رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس والخمسون
اندهشت آديرا من وجود آيوب، والأخر صدمته تفوقها، فكرر سؤاله مرة أخرى بعصبيةٍ: ما الذي أتى بكِ إلى هنا دون إذنًا مني؟!
فهم الشيخ مهران حديثه، فمازال يري السماعة، اقترب إليهما وقال: جيت هنا عشان تقولي الحقيقة يا آيوب، جت تعرفني غلطي يابني.
واستطرد وهو يتطلع لها بابتسامةٍ حنونة: إرجع لم هدومك وهدومها وتعالى، ده بيتها ومش هتخرج منه أبدًا، وزي ما هي أتعشمت فيا فأنا عمري ما هخذلها أبدًا.
ابتسم آيوب وهو يوزع نظراته بينهما ببلاهةٍ، لأول مرة تفعل شيئًا يستحق أن يفخر بها، لا يصدق بأنها خاطرت بالنزول بمكانٍ تجاهله، وأتت لأبيه وهي تكاد تموت من فرط خوفها منه، فعلت كل ذلك لأجله!
أفاق على هزة يد والده، يخبره: يلا يا آيوب روح هات حاجتك وحاجتها وتعالى، هي هتقعد هنا مع خديجة وإنت اطلع فوق مع يونس لحد ما نشوف ربنا مقدرلهم أيه يابني.
هز رأسه في طاعةٍ، وغادر يحزم أمتعتها والحقيبة الصغيرة التي تخصه، وحينما عاد وجد والدته وخديجة قد عادوا، فمنحها الحقيبة وصعد ليونس على الفور.
جاب جناحه ذهابًا وإيابًا، وعينيه متعلقة بها، وكلما همست بإسم أخيه اشتعل غضبه، يحاول بشتي الطرق أن يهدأ من روعه، فليس أخيه بالشخص الذي يخون.
الوحيد الذي يثق به ثقة عمياء، ومن المحال أن يحطمها، ولكن اصراره على إخفاء أمرها عنه زاد من لوعته.
جابه ذكرى يوم غداء العمل، هل من الممكن أن يكون هذا اللعين الايطالي اعتدى عليها انتقامًا من عُمران لما فعله بحقه، وخاصة بعدما أصبح عمه أحمد الغرباوي بدلًا عنه.
يكاد أن يصيبه الجنون، أخيه الأحمق يظن أن مثل تلك الأمور سرًا لا يرغب البوح به، يترك النيران تلتهم جسده وبيده هو اطفائها ولكنه يخشى أن يُنكث وعده.
تعالى صوت شهقات فاطمة، ودموعها تنسدل على وجهها، رأسها يتحرك يسارًا ويمينًا رافضة رؤية ما ترآه الآن.
تمزق قلب على لعلمه بما تراه الآن بالتحديد، نزع جاكيته وإتجه إليها يتمدد جوارها، أزاح عنها الحجاب وجذبها إليه يحتضنها.
مرر يده على خصلاتها ومال على رقبتها يهمس بصوتٍ اختنقت فيه دموعه: أنا جنبك يا حبيبتي، متخافيش يا فاطمة مفيش مخلوق يقدر يلمس شعرة واحدة منك وأنا هنا.
ارتحت تعابيرها المشدودة بصورةٍ ملحوظة، صوته الدافئ تسلل لها في ظلمتها، فاستكانت على صدره لدقائقٍ، وعادت تهمس: علي!
قرب رأسها إليه، يطبع قبلاته على جبينها بحزنٍ اتبع صوته العميق: روح قلبه إنتي يا فطيمة!
انسحب للأسفل ليمنحها نومة مريحة، فهالها أمانه وحبه، شعرت بجيوش مشاعره وعشقه تدافع عنها بسيوفٍ قلبت ساحة المعركة لصفها، فباتت آمنة مطمئنة، حتى وهي تعلم بداخلها بأنها تتوهم وجوده، عقلها يعلم بأنه بمصر وقلبها يتمسك بهالته حتى وإن كانت وهم، رائحته الطيبة وضمته الرقيقة لها تعرفها حتى ولو افترقت عنه دهرًا كاملًا.
أبادت عقلها بقوةٍ وهي تصفعه هاتفة «إنه هو، حبيبي علي! هو الوحيد القادر على منحي تلك المشاعر، هو فحسب! ».
انتهى من حمامه عساه يمنحه القليل من النشاط الذي فقده، جسده بالرغم من ضخامة بنيته العضلية الا أنه بدى كالهزيل الواشك على فقدان الوعي بين لحظةٍ وأخرى.
ارتدى أول ملابس قابلته بآليةٍ تامة، وعلى غير عادته، ثم سحب مفاتيح سيارته وإتجه للمغادرة.
وقف قبالة الدرج يخطف نظرة حزينة لجناح أخيه، إتجه عُمران إليه مترددًا بطرق بابه، أطبق كفه المفرود ومال عليه يردد بقهرٍ شق دمعة خائنة على خده: أنا بريء من الاتهام البشع اللي مالي عنيك يا علي!
تغلب على رغبته بطرق بابه وهبط للأسفل، مستقلًا سيارته.
بينما بغرفة علي.
سحب هاتفه وحاول الاتصال بعمران فور سماع صوت سيارته، فتفاجئ به مغلقًا، لذا أرسل له رسائل مكتوبة على حسابه.
«عُمران خليك صريح معايا وقولي الكلب اللي انت اتخنقت معاه قبل كده حاول يتعدى على فاطمة، أرجوك صارحني عقلي هيقف من التفكير! ».
رسالة أخرى
«عُمران الموقف ميتحملش سكوتك، قولي اللي حصل وأنت عارف إني عاقل وقادر أوزن الأمور، بس من فضلك متسبنيش لأفكاري، أنا مجرد ما بفكر إن حد مسها بحس إني قلبي بيقف، أرجوك ريحني وأنا مش هقولها إني عرفت حاجه. ».
زفر على بضيقٍ حينما لم تصل رسائله لعُمران، فترك هاتفه وعاد يمسد على ظهر زوجته، فغفى رغمًا عنه من فرط الاجهاد والسفر لساعاتٍ طويلة.
وصلت سيارة عُمران للمركز الطبي الخاص بأخيه، صفها وصعد مسرعًا للطابق الرابع حيث غرفة زوجته، أسرع لباب الغرفة اقتحمه وأنفاسه تعلو من فرط مجهوده المبذول، فانتبه إليه عمه ووالدته وزينب التي أصرت بالقدوم معهم.
انتهى يوسف من غرز المحقن بزجاجة المحلول المندس بعروقها، واستدار يقابل صديقه بنظرة حزينة، ذلك الذي قضى الليلة راكضًا ما بين زوجته وزوجة أخيه!
تحرر صوت عُمران المحتبس بحنجرته طويلًا وقال: مالها مايا يا يوسف طمني؟
إتجه إليه حيث محل وقوفه، وقال بصوتٍ منخفض يلفت الانتباه لعمران بأنها نائمة بعمق: متقلقش هي كويسة والبيبي كمان زي الفل، كل الحكاية إن الأنيميا واطية شوية ودي اللي تعباها من أول الحمل.
وتابع بعمليةٍ: هنحاول مع الأدوية وبعض الأكلات إننا نظبط نسبتها، أنا اديتها محلول دلوقتي ولما يخلص هعلق ليها التاني وعلى الصبح بإذن الله هتبقى كويسة.
استرخى جسده المتشنج، وقال وعينيه لا تفارق وجهها الشاحب: معلش يا يوسف تعبتك معايا النهارده.
ربت على كتفه بحنانٍ وقال بخشونة: عيب الكلام ده يا عُمران، البشمهندسة مايا تعتبر مرات أخويا ولا إنت شايف غير كده؟
رسم بسمة صغيرة ممتنة له، فاستقبلها يوسف بابتسامة تخفى ألمه وتأثره بحالة عُمران الغامضة له.
وقبل أن يخرج من باب الغرفة قال لفريدة وأحمد: عن إذنكم أنا تحت في مكتبي لو حصل حاجة كلموني.
نهض إليه أحمد يقدم له الشكر على عرفانه، فهو أول شخصًا أتى لخاطرهما فور سماعهما صراخ مايا وبكائها، أخبره يوسف بأنه لم يفعل شيء، هذا واجبه وقد أتمه على أكمل وجه، واستأذن للمغادرة على الفور.
جلس عُمران على طرف الفراش جوارها، نظراته الحزينة تحيطها، وسرعان ما استعاد ثبات وصلابة فور تذكره بأنه الآن ليس بمفرده، سيسعى ألا يصل سوء التفاهم هذا لعائلته وبالأخص والدته، إن وصل إليها بأن أخيه يشك بأنه قام بالاعتداء على زوجته ستكون ضربة قاتلة لتلك السيدة الفاتنة التي أفنت شبابها في سبيل ترتبيتهما.
تطلع تجاههم وتساءل باهتمامٍ: أيه اللي حصل؟
اعتدلت فريدة بجلوسها وأثار النوم تداعب عينيها الزرقاء: معرفش والله يا حبيبي، انا كنت نايمة أنا وأحمد وفوقنا على خبط زينب، قالتلنا إنها سامعة مايا بتعيط جامد وخايفة تدخل الجناح تكون إنت جوه، فدخلت عليها لقيتها بتصرخ وبتعيط جامد، فأحمد اتصل بيوسف وقالنا نجي المركز وهو حصلنا على طول.
هز رأسه بتفهمٍ، ورسم ابتسامة جذابة وهو يردد بامتنانٍ: دكتورة زينب مش عارف أشكرك إزاي إنك آ...
قاطعته برقةٍ، رافضة مبالغته بالأمر: أنا معملتش حاجة مايا زي فاطمة الاتنين واحد عندي، ربنا يشفيها ويقومها هي والبيبي بخير يا رب.
رد عليها ومازالت ابتسامته مرسومة: تسلمي. بس من اللحظة اللي هيشرفنا فيها البيبي هنقرفك إنتِ ودكتور سبفو معانا.
علي ذكر إسمه ارتبكت وتلون وجهها بحمرتها، فتابع عُمران بخبث: على رجع من شوية، يعني خلاص كلها يوم ولا اتنين ويجي يطلبك بشكل رسمي.
خفق قلبها بعنفٍ، وكأنه سيقفز من صدرها يتراقص على نغمات عشقه الذي وُلد داخلها، تمنت أن ينتهى الحوار بينهما فلم تجد أي كلمة مناسبة تجيبه بها.
شعر بها أحمد فقال بحزمٍ مازح: خلاص بقى يا وقح متكسفش الدكتورة! وبعدين احنا اتصلنا بيك عشان تكون جنب مراتك وتهون معاها، وإنت من ساعة ما جيت وإنت مركز معانا احنا.
مازحه بغمزةٍ وقحة: مهو أنا مش هعرف أركز معاها طول ما أنتم هنا يا عمي، فأنا بقول تأخد فريدة هانم والدكتورة زينب وترجعوا القصر تريحوا، أنا هنا وهأخد بالي من مايا متقلقوش.
حدجه أحمد بنظرة غاضبة، وأشار بقلة حيلة: عمرك ما هتتغير، هتفضل طاووس وقح لحد ما تشيب وتبقى جد!
عدل من ياقة قميصه بغرورٍ: مين ده اللي هيشيب ويبقى جد، ده في أحلامك يا أحمد يا غرباوي! ولو كترت في الكلام مش هترجع بيها على القصر هنطلع كلنا بربطة المعلم على محكمة الأسرة، ها أيه رأيك؟!
أمسكت فريدة كف زوجها وقالت بإرهاقٍ: مش هتقدر على لسانه يا أحمد، خلينا نرجع لاني تعبت فعلًا من القعدة.
أمسك بها ويده تلتف حول خصرها بلهفةٍ: حاضر يا حبيبتي، يلا بينا.
تفاجئ أحمد بيد رجولية تزيح يده عن خصرها، وفجأة وجدها محمولة بين ذراعي عُمران الذي منحه نظرة شرسة: كل حي أولى بلحم بيته يا عمي!
اندهش أحمد مما يفعله، بينما رددت فريدة بعصبية: نزلني يا عُمران! أيه اللي إنت مهببه ده هتوقعني!
ولج بها المصعد وتركها تقف داخله وقال بضحكة هادئة: متقلقيش يا فريدة هانم وزنك الرشيق ميتعداش 60كيلو، بشيل أوزان أكتر منهم!
وغادر سريعًا من أمامها قبل أن يصيبه نوبة عصبيتها، بينما منحه أحمد نظرة غاضبة قبل أن يدلف للمصعد إليها برفقة زينب.
ما أن تأكد من مغاردتهم حتى نزع عنه ملامحه الزائفة، فأطل الحزن من عينيه بعمقٍ، ولج عُمران لغرفة زوجته مهمومًا، يتحرك ببطءٍ شديد، حتى وصل للمقعد المجاور لفراشها.
انحنى لذراعها المتصل بالمحلول الطبي، وفرق قبلاته على كفها برقةٍ.
ظل لجوارها ساعة كاملة يتأملها بحبٍ، وقلبًا متألمًا لما أصابها بسبب حملها، نهض عمران عن المقعد يزيح جاكيته، وجرفاته باختناقٍ شديد، نظرات على تصيبه بأسهمٍ تسحب كل وجعٍ دفنه داخله.
حرر أزرار قميصه الأسود، وفتح شرفة الغرفة، يستقبل صدره العاري الهواء البارد بكل ترحابٍ، رماديته تنغلق بقوةٍ وتجاهد لتحرر تلك الدمعة المتأججة داخلها، ليجوب إليه ذكرى هذا اليوم العجيب!
##.
لم يكن يومًا مهملًا بعمله ليأتيه تلك الشكوة من إحدى البنايات المكلف بها إحدى شركاته، جن جنونه واستحضر عفاريته بعصبية تكاد تفجر رأسه من فرطها، صائحًا بعدائيةٍ شديدة: ده اسمه استهبال يا بشمهندس! إنت عارف أنا بقالي كام سنة على الكرسي ده؟ مجاليش شكوة واحدة ودلوقتي عايز أفهم الشكوى دي سببها فريقك ولا إنت اللي فشلت توجهه لطلبات العميل!
رفع المهندس رأسه هاتفًا بحرجٍ: يا مستر عُمران أنا آآ...
قاطعه بصرامةٍ مخيفة: إنت أيه؟! محروج تعترف بفشلك في أول مهمة أسلمهالك كقائد مسؤول! للأسف يا طارق إنت خذلت ثقتي فيك.
وتابع وهو يغلق حاسوبه بعنفٍ: اتفضل يا بشمهندس جمعلي فريقك كله في صالة الاجتماعات، علشان نشوف هنحل الغلطة دي ازاي، وبعد كده هيبقلنا كلام تاني.
تحرك للخارج بضيق لما تسبب هو بفعله، بينما نهض عُمران يهمس بإرهاقٍ شديد وهو يتفحص الساعة التي عانقت الحادية عشر مساءًا: المصايب كلها جاية في يوم واحد، اللهم لا اعتراض.
جذب جاكيت بذلته عن المشجب العريض، المجاور للباب الرئيسي لمكتبه، ثم اتجه للباب الجانبي الفاصل بينه مكتبه ومكتب زوجته والذي أصبح يخص زوجة أخيه من بعدها.
طرق عُمران على الباب طرقتين متتاليتين، لتنتبه له فاطمة، وما أن نهضت عن مكتبها حتى ولج يشير: سيبي الملف ده يا فاطمة وتعالي يلا أوصلك بسرعة عشان ألحق أرجع تاني.
جذبت حقيبتها ترتديها وما أن استمعت لباقي جملته حتى تساءلت باستغرابٍ: هترجع تاني ليه؟!
رد عليها وهو يتنهد بضيقٍ شديد: عندي اجتماع مهم، البشمهندس اللي لسه متعين من كام شهر بعته ينفذ عمارة تبع ناس تقال بيتعاملوا معايا باستمرار، اندهشت لما كلموني من شوية يشتكوا من التنفيذ، هشوف البهوات عملوا أيه وهحاول أحل الدنيا.
نزعت عنها الحقيبة وأعادت لسطح المكتب، مقترحة عليه: خلاص روح إنت اجتماعك وأنا هستناك هنا على الأقل أكون خلصت حسابات ملف المشروع اللي شغالة عليه.
رفع ساعة يديه يتطلع إليها مرة أخرى، ثم قال: بس يا فاطيما أنا ممكن اتأخر في الاجتماع والساعة دلوقتي 11، خليني أروحك وأرجع أحسن.
عادت لمقعدها مبتسمة: يعني هروح أعمل أيه! خليني هنا أحسن لحد ما تخلص اجتماعك بدل ما تروح وترجع كده هتتأخر.
ابتسم لها وقال باحترامٍ لشخصيتها الذي باتت تروق له: بيقولوا الأخت الحنينة رزق، وأنا ربنا رزقتي بشمس المصلحجية، أي مصلحة أو فلوس تلاقيها بني آدمة رقيقة وكيوت أوي، وسبحان الله عمري ما شوفتها غير كده، لكن الحنية والطيبة دي موردتش عليا قبل كده.
اتسعت ابتسامتها وقالت: الطيبون للطيبات يا بشمهندس، وعلى طيب جدًا ولا أيه؟!
ضحك بصوته الرجولي وقال بمرحٍ: طيب ومحظوظ، الاتنين مع بعض وشكلي هنق عليه.
فتحت حاسوبها وملفها من جديدٍ بعدما ظنته يستدعيها للرحيل فأغلقتهما: طيب أجل النق لبعدين وإلحق اجتماعك.
زفر بضيقٍ ملحوظ، وهتف: لازم تفكريني، يلا هنزل أنا لمبنى الاجتماعات ولما هخلص هرن على تليفون مكتبي أبلغك تنزلي.
هزت رأسها في طاعة وقالت: تمام، ربنا معاك.
راقت له دعوتها، فاستدار برأسه لها وقال: دعواتك لإني حاسس إني هنزل أطلق كلابي الصعرانه عليهم ووقتها هيموتوا من الصدمة لإنهم متوقعين إن اللي نازلهم هو مستر عُمران الشيك الجنتل مان، وأنا في لحظة غضب مش هقدر أسيطر على عُمران البلطجي اللي قاعد جوه بيتلكك لخلق الله، ففعلًا فعلًا محتاج لدعواتك!
اتسعت ضحكاتها بعدم تصديق لما يتفوه به، وقالت من بين سيلها المنطلق: هدعيلك حاضر.
ودعها وهبط متجهًا لمبنى الاجتماعات المجاور للمبنى الرئيسي، حيث كان يجتمع بالفريق بأكمله.
ظل عُمران برفقتهم لساعتين متتاليتين، حتى تمكن أخيرًا من حل المشكلة.
انتهى الاجتماع أخيرًا، وخرج عُمران لسيارته منهكًا يجر ساقيه بتعبٍ شديد، رفع هاتفه واتصل بهاتف مكتبه، وحينما أجابته فاطمة قال: فاطيما أنا تحت انزلي يلا.
وفور أن أغلق معها، هاتف مكتب السكرتارية، وما أن أجابه حسام السكرتير الخاص به قال: معلش يا حسام سهرتك النهاردة، تقدر تمشي.
أغلق الهاتف ومال على سيارته ينتظر زوجة أخيه بإرهاقٍ ودوار جعله على وشك فقدان الوعي بعد هذا اليوم المتعب.
بالأعلى.
أغلقت فاطمة حاسوبها والأوراق من أمامها، ثم خرجت للطرقة الخارجية، وقفت تتطلع للدرج بتعبٍ، لقد استنزفت قوتها بهذا اليوم المرهق الذي لم تشهد مثله منذ أن استلمت عملها هنا.
تطلعت للمصعد بقلقٍ، فهي لم تعتاد الدخول إليه الا برفقة علي، وموخرًا برفقة عُمران الذي التمست به حنان الأخ الذي رحل عن أشقائها، كانت حائرة، بين خوفها المحتبس كالوحش المقيد، وبين تعب جسدها الهزيل، وبين هذا وذاك اختارت الولوج للمصعد بعد قناعة إن لا أحدٌ من الموظفين هنا بهذا الوقت المتأخر.
ولجت فاطمة للمصعد وتراجعت تضغط على اللائحة باختيار الطابق الأرضي، وما كادت بالابتعاد حتى تفاجئت بحسام السكرتير الخاص بعُمران يضع قدمه ليمنع انغلاق الباب، وولج يرسم ابتسامة بسيطة وهو يردد: أزي حضرتك يا استاذة فاطمة.
تعجب حينما التزمت بصمتها ولم تجيبه، علامات الفزع والرعب على وجهها جعله يتابعها بدهشةٍ، بدى إليه وكأنها ترى شبحًا أمامها.
لوهلة شعر بأن به خطبًا ما، فاستدار تجاه اللوح الزجاجي من خلفه يتفحص ذاته ليتأكد من سلامة مظهره.
وحينما لم يجد شيئًا غريبًا استدار تجاهها يتساءل بقلقٍ: حضرتك كويسة؟
لم تجيبه وكأنها لم تسمعه من الاساس، تركيزها منصوب على اللوحة المضيئة أعلى المصعد، تعد الطوابق المتبقية للنجاة من هنا.
إن كانت تعلم بأنه سيصعد برفقتها لما كانت استلقت المصعد حتى وإن كانت ستموت تعبًا، ارتعشت يديها بشكلٍ ملحوظ، ضغطها العصبي على الحقيبة بين يديها جعل حركت جسدها تهتز بعنفٍ، وفجأة توقف المصعد بهما، وكأن الظروف تكاتفت لتصيبها بنوبة شرسة.
تراجعت فاطمة للخلف بذعرٍ، فتنحنح حسام وهو يتجه للهاتف الموضوع جوار اللائحة قائلًا ببسمةٍ يرسمها بالكد لغموض تلك الفتاة: الظاهر إن في مشكلة، بس متقلقيش المشاكل دي بتتحل في دقايق.
لم تكن تسمعه من الأساس، كانت ترى فحيح الماضي السام يتسلل لها رويدًا رويدًا، بقائها بمكانٍ محكم كهذا برفقة رجلًا كان أسوء حلمًا لا تتمنى أن يزورها.
تحدث حسام مع الأمن والعاملين بالأسفل وأكدوا له بأن المصعد سيعمل خلال ثلاث دقائق كحد أقصى، فوقف بعيدًا امام باب المصعد بالتحديد ليضمن بقائها بحرية عنه.
تسلل لها ظل لثلاثٍ رجال، هم نفسهم من قضوا عليها بدمٍ بارد، أحدهم يمزق ثيابها، والأخر يلطم وجهها لتكف عن الصراخ، بينما ثالثهم كان يقيد حركتها الشرسة، تخدر جسدها ولم تعد ساقيها تحملها، فجلست على ركبتيها تنتفض بقوةٍ جعلت جسدها كالهيلام المتحرك.
جسدها حاضر وعقلها غائب، ها هي هنا بينما روحها تعذب هنالك، بين ثلاث ذئاب بشرية، ينهشون لحمها دون رأفة بصراخها، دمائها تنهمر من بين مخالبهم وقلوبهم قد تغلفت بحجارةٍ فجعلتهم قساة كالفولاذ.
عاد الضوء للمصعد، فابتسم حسام بفرحةٍ واستدار ليطمئنها، ولكنه صعق حينما وجدها تجلس أرضًا، بأعينٍ جاحظة، جسدها يرتجف بالرغم من إن انعزالهم بالمصعد وضيقه جعل الحرارة ترتفع بشكل جعله يتصبب عرقًا.
ارتبك للغاية وعجز عن فعل شيء، فبقى محله وسألها بتوترٍ: استاذة فاطمة إنتِ كويسة؟!
ظلت كما هي، وكأنه اليوم غير مرئيًا لها، توقف المصعد بالأسفل، وانفتح بابه حيث كان يقف عُمران بانتظارها.
رآها تجلس هكذا وصوت أنفاسها المحتبسة تعلو دون توقف، هرع للداخل يتفحصها بلهفةٍ، واستدار لحسام يسأله بنظراتٍ قاتلة: مالها؟
إتجه عُمران إليها يناديها: فاطيما، سمعاني؟! أيه اللي حصل؟
كانت تنظر أمامها بصمتٍ تام، انتفاضة جسدها وتمسكها بالحقيبة هو البصيص لأمل أنها مازالت على قيد الحياة، تركها عُمران وهرع إليه يهدر بغضب: عملت فيها أيه؟!
ابتلع حسام ريقه بتوترٍ، وحاول استدعاء بحة صوته الهادرة رعبًا منه: معملتش حاجة!
احتدت مُقلتيه، واندفع يلف ذراعه حول رقبته بعنفٍ اتبع صراخه: يعني هتوصل للحالة دي لوحدها! انطق يا حسام والا هتموت في إيدي!
التقط أنفاسه بصعوبة وقد يكون يلفظ أخرها، فقال بسعالٍ حاد: والله العظيم مجت جنبها يا مستر عمران، هي أول ما الاسانسير عطل وهي بقت بالحالة دي.
تعمق بالنظر داخل حدقتيه فوجد الصدق لا غيره، هدأ عُمران قليلًا فحسام يعمل معه منذ سنواتٍ ولم يرى منه أي شيئًا يدينه أخلاقيًا، حرر ذراعه عن رقبته وتركه يهندم ثيابه.
خطف عُمران نظرة حائرة لزوجة أخيه، فوجد أن يمسك العصا من المنتصف لحين تأكده من براءته كاملة، فخرج من المصعد يصرخ بعصبيةٍ: فين الأمن اللي في المخروبة دي؟!
خرجوا تباعًا من غرفة السيكيورتي، فأشار لأحد منهم على حسام: فرغولي كاميرات الاسانسير ده حالًا، وخدوه جوه لحد ما أتاكد من كلامه.
ووجه حديثه إليه بوعدٍ مخيف: ادعي ربنا إنك تكون بتقول الحقيقة لإن لو ثبت عكس ده صدقني هتكون لندن هي قبرك، مش بداية لمستقبلك زي ما بتتمنى!
غادر رجالين من الأمن بصحبة حسام، بينما ذهب البقية لتفريغ كاميرات المصعد بسرعةٍ كبيرةٍ خشية من غضب عُمران الذي يشهده الجميع لأول مرة.
عاد عُمران للمصعد المفتوح على مصرعيه، فوجدها مازالت تجلس محلها، إتجه إليها ينحني قبالتها يناديها بهلعٍ: فاطمة اتكلمي أذاكِ؟ عملك أيه الكلب ده؟
بقيت كما هي، دموعها تنساب، عينيها لا ترمشان، جسدها يزيد انتفاضه، اضطر عُمران أن يحرك جسدها عساه تفيق من حالتها الغامضة تلك.
مسك يدها وهو يناديها: فاطمة!
لمسته تلك كانت كالصاعقة التي جعلت عقلها يعود لعمله، هو ليس حُلمًا ووهمًا بل حقيقة، تستطيع الشعور الآن بلمسة يد خشنة تحيط ذراعها، فانتفضت صارخة بصوتٍ كُتم لفترة لا تعلمها، ورفعت كفها تخدش وجه هذا الحقير الذي تجرأ على لمسها.
أصابت أظافرها وجه عُمران ورقبته، فتأوه ألمًا، ومع ذلك لم يعنيه الا الاطمئنان عليها، فقال وهو يحاول أن يكتف حركتها المنفعلة: فاطيما اهدي أنا عُمران!
كلما حاول السيطرة على يديها كانت تزداد رجفتها ويزيد جنونها، لذا فرق ذراعيه عنها ليجعلها تهدأ، هاتفًا بصوتٍ هادئ: اهدي مفيش حد هنا غيري، أنا بعيد أهو بس اهدي!
تطلعت له كثيرًا وكأنها تتحقق من ملامحه وتتأكد من صحة حديثه، اعتدلت فاطمة بجلستها وضمت ركبتها بيديها إليها، وصوت بكائها يعلو تدريجيًا.
شيئًا داخلها قد حُطم، كانت تظن بأنها تعافت بشكلٍ كليًا والآن عادت لنقطة الصفر مجددًا، راقبها عُمران بحيرةٍ، لا يعلم ما الذي عليه فعله، فاقترب منها مجددًا يناديها: فاطمة.
رفعت عينيها الباكية إليه، فسألها بلهفةٍ: إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بالنفي، فعاد يسألها: حسام عملك حاجة؟
تهدل كتفيها بعدم علمها، فتبابع بهدوءٍ واتزان: ولا يهمك المهم انك تهدي، يلا نخرج من هنا، بره هترتاحي أكتر.
حركت رأسها بموافقة لحديثه، فتحاملت على مسند المصعد المطول، فانتابها دوار حاد، جعلها تترك حقيبتها وتضم رأسها بألمٍ.
انحنى عُمران يلتقط الحقيبة، وسألها: قادرة تقفي؟
أحنت رأسها ببكاءٍ، وهي لا تعلم بما تجيبه، فتح كفه بترددٍ وحذر: تسمحيلي أساعدك؟
وزعت نظراتها المرتبكة بينه وبين يده الممدودة، وبتوترٍ وقلة حيلة وضعت كفها إليه، فساندها وهو يحرص بقائه بعيدًا عنها قدر المستطاع، تاركها تحتمل على يده وجسده ينفصل عنها بمسافةٍ.
شعرت فاطمة بأنها على وشك الاستسلام للنوبة، فساقيها باتت ثقيلة لا تنصاع إليها، الظلام بدأ يسيطر على حدقتيها بشكلٍ مقبض، مالت بجسدها على ذراع عُمران، فالتقطتها قبل أن تلامس الأرض وهو يصرخ بقلقٍ: فاطمة!
فتحت عينيها إليه ورددت بهمسٍ باكي: متقولش لعلي حاجة، متقولوش!
أجابها وهو يحاول جعلها تستقيم بوقفتها: مش هقوله حاجة. وعد.
أغلقت عينيها مستسلمة للضباب، وبالرغم من ذلك مازالت قدميها تنساق خلفه، ساندها عُمران لاحد غرف الأمن، وضعها على الفراش وسحب أحد الاغطية يداثرها جيدًا.
اغلق باب الغرفة وأشار لأحد الرجال الذي تتبعه للداخل: خليك قدام الباب هنا، وأوعى تدخل جوه لو حصل حاجة تيجي تبلغني أخر حل تعمله دخولك جوه ليها فاهم؟
هز الاخير رأسه يجيبه: تحت أمرك يا باشا.
إتجه عُمران للغرفة المتحكمة بشاشات المراقبة، ولج الداخل ينحني تجاه احدى الشاشات الموضوعة من امام أحد موظفي الأمن يشير له بأنه قد حلل المقطع المطلوب.
طالبهم عُمران بالخروج وظل بمفرده يراقب ما حدث باهتمامٍ، فوجد أن حسام صادقًا وإنه لم يمسها، لقد انتابتها النوبة منذ دخوله للمصعد، صم كفيه لوجهه وهمس بغضب: ما في أربع أسانسير غيره ملقتش غير اللي ركبت فيه يا غبي!
زفر عُمران بغضب لما كان على وشك فعله به، أكثر ما يزعجه أن يظلم أحدًا يومًا، ترك غرفة المراقبة وإتجه لاحد الغرف السفلية حيث يُحتجز حسام بها.
أشار للحارسين قائلًا: بامكانكما الذهاب.
رحلوا من أمامه، بينما قام هو بفتح الباب وولج للداخل، وجد حسام يجلس على الفراش حزينًا، فجلس جواره وهو ينتهد بضيقٍ، والأخر ينتظر سماع ما سيقول، وحينما تأخر حديثه قال بحزن: راجعت تسجيلات الكاميرات يا باشا.
ضم شفتيه يعتصرهما بألمٍ، واستدار إليه يمنحه نظرة حزينة، ودون أي مقدمات ارتفع برأسه يقبل جبهة حسام مرددًا بحرجٍ: حقك عليا يا حسام، أنا غلطت في حقك.
وتابع بندمٍ: انت شغال معايا بقالك أربع سنين مشفتش فيهم منك حاجة وحشة بس صدقني كان غصب عني، فاطمة حالتها كانت صعبة وأي شخص مكاني كان ظن فيك كده.
هز رأسه بابتسامةٍ هادئة: عارف ومقدر ومش زعلان من حضرتك، المهم إن الهانم بخير.
ربت على ساقه بامتنان لتقبله أسفه قائلًا: بخير الحمد لله، وعشان جدعنتك دي أحلى مكافأة هتتصرفلك ومش بس كده إنت مش كنت مقدم على اسبوعين اجازة عشان فرحك، مني ليك فوقهم اسبوعين للمالديف بتذاكر محجوزة واقامة جوه الفندق على حسابي، ها مرضي يا عم؟
اتسعت ابتسامته بفرحةٍ ونهض يحتضنه بسعادةٍ، ربت عُمران على ظهره هامسًا: ربنا يفرحك يا عريس، أينعم هتفخت الاربع اسابيع دول من غيرك لإن صعب حد من السكرتارية يفهم دماغي زيك بس عشان خاطر العروسة نستحمل.
تعالت ضحكاتهما الرجولية، فابتعد عنه عُمران وطرق على كتفه بقوة وصرامة مضحكة: يلا بقى على بيتك هتقف تحكي معايل لنص الليل وأنا مش قادر أصلب طولي، مانت بروح أمك هاريني من الصبح ملفات وشغل متكوم من سنين!
برق بدهشة من تحوله السريع الذي من المفترض أن يكون اعتاد عليه، فمازحه عُمران: هتمشي ولا أطلق كلابي الصعرانه عليك!
جذب جاكيته الملقي على الفراش وهرول من أمامه قائلًا بضحك: تصبح على خير يا مستر عُمران. أشوفك بكره.
ودعه عُمران وما أن تأكد من رحيله حتى عاد لغرفة فاطمة مهمومًا، لا يعلم كيف سيتعامل معها الآن، حالتها تزداد سوءًا، رجفتها، اختناق تنفسها، كل تلك الامور جعلته عاجزًا.
أخرج هاتفه من جيب سرواله وهو يهمس بسعادة كأن الحل كان غائبًا عنه: علي! أكيد هيساعدني وهيقولي أتصرف ازاي!
حرر زر اتصاله، مرة، اثنان، ثلاثة اتصالات وهاتفه كل مرةٍ خارج نطاق التغطية، عساه يعلم بأنه الآن على متن الطائرة لذا لم يستطيع الوصول لخطه المصري.
مرر يده على جبينه بتعبٍ، لا يعلم ماذا سيتوجب عليه فعله الآن، جاب الطرقة الخارجية ذهابًا وإيابًا حتى استقر بتفكيره على يوسف صديقه، هو المناسب الآن لحالة فاطمة.
اتصل به عُمران فاذا به يجيبه بمرحٍ: شكلك كده غيرت رأيك وهتيجي تسهر معايا أنا وجمال، احنا بعتنا سيف يجبلك أكل جاهز هتصل بيه وأخليه يزود عشانك.
أكل أيه يا يوسف، بالله عليك ركز معايا.
في أيه يا عُمران قلقتني!
فاطمة مرات أخويا تعبانه جدًا ومش عارف أروح فين؟
تعبانه مالها يعني!
زفر بغضب، لم يكن يود كشف سرها لأحدٍ، فاكتفى بقوله: هي كانت بتمر بحالة نفسية والمفروض انها اتخطتها انا حاليًا في الشركة ومش عارف أروح لمين ولا فين!
خلاص خلاص هاتها وتعالى شقة سيف، وأنا هشوف هقدر أجهز أيه لحد ما تيجي.
أغلق الهاتف ووضعه بجيب بنطاله، ثم مال عليها يناديها: فاطمة. لازم نتحرك. قادرة تقفي معايا؟
كانت تراه صورة مشوشة من امامها، وجدت يد تمتد لها فابتسمت وهمست بحبٍ: علي!
ارتبك عُمران وخشى أن تعامله كزوجها، فأمسك يدها واسندها حتى تمكن من معاونتها بالجلوس بسيارته.
وصل بعد دقائق معدودة لشقة سيف، فوجد يوسف وجمال بانتظاره، عاونها حتى تمددت على الاريكة الخارجية، ففتحت عينيها تحاول التقاط تلك الاصوات المحاطة بها.
ارتعبت فاطمة حينما وجدت جمال ويوسف وعُمران من حولها، يعيد المشهد تجسيد ذاته من جديدٍ، ازدادت النوبة بحدتها، انتفضت بصورة مخيفة، ودموعها انهمرت دون توقف.
رفعت أصابعها المرتجفة تجاه عُمران تناديه ببكاءٍ: عُمران!
ترك عُمران يوسف وجمال وهرع إليها فقالت بعويلها المؤلم: مين دول؟ أنا خايفة روحني!
ربت على يدها وقال بحنان: متخافيش يا فاطمة ده دكتور يوسف صاحبي، هيحاول يساعدك لاني مش هقدر اروحك كده. متخافيش.
وأشار لجمال قائلًا: معلش يا جمال ادخل اوضتك.
هز رأسه بتفهمٍ وغادر على الفور، بينما دنى يوسف إليها يحاول استكشاف ما يصييها، حدة نوبتها، فجذب أولًا جهاز الضغط يقيسه، فأذا بها تبعد ذراعها برهبةٍ وتتشبث بذراع عُمران، هاتفة بصراخ جنوني: أنا عايزة أمشي.
ومالت برأسها على حافة الاريكة بتعبٍ، تردد بعدم وعي: محدش يقرب، سيبوني!
ابتعد يوسف عنها بدهشةٍ أصابته كليًا، بينما عاونها عُمران على التمدد وهو يهمس لها: متخافيش يا فاطمة انا جنبك، ارتاحي شوية وهنتحرك على طول، اتفقنا؟
وجدها قد اندمست بظلمتها، مغلقة عينيها باستسلامٍ، مددها وأحاطها بغطاء خفيف قدمه له جمال والتقط الورقة التي قدمها له يوسف قائلًا: جمال بسرعة هات الحقنة دي من أي صيدالية بسرعة من فضلك.
أومأ إليه واتجه للأسفل، بينما اقترب عُمران من يوسف يتساءل: طمني يا يوسف، فاطمة مالها؟
رفع عينيه إليه وقال مندهشًا: عُمران هي فاطمة حد اعتدى عليها قبل كده؟
ابتلع ريقه بتوترٍ، وخطف نظرة حزينة لها ثم قال: يوسف أنا مينفعش أتكلم معاك في حاجه تخص على ومراته، بس إنت دكتور وفاهم فاعتبر اجابتي واضحة.
ارتسمت ابتسامة متفاخرة على وجه يوسف وقال بذهولٍ: أنا دايمًا بسمع من الدكاترة زمايلي عن شطارة دكتور على وأد أيه هو دكتور ممتاز، النهاردة بس شوفت بعيني إنه عبقري، كون إنه يتعامل مع حالة فاطمة بالشكل والحذر ده يعني إنه أستاذ! حرفيًا أنا مندهش، أنا بالرغم من إن عندي خلفية بسيطة عن الطب النفسي بس أجزملك بنسبة مية في المية إن حالة زي الحالة اللي بتمر بيها فاطمة دي من رابع المستحيلات إنها تتجوز وتعيش مع راجل أصلًا!
تأفف عُمران بضيق وهتف يستنكر حالة الاطراء الذي يخوضها يوسف في ظل تلك الظروف: وبعدين يا يوسف، فهمت خلاص ان أخويا دكتور محصلش، اتصرف وشوف هتتعامل معاها ازاي انا أعصابي متدمرة ومش متحمل!
ربت على كتفه بحنان: طيب اهدى، انا بعت جمال يجيب حقنة مهدئة هتاخدها وهترتاح لحد بكره الصبح.
تنهد بحزنٍ وسأله: وده مضمون ولا أيه يا يوسف؟ يعني لو حامل او كده؟
منحه ابتسامة هادئة وقال متفهمًا: متقلقش.
استقبل هاتف يوسف رسائل على حسابه الخاص، فرفع هاتفه ليتفاجئ بأحمد الغرباوي يخبره بتعب مايا وحاجتهم الماسة إليه، رفع بصره عن هاتفه وتطلع لصديقه بحزن، يراه مهمومًا على زوجة أخيه فماذا اذا أخبره بتعب زوجته؟
اجابهم يوسف برسالة تنص على توجههم للمركز وسيلحق بهم على الفور، وقرر عدم اخبار عُمران الآن، يكفيه ما يمر به.
عاد جمال يناوله الكيس البلاستيكي، فأفرغ محتوياته وعبئ الأبرة، ثم دنى إليها.
نوبتها كانت شرسة لا ترأف بها بنومٍ مريحًا، كانت تستفيق لدقيقةٍ أو اقل منها ثم تغلق عينيها لأكثر من خمسةٍ دقائق، فتحت فاطمة عينيها تلك المرة فتفاجئت بيوسف يجاورها، ارتعبت وتراجعت لأخر الأريكة، فما أن مالت للجانب الاخر حتى وجدت عُمران ينحني إليها يخبرها بهدوء: متخافيش يا فاطمة، يوسف هيديكي مهدء وهنمشي على طول، متخافيش.
أمسكت يده تشدد عليه برجاء ودموع: عُمران. عايزة أمشي من آآ...
سحبت كلماتها مع انتهاء يوسف من دس الأبرة، فشعرت بدوار مضاعف ونادته بهمسٍ باكي: عُ، مر، ا. ن!
اسمه أخر ما رددته قبل أن تفقد وعيها نهائيًا، استجابة للأبرة، حينما كانت تسترد وعيها وتجد ذاتها بنفس الشقة ونفس الوجوه كانت تناديه عساه يخرجها من هنا، فوجود يوسف وجمال أرعبها وجدد من خوفها.
باحتباسها بالمصعد مع ذلك الرجل بمفردها، زارتها أصعب نوبة اختبارتها، وببقائها بشقة غريبة بوجود شابين لم يتبين اها ملامحهما ولكن وجود عُمران كان داعمًا لجزء من الأمانٍ داخلها، لذا كل مرة يزداد خوفها كانت تردد اسمه عساه يفهم عليها ويخرج بها على الفور.
ما أن انتهى يوسف ألقى الابرة بسلة المهملات، وأخبره: المهدئ ده هيخليها تنام لبكره الصبح وهيهديها متقلقش.
رمش بدهشة حينما فهم الامر وقال: يعني أيه؟! هرجع بيها ازاي وهي نايمة بالشكل ده؟
زوى حاجبيه بدهشة: وانت جيت بيها هنا ازاي؟
اجابه وهو يعتصر رأسه بضيقٍ: كان يعتبر مغمي عليها بس كانت ماشية معايا دلوقتي بقى مش عارف هعمل أيه؟
بتلقائية أجابه: خلاص سبها هنا للصبح مدام مش هتقبل تشيلها.
صاح بغضبٍ: اسيبها فين يا يوسف وانت شايف حالتها دي! لو صحيت لقت نفسها بالمكان ده مش بعيد تموت فيها.
تطلع إليها قليلًا يحسم أمره، فانحنى يرفعها إليه وحملها متجهًا للأسفل ولسانه لا يكف عن استغفار ربه لما اضُطر إليه.
عاد بها عُمران وهو يتمنى ان لا يراها أحدًا بتلك الحالة، فأتاه القدر بمفاجأة صادمة فور أن رأى أخيه يقف قبالته وجهًا لوجه.
عاد من شروده على صوت تأوهات زوجته الخافتة، فاتجه يجلس جوارها، يناديها بلهفةٍ: حبيب قلبي اللي مدوخني وراه من أول شهر حمل، وبعد كده الله أعلم هنام فين تاني؟!
منحته ابتسامة ساحرة، ورددت بعدم تصديق: عُمران!
مال إليها يبعد خصلات شعرها بعيدًا عن عينيها وهمس بحبٍ: أه على اللي بيحصل لعُمران لما بيشوف الابتسامة والجمال ده كله، خفي على قلبي الاغراء مش مفيد لا له ولا ليكِ صدقيني!
لكزته بيده بضيقٍ: اغراء أيه اللي بتتكلم عنه، أنا بموت!
ارتعبت معالمه وانحنى يقبل كفيها بحبٍ: ألف بعد الشر على حبيب قلبي وعيوني، طيب يرضيكِ تموتي ومالقيش حد أدلعه وأقوله حبيب قلب جوزه! طيب فين فضولك إنك تشوفي انتاجنا يا مايا، مش حابة تشوفي البيبي هيطلع لمين؟
ابتسمت رغمًا عنها على حديثه، فمال يستند برأسه على رأسها ومازال همسه الدافئ يتردد: يا ترى هتطلع بنت هادية ورقيقة ليكِ، ولا ولد مشاغب ووقح زيي؟!
صرخت بانفعالٍ: لأ. كفايا عليا إنت. حبيبي لازم تعرف إن أخر حاجة بتمناها ان ابني يطلعلك، آه ممكن يكون عندي حلم بسيط إنه يورث عنك شياكتك واهتمامك بنفسك لكن كشخصية يؤسفني اقولك إني بتمنى ابني يطلع في أخلاق وهدوء على أخوك، عشان كده لو ربنا كرمني بولد هسلمه لعلي من على باب العمليات بره، مهو انا مش ست مفترية عشان أرازي الخلق بنسختين اوقح من بعض.
جحظت عينيه بصدمةٍ مضحكة، فتابعت تشير بيدها بسخرية: ثم آنك سبق وقولتلي إنك قطعة نادرة مالهاش كتالوج! لو اتكررت تاني يبقى إنت مش نادر وجودك يا عُمران يا غرباوي!
تعالت ضحكات عُمران بصخبٍ، فضمها إليه وصوت ضحكاته جعلتها تشاركه الضحك، تمدد جوارها وحملها لتغفو على صدره، فأخذ يربت على شعرها بهدوء سيطر عليه.
خشيت أن يكون انزعج من حديثها، فرفعت رأسها إليه تسأله بخوف: عُمران إنت زعلت مني عشان قولت إني عايزاه يطلع لعلي، أنا بهزر على فكرة وآ.
أحاطها إليه وقال بابتسامة سحرتها: بس أنا نفسي بتمنى إنه يطلع لعلي يا مايا، وحتى لو مكنتيش بتهزري أنا مش أهبل عشان ازعل منك في شيء زي ده، لإني أكتر واحد عارف طبيعة علاقتك بعلي، عارف أد ايه بتحترميه وبتعتبريه أخوكي الكبير، وكنت دايمًا بستغرب ليه نظرتك ليا مختلفة عنه واحنا تقريبًا متربين سوا.
تعمقت برماديته وسألته باستياءٍ: وعرفت؟
اتسعت ابتسامته ومال إليها يقبل جبينها: عرفت إن ليا مكانة صعب حد يأخدها. صحيح زمان كنت غبي وأهبل بس دلوقتي قلبي وأنا كلي ملكك يا مايا!
تعلقت به وهمست إليه بعاطفة: أنا بحبك يا عُمران، متبعدش عني ممكن؟
دفن رأسها بصدره وقال وهو يغلق عينيه استسلامًا للنوم بين ذراعيها: ولو بعد موتي روحي مش هتفارقك!
استجابت لنومٍ هادئ بين ذراعيه، متناسية آلآم جسدها بينما تناسى هو وجع قلبه الدامي، كلاهما يستمدان قوتهما من حبهما الذي ازداد بحملها لجنينٍ يشهد على عشقٍ ترسخ بينهما!
خرج من الحمام بعدما اغتسل بحمامٍ بارد غير مباليًا ببرودة الاجواء، جلس على يتطلع لها مطولًا، الحزن والضيق يسيطران عليه بقوةٍ.
نهض عن الاريكة واتجه لخزانته يرتدي ملابسه، بينما بالخارج فتحت عينيها بعد أن قضت أسوء ليلة لها.
تفحصت فاطمة الجناح بنظراتٍ مندهشة، ورددت بصوتٍ خافت وهي تشم ملابسها المحتفظة برائحته: علي!
خابت آمالها حينما لم تجده بالغرفة، فضمت قدميها إليها وقالت بحزنٍ: إزاي! أنا كنت حاسة بيه طول الوقت.
لإني كنت جانبك ومسبتكيش غير من دقايق!
اجابها وهو يستند على باب الخزانة مربعًا يديه أمام صدره، ويتطلع لها بابتسامته الجذابة.
أزاحت فاطمة الغطاء وهرولت راكضة إليه تصرخ بحماس غلبه دموع فرحتها: علي!
إلتقفها بين أحضانه فتشبثت برقبته بقوةٍ جعلته يرفعها عن الأرض لتكون على نفس مستوى طوله، يهتف بشوقٍ: وحشتيني يا فطيمة، وحشتيني أوي!
ابعدها عنه وحافظ على ثباته بكل طريقة امتلكها، لا يود اخافتها عما حدث بالامس ولكنه سيموت قهرًا إن لم تقص له سريعًا ما حدث لها.
فور ان تقابلت عينيها به، رددت بتلعثم وحيرة فيما يفترض قوله: حمدلله على سلامتك. إنت جيت أمته؟!
ضم جانب وجهها بيده: جيت امبارح.
رمشت بخوفٍ ملحوظ، بينما هو يدرس كل تفاصيلها، فهتفت بتوتر: امبارح. آآ. أمته؟
قال ومازالت ابتسامته الثابتة على وجهه: بليل يا فطيمة، واستغربت جدًا لما لقيتك نايمة بلبس الخروج وبالححاب كمان.
وبذكاءٍ يمتلكه كطبيب قال: للدرجادي تعبتي بالشغل حتى مقدرتيش تغيري هدومك؟
استدارت تجاهها تنفي بارتباكٍ اقلقه: لأ يا على متعتبش من الشغل أنا بس كنت آآ، آآ...
ضم وجهها بيديه معًا وبحنان واحتواء قال: اهدي حبيبتي أنا مقصدش حاجة أنا بكلمك عادي.
أبعدت يديه عنها واتجهت للاريكة تجلس بتيهةٍ، وفجأة بكت بكاءًا مزق قلبه بين أضلعه، فلحق بها وانحنى قبالتها يتساءل بقلقٍ: في أيه يا فاطمة؟ احكيلي يا حبيبتي إنتِ عمرك ما خبيتي حاجة عني.
اعترضت على طلبه بالحديث وقالت: خايفة أحكيلك يا علي.
لعق شفتيه الجافة بلعابه وهو يحاول الاتزان بمعالمه وطريقة حديثه، بداخله وحشًا عتيًا يدافع عن أخيه بكل ذرة يمتلكها، لا يريد سماع اي شيء يدينه، عقله الذكي يخبره بأنه الاحتمال الأخر، ربما ستخبره بأن ذلك الحقير حاول مضايقتها وحينها يتعهد بأنه سينفيه من على وجه الحياة.
جلس على جوارها، ومسد بإبهامه على يدها قائلًا ببسمةٍ يجاهد لبقائها: خايفة مني أنا يا روح قلب علي، ده أنا عمري ما اتعاملت معاكي بشكل يخليكي تخافي وتقلقي من الكلام معايا.
تقابلت عينيها المتورمة بعينيه وقالت ببكاء: أنا مخفتش يا علي، أنا لسه زي ما أنا.
وانهارت بالبكاء الحارق تخبره بجمل غير مرتبة تخرج بها اختصار لما يتردد لذاكرتها رويدًا رويدًا: امبارح ركبت الاسانسير لوحدي، وبعدين ركب معايا السكرتير بتاع عُمران، الشاب ده مشفتش منه أي شيء وحش يا علي، بس بمجرد ما بقيت معاه لوحدنا في الاسانسير وكل شيء اتهدم جوايا، كنت فاكرة إني بقيت قوية يا على بس دي كانت كدبة كبيرة اوي بكدبها على نفسي.
ارتكن بظهره للاريكة يلتقط انفاسه براحةٍ كبيرة، بددت كل شكوكه المؤلمة، يغلق عينيه باسترخاءٍ اتخذ منه دقيقتين حتى استعاد كامل صلابته، فعاد يستقيم بجلسته إليها، يضمها بحبٍ ويمسد عليها: الكلام ده مش صح يا فاطمة لو متعالجتيش ازاي قدرتي تتقبليني كزوج ليكي؟ ازاي قدرتي تتأقلمي بعيشتك معايا هنا ومع عيلتي؟ ازاي قدرتي تتقبلي عُمران وتتقبلي تنزلي معاه الشركة وتساعديه؟
وأبعدها ليجعلها ترى عينيه بوضوحٍ: اللي حصلك دي مشكلة بسيطة وهتتخطيها، بس بعدها مش هترجعي لنقطة الصفر، هيكون موقف مش لطيف في ذكرياتك لكن مش هيكون له توابع.
هزت رأسها بابتسامة صغيرة، فجذبها لاحضانه مجددًا، فوجدها تخبره بحرجٍ: أنا اللي مزعلني إني خربشت عُمران جامد وكنت هضربه وهو بيحاول يساعدني أخرج من الاسانسير! مش عارفة ليه كل مرة بوقع نفسي في مواقف محرجة أكتر من الاول!
أغلق عينيه بقوةٍ حرر بها دمعة انسدلت على وجهه، وقبل أن تصل لكتفها أزاحها وقابلها بابتسامته: لا متقلقيش عُمران مننا وعلينا.
وصل لمسمعه صوت بوق سيارة أخيه، فجذبها على وهو يشير لها على الخزانة: يلا خديلك شاور وغيري هدومك دي، وأنا هنزل أشوف فريدة هانم وعُمران.
انطلقت للخزانة بخنوعٍ، بينما خرج على ينتظر عُمران أمام جناحه الخاص.
ترك عُمران مايا بالمشفى واتجه للمنزل ليبدل ثيابه، وأخبرها بأنه سيعود لها في الموعد الذي حدد لها يوسف الخروج، فلم يتركها الا بعدما وصلت زينب بعد جامعتها للمشفى للاطمئنان عليها.
رفض الصعود لجناحه وأتجه لغرفة شقيقته بشوقٍ لرؤيتها، ولج عُمران لغرفتها، فوجدها تغفو بعمقٍ.
ضحك رغمًا عنه وهو يتأمل مظهرها الفوضوي، قدميها بمقدمة الفراش ويده أعلى الكومود، بينما رأسها منسدل أرضًا.
هز رأسه بقلة حيلة أمام جنون تلك الحمقاء، وإقترب إليها، حملها وأعادها بالشكل الصحيح ثم فرد الغطاء من فوقها.
جلس جوارها يمسد على شعرها، ففتحت شمس عينيها بانزعاجٍ، وما ان رأته حتى رددت بنومٍ: عُمران وحشتني أوي.
رفع حاجبيه بمكر: آه ما أنا عارف يا بكاشة إني وحشتك لدرجة إنك كنتي بتزني ليل نهار عشان ترجعيلي، بس على مين أنا مش هطلعك من البيت ده تاني يابت، هجوزك هنا عشان تكوني تحت عنيا زي فريدة هانم، عجبه الكلام يبقى على بركة الله معجبهوش نرجعله حاجته وكل شيء قسمة ونصيب.
تثائبت بنعاسٍ، وقالت: أنا معاك في كل قرار تتخذه يا بشمهندس، بس سبني أنام أنا بقالي إسبوع مش عارفة أنام هناك من غير أوضتي وسريري، هريح عشر ساعات كمان وبعدها هجيلك ونخطط وندبر مع بعض.
قهقه ضاحكًا، وأردف بخبث: كده تعجبيني، نامي وارتاحي وبعد كده لينا كلام تاني.
وتركها وإتجه لجناحه ليبدل ملابسه، ويستعد للخروج برفقة جمال قبل أن يتجه لزوجته.
تخشبت يد عُمران على مقبض الباب حينما استمع لصوت على من خلفه يهتف: كنت فين كل ده؟
استدار إليه يواجهه بنظرة انطفئ بها وميض الحياة، وقال: خير يا علي، لسه في اتهامات تانية حابب توجهها ليا، أعتقد أن زمان فاطيما فاقت وتقدر تعرف منها اللي حصل كله، عمومًا أنا طلبت نسخة تسجيل باللي حصل من السيكيورتي ولما يبعتهولي هبعتهولك تتأكد.
والتفت للباب سريعًا قبل أن يرى دموع عينيه، كاد بغلق بابه ولكن قبل ان يفعلها دفع على الباب بقدميه، وجذب عُمران من جاكيته بعنفٍ، يقول بصدمة: قصدك أيه من كلامك ده؟!
أبعد يديه عن جاكيته وقال بثبات: قصدي معروف ومش محتاج شرح يا علي، نظرة الشك اللي كانت في عنيك دي مش هنساها عمري كله.
وتابع ببسمةٍ ألم: تعرف إنك أخر واحد ممكن أتخيل إنه يبصلي البصة دي في يوم من الايام!
مرر اصبعه أسفل أنفه وهو يستطرد بوجعٍ: أنا مبقتش مستبعد أي حاجة خلاص.
ودنى عُمران إليه يتطلع لعينيه مباشرة وقال بانكسارٍ: أنا عايز أعرف نظرتك عني أيه يا علي؟ أخوك زمان كان زنى وشرب خمرة ويمكن يكون ارتكب معاصي كتيرة بس عمره ما كان خاين يا علي!
كاد أن يقاطع حديثه فرفع عُمران كفه يمنعه وهو يستكمل بابتسامة شملت وجع العالم بأكمله: الا الخيانة. سامعني يا على الا الخيانة!