قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع والعشرون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع والعشرون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الرابع والعشرون

مضى عهدًا طويلًا لم تخرج للتنزه برفقة أحدًا، أخر مرة كان يصطحبها والدها ويومها تعرضت للاختطاف، واليوم تندمس كل تلك الذكريات السيئة وتجددها تلك الذكريات التي يتركها على لها.

تراه منسجمًا بالحديث والشرح التفصيلي لشقيقتها، وكلما ابتسم لها وهو يستمع لحوارها المشاكس يخفق قلبها هي وكأن تلك الابتسامة البشوشة لها هي، تشعر بتلك اللحظة بامتنانٍ كبيرًا لوجوده فاليوم ولأول مرة ترى أختها سعيدة لتلك الدرجة، وكأنها لمست ب على الأب والأخ الحنون الذي تفتقدهم، فبالرغم من امتلاكهم للاشقاء الا أنهم لم يبالوا بهن، كُل يجري لمسعاه الشخصي وكأنهم لم يمتلكن شقيقات أبدًا، لذا كانت فاطمة تشعر بكل تلك الاحاسيس التي ترافق زينب تجاه زوجها.

مضت الساعات ولم يمل على من أسئلتها الفضولية لمعرفة كل ركن بانجلترا، حتى استقر بهم رحلة المشي القاتلة بأحد المطاعم الشهيرة ببيع المثلجات والحلوى، جلسوا على احدى الطاولات الخارجية للمطعم بناء على طلب زينب التي أرادت تفحص وجهة المارة أمام عينيها، فطلب لهم على الحلوى وبعض العصائر الذي يمتاز المحل بصنعها، فوضعت زينب حقيبتها على الطاولة الزجاجية وقالت بحماسٍ: اليوم كان حلو بشكل مش معقول، شكرًا يا على أنا أول مرة أنبسط كده وشكلي كده هستغلك في خروجات كتيرة.

ابتسم بجاذبيته، وانحنى ليستند على الطاولة، مرددًا بهدوء رزين: في أي وقت تحبي تخرجي فيه أنا تحت أمرك يا زينب، زيك زي شمس طلباتك كلها مجابه!
اتسعت ابتسامتها وأشارت لفاطمة بمرحٍ: هو في كده! نوعية الرجالة دي انقرضت من أيام الحرب العالمية.
ضحكت فاطمة وشاركتها شمس التي نهضت تنحني طابعة قبلة على خد أخيها قائلة: على ده مفيش أحن من قلبه، اساليني أنا.

تنحنح بحرجٍ من فعلة شقيقته بمكانٍ عام هكذا، وردد بخشونة يفتقد إليها لتخفي خجله: شمس مش كنتي حابة تشتري فستان عشان عيد ميلاد صديقتك، المحل قدامنا أهو روحي اختاريلك واحد ولما تخلصي ابعتيلي رسالة أجيلك.
تلألأت حدقتيها بفرحةٍ، ونهضت تصفق بسعادة: هطول شوية بس ولا يهمني.

وتركتهم ورحلت قاصدة محل الملابس الفخم الموازي للمطعم، بينما خطفت زينب نظرة للمطعم من الداخل، فوجدته يمتلئ بالطاولات والزبائن وأكثر ما لفت انتباهها تجمهر عدد ضخم من الناس أمام ثلاجات ضخمة تقدم المثلجات، فنهضت تشير لفاطمة: ثواني وراجعة يا فطيمة.
سألتها باستغرابٍ وهي تجدها تجذب المال من حقيبتها: رايحة فين يا زينب؟
مالت برأسها للداخل وهي تجيبها: هجيب أيس كريم من ده وراجعة.

نهض على عن مقعده مغلقًا زر بذلته الآنيقة، قائلًا لها بابتسامة صغيرة: خليكِ مع فطيمة وأنا هجبلك أحسن أيس كريم في انجلترا كلها.
أمسكت بذراعه تستوقفه، وتقدمته قائلة: لا أنا اللي عايزة أجيب، عندي طلبات مخصصة.
ومالت إليه تعنفه بغيظٍ وصوتها يكاد أن يمد ذراعه عليه: إنت ليه مش بتستغل الفرص، شمس مش هنا ولا أنا حاول تكون ذكي وخبيث زي الشباب يا جوز أختي!

برق لبرهةٍ بدهشةٍ، وانتهى به الحال بوقوعه ضاحكًا، ليحرر صوته العميق بصعوبة لها: حاضر يا زينب، هستغلها حاضر.
منحته ابتسامة واسعة وغمزت له بمشاكستها: أيوه كده. ارجعلها بقى وأنا هغطس بين الزحام ده.
وعادت تسأله باهتمامٍ: أجبلك؟
هز رأسه نافيًا وهو يستعد لعودته للطاولة، فما أن احتل مقعده حتى سألته فاطمة بفضول: كانت بتقولك أيه؟
رفع رماديته إليها وهو يجاهد منع ضحكاته للخروج: أستغل الفرص إنك معايا لوحدينا!

منحته نظرة بلهاء وانهمرت ضاحكة فتابعها ببسمة اتسعت لمشاركتها الضحك، وقال بعدم تصديق: زينب مختلفة عنك كتير يا فطيمة، بحاول أستوعب إنكم أخوات بس مش جاية معايا.
حملت كوب العصير ترتشف بضعة قطرات ومن ثم قالت بخجل: إنت كمان مختلف جدًا عن عمران أخوك، يعني محدش يقدر يخمن أنكم أخوات خالص، يمكن الشبه بس اللي يساعد.

هز رأسه بتأكيدٍ لحديثها، وجذب الكوب خاصته يرتشفه على مهلٍ وعينيه لا تفارقها، إلى أن قالت بحزن: مراد مشى من غير ما أودعه. زعلت أوي بجد.
تسللت يده لتحتضن كفها المحاوط للكوب وإبهامه يتحرك على أصابعها برقة جعلت جسدها يقشعر جراء لمسته، فرفعت عسليتها إليه، تتساءل عن سبب ذاك الحنان المفاجئ منه، فابتسم وهو يخفض من صوته بشكلٍ مثيرٍ: ولو افترق عنك كل الاحباب أنا موجود جنبك، وجودي مش كافي ليكِ يا فطيمة؟

ابتلعت ريقها الجاف بتريثٍ، فسحبت كفها بخجلٍ وأفلتت بسمة خافتة لتلتهي بسؤالها: هو إنت كنت تعرف مراد قبل كده؟
لمساته لم تستقبلها الا بالخجل كأي فتاة يقتحمها مشاعر الحب العذري لأول مرة، لم تكن تتقزز أو ترتجف خوفًا من اقترابه أبدًا، وذاك كان يبعث السرور داخله بأنه يحظى بمكانة يعلم بأنه من الصعب الحصول عليها مع حالة مثل حالتها.

أجلى صوته الرخيم يجيبها: أعرفه من زمان، مراد ابنة خالة دكتورة يارا اللي كانت خطيبتي، وهي نفسها اللي كانت مسؤولة عن حالتك بمصر قبل ما أستلم حالتك، فاكراها يا فطيمة؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، ورددت بثبات مخادع تحاول دفن غيرتها الغريبة التي تهاجمها: ليه مكملتوش مع بعض؟
وتابعت وهي تقلب الشاليموه بالعصير كمحاولة للفرار من رماديته التي تحاصرها: يعني دكتورة يارا كانت جميلة وتتحب أيه اللي يخليكم تنفصلوا!

توسعت حدقتيه بشكلٍ ملحوظ وعقله يحاول استيعاب رؤية تلك الغيرة التي تهاجمها، ابتسم على وتخبطت كلماته، حتى بدى صمته غير مقبولًا لتلك التي تنتظر سماع اجابته، تنحنح وهو يستعيد كامل هدوئه، ليجيبها بتمهلٍ وحذر: أنا ودكتورة يارا كنا أصدقاء يا فطيمة، أنا عندي مستشفى هنا بانجلترا مكنتش قادر أديرها لوحدي، فيارا كانت بتساعدني فيها من أول ما فتحتها، العلاقة بينا ابتدت تتطور لحد ما بقينا فاهمين بعض أوي في الشغل، وواحدة واحدة بقينا نعرف عن بعض التفاصيل الشخصية.

واستطرد بعدما ارتشف من كوبه القليل: العلاقة موصلتش بينا للحب، مجرد اتنين متفاهمين وقارين دماغ بعض، ولما الوقت المناسب جاني للجواز لقيتها المناسبة ليا، اتخطبنا وبعدها نزلت انشغلت مع مراد في كذه حوار، وسافرت مصر عشان تعالج مرات أخوه اللي اسمه رحيم زيدان أعتقد، وهناك اتعرفت على واحد من عيلة زيدان إسمه مروان وحبوا بعض.

رفع على عينيه إليها يتمعن بعسليتها ليخبرها بما هو أتي على لسانه: مكنتش ملاك يا فاطمة، لما عرفت اتنرفزت جدًا ومكنتش عارف اللي أنا حاسس بيه ده أيه، يمكن حب يمكن تعلق، يمكن غضب إن خطيبتي اللي المفروض هتكون زوجتي بعد كام شهر واقعة في حب واحد غيري.
لعقت شفتيها بارتباك وصل بنبرتها المتسائلة: وبعدين؟

ابتسم وهو يجيبها: مفيش. بالبداية حصل بينا زعل كبير لدرجة إن كان في بيني وبين مروان خناقة كبيرة، كنا هنموت بعض حرفيًا، بس بعدها لما هديت واتوجهنا أنا ويارا وسمعتها، بدأت أتقبل كلامها، لانها كانت زيي مرتبكة ومتعرفش تفرق بين الحب والصداقة، هو نجح يميل قلبها ويخليها تتخلى عن كل شيء عشانه.

واستكمل وأصابعه تلهو بدبلته الفضية المحاطة لاصبعه: مراد قابلني واعتذرلي على سوء التفاهم اللي حصل وطلب مني مبعدش عن يارا وأكون صديقها الدائم زي ما اتعودت أكون، وفعلًا رجعت علاقتنا زي الأول ووقفت جنبها طول الفترة اللي كانت مشغولة فيها بتحضيرات جوازها كنت أنا بدير العيادة بتاعتها والحالات اللي هي متابعاها، وهناك شوفتك يا فطيمة، ومن أول ما عنيا لمحتك حسيت إن قلبي اتحرك من مكانه، كان عندي فضول كبير أعرف حكايتك وأيه اللي وصلك لكده، كنت فاكر أن ده كله حماس إني اعالجك بس الموضوع طلع أكبر من كده بكتير.

وتلك المرة قبض على يدها بقوةٍ تبث لها مشاعره الصادقة، المنفلتة بعينيه ولمسته وحديثه: وأنا جنبك بحس إني مكتمل، مببقاش عايز أي شيء غير إني أتأملك، سكون ملامحك وهدوئك كان بيخليني أحس بسلام نفسي، وظهورك في الوقت ده كأنه إشارة من ربنا إنك هتكونيلي الزوجة اللي عفيت نفسي طول السنين دي عشانها.

لما سلمت الشغل ليارا وسبت مصر طلبت منها ومن مراد بشكل شخصي إني أتابع حالتك، كنت خايف مراد يرفض وقتها كان ممكن اتخلى عن المستشفى وعن كل حاجة عشان أكون جنبك يا فطيمة، ولما سفرت انجلترا كنتي معايا في المستشفى بتاعتي لشهرين، وقتها محستش نفسي قادر أديرها لوحدي فرجعت لشغلي من تاني وإنتي بردو معايا، كنتي معايا بكل مكان أروحه كأنك بنتي اللي خايف أسيبها في أي مكان فتضيع مني، أنا أغلب وقتي كنت بقضيه جنبك على الكرسي، بحكيلك عن يومي ونفسي وذكرياتي، كان نفسي تفوقي عشان اصارحك بحبي وأطلبك للجواز، كنت ضعيف يا فطيمة بحاول أمنع عيني تبصلك ومش قادر أعملها!

خفق قلبها بقوةٍ جعلتها لا تدري لماذا شعرت بأنها تود هي أن تحتضنه بتلك اللحظة، وجدت أبسط الأشياء التي تعبر له عن حبها وامتنانها بمسكة يده التي تشدد على يدها، فرفعت يدها الاخرى تحاوط كفه الممسك بكفها، وهمست له على استحياءٍ: كنت حاسة بيك يا علي، اليوم اللي كنت بتفضل فيه جنبي مكنتش الكوابيس بتجيني، بمجرد ما بحس بيك جنبي كنت بطمن ومببقاش عايزة أي حاجة غير وجودك جنبي، على أنا آآ، حبيتك من أول ما ابتديت تكلمني كل يوم، اتعودت أسمعك وأحس بيك، لما كانت الممرضات بيطلبوا منك تخرج كان نفسي أصرخ وأقولك متسبنيش، كان عندي فضول أشوف شكلك وبسأل نفسي يا ترى زي ما أنا بتخيلك!

انهمرت دمعة من عينيه وأنفاسه تقترب منها، ود لو أن اعترافاتهم تلك كانت تجمعهم بالمنزل، ربما حينها كان ليضمها إليه بصدرٍ رحب، همس لها بصوتٍ أجش يتأثر بعاطفته: بحبك. وهعيش عمري كله علشانك إنتي، ولو في يوم ربنا من عليا وجمعنا روح واحدة مش هيكونلي امنيات تانية طول ما أنا عايش، بدعي في كل صلاتي إنك متشوفيش كوابيسك دي تاني لإنها بتقتلني وبتحسسني بعجزي، بتوجع لما بلجئ لحقن المهدئات وبتمنى أكون أنا المهدأ والمداوي لكل جروحك. أنا مش طماع جاهز ومستعد لكل تقلباتك ونوباتك، حتى لو بعدتي عني كفايا إن عيني بتضمك كل يوم، كفايا إني بتنفس من الهوا نفسه اللي بتنفسيه، أقسملك إني عاشق وعشقي مالوش دوى غير وجودك في حياتي يا فاطمة!

تدفقت دموعها وشهقاتها تعلو رويدًا رويدًا، فتلفتت حولها بارتباكٍ، ثم عادت تتمعن به هامسة ببسمة تخالف بكائها: ممكن تخدني في حضنك؟
رغم اندهاشه المفاجئ من طلبها الا أنها ترك مقعده واستل مقعد زينب المجاور لفاطمة، وجذبها إليه بكل قوته، يربت عليها بكل ما امتلكه من حبٍ وعشقٍ دفن لها هي!

بحثت بين الفساتين حتى وجدت فستانًا رقيقًا للغاية، تعمدت أن تنقي اللون الأسود الذي يعشقه آدهم، فالتقطته وإتجهت لتجربه، فولجت لأحد غرف ارتداء الملابس وما كادت باغلاق بابها حتى وجدت شخصًا غريبًا يقتحمها، وقبل أن تصرخ وجدته يكمم فمها ويسرع بالحديث اللاهث من فرط ركضها: اهدي يا شمس متخافيش أنا مش هأذيكي، أنا فؤاد واحد من فريق عمر الرشيدي.

هدأت تعابيرها المشدودة حينما تمعنت به، سبق لها التعرف عليه سابقًا وقص لها آدهم عنه، وما أن رآها هدأت بالفعل من أمامه حتى حرر يده ليسرع بالاعتذار: أنا آسف إني دخلتلك بالشكل ده بس صدقيني غصب عني، مفيش عندي أي حل تاني غير إني ألجئ ليكي يمكن تقدري تقنعي عمر باشا وتخليه يتراجع عن اللي في دماغه.
رددت بتيهةٍ: عمر باشا! آدهم؟

هز رأسه لها، وقال باستفاضةٍ: الاوامر جاتلنا بالانسحاب من المهمة، بس الباشا رافض وطلب مني أنا وباقي الفريق بالانسحاب ومصمم يكمل المهمة لوحده، الانتقام اللي جواه مش مخليه يسمع لحد، عايز يوصل للملف لوحده بيعرض نفسه للخطر ورفض إننا حتى نشاركه، أرجوكي يا شمس اتكلمي معاه يمكن تقنعيه، بلاش يضيع نفسه راكان كده كده هيتقبض عليه واللي وراه أكيد حد من الجهاز هيكمل بدالنا وهنجيبهم.

جحظت عينيها صدمة لما تتلاقاه الآن من صدماتٍ قاتلة، يريد منهم الانسحاب ليحارب بمفرده! تبًا لذاك الرجل الذي سيجعلها تجن بكل تأكيد!
ازدردت ريقها واستعادت ثبات انفعالاتها قائلة: روح إنت وأنا أوعدك هحاول معاه.

غادر فؤاد على الفور وتبقت هي بالداخل تفكر بما ينتابها بتلك اللحظة، إن حصل آدهم على الملف سيكون بأمان، سينسحب برفقة فريفه دون أن يعلم أحد بالأمر، ربما تتمكن هي من الحصول عليه دون أن تعرضه لخطرٍ هكذا!
تركت الفستان من يدها وخرجت تركض من الباب الخلفي للمحل حتى لا يراها علي، استقلت سيارة أجرة ووجهت السائق بالتحرك لقصر راكان، لا تعلم أي قوة تدفعها هذا وهي أضعف من عصفورًا هزيلًا.

اكتفت بإرسال رسالة مختصرة لأخيها تعمدت كتابتها حتى لا يفضحها سماع صوتها فيلمس على كذبها.
«علي أنا في مشوار مع صديقة ليا قابلتها بالاتليه، إرجع إنت البيت وأنا مش هتأخر. ».

وأخيرًا بعد نصف ساعة تمكنت أخيرًا من الحصول على طلبها، مثلجات لذيذة بطعم ال?انيلا مثلما أرادت، تفادت زينب الصف المتكدس وكانت بطريقها للخارج، فاندفع إليها ذاك الحائط السد الذي خرج من العدم ليدمس المثلجات على كتف فستانها دون قصدًا منه.

شهقت بصدمة واعترتها عاصفة قاتلة، لم ينتزع فستانها الجديد فحسب بل المثلجات التي حصلت عليها بعد طابور من الكتل البشرية لتحصل أخيرًت على مرادها، رفعت عينيها النافذة لذاك الشاب الضخم المقابل لها، فصرخت بكل عصبية: أيها الأبله ألا ترى أمامك! نزعت فستاني الرقيق ومُثلجاتي، ماذا تظن نفسك فاعلًا!

انزوت حاجبيه بتكشيرة عظيمة، وصاح باحتقان يلتمع بصوته الرجولي: ما بكِ يا امرأة وكأنني ألقيت عليكي نيزك ناري من السماء! الأمر لا يستدعي كل تلك العصبية.
وحمل المحارم ودفعها بوجهها قائلًا: خذي هذا وأزيحي المثلجات وانتهى الأمر!
كزت على أسنانها بغضبٍ قاتل واندفعت تهاجمه بلسانها السليط: إنت حقيرًا يا هذا، ألا تجد طريقة لطيفة للاعتذار، أراك فجًا سليط القلب وأعمى البصيرة.

كاد بأن يخرج ما كبت داخله من غضبٍ مستعار يقابله بهذا اليوم بالتحديد، فأتاه صديقه يهرول مناديًا: أيوب اهدى مش كده!
ردد له من بين اصطكاك أسنانه: مانتش شايف بتكلمني كدليه، لو قتلتها قتيل مش هتكلمني كده!
تعجبت من حديثه العربي ولصدمتها بأنه عربيًا!، الا يجيد الاعتذار، الا يرى حجابها وملامحها الشرقية الذي تؤكد عروبتها، لماذا ذاك المغرور مندفعًا هكذا!

أفاقت زينب على صوت صديقه الذي ردد ببسمة بشوشة: عذرًا منكِ آنستي، أعتذر منكِ نيابة عن أيوب صديقي، هو شخصًا نبيلًا ولكنه اليوم مزاجه سييء للغاية، أعتذر مجددًا.
كان لابقًا بحديثه واعتذاره الذي رضى كبريائها كأنثى، ولكنها عاندت مرددة بالعربية: اعتذاره مش مقبول، أنا وقفت ساعتين علشان أخد دوري، وهقبل منه العوض. حالًا يقف بالصف ويجبلي آيس كريم بال?انيلا بدل اللي وقع ده.

برق بفيروزته بحدةٍ لحقت لسانه: بما إنك بتفهمي عربي، فهقولهالك بكل اللغات، مبسمحش لنفسي أختلط بالحريم عشان أعوض جنابك على الآيس كريم المعجون بمية الدهب اللي هنتحري وراه!
أشارت لصديقه بغيظٍ: شوفت وقاحته!
ابتسم ذاك الوسيم وبرر لها بلطافته: متزعليش أنا هجبلك الآيس كريم لحد عندك.
جذبه أيوب بضيق: تجيب أيه؟
منحه نظرة صارمة، ولقن أوامره: روح إنت يا أيوب استناني على التربيزة وأنا دقايق وراجعلك.

منحها نظرة مغتاظة وانسحب للطاولة دون أن يضيف كلمة واحدة، فجلست زينب تنتظر ذاك الغريب بجلب لها مثلجاتها التي لم تحظى حتى بتذوق طعمها، وبعد دقائق عاد يقدم لها ما بيده قائلًا بابتسامته الجذابة: اتفضلي يا أنسة، آيس كريم بال?انيلا زي ما طلبتي.
منحته ابتسامة رقيقة، وشكرته بامتنان: شكرًا ليك بجد إنت ذوق أوي عكس صاحبك الدبش ده شكله مش بيفهم في الذوق أصلًا.

تعالت ضحكاته الرجولية، فهندم قميصه المفتوح وأسفله تيشرته الابيض المرسوم بحرافية، قائلًا: أيوب لا إنتي ظلماه هو بس حاصل معاه موقف مخليه مش طايق نفسه، وعمومًا بتمنى إنك تقبلي اعتذاري.
كادت بأن تجيبه ولكن قطعها صوت هذا المغرور من وجهة نظرها: ما تنجز يا سيف، هتقف معاها طول اليوم ولا أيه!

قدم لها سيف المثلجات فقالت بنفور وهي تتطلع على من يعتلي الطاولة ويرمقها بغضب: مش قولتلك إنه قليل الذوق، اسمع نصيحتي وفكك منه، شكلك إنسان محترم وابن ناس وصحبة السوء هتعديك صدقني.

انفجر ضاحكًا على حديثها، وبصعوبة حرر صوته من بين ضحكاته الرجولية: إنتي ظالماه، أيوب شاب محترم ومتدين جدًا، والده شيخ أزهري ووالدته ست محترمة، هو بس زي ما قولتلك هو حاصل معاه شيء مخليه على وشك إنه يقتلني أنا شخصيًا، وعمومًا فرصة سعيدة يا آنسة.

ودعها بابتسامة صغيرة وعينيه تنخفض عنها أرضًا، وفور ابتعاده رددت بهيامٍ وعينيها تتابعه دون إرادة منها: سيف! اسمه حلو، وعنده عضلات وفوق كل ده ذوق بكلامه وشيك جدًا!
وتنحنحت بخفوت: يالهوي فطيمة هتولع فيا لو سمعتني بعاكس الواد! هتقول أيه عليا انحرفت من بعدها!
وأسرعت بالخروج مرددة بضيق: استغفر الله الواد فتنة متنقلة، لطفك بيا يا رررب.

سحب سيف المقعد المقابل لأيوب الذي يمنحه نظرة تكاد تفتك به، فاحتبسه داخله وصاح بسخط: عجبتك الواقفة معاها ولا أيه يا محترم!
ضحك وهو لا يصدق بأنه ينجرف للمزح بحالته تلك، وقال ساخرًا: دي جزاءة اللي يلم وراك يعني.
واستطرد بمرحٍ: آه لو يوسف لمحني واقف معاه كان زمانه جاب المأذون واتنين شهود وخلاني أكتب عليها وقتي، حاسس إنه عايز يتخلص مني بأي شكل.

هدأت معالمه المتعصبة، ومنحه ابتسامة وهو يقول: يوسف ده شخص عظيم، بيحبك وبيخاف عليك خصوصًا إننا عايشين هنا وسط الرزيلة يا سيف، أنا والدي مش مبطل يكلمني ونفسه أخلص السنة الاخيرة دي بفارغ الصبر وأرجع مصر.
ابتسم له بلطفٍ وقال: هانت وتخلص الهندسة وتبقى أعظم مهندس بمصر كلها.

تلاشت بسمة أيوب بشكلٍ مقبض مما دفع الأخر بتساءل بشكٍ: مالك يا أيوب، إنت من وقت ما خرجنا وإنت مش طبيعي. هو الولد العبراني اللي اسمه آران ده أهله لسه بيلاحقوك بردو.
أجابه بتشدد بدى بانقباض ملامحه: الله يرحمه. إسمه محمد يا سيف أسلم قبل ما يموت ربنا يحسن مثواه.
غيمت حدقتيه التي تحاول استكشاف الغموض خلف أيوب، فقالها مباشرة: أخته لسه بتطاردك؟!

زم شفتيه وسحب نفسًا طويلًا، يخفي ارتباكه، بينما صاح الاخير بخوف: مخبي أيه عليا يا أيوب!
تنهد بيأس وأفاض له: مش قادرة تستوعب إن عمها هو اللي قتله عشان أسلم، مفكراني أجبرته يدخل الاسلام، بتطاردني بكل مكان وعايزة تقتلني هي وعمها، والمصيبة بقى إن محمد قبل ما يموت وصاني عليها وقالي آديرا أمانة في رقبتك!
(قريبًا نو?يلا خاصة بأيوب سبق الاعلان عنها بإسم #آديرا. #حبيبتي العبرية. ).

طال صمت سيف وهو يحاول استكشاف ما يحدث مع رفيقه المتدين، فصاح به: أيوب أوعى يكون اللي في دماغي صح!
طرق على الطاولة بنفاذ صبر: سيف أنا مش ناقص، أنا من الصبح عمال يجيني رسايل تهديد من عمه ده، وقبل ما أجيلك بنص ساعة البنت دي هاجمتني بسلاح أبيض وأنا عاجز حتى أدافع عن نفسي مش لأن أخوها أمني عليها عشان دي بالنهاية بنت!
كبت ضحكته بصعوبة وهو يطلق سؤاله: طب هربت منها ازاي!

زوى فمه بتهكمٍ وهو يشير للجانب الاخر: متزفتش أهي واقفة بره تراقبني ومستنية فرصة تانية تهاجمني، أنا بقيت متعود أتهاجم منها أربع مرات في اليوم، مبقتش عارف انزل الجامعة ولا انزل الشغل، وقفتها امبارح وقولتلها تقتلني وتخلص خليها ترتاح وتريحني.
سقط بنوبة من الضحك، وساوره بسؤاله القادم: طيب لسه واقف قدامي ازاي، الطبيعي انها هجمتك بالفعل.

نفى بسخط: ايدها رعشت قدامي ومقدرتش تقتلني، فاديتها فرصة للنهاردة وقولتلها هنزل الجامعة الساعة 12 لقيتها مستياني وبردو فشلت، وحاليًا بتشرب قهوة بره تروق اعصابها عشان تقتلني بمزاج!
سقط عن مقعده ونهض يلتفت حوله بصدمة: هنا فين! انت بتهزر يا أيوب.
مرر يديه بشعره البني يعيد ترتيبه وهو يجيبه بارهاق: يا ريته كان هزار، أنا بعاني بره ودخلت جوه أقابل المجنونة دي كمان أصل أنا ناقص!

وتابع ببعض الهدوء: أنا فعلًا كنت سخيف معاها بس هعمل أيه، أنا واحد قايم نايم بتهدد بالموت ودي جاية تقولي آيس كريم!
نهض سيف يجذب مفاتيحه وهاتفه، وجذب يده قائلًا بقلق: قوم معايا إنت مستحيل ترجع شقتك، إنت هتقعد معايا كام يوم.

سحب يده منه قائلًا بجدية: مش هقبل أعرض حياتك للخطر يا سيف، دي مشاكلي وأنا قادر أحلها، وبعدين الاعمار بيد الله عز وجل لو كاتبلي أموت في أرضي هموت، ولو كاتبلي أموت حالًا وأنا بكلمك هموت
وتابع بحزن: أنا معملتش شيء أندم عليه محمد كان عايز اللي ياخد يده للطريق وأنا ربنا اختصني وكنت النور ليه.

وقال وهو يجاهد ألم فراقه: أنا لحد النهاردة حزين على الطريق البشعة اللي اتقتل بيها، واللي وجعني إنه وصاني على أخته وأنا عاجز ومش قادر حتى أتعامل معاها مهما كان دي يهودية يا سيف.
وردد هامسًا: بتمنى السنة الاخيرة ليا تنتهي على خير لإني خلاص تعبت!
صمم سيف عليه: طب قوم معايا هنروح نرتاح شوية وروح بليل.

كاد بالاعتراض ولكنه أمسك يده وأرغمه على تتبعه فما ان خرج من الباب الخلفي للمطعم حتى سمع صوت خطوات تركض تجاههما برشاقة وصوتًا انوثي رقيق ينادي: أنت! يا هذا!
وقف أيوب بمللٍ، واستدار لصاحبة الصوت الذي يعرفها جيدًا، فقال بغضب: ماذا بعد؟!

منحته نظرة شرسة من عينيها الخضراء وأشارت له بالاقتراب، فاستأذن من سيف الذي كاد بأن يصيب بذبحة صدرية لما يحدث أمامه، واتجه إليها فوجدها تصيح به: ألم يكن هناك اتفاقًا مسبقًا بيننا؟
مرر يده على طول أنفه، وقال بنزقٍ: أتذكر ذلك ولكن الأهم هل إنتي على استعداد لتقومي بها؟

عبثت بحدقتيها ببعض الخوف، وفتحت حقيبة يدها لتريه ما بحوزتها قائلة: انظر اشتريت سلاحًا ناريًا أفضل من السكين، لا أعلم لما أرتجف فور حمله، ربما لا أجد ذلك مع السلاح، ما رأيك؟
أسبل بعينيه لوهلةٍ، وصاح ساخطًا: مهلًا هل تأخذين رأيي بطريقة قتل تناسبني! هل تمازحيني آديرا!
وهمس بتعبٍ: أغثني يا الله، أقسم بأنني فقدت صبر أيوب الذي تحللت به منذ الصغر أمام تلك الفتاة المعتوهة، أقتلها أم ماذا!

وتابع وهو يفترسها بنظرة خاطفة: من المؤكد بأن دمها حلال فعلى كل حل هي من اليه، ود الجرذان ولكن ماذا بالوعد الذي قطعته لأخيها!
صرخت بوجهه: أتحدث نفسك أنت، ابقى بعقلك فمازالت أفكر كيف أنتقم منك، أتعلم السلاح لن يجدي نفعًا، اتركني هنا لبعض الوقت لأفكر بما يناسبك فأنت بالنهاية قاتل أخي!
زفر بتهكمٍ وقال لها: ما رأيك أصعد فوق تلك العمارة وتدفعنيني وربما حينما أنا مش سيحصل على الخلاص؟

رفعت خضرة عينيها للاعلى تتفحص المسافة ومن ثم رددت بضيق: المسافة عالية للغاية ستموت أيها الغبي!
مرر يده على وجهه مجددًا هاتفًا: رحمتك بي يا الله.
عادت تتساءل من جديد: هل تذهب لما يسمى المسجد؟
هز رأسه بتأكيدٍ، فقالت: حسنًا سأتي لاقتلك وأنت ساجد حينها سأشعر بالارتياح، ما رأيك!

التقط نفسًا مطولًا، وجذب حقيبة الظهر التي يحملها، فجذب احد الدفاتر ودون لها شيئًا ثم قدمها لها قائلًا بضيق: إليكِ هذا رقمي، سأذهب برفقة صديقي وإن وجدتي طريقتك المناسبة لقتلي هاتفيني، إلى اللقاء آديرا.
وتركها تحمل الورقة وغادر مع سيف الذي كاد عقله بالبزخ ليلطم وجهه ليستوعب ما يحدث، فصاح إليه: أنت أيه جننك بالشكل ده إنت كنت عاقل يا أيوب!

لحق به ودث يديه بجيب جاكيته الرياضي قائلًا بتسلية: حبيت اللعبة وحاسس إن الرؤيا اللي بشوفها كل يوم هتتحقق، وتوبتها هتكون على إيدي أنا كمان.
جحظت عينيه صدمة، فصرخ به: إنت عايز عيلتها تولع فيك حي، مكفاش التهديدات اللي بتجيلك.
منحه بسمة ساخرة قبل أن يردد: اللي معاه ربنا قلبه ميت!
بقصر راكان.

ولجت للداخل تبحث عنه فأخبرها الخادم بأنه بالداخل برفقة أحد الرجال، فذهب ليصنع لها كوبًا من العصير بناء على تعليمات راكان، فتسللت شمس لتلقى سمعها لغرفة مكتبه فوجدت الرجل الذي بالداخل يقول: الشرطي الذي يبطل التهريبات والعمليات يدعى عمر الرشيدي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة