رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس والثلاثون
تعجب من ثبات ملامحه الغامضة قبالته، وبالرغم من أنه طرح سؤاله الفضولي حول سبب وجوده بمكتبه وحواره المتعلق بأنه هنا لأجل العمل ومع ذلك مازال ذاك الطاووس الوقح يتمادى بصمته، إلى أن ردد جمال بنفاذ صبر: عمران أنا أساسًا متوتر من غير حاجة، بكره عملية أمي ولسه دابب خناقة مع صبا قبل ما أنزل الشركة فأرجوك بلاش تختبر أعصابي ببرودك المستفز ده!
حرر زر جاكيته ورفع ساقًا فوق الأخرى بتعالي: مستغربك بجد! وأنا أيه علاقتي بأمورك الشخصية ولا إنت متعود تحكي لكل عميل عندك عن سبب توترك!
تجعد جبينه بدهشةٍ من الجدية التامة التي يتحلى بها الأخير وكأنه بمقابلة عمل، فصاح بنزقٍ: عابز أيه يا عمران لخص!
أخرج من جيب جاكيت بذلته الفخمة فلاشة صغيرة قدمها إليه، جذبها منه جمال باستغرابٍ، ولكنه أثر صمته عن سؤاله بما لا يجيد الاخير اجابته.
جذب حاسوبه ووضع به الفلاشة ليتابع ما عليها باهتمامٍ، تسللت ابتسامة صغيرة على وجه جمال وعاد بها لرفيقه يخبره بفخرٍ وفرحة تنم عن حبه الخالص إليه: ده تصميم المول التجاري اللي هيتعمل هنا في لندن. مشروع ضخم وتقيل فرحت جدًا إنهم اختاروا شركاتك تنفذ المشروع ده مع إن كان الأغلب مستبعد إن اللي يأخد المشروع ده شركة عربية البعض أجزم إنهم هيتعاملوا مع شركة أجنبية تتبنى المشروع لحد ما اتشاع إنهم احتاروك للمشروع ده الصدمة نزلت جامدة عليهم بس أنا متفاجئتش إنت تستحق كل خير يا عمران. تعبك ومجهودك المتواصل في مجال الهندسة والمعمار وخصوصًا الفروع الجديدة اللي خليتك تستغنى عن اللجوء لأي مهندس إنشائي أو مهندس ديكور أو حد يكمل وراك الشغل ده خلى العيون كلها عليك.
تنمق عن شفتيه ابتسامة صغيرة وهو يطالعه بنظرة مطولة، فاستطرد جمال باستغرابٍ: بس أنا مش فاهم ليه جايبلي التصميم المعماري للمشروع!
وتابع بعد تفكير: حابب تأخد رأيي فيه مثلًا؟
كسر قاعدة صمته قائلًا: أنا مش داخل المشروع ده لوحدي.
زوى حاجبيه بدهشةٍ: في حد معاك يعني!
صمت الأخير مما دفع جمال يستكمل: أوكي المشروع ضخم ووارد تحتاج لحد معاك يساندك بس أنت لوحدك بشركاتك كفايا يا عمران، ومعاك الميزانية اللي تأهلك تشيله لوحدك.
أنهى وصلة تفكيره المتواصلة مطلقًا قنبلته بوجهه: إنت اللي هتكون معايا في المشروع ده يا جمال.
رمش بعدم استيعاب لما يقول، وحينما بدأ باستيعاب ما قال سحب الفلاشة من حاسوبه ووضعها قبالته قائلًا بجمودٍ: آسف مش هقدر.
مزق شفتيه السفلى من فرط ضغط أسنانه المغتاظة عليها، وصاح منفعلًا: مش هتقدر ليه إن شاء الله!
عاد يستكمل عمله على الحاسوب وهو يخاطبه بصفة رسمية: عرضك مرفوض. شرفتنا يا بشمهندس.
نهض عمران عن مقعده يغلق الحاسوب من أمامه هاتفًا بحنقٍ: وحياة أمك! بتطردني يا جمال!
كبت جمال ضحكة كادت بالتسلل لشفتيه وصاح مداعيًا براءته الكامنة: مش إنت بالبداية قولت إننا نركن الصداقة على جنب وإنك هنا بصفة رسمية عشان نتكلم في الشغل وبس! زعلان ليه دلوقتي!
ترك محله بعدما فشل بترويض غضبه، فجذب جمال من تلباب ملابسه هادرًا من بين اصطكاك أسنانه: النية كانت النقاش بينا بشكل ودي وراقي الفعل هنا إنك هتنضرب وحالًا.
سدد له لكمة قوية أعادته لمقعده الهزاز مجددًا، فاحتضن جمال عينيه بألمٍ وبعينه الأخرى يمنحه نظرة محتقنة بثورة غضبه القاتل.
انحنى تجاهه عمران يحرك رقبته يمينًا ويسارًا مصدرًا صوت طرقعه مخيفة، وسحب نفسًا مطولاً وأطلقه بتنهيدة ثقيلة راسمًا بسمة لم تمس أوتار عينيه ولا معالمه: بشمهندس جمال أقدر أعرف عرضي مرفوض ليه؟
دفعه جمال للخلف ونهض يقابله بضيقٍ: لإني عارف مغزى عرضك ده يا عمران.
وتابع ومازال يلتحف برداء الثبات المخادع: مشروع ضخم زي ده يوم ما تحب تدخل شريك فيه المنطقي هتلجئ لشركة كبيرة ليها إسمها وتقدر تساندك وأعتقد أحمد الغرباوي أو نعمان الغرباوي أكتر اتنين مناسبين ليك ولو انت مش حابب يجمعك بعيلتك أي شغل يبقى المفروض تدور على شركة كبيرة تضيف ليك مش تنزلك!
كتم غيظه من حديثه الذي يستهان من قدرته، وردد بهدوءٍ: وإنت شايف إنك هتنزل من مكانتي يا جمال؟
عاد لمقعده يجيبه باتزانٍ وصلابة: لا طبعًا. بس إنت عارف إن شركتي صغيرة ومتقدرش تتحمل ميزانية مشروع ضخم زي ده، يمكن لو من فترة كنت هقدر أدخل شريك معاك لكن حاليًا مقدرش.
وتابع وهو يشير له باستنكار متعجب: إذا كان إنت بنفسك اللي شايل تكاليف عملية والدتي لإنك عارف الظروف!
سحب عمران أحد المقاعد وإتجه بها ليجاوره، قائلًا: أنا همول للمشروع ولما نحصد الأرباح هأخد منك المبلغ اللي صرفته.
هز رأسه نافيًا بجنون ما يقول فأسرع عمران بالحديث في محاولة لاستعطافه: جمال أنا محتاجك معايا انت وفريقك المشروع ده لو اتنفذ صح شركاتنا هتكون وجهة عالمية إنت مش متخيل أهمية المول ده وموقعه!
استدار بمقعده المتحرك ليكون قبالة جسد رفيقه يخبره: هساعدك بكل اللي أقدر عليه بس من غير عقود ولا شراكة، أنا رقبتي ليك يا عمران لكن أرجوك بلاش كده. احنا من يوم ما دخلنا المجال ده وأنا شرطت عليك إن كل واحد فينا يكون مستقل عن التاني وانت احترمت رغبتي طول السنين دي هتيجي دلوقتي وهتعمل شيء أنا مش راضي عنه، لإن ببساطة العرض ده جاي لاسمك إنت بسبب تعبك ومجهودك الكبير مينفعش أدخل معاك شريك بالغصب وأشاركك نجاحك وتعبك! متخيل إني أرضالك بالخسارة يا صاحبي!
احتدت معالمه بغضب جامح، وصاح بعنفوان: لما مراتي اتهانت في بيت آشيلي بتخطيط من آلكس وقتها طلبت منك تسحب تعاملاتك مع جوزها وبالرغم من إن ده سببلك خساير كتيرة وأكتر من حد خاف يتعامل معاك تسحب اتفاقك زي ما عملت مع جوزها وإنت كنت عارف إن كل ده هيحصلك بس مترددتش ثانية واحدة ووقفت معايا وفي ضهري ورفضت تأخد فلوس الشرط الجزائي اللي دفعتها لوليام فجاي دلوقتي وبتلومني على أيه يا جمال؟
ونهض يطرق على سطح المكتب الزجاجي بعصبية بالغة: المشروع ده هيجمعنا مع بعض ولو مكونتش معايا فيه ميلزمنيش وإنت عارف إني أد كل كلمة خارجة مني مات الكلام!
انتصب جمال بقامته قبالة الاخير، يهاتفه بدهشة: انت بتقارن أيه بأيه؟ بطل تكون عنيد ومتسرع أنا قولتلك إني معاك وهساندك بس مش هقدر أكون شريك كمان أنا الفترة الجاية هكون مشغول مع أمي مش هكون متفرغ!
ضحك ساخرًا: دورلك على حجة مقنعة طيب!
زفر بضجرٍ، فقال عمران باصرار: يا تكون معايا يا هلغي العقد وانت عارف الاضرار اللي هتطول شركتي لو عملتها، ها معايا ولا فركش؟
نزع رابطة عنقه وألقاها أرضًا بشراسة ونظراته تكاد تحرق من يقابله، وردد بنزقٍ: بني آدم مستفز.
قال ببرودٍ: مسمعتش ردك؟
جذب جمال كوب المياه من جواره وألقاه تجاه عمران الذي تفاداه بمهارةٍ وصاح به: والله او كسرت المكتب كله ولا يفرق معايا.
وردد مجددًا: معايا ولا فركش يا جيمي؟
عانقت يديه وجهه تمسحه عدة مرات فابتسم عمران بخبث وهو يخرج من حقيبته الجلدية ملفًا بني اللون، وضعه قبالته وسحب أحد الأقلام ليضعه بيد جمال المندهش فتساءل: ده أيه؟
رد عليه بابتسامةٍ واسعة: العقود يا حبيبي. أنا عامل حسابي لا تفكرني هأخد منك كلمة تسكتني بيها وتخلع عيب عليك ده أنا عمران الغرباوي!
ووجه اصبعه لمكان التوقيع قائلًا: وقع هنا يا جيمس!
زم شفتيه بغيظٍ فغمز له عمران مرددًا كالبغبغاء: لو موقعتش مش داخل وهكون بكده بسحب كلمتي مع الناس وإنت عارف بقى ده هيتسببلي في أيه ترضهالي جدع؟!
وجد ذاته يحرك قلمه مدون توقيعه وفور أن انتهى سحب عمران الملف مهرولًا للخارج بابتسامة منتصرة بينما جابت أعين جمال الفراغ ناطقًا بعدم تصديق: أنا وقعت ازاي!
حملت متعلقاتها فور انتهاء المحاضرة واتجهت للمغادرة، هبطت زينب الدرج ومازالت علامات الضيق تحتل ملامح وجهها الرقيق، خشيت أن ما فعلته قد أثار شكوك علي تجاهها، خرجت من المبنى واستكملت طريقها للبوابة الخارجية فتسلل لها صوتًا ذكوريًا مألوفًا: دكتورة زينب!
رفعت عينيها عن الأرض تتطلع لمن أمامها، فوجدته ذاك الوسيم الذي تعرضه لها الصدف لطريقها المظلم، يبتسم فيزيد من خفقات قلبها الضعيف، والآن يقترب حتى يقف قبالتها فيتسلل لها رائحة البرفيوم الجذابة التي تعتادها منه.
توترت بوقفتها أمامه وخاصة حينما سألها باهتمامٍ: ماشية ولا أيه؟
اكتفت بهزة رأسها وتحاشته لتغادر فلحق بها سيف مندهشًا من توتر ملامحها وفرارها الملحوظ وكأنها رأت شبحًا، فناداها مجددًا: دكتورة زينب!
وقفت محلها ضاغطة بأسنانها على شفتيها السفلية بضيقٍ وحينما شعرت باقترابه إليها مجددًا استرخت ملامح وجهها المشدود ووجهت له وقاحة غير مسبقة: خير يا دكتور سيف؟! واضح جدًا من طريقتي إني مستعجلة وحضرتك مصمم إني أقف معاك!
ضيق عينيه بذهولٍ من طريقتها وبالرغم من فظاظتها الا أنه سألها بقلقٍ من أن يكون أحدٌ تعرض لها: مالك يا زينب إنتِ كويسة؟
سددت نظرة حازمة لعسلية عينيه وحاربته بقسوة: دكتورة زينب ياريت مترفعش الألقاب بينا ومتنساش إن اللي بيجمعني بيك موقف كنت فيه شهم معايا وشكرتك مرة واتنين يعني خلصنا. فمن فضلك ابعد عني لآن قربك ده مهد لأخوك إن في شيء بينا فطلبني من على ليك!
تلاشت ملامحه الهادئة خلف عاصفة أوقظتها تلك البلهاء، فمال بالبلطو الطبي على ذراعه واعتدل بوقفته قبالتها يرد على اهانتها: أنا بعتذرلك إني تجاوزت معاكي وشلت الألقاب يا دكتور أوعدك إنها مش هتتكرر تاني، وبعتذرلك مرة تانية على موقف أخويا وتأكدي إني لو كنت أعرف إني لو وقفت معاكي بالحفلة ده هيخلي يوسف يتقدم لعلي بشكل رسمي مكنتش حضرت الحفلة من الأساس. عن إذنك.
تركها وغادر وأوردته تثور بها دمائه كالحمم البركانية بينما هي حررت تلك الدمعات الحارقة عن مقلتيها، فانتابها ألمًا قاتلًا جعلها تشعر بالعجز، فتشت زينب من حولها فوجدت أريكة معدنية تجوب أطراف الجامعة كاستراحة للطلاب، اتجهت إليها بخطواتٍ غير متزنة ورؤية مشوشة من فرط بكائها، ليحين دور الذكريات المؤلمة لتخطتفها دون رأفة بحالتها.
تخلت عن صمتها وارتشحت بعزيمتها لمواجهته بعد أسابيع من الصمت، كانت تخرج برفقته طوال الأيام الماضية وكلما حاولت أن تحرر سؤالها إليه كان يتحجر على طرف لسانها الثقيل، واليوم تشعر بأنها استكفت من الصمت.
اندهش يمان من صمتها الغريب حتى أنها لم تستمع لحديثه المطول لها عن رحلته لمصر وعودته للمغرب مجددًا إليها، فكانت تقلب بالملعقة كوب الشاي من أمامها وعينيها شاردة بالفراغ، فناداها بقلقٍ: مالك يا زينب؟
رفعت عينيها المحتقنة إليه ورددت بما تدفنه داخلها: يمان إنت اللي ضربت أخويا بعربيتك؟
لم تتأثر ملامحه الباردة بما تفوهت به، بل سحب كوبه يرتشفه بجمودٍ تام مما عزز الرعب داخلها، فتلعثمت بقولها: ساكت ليه. ما ترد؟
ترك كوبه وانحنى على الطاولة المستديرة الفاصلة بينهما متعمدًا الاطالة بالنظر لعينيها قبل أن يخبرها دون ندمًا: قرصت ودنه علشان يبقى يمد إيده عليكي تاني ولو اتكررت المرادي هتكون بموته.
جحظت عينيها صدمة وتعصبت حركة جسدها، فأسقطت يدها كوب الشاي الساخن فهوى على ساقيها، ارتدت زينب للخلف وهي تبعد فستانها عن ساقيها بألمٍ ومازالت عينيها متعلقة به بخوفٍ، فانتابتها نوبة من البكاء والرعشة تجعل جسدها كالثليج.
تراجعت للخلف بخوفٍ حينما وجدته يقترب منها بالمحارم في محاولة لمسح الشاي عن فستانها، فرفعت أصابعها إليه تشير له: خليك مكانك آآ، أنا هنضف الفستان في الحمام.
قالتها وفرت لحمام السيدات بعدما جذبت حقيبتها، ولجت للداخل تضع الحقيبة قبالة المرآة لتنخرط بنوبة من البكاء وهي تتأمل انعكاس صوتها ويتردد لها جملته المخيفة.
الخوف هو المحيط لها من تلك الشخصية التي بدأت بالسطوع إليها لتكشف جانب حالك، مخيف، لا تعلم ماذا حدث لها فور أن نطقها بوجهها شعرت وكأنها تود الفرار من أمامه فتعمدت اسقاط الكوب عليها لتهرب للمرحاض والآن تستعيد قوتها لتنجو من براثينه، فهرولت من باب المطعم الخلفي مستقلة سيارة أجرة لتعود لمنزلها بعدما أغلقت هاتفها.
انزوت على ذاتها بالفراش وهي تبكي بخوف كلما عادت كلماته لذكراها، ربما كانت بحاجة لوجود رجلًا يحميها من بطش أخيها ولكن ليس بالضرورة يكون قاتل فبالنهاية من سيقتل؟ إنه أخيها بنهاية الأمر!
بداخلها شعورًا أنه عدائيًا بدرجة تطلب منها الخوف والحذر من قربه ولكن ماذا ستفعل بقلبها العاشق له؟!
انتفض جسد زينب بعنف لذكرى هذا اليوم التعيس لها، فاهتز جسدها بعصبية وعينيها تفتش من حولها بذعرٍ، تخشب جسدها على الأريكة المعدنية ولم تقوى حتى الخروج من الجامعة، كأنها باتت عاجزة عن الحركة، تراقب رحيل الطلاب ببكاء وعقلًا شُل عن التفكير، كل ما تتمناه عودتها لشقيقتها ولكن كيف ومتى لا تعلم!
انتهى سيف من محاضرته واستعد للرحيل ومازال يشعر بالضيق لما تلقنه منها، فحمل كتبه والبلطو الطبي على ذراعه ثم أتجه للمغادرة.
اندهش حينما وجدها مازالت بالجامعة، ظنها رحلت منذ الساعتين التي تفرقا بهما، بدد معالمه بحزمٍ وجمود وكاد باستكمال طريقه ولكنه ما أن خطف نظرة سريعة إليها حتى توقف عن المضي قدمًا، رؤية بكائها مزق فؤاده وشل حركته التي تلتحف بالبرود وعدم اللامبالة بها، فكور قبضة يده بغضب من عدم تمكنه بالسيطرة على عاطفته، فوجد ذاته يستدير لها يناديها بصوته الحنون: إنتِ كويسة؟
رفعت رأسها إليه فارتسمت بسمة عابرة من وسط سحابة أمطار عينيها، كالتائه الذي لا يعلم أين مبتغاه، همست بصوتٍ متحشرج منخفض: سيف!
طُرب قلبه وتذبذب خفقاته من تلك النظرة المتلهفة التي تواجه عسليته، ونطقها لاسمه بذاك الحنين كاد أن يفقده صوابه، حك طرف أنفه بحرجٍ مما يواجه هنا، وتنحنح بخفوت: مروحتيش ليه؟
أخفضت عينيها تبكي بصوتٍ كان مسموعٍ له، فاسرع ليجلس على بعدٍ مناسب منها: مالك؟ حصل حاجة؟!
استدرت له ورددت ببكاء: مش عارفة أروح ونسيت أقول لعلي على معاد خروجي. حتى موبيلي نسيته!
لم تكن حجة مقنعة لبكائها الشديد هذا، ولكنه حاول أن يطمنها قائلًا: متقلقيش أنا موجود جنبك ومش هسيبك.
رفعت أهدابها لتقابل عينيه المهتمة بها، فقال وهو يستقيم بوقفته: اركبي التاكسي معايا هوصلك وبعدها هروح.
هزت رأسها باستسلامٍ غامضًا إليها، ونهضت دون أن تعي لما تحمله على ساقيها فسقطت حقيبتها وكتبها وأغراضها أرضًا، فانحنت تلملم بارتباك ورعشة كل ما تتلقفه يدها.
أمرها سيف بحزمٍ وهو يتطلع من حوله: متوطيش. قومي أنا هلمهم!
انصاعت إليه وتركت ما بيدها ونهضت واقفة، فانحنى هو يلم أغراضها بضيق من انحنائها هكذا أمام الشباب من حولها، غيرة غريبة تجتاحه بقوةٍ فأشعلت به لهيب العشق الخالص لها، لطالما كان حازمًا، صارمًا، لا يتهاون مع أحدٌ طال بكرامته وكبريائه، وبعد ما فعلته به منذ ساعاتٍ كان يقسم بأنها لا تعنيه بعد اليوم، ولكن بمجرد رؤيتها هكذا لان قلبه كالأم التي تستشيط غضبًا على أبنائها وفور أن يمس أحدهم سوءًا تكون أول من تهرول إليه!
انتصب بوقفته بعدما جمع كتبها وحقيبتها، واحتفظ بهم مع أغراضه لشعوره برعشة يدها وارتباكها الغريب، كونه طبيبًا يعلم بأن حالتها وبكائها هذا خلفه سببًا عظيمًا وليس ما قالته هي له.
لحقت به زينب للخارج ووقفت خلفه كالابنة التي تلحق أبيها، حينما ينجرف جانبًا تلحق به دون تفكير أو تسديد رؤيتها إلى أين يذهب؟
أوقف سيف سيارة الأجرة وفتح لها الباب الخلفي بينما استقر هو جوار السائق وألقن إليه منزل عمران الذي سبق وزاره برفقة أخيه مرات عديدة.
وإن طال الطريق كان قصيرًا وهو يتأمل انعكاسها بالمرآة الأمامية، مازالت مجهدة يبدو عليها أثر البكاء فكانت تزيل دمعاتها من وقتٍ للأخر، حتى أنها لم تنتبه لتوقفت السيارة أمام المنزل إلى أن نبهها سيف بصوته الدافيء: وصلنا.
انتبهت له وهبطت تتجه للداخل ولكنها عادت تقف قبالته تجاهد لرفع عينيها إليه، وحينما فشلت وضعتها أرضًا ورددت بحرجٍ: أنا آسفة على الكلام اللي قولتهولك أنا بس كنت مضغوطة شوية.
ورفعت عينيها إليه تستكشف مفعول كلماتها عليه وحينما وجدته جامدًا استطردت: وشكرًا لإنك وبالرغم من اللي عملته معاك ساعدتني ومتخلتش عني.
سحب الهواء لأنفه وكأنه ينعش ذاته، وانحنى للخلف يجذب أغراضها وقدمها إليه قائلًا بنبرة جامدة: أنا معملتش غير الواجب. اتفضلي حاجتك.
التقطتها منه بحزنٍ فعلى ما يبدو لم يتقبل اعتذارها، عاد سيف لمقعده آمرًا للسائق بالتحرك وبقيت هي تراقبه بندمٍ لما تفوهت به إليه، عليها الاعتراف بأنه يتسلل داخلها ببطءٍ لدرجةٍ جعلتها تشعر بالخوف من أن يعود ذاك الداء القاتل لقلبها، فإن عاد يخفق بالحب ربما سيعود بها لذاك المطاف المغلق!
انتهى من محادثته المتبادلة مع رفيقه من مصر، يعلمه بها بأنه سيسافر لمصر الاسبوع القادم ليختار فريق المركز الطبي بذاته، أغلق علي حاسوبه وانتبه لزينب التي تقف على باب مكتب المنزل تتردد بالدلوف إليه، فنهض عن مقعده ودنى إليها متسائلًا: رجعتي أمته يا زينب؟
تجاهلت سؤاله واتجهت إليه باكية تردد بجملٍ غير منتظمة: أنا آسفة على طريقة كلامي معاك يا علي، إنت صح أنا فعلًا بحاول أداري اللي اتعرضت له. أنا كان في حياتي حد يا علي. حبيته واتعلقت بيه بس حبه ضرني وخلاني أعيش في اضطراب وخوف وكره لنفسي ولكل اللي حواليا.
وتابعت بارتجافٍ مرضي: بخاف أوي يا على بحس إنه حواليا ومعايا في كل مكان، بخاف لما حد بيقربلي. على أنا هربت من المغرب وسافرت القاهرة شهرين وقدر يوصلي، هربت المرادي على هنا وأنا متأكدة إنه هيوصلي بردو كلها مسألة وقت. مسألة وقت يا علي.
الصدمة لم يتلاقها على فحسب، بل كانت نصيبها الأكبر لذاك الذي عاد للمنزل بعدما انتبه لدفترها الملقي على مقعده فأمر السائق بالعودة، وحينما دق باب المنزل أستقبلته فريدة وأخبرته بأن عمران بالخارج وعلى هو الذي بالداخل بغرفة مكتبه، فأشارت له على مكانها وطالبته بالدخول فكان بطريقه للداخل ليمنحه دفترها وبداخله عزيمة ليعرف من على أي شيء عن حالتها الغريبة تلك، فشُلت قدميه فور سماعه ما قالت، فاستند على الباب الزجاجي يغلق عينيه بقوةٍ ويستمع لها تخبره: هيقتلني يا علي، يمان هيقتلني لو وصلي المرادي.
عجز على عن السيطرة عليها، فردد برزانة: اهدي يا زينب، مفيش مخلوق يقدر يمس شعرة منك وانتي هنا وسطينا. اهدي وخدي نفسك عشان حالتك متسوئش.
هزت رأسها نافية واستندت على ذراعه حينما تمايل جسدها، لتحرر ما كبت داخلها حتى وإن كان مبعثر، غير منتظم كحالتها: خدعني ودخل حياتي. رسم عليا الحب ووعدني إنه هيحميني بس الحماية دي طلعت مؤذية أوي يا علي، أي حد بيقربلي بيأذيه، أخويا رفع إيده عليا ضربه بعربيته وأخرهم واحد عكسني وأنا معاه ضربه بالنار قدام عيني، ولما طلبت منه يسبني هددني بمية نار وكان هيعتدي عليا لولا إني هربت منه.
وسقطت على ركبتها تردد بانهيارٍ: كل ما بهرب منه بيلاقيني وبيعاقبني. المرة اللي فاتت هددني إني لو هربت هيقتلني وأنا هربت منه. كرهته وكرهت الحب وكرهت التملك اللي عنده، كرهت حياتي يا على ومقدرش أحكم على شخص محترم زي سيف بالموت. هو ميستهلش الأذية دي يا علي، يمان هيقتله وهيقتلني!
تأثر بها علي، فربت على ظهرها بحنانٍ وهو يحاول تهدئتها: أقسم بالله قبل ما ايده تلمسك لأكون قطعهاله. أنا مش قولتلك قبل كده أنا أخوكي وسندك. اطمني يا زينب انتي مش لوحدك.
تعالت شهقاتها بانكسارٍ وفاضت إليه برعشةٍ اهتز جسدها بأكملها إليها: أنا حاسة إني عايشة في كابوس ومش قادرة أصحى منه يا علي، نفسي أتكلم وأخرج اللي جوايا بس مقدرش أشيل فاطمة أكتر من اللي شيلاه.
أمسك بها وعاونها على الوقوف متعمدًا الضغط على حروفه: زينب بلاش تعيشي نفسك في الضعف ده اللي فات من حياتك ادفنيه ومتخلهوش يأثر عليكي، أنا جاهز أسمعك وأساعدك بس مش وانتي في الحالة دي. عايزك قوية زي ما اتعودت أشوفك.
منحته ابتسامة صغيرة وهي تهز رأسها بخفوتٍ، فتابع وهو يشير لها: يلا ادخلي اغسلي وشك في حمام المكتب مش عايز فطيمة تشوفك وانتي في الحالة دي.
تحاملت على ذاتها واتجهت للحمام الصغير التابع لغرفة مكتبه ونظرات على تتابعها بحزن حتى اختفت للداخل.
بينما بالخارج ابتلع تلك الغصة القاتلة التي استحوذت عليه، يعلم بأنه لم يصل لدرجة الحب فيما بينهما، ربنا أُعجب بها منذ لقائهما الأول ووجدها زوجة مناسبة إليه من عدة مناظير، ولكن الآن يشعر بالحزن والشفقة عليها.
حرك كتفيه وكأنه يعدل من هيئته مستعيدًا ثبات ملامحه الرجولية، طرق على الباب الزجاجي مرتين متتاليتين ومن ثم ولج للداخل يرسم ابتسامته الزائفة: دكتور علي.
نهص على عن مقعده بابتسامته البشوشة، قائلًا بدهشةٍ: سيف مش معقول!
صافحه بترحابٍ فرفع سيف الدفتر إليه يبلغه بحرجٍ: الدفتر ده وقع من دكتورة زينب بالجامعة كنت هديهولك بالليل لما تيجي عشان حوار أيوب بس كنت لسه قريب من البيت.
التقطه منه على بامتنان بدى بنظراته قبل نبرته: شكرًا لاهتمامك يا دكتور سيف. وبمناسبة لقائنا فانتظرني نص ساعة بس أغير هدومي وأجي معاك نفوت على المحامي ونطلع على الشقة.
جذب المقعد المجاور لمكتبه وهو يجيبه: خلاص هستناك ونروح سوا.
منحه ابتسامة جذابة وإتجه لباب الحمام الموصود يطرق عليه وهو يناديها بلطف خشية من أن يصعد للأعلى فتتفاجئ بسيف بالخارج: زينب انتي كويسة؟
تابعه سيف باهتمام رغم أن نظراته منصوبة للامام، فتحت الباب وهي تجفف وجهها بالمناديل الورقية: بقيت أفضل يا علي. تسلم.
قدم لها ما بيده وأشار تجاه المقعد القريب منهما: دكتور سيف جابلك الدفتر ده بنفسه.
رفعت مقلتيها تجاه ما يشير فتفاجئت بسيف يجلس وهو يوليها ظهره، تناولته من يد زوج أختها ورددت بتوتر: شكرًا على تعبك يا دكتور.
تنحنح بخشونة يجيبها دون أن يلتفت: العفو.
جذبت زينب باقي أغراضها وصعدت للأعلى، واتبعها على بعدما هاتفه: مش هتأخر يا سيف.
قال الاخير وهو يعبث بهاتفه: خد راحتك يا دكتور.
صعد على للأعلى وتبقى سيف شاردًا فيما استمع اليه منذ قليل وبداخله اصرار وعزيمة على أن يرافقها بطريقها للنهاية حتى وإن كان مطعم بالعوائق والصعاب!
مررت أصابعها حول سلساله الجلدي الأسود بشوقٍ وحنين إليه، تفتقده بشكلٍ يجعلها تود البكاء دونه، جذبت شمس هاتفها وآرسلت إليه رسالة وهي لا تملك الأمل بأن يجيبها
«آدهم أنا عايزة أشوفك. عشان خاطري محتاجة أتكلم معاك. »
ألقت هاتفها وهي تضم السلسال إليها الى أن أتاها صوت رسالته التي أحيت نبض قلبها
«خير يا شمس. في حاجة؟ »
ردت عليه
«هو في أكتر من إني أكون محتاجالك يا آدهم!
بقولك عايزة أشوفك صعبة دي! »
أجابها على الفور
«شمس سبق وأتكلمنا وقولتلك مينفعش نتقابل ولا نشوف بعض لحد ما أجي عندكم البيت وأقابل فريدة هانم ودكتور على وأطالبك بشكل رسمي، أنا مش الانسان اللي بيخالف عادتنا وتقليدنا وقبلهم أخلاقي اللي اتربيت عليها من فضلك قدري ده ولو في شيء مهم قوليلي حالًا»
كتبت بعصبية كادت باحراق هاتفها.
«أنت ليه بتبالغ بالشكل ده! وليه بتحسسني إني لما هشوفك هعمل شيء يشيلك ذنوب أو يقلل من أخلاقك. خلاص يا آدهم أنا اللي مش عايزاك ولا عايزة أشوفك. »
وأغلقت هاتفها ودموعها تنهمر على خديها بألمٍ، تشعر وكأن ما يفعله ليس الا تهربًا منها على الرغم من أنه طلب بالزواج منها من فريدة، ولكن ابتعاده التام عنها دون أن يحدثها حتى يزعجها ويجعلها تشعر بأنه لا يرغب بها وكأنها من فرضت ذاتها عليه!
صف عمران سيارته أمام شركته ينتظر أيوب الذي خرج إليه مبتسمًا، احتل المقعد المجاور إليه فتحرك به عمران وهو يسيطر على أعصابه المشدودة بصعوبة بالغة.
تعجب أيوب من صمته الغريب ولكنه كان أفضل من أن يمنحه سباب لازع ومواعظ ستعيق بينهما الاجواء.
خاب أماله حينما ضغط عمران الفرامل بكل قوته جعلت الاخير يكاد يرتد للأمام من توقفه المفاجئ، استدار عمران إليه يخبره بنبرة شبيهة بالرجاء المنفر: راجع نفسك يالا. لو مش لاقي أي حجج أنا ممكن أخطفك كام يوم عشان يكون معاك سند قوي للحلفان انك اتخطفت فعلًا.
مرر يده على جبينه وهو يستند للخلف بإرهاق لحق همسه الخافت: تاني يا عمران. تاني!
وتهدل ذراعه بانهاكٍ تام مسترسلًا: أنا تعبت أقسم بالله تعبت من الكلام والتبرير ليك، أقولك نزلني أركب تاكسي أفضل من التعب ده.
جذبه بغضبٍ شرس: اتلقح مكانك لأعلم عليك، متسربع على أيه بروح أمك!
مرر يده بخصلات شعره الطويل يحاول تقبل الأمر للمرة المائة والحادية والعشرون وحينما فشل استدار إليه يجذبه من تلباب قميصه بعنف: اتجوزها يا أيوب بس وأقسم بالله العلي العظيم لو استهبلت فيها وقربت لبنت ال دي لأكون قاتلك. الجوازة معروف سببها يبقى تسيطر على نفسك كده وتخليك بعيد سامعني يابن الشيخ مهران؟
انفجر ضاحكًا وهو يهز رأسه موافقًا حتى أدمعت عينيه فدفعه عمران لمقعده وعاد للقيادة بانفعالٍ من صوت ضحكاته الصاعدة، طرق أيوب كفًا بالأخر وقال ساخرًا: كنت بتلوم على سيف وغيرته عليا إديك قلبت على الزوجة اللي خايفة جوزها يدخل على ضرتها!
لكزه عمران هادرًا بغضبٍ: اظبط بروح أمك. تحب أركن على جنب وأنزل أوريلك الرجولة اللي على أوصلها وبعدها ابقى قابلني لو كان فيك حيل تخطي نحية اليهوديه بنت ال دي!
وتابع وهو يتحكم بالمقود: أنا نفسي أفهم عرفتها من أنهي داهية دي، مالقتش الا عمها شغال في الجيش الإسرائيلي، ده سفاح يا ابني!
تنهد أيوب بتعبٍ، فمال على النافذة يتحكم بصمته تاركًا عمران يخرج ما بداخله مستنزفًا كل مجهوده في محاولة لاقناعه، وبالرغم مما بذله الا أنه وجده يتثاءب ويغلق عينيه استسلامًا للنوم مما جعل الاخير يقتاد غيظًا، فانحنى يجذب زجاجة المياه وفك غطائها بفمه ملقيها على وجه الأخير وهو يصيح بغضب: هو أنا بحكيلك حدوتة قبل النوم بروح أمك!
زفر أيوب بحنقٍ: يادي روح أمي اللي انتي مسكهالي آه لو الحاجة رقية سمعتك هتخليني أقطع علاقتي بيك، اذا كانت منعتني من نزول الحارة لمجرد إن واحد من اصحابي قالي شتيمة بريئة أمال لو قعدت معاك شوية هتعمل أيه؟
منحه نظرة ساخرة مضيفًا بعنجهية: ادعي ربنا إنها متقابلنيش، هتزور إنت وأبوك محكمة الآسرة لأول مرة، عمران الغرباوي بيبقى جنتل مان وقت ما بيحب وده هيخلي قلب الحاجة ميشوفش غيري.
واستطرد وهو يعدل بذلته بغرور: وجودي هنا بعيد عن مصر مانع كوارث كتيرة هتحصل لو نزلتها. هتلاقي محكمة الآسرة بتروج من كتر قواضي الطلاق لدرجة إنهم هيبوسوا ايدي إني أرجع لندن وأرحمهم!
زوى أيوب حاجبيه بتهكمٍ، فهز عمران رأسه حالفًا: آه والله يا ابني. ومش بعيد تلاقي القاضي واقف مع التيم ومش لاقي اللي يحكم في قضيته هو كمان لإن مراته انضمت لمعجبات عمران سالم الغرباوي.
ابتسم أيوب وصاح بنزق: عمران انت حد قالك قبل كده إنك مغرور؟
غمز له بمشاكسة: لأ. اتقلي إني وسيم وجذاب ومعاكسات تانية من الحريم عيب تسمعها وإنت في السن ده!
تمادى في الضحك وهو يهز رأسه بقلة حيلة مرددًا: انت مش طبيعي!
اجتمع الشباب بأكملهم بشقة سيف، وبعد أن جهز المحامي عقود الزواج تم عقد زواج أيوب على آديرا بشكلٍ قانونيًا، فاستغل عمران وجود محامي عائلته وجعله يجهز أوراق تخص فض الشراكة بينه وبين نعمان الغرباوي، فاتفقا على أن يزورهم المحامي بالغد بعد أن يجهز الاوراق، وفور أن غادر جلسوا جميعًا بالصالون تاركين ليلى بالداخل برفقة آديرا تنتظر ما سيفعلونه الآن.
حطم آدهم جلسة صمتهم بعد أن أخرج من جيب جاكيته الأسود مفتاحًا وضعه على الطاولة الموضوعه بالمنتصف قائلًا: ده مفتاح شقتي يا أيوب خد مراتك واقعد فيها لحد ما التلات شهور دول يعدوا وترجعوا مصر.
اعتدل بجلسته رافضًا ما يقدم آدهم على فعله: لأ طبعًا مش هقدر أعرضك لخطر زي ده يا آدهم إنت بنفسك لسه كاشفلنا منصب عمها يعني الخطر اللي هتعرضله كبير ومش هين فانسى إني أقبل أعرض حد فيكم لخطر زي ده، مش هقبل مساعده من حد فيكم.
رد عليه آدهم بهدوء: شقتي آمن مكان ممكن تكون فيه يا أيوب، متنساش إني بشتغل في المخابرات ومأمن الشقة دي كويس جدًا فمستحيل حد يوصلك هناك ده أولًا، ثانيًا أنا نازل مصر الاسبوع الجاي يعني مفيش خطر هتعرضله من الاساس، وحاليًا أنا قاعد مع سيف والشباب هنا. هنزل معاك دلوقتي أخد هدومي عشان هسافر، من هنا على طول.
أضاف يوسف موكدًا: كلام آدهم عين العقل يا أيوب، إنت لازم تتدارى الفترة دي على قد ما تقدر لحد ما ترجع مصر، وأكيد شقته أمن مكان لأنه كان متخفي هنا.
قال على بعقلانية: هروب آديرا من عمها هيزود العداء اللي بينك وبينه عشان كده لازم تتحرك بسرعة وتبطل تظهر كتير لحد ما تمتحن وتنزل على مصر.
ردد سيف بحزن: يعني أيه؟ مش هعرف أشوفه ولا هعرف عنوانه؟
أجابه أيوب بحنان: لا طبعًا مش هقدر أكون بعيد عنك يا سيف.
ووزع نظراته بينهم وهو يتابع بحرج: ولا عنكم. أكيد هجي أشوفكم كلكم.
زم عمران شفتيها مرددًا بسخطٍ: الله وكيل ما هنبقى طايقين نشوف خلقتك يا جوز العبرانية!
حذره على بنظرة صارمة، فصاح بتهكم: مش على معدتي الجوازة دي يا على الله!
ضحك جمال وقال: حرام عليك يا عمران قتلت البنت من الخوف وهي بتوقع على العقد، هترضى عنه أمته!
وضع ساقًا فوق الاخرى مرددًا: هرضى عليه لما يطلقها ويتجوز بنت متدينة تليق بيه.
ضحك يوسف وقال بسرور: طيب يا عمران بما انك مكتئب كده أيه رأيك تغنيلنا أغنية بطعم المرار الطافح اللي سقيه للواد ده!
تعالت الضحكات الرجولية فيما بينهم، ونهض على يشير لأدهم قائلًا: .
الوقت اتاخر يالا يا سيادة الرائد نوصل أيوب لشقتك وأرجعك هنا تاني.
انتصب أيوب بوقفته وقال: ثواني هجيب آديرا.
لوى عمران شفتيه حانقًا: سبها هنا تبات مع سيف وروح عند آدهم ادرى أهو لو عمها وصل لهنا حلال فيه وفيها القتل.
سعل سيف بقوةٍ وصاح بلهفة: ميبقاش قلبك أسود يا عمران مش اعتذرتلك وبوست رأسك قدام الرجالة دي كلها؟
منحه نظرة ساخطة غير راضية: معفتش عنك لسه، ايدك تقيلة ومعلمة في وش استاذك اللي شربك الصنعة!
وضع كوب العصير على الطاولة ونهض يجذب أخيه عن الاريكة ليجلس هو جواره قائلًا: طب قولي أعمل أيه عشان تتصافى؟
ارتشف من كوبه بتلذذ مستفز، وقال: تروح تبات مع صاحبك أو تجبره يأخد منوم عشان أنا شامم ريحة الحب فايحة من بوقه ومش مطمنله.
برق على بصدمة من حديث أخيه الجريء وصاح يحذره: عمران ميصحش!
نهض يقترب منهم: أمال أيه اللي يصح يا دكتور لما تلاقيه داخل عليك يبشرك بحمل اليهودية ونقف نتفرج على انتاجه؟!
احمرت بشرة أيوب حرجًا، فوزع نظراته بين الشباب بتوتر لحق نبرته: حلفتله إني مش هعمل كده ومش مصدقني والله!
ربت آدهم على كتفه وهو يهمس له: ولو حصل دي مراتك!
هز اصبعه بالنفي القاطع: أقسم بالله ما في دماغي الكلام ده أسمعني يا آدهم انا مش هكمل معاها أساسًا أنا وبنت عمي شبه مخطوبين والمفروض اني هخلص تعليمي وهنزل أخطبها بشكل رسمي.
قال على بابتسامة مشفقة على ارتباك أيوب: متبررش للوقح ده حاجة يا أيوب، ادخل هات مراتك وتعالى.
دعس عمران قدم سيف المجاور له وهو يهتف بغيظ: هيقولي مراته بردو!
تأوه سيف بصراخ رعبهم وفاض بعصبية: وأنا ذنب أهلي أيه يا عمران. أنا سنجل وهفضل طول عمري سنجل اطمن!
صرخ يوسف بتعصب: لاااا متقولش كده ده أنا أروح فيها. هجوزك يالا والله العظيم لاجوزك!
ضرب جمال كف بالاخر وأشار لعلي: يلا ننزل يا دكتور لحسن مخهم ضرب بسبب الطاووس الوقح ده.
هبطوا معًا للاسفل بينما ولج أيوب لغرفة آديرا، فاقترب منها يخبرها بثباتٍ: سنرحل من هنا. هيا.
هزت رأسها له، واتكأت على طرف الفراش في محاولة للنهوض، فتناثرت دموعها جراء ألم بطنها، كانت ليلى أول من ركضت إليها تخبرها: هل ستتمكنين من المشي؟
نفت بهزة رأسها والألم يعتصر ملامحها، فانحنى أيوب يحملها بين ذراعيه وانطلق للمصعد وآديرا تتطلع له بصدمة جعلت عينيها تبرقان بشكلٍ مضحك، ذاك الشاب الذي كان يرفض اقترابها منه ويحذرها بالابتعاد يحملها ويمضي بها هكذا.
ارتابت من أمره وخشيت أن يلقي بها بأي وقت، فما أن توقف بها وخرج للسيارات حتى لفت ذراعيها من حول رقبته وهمست له بخوف: هل ستلقي بي أمام احدى السيارات لتقتلني ما الذي تخطط له أيها الإرهابي!
اندفع تجاهها عمران يصيح بشراسة قاتلة: أقسم بالله الواحد الأحد إنني سأقتطع لسانك القذر هذا إن سب أخي بالارهاب، الإرهابي هذا هو عمك الحقير يا امرأة! وإن خدعك بأننا إرهاب دعيني أريكِ ما أنا بصانعه لكِ الآن!
ارتعبت آديرا حينما وجدته أمامها فشددت من لف ذراعيها حول أيوب وهي تترجاه: يا ويلي هذا الشرس سيقطع لساني. أيوب أتوسل إليك أعدني لشقتك أو لعمي أنا راضية بما سيفعله ولكن صديقك هذا مخيف للغاية!
فشل بكبت ضحكاته بينما دفع على عمران لسيارته بحدة: عمران كفايا كده. يلا ارجع البيت وأنا شوية وهحصلك.
منحها نظرة قاتلة وردد وهو يشير على رقبته بحركة مخيفة: انتبهي لما ستقولين بحقه والا سأنحر عنقكِ.
لعقت شفتيها وهتفت له: اطمئن لن أكررها مجددًا أعدك!
ضحك جمال وشاركه يوسف الذي أحمر وجهه من فرط الضحك، بينما صعد آدهم بسيارة على وبالخلف أيوب وآديرا التي تراقب أعين عمران برعبٍ وكأنها ترى شبحها القاتل!
اتبع على الطريق الذي شرحه له على حتى أوصلهما واتجه بآدهم ليعود به لشقة سيف ولكنه تفاجئ به يخبره: دكتور على هو أنا ممكن أطلب منك طلب؟
استدار إليه باهتمامٍ: طلب أيه؟
بغرفة زينب.
اتجهت لفراشها تستعد للنوم فدق هاتفها برقمٍ مجهولٍ، رفضت اجابته وتركته على الكومود فوصل لها رسالة جعلتها تستقيم بنومتها ففتحتها وهي تقرأ محتوياتها، فشهقت بصدمة جعلتها تنهض عن الفراش وهي تصرخ برعبٍ ومحتوى الرسالة تلحق برأسها فجعله يدور كالمزلاج
«أنا رجعت يا حبيبي اشتقتيلي! ».