قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس والتسعون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس والتسعون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس والتسعون

أغلق هاتفه وولج للجناح مجددًا، فوجد زوجته تقابله بنظراتٍ غاضبة، ويديها تتربع فوق بطنها المنتفخ، جاهد ليبدو متماسكًا، ولكن رغمًا عنه ضحك على مظهرها المضحك، وبصعوبة قال: فكي إيدك إنتي من غير حاجة شكلك مضحك يا بيبي، فبلاش تزيدها!
وتابع وهو يتلوى من الضحك: بطريق تايه من القافلة بتاعته!

احتقنت مُقلتيها بغضبٍ، جعله يبدد ضحكاته وهو يهدر: آسف يا روحي، أنا بني آدم مزعج وأب غير مسؤول عارف.
وإتجه إليها يرفع ذقنها للأعلى، ثم مال يقبل جبينها بحبٍ، ومال يهمس لها: حبيب قلب جوزه متضايق من أيه؟ ده أنا أخرب الدنيا كلها لو حد بس يفكر يبصلك بطرف عين.

دفعته عنها وصاحت بنفور: إنت اللي مزعلني يا حضرة، إتفضل هاتي حقي بقى منك وحالًا.
أشار ببراءة مصطعنة لا تليق بشخصه الماكر: أنا يا مايا! أنا زعلتك!

هزت رأسها بكل تأكيد، فتابع مبتسمًا: عنيا حاضر هجبلك حقك مني، إنتِ تؤمري أمر يا مايا هانم.
ظنته يسخر منها، ولكنها وجدته يتجه للمرآة المطولة بعرض الحائط، يقف قبالة نفسه، وبجدية تامة صاح: إنت يا حقير إزاي تجرأ وتزعل حبيب قلبي، مقالولكش إنها حرم عُمران سالم الغرباوي!

وتابع وهو يشير لها بأنه يجدي حسنًا: لا مش هقبل أي إعتذار منك، اللي إنت زعلتها دي بنتي وروحي وقلبي وكل دنيتي، هعمل انا أيه بكمية الاعتذارات دي، راضيها هي ولو سامحتك هسامح، وتاني مرة لو كررتها هطلع روح أمك في إيدي.
انفجرت من الضحك وهي تتابعه بعدم تصديق، فاستدار يتأملها بابتسامة عاشقة، وقال: ها هترضي عنه ولا أسحلك أمه هنا؟

اقتربت منه تقابله بنظرة عاشقة، ومالت تتدلل عليه وهي تعقد جرافاته: على فكرة أنا مش زعلانه منه، أنا زعلانه منك إنت يا بشمهندس.
أحاط خصرها يقربها إليه، وقال: ليه يا حبيبي، عملتلك أيه بس، الجناح مش عاجبك طيب، أنا عاملك كل الألوان اللي بتحبيها وبتريحك، حتى الانتيكات، والاجهزة وكل شيء، قوليلي طيب أنا غلطت في أيه؟

سحبت يده وإتجهت به لمساحة الخزانة الضخمة التي خصصها بالداخل، كانت أغراضه الشخصية تأخذ حيز ضخم، وبالأخص عطوره وأحذيته والساعات المخصصة إليه.

وجدها تتجه للجزء المجاور لمساحاته، تضغط على الزر الاتوماتيكي، فانفتح من أمامها الباب الخاص بالخزانة، والذي خصص هذا الجزء بالتحديد لملابس صغيرها، تابعها عُمران وهي تشير له بحزن: إنت عامل متشنج مع ابنك وسايبني، جايبله بدل وهدوم صغيرة شبه هدومك، طيب وأنا! يعني أنا أحمل فيه وأشيله 9 شهور وفي النهاية ينزل يلبس زيك إنت، ليه بقى؟

انتقل برماديته بصعوبة عن الخزانه لها، ظن أنها تمزح ولكنها كانت تتحدث بجدية تامة، ودمعاتها تتلألأ بمُقلتيها، فقال مستنكرًا: يعني إنتِ زعلانه عشان اشتريتله هدوم شبه بتاعتي وحابب إننا نلبس شبه بعض، زعلانه إني كجولت إبنك يا مايا!
أكدت بعصبية بالغة: وليه ميلبسش على ذوقي أنا ولا أنا ذوقي بلدي وميعجبكش يا بشمهندس!

وتابعت وهي تسحب إحدى الحقائب الموضوعة جانبًا: أنا على فكرة اشتريتله هدوم كتيرة جدًا، طلبتها أون لاين، وذوقهم حلو مش وحش.
اقترب منها وقال: مين اللي قالك ذوقك وحش!

تجاهلته وجلست على الأريكة الصغيرة، تفتح الحقيبة من أمامها، فانحنى أرضًا يخفض الحقيبة لتتمكن من رؤيته، تعمق بعينيها وهمس بمكرٍ: ذوقك وحش إزاي وأنا إختيارك يا بيبي! لا إنتِ ظالمه نفسك أوي، أي واحدة هتشوفني جنبك هتقسم إنك ذوقك عالي وحلو جدًا جدًا.
استغلت انه ينحني على ساقيه ودفعته بغضب: أنت مغرور ووقح يا عُمران، وعلى فكرة مش هيلبس غير اللي انا اشتريته، إبني وأنا حرة فيه سامع!

ضحك بصوته كله وكلما جاهد للحديث عاد لنوبة الضحك، فتمدد على السجاد الفخم من أسفله، وقال: عارفة لو حد تاني اللي زقني الزقة دي، كنت طلعت عين أمه، بس عندك وكل حاجة بمتلكها بتتلاشى قدامك!

تجاهلت ما يقول وأخرجت الملابس من الحقيبة، ثم إتجهت للحزانة، تحاول تعليق الملابس على الشماعة، ولكنها كانت مرتفعه عنها للغاية، جذبت المقعد وحاولت الصعود إليه، ولكنها تفاجئت به يحملها ويعود بها للجلوس على الأريكة، قائلًا: كده خطر عليكِ وعلى البشمهندس اللي مبسوط موت من خناقتك ليا ده، ارتاحي أنا هعلقهم بنفسي.

والتقط منها ما تحمله وأبعد الملابس الذي اشتراها جانبًا، مخصصًا مكان لما اشترته لاجل صغيره، كانت يتأمل كل قطعة بابتسامة جذابة، حتى انتهى مما يفعله، فاستدار يخبرها بصدق: على فكرة الهدوم اللي اشتريتها أحلى من اللي جبتها وهتكون مريحه ليه أكتر، تحسيها هدوم بيبهات كده، لكن أنا معرفش ازاي جبت لبيبي صغير بدل كلاسيكي! هيلبسها ازاي دي!

إمتص كل الغضب الذي بداخلها فابتسمت وقالت: عادي هنخلي المريح للبيت و لما يخرج معاك في أي مناسبة هنلبسه شبهك بالظبط، هتبقوا كيوت أوي!

أغلق الخزانة واستدار يتطلع لها بنظرة طالت بكل العشق الذي حمله لها، يطوف قلبه قلقًا وخوفًا لا يعلم مصدره، ارتابت مايا لشروده الطويل بها، فتسائلت بقلق: في أيه؟
رسم ابتسامة هادئة، وفرق ذراعيه هامسًا: تعالي يا مايا.

نهضت تتجه إليه، فضمها بقوةٍ، وكأن الموت ينتظره على باب جناحه، شددت من تعلقها به وهي تشعر بأن هناك أمرًا ما، فهدرت بخوفٍ: إنت فيك حاجة؟

طرد عنه كل شيء وقال يمازحها: دايخ من سحرك بس.

ابتعدت تطالعه بشكٍ، فضحك وهو يخبرها: إنتِ سحرك بيغريني في التوقيتات الغلط، المفروض إني أبدأ أجهز عشان سفري، بس الأول هعدي على شمس والكابتن الغبي جوزها.

لحقت به وهو يتجه لخزانته، يجذب احدى البذلات الفخمة وحزامه الباهظ، ثم انحنى ينسق حذاء يليق به، تابعته مايا بقلقٍ، فحاولت طرده عنها وبدأت بالحديث معه: هتأخد مين معاك؟ فاطمة هتيجي؟

سحب المنشفة الخاصة به، ومستلزماته الخاصة قائلًا: لا فاطيما مينفعش تيجي معايا مشوار زي ده، جمال اللي مصمم يجي معايا، مع إنه مطلوب منه شغل كتير أوي، هيأجله لبكره وهيبقى مجهود كبير عليه بس هنقول أيه غبي هو التاني ودماغه مش بتلين لحد.

هزت رأسها بخفة، وقالت مبتسمة: ربنا يوفقك يا حبيبي.

سحب كفها يقبله، وخطى بها لجوار خزانته، ومن ثم ضغط على زر جانبي، فوجدها تردد بذهولٍ: ده الحيطة!

ابتسم وهو يسحب الباب الشبيه بالحائط: لا ده جزء من دولابي، خصصته ليكي بعيد عن الخزانة بتاعتك، طقمتلك كام فستان معانا أنا والبرنس.

وأحاط خصرها مستندًا بذقنه على رقبته ليترك لها فرصة تأمل ما اشتراه لاجلها، بينما يهمس: مش أنا والبيبي اللي هنطقم بس، مش معقول أنسى حبيب قلبي، الحب الأول قبل التاني وإنتي حبي الأول وهو الحب التاني!

تركته وولجت للخزانه الضخمة تتفحص الفساتين الفخمة من امامها، اتسعت ابتسامتها فرحة واعجاب بما رأته، فعادت تركض إليه، إلتقفها بسن ذراعيه بينما تردد بسعادة: تحفة أوي، كل فستان أشيك وأحلى من التاني، والأفضل من كل ده إنك افتكرتني، أنا بحبك يا عُمران.

غمست أصابعه بين خصلاتها المفرودة، يقربها إليه، ويهمس بتوترٍ اجتاحه فجأة: حبك ده اللي بيقويني يا مايا، ومهما ببعد برجع مشتاق ودايب في غرامك.

ثم أبعدها وهو يحذرها بمزح: كفايا رومانسيات هتأخر كده، اتفرجي على الفساتين براحتك وسبيني أستعد.

وتركها تعود للخزانة بلهفة، ثم ولج للحمام الخاص بجناحه، اغتسل ووقف أمام المرآة يعيد ترتيب حلاقة ذقنه بتهذيبٍ، وحينما انتهى وقف يتطلع لذاته قليلًا بشرود، أنفضه عنه وخرج يرتدى بنطاله وقميصه الأبيض المطوي، ثم وضع الجرفات، وارتدى خاتم زواجه الموضوع على السراحة، ثم ارتدى ساعة يده الثمينة، وفور أن انتهى من تصفيف شعره ارتدى جاكيته.

استعد للمغادرة فوجدها تتجه إليه وتقدم له الجرفات الخاص به ببسمة واسعة، أشار لما يرتديه قائلًا: لبست خلاص يا حبيبتي.

استدارت له وقالت بضحكة خبيثة: دي ليا مش ليك يا بشمهندس.

ضحك بصوته الرجولي ولملم خصلاتها، قائلًا: آه ده أحنا خدنا على كده بقى، أنا اشتري بالدولار وإنتِ تربطي بيهم شعرك!

رفعت رأسها إليه وقالت بتذمر: مفيش حاجة خسارة فيا.

انحنى يقبل جبينها المرفوع تجاهه: مال الدنيا كله تحت رجليكِ يا بيبي.

ابتسمت وعادت تتطلع للامام، لحين أن ينتهي من عقدها، فعقدها على شكل فيونكة مثلما تحب، وسألها باستغراب: مش دي الكرفاته اللي أنا لسه قالعها!

هزت رأسها بتأكيد: شوفت إني بحافظلك على حاجتك النضيفة وبستعمل اللي بتقلعه ازاي.

ضحك على مكرها ومال يتعمق بعينيها كأنه جهاز كشف الكدب: يعني مش عشان محتفظة بريحة البرفيوم بتاعي!

نفت ذلك قائلة بسخرية: ما البرفيوم بتاعك كله قدامي هنا، لكن التركيبة اللي بترشها اللي بتعجبني، ألقطها منك في مرة بس وهعيش بقى.

توالت ضحكاته مستمتعًا بحديثها، سحب عُمران هاتفه ومتعلقاته الشخصية، ثم قال: يدوب أتحرك، سلام مؤقت يا بيبي.

أحاطت عنقه وقالت بقلقٍ: ممكن متعملش موبيلك صامت، وتطمني لما توصل.

ضم وجنتها بيده وقال: حاضر، بس خلي بالك إنتي من نفسك وارتاحي، الجناح كبير جدا وهيحتاج منك وقت عشان تستكشفيه فبلاش تضغطي نفسك النهاردة، الايام جاية كتير.

هزت رأسها في طاعة، فخرج ساحبًا باب الجناح من خلفه، فكان بطريقه للهبوط حينما ناداه علي، دنى منه وملامحه مطعونة بالغيظ والغضب.

حك عُمران أنفه يخفي ابتسامته، وقال ببراءة وجدية مصطنعان: خير يا دكتور.

سحبه جانبًا واستدار يطمئن ببعد المسافة بينه وبين زوجته التي تتجه إليهما: بقى تخصص مكتب ليها في مساحة 40متر، وأنا تعملي المكتبة بتاعتي في 10 متر! أنا كنت بحلم بالمكتبة دي وقولتلك مواصفاتها من أول ما بدأت ترمم القصر وتجدده، حصل ولا لأ يا أفشل مهندس خرجته كلية الهندسة!

تمردت ضحكات عُمران وهو يتابعه يضيف: دي مكتبة أوضتي في لندن أكبر منها بكتير، إنت أكيد بتهزر معايا صح!

غمز له وقال: فاطيما وصلت، تحب ردي عليك يوصلك قدامها ولا نأجل؟

استدار يتفحص قرب مسافتها منهما، وأشار بسخط: أجل يا فاشل، أجل!

أسرعت فاطمة إليهما، والابتسامة تنير وجهها الجميل، تتجه لعمران بالتحديد وبكل امتنان قالت: عُمران المكتب جميل أوي أوي، أنا مش عارفة أشكرك ازاي، إنت منستش أي حاجه فيه، انا حاسة إني مش عايزة أخرج منه أبدًا أبدًا، وأجمل ما فيه الروم المخصصة لاجتماعات الاون لاين، بجد تصميمها تحفة ومريحة جدا، شكرًا ليك بجد.

منحها ابتسامة هادئة وقال: مبسوط إنه عجبك يا فاطيما، تستاهليه وتستاهلي أفضل من كده كمان.

وتابع وعينيه تتراقص بمكر على أخيه الذي يتابعه بغضب: بس مقولتليش أيه رأيك بالجزء اللي خصصتهولك في مكتبك؟

زوت فاطمة حاجبيها، وتساءلت في دهشة: جزء أيه؟

كبت ضحكاته بصعوبة، وقال وهو ينابع تأثر ملامح أخيه: أخدت عشرة متر من مساحة المكتب وعملتلك فيها مكتبة، لإني عارف انك بتحبي الكتب جدًا.

انبهرت فاطمة بما قال، بينما كاد على أن يصاب بذبحة صدرية من شدة صدمته، رددت فاطمة بفرحة مضاعفة: يعني المكتبة اللي جوه دي ليا أنا!

اكتفى بإيماءة من رأسه، حتى لا ينكشف ضحكه الشديد على وجه أخيه الممتقع بالاحمرار، وحينما استعاد ثباته قال: تعالي وأنا هوريكي كام حاجة سرية جوه المكتب هتعجبك أوي.

سبقته بكل حماس: بسرعة وريني.

لحق بها واستدار يشاكس أخيه: مش هتيجي معانا ولا أيه يا علي؟

تحرك إليه يسدد له لكمه قاسية، انحنى عُمران يتفاداها وصاح بضحك: عيب يا دكتور، أعقل كده وبطل حقد، حد يغير من مراته يا جدع! بص وشوفها سعيدة ومبسوطة ازاي!

دفعه علي للحائط، وصاح من بين اصطكاك أسنانه: بقى أنا تعمل معايا كده يا عُمران، ماشي يا وقح ماشي!

ضحك بصعوبة حديثه: إيدك والبدلة يا علي، هحضر بيها مؤتمر مهم!

رد عليه بسخرية: متستحقش مؤتمرات ولا المهرجنات اللي عملينها عشانك دي لانك مهندس فاشل يالا!

وتابع وهو يتفحص زوجته ثم يعود له: بقى أنا يبقى عندي مساحة 50 متر فاضيه جوه الجناح تعملها كلها مكتب لشغلك يا متسلط، طيب كنت خصصتلي حتى عشرين متر! كتبي اللي هتعطلك شغلك يعني يا أفشل مهندس أنجبته مصر!

فشل عُمران بالسيطرة على ذاته، فمال على كتف أخيه يضحك حتى أدمعت عينيه، ضحك على رغمًا عنه، ومال فوق رأسه يهتف باستنكارٍ: بتضحك! شكلك بقيت بتعز فاطمة أكتر مني!

واستطرد وهو يلتفت تجاه زوجته التي تشير لهما بالقدوم، وقال بجدية: بس منكرش إن سعادتها بالمكتب مفرحني، فهسكت عشانها بس. تعالى نشوف الاماكن السرية اللي عملتها، إياكش تكون فاكر أخوك بمترين يعين فيهم كتابين حتى!

نصب عوده بعدما أزاح دموعه التي سقطت من فرط الضحك الهيستري، وربط على كتفه يخبره: متقلقش هفاجئك!

منحه نظرة ساخطة واتجه للجناح متمتمًا: مش عايز أتنيل أتفاجئ، كفايا أوي لحد كده!

إنهار من الضحك وهو لا يصدق أن الذي يواجهه هو على شقيقه، كان يعلم أنه مهووس بالقراءة والكتب ولكن لم تصل به الرؤية لتقييم مدى حبه لها.

ولجوا معًا للجناح، حيث كان مقسمًا لمساحة ضخمة احتوت سرير كيير، وصالون كامل، يحده شرفة كبيرة تطل على الحديقة، وعلى جانبيه مدخل لغرفة كبيرة المساحة صنع فيها نفس مقاسات خزانة غرفة عُمران، ولجوارها حمام كبير للغرفة، وبالجهة الاخرى مدخل يخص مكتب فاطمة.

أخفض عُمران عينيه عن الاغراض المبعثرة على الفراش، فقد بدت ان فاطمة كانت ترتب ملابسها داخل الخزانة، اتبعها لغرفة المكتب، واستدارت إليه تصفق بلهفة طفلة يكتشفها علي بزوجته للمرة الاولى: وريني الاماكن السرية!

اقترب عُمران من الحائط المصمم باللون الأبيض، وبنفس الجزء الذي خصصه خزانة سرية لملابس ومجوهرات زوجته، ضغط عليه فانفتح من أمامها، فوجدت خزنة صغيرة داخلها، وعدة رفوف فارغة.

جحظت عينيها بانبهارٍ، وهتفت بلهفة: ورايني لوحة تصميم أوضة المكتب عايزة أشوف ازاي حطيت التفاصيل دي كلها!

أغلق الخزانة واستدار مبتسمًا: بكره في الشركة هوريهالك حاضر، بس تحتفظي بيها بعيد عن أي حد دي أسرار شغل.

قالها وهو يشاكس على بنظراته، بينما يستطرد: الخزنة دي بقى تقدري تحتفظي بيها بمجوهراتك ومرتبك اللي بتخديه كل شهر، مهو إنتِ لازم تأمني نفسك يا فاطيما، مسمعتيش عن الرجالة اللي بتسرق فلوس مرتاتهم!

ضحكت بملء ما فيها، بينما ابتسم على ببرودٍ، لن يصل لما يريد ان يجره أخيه إليه، بل اقترب إليه يلف ذراعه من حوله، مستغلًا فرق الطول بينهما، وقال: لا سمعت عن الأخ اللي حبس أخوه في مستشفى الامراض العقلية، عارفها ولا تايه عنها يا ميرو!

وتابع وهو يشير إليه: أمال أخوك فين من الليلة دي كلها!

أزاح يده عنه ومنحه نظرة غرور، ثم اتجه للجانب الاخر يفتتح جزء أخر ويشير لفاطمة بوجود براد صغير ومكان مخصص للملفات، وفتح المكتبة دن جديد لها.

تركها عُمران تستكشف ما فُتح أمامها، وعاد لاخيه يشير له، هاتفًا: مقولتليش أيه رأيك في الجناح؟

أجابه بجدية تامة: جميل ومرتب جدًا، حتى ألوان الدهانات هادية ومريحة للعين جدًا، تسلم دماغك انت وفريقك يا بشمهندس.

منحه ابتسامة هادئة، وقال: تعالى معايا.

اتبعه علي للخارج، فوجده يتجه لخزانة الملابس الضخمة، مستهدفًا الجزء الخاص بأخيه، ضغط على الحائط المجاور للخزانة، فانفتح باب حجري جوار الخزانة، وظهر فيه تجويف داخلي، يبرز درج أبيض، صغير ملتوي بشكل حلزوني، ولج على من خلفه وهو يتساءل بدهشة: ده أيه يا عُمران؟

صعد للاعلى وقال: تعالى بس.

لحق به للاعلى، والآخر يقول بمكر: مش كنت بتسأل الدور التالت فيه أيه، هوريك.

تخشب بمحله وهو يبرق بدهشةٍ وعدم تصديق، لقد صنع له عُمران مكتبة كاملة على مساحة جناحه بالكامل، مكتبة امتزجت باللون الأزرق والأبيض، رفوفها تمتد من أرضية الغرفة لأعلها، تحمل المئات من الكتب بكافة المجالات!

دارت رأس علي في المكان الشاسع من حوله بانبهارٍ ودهشة، وسعادة ارتسمت على عينيه قبل أن تصل لشفتيه، كل عدد من الرفوف كانت تحمل لافتة تدون أعلاها المجال المخصص به الكتب، كالطب النفسي وغيره من الروايات والكتب المترجمة، كل ما تمناه يجده أمام عينيه، يحتاج فوق عمره عمرًا ليتمكن من قراءة كل تلك الكتب، يشعر وكأنه يود أن يحتبس داخلها ليمضي بين صفحات تلك الكتب، ولكن كيف سيصعد للاعلى!

سقطت رماديته على الدرج الالكتروني الموضوع بزواية الرفوف بشكل ابداعي، يمكنه من الصعود لأي رف يريده، وما جذبه كليًا وجود جزء مخصص للمشروبات وقد وضع فيه القهوة والمشروبات المحببة له.

استدار تجاه عُمران فوجده يراقب كل رد فعل منه بابتسامة واسعة، وحينما التفت إليه سأله: ها أيه رأيك؟

ازدرد ريقه بصعوبة وقال: مفيش بعد كده! إنت أخدت أحلامي كلها ورمتها في المكتبة دي!

وتابع وهو يعود لتأمل مساحتها: مساحتها كبيرة أوي اوي.

رد ببسمة جذابة: يمكن لان دي مساحة جناحك كلها مثلًا.

استدار، إليه يهتف بعدم تصديق: معقول!

أكد له بايماءة من رأسه، ولكنه لم يراها فمازال مأخوذ من جمال ما يراه، إتجه عمران للحائط الخارجي حرر الزر الجانبي، فانقسم الحائط الخشبي نصفه يصعد للاعلى والنصف يهبط للاسفل، فبرز من أمام على حائط زجاجي يطل على حديقة القصر، كأنه يجلس بمنظر طبيعي خالد لا يحمل سواه.

اتجه إليه وهو يتفحص جمال المنظر المحيط به، بينما يردد عمران ساخرًا: كده مش فاضلك غير الرمادي يحضر هنا ويخطفك لارض البلاغة، بس عشان أنا مستغناش عنك عملت الازاز ده.

تطلع له بنظرة ممتنة وبدون أي حديث ضمه إليه وهو يقول: دي أروع هدية أتقدمتلي، المكان جميل بشكل مخليني عاجز أشكرك.

ضمه عُمران بقوة، وهو يستشعر فيه الأمان، وكل مشاعر الابوة التي حُرم منها، ولم يبتعد الا حينما دق هاتفه، برقم شمس التي ظنته لن يأتي، اغلق الهاتف ووضعه بجيب جاكيته، فسأله على باستغراب: مردتش عليها ليه؟ إنت لسه زعلان منها؟

رفع رماديتاه له وقال بهدوء: مبعرفش أزعل منها يا علي، أنا هعدي عليها قبل ما أسافر فمالوش داعي كلام التليفونات ده بقى.

وتابع وهو يتجه للحائط الداخلي: سيبك وتعالى بقى أوريك أحسن حاجة عملتها هنا، ما أنا بردو منستش نفسي.

لحق به على فوجد الحائط الفاصل بين المكتبة والغرف الاخرى الخارجية يتحول لحائط زجاجي مشابه للخارجي، وبدى من خلفه غرفة ضخمة بنفس مساحة المكتبة، تقع فوق جناح عُمران، تحتوي على عدد مهول من الاجهزة الرياضية.

فتح عمران باب زجاجي بمنتصف الحائط وولج يشير له: عملت الباب ده مخصوص عشان عارف إنك بتقضي وقت طويل في القراية، وانا كمان بقضي وقت طويل في الجيم، فكده مش هنبعد عن بعض يا أبو علي! إنت بتقرى وأنا بتمرن وشايفك.

ابتسم على وقال باعجاب: طلعت فعلا مهندس شاطر، اعتقد انك تستحق أكون فخور بيك.

ضحك وأجابه بمشاكسة: مجبر تكون فخور، أخوك مش أي حد.

ضربه بخفة على كتفه وغادر للجهة الاخرى قائلًا: مغرور، انا راجع مكاني المكان هنا يقفل النفس.

لحق به هادرًا بضحك: بتكره الرياضة والاجهزة بشكل بيستفزني أمرنك مرة.

جلس على الاريكة الناعمة وجذب اقرب كتاب إليه: مش هتقدر، أنا مبسوط بنفسي كده.

فتح الكتاب وسرعان ما انغمس فيه بشكلٍ أدهش عمران، فهز رأسه بضجر من اهتمامات أخيه الغريبة، جلس جواره يراقب الصفحة التي جذبت انتباهه فذم شفتيه بتهكمٍ: يا أخي ده انا بيطلع عيني لحد ما بخلص الملفات أو وقت مراجعة الحسابات، هموت وأعرف بتحب القراية ازاي!

لم يستمع له من الأساس، كان قد غرق فيما يحمله، سحب عمران الكتاب وقال ببسمة مستفزة: أنا ولا الكتب يا علي؟

راقبه بنظرة هادئة، وسرعان ما ربع يديه أمام صدره يخبره: وقت التمرين ولا خروجة معايا؟

ترك الكتاب وقال بكل جدية: القعدة معاك أجمل من مليون تمرين، كلامك وطباعك كلها بالنسبالي مفيش مقابل يتحط في ميزانك.

ابتسم على ومال يهتف بنفس صياغته: وأنا مفيش كتاب يقدر يسحلني عنك حتى لو في كتب بتنجح إنها تسحلني، شوفت بابا على شخص راقي ويتحب إزاي؟

اتسعت ابتسامته وقال بصدق: يتحب لانه دكتور شاطر فاهم في الناس كويس أوي، عشان كده أنا هرمي اللي في دماغي من نحية آدهم وهديله فرصة تانية، بناء على تقييمك لشخصيته.

قالها وانتصب بوققته يتفحص ساعة يده: يدوب أتحرك، خد راحتك إنت بقى مع الكتب.

منحه ابتسامة جذابة وسحب الكتاب يعود لقراءته، هبط عمران درجتان من الدرج ومازال أخيه يظهر من أمامه على الأريكة، صعد مجددًا واتجه إليه يناديه: علي.

رفع عينيه إليه بدهشة من وجوده، ارتبك عمران وابتلع نص حديثه، كان يود أن يخبره بأنه ان حدث له أمرًا ما لا يتخلى عن زوجته، كان يود أن يضعها بامانته هو وابنه، يوصيه خيرًا بها، ولكنه خشى أن يقلقه، أو ربما بعد ما سيقوله سيمنعه من الذهاب لخوفه الشديد عليه، وبالنهاية أخيه لن يحتاج منه توصية ليفعل ما يفعله لنبل أخلاقه السامية.

نهض على عن الاريكة واتجه اليه يناديه للمرة الثالثة: عمران روحت فين؟

تنحنح بخفوت، وبارتباك رد: لا ابدًا سرحت شوية، همشي بقى.

أوقفه على هادرًا: كنت عايز تقول حاجة واتراجعت.

زفر بضيقٍ اعتراه: يووه يا علي، مش قولتلك بطل تحطني تحت المجهر بتاعك.

ابتسم وربت عليه: خلاص متزعلش، حسيت بس إنك حابب تقولي حاجه، هقولك انا يا سيدي حاجة نسيت اقولهالك ولا تزعل.

وتابع وهو يشدد على حديثه بقلق: خد بالك من نفسك، تقضي مشوارك وترجع على السريع.

هز رأسه بخفة، وغادر على الفور، بينما عاد على يقرأ الكتاب الذي جذبه كليًا.

خرج عُمران من الباب السري، فوجد زوجه أخيه قبالته: انتوا رحتوا فين أنا بدور، عليكم من ساعتها، وفين علي؟

تنحى عن الباب وأشار لها: فوق عند ضرتك.

جحظت عينيها صدمة: عند مين؟

كبت ضحكته وغمز لها على الدرج: اطلعي اتعرفي عليها.

هرولت فاطمة على الدرج وهي تصيح بغضب أضحك عمران الذي استكمل طريقه للاسفل وهو يصفر باستمتاع بينما تصرخ هي: علي!

انتفض محله فزعًا، وسقط الكتاب منه أرضًا، وهو يتابع صراخ فاطمة باسمه بجنون، حتى استقرت قبالته، فتابعت المكتبة باعجاب وقد تفسر لها قول عمران، بالفعل من تتمكن من أخذ عقل زوجها وكيانه ضرة، إذًا الكتب ضرتها الجديدة هنا، استدارت ضاحكة ومستهزئة بحديثها: عنده حق عُمران لما قال إن الكتب ضرتي التانية!

تركت الهاتف من يديها ودموعها تنشق عن زُرقتها، فاض بها الصمت فخرجت عنها شهقات ذبحت صدرها بنغزاتٍ مؤلمة، ضمت وجهها بيديها تبكي على قلة حيلتها.

اخترق صوتها حمام الجناح، حيث يستكين أسفل مياه الدُوش لفترة لم يعلم طولها، وحينما تسلل له صوت بكائها أغلق المياه وهو يهمس باسترابةٍ ولهفة: شمس!

جذب المنشفة خاصته، بعدما تمم ارتداء بعضًا من ملابسه، لفها من حوله، وخرج يناديها بهلعٍ، وريبة، حتى وصل لمحل وصولها، اعتمادًا على صوتها الباكي.

لامست كفيه جسدها، فجذبها لتقف قبالته: مالك يا حبيبتي؟ فيكِ أيه؟

دفعته بعيدًا عنها وصرخت باكية: كل ده بسببك، أخويا عمره ما زعل مني بالشكل ده، عمره ما تجاهل مكالمة ليا! عمري ما هسامحك يا آدهم.

وتركته وإتجهت للأريكة القريبة من الشرفة، تجلس من فوقها باهمالٍ، والفوضى تسري بداخلها قبل أن تملأ نفسها، إتبعها آدهم وجاور جلستها، قائلًا بنبرة صوته الرخيم: عُمران مزعلش منك يا شمس، هو أكيد مشغول، وبعدين ما أنا كلمته قدامك وقالي نص ساعة وجاي، زمانه على الطريق إن شاء الله.

واستطرد يبث الطمأنينة لها: متقلقيش أنا مش هخليه يزعل منك، هشيل أنا الليلة لإني السبب في كل اللي حصل ده، إنتِ مالكيش أي ذنب.

ازاحت دموعها وهدأت شهقاتها، انتقلت إليه وقالت: طيب كلمه وأكد عليه يجي.

مد يده حتى لامس كتفها، فضغط برفقٍ: حاضر هكلمه، بس هاتيلي لبس من دولابي.

زوت حاجبيها بعدم فهم لمصدر حديثه، فرددت باستغراب: لبس!

تلقائيًا انخفض بصرها إليه، فابتعدت وصراخها أضحكه بشدةٍ، بينما تصيح بضيق: إنت إزاي تخرج كده يا محترم!

أجابها بتلقائية مضحكة: عايزاني أخرج إزاي وأنا سامع صوت عياطك من جوه يا نكدية! أنا خوفت تكوني بتشاوري نفسك تاني تخلعي مني، الحمد لله إني لاقيت حاجة أستر بيها نفسي أصلًا في التوقيت ده.

لوت شفتيها بتهكمٍ، رغم أنها ابتسمت لحديثه: أخلع! (ألفاظ متدنية! ) low words.

تناست كل شيء بحديثها المتبادل معه، فكان سعيدًا لذلك، شاكسها آدهم وهو يمسك كفها الناعم: هتخلعي وتسيبي الكابتن محتاس من غيرك يا شمس! يهون عليكي العيش والمغامرات اللي بينا؟ ده أنا اتمرمطت عشان أطولك مرمطة متمرمطهاش أي عريس في مصر، وكله كوم وحماتي العقربة اللي بتلبس في أخوكي دي كوم تاني، فمستحملش انا كل ده وتخلعي إنتِ في الآخر!

تعالت ضحكاتها وهي لا تصدق أنه يتحدث بتلك النبرة المضحكة، بل تدللت هاتفة: تستاهل أكتر من كده كمان، عشان تعرف قيمتي.

نجح بسحبها إليه مستغلًا عدم شعورها به: أيه السواد اللي مالي قلبك ده كله يا شمس هانم، أمال لو بتكرهيني هتتمني ليا أيه؟

تعمقت بعينيه بعشقٍ، ليته يعلم أن حبه تمكن منها بشكلٍ جعلها كفيفة عن رؤية أي رجلًا سواه، صمتها شرح له كل شيءٍ بوضوحٍ، فاقترب يستغل تلك الفرصة.

غرقوا معًا لحظاتٍ، أنهتها شمس حينما دفعته ونهضت من جواره تتطلع له بضيقٍ، كادت أن تستسلم له بعد ما فعله!، اعتدل بجلسته يحاول تحديد محلها من صوت أنفاسها الصاخبة، تحرر صوته المتحشرج: بتبعدي ليه يا شمس؟ أنتِ إختارتي تسامحيني ونكمل مع بعض من جديد، ولا غيرتي قرارك؟

رمقته بأعين دامعة، ولكنها لم تسمح لها بالتسلل لصوتها: قولتلك هفضل جنبك، بس مش معاك يا آدهم، وزي ما طلعت من الجناح واخترت تقعد في أوضتك القديمة، هتكمل فيها لحد ما أنا أسمحلك ترجع هنا تاني، ودلوقتي اتفضل خد هدومك وآطلع فورًا.

تخشبت ملامحه لوهلةٍ، حتى تدارك الأمر فابتسم يردد بسخط: كوكتيل انتقام برعاية تربية الطاووس الوقح ودكتور على اللي اتصدمت إنه أخبث من عُمران نفسه، رباني عن طريق القائد وهو متدخلش بأي شكل من الاشكال، أستاذ ورئيس قسم، فهتوقع أيه من شمس هانم الغرباوي غير كده مثلًا!

كبتت ضحكاتها بصعوبة، ممتنة لعدم رؤيته لها، بينما تخبره بصرامة: يلا خد هدومك وإطلع بره.

استقام بوقفته واقترب منها يعاتبها بنبرة صوته المغرية: مفيش بنوتة كيوتة وقمراية زيك كده تقول لجوزها بكريزمته وهيبته دي خد هدومك واطلع بره، يرضيكِ، إحترمي رتبتي طيب!

تراجعت للخلف وهي تهتف ببسمة رقيقة: مش لما تحترم إنت نفسك الأول يا حضرة الظابط، انا سمعت في التليفزيون كتير أوي بيقولوا للظابط لما بيتعرض للهجوم ياخد له ساتر من الرصاص، فخد لك ساتر انت كمان من غضبي يا كابتن.

تابع تقدمه منها معتمدًا على صوتها: أممم، ده شغل أفلام يا حبيبتي، عندنا الظابط بيكون شجاع وبيهاجم هدفه على طول من غير سواتر!

احتبسها الحائط من خلفها بينما يرنو إليها، مرددًا بسخرية: ها يا شمسي، هتديني هدوم ولا هتسبيني أخد برد!

كادت بأن تدفعه ولكنها استمعت لصوت طرقات باب الجناح ومن خلفه صوت عُمران يناديها: شمس.

خفق قلبها بسعادة كبيرة، فدفعته للخلف وهرولت راكضة تصيح بفرحة طفولية: عُمران جيه...

فتحت الباب بابتسامتها المشرقة، ولم تدع له أي كلمة يفتتح بها مقابلتهما، بل اندفعت إليه تنزوي بين ذراعيه وهي تهتف ببكاء لم تعلم كيف أتاها وكانت في قمة سعادتها منذ أن استمعت لصوته منذ دقائق: الحمد لله إنك جيت، كنت هموت من الحزن لما تجاهلت مكالمتي، خوفت تكون زعلان مني وبتعاقبني يا عُمران.

ضمها برفقٍ، وهو يمسد على شعرها بحنان، ثم قال: وحتى لو زعلان منك عمري ما أتجاهلك يا شمس، قولتلك قبل كده إحنا مش أصحاب عشان ابعد واتجاهلك، إنتِ بنتي وأختي وحبيبتي.

وأبعدها عنه يطالعها بحنان، وتساءل: أنا جيت اشوفك قبل ما أروح لجوزك الغبي ده، المهم طمنيني ضايقك أو عملك حاجة؟

توسعت مُقلتيها في خجلٍ، وهي تحاول الاشارة له أن آدهم بالداخل، فاذا بصوته يتحرر: جوزها الغبي حاضر بالفعل هنا يا وقح!

وتابع وهو يشير له: شرفنا بحضورك الكريم، اهو نسمعك كويس وإنت بتفتتح التحقيق واللفظيات.

أبعد شمس عنه، وولج للداخل يتابعه بنظرة تقييمية، فهدر بضحكة ساخرة: فاكر نفسك إنك كده مغري يعني وهتخليها تسامحك!

تمردت ضحكات آدهم رغمًا عنه، وصاح: أختك القاسية سايباني أخد لطشة برد عقاب ليا على اللي عملته امبارح معاك ومعاها، بتحايل عليها بقالي ساعة تديني هدوم وهي رافضة ومصرة تعذبني، وطبعًا ده جاي على معدتك أوي اوي.

جحظت شمس عينيها في صدمة، وأسرعت تهتف: كداب يا عُمران والله ده آآ.

رفع اصبعه يوقفها عن الحديث، وقال ومازال يتطلع له: خدي باب الجناح في ايدك، وسيبنا لوحدنا شوية يا شمس.

وزعت نظراتها بينهما بخوفٍ، ولكنها أمأت برأسها وغادرت بعد أن سحبت الباب من خلفها.

دنى عُمران منه، يمنحه نظرة حملت طيف الغضب لتذكره ما قاله بالامس، تغاضى عن الامر وتخطاه إلى الخزانة، شملها بنظرة سريعة، ثم جذب منها ترنح أسود رياضي، جذب البنطال ودفعه تجاه آدهم، الذي تلقفه باستغراب مما يفعله هذا الطاووس.

إطالته بالامر جعله يهدر ساخرًا: ما تلبس ولا مكسوف مني! تحب أطلع بره!

ضحك رغمًا عنه ومازحه قائلًا: تطلع بعد أيه بقى! انت خلاص بقيت من العيلة يابو نسب.

شمله بنظرة وعيد وصاح: أبو نسب الوقح مع أن مفيش أوقح منك يا حضرة الظابط.

جحظت عينيه في دهشة وهتف باستنكارٍ: هي شمس لحقت تبلغ عني!

رد عليه عمران باستهزاء: التروكولر فاضح ندالتك يا حضرة الظابط.

ارتدى آدهم بنطاله وهو يكبت ضحكاته، فألقى عُمران التيشرت بوجهه تلك المرة وهو يقول ببرود: استر نفسك، إنت بتخوفها بكمية الاصابات دي، مش إغراء ده لعلمك!

وتابع بتهكمٍ: مع إني أشهدلك إنك واصل في الجيم لمستوى رائع بس يا خسارة مع غبائك وتسرعك ده، هتموت قبل ما تستكمل رحلة بناء العضل.

تحررت ضحكات آدهم، وقال يشاكسه: ليه فاكرها عضلات جيم بتروح وتيجي، ظابط الشرطة عضلاته ناشفة أوي وميتخافش عليه يا بشمهندس، ما بالك بقى بظابط المخابرات!

وأضاف بثقة وجراءة: متقلقش عليا أنا إصاباتي بتلم بسرعة!

استند على الحائط من خلفه يهتف بسخط: الخوف من غباء عقلك مش من قوتك الجسدية يا كابتن!

انتهى من ارتداء التيشرت الخاص به، ودنى إليه يقول بحرجٍ: أنا عارف إني زودتها إمبارح أوي، أنا آسف على اللي قولته، صدقني أنا عمري ما كنت بالضعف اللي عيشته ده، شريط حياتي كله مر عليا، وأتاكدت إني عمري ما هقدر أعيش وأنا عالة على حد، يمكن اللي قدامك ده شخص اتولد جواه الأمل انه هيقدر يكمل حتى لو ربنا آراد أن بصري ميرجعليش، بس اللي أنا تأكدت منه إن حياتي مهما كانت مصيرها ومهما كان اللي اتكتب عليا أعيشه فهو مينفعش من غير وجود شمس.

وابتلع ريقه الجاف بحزنٍ لحق باستكماله للحديث: لو حابب تعاقبني على تسرعي بالكلام وإني ضغطت عليك بالشكل ده عاقبني زي ما تحب، بس يا ريت تخرج شمس بره الحوار، شمس مرتبطة بيك انت وعلى جدًا، دي كانت هتتجنن عشان بس مردتش على مكالمتها، فمش هتقدر تتحمل بعدك عنها أو زعلك منها.

راق له حديثه، ساهم في اخماد نيران الغضب داخله، بالنهاية تحققت المعادلة، حديث أخيه وندمه الان جعله راضيًا عن منحه الفرصة الثانية، تحرر صوته عن مرقده المؤقت، وقال: أنا مش مستنيك تحنن قلبي على أختي يا آدهم، أنا لا زعلان منها ولا منك إنت كمان.

وأضاف بهدوءٍ ولين: أنا قارنتك بيا وبالموقف اللي مريت بيه وده غلط مني، مش كلنا شبه بعض، أنا بالنهاية راجل عادي مهما كان اللي حسيت بيه وقتها، لكن انت ظابط واتعودت يكون ليك مغامراتك وإنت بكامل صحتك، وده هتستعيده قريب بإذن الله.

وقبل أن يتحدث آدهم، صاح عُمران بتحذير: بس عشان أكون صادق معاك، اللي عملته كان غلط وغلط كبير كمان، أنت يعتبر من القلائل اللي إدتهم في حياتي فرصة تانية، أتمنى تكون قدها ومترجعش تعيد اللي عملته، لانه مس شمس، أي أذى هترتكبه ويمسني أنا شخصيًا معنديش أي مانع، لكن شمس لأ يا آدهم، أتمنى تكون مقدر ده ومقدر كمان حبها ليك، وإنها مالهاش أي ذنب في اللي انت بتمر بيه.

ارتسمت ابتسامة جذابة على ملامحه، حتى تلاشت عنه الكلمات أمام حديثه: أوعدك إن اللي حصل ده مش هيتكرر تاني.

ابتسم عُمران وقال ليخفف حدة الاجواء بينهما: وتغير الاسم الزفت اللي مسميني بيه ده، بدل ما أوحيها عليك تذرُفك حظر سنوي.

اتسعت ضحكاته، وقال: هو أنا كده كده كنت ناوي أغيره، وإن كان على الحظر يا ريته يجي على سنة وبس!

ضيق رماديتاه بخبث: أنا كنت شاكك أنك عامل بلوة سودة، ودلوقتي اتاكدت!

صاح من بين ضحكاته: قلبك أبيض يا بشمهندس، لين دماغها شوية ده لو عايز تبقى خالو يعني!

تجمع المكر برمته بعينيه، وقال: بس كده من عنيا الاتنين!

تركه وفتح الباب يشير لشقيقته التي هرولت إليه، فضمها وهو يقول بصوت مسموع لمن يقف على قربٍ منهما: أنا اتطمنت عليكي، هنزل بقى عشان متاخرش على المؤتمر، ولو احتاجتي أي حاجة كلميني يا حبيبتي.

هزت رأسها بابتسامة مشرقة، فانحنى يقبل جبينها وهو يهمس لها بمكرٍ: أنا سامحته بس إنتِ مينفعش يأخد منك سماح بالسهولة دي، حضرة الظابط محتاج يتربى من أول وجديد، إتوصي بيه يا شموسة!

ضحكت وهي تهمس له: انا مش بكلمه كتير أصلًا عشان زعلانه منه بس صعبان عليا والله.

ربت على كتفها وهو يعود لهمسه: ميصعبش عليكِ غالي يا حبيبة قلب اخوكي.

ضحكت بصوتها كله، ومالت بذراعيها تعقد جرفاته وهي تشير باعجاب: على فكرة البدلة جميلة أوي عليك، ما شاء الله عليك كالعادة جنتل مان بتدوب القلوب.

ضمها إليه بحبٍ: عيونك اللي فيها جمال الكون كله يا شمس.

رفع آدهم صوته الساخر: انتوا بتوطي صوتكم ليه، شكلك كده بتهدي الامور على حق يابو نسب!

كبتت شمس ضحكاتها بينما يصيح عُمران بغضب: بتشكك في ذمتي بروح أم...

بتر حديثه وهو يهتف بغيظ: إنت بتخرجني عن شعوري مهما حاولت أكون إنسان آرستقراطي محترم!
وأضاف وهو يرنو من الدرج: همشي أحسن ما ندخل في حالة حرب تانية.

خطى آدهم تجاه زوجته وقال: لا تانية ولا تالتة، خسران اللي يخش معاك في حرب يابن الغرباوي!

استدار عن الدرج يبتسم له: كده انت عقلت وشكلي هضمك للعيلة فعلًا زي ما عمل دكتور علي.

وأضاف له: بالمناسبة هو بالطريق ليكم، أتمنى متغيرش الترنج لان ذوقي دايمًا حلو!

رسالته المبطنه جعلت آدهم يبتسم وهو يهمس بصدمة: مالوش أي ألقاب تانية تليق عليه غير الوقاحة!

ارتدى نظارته الشمسية واتجه لسيارته المصفوفة أسفل فيلا آدهم الداخلية، فتمكن من رؤية سيارة الأجرة التي تتوقف أمام البوابة، هبط منها آيوب وولج للداخل، وما أن تقابلت عينيه بعمران حتى سدد له نظرة عدم اللامبالاة بوجوده.

مر من جواره يتجاهله، وصعد الدرج الكبير دون أن يستدير خلفه، نزع عُمران نظارته السوداء وصاح باستهزاء: خش جوه الحيطة أحسن! انزل تعالالي يا حبيبي.

تجاهله وهو يستكمل طريقه، فردد يحذره: هتيجي بالذوق والا أجي أسحل أمك!

ضم شفتيه بسخط، وهبط يطلق انفعالاته: عايز أيه؟ مش عاملي فيها رجل أعمال مهم ومش بترد على رسايلي!

رد عليه بجرأة فظة: ومش هرد عشان إنت زنان وأنا جبتلك الناهية وقولتلك مش هتيجي معايا، لزمته أيه بقى شغل العيال النغة دي!

ربع يديه أمام صدره وبكبرياء قال: أنا مش عيل يا حضرة، انا بشمهندس وبتقدير امتياز كمان.

أحاطه بنظرة تقليل شأن، ثم رد: إبقى علق شهادتك على قفاك عشان الناس تقتنع إنك بشمهندس!

وأضاف وهو يكاد يطير من اعلى سقف سيارته الفاصلة بينه وبين آيوب: يالا يا عاطل ياللي مالكش شغلانه! بقالك كام يوم هربان من الشركة يا آآ. يا بشمهندس بتقدير، امتياز!

فكت حركة يده، وهو يطالعه بحرجٍ، يملك كل الحق فيما يقول، بل تمتم بارتباكٍ: انا مش عاطل، أنا بس مسحول في ظروفي اللي طلعتلي فجأة من العدم!

منحه عُمران نظرة جعلته يهتف بحنقٍ: خلاص يا عم أنا مستهتر وعاطل، بس خدني معاك المؤتمر أنا محضرتش قبل كده مؤتمرات من النوع ده.

ودعه بنظرة ساخطة، ثم ارتدى نظارته بهدوءٍ لحق نبرته: لما تلتزم في شغلك وتفوق لنفسك أبقى اخدك معايا المرة الجاية يابن الشيخ مهران!

وتركه وصعد سيارته، فصاح آيوب بغيظ: بكره تتحايل عليا أجي معاك وأنا ولا هعبرك، سامع يا طاووس!

فتح نافذة سيارته الرياضية، وقال بابتسامة صافية وجدية تامة: وأنا عمري ما أستغنى عنك يا آيوب، أوعدك المرة الجاية هتكون معايا.

منحه ابتسامة صافية وودعه، غادر عُمران وولج آيوب للداخل، فاذا بسلطان الخادم يهرع له وهو يهتف بتوتر: أستاذ آيوب الحمد لله انك جيت.

لمس ربكته وقلقه الغامض، فسأله باهتمامٍ: في أيه يا سلطان؟

أجابه وهو يتفحص الدرج، خشية من أن يستمع آدهم إليه: .
الباشا كل شوية يسأل عن البيه الكبير، وهو منبه عليا معرفهوش إنه إتحجز في المستشفى من بليل، وأنا مش عارف أتصرف إزاي، آدهم باشا كده كده هيعرف.

ارتعب آيوب وانقبض قلبه فزعًا، حتى نبرته كانت ملتاعة: في أي مستشفى؟

ارتدى جاكيت بذلته الزرقاء، ووضع البرفيوم الخاص به، ثم وقف يلقي نظرة أخيرة على مظهره، فقد أضاف ذوق عُمران وسامة كانت تخفى عنه بملابسه التقليدية.

خرج جمال من غرفة نومه، فوجد زوجته تخطو بالردهة حاملة ابنه الغافل على كتفها، بينما تخطو به رويدًا رويدًا حتى يثقل نومه.

ضمهما جمال ومال يقبل جبينه وجبينها، هامسًا لها: عُمران نام خلاص يا صبا، دخليه ونامي جنبه ارتاحي من سهرك معاه طول الليل.

استدارت تقابله بنظرة اعجاب، وابتسامة جعلته يقابلها ببسمة واسعة، رددت بهمس: الشياكة دي كلها للمؤتمر؟

هز رأسه مؤكدًا: طبعًا أمال عايزاني اظهر على الشاشة بلبس أي كلام ولا أيه! ده انا امبارح قفشت في عُمران لحد ما جيه معايا ينقهالي مخصوص من بوتيك إيثان قبل الافتتاح!

تجهمت معالمها بشكل ملحوظ فور ما ذكر إسمه، فقالت: هحط عمر جوه وجاية.

أمسك ذراعها يوقفها بضيقٍ: قولتلك ألف مرة إسمه عُمران! متشتتيش تركيزه عن إسمه الحقيقي بالاسم ده!

احتقنت معالمها غضبًا، حتى أنها تناست صغيرها الذي يغفو على ذراعها: مش هتفرض عليا أنادي ابني بأيه يا جمال، الاسم كان اختيارك وبدون ما ترجعلي حتى، يبقى ده غلطتك انت مش غلطتي.

ذعر الصغير وبكى بشدة، سحبه منها يهدأه ونظراته القاتمة لا تنحاز عنها، عاد الصغير لنومه المُطمن على كتفه، وحينما تأكد من غفوته، ولج يضعه بفراشه، وخرج ساحبًا الباب من خلفه.

اتجه إليها، فوجدها تجلس على المقعد، تفرك يديها بارتباك، وقبل أن يتحدث قالت: جمال أنا مش عايزة أعمل أي مشكلة معاك بسبب الموضوع ده، انا متفهمه علاقتك بيه، والله مش متضايقة بالعكس انا عارفة إن بتعتبره أخوك، وإنه انسان كويس مش وحش، اللوم عليا أنا أو على الظروف اللي حطتني في موقف هيفضل في بالي العمر كله.

وتابعت وعيونها تذرف دموعها: أنا مش ببالغ او بأ?ور بس كل ما بشوفه أو بيتنطق إسمه قدامي بيجي اليوم ده في بالي وبفتكر كل تفاصيله، صدقني بتقبض وبتخنق غصب عني! ومش قادرة انطق الاسم حتى، أنا آسفة.

تلاشى عنه غضبه، هو يعلم أنه من الصعب عليها تجاوز الأمر، كيف لاثنى محتشمة أن تُوضع بموقف كذلك وتجتازه، وخاصة أنه رآها دون حجابها وبملابسها القصيرة.

ضمها إليه دون أي كلمة، وما سيقال بموقف ثقيلًا عليه هو شخصيًا، حظى ببعض الهدوء قبل أن ينطق: في ذكريات جوانا بنتمنى إنها تتمحى وللأبد، وده للاسف مش بيحصل، أنا كل ما بفتكر اليوم ده بمسحه بذكرياتي الحلوة معاكي ومع عُمران، إنتي كمان حاولي تنسي وتتخطيه يا صبا، كلنا اتفرض علينا الوضع، كلنا كنا ضحايا.

هزت رأسها تؤكد له، فقبل جبينها، وابتعد يتجه للشرفة حينما استمع لصوت سيارة تدنو من المنزل.

منحها ابتسامة هادئة وقال: وصل، هنزل عشان متأخرش عليه.

احترام رغبتها بعدم نطق اسمه جعلها تزيد من حبه بالرغم من إن أمرها ليس منطقي، وقفت تودعه بابتسامة عاشقة، جعلت طاقة الايجابية تعود له من جديدٍ، لا يعلم كم ستحتاج لتتخطى الامر ولكنه على ثقة بأنه سيدعمها حتى تتقبل عُمران من جديد في حياتهما، لانه جزء هام من حياته هو!

صعد جواره، فتحرك عُمران على الفور قائلًا بسخرية: ليك حق تتمختر ما أنت مماشي كلامك عليا، وكمان جاي من غير عربيتك، بقيت سواق أمك أنا!

ضحك باستمتاع ومال يجذب نظارة عمران الموضوعة بالتابلو، مشيرًا بعنجهيةٍ: اطلع ياسطا بدل ما نتأخر على أكل عيشنا!

وصل آيوب للمشفى بزمن قياسي، من فرط الحاحه على السائق بضرورة التعجل بالقيادة، ركض على درج المشفى حتى الاستقبال وبسهولة تمكن من معرفة رقم غرفة مصطفى مستغلًا بطاقته التي جددها باسم والده المفروض عليه.

دفع باب الغرفة، وهو يبحث عنه بلهفة، فوجده يغفو على جهاز التتفس، ومن حوله تتصل الاجهزة بوريده وصدره العاري، نهاية بإصبعه المغموس بمشبك الجهاز الذي ينظم دقات قلبه.

اختزله حزنًا عميقًا، ودمعة تدفقت من فيروزته، بينما يرنو إليه وهو يتمنى أن يفتح عينيه، فاذا بصوتٍ من خلفه يهتف متعجبًا: أنت مين؟ ودخلت هنا ازاي!

تملكته ربكة عجيبة، وبدى وكأنه يبحث عن اجابة منطقية لسؤاله، وبعد فترة قال: أنا، آآ، أنا ابنه!

رمش الطبيب باستغرابٍ، وعبر عن دهشته حينما قال: بس اللي أنا أعرفه إن الاستاذ مصطفى معندهوش غير ولد واحد، حضرة الرائد عمر الرشيدي!

وكأنه يشكك بعلاقته به، وبوجوده هنا، عقله من الاساس متخبط بشدة، لذا جذب بطاقته الشخصية، وقال: بطاقتي أهي لو مش مصدق!

ابتسم الطبيب وقال يمازحه: لا مش للدرجادي، مصدقك، انت اساسًا فيك شبه كبير من عمر باشا.

تغاضى عما يقول، وسأله: هو ماله؟

تعجب من نمط سؤاله، ولكنه رجح لتوتره وخوفه الشديد على والده، فقال بعملية باحته: انا نبهت على عمر باشا إن الادوية لازم تتأخد في مواعيدها لان مرض الاستاذ مصطفى مذمن، لكن نتايج الفحوصات والحالة اللي وصلها دي بتأكد استهتار كبير، حصل منه، فأكيد ده المتوقع.

غمرته طيفة الحزن، لابد وأنه اهمل أدويته بعد تعب آدهم الذي كان يهتم بأبيه، شعر بأنه يحتمل ذنبًا كبيرًا على عاتقه، بالنهاية هو ابنه هو الآخر ويحمل نفس المسؤوليات تجاه أبيه.

تغاضى عن تفكيره، وتساءل: هيخرج أمته؟

أجابه وهو يجذب الكراسة الموضوعه جانبًا: الصبح كده همر عليه لو في تحسن هكتبله على خروج على طول باذن الله.

غادر الطبيب وتركه برفقته، فسحب آيوب مقعدًا وجلس قبالته، يتابعه بحزنٍ، شعر مصطفى بأن هناك من يؤنس مجلسه، ففتح عينيه بتعبٍ يتأمل من يجلس جواره.

اتسعت مُقلتيه فرحًا، وهتف بسعادة: آيوب، ابني!

قابل حديثه بانهمار دموعه، اقترب من فراشه وارتكن على ركبتيه، يردد ببكاء: إنت كويس؟

راقبه بهلعٍ، بكائه يقتله، يزيد من وجعه، فانهمرت دموعه هو الآخر، وقال بصوته الشاحب: أوعى تشفق عليا ولا تحمل نفسك ذنبي، أنا مستهلش يا بني، متحملش نفسك أي ذنب يا آيوب.

مال برأسه على الفراش وصوت كبت شهقاته يذبح قلب مصطفى الذي بكى هو الآخر وردد: والله ما أستاهل زعلك ولا دموعك دي يا حبيبي!

بقى محله لدقائق، مسح فيها دموعه، ورفع رأسه له، يخبره بألمٍ: عشان كده مجتش كتب كتابي!

نفى ذلك وقال بوجعٍ: كنت جايلك والله، بس لاقيت آدهم جاي، لما فكرت فيها لاقيت ان وجودي ممكن يضايق الشيخ مهران ومراته الست الاصيلة اللي ربيتك، وكمان آدهم هيتوجع، لانه اتعود إن محدش يقدملي مساعدة وهو موجود، فمكنش هيتحمل يشوف السواق بيساعدني في وجوده، أنا مزعلتش إني محضرتش، أنا زعلت بس إني معرفتش أشوفك في اليوم ده، بس الحمد لله إنت جتلي أهو يا حبيبي.

رق قلبه لحديثه رغم أنه مؤلم، نصب آيوب عوده واستعاد ثباته حينما ولجت الممرضة للداخل، عدلت من الفراش بوضع الجلوس، وحقنت له الآبر، ثم غادرت لتترك لهما المساحة للحديث مجددًا.

لاحقته نظراته، وسعادته بوجوده ترتسم بوضوح، وقف آيوب قبالة الشرفة، يضع يديه بجيوب سرواله، شاردًا بالمارة من أمامه، كأنه يتهرب من نظرات مصطفى التي تقطر حبه وندمه الخالص إليه.

مضت ساعتين ومازال يجلس على الاريكة المجاوره لفراش أبيه، الذي تلاشى عنه النوم لمجرد تواجده برفقته، حتى مزق الصمت بينهما حينما قال: بقالك ساعتين هنا يابني، روح ارتاح أنا كويس.

تطلع له آيوب بصمتٍ من محل جلوسه، وتجاهل ما قال، تجهز للذي يود قوله منذ ساعتين، حتى نجح أخيرًا: لو أنا سامحتك وإديتك الفرصة إنك تكون في حياتي، في مقابل وعد هتقطعه على نفسك هتوافق؟

تراقصت الفرحة بعينيه، واعتدل بجلسته متناسيًا كل ما يخترق جسده: اطلب عمري كله والله أفديك بحياتي وبكل اللي أملكه يا بني!

تدفقت دموعه من حديثه المؤثر، ومع ذلك لم يضعف أبدًا، بل تابع بشجاعة: توعدني إنك عمرك ما هتطالب بيا أبدًا، وهتسبني أعيش مع الشيخ مهران لأخر يوم في عمري، وهتتفهم إنه مكانته كبيرة عندي أكتر كمان من إنه أبويا، هتقدر تعمل ده؟

تساقطت دموع مصطفى الممزوجة بين السعادة والقهر، وهز رأسه بلهفة وهو يخبره: أوعدك إني عمري ما هطلب منك تبعد عنه لاني عارف هو بالنسبالك أيه.

وتابع وهو يشير له برجاءٍ: أنا مش عايز غيرك انت، وراضي بالقليل منك والله.

وأضاف ببكاء وتوسل: تعالى في حُضني مرة واحدة، بالله عليك!

قشعر بدنه ورق قلبه كليًا له، ركض إليه يندث بأحضانه، فقبض عليه مصطفى قبضة قوية، يبث فيها وجعه وشوقة، ندمه وافتقاده له، كل المشاعر المؤلمة داخله، بينما يمطر رأسه بقبلاته ودموعه.

إلتمس فيه آيوب دفء أبيه مهران، لم يجد اختلاف بينهما بالآمان والطمأنينة، بل فجأه حينما شدد هو من ضمه ودموعه تسقط على كتف أبيه العاري.

تحرر صوت مصطفى المبحوح: ربنا يراضيك ويرضى عنك يا شيخ مهران، عرفت تربي ابني التربية اللي عمري ما كنت هربهاله.

وتابع بحنان: من أول ما شوفتك وانا بتمنى اللحظة دي يا آيوب، لحظة الغفران اللي هتريح قلبي وهتخليني مش خايف من الموت والعذاب، ولا حزني من كرهك وغضبك عليا، أنا كده هموت وأنا مطمن عليك يا حبيبي.

وخز قلبه بقسوة، فابتعد عنه يهتف: بعد الشر عليك، إنت ازاي بتقول كده؟ إنت مش كنت عايز تعوضني عن اللي فات، يبقى لازم تقوم وتعوضني زي ما قولت.

ابتسم وجذبه لصدره مجددًا: هقوم عشان أعيش تحت رجليك يا آيوب، يمكن ربنا يغفرلي هو كمان برحمته.

قبل آيوب يده، وقال ببكاء: أنا اللي هعيش تحت رجليك مش انت.

رفع رأسه عاليًا يهمس بخفوتٍ تام: كده كتير عليا، غمرتني بلطفك وكرمك، ألف حمد وشكر ليك يا رب.

الليل يزحف بظلمه المقبض على الارجاء، ومعه انتهى المؤتمر الذي شهد حضور مهيب من الجهات الحكومية، وعدد ضخم من الصحافين، انتشر المؤتمر على المنصات التليفزيونية والهواتف بسرعة البرق.

شهد الجميع خطة مبهرة وضعها شابًا مصري، من كبار رجال الأعمال، البشمهندس الذي زاع صيته وصيت عائلة الغرباوي، بعد ان كشف الاعلام عن سيرته الذاتية، وأصوله العريقة!

وها هو يغادر المنصة والمؤتمر بعدد من الصفقات الحماسية له ولمجهوده البادي من شرح خطته الحالية والقادمة للنهوض بالاقتصاد المصري.

لحق به جمال حتى وصلوا معًا للسيارة، تنهد عُمران بتعبٍ، وهو ينزع الجرفات عن رقبته هادرًا بارهاق: الجو هنا خنيق بشكل صعب!

أجابه جمال بسخرية: مش جنابك اللي، أصريت نعمل المؤتمر في أسيوط اتحمل الحر بقى.

رمقه بنظرة غاضبة من شماتته الواضحة، فتح عمران باب سيارته ينزع جاكيت بذلته ويلقيه بالخلف، ثم أخرج حافظات نقوده وفيزه الخاصة، يلقيها على التابلو، ومن ثم أخرج هاتفه يلقيه جواره.

ضحك جمال وسأله باستخفاف: ها لسه هتقلع حاجة تانية ولا نتحرك؟

صعد بالسيارة، يشغل تكيفها على أقصى درجة، وهو يزيح العرق بالمنديل الورقية عن جبينه، وما أن صعد جمال جواره حتى تحرك على الفور.

قاد الطريق بسرعة تتناسب مع سيارته الرياضية الحديثة، حتى قطع مسافة معقولة، مال جمال يستند على مقعده مستسلمًا للنوم المؤقت، من تلك الرحلة الشاقة.

انتبه عُمران لسيارة تتبعه أينما أنجرف منذ خروجه من أسيوط، حتى تلك اللحظة!
تملك منه الارتباك، وخاصة حينما حاول أن يبطيء من سرعته ليستكشف أمرهما، ولكنه يفق الآن على صدمة آخرى، السيارة انقطع عنها المكابح (الفرامل)!

أفاق آدهم على رنين هاتفه، رفعه فوجد مراد يصرخ فيه: عايز رقم تاني ل على حالًا يا آدهم.

استقام بفراشه يردد بفزع: في ايه يا باشا؟

رد عليه بحزم: اديني الرقم بسرعة، على لسه قايلي امبارح على، حوار أخوه.

وأضاف بضيق: احتمال كبير يتخلصوا منه دلوقتي بعد المؤتمر ده، اتصرف وشوفلي على فين، محتاجه يكلم عُمران ويقوله اللي هطلبه منه بالحرف، بسرعة مفيش وقت!

تفادى السيارات المحاطة به بصعوبة بالغة، بالتأكيد السيارة التي تتبعه تود التأكد بأن خطتهم قد نجحت بالكامل، خطة مثالية للتخلص ممن يسببوا ازعاج لهم، حادث سير طبيعيًا، بينما تلوث أيديهم الحقيرة بدماء العديد من الابرياء.

الموت الآن يرفرف من حوله، وعلى جواره رفيق عمره الذي لم يتخطى ابنه شهره الأول من عمره،.

اتسعت رماديتاه في صدمة، حينما انعرجت السيارة عن مسارها الصحيح، لطريقٍ موقوف، لصنع كوبري تحت الانشاء، يعرج فوق نهر النيل ويربط الطرق ببعضها البعض.

صاح رنين هاتفه برقم أخيه، بينما تتركز عينيه على الكوبري الذي يقترب منه والاصطدام القادم لا محالة، وبين صديقه الذي يغفو بسلام.

دفعه عُمران وهو يصرخ فيه: جمال فوق.

انتفض بنومته بهلعٍ: أيه يا عُمران؟ في أيه؟

صاح فيه دون ان يحيل يديه عن المكابح وعينيه عن الطريق: العربية مفهاش فرامل، مفيش وقت تفهم أكتر من كده.

وأضاف وهو يفتح الباب المجاور لجمال: نط بسرعة، الكوبري مش كامل، العربية هتتقلب من عليه، بسرعة!

انقبض قلبه من سماع ما يقول، بل صاح بأكثر ما يعلمه الان وبتلك اللحظة: مش هنط من غيرك.

عاد يصرخ بانفعال شرس: مفيش وقت نط وأنا هحصلك.

باصرار وجمود قال: مش من غيرك، سمعت!

قال وهو يعيد التحكم بالمقبض: مش هينفع ننط مع بعض، أنا هحصلك يا جمال، مفيش وقت!

منحه ابتسامة باهتة وقال: لو مش بعض يبقى مع بعض للموت يا صاحبي!

الموت يقترب ونظرات الرعب تحيل بعينيه على ذاك العنيد الذي يجاوره، هاتفه يلح بالرنين، وكأن أخيه يشعر بما يلاقاه، خطة مراد لانقاذه تفشل فشلًا ذريعًا لتجاهل عمران مكالمات علي، جميع الاطراف تعاني من الخوف والرعب من المحتوم!

كان الأسرع من بينهم عُمران الذي اتخذ قراره، واستغل الباب المفتوح جوار جمال، فرفع ساقيه عن المكابح ودفعه بكل قوته خارج السيارة، بينما يستعد قافزًا منها في نفس لحظة سقوطها من منتصف الكوبري الخاضع للانشاء بمعداته المعدنية والاسمنتية.

سقطت سيارة عُمران بالنهر العميق، فغرقت بسرعة مهولة كأنها ورقة بالية في هدر الرياح، بينما تعلق بذراعه في حديد الكوبري، وقميصه الابيض ينذره بلون الدماء، لاخترق أحد أسياخ الحديد شارخًا كتفه بجرحٍ بالغٍ.

تآوه بألمٍ شديد ولم يحتمل الاعتماد على ذراع واحد، حاول عُمران الصمود حتى يتمكن من رفع جسده الثقيل للاعلى.

نجح بعد مثابرة وتعب استنزف طاقة وقوة جسده كليًا، ألقى بجسده أرضًا بعدما نجح بالصعود، مال يتآوه من شدة إصابته، وبكل عزم أخرج سيخ الحديد الحاد عن كتفه، واصطحبه صرخة نازفة وهو يركع بقدميه بتعبٍ، والدماء تحيطه من كل جانب، وخاصة بعد ازاحة سيخ الحديد عن كتفه.

تثنى له رؤية أقدام تقف امامه، استجمع قوته، ورفع رأسه الذي يدور للأعلى، فوجد ثلاثة رجال ملثمين يقفون من أمامه، احداهم يحمل الاطار المعدني المستخدم لتبديل إطارات السيارات والآخر يحمل مدة (مطوة) حادة، والآخير يحمل شوم غليظة الحجم!

ابتسم بسخط على هؤلاء، أتوا ليتمموا مهمتهم على أكمل وجه، التأكد من قتله لهو أمرًا مهم لاتمام خطتهم، وبما أنه نفد من حادث السيارة عليهم باستكمال ما بدأوه وبتلك اللحظة!

علي بعد مسافة منهم.

فتح جمال عينيه بوجعٍ، بعدما أصاب بجرح برأسه، ووجعًا شديدًا اخترق ذراعه الأيمن، ينذر له اصابته بكسرٍ، جلس أرضًا يراقب المكان من حوله، وهو يحاول تذكر أين هو وماذا حدث؟

انتفض يقف على قدميه، وهو يصرخ بجنون فور أن تذكر: عُمران!

ركض يبحث عن السيارة بفزعٍ، وهو يدعو الله ألا يصيب رفيقه سوءًا، ركض بكل قوته رغما انه فقدها.

تخشبت قدميه حينما بدى المشهد دراميًا من أمامه، اثنان يقيدونه وثالث يهوى على جسده ووجهه بالاطار المعدني، بكل قسوة وجبرت، ركض جمال وهو يصرخ: يا ولاد الكلب!

بات الان بمنتصف المسافة بينه وبين رفيقه، وها قد أصبح قريبًا، وفجأة شُلت حركته حينما جذب الرجل المدة من الآخر، وطعن عُمران ببطنه، ثم دفعه من أعلى الكوبري خلف سيارته بكل برود.

لم يستجيب جسده له بعد الإن، سقط على ركبته يتأمل ما يحدث وكأنه يرى كابوس لا يريد البقاء فيه، وفجأة بات يصرخ بجنون رجلًا فقد أعز ما يمتلك: لأ، عُمران! لأ.

زحف على يديه، يحاول الوصول للمكان الذي ألقى منه، فاعترض الرجال طريقه، أشار له الرجل بأن ينهي أمره هو الآخر ويدفعه خلف رفيفه، ليبدو أن الأمر حادث طبيعي.

انحنى يجذب جمال ليقف على ساقه، سدد له لكمة جعلته يرتد للخلف، اعادته لوعيه وهو يرى أن ذلك الحقير جعل صديقه ينزف! بل دفعه بكل جبروت!

كيف ومتى امتلك القوة التي جعلته يخنق أنفاسه بالرغم من أن الاثنين معه يحاولون سحب يده عن رقبته ومع ذلك لم يستطيعون منعه، الحقد والكره كانا سلاحين فتاكان، مكنوه من قتله في الحال.

سحب احدهما سلاحه ليقتل ذلك الذي شكل خطرًا عليهما، خاصة بأنهم استغلوا اصابة عمران الخطيرة، ولكن جمال يبدو بأنه بكامل قوته الجسدية.

وما كاد بدفع النيران بجسده حتى تمدد فور أن انطلق الرصاص اليه بوصول فريق الجوكر، استدار جمال للخلف فوجد قوات الشرطة تحيط بالمكان، ترك الثالث وركض حتى يلحق برفيقه، غير، مباليًا بصراخ الشرطي إليه قائلًا: أقف مكانك، السَبَّاحين بيستعدوا وهينزلوا حالا ينقذوا صاحبك.

لم يستمع لهم وركض بكل قوته فصاحوا به: المية هنا غويطة وإنت شكلك متصاب، هتغرق قبل ما تنق...
لم يستكمل الشرطي جملته وكان جمال يلقي بذاته خلف عُمران، غير، عابئًا بثقل حركة ذراعه، ولا بدواره، كل ما يراه الآن مصارعة عُمران للموت!

غاص أسفل المية وظهر، اخترق النهر من شماله ويمينه، لم يترك انش يجاور محل الكوبري الا وبحث فيه، ودموعه تنهمر دون توقف، يناديه وهو يبكي ويتمنى ان يستمع لصوته، فصرخ بجنون: عُمران!

وتابع بانهيار وهو يعود لقاع المياه ثم يصعد: قولتلك مع بعض للموت، خنتني وروحت ليه لوحدك، عُمران!

اندفع السَبَّاحين للمياه، يبحثون عنه بالكشافات الضخمة، بينما ينتشل اثنان منهما جمال الذي فقد الوعي من كثرة مجهوده بالبحث عن رفيقه، ومع ذلك كان يعارضهم بضعف، حتى تغلبوا عليه.

صعدوا به للسيارة الاسعاف التي تنتظر خروج أي منهما، وُضع على السرير ودموعه لم تنزاح عن وجهه، بينما لسانه لم يتوقف عن منادته، ومعاتبته: ليه خنت العهد؟ قولتلك لو مش بعض يبقى مع بعض للموت يا صاحبي!

غاب جمال عن وعيه وأخر ما رآه وختم به مسمعه، صوت الشرطي وهو يهمس للجهاز الذي يحمه: للاسف السَبَّاحين مش لاقين له أثر يا مراد باشا ومفيش أي اشارة بتقول إنه حي، صاحبه حدف نفسه وراه لو كان عايش كان قدر ينقذه، هنكثف عدد السَبَّاحين عشان نقدر نلاقي جثمانه!

الفصل التالي
لم يكتب بعد...
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة