبيه بتعجب قائلاً:
- بعد اللى عملته فيك وصاحى قلبك عليها !
حرك خالد رأسه بضعف قائلاً:
- لا لا اللى حصل مش بسببها، هى قالتلى انه غصب عنها .. اكيد هددوها بحد علشان تخرجنى ويقتلونى
نطق ياسر بغضب:
- لا يا خالد دى متستاهلش، سيبك منها دلوقتى وريح نفسك انت لسة تعبان.
نظر خالد حوله فوجد محمد فنطق قائلاً:
- عم محمد !
ابتسم محمد وتقدم خطوتين بإتجاه السرير قائلاً:
- ايوة يا خالد، حمدالله على سلامتك يا بطل .. يلا اتجدعن كدا وقوم يا وحش
ابتسم خالد قائلاً:
- تسلم يا عم محمد، طول عمرى كنت بتمنى عيلة ودلوقتى لقيتها، ربنا يخليكوا ليا
هنا تحدث ياسر بلهجة تدل على الحزن والغضب:
- ارتاح يا ياسر، انا خدتلك بتارك منهم .. الورق كله اتسلم واكرم الرداد واكرم المهدى فى السجن دلوقتى واى حد تبعهم وكان فى الورق اتقبض عليه، كله وقع
ضم خالد حاجبيه بتعجب واردف:
- كله وقع ! معنى كدا ان كل حاجة انا عملتها اتكشفت وصابر كمان اتكشف.
نظر ياسر إلى الأسفل بحزن قائلاً:
- للأسف صابر تعيش انت، اتقتل فى نفس الليلة فى الشركة
وقع الخبر كالصاعقة على خالد الذى طالما اعتبره والده وشريك عمله وحامل اسراره فنطق بحزن شديد:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يرحمه ... أكرم المهدى مش لازم يموت موتة عادية، انا لازم اوصله واقتله بأيدى علشان انتقم منه على كل اللى عمله
- لا يا خالد انت دلوقتى اتكشفت وكله دلوقتى عارف انك ميت ولو حد عرف انك لسة عايش هيتقبض عليك وهتتعدم على اللى عملته انت فاهم !
أجابه خالد وهو يفكر فى حل:
- فاهم يا ياسر وهلاقى حل.
فى الوقت الحالى
رفع خالد رأسه للأعلى ومسح بيده على لحيته واردف:
- هتقع يعنى هتقع يا اكرم يا مهدى، اقسم بالله ما هيهدالى بال غير لما اخليك تتمنى الموت كدا بسبب اللى هعمله فيك
وصل ايميل إلى ياسر بينما كان يعمل على جهاز الكمبيوتر الخاص به ففتحه ليجده من هانى يبلغه فيه بأن خالد ينتظره غدا على وجه السرعة
عاد ياسر إلى الخلف ليتذكر تلك الليلة مرة اخرى.
قبل ثلاث سنوات
تحرك ياسر بسرعة شديدة بسيارة خالد حتى وصل إلى مستشفى خاص وحمل خالد ثم صعد للأعلى حتى قابل إحدى الممرضات التى أبلغها بإحضار الطبيب جمال على الفور وبالفعل ما هى إلا ثوان حتى حضر الطبيب واقترب من ياسر بحيرة ثم اردف:
- اية ده يا ياسر ومين ده ؟ حصل اية
- مش وقته يا جمال، افتح اوضة العمليات بسرعة وانقذه وانا هفهمك كل حاجة بعد ما تخلص.
بالفعل نفذ جمال ما اخبره به ياسر ودلف إلى غرفة العمليات وجلس ياسر فى الخارج منتظرا، مرت ساعات حتى خرج جمال من غرفة العمليات وهو يلتقط أنفاسه فهرول ياسر إليه
- ها يا جمال طمنى
- الحمد لله، خرجنا ثلاثة عشر رصاصة من جسمه كلهم فى اماكن مختلفة وكان منهم رصاصة قريبة للقلب بس الحمد لله، ربنا نجاه بمعجزة .. ممكن تفهمنى بقى مين ده وحصله كدا ليه علشان اللى عملته ده ممكن يعرضنى للخطر ويودينى فى داهية
تحرك ياسر وهو يشير له بالتحرك ونطق قائلاً:
- تعالى المكتب، انا هحكيلك كل حاجة.
بالفعل قص ياسر ماحدث على جمال الذى تقبل كل ذلك بسبب الصداقة التى تجمعه بياسر منذ الطفولة ونطق قائلاً:
- خلاص يا ياسر، محدش هيعرف حاجة عن العملية دى بس هتثبت انه مات ازاى
أجابه ياسر بثقة وكأنه خطط لكل شئ:
- دى سيبها عليا انا...