قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع والخمسون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع والخمسون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع والخمسون

استند على ظهر سيارته يراقب ساعة يده بضجرٍ، فجذب هاتفه يحاول التواصل معه، فإذا بسيارته القاتمة تحذوا بالقرب منه، فأشار له جمال بضيقٍ: بقالي ساعة الا ربع واقف مستني حضرتك!

انخفضت نافذة سيارته ليطل بوجهه إليه، نازعًا نظارته الشمسية: إركن عربيتك وتعالى اركب.
اندهش من طلبه الغامض، واتجه إليه ينحني للنافذة قبالته: يعني أنت مصحيني من النجمة وقايلي أنزلك ضروري ودلوقتي واقف تتكلم بالألغاز! ما تلخص وتقولي في أيه يا عُمران؟

ضم شفتيه بقوةٍ وهتف بتبجحٍ: ما تخلص في يوم أمك ده يا جمال! قولتلك اركن واركب مش فاهم أيه اللي مش مفهوم في كلامي أنا!
رفع حاجبيه باستنكارٍ لطريقته، فزفر الاخير متمتمًا بحنقٍ: استغفر الله العظيم يا رب.

ومال إليه يحاول الثبات على أخلاقٍ يجاهد التمسك بها: جمال أنا مفيش قدامي غير ساعتين فانجز نقضي الكام مشوار ده قبل ما أعدي على مايا بالمستشفى.
زم شفتيه ساخطًا من غموضه، فتركه واتجه لسيارته يصفها على طرف الطريق، تأكد من انغلاقها بالريموت الالكتروني، ثم اتجه ليجلس جواره فتحرك الاخير على الفور.

راقب جمال معالم عُمران التي يبدو عليها الضيق، لذا حاول أن يحترم صمته لحين أن يتحدث بالأمر، فذاك الوقح لا يزعجه الا الأمور التي تستحق ذلك.
وصل عُمران أمام أحد محلات الملابس الرجالي المعروفة بلندن وانجلترا بأكملها، ذات البراند الشهير الذي يتعامل معهم، أطفئ محرك السيارة وقال بحزمٍ: انزل.

تفحص المكان وتساءل بحيرةٍ: هنا!
هز رأسه مؤكدًا، وبهدوءٍ قال: أيوه يا جمال، انزل.

ضيق عينيه باستغراب: وانت جايبني هنا ليه يا عُمران؟
زفر الاخير بنفاذ صبر: يا أخي انزل وهنتكلم! أنا سبتك ومشيت يعني!

أطلق زفرة حارة، وانصاع إليه صافقًا الباب بعنفٍ، جعل عُمران يخرج رأسه من نافذة السيارة هاتفًا بتوعدٍ: إنت قد رزعة الباب دي يالا! وحياة أمك لمكسرلك بابين عربيتك!
كبت جمال ضحكة كادت بالانفلات منه وتصنع الجدية والثبات هادرًا: ولو منطقتش وقولت ناوي على أيه مش هيعجبك ردود أفعالي يا وقح!

صف السيارة وهبط له يكز على أسنانه بغضب، كور يده ليلكمه ولكنه تراجع فما يحتاج له الآن أن يكسبه بالود لعلمه بالعناد الساكنة لرأس جمال الحجري، لذا فتح ذراعه المتكور ورسم ابتسامة صفراء تخفي غضبه الجم، ليحيط صديقه الذي يجاهد لفهم غموض عمران الغير مفهوم بالمرةٍ، بينما ردد الاخير ببراءة لا تمت لشخصه بصلةٍ: أيه يا جيمي شدة الأعصاب اللي إنت فيها دي، حبيبي والله صاحبك مطحون ما بين هرمونات حمل ونوبات والذي منه فمش مستحمل عصبيتك وطخن دماغك النهاردة.

منحه نظرة ساخرة وقال: يبقى ترسيني على الحوار وتقولي جايبني هنا ليه؟

ربت على كتفه بقوة وهو يتصنع حنانه، قائلًا بخبث: القصة وما فيها إن الممول بعتلي دفعة كبيرة من الفلوس، فقولت أدلع نفسي وأنزل أشتري شوية هدوم وقولت أخدك معايا بالمرة تساعدني.
ردد باستهزاءٍ: أساعدك! أنا! هو إنت بتلبس على ذوق حد عشان تلبس على ذوقي!

ورفع يده على جبينه يتحسسه بدهشةٍ: عُمران إنت كويس؟

منحه نظرة غاضبة وبات على وشك كسر رقبته بتلك اللحظة ولتذهب صداقتهما للجحيم، ولكن أهدافه عادت تلمع من أمامه فقال بابتسامة يرسمها بالكد: مهو أنا مش جايبك عشان تساعدني لقدر الله، أنا جبتك لانك شريكي في المشروع وفي الارباح فقولت أديك نصيبك وأجبرك تشتري منهم بدلة شيك كده عشان افتتاح المركز الطبي لعلي بكره، ومفيش مانع نجبلك شوية لبس على ذوقي لانك بصراحة يا جمال ذوقك في اللبس معفن ومبيعجبنيش، بتروح تصرف فلوسك على تلوث بصري بيأذيني كل ما بلمحك قدامي.

وتابع بغضب مضحك: وأنا زي ما اتنيلت وقولت محتاج أعصابي تكون فريش على الاقل لو مش في البيت يبقى في الشغل، وبمناسبة اننا للاسف بقينا شركا فهضطر أشوف خلقة أمك كل يوم تقريبًا، عشان كده قررت أظهرك بالصورة اللي تريح بصري المسكين.
ورفع اصبعه يشير له بتحذير: مش لأجلك لأجلي!

احتدت نظرات جمال غضبًا، وصاح بحدة: ولما أن تلوث بصري بالنسبالك بتعرفني ليه! أنا غلطان إني سمعت كلامك من الأول، أنا راجع عربيتي.
أمسك ذراعه يوقفه هادرًا بملل: وبعدين معاك بقى يا جمال، بقولك مش فايقلك الدنيا هرساني وعمال اطلع من مصيبة أقع في التانية فبالله عليك يا شيخ مش ناقص، أنا جيت أفضي دماغي وأعمل حاجة بحبها، وحبيت تكون معايا لو مش هتستحمل هزاري السخيف ولساني الوقح امشي يا جمال.

وتابع بمكرٍ داهي وهو يصعد الدرج الفخم للمبنى العتيق: امشي وصاحبك محتاجلك.
وتركه وصعد للأعلى وابتسامة الخبث تشق الطريق على وجهه الوسيم، فتطلع من فوق كتفه ليراه يقف حائرًا، مترددًا بالرحيل، فاستكمل طريقه بثقةٍ من أن انضمامه السريع إليه.

ركل جمال الأرض بغضب، وهو يتفرس بباب الاتليه لدقائق، فحسم أمره ولحق بالاخير للداخل.
رآه عُمران وهو يجذب أحد التيشرتات المعلقة ويتظاهر بانشغاله بتأمل الموديل، وبأنه لم يراه منذ دخوله، كبت جمال حنقه واتجه ليقف جواره ناطقًا بغيظٍ: ماشي هبقى معاك لحد ما تخلص بس أنا مش عايز اشتري حاجة تمام؟

منحه نظرة مغرورة، واشارة عدم اللامبالة لقراره، اختار جمال الجلوس على المقعد الذهبي الوثير، بينما ترك عُمران يمضي رحلة البحث بين الملابس بمفرده.
صدح صوت هاتف جمال بعدة رسائل، ليجدها من زوجته، تأفف بضيقٍ ومرر فتحها على مضضٍ، ليجدها تكتب له.

«ممكن أفهم إنت مبتردش على مكالماتي ولا بترجع البيت ليه؟ طيب لو لسه زعلان مني ردتني ليه يا جمال؟ وليه قولتلي انك سامحتني!، أنا حاسة انك متعمد تبعد عني، بتعاقبني يا جمال! أنا اعتذرتلك واعترفتلك اني كنت غلطانه من فضلك ارجع البيت».

اعاد هاتفه لجيب بنطاله الجينز بوجومٍ، ونهض يخطو وهو بتفحص المكان بمللٍ، بحث عن عُمران فوجده بالطابق العلوي منشغلًا باختيار الملابس بدقة وتركيزًا جعله مندهشًا للغاية.

اندفع باب الاتليه الضخم وولج للداخل رجلًا ملامحه مألوفة له، يضم خصر فتاة بجراءة مقززة، عاد ببصره لوجه الرجل فرمش بدهشةٍ.

صعد جمال للأعلى واتجه لعُمران الذي أشار للعاملة التي تحاول اقناعه بأن القطعتين على بعضهما مناسبة للغاية، فقال باعتراضٍ: لا أريد هذا البنطال، أنا سأختار أخر.

تعجبت للغاية من اصراره، وتفاجئت حينما جذب سروالًا أخر بلون جريء، وفقهما على بعضهما بطريقة أبهرت تلك العاملة التي تيقنت ذوقه الرفيع الذي يبدأ من طريقة ارتدائه لملابسه وينتهي بذوقه الآنيق.

نغز جمال كتف عُمران هادرًا باهتمامٍ: عُمران بص كده!

انتصب بوقفته يطالع رفيقه، فوجده يشير للأسفل قائلًا: مش ده تايمون!

بدى منعقد الملامح فتابع بايضاح: اللي كان معانا في الجامعة، اللي كنا مسمينه مجنون جورينا البنت اللي كان بيعشقها وكل يوم والتاني عامل حوار في الجامعه عشانها، افتكرته؟

هز رأسه دون مبالاة: أيوه، ماله يعني؟

عاد يشير بضيق: داخل وقافش في واحدة كده وشكلهم استغفر الله مقضينها.

تركه واتجه خطوة ينتقي جرفات يناسب البذلة التي اختارها، قائلًا: مش فاهم يعني أيه الملفت في كده؟

مشى على محاذاته قائلًا بانزعاج: يعني كنت فاكر إن قصة الحب الاسطورية دي هتنتهي بالجواز!

منحه بسمة ساخرة وقال: دول معندهمش جواز يا جمال، سبق وقولتلك ان الحكاية دي هتتلخص بعلاقة وبعدها هيحصل زي ما أنت شوفت بعينك، ولو كان حصل واتجوزها فعلًا ممكن يكون بيلفت نظرها دلوقتي بعلاقته الجديدة.

لوى شفتيه بتهكمٍ: يعني الراجل عشان يلفت نظر مراته ليه لازم يزني يعني.

حل الخبث رماديته، لقد قدمت له الصدفة فرصة على طبق من ذهبٍ، ولابد له من اغتنامها، فقال وهو يدعي انشغاله بتفحص الملابس المعلقة من أمامه: لأ احنا لينا بقى وضع تاني نقدر نلفت بيه النظر من غير ما نزني أو نغضب ربنا!

وتركه مشدوهًا لكلماته واتجه للركن البعيد عنه وهو يتابعه ببسمة ماكرة، فإذا بالاخير يلحق به ويناديه بتوترٍ: عُمران.

كبت ابتسامته الخبيثة وهمم وهو يجذب أحد القمصان: أمممم.

لحق به وقال وهو يدعي فضوله فقط للعلم بالشيء: تقصد أيه بأننا ممكن نلفت الانتباه بدون ما نعمل حاجة حرام؟

تحررت ابتسامة جذابة على وجه ذلك الماكر، واستدار يقابله وهو يقول: الست العربية ست بسيطة يا جمال، أقل شيء بيعمله جوزها بيلفت إنتباها ليه.

واسترسل وهو ينتقل لحاملة الجواكت المقابلة له: يعني لو الراجل غير مثلًا تسريحة شعره او حلاقة دقنه هيلفت انتباهها، غير في شكله أو في لبسه مش بس هيلفت انتباهها ده هيثير حرب الغيرة والافتراضات عندها، إنه يكون مثلًا بيعرف ست غيرها.

وتابع مدعي المرح والمزح: يا أخي الست دي كائن غريب، تهتم بنفسها وتقف قدام المرايا بالساعات وعادي بالنسبالها مأجرمتش لكن وقت ما تلاقي وقفة جوزها طولت قدام المرايا واهتم بنفسه شوية يبقى بيلعب بديله وفي حياته واحدة تانية.

أشعل فتيل القنبلة وتركه وغادر مبتسم بانتصار، تركه لعشر دقائق يدور حديثه برأسه ويستخرج معناه المبطن، ليفق من شروده حينما قال بمكرٍ: ها يا جيمي هتقيس البدلة اللي اختارتهلك؟

اتجه إليه باستسلامٍ غريب، وانتشل منه ما قدم له يتفحص ذوقه بدهشةٍ: بس البنطلون ده مش هيليق على الجاكت والقميص يا عُمران!

أشار له باصرار: البسهم وهتتفاجئ بتناسقهم على بعض، ولو معجبكش أوعدك هسيبك تنقي اللي يعجبك.

هز رأسه بعدم اقتناع بما قال، وولج يجربه حتى يغلق مناقشة عريضة قد تفتح بينهما، يتأمل بأنه حينما يراه بعدها يتأكد من حديثه، ولكن فور أن ارتدى جمال ما اختاره عُمران حتى وقف مندهشًا من اتقان تناسق طالته، واختياره الذي ناسبه بكل المعنى الحرفي، فاكتشف بتلك اللحظة أنه يمتلك جاذبيته لم يكتشفها بنفسه، فقد جعلته تلك الملابس يصغر عن عمره بما كان يرتديه.

خرج جمال للخارج تجاه عُمران الذي ابتسم فور رؤيته، وتفاجئ جمال باندهاش أوجه المشتريين، حتى أن البعض منهم طلبوا من العاملات تقديم نفس البذلة بنفس الاختيارات التي نسقها عُمران.

اقترب من رفيقه وسأله وهو يتصنع عدم الاهتمام حتى لا تفشل مخططاته: ها يا جيمي عجبتك؟

هز رأسه وقال بحرجٍ: هأخد منها اتنين كمان، لانها عجبتني بصراحة.

اتسعت ابتسامة عُمران وقال وهو يشير للعاملات اللاتي يحملن العديد من الحقائب: اختارتلك فعلا أكتر من استايل وكام طقم تاني على ذوقي، جربهم وهيعجبوك جدًا.

توسعت مقلتيه وهو يتفحص حجم الحقائب بصدمة: أيه كل ده؟! انت متخيل إني هشتري كل ده؟!

إتجه إليه يجيبه ببسمة واسعة: متقلقش أنا ليا هنا (discount خصم) خاص بيا لاني يعتبر اللي مشغلهم المكان، فاديني الفلوس وأنا هحاسب أنا.

رمقه بنظرة شك، فزفر بغضب: أوووف منك! تعالى معايا وشوف بنفسك يا جمال!

لحق به جمال، وبالفعل تأكد من صحة حديثه، فلقد أظهر المالك احترامًا كبيرًا لعمران، مشيرًا بأنه من أهم الزبائن لديه، وبالفعل قدم له خصمًا كبيرًا.

حمل الأكياس الكبيرة ولحق به للخارج، بينما يمضي الطاووس الوقح مبتخترًا، طالقًا صفيرًا مستمتعًا لتحقيق أول أهدافه، فتح صندوق سيارته وأشار لجمال الذي يلحق به بغيظٍ، أن يضع ما يحمله بالداخل.

ألقى جمال الحقائب ووقف قبالته متأهبًا لجدالٍ مشحون: أنا شايفك خارج برنس من المحل ومشترتش حتى جوز شربات! أمال احنا جايين هنا ليه؟!

نزع نظارته القاتمة وأشار له ببرودٍ: مفيش حاجة عجبتني المرادي، لما الCollection الجديد يوصل هيبعتولي.

وتركه يكظم نفسه غيظًا واتجه لمقعد القيادة، فلحق به جمال صافقًا باب السيارة بعنفٍ، جعل الاخير يصرخ بجنون متوعدًا: وديني لأدشملك عربيتك، صبرك عليا يابن أشرقت!

جذب جمال نظارته الشمسية، يرتديها ببرودٍ يجابه الاخير وردد بجمود: اطلع على أي مطعم هادي نأخد كوبيتين قهوة تعدل دماغي اللي اتعوجت منك على الصبح دي.

مزق شفتيه السفلي بين أسنانه، فنزع نظارته واستدار تجاهه يحذره باشارة يده: جمال مش عايز أسيب لساني الوقح عليك، بس لو محترمتش نفسك هآ.

هتطلق كلابك الصعرانه! مممم غير الاسطوانة واطلع دماغي اتفلقت منك!

قالها وهو يسترخي على المقعد جواره، فجذبه عُمران من تلباب قميصه هادرًا بانفعالٍ: هظبطلك أمها الوقتي ومن غير قهوة يا حبيبي، يا سلام غالي وصاحب الطلب رخيص.

وأشار بيده وهو ينحني لتابلو السيارة: اديني بس ثانيتين وهظبطك على الأخير.

ابتلع جمال ريقه بتوترٍ جلي، وتساءل: بتعمل أيه يا عُمران؟

مال للأسفل بجسده أكثر من السابق وهمس له: هي راحت فين! أهي لقيتها!

هي أيه؟
تساءل بارتباك، فاتاه الرد حينما سلط سكينه على رقبته ونهض عن مقعده ليحيط بالاخير بسرعة فجئت الاخير وجعلته يهدر برعب: عُمران إنت بتعمل أيه؟

وزع نظراته بينه وبين يديه التي تحيط رقبة جمال، وأجابه ببراءةٍ شيطانية: مثبتك يا جمال! هكون بعمل أيه يا حبيبي؟!

ومال عليه يهمس من بين اصطكاك أسنانه: مش أنا من ساعة ما شوفت خلقة أمك وأنا بحذرك مني! قولتلك إني(خارج المود Out of mode) النهاردة، نبهتك ولا لا يا جيمي؟

لعق شفتيه وهو يراقب مدته (مطوة) بصدمة، فصاح الاخير: رد يا حبيبي، نبهتك ولا لا؟

هز رأسه وعينيه معلقة على ما يحمله، فاسترسل بغضب: ولما هو آه بتستحضر عفاريتي ليه بروح أمك! قولتلك أنا على أخري كفايا كل الضغوطات اللي في حياتي هتزيد عليا هحط عليك يابن آشرقت.

زفر بقلة حيلة وقال: يا عُمران إنت بشمهندس محترم، سيبك بقى من اسلوب البلطجية ده واعقل!

حرك عُمران رأسه لليسار واليمين مطلقة طقطقة لطالما كانت مرعبة لمن أمامه، أخفض سلاحه وعاد لمقعده وهو يردد: استغفر الله العظيم يا رب، بيخرجوني عن شعوري وأنا إنسان آرستقراطي مهذب!

راقبه جمال ساخطًا من جملته الاخيرة، فتابع عُمران وهو يتفرس بملامحه الساخرة: حبيب قلبي يا جيمي، عايز تشرب قهوة؟ عيووووني هاخدك على حتة مكان تشرب فيه قهوة وبالمرة أظبطلك دقنك وحلقة عب حليم حافظ اللي معتزلي بيها دي، بس استأذنك الأول أروح بيتنا القديم أجيب منه أدوات الحلاقة وال(سكين كير Skincare) بتاعي، بس للأسف الشديد هروح لوحدي وإنت هتستناني في مكان ظريف هيعجبك أوي أوي.

صعق مما يقال أمامه، لم يترك له عُمران فرصة الغضب على جملة الا وانتقل على جملة أخرى جددت له نوبة غضبه، فصاح بعصبية: حلاقة أيه ومكان أيه اللي هتوديني ليه، عُمران في أيه يا عُمران وفكك من هزارك السخيف ده وكلمني؟!

قاد السيارة مدندنًا احدى الاغاني الاسلامية التي لا تتناسق مع سطوة لسانه المستبد على رفيقه، فلكزه جمال بغضب: ما تكلمني يا عم الشيخ!

استدار له يدعي دهشته: بتناديني يا جمال؟ خير يا حبيبي طمني إنت كويس؟ مش مرتاح في الكرسي هنا؟ تحب أقف على جنب لحد ما ترجع تمدد ورا؟ ولا سحبت هوا المخيف فتحب أنزل سقف العربية ونخليها بحري؟

جحظت أعين جمال بصدمة جعلته لا يجد ما يجيب به على ذلك الطاووس، فاسترخى بمقعده محافظًا على أخر ما تبقى لديه، أعصابه المهددة أمام كتلة برود عُمران سالم الغرباوي!

من قال أن بعد الموت راحة؟!
كان يظن بأنه نالها بعدما قُتل قلبه، وماتت مشاعره، لقد أصبح كالخرقة البالية لا يعني أي مكان سيتلقفه، ولكن الخواء الذي شعر به بتلك اللحظة أبشع من أي ألمًا خاضه بحياته بأكملها.

تفرقت يده عن يدها، الازدحام يحيط به من كلا الجانبين، وهو شاردًا لا يستطيع رؤية أي شيء، الضباب الأسود يحيط بمُقلتيه، يشعر بمرور الناس من جواره وهو لا يراهم، يصطدم جسده بأكثر من أحد يقدم اعتذاره له وهو المخطئ والغير مدرك لمكان وقوفه.

تزلزل كلماتها أعماقه بقوةٍ، هل تظن بأنه سيحصل على الخلاص فور أن تخبره الحقيقة، لا والله لقد ألمته بمنتصف صدره وإنتزعت أخر ما تبقى لديه!

شعورًا غريبًا يستحوذ عليه بتلك اللحظة، من المفترض أن يكون سعيدًا بما سمعه، حبيبته تؤكد له بأنها ليست خائنة، ليست كما ظن، ولكن ما أبشع أن يحصرها المشهد في دور المظلومة وليست الظالمة، ما أبشع أن يتخيل الآن معاناة تلك الضعيفة بين يد ذلك الهمجي الذي لم يسلم لشره.

يقال أن قهر الرجال لا مثيل لوجعه، ولكنه بتلك اللحظة يصعب عليه تحمل وجعها فور تخيلها لما تلقته من ألمٍ وضرب وإهانة، إهانة استهدفت جسدها لتحطم أنوثتها وتزلزل كيانها الضعيف، وهو الوحيد الأدرى بضعف بنيتها الجسدية، هو الوحيد الذي كان يهتم لأصغر تفاصيلها، هو الذي كان يحرص على الاحتفاظ ببخاخ أكسجين احتياطي بجيبه حينما يصطحبها للخارج حتى إن مسها السوء يمدها بالتنفس حرصًا على بقائه هو على قيد الحياة، هو الذي كان يحميها حتى من هفوة دخان عابرة قد تهيج حساسية صدرها المزمنة، هو يُونس الفتى الذي غرق في عشق ذات الجديلتين منذ الطفولة!

هو الذي قسم على أن يذيقها من الألم بأبشع ما قد ذاقته بحياتها، وهو نفسه الذي وقف عاجزًا أمامها بأول لقاء، مع أنه كان يحمس نفسه لأن يبرحها ضربًا يشفي غليله، ولكن جسده الخائن تراجع عن أوامره برفع يده لصفعها أو لكمها!

شعر يُونس بيدٍ تحيط به وتبعده عن الطريق، وتسنده للمقاعد المعدنية المتطرفة، دقق به وبصوته المسموع فوجده آيوب ولجواره الحاجة رقية الباكية، بقى صامتًا يتطلع للأمام وصوتًا يصل لمسمعه ويتكرر بقلقٍ: يُونس إنت كويس؟

تمعن بحركة شفتي آيوب وعينيه في محاولة لسماع وفهم ما يقول، ولكنه على الأرجح فقد كل شيء، وبدون أي مقدمات سقط عن مقعده أرضًا مستسلمًا للغشاوة التي تقبض روحه مشفقة على معاناته بينما قلبه يبتعد عن محل جسده عدة أمتار.

التقطت عينيه الناعسة صراخ آيوب بالأطباء، وجه آدهم القريب منه بعدما وصل للتو بعدما أودع معتز للشرطة، ومعاونته لآيوب بحمله لاقرب فراش، تجمهر الاطباء من حوله، ضوءًا يسلط على فيروزته، أصواتًا تتباعد ببطءٍ، ظلامًا دامس، هدوء مخيف، صمتًا تامًا!

هبطت بفستانها الرمادي تتهادى بخطواتها حتى لا تدعس طرفه الطويل، تخطف النظرات المهتمة لمن ينتظرها فاتحًا باب سيارته بذوقه الرفيع، جلست فاطمة بالمقعد فإذا به ينحني ليضع طرف الفستان جوارها في لافتة لطيفة منه أسعدتها.

استقل على مقعده وقاد السيارة متجهًا للمركز الطبي، ليشرف على التجهيزات النهائية قبل حفل الافتتاح غدًا، بينما تذهب فاطمة للاطمئنان على مايسان وقد حملت لها بعض الملابس والأغراض الشخصية.

وصل للمركز سريعًا فلقد كان لا يبعد عن منزله كثيرًا، هبطت فاطمة واتجهت لتجذب الحقائب الصغيرة، فإذا به يجذبها قائلًا بابتسامة هادئة: عنك يا حبيبتي.

وأشار بأن ترافقه للمصعد: يلا.

تعجب على من توقفها عن إتباعه، وتسمرها بالخارج قبالته، منع الباب من الانغلاق ومد كفه لها: فطيمة متخافيش أنا معاكي!

ابتلعت ريقها بارتباك فذكريات الأمس القريب لم تكن لتنساها بتلك السرعة، ولكن جملته المحببة لقلبها شرعت لها بمد كفها الرقيق بين كفه، واتبعته للداخل.

وجدت الارتباك والتوتر ينعزل عنها نهائيًا في حضرته، ولتكن صادقة لم يمدها على بالأمان فحسب، منحها إياه عُمران ومن قبله منحته لها تلك المرآة الارستقراطية الراقية فريدة هانم، كذلك مايسان وأحمد بظهوره القليل بحياتها ولكنها لا تخشاه أبدًا.

خرج على بالطابق الأول مشيرًا لها بحماسٍ: قبل ما نطلع لمايا حابب أوريكِ مكتبي ومكتب فريدة هانم.

غمرتها السعادة باهتمامه لإن يشاركها تفاصيل مغيبة عنها، مضت معه من غرفة للأخرى، حتى أراها الغرف بأكملها، الاستقبال، جناح الجراحة، الحضانات المخصصة بقسم النساء والتوليد، غرف الاطفال المجهزة لاستقبال المولود، لم يترك مكان الا وآراه لها، سعدت كثيرًا لتحقيقه حلمه الوحيد، سألها على وهو يتجه بها لغرفة زوجة أخيه: مقولتليش رأيك يا فطيمة؟

توقفت عن المشي وضغطت على كفه الماسد بين كفيه لتسترعى اهتمامه لنقطة كانت تود البوح بها: جميل يا علي، كل شيء معمول بحب كبير أوي بس إنعكاس الفرحة اللي في عنيك هو اللي مبهر بالنسبالي، أنا عارفة إن ده حلمك من زمان، كنت بتيجي وبتحكيلي أول بأول، وفاكرة كمان لما كنت زعلان إنك فشلت في ادارة المستشفى لوحدك لإنك كنت مشغول معايا أغلب وقتك، بصراحة كنت بسمعك وأنا حاسة بالذنب بس دلوقتي بعد ما اتحقق حلمك بشكل إنت نفسك مكنتش متوقعه خلاني سعيدة ومبسوطة أوي عشانك يا علي.

أشرقت ملامح وجهه بفرحةٍ وعشق تعدى أفاقه، فرفع كفها يقبله بحبٍ: حلمي هو حلمك يا فاطمة، ده مش مكاني لوحدك ده مكانك معايا، اللي يخصني يخصك واللي أملكه إنتِ تملكيه. يعني برأيك بعد ما ملكتي قلبي وشاركتيني فيه مش هتشاركيني بكل حاجة ليا.

اتسعت ابتسامتها بشكلٍ جعلها فاتنة بكل معنى الكلمة، فأكدت له بحماسٍ: أول ما مايا تقوم بالسلامة هاجي اشتغل معاك، فريدة هانم قالتلي وأنا وعدتها.

سعد لقرارها هذا، ولكنه تساءل بدهشة: وليه لما مايا تولد؟

ردت عليه باستنكارٍ: عُمران هيبقى كده لوحده هو طلب مني أساعده لحد ما مايا ترجع لشغلها.

هو بتلك اللحظة فخور بها وبتعبه الذي جعلها تتخطى مراحل هامة برحلتها، ظنها ستتأثر بما حدث وسترفض العودة للعمل بشركات عُمران، وها هي تخرج بقوة من نوبتها وكأنها لم تمر بها من الأساس.

رنا إليه يطبع على جبينها قبلة تعبر عن احترامه وحبه الكبير لها، هامسًا: مكان ما تكوني مرتاحة أنا مش ممانع يا حبيبتي.

كسى وجهها حمرة يعشقها هو، فدفعته بخفة وهي تأنبه بحرج: بتعمل أيه يا علي!

ضحك بصوته كله وأشار على الغرفة القريبة منه هادرًا بمزح: هنا عادي الكلام ده، بس أنا دكتور محترم ومعملتش حاجة تذكر يعني!

كلما تطلع لصدمتها تعالت ضحكاته دون توقف، طرق على باب الغرفة مرتين متتاليتين وما أن استمع لصوت زوجة أخيه تأذن للطارق بالدخول، حتى ولج يردد: نورتي المركز كله يا بشمهندسة، كنت أتمنى إن زيارتك ليه تكون بشكل ودي مش مرضي بس مش مهم المهم إنك شرفتينا.

ابتسمت مايا بفرحةٍ وقالت بلطفٍ: علي! حمدلله على السلامة.

اقترب من فراشها وأجابها ببسمة هادئة: الله يسلمك. طمنيني أحسن النهاردة ولا لسه تعبانه؟

أشارت على يدها المنغرز بها الأبر الطبية: حاسة إن المحاليل اللي دكتور يوسف عالقهالي دي فوقتني الحمد لله.

وانحنت برأسها تلمح تلك الواقفة بارتباك خلفه، مرددة بابتسامة واسعة: وفاطمة كمان جاية تشوفني بنفسها لا أنا كده هفضل يومين هنا.

صعدت فاطمة جوارها على الفراش وقالت بحرج: أنا آسفة إني مكلمتكيش إمبارح ولا جتلك بس أنا كنت آ...

قاطعتها وهي تربت على كفها المسنود على ساقها: عارفة يا حبيبي انك رجعتي انتِ وعُمران متأخر من الشركة، وبعدين احنا بينا الكلام ده يا فاطمة! أنا كده كده الحمد لله كويسة وبخير، وزينب الله يباركلها مسبتنيش لحظة والله.

سألها على باستغراب: وهي فين؟

ردت عليه فاطمة: كانت مكلماني من شوية وقالتلي آنها في الجامعة النهاردة أخر يوم ليها في الامتحانات، وبعدها هتأخد الاجازة.

رد بتفهمٍ: ربنا معاها، الاجازه دي تلزمني أوي، المركز محتاجلها.

مازحته مايا بمرحٍ: حيلك يا دكتور إنت هتجمعنا كلنا هنا حوليك ولا أيه؟

تعالت ضحكاته الرجولية وصاح: ده اللي هيحصل، بس إنتِ للأسف هتكوني شبه مقيمة هنا لحد ما حبيب قلب عمه يشرف على خير، شوفت رؤيا من كام يوم إن هيجلكم ولد.

مسدت على بطنها الذي بدأ بالظهور وقالت بتمني: أنا متحمسة أعرف نوع البيبي بس أنا راضية سواء بنت او ولد المهم بالله عليك ما تسيبه لأخوك هيطلعه وقح زيه وأعصابي هتبوظ بينهم الاتنين.

ضحكت فاطمة بقوة حتى أدمعت عينيها، بينما ابتسم على وأشار بكتفيه بحيرة: مش عارف يا مايا، مسبقش إني اتوليت تربية بيبي صغنن، مش بعرف أتعامل معاهم وهما حتت كده، لكن وعد لما يقف على رجله ويمسك نفسه كده هكون جنبه وهحميه من الطاووس الوقح اللي داير يطلق لسانه السليط على العيلة ده!

أد كده اشتاقتلي ومش قادر على بعدي! أنا جيت ألبي النداء من أول ندهة!
قالها ذلك المستند على باب الغرفة، مربعًا يديه أمام صدره، ونظراته تتفرسان بأخيه، تنهد على وردد بقلة حيلة: جالك كلامي يا مايا!

هزت رأسها تؤكد له وهي تتابع زوجها بنظرة مغتاظة، فتحرك ببرود تجاهها، وانحنى يقبل جبينها متسائلًا باهتمام بدى رغم بروده: أخبارك أيه النهاردة يا حبيبي؟

ابتسمت رغمًا عنها وقالت: الحمد لله بخير.

جلس على نهاية طرف الفراش باتجاه زوجته، بينما جلس على بالمقعد القريب من باب الغرفة، اتجهت نظرات عُمران لفاطمة التي تتحاشى التطلع إليه، فنقل بصره لعلي يشير بكف يده عن طريقة تعامله، فأشار له الاخير بالتعامل بطبيعته فقد تجاوزت الامر، لذا قال بمزحه المعتاد: أيه يا فاطمة إنتِ ما صدقتي إني أزوغ من الشغل فقعدتي إنتي كمان، يرضي مين الكلام ده؟

رفعت رأسها إليه وقالت بلهفة: أنا! لا والله مكنتش أعرف إنك مرحتش الشركة النهاردة، بس على لسه راجع فمحبتش أنزل وأسيبه في أول يوم كده.

اشتعلت خجلًا حينما نطقت بتلقائية جملتها، ففركت أصابعها بتوتر جعل مايا تنفجر ضاحكة وتلكز زوجها بحدة: بس بقى كسفتها الله، واحدة جوزها راجع من سفر شغل أيه اللي تروحه؟!

رمق أخيه بنظرة ساخرة، وهدر: هو يعني كان مسافر الهند! ثم ان كلهم على بعضهم سبع أيام!

زوى على حاجبيه بنزقٍ: ولو كترت في كلامك ده هقعدها خالص وتيجي تساعدني، جوزها أولى بيها يا بشمهندس.

تحداه ببسمةٍ شرسة، واستدار لفاطمة يخبرها: حقا يا فاطمة هتسبيني غرقان في الحسابات وهتيجي وسط المرضى والدم والمحاليل!

ابتسمت وتطلعت لزوجها تخبره: أنا مرتاحة في شغلي يا علي، وقولتلك الكلام ده من شوية.

تطلع عُمران لأخيه وصاح بانتصار: قوم يا دكتور شوف شغلك، ومتشغلش بالك بموظفيني!

ضحك على ونهض عن مقعده يغلق جاكيت بذلته السوداء: ماشي يا وقح، هعديها بس عشان اللي عملته في المركز يستاهل إنك تتكافئ مش تتعاقب، الديكورات وتنفيذ الاستقبال كل شيء معمول باتقان عالي، تسلم إيدك انت وفريقك.

تمدد للخلف قليلًا يجذب هاتفه من جيب بنطاله، ثم نهض لاخيه يخبره وهو يعبث بشاشة الهاتف: ولسه لما تشوف الدعايا اللي اتعملتلك على صفحة البشمهندس عُمران سالم الغرباوي، الفيديو لوحده اتخطى ال15 مليون مشاهدة.

التقط منه على الهاتف، يتطلع للفيديو الملتقط لمدخل المركز الطبي وتصميمه الداخلي، تفاعل الجماهير وتعليقاتهم على اناقة وذوق المركز الطبي، ابتسم وهو يخبره: حلو الشغل ده، وأخيرًا استفدنا من صفحتك دي بشيء بعيدًا عن أغلب كومنتات المعاكسة على صورك الاستعراضية الشبيهة لغرورك.

التقطت آذنيها سماع أخر جملته، فرددت بتحفز: معاكسات أيه يا علي؟

منحه عُمران نظرة تهديد صريحة، فدنى إليه يهمس: هنقذك المرادي بس عشان جمايل فيديو الدعايا، لو مخفتش من حوار تغير صورة البروفيل كل ساعتين دي هقول لمايا ووقتها هتطلق هرموناتها عليك.

واستدار تجاه مايا يردد بهدوءٍ وثبات مخادع: أي معاكسات! أنا بتكلم عن حاجة تانية يا مايا، ارتاحي وأنا هنزل أشوف الترتيبات.

اتبعه عُمران يناديه، وبجدية قال: على بما إن فاطمة هنا مع مايا، إبقى خدها وانت راجع، أنا عديت عليها أشوف لو كانت جاهزة أخدها في طريقي لكن كده هتأخر على جمال.

استدار عن الدرج يسأله باهتمام: ليه هو جمال فين؟

ارتسمت الابتسامة الخبيثة على وجه عُمران واحتفظ بصمته بينما يغادر بمشيته الثابتة، تاركًا على أعلى الدرج يجتاحه القلق حول صمت الطاووس الوقح! وعقله لا يتوانى عن التفكير، ترى أي مصيبة يفتعلها ذلك الوقح الآن!

فتح عينيه على صوت رجولي يناديه باستماتة وقلق: يُونس!

تشوش رؤيته بالبداية، ولكنه تمكن من التقاط ملامح وجه آيوب القريبة منه، فهمس بخفوت: آيوب.

استطاع سماع همسه الخافت: الحمد لله، قلقتني عليك يا يونس.

استعاد عصبة تفكيره الهادر، فتحمل على حواف السرير المعدني ونهض يردد بذعرٍ: أيه اللي حصلي! خديجة! خديجة عاملة أيه؟ خرجت من العمليات؟!

ربت على صدره وهو يحاول أن يحجب حركته: اهدى يا يونس، الابرة هتطلع من وريدك.

تطلع تجاه ما يشير فوجد أحد المحاليل ينغرز بوريده، فنزعها عنه وهو يصيح بانفعالٍ: أنا مش تعبان، عايز أطمن عليها هي فين يا آيوب.

نهض آدهم عن المقعد المقابل لفراشه وقال: مينفعش الطريقة دي يا يونس احنا في مستشفى حكومي، شدة أعصابك خليتك بالحالة دي فممكن تهدى شوية.

وتابع بهدوء: خديجة في الاوضة اللي جنبك ومعاها والدة آيوب، اطمن جرحها سطحي والدكتور لسه مأكد لآيوب من شوية.

عاد بجسده للخلف، واضعًا رأسه على الوسادة براحةٍ، فعاد آيوب إبرة المحلول لوريده وربت عليه بابتسامة بشوشة: عدت يا يونس، والكلب ده اتقبض عليه.

واستطرد ليفرح قلبه: آدهم قدم كل الادلة اللي كانت معاه ضده وضد الحقير سند والاتنين دلوقتي بياخدوا جزاتهم واللي يستحقوه.

أغلق عينيه بقوةٍ، وردد: ياريتني كنت قتلته ومسمعتش كلامكم، لو كنت أعرف باللي عمله مكنش فلت من تحت ايدي.

مال آدهم على الحائط المجاور لفراشه، مربعًا يديه أمام صدره، يحدجه بغضب: وبعدها هتفرق أيه عن أي مجرم! هترتاح لما ايدك تتلوث بالدم؟

شرد بالفراغ يفكر بحديثه، سحب يونس نفسًا كبيرًا عساه يهدأ عصبيته، ثم أجابه: لا يا باشا مكنتش هرتاح بعدها، أنا دلوقتي بقى عندي بصيص أمل أعيش عشانه.

سأله آيوب باهتمامٍ لمعرفة مغزى حديثه: تقصد أيه؟

تعمق بالتطلع إليه وقال: فارس!

انفرجت شفتيه بصدمة، فاعتدل يونس بمرقده يلقط كل رد فعل للأخر، فردد بصعوبة بالحديث: متقوليش إنك كنت عارف إنه ابني ومتكلمتش يا آيوب!

أخفض وجهه عن مواجهة ابن عمه، فهز رأسه بصدمة: لأ!

ازدرد ريقه متابعًا بشكٍ: وعمي عارف؟

صمته المطول جعل الاجابات واضحة للاخير، فابتسم بوجعٍة، تدخل آدهم على الفور حينما وجد أخيه في مأزقٍ فقال بخشونة: وكنت عايزهم يقولولك أيه يا يونس؟

أجابه بغضب وجمود: الحقيقة يا باشا! أنا خارج من السجن ميت وحاجة زي دي كانت هتحيني!

رد عليه ببساطةٍ وعينيه لا تفارق خاصته: يونس متخليش عصبيتك وغضبك يخلوك غبي! أب عظيم زي الشيخ مهران وأخ زي آيوب مستحيل يقبلوا يرجعوك جهنم تاني.

استطاع أن يثير، حفيظته تجاه كلماته الغامضة فتابع: لو حد فيهم كان صارحك إنك عندك ولد واتاخد منك بالطريقة دي وهما عارفين إنك خارج عشان تنتقم من اللي عمل فيك كده فاسمحلي أقولك إن اللي رباك كان مجرد عم ليك مش أب، لكن اللي الشيخ مهران عمله يخليك تحترمه كأب خايف يخسر ابنه بعد فراق ووجع.

اخفض عينيه بخزيٍ من تسرعه، فاستطرد آدهم ببسمة واثقة: وعلى فكرة شهادة ابنك الاصلية مع الشيخ مهران، وهو بنفسه اللي مطلعها ومحتفظ بيها، كان ييحميك وبيحمي ابنه التاني في نفس الوقت، لانه مش من المنطق انه يوقفه في حرب بيلعب القذر فيها على الطرفين، هيكون بيقدم ابنه التاني للموت يا يونس.

نهض يخفض ساقيه عن الفراش، فأصبح يجاور آيوب، استدار بوجهه له ومنحه ابتسامة هادئة جعلت الاخير يتهلل أساريره لظنه بأنه سيقاطعه بعد معرفته بأنه يعلم بالحقيقة.

رفع يونس ذراعيه يحيط به آيوب المتعلق برقبته، مربتًا بقوة على كتفه، ثم أشار له: شيل الكانيولا هروح أبص على خديجة.

أومأ له وانتزاعها منه برفقٍ، مسددًا قطنه صغيرة توقف نزيفه المؤقت، فتركهما ورحل من الغرفة التي تحيط بعدد من المرضى.

نهض آيوب يمسك يد آدهم بفرحة: مش عارف من غيرك كنت هعمل أيه؟ أنا كنت شايل هم اللحظة دي أوي، آدهم أنت ملاكي الحارس!

تحررت ضحكاته تباعًا، فراقبه الاخير باستغرابٍ، كبت ضحكاته مرددًا: آسف. بس الجملة دي اتقالتلي كتير قبل كده من شمس!

وتابع ببسمةٍ صغيرة وهو يربت على كتفه: كل مرة تبالغ وأرجع أقولك انك اخويا! يلا ألحق اروح انا قبل ما مصطفى يلتهم التورتة لوحده ووقتها هجري بيه طول الليل بالمستشفيات!

شاركه الضحك قائلًا: لازم يأكلها كلها مش عمايل ابن الشيخ مهران ولا أيه!

تلاشت ابتسامة آدهم وحل الوجع بين سكنته، منذ أن علم بحقيقته وانقطع عن قوله لتلك الجملة، ما أبشع أن يكون أخيك قبالتك وأنت عاجز عن ضمه، عاجز عن أن تبوح له بحقيقتك!

أفاق من شروده على هزة يده وسؤاله: آدهم روحت فين؟

منحه ابتسامة صغيرة، وقال: معاك يا آيوب، همشي بقى ولو احتاجتني متترددش وإتصل.

هز رأسه بتأكيد، فاستأذن آدهم بالانصراف على الفور.

بحث عنها بين أَسِرَّة المرضى، حتى لمح الحاجة رقية تجلس على مقعد خشبي يقابل الفراش وتقرأ بصوتها العذب بالمصحف الصغير، وتتمدد هي بشحوبٍ تام، شاردة بالفراغ ودموعها تنهمر على الوسادة.

تواثبت دقات قلبه بدفٍ يعلمه جيدًا، مالت برأسها للجانب الاخر وفور أن رأته حتى أزهرت وجوم تعابيرها، وهمست بصوتٍ كان مسموعًا: يُونس.

أغلق عينيه بقوةٍ مستمتعًا بصوتها الذي يشفيه من آلامه رويدًا رويدًا، ليتها تنطق إسمها خمسون مرة، أو خمسمائة حتى تدمل جروحه بأكملها.

الآن بات أمام فراشها، عينيه موضوعة أرضًا لا تتطلع إليها، اختزل الحزن تعابيرها وهي تظن أنه لا يحبذ رؤيتها، فإذا به يردد: ازاي سايباها قاعده من غير نقابها يا مرات عمي!

نهضت عن المقعد تجيبه بابتسامة هادئة: يابني دي لسه خارجه من العمليات وانت عارف إنها عندها ضيق تنفس، فقولت اسيبها تستريح شوية ولما تفوق ألبسهولها.

قال ومازالت عينيه أرضًا: طب لو سمحتي لبسيها.

انحنت للكومود الصغير جوارها تلتقط نقابها: حاضر يا حبيبي.

وبالفعل عاونتها على ارتدائه، ثم جذبت حقيبتها البلاستيكة وقالت: خليك معاها يا يونس، هخرج ألحق آيوب قبل ما يروح أقوله يحط حلة المحشي في التلاجة لتحمض!

بالرغم من صعوبة ما يتعرض له الا أنه رغمًا عنه اضحكته بساطة زوجة عمه التي لا تتفانى بالتفكير عن أصغر ما تنجزه، رآها تخرج من العنبر بأكمله، فتحرك للمقعد بآلية تامة.

أدمعة أعين خديجة وهي تراقبه باشتياقٍ وترقب لاول كلمة، تنتظر أن يأخذ أول خطواته إليها، فوجدته يرفع رأسها إليها ويردد بصوت الحنون: حمدلله على سلامتك يا ست البنات.

اتسعت ابتسامتها ودموعها تنهمر دون توقف، لا تعلم فرحة بسماعها لقبه المحبب لقلبها أم حزنًا على ما أصابهما.

باغتته حينما تمسكت بيده المسنود على الكومود هاتفة بعاصفة دارمة من الحب: يُونس.

اقشعر جسده بأكمله يعلن حالة الطوارئ لنجدة قلبه المسكين، سحب كفه سريع قائلًا بتوسلٍ: عمري ما أقبل أشيلك ذنب زي ده يا خديجة، انتِ لسه على عصمة راجل غيري، فعمري ما أقبل أعمل فيكِ كده.

وتابع بضيقٍ مما فرض عليهما: وجودي هنا في حد ذاته غلط، بس والله ما قادر أمشي من غير ما أطمن إنك بخير.

يا ويلها من تلك الآلآم التي استنزفت روحها الهالكة، أيخاف عليها لتلك الدرجة ولم تترك له ما يدفعه لذلك.

انخرطت خديجة بموجة من البكاء، انهيارًا سحبها من خلفه لدرجة جعلته ينتفض عن مقعده، مقتربًا منها، يتساءل بفزعٍ: مالك؟ حاسة بأيه؟ اهدي طيب هنادي للدكتور حالًا، متخافيش.

ما كاد بالرحيل الا وأمسكت يده توقفه، هامسة بندمٍ ووجع: سامحني يا يونس. سامحني على ضعفي وقلة حيلتي قدامه. بس مكنش عندي حل تاني.

عاد لمقعده يجلس ويتطلع لها، بينما تخبره ببكاء: هددني لو مرفعتش عليك القضية هيسقطني، وجاب ستات شكلها بشع كنت هموت تحت ايدهم لو موقعتش على الاوراق.

إلتاع قلبه وذرف دموع الخزي والوجع، بينما تتابع وهي تميل بوجهها الباكي على كفه، فأغرقته بالدموع: مكنتش عايزة أفرط في الحاجة الوحيدة اللي فاضالي منك يا يونس، آآ، أنا. أنا بريئة من اتهاماتك آه أنا مخونتكش أنا مش وحشة يا يونس أنا مش رخيصة، أنا عملت كل ده عشان أحمي ابني، علشان احميه.

رفع يده الاخرى وكاد بأن يضم وجهها ولكنه أخفضها حينما تذكر بأنها ليست زوجته، فانحنى أسفل فراشها يحاول سحب يده الاخرى ولكنها تزيد من تمسكها به وهي تصرخ بوجع: لأ. لأ. مش هتمشي يا يونس هتسمعني وهترجعني ليك تاني، أنا معتش قادرة أستحمل أعيش مع الشيطان ده ثانية واحدة، إنت أملي الوحيد، متبعدش عني تاني، متسبنيش يا يونس، أرجوك.

أبوس ايدك متسبنيش!
قالتها وهي تقبل كف يده، فانهارت دموعه وقال وهو يسند جبينه على فراشها هامسًا بصوتٍ مبحوح: كفايا يا خديجة، ارحميني عشان خاطري! أنا عاجز ومش عارف أتعامل معاكي.

ورفع عينيه الغائرة إليها يخبرها: مينفعش أقرب افهمي!

تعمق بها الحزن والوجع فبات وجهها يشمل كل العتاب له، فأسرع يستكمل: آدهم قالي إنه هيقدر يخلصك منه في وقت قليل، بعد ما عدتك تخلص هنتجوز على طول.

وتابع وهو يتطلع لها بحبٍ فشل بكبته: اللي ملحقناش نعيشه هنعشه من تاني وابننا معانا يا خديجة، ولحد ما ترجعي تقفي على رجليكي وتنتهي شهور العدة هجهزلك الشقة بعفش جديد عشان يليق بيكِ يا ست البنات.

وتابع يمازحها: بس المرادي مش هخاف يطلع حاجات أحدث لإنهم 3 شهور مش سنين الدراسة.

ضحكت حينما فهمت مغزى ما يقصد بحديثه، تذكرت كم كان حزينًا كلما طُرح لمحلاته أجهزة عصرية، كان يود الاحتفاظ بها لشقتهما ولكنها تعود وتخبره بأنها مازالت بالثانوية فمن المؤكد بأن الشركة ستطرح الاحدث.

تخاذلت السعادة داخلها وتطلعت له بنظرة منكسرة جعلته يطالعها باهتمامٍ لمعرفة ما ستقول، فتركت كفه ورددت: لا مش هينفع تتجوزني، لأ. أنا منفعكش!

اندهش مما أصابها وتساءل باستغراب: أيه اللي بتقوليه ده يا خديجة؟

تصاعدت شهقاتها بانهيارٍ تامة، وهمست بصوت مذبوح: أنا اتشوهت يا يُونس! مينفعش تتجوز واحدة مشوهة!

اعتصرت قلبه بين أضلعه، يا الله ما الذي اختبرته تلك المرأة بالتحديد؟ يزداد واردة أوجاعه وتزداد الفاتورة ويده مغلولة عن السداد، فابتسمت وهي تستكمل بدمعة تخزلها: ده كان تمن اخلاصي ليك ولحبك، ده دليلي الوحيد إني كنت بعافر لأخر يوم قضيته مع الحقير ده وآ.

ترجى بانهزامٍ تام: كفايا أرجوكي كفايا، متزديش وجعي بالله عليكِ اسكتي، الموت أهون ألف مرة من اللي بسمعه، ارحميني يا خديجة!

أمسكت يده بقوة وقالت: خلاص مش هتكلم. مش هقول حاجة عن اللي فات بس متسبنيش، متمشيش وتبعد عني تاني يا يُونس، سامحني وخليك جنبي.

وتعمقت بالتطلع له قائلة برعشة ورعب: إنت زعلت من كلامي؟ هتمشي وهتعاقبني بفراقك تاني صح؟ لو عملتها وسبتني المرادي مش هحارب تاني يا يُونس، هموت نفسي سااامع والله لأموت نفسي!

قبض أخيرًا على يدها التي تتمسك به، وقال: أبعد ازاي وانتِ اللي رجعتيني لحياتي يا خديجة، أنا عقلي وقف من كتر ما بحاول أنسى كلامك اللي قولتيه وأنا شايلك للاسعاف، صعب عليا أشوفك بترمي نفسك قدام الموت عشاني وبعدها اكتشف اني ظالمك!

واستطرد وهو يشرد بنقطة فارغة: لو كنت عرفت الحقيقية مكنتش هسامحك عمري كله يا خديجة بس بعد اللي عملتيه ده أثبتيلي انك لسه بتحبيني، ساعدتيني أغفر اللي فات وإني أحاول.

وسحب كفه عنها ثم انتصب بوقفته يتأملها بنظرة عاشقة: أنا لازم أمشي عشان أشوف فارس، متقلقيش اطمني عليه، ولحد ما عدتك تخلص هنقلل مقابلاتنا وكلامنا، وبعد كده نخلي عتابنا في بيتنا!

اتسعت ابتسامتها فرحة، فمنحها ابتسامة جذابة ثم غادر برفقة آيوب على الفور تاركها لزوجة عمه تعتني بها.

مضى آيوب برفقته شاردًا بمكالمة آبيه، فقد أخبره بأن يعود للمنزل ليبت برفقة آديرا، وأرغمه بحزم أن يصارحها بحقيقتها، ويسلم لها دفتر والدتها، لتكتشف حقيقتها، وحقيقة ما خبأه آيوب عنها، حسنًا هو مجبر الآن على المواجهة، مجبر على كسر قلبها حينما تكتشف كيف قتلت عائلتها، مجبر أن يحتويها ويمدها بما قد ينزعج بفعله!

بحث عنها بلهفةٍ، كعادته بعد أي امتحان لها لا يغادر الا حينما يتأكد بأنها لم يواجهها عقبات، لمحها سيف تخطو تجاهه برشاقة ورقة تجعله يود لو تزوجها في الحال ومنعها من الخروج أبدًا.

رنا إليها يتساءل متلهفًا: ها يا زينب طمنيني عملتي أيه؟

منحته ابتسامة صغيرة، وقالت: الحمد لله كان سهل جدًا.

ابتسم هو الاخر وردد: المفروض أفرح بس للأسف أنا زعلان لإن ده أخر يوم هقدر أشوفك فيه جوه الجامعة، لكن براها هشوفك كل دقيقة، في المركز وفي البيت.

رمشت بصدمة: بيت أيه!

ضحك وهو يمازحها: بيتنا يا دكتورة، هو مش دكتور على رجع من السفر! معقول تكوني نسيتي اتفاقنا!

تلونت الحمرة على خدها، فضمت الكتب إليها وأردفت بتوترٍ: آآ، أنا لازم أمشي. اتاخرت.

هرع للاريكة المعدنية يجذب كتبه والبلطو الطبي: طيب استني هوصلك.

استدارت زينب إليه لتخبره بأنها مصرة على الرحيل بمفردها ولم ترى ذلك الذي يكاد يصطدم بها، وفي لمح البصر قبض سيف على معصمها يبعدها عن هذا الصدام معتذرًا للطالب بايجازٍ.

سحبت يدها من احكام قبضته بخجلٍ وخرجت توقف سيارة أجرة، اعتلتها وعينيها لا تفارقه، وأكثر ما يزعجها ابتسامته وتفهمه لربكتها بوجوده جوارها.

مالت على الشرفة تبتسم بعشق تربع داخلها إليه، وترسم مشاهد مختلفة لها برفقته بعد أن تصبح زوجة له، فإذا بصوتٍ جهوري يقتحم عالمها الوردي.

«عجبتك لمسته المقززة لايدك!، مخوفتيش مني ولا من عقابي! قولتلك أنا جنبك ومعاكي حتى لو مكنتش موجود وعقابك حاضر يا زينب ووقتي! ».

تراجعت للمقعد بذعرٍ وهي تراه عبر شاشة الهاتف الذي يسلطه لها سائق السيارة، ارتعبت وحاولت فتح الباب بصراخٍ جنوني فاذا به لا ينصاع لها، أسرعت للباب الاخر تحاول فتحه وقد انفطرت بالبكاء الحارق.

لحق السائق بها ليضع الهاتف بوجهها، فوجدته يضحك وهو يخبرها بجنون: مينفعش تنزلي من غير العقاب، عشان بعد كده تقدري تحافظي على نفسك يا زينب!

واستطرد بصرامة وفحيح سام: نفذ في الحال. احرص أن تزيل أثار هذا الكريه عنها!

انصاع له السائق فاذ به يخرج من جيب سرواله، زجاجة قاتمة، فور ازاحة غطائها انتفضت بمقعدها لعلمها بمكنون ما تحتويه كطبيبة متخصصة، فصرخت بجنون: لا يا يمااااان، أنا آسفة مش هعمل كده تاني، خليه يسيبني أرجوك!

حدقها بسخرية وأردف: مضطر يا روح قلبي عشان تتأكدي إن كلامي مش تهديد، وإنك لو فضلتي تشوفي الحقير ده هتتعاقبي، وعقابك هيكون على قد ما تتمادي، المرادي مسك ايدك المرة الجاية هيوصل لاوضة نومك لو مخدتش ليكي وله راجع.

واستطرد بوجومٍ مقبض: أفعلها الآن.

تعالى صرخها بفزعٍ وهي تعافر للخلاص، وأخر ما رددته دون ارادة منها كان اسمه هو، صارخة دون توقف لعل قصر المسافة بينها وبينه تجعل صداه مسموع لها، فرددت: سيف!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة