قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الستون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الستون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الستون

تجمد محله فور سماعه ما قال، فلجم صمته وتطلع له بصمتٍ، يحاول به استيعاب ما نطقه للتو، لعق شفتيه القاحلة وردد بتلعثمٍ: أيه اللي بتقوله ده يا يُونس؟!

انحنى بجسده لدرج الخزانة الأخير، يجذب حزمة الكتب الإسلامية، ثم دفعها قبالته على المكتب، قائلًا بابتسامة صغيرة: بيعملوا أيه دول في درج المكتب يا إيثان؟
رمش بتوترٍ هادرًا: عادي يعني، إنت عارف إني انسان فضولي حبتين فآآ.

اتسعت ابتسامة يونس الخبيثة قائلًا: يعني إنت بتثقف نفسك بأكتر من 28كتاب! على بابا يالا!
التفت خلفه يتفحص وجوه العمال بضيق، وجذب منه الكتب صارخًا بعصبية: هتفضحنا يا أخي! ما تطلع تنشر الخبر بره في الحارة.

رمش بعدم استيعاب، وبصدمة تساءل: إنت أسلمت فعلًا يا إيثان؟
أطاح صدمته فور نطقه لغزًا جديدًا: مش بالظبط كده.

نهض قبالته مرددًا من بين اصطكاك أسنانه: هو لغز! ما تنطق بتهبب ايه بالكتب دي كلها؟!
مرر يده على طول شعره، ممسدًا رقبته وعقله يبحث عن حجةٍ مقنعة، فهمس بمكرٍ: لقيتها.

وتنحنح يرفع من صوته بعنجهيةٍ: مش أنا كنت بحضرلك مفاجأة بس إنت خرجت من السجن على غفلة ومكملتش للأسف.
ربع يديه أمام صدره بسخريةٍ: أممم والله! ده على أساس إني كنت في السعودية بعمل عمرة وراجع!

وحرر ذراعيه ليجذب الاخير من تلباب قميصه بعصبيةٍ بالغة: متلفش وتدور عليا وقولي الحكاية أيه؟
انحنى خلف يده هامسًا بغضب متخفي خلف نبرته المتوسلة: السلسلة هتتقطع يا يونس، كريستينا أمي هتبهدلك.

ترك قميصه ومد يده ينتشل سلساله، فتفحصه متسائلًا بخبثٍ: عيار كام دي يا إيثو؟
انتصب بوقفته يجيبه باستغرابٍ: 21 ليه؟

نزعها عنه وأخذ يلهو بها بين لائحته بمكر: تلزمني، صاحبك مزنوق في قرشين.
وتركه واتجه لغرفة المكتب الداخلية، فلحق به يصيح بانفعالٍ: رجع السلسلة فورًا يا يُونس، أمي هتموتني لو ملقتهاش في رقبتي!

وضعها بجيب جاكيته الجلدي، وتمدد على الشازلونج الجانبي، مستندًا برأسه على ذراعيه: مستكتر في صاحبك حتة سلسلة يلبسها!
كشر عن أنيابه بغضب: من أمته والرجالة عندكم بتلبس سلاسل ودهب يابن الشيخ مهران.

تحررت ضحكة صاخبة منه، فنهض يستقيم بجلسته تجاهه، يلعب على أعصابه بحذاقةٍ: شوفت ده انت حتى دي مش فايتة منك! هتقول الحقيقة ولا آ.!
تنهد بنزقٍ، واتجه بخطواته المتهدجة يجلس جواره بصمتٍ، قاطعه يونس بملل: هنفضل قاعدين نبحلق في خلقة بعض كده كتير! انجز يابا زمان الواد نازل!

زفر بنفاذ صبر: عايز أيه يا يُونس مانا اتزفت وقولتلك بحب بنت الشيخ عثمان.
تلاشت معالم المرح عن وجهه، فأمسك ذراعه وهزه بعنفٍ: يعني أيه؟!

واسترسل بصدمة وغضب عاصف: أوعى تقولي إنك عايز تدخل الاسلام عشان تتجوزها! إنت مش هتخدع ربنا يا إيثان!
صاح به يوقفه عما تردد له: حيلك حيلك، الموضوع مش كده.

كز على أسنانه بغيظٍ: هتنطق ولا آ.
أسرع بالحديث بحرجٍ عما لفظه إليه: دي الطريقة الوحيدة عشان أشوفها، لانها واقفة في مكتبة بتبيع الكتب الدينية، فكل اسبوع بتحجج وبروح اشتري منها كتابين تلاتة عشان أشوفها!

وزع نظراته المنصدمة بينه وبين الفراغ، وبصعوبة استجمع كلماته: طيب سيبك من النص الاول للمصايب اللي بتعملها ونيجي للنص التاني، معلش يعني في السؤال أنا وإنت وهي وناس حارتنا الجميلة دي عارفين انك مسيحي، أيه وضعك قدامها وإنت بتشتري الكتب دي أفهم؟!
ابتلع ريقه بتوترٍ، وتسلل يبتعد عن مجلسه مرددًا: مهو آآ، مهو. آآ...

شعر بأنه أرغمه بالفيلم الهندي الذي يجيد تمثيله، فنهض يتجه إليه، يحاول محاصرته حول الطاولة والاخر يفر من أمامه، فهدر يونس منفعلًا: مهو أيه؟

توحشت ملامحه بشكل رعب إيثان، فالقى قنبلته إليه مرة واحدة: في الأول كنت بقولها بشتريهم هدية لآيوب وكانت منبهرة بيا جدًا وبأخلاقي، وبعد ما سافر عشان جامعته اضطريت أقولها اني بشتريهم ليك عشان وإنت في السجن محتاج كتب دينية تسليك في محنتك السودة دي مع إن محدش كان يعرفلك طريق جرة ولا إذا كنت عايش ولا ميت، عشان كده ندرت إنك لما تخرج أهديك بيهم واعملك مكتبة صغيرة هنا ولو كنت ميت كنت هطلعهم رحمة ونور على روحك!

قست تعابير يونس، مشيرًا على ذاته باستنكارٍ: رحمة ونور عليا أنا!
هز الأخير رأسه مؤكدًا بوقاحةٍ: أكيد عليك إنت إحنا معندناش الكلام ده!

احتشدت أوردته من فرط العصبية، وكلما حاول أن يمسك به ركض للجانب الأخر من الطاولة المربعة، فجذب يونس حزمة من دفاترٍ الحسابات ودفعها تجاهه، انحنى أسفل الطاولة ليتفادى ما قذف إليه، فإذا بآيوب يظهر على عتبة الباب يتلقف نصيب إيثان مما دفع إليه.

تأوه بألمٍ والتف ليتفادى فارس الضربة، وقال بخوف لعلمه تلك حالة ابن عمه جيدًا: طيب يا حبيبي، ابنك اهو لبسته وخلتهولك برنس أتوكل أنا على الله وأشوفك بكره لو خلقك يسمح.

كلبش إيثان جسد آيوب الهزيل مقابل جسد الاخير الضخم، هاتفًا بهلعٍ: على فين يابن الشيخ مهران! هتسبني مع المتوحش ده لوحدينا ده حتى ميصحش!

تململ بين ذراعيه المحتجزة جسده العلوي هاتفًت بحنقٍ: سبني يالا يخربيتك مش قادر أخد نفسي!

تمسك به باصرارٍ، فدفعه آيوب للخلف قائلًا بغضب: أوعى يا أخي، بتتحامى فيا وإنت شبه درفة الدولاب!

جحظت أعين إيثان الذي يتابع يونس المنحني خلف باب الخزانة المطولة ينتقي يدًا خشبية (يد مكنسة أرضية. مقشة) بعناية فائقة، وحينما وجد غايته استدار ليجده يختبئ خلف آيوب ويدفعه تجاهه، ابتلع آيوب ريقه الهادر بصعوبة: اهدى يا يونس مش كده، انتوا كبرتوا على جو المقشات والكلام ده!

بهدوءٍ مخيف هتف: ميل في جنب يا آيوب.

استدار برأسه لإيثان الذي همس له: أوعا تسيب مكانك يالا فاهم!

عاد يتطلع ليونس الذي يلاعب عصا(المقشة) بين يديه والشر يتراقص بين مُقلتيه كسطوع الشمس، رفع آيوب يده يحاول استجداء عاطفة ابن عمه: في أيه يا يونس؟ العمال بره يا حبيبي لو شافوكم وانتوا طايحين في بعض كده هيستهيفوكم!

بنفس ذات الهدوء قال: ميل على جنب بدل ما تتروق معاه يا آيوب!

بنفس الهدوء قال إيثان: أوعا.

محاولة أخيرة لجئ لها آيوب فقال: مش ده صاحبك اللي وقف أسد في دهرك وإنت غايب!

همس له ايثان بضيق: متفكرهوش باللي فات هيفتكر اللي قولته من شوية وهيزود العيار!

مرر يونس عصاه، واتجه لفارس الذي يراقب ما يحدث بدهشةٍ، دث يده بجيب سرواله الجينز ثم حمل ورقة من النقود من فئة العشرون جنيهًا، أهداها للصغير قائلًا بابتسامة نجح برسمها على ملامحه الشريرة: روح اشتري عصير وشبسي قبل ما نمشي يا فارس.

التقط الصغير المال وغادر بسعادة، فما يحدث داخل الغرفة لا يعنيه بتاتًا، بينما ردد إيثان بذعر: وزع الواد! يبقى ناوي على نية سودة!

لف رقبته له يسأله بارتباك: إنت هببت أيه حوله كده؟

ببراءة بلهاء قال: ولا حاجة كنت ناوي أطلع رحمة ونور على روحه بذمتك غلطت؟

اتسعت حدقتيه بصدمة، وخاصة حينما استرسل ايثان: خليه يديني سلسلتي يا آيوب، أمي مش هتدخلني البيت! آ، آآآه!

ابتلع باقي جملته فور هبوط أول ضربة على ظهره مستغلًا انشغاله بالحديث مع آيوب، فصرخ بوجع: ايه الهزار التقيل ده يا يونس، ضهري اتقسم نصين يا جدع!

ونغز آيوب الحائل بالمنتصف: ما تتصرف يا آيوب الواد خارج عقله طق!

لف له يخبره من بين اصطكاك أسنانه: اخرس متعصبهوش أكتر!

واستدار ليونس يخبره ببسمة يرسمها بالكد: يا معلم يونس عمالك برة هيقولوا أيه وهما سامعين صراخ إيثو المريب ده! اعقل يا حبيبي وخد فارس وشوف مشوارك، انا كمان اتاخرت وآدهم مستنيني بره على الحارة عشان نروح نحجز القاعة لفرحه.

لطمه إيثان على رقبته بغضب: فرح أيه دلوقتي! أوعى تتنقل من مكانك قبل ما تهدي ابن عمك!

تحرر صوت يونس أخيرًا: لا هو ولا بلطجي حارتنا هيخلصك من تحت ايدي النهاردة، ومتقلقش بفلوس السلسلة هعملك تلاجة مية في الحارة صدقة جارية على روحك بإذن الله.

ازدرد ريقه بتوتر من وعيده القاطع، وبدأت المعركة تحتد بينهم، وآيوب عاجزًا عن الفصل بينهما، فلقد احتدت ضربات يونس ويحاول إيثان وآيوب تفاديها حتى انكسر أكثر من أربع مقشات خاصة بالعمال، ومع ذلك لم يستسلم ابدًا فبحث عن عصا تخص أداة مسح الأرضية وانطلق من خلفهما.

تعالى رنين هاتف آيوب، فلقد طال انتظار آدهم بعد ان أكد له آيوب انه خرج من المنزل وسيصل لأول الحارة بعد عشرة دقاىق، وها قد مر ثلاثون دقيقة ولم يخرج إليه.

حرر آيوب هاتفه يستغيث بآدهم قائلًا وصوت أنفاسه اللاهثة تصل للاخير: الحقني يا آدهم، يونس مش قادر اسيطر عليه.

وتابع وهو لا يستمع لصوته من صوت صرخات إيثان: بقولك أيه اقتحم محل يونس اللي تحت بيتنا ولو معاك مسدسك ميضرش الوضع حرج!

قالها وأغلق هاتفه يعيده لجيب قميصه العلوي، ثم اندفع يحاول تخليص ايثان بعد ان دفعه يونس فوق الاريكة ومال عليه يحيط برقبته.

تأوه آيوب ألمًا حينما ركله إيثان بقدمه صارخًا بعصبية: ده وقته تليفونات، ابعد الطور ده عني هيزهق روحي يالا!

انحنى يقتحم بينهما، يبعد تلاحم يونس عنه صارخًا بارهاق: خلاص بقى يا يونس هو كان قتلك قتيل!

فشل بابعاده عنه، والاخر لديه رغبة ملحة بالحصول على رقبة إيثان هادرًا بعنف: واخدني كوبري عشان تشوفها يا حقير! وبكل بجاحة تقولي رحمة ونور على روحك!

سأله آيوب بفضول: قولي بس هو عمل أيه ومتقلقش هكتفهولك!

لكمه إيثان بوجهه قائلًا بانفعال: تكتف مين! ده انا اطوحك أنت وهو هنا، أنا مش جاي من قلبي أمد ايدي عليه ده صاحبي وأخويا وانت بدل ما توزعه عني عايز تكتفني يابن الشيخ مهران!

ضم آيوب عينيه بألمٍ فألقى يونس عصاه وإتجه إليه يتفحص عينيه متسائلًا بخوف: وجعتك؟! أنا عارفه ايده تقيلة!

استند آيوب على ذراعه واتجه معه بعيدًا عن ايثان الذي يعيد ترتيب ملابسه وقميصه الذي فتحت أزراره.

جلس يونس جوار آيوب الذي همس وهو يكبت ضحكاته بصعوبة: ولما انت عارف إن ايده تقيلة داخل في عركة معاه ليه يا يونس؟ ده لو نفخ فينا هيطلعنا شقتك في الدور الرابع فوق!

أدمى شفتيه السفلية وعينيه مسلطة على ايثان البعيد عنهما: استفزني وكنت عايز انتقم منه بس أنا اللي فرهدت!

ضحكوا معًا وإيثان يتابعهما وهدر بغضب: خلصت الطاقة السلبية اللي عندك اول اليوم رجعلي سلسلتي بقا بمنتهى الهدوء.

كاد بأن يجيبه ولكن اقتحام آدهم المفاجئ للمكان جعلهم بتابعونه باستغرابٍ، وخاصة ملامح الفزع والخوف التي تحتل ملامح وجهه الوسيم.

بحث بينهم بلهفةٍ حتى وقعت عينيه على آيوب، اندفع إليه آدهم راكضًا يقول بصعوبة من فرط التقاطه لأنفاسه: طمني انت كويس؟ أيه اللي حصل؟

اتجه اليهم ايثان، فمال بذراعه يستند على كتف يونس الذي يتابع حالة آدهم بدهشة، ابتسم ايثان وأحاط كتف يونس هامسًا بمزحٍ: الباشا شكله بيحب أختك أوي ما تجوزهاله واكسب ثواب يا يونس!

منحه نظرة محتفنة وبكوعه سدد له ضربة ببطنه مرددًا: ايدك عني حسابك لسه معكوك!

تما تسيقه بديتول!
قالها وهو يضربه بالكف وصوت ضحكاته أرغمت يونس على الضحك فانخرطا معًا بنوبة من الضحك الرجولي، بينما تقتاد نظرات آيوب إليهما، فقال لآدهم الذي مازال ينتظر سماع أي اجابة منه يطمئن بها عليه: متقلقش يا آدهم ده قلب بهزار قدامك اهو، الاخين دول كانوا من شوية بيقطعوا في لحم بعص ودلوقتي زي ما أنت شايف كده.

استعاب الأمر ومعه استعاد كامل ثباته، فأشار لآيوب قائلًا بخشونة: يلا هنتأخر.

هز رأسه وسبقه للخارج، بينما وقف آدهم يراقبهما بنظرة ضيق، فاتجه ليغادر قائلًا ليونس: حوارك خلص يا يونس، من بكره اعتبر اجراءات الطلاق خلصانه.

وتابع وهو يمنحه ابتسامة ماكرة: ابقى شوف رسايل الواتساب، بعتلك هدية عليه النهاردة الصبح.

وتركه مبتهجًا بما قال وغادر دون ان يمنحه فرصة الشكر، رفع ايثان يده يستند على كتف يونس الشارد بابتسامته الحالمة، ليفق على صوت إيثان الخشن: ابن بلد الباشا ده، جدع وبيفهم كده، وقعتوه ازاي ده يا يونس؟

اذا بيونس يستعيد وعيه فيدفع ذراع إيثان عن كتفه قائلًا بتذكارٍ: اطلع بره، في مكتب بره خليك فيه مش عايز ألمحك هنا تاني.

سحب المقعد قبالته هاتفًا بتعب: خلاص بقى يا يونس، أنا أساسًا بقالي شهرين مرحتش ليها المكتبة.

ليه معتش لاقي حجج مناسبة ولا ثقافتك عليت واستكفت بال28 كتاب؟

قالها ساخرًا، فردد الاخير بجدية تامة: منعت نفسي أعمل كده لإنها مستحيل هتكون ليا في يوم من الايام فبلاش أعلق نفسي في امل مزيف. خوفي من إني أعمل شيء مش عايزه ارغمني على البعد، بتمنى اقابل الانسانة المناسبة ليا.

ردد يونس بنفس جديته تاركًا مزحه جانبًا: ده عين العقل يا إيثان، لو كنت واخد قرار الإسلام بغرض جوازك منها فده مش مقبول، إنت صديقي بقالنا أكتر من عشرين سنة وعمرنا ما حاولنا نتكلم في حوار الدين، بس اسمعها مني نصيحة هقولهالك وتحطها حلقة في ودنك كل ما تحس انك هتضعف وتمشي ورا قلبك افتكر اللي هقولهولك كويس.

واستند بجسده العلوي على المكتب الفاصل بينهما ليكن قريبًا منه: يا إيثان أنا كصديقك من قد إيه عمري ماجيت قولتلك تأسلم علشاني او علشان حد، سايب الجزء دا ليك و مش عايز اضغط عليك في حاجة زي دي؛ لأن لا أنا هتحاسب مكانك ولا العكس، من حبي فيك بدعيلك دايمًا بالهدايا، وبتمنى ربنا سبحانه وتعالى ينور بصيرتك، ممكن خبر زي ده يفرحني جدًا جدًا، بس لو جيت في يوم تقول عايز أأسلم علشان بنت فأنت كدة عايز تعك، مينفعش تأسلم عشان حد، أنا بنصحك لو حبيت تعتنق الإسلام بجد تقرأ و تبحث وفي كلتا الأحوال أنا جنبك ومعاك.

واستطرد بحبٍ و: بالنسبة إنك بتحب والكلام ده، فليه متحاولش تدي لنفسك فرصة مع بنت خالتك، سبق وقولتلي إنها بتحبك ورافضة تتجوز لحد الآن وعندها أمل إنك تحس بيها.

تنهد والحزن بات يشع كالشرارة على ملامحه: مش هقدر يا يونس، صعب ارتبط طول العمر بواحدة محبتهاش ولا هحبها!

رد عليه ببلاغةٍ: وهو إنت كنت إدتلها فرصة او حتى لنفسك! إنت عامي عنيك عنها يا إيثان، وبعدين يا سيدي مش بجبرك تكون معاها هي بالذات شوف غيرها المهم إنك تدي لنفسك فرصة وإنت مقتنع إنك مستحيل هتكون مع اللي حبيتها.

هز رأسه باقتناعٍ، وأردف بمرحٍ ليقطع جدية مجلسهما الغير معتاد: وماله نسعى من أجل الطرف الطري، بس عهد عليا اللي هتدخل ده مرة تانية مش هتخرج منه أبدًا غير بكلبشة الجواز.

قالها وهو يشير على موضع قلبه، مستطردًا بمزحٍ: آه بس ألقيها بس وساعتها هستلف منكم حتة الحجاب دي لإني هغير عليها من طوب الأرض.

طرق يونس كف بالأخر هادرًا بسخطٍ: يا أخي لقيها الأول وبعدين أبقى اتنيل غير!

وترك المكتب يشير له بانزعاجٍ: تابع انت بقى هشوف فارس ونروح المستشفى، وأرجع ألقيك متصرف بالكتب دي عشان مطلعهمش على روحك الطاهرة.

تساءل بحيرة: أتصرف فيهم ازاي!

أجابه وهو يستعد للرحيل: روح للشيخ مهران واديهمله هو هيرتبهم بمكتبة المسجد، سلام يا آ، كابتن إيثووو.

حدجه بنظرةٍ مشتعلة بينما رحل الاخير مبتسمًا بانتشاءٍ.

تركت هاتفها على الكومود باكية، لا تعلم لماذا يفعل بها هكذا، ظنته قد تناسى الأمر وصفح عنها ولكن ما يحدث الآن ما هو الا عقابًا قاسيًا عليها.

أسرعت بمسح دمعاتها فور استماعها لطرقات الغرفة الخافتة، وبصوتٍ جاهدت لأن يكون ثابتًا قالت: ادخل.

فتحت أشرقت باب الغرفة وتساءلت بحنان: صحيتك يا بنتي؟

نهضت صبا عن الفراش تجيبها بابتسامة هادئة: أبدًا، أنا كنت صاحية يا ماما، اتفضلي.

ولجت للداخل بخطواتٍ متريثة، حتى احتلت المقعد المقابل للسراحة، طالعتها بنظرة ثابتة حتى جلست قبالتها بنهاية السرير، فأجلت صوتها مرددة: بصي يا صبا أنا مش صغيرة ولا بريالة، أنا حاسة يا بنتي إن علاقتك إنتي وجمال مش زي الأول، ده حتى معدش بيجي البيت وآ.

قاطعتها صبا بتوترٍ: أيه اللي بتقوليه ده يا ماما! إنتي عارفة إنه بيحب يقضي وقت مع عُمران ويوسف أصحابه وآ...

ربتت على ظهر يدها المسنود على ساقيها بحنان: متخبيش عني أنا زي أمك وهقدر أفهمك.

انهمرت دموعها بانكسارٍ، ورددت وهي تلتقط شهقاتها بصعوبة: والله حاولت أصالحه كتير بس هو مش مديني الفرصة، كنت هنزل مصر عشان أريحه مني ويرجع شقته بس هو رفض وأصر أكون هنا.

وتابعت وهي تزيح دموعها باحدى المناديل الورقية: مبقتش عارفة هو عايز أيه؟ ولا لسه زعلان مني ولا لا.

وبحرجٍ شديد قالت: يعني كان حصل حوار كده بينا ولما صالحني ورجعني الشقة ومنع سفري قولت انه خلاص مش زعلان مني.

احترمت أشرقت عدم رغبتها بالبوح عن تفاصيل مشاجرتهما، وقالت: طيب متزعليش نفسك عشان اللي في بطنك، هو جمال ابني كده يزعل ويعبي بس مبيحبش الفراق ولا بيبعد، كرامته عنده فوق الكل.

وربتت على ساقيها من جديد قائلة بحكمة: لكن في النهاية بيحبك وميقدرش يستغنى عنك يا عبيطة، طب ده مستناش وبعت خدك بعد الفرح بكام شهر على طول، واديكي قولتي أهو إنه مرضاش يسفرك وعايزك هنا!

وتابعت بلسانها الطيب: هو بس هتلاقيه واخد على خاطره منك وهيصفى متخافيش، أنا بكره هكلمه وهخليه يجي جري، وكلها يومين وهنزل مصر وإنتي بقى اتشطري كده واتنحنحي زي بنات اليومين دول.

وتشدجت مردفة باستنكار: أصلك مشفتيش النسوان اللي هنا عاملين ازاي! ده اللي في عمري تحسي اني أمهم، حكم أنا محبش حد يعلي عليا وأهو حصل واللي ما تتسمى اللي اسمها فريدة دي علمت بالجامد، فلزمن ولابد أول ما ارجع مصر أعمل ريجيم واهتم بنفسي، ففرصة يا بت اول ما تخلفي ألحقي نفسك وخليكي سمبتيك كده.

وضمت يديه لوجهها بخوف: مصيبة لواحدة توقع الواحد هتهببي أيه ساعتها؟!

جحظت عين صبا صدمة، فهدرت بانفعال: واحدة مين دي! ده انا كنت قرقشتها على سناني!

ضحكت أشرقت بابتهاجٍ وباستحسانٍ رددت: جدعة يابت!

عاد الجميع للقصر بعد انتهاء الافتتاح الا عُمران، أبدلت شمس ملابسها وهبطت للأسفل حينما لمحت فاطمة ومايا يجلسان بالحديقة.

مسدت مايا على بطنها بألمٍ وقالت: كويس إنك نزلتيني هنا يا فاطمة، كنت حاسة إني هتخنق فوق.

وتساءلت بدهشة: هو عُمران مرجعش معاكم ليه؟

ردت عليه فاطمة وهي تجذب طبق الفاكهة إليها: مش عارفة، سمعته بيقول لعلي إنه لازم يروح الشركة ضروري.

التهمت قطع الفروالة وقالت وهي تلوك قطعها: طيب ليه طلب مني استناه؟ الرجالة دي عاملة زي سلسلة الألغاز.

أتت من خلفهما بخفتها، تردد بفرحةٍ: مصدقتش عنيا لما شوفتكم من فوق، ها ايه سر القعدة دي أو بالمعنى الأدق بتنموا على مين يا حلوين؟

التفتت لها مايا تلطم صدرها بطريقةٍ درامية: العروسة أخيرًا طلعت من حبسها الانفرادي!

حدجتها بغيظٍ من طريقتها، فجلست قبالتهما تشير لفاطمة: شوفتي يا فاطمة بتتريق عليا ازاي! مكنش يومين يعني اللي ريحتهم، أنا مكنتش عارفة أنام في Egypt.

ابتسمت فاطمة ورددت: يا حبيبتي محدش يقدر يعترض على أي تصرف عروستنا تعمله، اتدلعي وأعملي كل اللي في نفسك إنتي عروسة.

نهضت إليها تنحني على الاريكة وتضمها بحب: حبيبتي فطوم، أنا بحبك أد الكون كله، وبصراحة بقى عايزاكِ معايا عشان ناوية أعمل الحنة على الطريقة المغربية وألبس قفطان زي اللي كنتي لابساهم في فرحك كانوا شيك جدًا جدًا.

أحاطت رقبتها بذراعها قائلة: عيوني يا شموسة، هنزل معاكي وهجبلك كل اللي انتي عايزاه.

وزعت نظراتها بينهما، وقالت بحنق: كده يا شمس، بقت هي حبيبتك وانا بقيت بنت الناني يعني! إخص عليكي يا ناكرة الجميل، ده انا كنت بلف وراكي في المول لحد ما كعب جزمتي ينكسر كل ده اتنسى لمجرد إني مفرهدة من الحمل حبتين تلاته يعني!

شعرت بالذنب لما اقترفته، حتى وإن كان الأمر فكاهي بينهن، فتركت فاطمة واتجهت اليها تمنحها ضمة مماثلة لزوجة أخيها، قائلة بشيء من الندم: أبدًا والله يا مايا، أنا أكيد مش هتحرك خطوة من غيرك إنتي كمان، هي في إيد وانتي في ايدي التانية آه هنضطر نريح كتير بسبب البيبي المتدلع ده بس its okay.

مسدت على بطنها المنتفخ قليلًا: مش بيتدلع هو تقريبًا وارث غرور أبوه وهيبقى طاووس نمبر2.

ضحكت شمس ومازحتها: لا انا كده لازم اتحرك بسرعة وأسرع معاد الفرح عشان أجبله عروسة كيوتة كده تخطفه، لاني من زمان بحلم بعريس شبه عمران، يبقى لازم نستغل الفرصة بحيث نقوي النسل.

ضحكت فاطمة حتى أدمعت عينيها، ومازحتها قائلة: ما يمكن أعملها وأسبقك يا شمس واجيبله بنونة كيوتة وعسل بردو ويغير رايه!

تابعت مزحها المضحك قائلة: هتبقى مشكلة فعلًا وبكده مش هيكون في غير حل واحد، إن مايا تلحق وتجبلنا كمان بيبي في اسرع وقت.

جحظت عين مايا من هول صدمتها، فجذبت علبة المناديل وقذفتها عليها هادرة بانفعال: ليه ياختي شايفاني أرنبة داخلة قفص اختبار!

وحاولت جادة النهوض عن الاريكة، مشيرة لفاطمة: قوميني بسرعة يا فاطيما عايزة اهبش في زمارة رقبتها، تعالي سانديني مش ههدى اللي اما أجبها من شعرها.

هرعت شمس تختبئ خلف الاشجار، بينما ساندت فاطمة مايسان ونصحتها بضحك: إنتي مش قادرة تصلبي طولك، في وضعك ده المسامح كريم صدقيني.

نهجت بتعب وهمست لفاطمة: قعديني تاني يا فاطيما، فرهدتني بنت فريدة هانم!

عاونتها على الجلوس مجددًا، فرددت مايا بتعب: أيوه كده، هاتي بس المخدة دي ورا دهري وحطي التانية تحت رجليا الشمال.

كبتت فاطمة ضحكاتها وقالت بجدية مصطنعة: هو انتي كنتي هتربيها ازاي وانتي مش قادرة حتى تحركي رجلك!

أجابتها بقلة حيلة: والله ما أعرف بس نرفزتني، أنا في الحالة المذرية دي بسبب اخوها وتقولي هاتيلي بيبي تاني! أنا عايزة ريست عشر سنين على الأقل عشان اقوم وأفكر في النقطة دي!

سقطت على المقعد من فرط ضحكاتها، وخاصة حينما صرخت مايا لشمس التي تحاول الفرار من خلف الشجرة: شوفتك، لو جدعه اطلعي وشوفي هعمل فيكي ايه؟ خليكي متزنبة كده لبكره الصبح عشان تعيدي نظر في كل كلمة تقوليها بعد كده.

حاولت فاطمة استمالتها: ميصحش كده يا مايا دي بردو عروسة.

عروسة على نفسها يا حبيبتي! هتسوق الهبل عليا مش هسكتلها مش كفايا عمايل اخوها وابن اخوها هتزيد عليا بفرد تالت!

قالتها بعصبية مضحكة، فإذا بالخادمة تطل من شرفة شمس العلوية، تشير بالهاتف مرددة: شمس هانم موبيل حضرتك بيرن.

خرجت من خلف الشجرة تهرول للاعلى وهي تنطق بهيامٍ وفرحة: دي رنة آدهم حبيبي!

تابعتها فاطمة بابتسامة هادئة بينما رددت مايا بسخرية: اجري ياختي، كان غيرك أشطر بكره يجيبك على بوزك وهتجري بردو نفس الجرية.

قهقهت فاطمة ضاحكة وقالت: مايا من أمته وانتِ قلبك أسود كده؟

ضمت يدها لصدرها وقالت بدهشة: مش عارفة بس تقريبًا ده اللي بيسموه هرمونات حمل متعصبة!

وتابعت بابتسامة رقيقة: بقولك أيه يا فطوم.

ارتبكت فاطمة من تحولها المفاجئ، ولكنها قالت: قولي!

تنحنحت بارتباكٍ وقالت: أنا في سر عايزة اقولك عليه بس وحياة على متعرفيش حد وتستري عليا.

انزوى حاجبيها باستغراب، وبقلق قالت: قولي يا مايا قلقتيني.

أشارت لها بالقدوم، فنهضت وانحنت لاريكتها فاذا بها تهمس: أنا بتوحم على حاجة غريبة مخلياني خايفة من نفسي ومن اللي في بطني.

تساءلت باستغراب: حاجة أيه دي؟

اابتلعت ريقها بتوترٍ وقالت: أنا يعني آآ، بصي مش انا اللي بتوحم دي طلبات البيبي وهو شغله هيطلع ما شاء الله دماغه عالية ومتكلفة.

بنفاذ صبر قالت: ما تقولي يا مايا؟

رددت بارتباك: عايزة أشم ريحة سجاير!

برقت الاخيرة بصدمة من طلبها بينما عادت مايا تهز رأسها موكدة لها تمام ما استمعت إليها، عادت فاطمة لمقعدها بنفس ملامح الصدمة، فلعقت شفتيها ورددت: أنا بسمع إن اللي بيتوحم بيكون بيتوحم على أكلة معينة ممكن شيء مالح أو حلو، لكن يشم وريحة سجاير دي موردتش عليا نهائي!

استقامت بجلستها ودنت إليها تلتفت حولها بريبة: والله ما أعرف ازاي بس من إمبارح والموضوع بيلح عليا، فعايزاكي تساعديني.

ازدادت صدماتها وبنفس الذهول قالت: نعم! اساعدك ازاي! دي مضرة جدًا وحرام يا مايا.

صاحت بها بحدة: هو أنا بقولك هشربها انا عايزة اشمها بس! يرضيكِ الواد يطلعله سجارة في وشه ولا قفاه!

رمشت بعدم استيعاب وقالت: بصي هي حاجة مضرة فالافضل تصرفي نظرك عنها، وبعدين لو افترضنا اني هساعدك هعملها ازاي! على مش بيدخن ولا جوزك حتى بيدخن، فقوليلي هجبلك سجاير منين ولو حصل وجبتها مين هيشربها عشان حضرتك تتكيفي من الريحة؟!

حكت مايا خدها بحيرة وهي تفكر بالأمر، ومن ثم فرقعت أصابعها: الحرس، أنا بشوفهم على طول بيشربوا سجاير، ولو على مين يشربها فاحنا هنولعها كأنها عود بخور!

ابتلعت فاطمة ريقها الجاف بصعوبة وقالت: بلاش يا مايا دي هتضرك صدقيني.

باصرارٍ قالت: بالله عليكي يا فاطمة تتصرفي انا عارفة انه هبل بس والله ما اعرف مالي، بحب أشم الادخنه الغريبة وحتى حبيت ريحة الدهان الجديدة في الجناح بشمها شبه الهيروين!

انتابها خوف من حالتها الغريبة، فقالت: طيب ما تروحي تكشفي عند دكتور يوسف ليكون الامر خطير.

زفرت بنفاذ صبر: يووه بقى يا فاطمة، هتحلي الموضوع ولا اتصرف لوحدي.

ضمت شفتيها ببراءة وقالت: طيب قوليلي هعمل ايه؟

بمكتب عُمران.

الظلام الدامس كان يحيل به، بعد ان انصرف الموظفين بأكملهم ولم يبقى سواه، يتلاعب بمقعده والابتسامة الخبيثة تحتل شفتيه، وها قد أتت المكالمة المنتظرة من الرجل الذي خصه بالمهمة المطلوبة.

رفع الهاتف إليه فإذا بالرجل يخبره: تحصلنا على ارقامهم جميعًا سيدي، بماذا تأمر؟

رفع ساقيه لسطح المكتب وارتخى بجسده باستمتاعٍ مرددًا: أرسل موقع سكنها إليهن جميعًا، واحرص أن تذكرهن بما ارتكبته بعد ان تسببت بطلاقهن، لا أريد ان تنالها الضربات زد بالنيران لتحرقها حية إن شئت.

فلنفعل إذًا!

اغلق عُمران هاتفه بابتسامة انتصار، فحمل مفاتيح سيارته وهبط للاسفل يطلق صفيرًا رائق، قاد سيارته عائدًا للمنزل وهو لا يكف عن الدندنة احتفالًا بتفكيره الخبيث بالانتقام من أول افعى هاجمته!

ارتدى على بيجامة من الستان الأسود، وخرج يبحث عن هاتفه الذي استقبل للتو رسالة أخيه ردًا على رسالته، قراها ليجده يكتب له
«متقلقش يا علي، أنا كويس وفي الطريق، لما أوصل هقولك عملت أيه عشان تكون فخور بتفكير أخوك، مع كامل تحياتي واحترماتك لشخصية الطاووس الوقح ».

ألقى الهاتف على الفراش ساخرًا بحنقٍ: مغرور حتى في حل مصايبه!

اقترب من الشرفة فوجده قد وصل للقصر، فهبط على للأسفل ليكون بانتظاره، فلم يحتمل حتى دخوله إليه واندفع للبوابة الخارجية ينتظره، فاذا به يلمح فاطمة تخرج من الغرفة المخصصة للحرس، تتلفت يسارًا ويمينًا بخوفٍ، ويدها مندثة خلف ظهرها.

نظراتها المريبة تشبه ذلك السارق المتخفي، أمرها برمته اثار شكوكه، وقبل أن يخطو إليها وجد عُمران يقترب إليه قائلًا بابتسامة واسعة: كويس إنك موجود تقرى الفاتحة معايا على روح الحيزبونة ألكس، جنازتها بكره الساعة عشرة وعشرة.

اندهش من صمود ملامح أخيه امامه، اختفى فضولها عن الأمر وعلى ما يبدو بأن هناك ما يستحوذ على اهتمامه، اتبع مسار نظراته فانتبه لفاطمة التي تتسلل على أطراف أقدامها، ومازالت يدها تختبئ خلف خصرها.

وقف جواره يهمس له: هي فاطمة بتتسحب شبه الحرامية كدليه؟ شكلها كانت خارجة من أوضة الحرس!

هز على رأسه مؤكدًا، وقال: خوفها وحرصها ان محدش يشوفها قلقني!

هز رأسه هو الاخر، مردفًا: أنا كمان قلقت.

وتابع ومازالوا يراقبنها بصمت: طيب ما تروح تسألها ولا تتصرف، مش آنت دكتورها وجوزها؟ لتكون داخلة على نوبة قلبت بسيناريو اللص والكتاب؟!

استدار إليه يهدر بعصبية: تسمح تبلع لسانك ده شوية وتسبني أعرف أفكر!

اشار له مستنكرًا هدوئه؛
هي دي محتاجة تفكير يا دكتور! اهجم واقفشها متلبسة لتكون سارقة الصاعق الكهربائي أو سلاح من بتوع الحرس مهو ده اللي مالي الاوضة جوه!

وتابع بشك وهو يتعلق بذراعه: على انت متخانق معاها؟! انا دلوقتي مستحيل اسيبك تروحلها لتضربك طلقة وأتيتم أنا!

دفعه على بغضب: يا أخي إبعد أنا في أيه ولا أيه؟

كاد بأن يتحدث مجددًا فأشار له بحزمٍ: اخرس وسبني افكر.

ابتلع جملته ووقف يراقبها في صمت، إلى ان وجده يتسلل خلفها بحرصٍ فخشى أن تصيبه فاطمة بما جاب عقله من ظنونٍ مضحكة لذا تسلل خلف أخيه بحذرٍ.

اختبئوا معًا خلف احدى الاشجار الضخمة، لتتضح لهما الرؤية كاملة، فاذا بفاطمة تلقي ما بيدها على مايا المتمددة براحةٍ، وهي تصرخ بغضب: اتفضلي ومتطلبيش مني الطلبات دي تاني، أنا مش مصدقة إني بقيت حرامية بسببك! بقى إنتِ تخليني أدخل اوضة الحرس وأسرق سجارة! مفكرتيش في منظري لو اتقفشت جوه!

اعتدلت مايا بجلستها تراقب الغنيمة بلهفة، غير مبالية بغضب فاطمة المشتعل، وما زاد حنقها حينما تساءلت مايا وهي تراقب السيجار بين يدها: نوعها أيه دي؟! وبعدين بعد كل النصايح والخطط دي وراجعالي بسيجارة واحدة؟! حرامية نزيهة ولا بتتقي الله في المسروق!

كزت على أسنانها بغيظ: انتي مش طبيعية والله العظيم! بقولك أنا بقيت حرامية سجاير بسببك!

نهضت قبالتها تصرخ بانفعال: ما خلاص يا ستي الطاهرة، مصيري هردهالك وبعدين قوليلي انتي سارقة السيجارة من غير ولاعة هولعها انا باية دلوقتي! مهو مش معقول هدخل المطبخ وفريدة هانم تقفشني بيها جوه، يبقى مشفهمش وهما بيسرقوا شافهم وهما بيولعوا!

صفقت كف بالاخر وهي تراقبها بصدمة، بينما من خلف الشجرة يبرقان كلاهما بصدمة، فردد عُمران بعدم استيعاب: مراتك حرامية ومراتي بتدخن؟! شيء عظيم، تحب نطلب الاحداث ولا نطلب فريدة هانم تنزل تربيهم أحسن.

مازالت الصدمة تؤثر على على بشكلٍ مقبض، لا يعلم أينفرط من فرط الضحك أم يظل متخشبًا من فرط صدمته.

تخطى عُمران الأمر اسرع منه وخرج إليهما يهتف بسخرية: مدوخة نفسك ليه يا بيبي ما كنتي طلبتيني وكنت جبلتك علبة وولاعة بالمرة عشان تتكيفي صح وتكيفي الواد!

جحظت اعينهما صدمة، فالقت مايا السيجار أرضًا ورددت بتلعثم وهي تختبئ خلف فاطمة: عُمران! لا انت فهمت غلط أنا آآآ...

ابتسم ساخرًا: أيه السلك لمس ولا دماغك لسه متعمرتش يا بيبي! طيب مش تقوليلي على الأقل متفاجئش لما القى ابني طالب حجرين!

مدت رأسها من خلف فاطمة تبرر: لا إنت فهمت غلط أنا كنت عايزة اشم ريحتها بس، أكيد مكنتش هشربها يعني!

وتابعت تبعد التهمة عنها: ابنك اللي عايز كده.

قال وابتسامته المخيفة تزداد: وماله يا حبيب قلبي هربيه وهربيكِ معاه أهو أكسب فيكم ثواب.

خرج على من خلف الشجرة، يكتم ضحكاته بصعوبة، فتنحنح قائلًا بجدية مضحكة: سجاير يا مايا، سجاير!

وتابع وهو يشير على زوجته التي تتمنى ان تنشق الأرض وتبتلعها: وكمان بتحرضي فطيمة الملاك البريء على السرقة!

طلت من خلفها تخبره بضيق: هديها وعديها يا دكتور!

أشار عُمران لفاطمة: جنب شمال كده يا فاطيما، محتاج الهانم في كلمتين.

كادت بالتنحي جانبًا، ولكن مايا لم تسمح لها بذلك، تمسكت بها وبرجاءٍ قالت: اوعي تبعدي يا فاطمة.

ربع يديه أمام كتلته العضلية مستهزأ بها: يعني كده مش هطولك مثلًا! انتي بالبلونة دي مش هتقدري تجري تلاتة سنتي يا بيبي!

نقلت بصرها لعلي تستنجد به: على الحقني يا علي، والله كنا هنولعها زي عود البخور.

اهتز جسد على من فرط الضحك، فأزاح دموعه وهو يجاهد ليتحدث بشكلٍ طبيعي: هو أكيد خايف عليكي يا مايا، الله أعلم المرة الجاية يمكن تتوحمي على هيرويين!

قالها وانخرط بضحكه مجددًا، فأشار عُمران لها بتحذير: هتيجي ولا أناديلك فريدة هانم تشهد على الواقعة بنفسها.

صرخت برعب: لااا كله الا فريدة هانم، أنا طالعه معاك. اتفضل اسبقني وأنا شوية وهحصلك.

رمش بذهولٍ: أسيبك عشان تولعيها! انا أسف يا حبيب قلبي على عيني أحرمك من الكيف بس ده خطر على ابني لذا وبكل حزم اتفضلي قدامي بدل ما نتحاسب هنا وعلى الملأ!

أنكست رأسها بخيبة أمل، واستدارت تستكمل طريقها للأعلى، وهو من خلفها.

تبقت فاطمة امام علي، تراقبه باحراجٍ وحزن، بينما هو لا يتمالك نفسه من فرط الضحك، فاتجه لها يردد بضحك: حرامية سجاير يا فاطمة!

رددت بنبرة أشبه للبكاء: والله يا على صعبت عليا، خوفت تطلع للبيبي في وشه وآ.

قطعت عبارتها حينما سقط يستند على حافة الاريكة من الضحك، وقال: يعني أنا كنت بفكر اهاديكِ كتب للشعراء المفضلين عندي، بعد اللي حصل ده هقدملك كتب تتعلمي ازاي تسرقي باحترافية لان ملامحك وانتي خارجة من الاوضة فضحتك فضيحة علنية!

انكمشت تعابيرها بحزنٍ وقالت: كده يا علي، بتتريق عليا وانا زعلانه إني عملت كده.

سيطر على ذاته بصعوبة ولف يده حولها: خلاص يا حبيبتي مش هضحك تاني بس الموقف نفسه يفصل!

رفعت عينيها لشرفة جناح مايا وسألته بخوف: هو عُمران هيعمل أيه معاها؟

استدار ومازالت يده تضمها واليد الاخرى بجيب سرواله، متابعًا معها شرفة أخيه: اعتقد إنه هيعالجها قبل ما توصل لمرحلة الادمان!

ردت عليه بضيق: هي مبتشربش هي بس كانت عايزة تشم ريحتها.

فشل بالسيطرة على ضحكاته فهتفت بغضب: متضحكش يا علي، هزعل منك بجد.

هز رأسه بجدية وعاد للضحك مجددًا، وانحنى يحمل السيجار الملقي أرضًا يرفعها قبالتها ويقول: بقى دي اللي اتسببت في الخناقات دي كلها.

لمعت عين فاطمة بفرحة وقالت: الحمد لله إنها معاك.

وتابعت بنبرة زرعت فيها خبث الأنثى بدلالها: على هو أنا ممكن أطلب منك طلب؟

قال بصدمة مازحة: أيه عايزاني اولعهالك تاخدي نفسين إنتي كمان؟!

هزت رأسها تنفي ذلك وقالت بتلعثم: عايزاك ترجعها مكان ما أخدتها لاني حاسة بالذنب ومش هسامح نفسي!

برق بها لدقيقةٍ كاملة، ثم انطلقت ضحكاته بصوتٍ يعلو سابقه، ومن بينها قال: نعم! عايزة أيه؟! يعني أروح أقول للحارس اتفضل المدام بس كانت بتجرب نوع جديد ومعجبهاش النوع بتاعك، ولا اقوله كابتن سيجارة واقعة منك! انتي بتهزري يا فاطيما!

ربعت يديها أمام صدرها وتابعته بنظرات خيبة أمل جعلته يتساءل بدهشة: ده انتي بتتكلمي جد بقى!

هزت رأسها تؤكد له، وبرجاء قالت: بالله عليك يا علي!

وزع نظراته بينها وبين غرفة الحرس هاتفًا: صعب يا فاطمة! انتي عايزة تهزي مكانتي ولا أيه أنا دكتور محترم مش مصلح لسرقة السيجارة!

استندت على ذراعه وبحب قالت: ولو قولتلك عشان خاطري!

نظراتها وطريقتها تلين الصلب إن أرادت، ابتسم لها وهز رأسه بموافقة رغم سذاجة الموقف.

اتجه على لمكان تجمع الحرس وهو يمرر يده على شعره الطويل بحيرةٍ وحرج.

وقف يتنحنح أكثر من مرة، مستحضرًا ثباته وخشونة صوته، ليشير لاحدهم فأتى يهرول إليه قائلًا: هل هناك خطبًا ما سيدي؟

قال ومازال يمرر يده على خصلاته: وجدت هذه هنا، خذها من هنا واحرص الا تسقطها مجددًا، أنا أكره رائحتها ولا أريد أن ينتزع مرائي برؤيتها.

التقطته منه ولم بستطيع اخفاء معالم دهشته ومع ذلك ردد بكل احترام: حسنًا سيدي، سنحرص الا يتكرر الأمر.

أشار له بخفة وعاد لها يكبت ضحكاته، وخاصة من رؤية ابتسامتها المشرقة وكأنه كان يعيد كنز من الذهب لصاحبه وليست ثقب سيجار مسروقة تعاد من سارقها! أغرب سرقة على الاطلاق!

بالاعلى.
تتراجع مايا لحافة الفراش، بينما يصيح عُمران
بغضب: بتشربي سجاير يا مايا هي حصلت! عايزة الواد يبقى خمورجي وبتاع سيجارة!

صعدت فوق الفراش تركض للجهة الاخرى قائلة بخوف: محصلش والله زي ما قولتلك كنت هولعها كأنها عود بخور، صدقني مش انا اللي عايزة كده أنا مؤدبة يا عُمران! مؤكد دي طلبات ابنك القليل الادب!

صعد على الفراش خلفها يصيح: متغلطتيش في ابني قداااامي! وبعدين هو لو طلبت معاه حشيش هجيبك من أنهى ظار!

أشارت تنفي مقولته: لا إن شاء الله مش هتوصل لكده أبدًا.

وانا لسه هستنى لما توصل! مش بعيد ألقيه نازلي بسيجارتين في ايده وبيمسي عليا بيهم!

هبطت من الجانب الاخر ببطءٍ مضحك، وبتعبٍ قالت: ما تيجي ننام ونأجل الخناق لبكره والله تعبت من الجري، فرهدت!

دنى إليها بنبرة خطيرة: ما كانت صحتك حاضرة من شوية وكنتي هتهفي السيجارة تحت، مش عارف عقلك كان فين! انتي أساسًا من اول الحمل وانتي من سرير المستشفى للبيت ما بالك لو كنتي نفذتي اللي في دماغك كنتي هتنامي فين المرادي! عارفة فين؟

هزت رأسها تنفي معرفتها بالامر فمال عليها يهمس: القرافة يا مايا، لسه فاكراها ولا فريدة هانم مسحت مصطلحاتك الشعبية!

مسدت بيدها على بطنها بارهاقٍ وقالت: فاكراها، سبني أريح بقى بدل ما اروحلها بحق وحقيقي.

ابتعد عنها قليلًا، فتمددت على الفراش باسترخاءٍ، تركها واتجه يخلع قميصه ليستعد لتبديل ملابسه وقبل ان ينتهي من ذلك خرج لها مغتاظًا: ثم اني مش قولتلك تقعدي وتستنيني! غيرتي فستانك ونزلتي ليه؟

قالت وهي تتناول من طبق الكاجو جوارها: لو متخيل اني هقعد استناك اربع ساعات بالفستان التقيل وببطني المنفوخة دي تبقى لسه مش مقدر امكانيات حالتي البائسة.

مزق شفتيه السفلي من فرط ضغطه المتعصب وهدر بغيظٍ؛
لا مقدر جدًا، مهو انتي بقيتي صاحبة مزاج بقى!

وتركها وعاد يستكمل ارتداء ملابسه، ليطل من جديد هاتفًا بحنق: بقى تقرفي من ريحتي أنا وتحبي ريحة السجاير!

والقى حذائه أرضًا بعصبية: هتجنن!

ابتلعت العصير وقالت وهي تلتهم الشوكولا: خلاص بقى يا عُمران متكبرش الموضوع.

اتجه إليها يجذب التسالي الذي قد سبق وأعدها لها قائلًا بنزق: هو كبير أصلًا يا بيبي!

وتمدد جوارها يشير بانفعال: ودلوقتي هتيجي تننامي في حُضني ولا أستبدلك بالمخدة؟

أسرعت إليه تهمس بذعرٍ: أجي مجيش ليه!

كبت ضحكاته على هلعها البادي بمُقلتيها، فاحتواها بين ذراعيه وغفى قرير العين بعد أن انتهى من اول عدو لدغه دون حقًا.

انتهى آدهم من مكالمته اليومية مع شمس، وما ان استعد للنوم حتى تفاجئ بوالده يدخل بمقعده المتحرك بملامح واجمة للغاية، اعتدل بفراشه يفتح زر الانارة مرددًا بتعجب: إنت لسه صاحي يا بابا!

احتفاظ عينيه باحمرارها أوضح لآدهم حالة ابيه، استقام بجلسته أمامه متسائلًا باهتمام: مالك؟!

تحرر عن صمته أخيرًا مرددًا بانهزام غزى روحه قبل أن يمس جسده: وبعدين يا عمر؟ هفضل مفترق عن ابني كده كتير؟ بشوفه ومحروم من اني اضمه او أسمعه بيناديني باللي المفروض بينادي بيه غيري! هفضل ساكت وانا شايفه مكتوب على اسم حد تاني!

وتابع وقد ترقرقت دموعه بغزارة: يابني أنا صبرت بما فيه الكفايا، بتقطع وأنا شايفه قدامي وبسمعه بيتكلم عن أبوه، ببقى نفسي أصرخ وأقوله أنا أبوك!

زفر آدهم بضيق من خوض ذلك الحوار المتكرر، فقال: يا حبيبي انا فاهمك وعارف إنه صعب، أنا كمان بخوض نفس احساسك وأنا شايفه قدامي ومش قادر أقوله اني أخوك، بس صدقني ده لمصلحته ولمصلحتك، آيوب متعلق جدا بالشيخ مهران، ممكن يبيع الكون كله عشانه، غير انه عمره ما هيتقبل اللي انت عملته!

ردد بقوةٍ: مش مهم انه يتقبل أو لا المهم انه يعرف الحقيقة.

لو حققتلك رغبتك هتكون بكده بنخسره بشكل نهائي!

هداه عساه يتراجع ولكنه أصر بقوله: مش هيبعد لإن لا أنا ولا إنت هنسمحله يبعد.

وببكاءٍ حارق قال: يابني معتش باقي في عمري كتير، عايز أكفر عن ذنبي قبل ما أموت، عايز أصحح غلطتي بنسبه لحد تاني، عايزه يسامحني قبل ما أموت.

انحنى يقبل يديه معًا وبتاثرٍ قال: بعد الشر عليك يا حبيبي متقولش كده عشان خاطري، حاضر أنا هتصرف وهشوف طريقة مناسبة اقوله بيها الحقيقة، اديني فرصة أخيرة.

تمسك بيده يضغط عليها بتوسل: اوعدني يا عمر.

هز رأسه بابتسامةٍ محبة: أوعدك يا صاصا!

صباحًا بالمركز الطبي الخاص بدكتور علي الغرباوي.

تلقى يوسف مكالمة هاتفية جعلته يجيب بابتسامة واسعة: بشمهندس آيوب بنفسه بيكلمني؟!

دكتور يوسف إزيك أخبارك ايه؟

أنا الحمد لله في فضل ونعمة، طمني عليك إنت أمورك تمام؟

الحمد لله يا دكتور، بصراحة ومن غير لف ودوران أنا مكلمك عشان حوار قد يكون تافهه بس يفرق معايا.

ضحك يوسف وردد بتخمين: سيف مش كده؟

من بعد ما نزلت مصر أول اسبوع كان بيكلمني عادي وجيت بعد كده كنت مشغول في حوار ابن عمي ومعرفتش ارد عليه فاتفجآت بيه مبلكني من كل الحسابات والنهاردة لقيته فكك الحظر وبعتلي إنه هيتجوز بعد بكره وقبل ما ارد او أستفهم لقيته بلكني تاني!

تعالت ضحكاته صاخبًا، وقال بمرحٍ: عشان كده مكتئب ومالي الفيسبوك منشورات كآبة عن غدر الاصدقاء!

ضحك آيوب هو الاخر وقال: شوفت يا دكتور! أنا حقيقي مش فاهم غلطت في أيه؟ خليه يكلمني عشان أصالحه حتى لو مغلطتش هخده على قد عقله!

والله انتوا الاتنين نكتة، بتفكروني بنفسي وانا في الثانوي! عمومًا حاضر لما هرجع بليل هتصل بيك وهخليه يكلمك.

تسلم يا دكتور يوسف، وبعتذر لو عطلتك.

لا يا حبيبي انا تحت أمرك إنت وتفاهة سيف أخويا.
ضحكوا معًا وأغلق يوسف هاتفه، فاذا بالممرضة تخبره: السيدة فريدة بالخارج تريد رؤيتك سيدي.

اندهش من الأمر، ورغم غرابته الا انه قال: ادخليها.

طلت فريدة بجاذبيتها ورقتها المعهودة، تجلس قبالته بكل عنجهية، وقبل أن تمنحه فرصة الترحاب بها قالت: في موضوع مهم عايزاك فيه يا يوسف، وبتمنى يكون بينا ميعرفهوش مخلوق!

وقفت سيارة الأجرة أمام منزل الشيخ مهران، تراجل منها يونس الذي يجلس بمقدمة السيارة حاملًا فارس الذي غفى على ذراعيه بعد ان قضى الليل برفقة يونس، بعدما اكدت له الطبيبة خروج خديجة في صباح اليوم التالي فظل بالاستقبال حتى انتهت من محلولها الاخير.

هبطت الحاجة رقية تساند خديجة التي تتألم بخفوتٍ يمزق قلبه دون رأفة بحاله، يود لو يحملها بين ذراعيه ولا يتركها تخطو خطوة واحدة تزيد من جرحها.

صعدت للطابق الاول بصعوبة وبطئ، حتى ولجت لغرفة آيوب بمساعدة رقية وسدن التي اندفعت اليهما بلهفة وحزن على حال تلك الفتاة التي سبق لها رؤيتها.

ظلت سدن برفقتها، وخرجت رقية تشير لصبيانها فاجتمع آيوب ويونس حولها، فصفقت بيدها بطريقة كوميدية: يلا يا جميل منك له، مشفش واحد فيكم هنا، آيوب هدخل ألملك هدومك في شنطتين بلاستك وتطلع في ايد أخوك على فوق.

زم شفتيه ساخطًا: اخرتها بتطرد بشنطتين بلاستك!

واستدار ليونس يلكزه بعنجهية: عشان تعرف أنا مضحي عشانك ازاي!

ردد بنزق: يا شيخ اتلهي ما انت هتطلع تقرفني فوق بكتبك ومذكرتك!

لف يده حول كتفه بسعادة: وده أهم ما في الموضوع، زي مانت عارف امتحاناتي على الابواب ومحتاجلك عن أي وقت يابو فارس.

منحه نظرة محتقنة وقال بسخرية: هات الهدمتين بتوعك وحصلني.

أوقفه الشيخ مهران مبتسمًا: مش هتأخد الاستاذ فارس ولا مش محسوب من صنف الرجال؟ أنا عن نفسي هنزل الدكانة ومنها للمسجد.

اتجه يونس إليه ينحني على الاريكة التي يغفو عليها، طبع قبلة عميقة على خده وهو يردد بابتسامة جذابة: راجل وسيد الرجال كمان.

وحمله واتجه لعمه الذي ربت على كتفه بحبٍ: ربنا يحفظهولك ويباركلك فيه يا حبيبي.

قبل جبينه باحترام: ويباركلنا في عمرك يا عمي.

أشار لآيوب فحمل الأغراض من والدته ولحق به للأعلى.

مضى علي بين الطوابق مباشرًا عمل الاطباء وفريق التمريض برضا تام عن اختياره، إلى ان تفاجئ بأخيه يجلس على مقاعد الانتظار المعدنية المتطرفة بانحاء المركز.

رؤيته بالمركز كان مفاجأة صادمة إليه، فدنى إليه يتساءل باستغرابٍ: عُمران بتعمل أيه هنا؟

مازالت الصدمة تستحوذ على معالمه، فاستدار يتطلع لعلي بنظرة مطولة وكأنه يحاول بها استكشاف من يتحدث معه؟ فتابع على بقلقٍ: مالك؟

خرج عن صمته يخبره ببسمةٍ بلهاء: أمك.

تابع الاخير بدهشةٍ: مالها.

اجابه بنفس الابتسامة الحمقاء: حامل!

جحظت أعين على بصدمة وهو يراقب عمران الذي مازال يجلس على المقعد المعدني كأنه فقد القدرة على استخدام ساقيه، استغل عمران صدمة اخيه وألقى اليه قنبلة أخيرة بسخرية: وجاية تسقط عند يوسف من ورا عمك!، معطلها جوه على أمل إني أدخل أقنعها وأنا من الصدمة قاعد محلك سر، اقعد جنبي بسرعة.

جلس على جوار عمران يحاول استيعاب ما ألقى عليه منذ الصباح، فضحك عمران ساخرًا: يعني أنا المفروض أعمل أيه أدخل اقولها سبيه وهربيه مع ابني! ولا همشي ازاي أنا! هشيل ابني اللي مستنيه كمان كام شهر على ايدي واخويا على الايد التانية ولا هعمل أيه بالظبط؟!

والتفت بجسده لعلي يصيح به بعتاب: انت السبب قعدت تقولي نساعد عمك يتجوزها وادي النتيجة هنبقى مسخرة يا علي!

وتطلع امامه يردد بهمس منصدم: ازاي مفكرتش في الكارثة دي!

وصاح في اخيها بتعصب: انت ساكت ليه ما تتنيل تقولي هنهبب أيه، ولا هنمنعها ازاي من قرار التخلي عن البيبي. يوسف مبطلش رن عليا وانا بقالي ساعة مرمي قدام مكتبه معنديش الجرأة اوجهه هو شخصيًا!

وحينما لم يجد رد فعل من اخيه هزه بقلقٍ: على مالك؟

وبتخمينٍ قال: انت زعلان انك بدل ما تستقبل خبر حمل فاطمة جالك خبر أمك من حيث لا تحتسب! انت دكتور نفسي وقادر تساعد نفسك فساعدها وانجز خليها تقولي هنعمل ايه نتصل بعمك نجيبه ويعرف بمصيبتها ويطلقها ونخلص ولا نعمل ايه؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة