قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس والتسعون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس والتسعون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس والتسعون

انشغلت الجميع بنقل الحقائب وبعض الاشياء لقصر الغرباوي، في حين أن العائلة ستنتقل بالغد، الجميع بغرفهم يعدون متعلقاتهم الشخصية.

حزمت فريدة أخر حقيبة لها، ثم أشارت للخادمة قائلة: شيلي الشنطة دي براحة، عشان فيها مجوهراتي وال Accessories بتاعتي.
أومأت برأسها باحترامٍ، وحملت الحقيبة تهبط بها لسيارات الحرس، بينما عادت فريدة ترتب الفراش المبعثر من الحقائب، وما أن استقامت بوقفتها حتى وجدت زوجها يلج من الغرفة، وهو يسألها بابتسامته الجذابة: خلصتي يا حبيبتي ولا محتاجة مساعدة من جوزك البطل، أنا جاهز لأي مساعدات من إنهي نوع!

قالها وهو يحيطها بحبٍ، فأحاطت ذراعه وقالت ببسمتها الرقيقة: منحرمش منك يا حبيبي، أنا خلاص خلصت، بس هروح أتمم على فاطيما ومايا وهرجعلك على طول.
مسد على بطنهل المنتفخ وسألها بلهفة: حبيبة بابي عاملة أيه مع فريدة هانم، أوعي تغلبي مامي مش عايزين شقاوة لحد ما تشرفي القصر الملكي ونعملك حفلة استقبال ملوكي، تليق بأميرة عيلة الغرباوي.

ضحكت فريدة وهتفت باستنكارٍ: حفلة مرة واحدة، أحمد أنا هتكسف صدقني.
أدارها إليه تقابل نظرات عينيه العاشقة، التي تضعها في خانة العشرينات من عمرها، تعوضها عما مضى دونه، ومال يردد ببطءٍ أذابها: كل اللي فات من وعدى من حياتنا من غير من نشاركه مع بعض هنعيشه ونعوضه يا فريدة، وعلى فكرة إنتِ مش صغيرة في عنيا عشان أضحك عليكِ بكلمتين، إنتِ فعلًا صغيرة ومفيش في رشاقتك وجمالك.

أزاحت يديه من حولها، وقالت وهي تعيد خصلاتها القصيرة للخلف، تخفي خجلها: طيب أوعى بقى من طريقي، خليني أطمن على البنات وأتأكد بنفسي إن محدش فيهم ناسي حاجة.
أعترض طريقها مجددًا وقال ضاحكًا: بالمناسبة مش ناوية تحكيلهم ولعمران بالأخص عن قصة حبنا اللي كان منبتها قصر عيلة الغرباوي نفسه؟ يعني على إعتبار إننا هنرجع نسترجع أجمل ذكرياتنا هناك، وبنتنا الأميرة هتشرفنا هناك!

ازدادت حمرة وجهها بكثرة، وتهربت من لقاء عينيه الجريئة، مرددة باستحياء: خلاص يا أحمد بقى، عديني الوقت إتاخر وعايزة أنام بدري عشان أكون فايقة لبكره.
وقف جانبًا وأشار له بحب، فاحنت رأسها بإشارة راقية، كأنها ملكة تلقي تحيتها إليه، ثم خرجت تتجه للطابق المخصص بجناح على وعُمران، ومازالت بشرتها تتشرب الحمرة الطفيفة.

توقف فريدة محلها حينما رأت عُمران يصعد الدرج، متجهًا لجناحه، وما أن رأها حتى رنا إليها مبتسمًا رغم كل الأوجاع النافرة بداخله، مال يقبل رأسها وإنحنى يقبل يدها قائلًا: مساء الخير على أجمل قمر هربان من سماه على الأرض المحظوظة بلقاه.
سحبت كفها وقد ازدادت حمرتها، فهتفت بحنقٍ: لسه سايبه بكاش ورايا ودلوقتي في بكاش تاني قدامي.

تمردت ضحكته وراقب باب غرفتها قائلًا بمرح: لا ده بيبكش عليكِ عشان يأكل عيش لكن أنا ماليش أي مصلحة يا فيري! أنا حبي ليكِ خالص لوجه الله.
ابتسمت بخفةٍ على حديثه، وسألته بحماسٍ: طمني أخبار الترتيبات أيه؟ والورود اللي طلبتها منك.

رد عليها وهو يراقب لهفتها على الانتقال للعيش بالقصر: كله تمام يا حبيبتي، وأنا بنفسي اللي مليت ?ازات جناحك بالورد، وخليتهم يزينوا السلم والمدخل الخارجي للقصر.
ضمت وجنته بيدها الرقيقة، ونطقت بحب: تسلملي يا روح قلبي، منحرمش منك أبدًا يا أجمل بشمهندس في الدنيا.

قبل باطن يدها، وحينما وجد أحمد يقف من خلفهما يتابعهما وهو يربع يديه أمام صدره مستندًا على باب الغرفة، وملامحه لا تنذر بالخير، ففرق عُمران ذراعيه وقال بخبث: وأخيرًا تم الاعتراف بفني وبموهبتي كبشمهندس.

انزوت بأحضانه بحنانٍ، تتلمسه داخله، بينما يستطرد ورماديتاه تتحدان أحمد بمشاكسة: على فكرة أنا كنت عارف إنك بتخلي حد من اللي واقفين على البوابة يصورلك أول بأول كل تجديدات الفريق، فبما أن السعادة دي كلها مرسومة على وشك فأنا منبهر بالنتيجة اللي هأخدها منك بكره من دلوقتي، كفايا أعتراف فريدة هانم الغرباوي بنفسها.

ضحكت، وهي تجيبه بفخر: فريدة هانم الغرباوي فخورة بيك يا حبيب قلبي، كفايا شطارتك وسرعة تنفيذك لكل اللي طلبته منك في فترة صغيرة جدًا، تصدق إني بفكر أعملك دعايا في ندوة سيدات المجتمع الآرستقراطي.
شاركها الضحك، وقال ساخرًا: كمان! لا أنا كده حد جامد فعلًا! أنا خايف على نفسي من الغرور والله يا فيري، فبقول كفايا كده لحد ما بس أخلص المشاريع اللي معايا، قدامي فيها عشر سنين على الأقل.

رفعت رأسها إليه، ومازالت داخل أحضانه: مشاريع أيه دي؟
أجابها بابتسامته الهادئة: بكره تابعي التليفزيون والسوشيل ميديا، عندي مؤتمر صحفي كبير هتكلم فيه عن كل حاجة.

ضمته وشعورها بالفخر يزداد تجاهه: مبروك مقدمًا يا حبيبي، أنا فخورة بيك يا عُمران.
تعلق بها وقلبه يستريب شعورًا مريبًا، لدرجة أنه تناسى أنه يمازح عمه المشتعل من أمامه، بل مال على كتفها رغم فارق الطول والأجسام بينهما، يستمد منها طاقة أعادت له سلامه النفسي.

إلى هنا وكفى، لم يحتمل أحمد البقاء مكتوف الايدي، تاركًا زوجته بين يد ذاك الوقح الذي يكاد يفوقها بالعمر من فرق الاوزان والاحجام بينهما، فأسرع يبعده عنها وهو يصيح بنفور: ما خلاص يا وقح، ساعة واقف بتحضن! إنت ناسي إنها حامل ولا أيه! مستخف عضلاتك ولا ناسي إنت هيكلك أيه؟!

استعاد ثباته ووقف قبالته يطالعه بنظرة ماكرة: مال وشك يا عمي!

قالها وهو يتحسس وجهه، بينما تكبت فريدة ضحكاتها بصعوبة: حرارتك معدية أوي، إلحق بسرعة نادي جوليا تجبلك مكعبات تلج قبل ما تقلب عندك بحمى بعد الشر عليك وعلى عضمك الباين من البادي اللي إنت لابسه ده، قال ده لابس سباحه ده ولا أيه يا أحمد باشا؟

احتقنت رمادية أحمد بغضب، وأشار لفريدة التي تتخفى بضحكاتها خلف لائحة يدها: سامعة وقاحة ابنك يا فريدة؟

ردت عليه وهي تستعيد جديتها: مش أنت اللي بدأت تستفزه يا أحمد؟

ربع يديه أمام صدره بغيظٍ: وإنتِ من أمته بتنصريني قدام الوقح ده!

ضحك عُمران وقال: حبيب قلب عمو متزعلش، فيري بتحبك بنفس قدر ابنها ويمكن أكتر.

ومال على فريدة يخبرها بصوتٍ مسموع: بكشي عليه بكلمتين خليه يلم الحوار بدري بدري.

جحظت عينيها في صدمة، وصاحت بعصبية: آآ. أيه؟ إنت إزاي تتكلم معايا بالطريقة السوقي دي يا ولد! مش قولتلك ألف مرة تبطل تتكلم بالطريقة دي!

ضحك أحمد بشماتة، وغمز له بطريقة أضحكت عُمران، فقال وهو يستعيد لغته المضبوطة:
I was just kidding the queen of the Gharbawi family
(كنت أمازح ملكة عائلة الغرباوي فحسب! ).

إستغل أحمد الأمر وصاح بسخرية: أيوه يا حبيبي كل ما تتزنق تقلب ليك كلمتين إنجليزي على فرنساوي على الكام لغة اللي حافظهم وتنفد بجلدك.

رد عليه مبتسمًا ببرودٍ: مش أي حد حافظله كلمتين إنجليزي يقدر ينفد منها خد بالك، دي موهبة يا أحمد باشا.

تابعتهما بقلة حيلة، وغادرت وهي تتمتم: أنا رايحة لمايا وفطيمة، أنتوا مش هتعقلوا أبدًا ولا هتبطلوا شغل الآولاد ده.

تركتهما وإتجهت لجناح مايا، بينما جلس عُمران على الطاولة القريبة منهما، وجلس أحمد قبالته يتابعه بصمت، قرأ عُمران ما بعينيه، فقال بابتسامة ساخرة: قول اللي عندك يا عمي، أصل مفضلش غيرك عشان تحذرني إنت كمان.

لمس عُمران قلقه الصريح المدفون داخله رغم المرح المتبادل بينهما، فزفر أحمد بوجومٍ: أنا محتار بصراحه ومش قادر أحدد موقفي، اللي هتعمله ده هيتحسب ليك يا عُمران، وخطوة ناجحة بكل المقاييس وتعتبر هتكون من أهم رجال الاعمال اللي أخدوا الموضوع بشكل جادي بس أنا مرعوب عليك، إدارة الشركة عندي ودايرة المستثمرين من حوليا مش مبطلين كلام عنك وعن جراءتك.

ولمس كفه الموضوع على الطاولة يعبث بمفاتيحه: أنا فخور بيك بس مقدرش أمنع خوفي عليك يا عُمران إنت ابني بالرغم من إني شايفك صاحبي أكتر، طول عمرك بتحتويني بشكل مخليني مش قادر أشوفني أب ليك، لان المفروض أنا اللي احتويك مش العكس!

ابتسم وهو يطالعه بحبٍ واحترام، وقال وهو يعيد ضم كفه: متخافش عليا يا باشا ابنك أسد ويسد في أي خانة.
ومازحه بضحكة أرغمت أحمد على الضحك: ومتحترش وقت ما تحب تشوفني ابنك هتلقيني وبردو وقت ما تحتاج تشوفني صديقك، لاغيني إنت بس وأنا بسلك، وبسد في أي دور يا باشا.

ربت على كتفه وانتصب بوقفته: متفقين يا وقح، يلا هروح أنام بقى، ورانا يوم طويل بكره، تصبح على خير.

رد عليه، ومازالت ابتسامته تتشكل على وجهه: وإنت بألف خير يا حبيبي.

قالها وبقى محله، يجذب هاتفه ويتطلع لشاشته بترددٍ، يود أن يهاتف شمس ليطمئن عليها، ولكنه تركه ومال يستند على إبهاميه بتعبٍ.

عُمران كويس إني لاقيتك هنا.
قالها علي وهو يدنو منه، فسحب عُمران هاتفه ومفاتيحه وإتجه يغادر مرددًا: تصبح على خير يا علي.

أوقفه حينما أمسك ذراعه: أقف هنا متعملش زي العيال الصغيرة وهما غضبانين.

رد دون النظر تجاهه: أنت عارف إني مش من النوع اللي بيتهرب، بس أتا تعبان ومحتاج أرتاح.

جذبه بقوة لمقعده من جديد: وأنا مش هسيبك تنام وإنت زعلان مني يا عُمران، إقعد وخليني أشرحلك وجهة نظري ولا خلاص مش فارقلك كلامي؟

جلس على المقعد قبالته بازدراء، وهو يحرك ساقه بعصبية مكبوتة، بينما تتهرب عينيه من لقاء أعين أخيه، الذي قال: ممكن تبطل تحبس غضبك بالشكل ده، إنت كده بتأذي نفسك أكتر.

نطق عُمران بنفس نبرته الهادئة: ممكن إنت اللي تبطل تعاملني كأني مريض نفسي وتحت المجهر!

تنهد بحزنٍ وقال: الموضوع غصب عني على فكرة، إتعودت أدرس أي حركة بسيطة بتعبرلي عن شخصية اللي قدامي، عشان أقدر أتعامل معاه.

هز رأسه بعدم اقتناعٍ، وهدر فيه: أنا احترمت كلامك ومشيت، فياريت تفهمني وجهة نظرك، لإني لحد دلوقتي مش متخيل إني سبتها هناك ورجعت من غيرها بعد اللي آدهم عمله وقاله.

تخلى عن هدوئه حينما هدر بضيقٍ من طريقته: عُمران أوعى يجي في بالك إن اللي عملته ده عملته ومهمنيش كرامة شمس، مش إنت لوحدك الا بتخاف عليها ولا على العيلة، انتوا كلكم مسؤولين مني فياريت متنساش ده.

وأضاف برزانةٍ وحكمة: بس اللي لازم ترضى وتتقبل بيه إن آدهم كمان بقى واحد مننا ومن العيلة، ولو أنا شاكك إنه قاصد يهينها أو يقلل منها أنا أول واحد كنت هقفله.

صاح بعنفٍ وعصبية: إزاي يعني مش قاصد يهينها بعد كل ده يا علي! فهمني إزاي! ومتقوليش إنه مش في حالته الطبيعية لإنه كان طبيعي جدًا قدامي.

سحب نفسًا طويلًا يستلهم به ما سيقوله: آدهم مش في حالته الطبيعية يا عُمران، وده حاصل من الموقف اللي إتعرضتله شمس وعرض حياتها للخطر، واحتياجها لمساعدة آدهم حسسه لأول مره بالعجز.

زوى حاجبيه في دهشةٍ، وتساءل بصدمة: موقف أيه اللي شمس اتعرضتله وإزاي متقوليش اللي حصل معاها!

أجابه بحزمٍ: أختك الحمد لله بخير إنت لسه راجع من عندها من شوية، وبعدين ده مش موضوعنا خلينا في المهم.

وتابع وهو يسترعى إنتباهه لما سيقول: آدهم من وقت الموقف اللي إتعرضتله شمس وهو مش طبيعي، لان دي كانت بداية الصدمة ليه، بعد ما فاق من غيبوبة إنه عايش وبخير، إبتدى يكتشف واحدة واحدة باللي مكنش قادر يستوعبه باللحظة اللي عرف فيها خبر فقدان بصره، عشان كده لو ركزت هتلاقيه إنه كان بيتعامل مع شمس طبيعي جدًا وهما في المستشفى.

تذكر عُمران طريقة تعامل آدهم مع شقيقته، كان حنونًا للغاية بفترة بقائه برفقته بالمشفى مثلما يخبره أخيه، ولكن عقله عاطل عن إستيعاب ما يحاول أخيه قوله، فردد بتيهةٍ: إنت عايز تقول أيه يا علي؟

أجابه بعقلانيةٍ لطالما تحلى بها: الانسان لما بيتعرض للموت رد فعله بيكون مختلف على أي خبر بيسمعه، بيكون مستعد كليًا ليه عن الشحص السليم المعافى، بشكل أوضح لو في شخص سليم تعب فجأة وراح المستشفى وإتشخصله بتر في ساق واحدة، رد فعله بتبقى أقوى تلات أضعاف من إنسان تاني شاف الموت بعينيه الاننين، وكان فاقد الأمل أنه هيرجع للحياة تاني، ولما تجيه الفرصة ويكتشف إن رجليه الاتنين اتبرت مش واحدة زي التاني، هتلاقي واخد الخبر بنفس راضية ومش بنفس صدمة الاولاني، لإن أي إصابة هتكون أهون عنده من الموت ألف مرة، كل اللي هو شايفه نجاته من الهلاك اللي كان مستنيه، مع إنه لما يفوق من الحالة دي هيبتدي يحس بنفس إحساس الشخص الاولاني، مع أول موقف هيكون محتاج فيه يكون واقف على رجليه.

وتابع باستفاضةٍ: وده اللي حصل بالظبط مع آدهم، لما فاق مكنش لسه مستوعب الحياة اللي هيضطر يعيشها، واللي هيتجرد فيها من مهاراته كظابط، إضافة إنه من النوع اللي بيفكر في اللي حوليه أكتر من نفسه، يعني بيدخل بصدره وأخر همه إنه يتأذي، المهم اللي حوليه، وللاسف الموقف اللي إتعرضتله شمس وقفه قدام عجزه وش لوش، عشان كده حاول يبعدها عنه عشان مش هيتحمل إنها تتأذي بسبب عجزه عن حمايتها، وده اللي أنا كنت متوقعاه من شخصية زي شخصية آدهم واللي بالفعل حذرت منه شمس وقولتلها تتعامل معاه على هذا الاساس بس هو قلب الدنيا لما كلمك، دخلك بالموضوع وسحبني أنا كمان معاكم.

خرج عن صمته وحسن إنصاته لأخيه، مرددًا بعد أن عقل حديثه جيدًا: أنا معنديش شك في كلامك ولا تشخيصك لحالة آدهم يا علي، أنا عندي مشكلة إني مش هقدر أتهاون معاه وهو بيتعمد يهينها، مش هقف أتفرج عليه وأبررله انه مش في حالته الطبيعية.

واستطرد بهدوء ليستراعى انتباه أخيه: أنا بعز آدهم وأنت عارف كده كويس، بس مهما كان شمس أختي بالنهاية، فمش هقبل إنه يجي عليها مهما كانت حالته، لو عليا أنا هتحمله باستفزازه ده لكن هي لا يا علي.

يعلم ما يشعر به بتلك اللحظة أخيه، لذا هدأ من روعه حينما قال: ومين قالك إننا هنسكت على اللي بيعمله ده، أنا خلاص اتصرفت، وبكره الصبح هيروحله اللي هيعقله، ويرجعه لعقله من تاني.

ضيق رماديته باستغرابٍ: وليه إنت اللي متتكلمش معاه طالما إنت فاهمه أوي كده!

ابتسم وهو يجيبه بخبث: عشان أنا فاهم شخصيته كويس اختارتله الشخص المناسب!

إنتهوا من تناول طعامهم، ونهضت الحاجة رقية تحمل الأطباق للمطبخ، فنهضت سدن تعاونها، ثم لحقت بهما خديجة، ولكن رقية اعترضت طريقها، وحملت منها الاطباق قائلة: سيبي الاطباق وإطلعي شقتك مع جوزك يلا يا عروسة.

إرتجف جسدها من فرط البرودة التي أصابتها، حتى أنها حمدت الله أنها التقطت الاطباق منها بالفعل، الصعود برفقته، والبقاء بمفردهما، الفكرتان تكاد تقتلها بالبطيء، تجاهلت ما قالت وولجت للمطبخ تقف على حوض الاغتسال، تنظف الاطباق، فلحقت بها الحاجة رقية تجذب عنها ما بيدها وهي تعاتبها برفق: وبعدين معاكِ يا خديجة، ما قولتلك اطلعي شقتك انتِ وأنا وسدن هننضف الدنيا كلها في دقايق.

ازدردت حلقها الجاف، وهتفت: مفيهاش حاجة لما أساعدك يعني يا خالتي.

ربتت على ظهرها بحنان، وأخبرتها باصرار: إسمعي بس كلامي واطلعي يلا يا حبيبتي.

وخرجت برفقتها ترفع من صوتها حتى يستمع لها من يجلس بغرفة الضيوف برفقة عمه وابنها: يونس!

بغرفة الضيافة الخاصة بمنزل الشيخ مهران.

مازال الحزن يقتحم أسوار مدينته منذ لحظة مغادرة أخيه، ومازال يُونس والشيخ مهران يحاولان أن يخففان عنه، فقال الشيخ بحكمته: يا حبيبي الراجل قال الكلمة بعفوية مقصدش بيها شيء، لو كان يعلم بالامر لما فعله، اللي حصل مقدر ومكتوب وحضرة الظابط أكيد متفاهم وعارف إنها فترة مؤقتة وهتزول بإذن الله.

رفع فيروزته لأبيه وهدر بصوت مختنق: آدهم إنكسر يا عم الشيخ، أنا حسيت بيه وهو بيحاول يبين إنه متأثرش.

رد عليه يونس بنبرة يحاول فيها امتصاص حزنه: مهو طبيعي إنه يزعل يا آيوب، دي تعتبر أول خروجة ليه وهو بوضعه ده لسه متعودش على وضعه الجديد، وبإذن الله ميلحقش يتعود عليه وربنا يردله بصره.

أحنى رأسه وهو يهمس بتمني وأمل: يا رب يا يُونس يارب.

إخترق صوت الحاجة رقية مجلسهما، فابتسم الشيخ وقال ويده تمرر على سبحته السوداء: يلا يا عريس اطلع شقتك مع عروستك، ربنا يجمع بينكم في محبة ورحمة ويجعلها أعظم مثال للزوجة الصالحة ليك يابني.

وأشار بإصبعه يحذره بوضوحٍ: أوعى تنسى وصية رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، أوعى تنسى يا يُونس أي وصية سابهالك حبيبك محمد عليه السلام، خد بالك إنها من اللحظة دي مسؤولة منك مسؤولية كاملة، فأوعى متكنش أد المسؤولية.

تهدلت شفتيه عن ابتسامة جذابة، ومال يقبل رأسه وهو يخبره: متقلقش يا شيخ مهران، كلامك في وداني من يوم جوازي عليها الأول، منستهوش أبدًا وهعمل بيه وأنا بتجوزها للمرة التانية.

مرر يده على شعره الأسود الغزير وقال بمحبة أب: ربنا يسعد قلبك ويفرحك يا حبيبي.

قبل يده واتجه للخارج حيث كانت الحاجة رقية بانتظاره وزوجته تجاورها، ومازالت تتخفى بنقابها الأبيض، يحسب كل دقيقة تمر حتى يسحبه عنها ليتعمق برؤية وجهها بعدما حُرم رؤيته، ولكن ما مر كان الاطول على الاطلاق، والآن يفصله القليل عن ضمها إليه.

سحب فيروزته عنها بصعوبة وانتبه لرقية التي تقول في سخرية: هو الواد آيوب وعمك الشيخ مهران وحشينك ولا أيه، ده أنا قولت الواد بيفهم ومهيصدق الدنيا تخلى عشان يأخد عروسته القمراية دي ويهرب، وإنت قاعد ولا على همك.

ضحك بصوته كله وقال يجاريها: اديني جيتلك أهو، إديني العروسة وههرب ييها حالًا حاضر.

ضحكوا معًا، وخاصة حينما ردت عليه: العروسة أهي سلكتهالك من المطبخ وشغل البيت بالعافية، فإلحق بسرعة قبل ما ترجع بكلامها.

دنى منها يُونس وقرع طبول قلبه يفضح مشاعره وتوقه لها، ثنى ذراعه وهمس لها: يلا يا عروسة؟

ارتبكت بوقفتها وهي توزع يدها بين الحاجة رقية وبين ذراعه الذي ينتظرها، تصنعت خديجة إلتهائها بتعديل طرف الفستان الأبيض الطويل، ثم تحركت تجاه الأريكة التي يعتليها ابنها.

سحبت عنه هاتف آيوب، وأغلقت الافلام الكرتونية عنه، ثم قالت: يلا يا فارس.

أبعد الطفل كفها عنه وعاد يجذب الهاتف قائلًا: لا أنا هبات مع آيوب هو متفق معايا ومديني تليفونه.

عادت تبعد الهاتف عنه وتصر بقولها: لا مينفعش.

لفتت أنظار رقية ويونس لها، فلعقت شفتيها الجافة ورددت تصحح ما قالت: إنت هتتشاقى وهو مش هيعرف ينام، يلا سيب التليفون وتعالى.

دنت إليها الحاجة رقية تمنعها من سحبه، قائلة: سبيه يا خديجة واطلعي مع جوزك يا بنتي، فارس مش بيتشاقى وحتى لو عملها على قلب آيوب زي العسل، وأنا موجودة متقلقيش يا حبيبتي.

ولكزتها بخفة وهي تهمس لها: سيبك من الواد واطلعي مع عريسك بقى.

وضعت أمام الأمر الواقع، فلم يكن هناك أي مجالًا للاعتراض، أو حتى الحديث، استدار خديجة تجاه يُونس وتحركت ببطءٍ تجاه الدرج، صعدت ولحق بها وابتسامته تعبر عن فرحته بتلك اللحظة.

فتح الباب ودفعه وهو يحيطها بنظرة تسللت لقلبها دون أي موانع: نورتي بيتك يا ست البنات!

جملته المعتادة تلك أيقظت مشاعرها المدفونه إليه، يرتسم أمامها صورة لها وهي تدلف رفقته بفستانها الأبيض الطويل، وملامحها التي تصغر عن تلك الملامح، فرحتها بهذا اليوم مازالت تتذكرها جيدًا، كأنها تزوجته بالأمس!

ها هي نفس الشقة تجمع نفس الاشخاص، ولكن الزمن لم يدعهما وشأنهما، كلاهما يتمزقان من الداخل، كلاهما مرا بأصعب ما يخوضه بشريًا، كلاهما محاربان باسلان، حاربا لحبهما وأخيرًا انتصر ولكن ترى هل سينتصر الحب بعد أن إنغلق باب المنزل عليهما وباتت زوجته الآن.

تيقنت الآن أن الباب قد أُغلق، وباتت برفقته بمفردها بالفعل، خفق قلبها بشدة، وضرباته المضطربة تلك كانت مريبة لها، تخشى أن تهاجمها نوبة الربو قبالته، فتفشى عن خوفها الصريح الذي تحاول إخفائه حتى تلك اللحظة.

تصنعت أنها تتأمل الشقة التي تغير، أساسها وديكوراتها بالكامل، أصبحت بنموذج أكثر عصريًا، يتماشى مع التوقيت الحالي، كل ركنًا أودع فيه يُونس حبه الشديد لها، ابتسمت خديجة وهي تراقب اللوحات المزخرفة بالآيات القرآنية، حتى تسلطت على لوحة ضخمة حملت بالخط العربي «خديجة».

استدارت تبحث عنه لتعبر له عن إعجابها الشديد باللوحة وبترتيب المنزل، فتفاجئت به يقف خلفها بالتحديد، بشكلٍ أربكها وجعلها تعود للخلف فعاقت الطاولة قدماها، كادت بالسقوط فوقها ولكن ذراعه سانداها ودعم جسدها بالكامل، بينما تهمس هي بحيرةٍ: يُونس!

تعلقت عينيه بها، وشوقه الصريح لرؤية وجهه يزداد تدريجيًا، اقترب بإصبعه منها يرفع نقابها رويدًا عنها، حتى تلاقت الاعين وبات وجهها مكشوف بالكامل له.

تمعن بها وكأنه يراها أول مرة، سبق له رؤيتها حينما تلقت الطعنة عوضًا عنه، ولكنه حجب بصره عنها وامتنع، كونها محرمة عليه، والآن عادت لعصمته من جديد.

بقى يراقبها بصمتٍ وعينيه تخبرها ما فشل لسانه بالبوح به، حتى ردد بانبهارٍ: زدتي جمال فوق جمالك يا خديجة، ما شاء الله تبارك الخالق فيما خلق.

تفتقد وجوده جوارها، حتى حديثه المعسول، تفتقد حنانه الذي حرمت منه وإبتليت بشخص تجرد قلبه من كل المعاني الانسانية.

استغل يُونس شرودها به، وحرر خمارها الأبيض، وأزاح الرابطة التي تعقص شعرها، حتى تحرر من حولها فجعلها حورية لا تُقام.

ربما لم تمتلك الشعر الحريري، ولا الملامح الجذابة والجسد المرسوم، ولكنها امتلكت قلبه وملأته، ومن ثم ملأن عينيه بها، فأصبح لا يرى أي أنثى سواها.

سحب خصلة من شعرها يمرر إصبعه من فوقها وهو يقول: شعرك طول عن الأول.

ومال يهمس ببسمة ماكرة: يا ترى أنتِ لسه فاكرة إني بحب الشعر القصير أكتر ولا نسيتي يا خديجة؟

انهمرت دمعة خائنة من عينيها وهي تتطلع له، وبصوتٍ مرتعش أخبرته: فاكرة يا يُونس، بس هو آآ.

ابتلعت باقي كلماتها في عجز تام، كانت تود أن تخبره انه لم يسمح لها بأن تقصره، كان يريدها أن تتركه طويلًا حتى يتمكن من معاقبتها جيدًا حينما كانت ترتكب خطًا كان يسحبها من خصلاتها بهمجيةٍ، زلزل جسدها بين ذراع يُونس الذي استشف من نظرات الهلع الكامنة بعينيها ما كانت ستخبره به، أحاط عنقها بيده وقربها إليه يضمها بقوةٍ تعوض بعدهما عن بعضهما طول تلك المدة، تعوضها عما عانت منه بدونه، يعوضها عن كل الأذى الذي طالها.

اضطربت أنفاسها بالرغم من أنها بين ذراعيه، بل ساءت حالتها وهاجمها الربو بقسوة، فقد جسدها توازنه ومالت على ذراعها تناديه بخفوت: يُونس!

راقبها بتمعنٍ، فعلم بأنها تواجه احدى النوبات، انحنى يحملها ويلج بها لغرفتهما وهو يقول: متخافيش يا خديجة، اهدي وخدي نفسك، الكلب ده غار في ستين داهية ومستحيل يرجع تاني.

أسندها للفراش وهي تجاهد احتنقان أنفاسها، هرع يونس لدرج الكومود يسحب الكرتون الموضوع داخله أمام نظراتها المتعجبة مما يفعل، فجأها حينما وجدته يحمل عُلبة ممتلئة من البخاخ الذي تستعمله، مثلما كان يفعل بحياتهما السابقة معًا، كان يشتري العُلبة بأكملها ويوزع البخاخات بجميع الآدراج خشية من أن تنتابها النوبة وتتناسى محل وجود البخاخ كعادتها، لذا كان يضعها بكل مكان لشدة خطورة حالتها.

صعد من خلفها يجذبها إليه، ثم حرر أنبوب البخاخ داخل فمها، يعاونها على استنشاق دوائها الموضوع داخله وهو يهمس لها: إهدي يا خديجة، خدي نفسك واحدة واحدة.

أبعدت الأنبوب عنها ومالت برأسها تتطلع له بشرودٍ، تعود لها كل ذكرى كان لجوارها حينما تنتابها النوبة، وبين ذلك الحقير الذي كان يحطم أنبوب البخاخ لتعاني عن عمدٍ.

تدفقت دموعها ومازالت مسجونة بذكرياتها، فعلم ما تخوضه بتلك اللحظة، ألقى يُونس البخاخ جانبًا وسحبها إليه يناديها: خديجة.

رمشت تتطلع له بانتباه، فضمها إليه وهو يهمس لها بحنان: كل اللي فات هندفنه مع بعض يا خديجة، أنتِ عنيتي وأنا كمان عانيت، بس من النهاردة مفيش غير سعادتنا وابننا وبيتنا وبس.

وانحنى وهو يحملها على الفراش بشكلٍ أكثر أريحية، ثم جذب الغطاء عليهما، وهو يحرص على دفنها بين أضلعه، عساه يروى ظمأ البعد القاتل عنها، ويده تربت عليها بكل حب: نامي يا حبيبتي، نامي وإرتاحي ومتفكريش في اللي عدى لإنه خلاص صفحة وأتقطعت ومستحيل هترجع لذكرياتنا تاني.

وقبل جبهتها وهو يقدم وعده القاطع: أنا هقدر انسيكي يا خديجة، هنسيكي الكلب ده والايام اللي عشتيها معاه.

تعلقت بقميصه الأبيض بتمكن واغلقت عينيها وهي تشم رائحته الطيبة التي كانت تدمنها، انساقت بنومٍ مريحًا أخيرًا بعد معاناتها، حتى وهي تعلم بأنها فترة قصيرة تفصلهما عن واقع تحمله بذكريات مختومة على جسدها!

سحب آيوب الهاتف من يد فارس الذي غفى محله، إنحنى يحمله وولج به لغرفته، وضعه على السرير ووضع الغطاء عليه، ثم إنحنى يقبل وجنتيه بحبٍ.

وجلس جاوره شاردًا بأخيه، سحب هاتفه يتطلع لرقمه بتردد، الوقت تأخر للغاية، عساه يغفو الآن، ترك الهاتف عن يده وزفر بمللٍ، ثم نهض يتجه لشرفة غرفته.

تسلل له صوت طرقات الغرفة، فعلم أن والدته قد أحضرت له كوب الشاي بالنعناع الذي طلبه للتو، عساه يهدئ من ارتباكه وقلقه على أخيه، فقال وهو يستند على سور الشرفة: إدخلي يا ماما.

ولجت للداخل تقترب منه، تتطلع له باشتياق، تراه بالفترات الاخيرة صدفة، والآن وبيومٍ هام مثل ذلك لم يهتم حتى بمحادثتها.

تركت سدن الكوب عن يدها ونادته: آيوب.

استدار لها فوجدها تتطلع له بحزنٍ، وكأنه تناسى أمرها تمامًا بين صراعاته التي يخوضها، ما ذنبها فيما يخوضه هو.

ولج يقترب منها، يمنحها ابتسامة سلبت شكواها، بل وتثنى له رؤية فستانها الرقيق، فهتف باعجاب: أيه الجمال ده كله يا سدن؟ لا وجايبالي الشاي بنفسك ده أيه الدلع ده!

خطفت نظرة للشاي الذي وضعته على الكومود، وتطلعت له باستياءٍ: انا حبيت جبلك الشاي عشان حاسس إنك مش حابب يشوفني، أنا مبقاش عارف إنتي مالك آيوب!

ابتسم رغمًا عنه وقال بسخريةٍ: إنتي! تاني يا سدن!

وتنهد بقلة حيلة: يلا مش مهم!

وأشار على الاريكة المقابلة لفراشه قائلًا: اقعدي يا سدن.

جلست قبالته تتطلع له باهتمام ولهفة لسماع ما سيقول، فابتسم وهو يراقب اهتمامها الواضح، تنهد بحزن وقال: أنا مقصر مع كل اللي حواليا الفترة دي، وإنتِ منهم، إنتِ عارفة حوار أن آدهم طلع أخويا ده كركبلي حياتي، بس إديني أهو بتخطاه واحدة واحدة.

مدت كفها تضم كفه، غامسة أصابعها بين أصابعه، وبابتسامتها المهلكة قالت: انا مش زعلان منك آيوب، أنا بحب أشوفك كتير وبزعل لما مش يشوفك، بس أنا عارف إنك بتحاولي تكوني كويس وبهير (بخير).

ضحك رغمًا عنه وكلما حاول الثبات سقط من فرط الضحك، فتابعته وهو يضحك بانجذابٍ، ثم قالت: إنتِ حلوة أوي لما بتضحك آيوب.

تعمق بعينيها الجذابة، وردد باستياء: ما تخفي عليا من كلامك وبصاتك دي يا بنت الحلال، احنا قاعدين في بيت الشيخ مهران يعني المفروض مفيش مجال للشياطين تحلق من فوقنا، بس إنت تقريبًا بتحضريهم كلهم لما بنكون مع بعض، وده مش في صالحنا أبدًا.

اتسعت ابتسامتها وهي تراقبه بابتسامةٍ خجولة، خطف آيوب نظرة متفحصة على ابن اخيه الذي يغفو، ومن ثم لباب غرفته الشبه موصود، ثم دنى منها يهمس لها بصوتٍ منخفض: طيب بقولك أيه، ما تديني حضن محترم!

رمشت بعدم استيعاب: يعني أيه مهترم؟

انتزعت منه الاجواء الرمانسية التي خاضها، فضحك بملء ما فيه وهو يشير لها بالصمت: اسكتي هتفضحينا، دي غلطتي أنا من البداية، لازم أتأدب وأعلمك عربي كويس الأول!

شملته بنظرة ساخطة وهي تهتف: وإنتي عندك وقت عشان تعلمني! آيوب أنا بشوفي إيثان اللي ده مش بيتها أكتر منك إنتي!

احتقنت فيروزته بغضب طفيف: وبتشوفي سيادته فين بسلامتك!

زوت حاجبيها بعدم فهم: مين سلامة! إنتِ بتقولي أيه أنا مش فاهم!

جذبها إليه وهو يلقي تعليماته: بقول إنك مالكيش دعوة بإيثان ولا بيونس ولا بأي راجل على وجه الأرض غيري، كده مفهوم!

هزت رأسها بتفهم، ثم عادت تخبره: كله كله، ماشي موافق، بس الشيخ مهران لا، يعلمني الدين وبيحفظ أنا القرآن بعد ما انتي مبقتيش تهتمي بحفظي.

وأضافت وهي تبتعد عن محل جلوسه بحزن: أنتي مش تعرفي أصلًا إن أنا حفظ 8 جزء كمان من القرآن، مش تعرفي عني حاجة.

نقل مجلسه ليجاورها، وأعاد يده بين يدها، ثم قال ببسمة جذابة: أنا فخور بيكِ يا سدن، وأوعدك إن هديتك هتجيلك قريب.

وفرق ذراعه الأخر وهو يغمز له بخبث: بس بالمقابل عايز حضن حلال معتبر!

عبثت بعدم فهم لما يريد، ولكنه لم يدعها تفكر بمعاني كلماته، جذبها إليه وقال بفرحةٍ: مبروك جوازنا للمرة التانية مش فاهم ازاي، بس تقريبًا احنا من الجوازات النادرة اللي إتكتب عليها تتجوز رسمي مرتين، المرة الاولى كانت غصب عني والمرادي برضايا، أنا بحبك يا سدن.

تعلقت به بحب، وهمست على استحياء: وأنا كمان بحبك آيوب، وعاوز أشوفك على طول ومش إبعد عنك.

شدد من ضمها وحينما كاد بخروج الامور عن سيطرته قال بصوت غلبته عاطفته: يلا يا حبيبتي إرجعي أوضتك، أنا يدوب هشرب الشاي اللي برد ده وهنام ساعتين قبل صلاة الفجر.

قالت وهي تشير على الكوب: إعملك واحد تاني.

هز رأسه وهو يرتشفها: لا هشربها، كده أضمن ما ترجعيلي تاني، قولتلك شياطينك حاضرة وراكي، إسمعي الكلام وروحي نامي بدل ما الشيخ مهران يرميني في الشارع، ده عاد بيحبك أكتر مني، وبقى وكيلك بشكل رسمي!

ضحكت وهي تخبره بسعادة: أنا كمان بحبه أوي وبحب الحاچ ركيا وآ.

جذبها من تلباب فستانها وهو يتساءل: بتحبي مين؟

تمردت ضحكاتها تباعًا وقالت بالانجليزية: Calm down Job he is like a father
(اهدأ آيوب أنه بمثابة أبي! ).

ابتسم على تشديدها على كلمة أبي، وراق له علاقتها الجديدة التي جمعت ابيه بزوجته، فربت على ذراعها، وقال: تصبحي على خير يا سدن.

أجابته وهي تطالع عينيه بعشق: وانتي بخير آيوب حبيبي!

غادرت تغلق الباب من خلفها، بينما يهتف بنزقٍ: أنتي تاني!

تخفى القمر وسطعت شمس يومًا لن ينساه أحدٌ يومًا، بينما الجميع يستيقظون من نومهم كان يجلس هو بغرفته مهمومًا مما حدث معه، حياته انقلبت فجاة رأسًا على عقب، كاد أن يخسر معشوقته بسبب شعوره الذي اختبره لأول مرة، وهو الذي أعتاد على إشادة الجميع بمهاراته الجسدية وذكائه، يشعر الآن وكأنه لا يملك ذرة عقل واحدة، عقد العزم على أن يتناسى ما مر به، عليه ان ينهض من جديد، لن يدعى اليأس يتمكن منه مهما شعر.

استمع لصوت طرقات غرفته ومن بعدها طال الخادم يخبره: في عربية من شغل حضرتك تحت يا باشا، وواحد منهم بيقول إن الباشا بانتظارك.

تعجب من سماعه ذلك، وقال: باشا مين؟

رد عليه الخادم باحترام: معرفش مقاليش أكتر من كده.

هز رأسه بجمود وعاد يسأله باستغراب من عدم ظهور، أبيه: بابا فين يا سلطان؟

ارتبك الخادم من آجابته وهو يعلم بأنه سيكشف كذبته على الفور، كيف سيخبره بأنه مرض ليلًا ونقله أشرف السائق للمشفى من الأمس حتى الآن لم يعد به، فتنحنح وهو يقول: النهاردة معاد الاعادة بتاعته عند الدكتور أكيد خرج مع أشرف من الصبح.

نهض عن مقعده واتجه يستند على الدربزاين هاتفًا بثباته المعتاد: لما يوصل بلغني.

هبط آدهم للاسفل، متخذًا طريقه لمكتبه الخارجي، دخل باتزانٍ وابتسامة ترتسم على شفتيه وبذكاءٍ قال: نورت الدنيا كلها يا مراد باشا.

حرك ساقه فوق الإخرى وطالعه بغضب دفين، بينما يعلو إحدى حاجبيه بسخرية: تصدق إنك لو مكنتش عرفت مين اللي قاعد على مكتبك كنت هصدق كل الكلام اللي وصلني عنك.

ونهض يقترب منه وهو يصيح ببرود: واللي وصلني عنك بيهدم كل اللي زرعته فيك، عشان كده جيت اتأكد بنفسي.

بدى وكأنه يستمع لوابل من الالغاز، فسأله بدهشة: تتأكد من أيه؟

ناوله لكمة أطاحته أرضًا وهو يجيبه بغضب: من قدراتك يا عريس، قوم اقف على رجلك!

إستند على المقعد القريب من مكتبه، ونهض يكبت الدماء المنسدلة من شفتيه، بينما يصيح مراد به: فاكر نفسك شخص عادي، هتقعد في بيتك لمجرد إنك اتعميت!

وأضاف، وهو يحوم من حوله: انا سيبتك ترتاح من الاصابة اللي في جنبك لحد ما تفوق، بس بما إني شايفك واقف على رجليك وما شاء الله بتحضر أفراح يبقى أنت محرم من أجازتك، ومن الاسبوع الجاي تكون بالجهاز، سامع!

ابتسامة شبه ساخرة ارتسمت على وجه آدهم: عايزني أجي لحضرتك تعمل بيا أيه، أنا خلاص مش هنفع آ.

ابتلع باقي جملته حينما نالته لكمة آخرى من الجوكر، جعلته يتآوه بخفوتٍ، بينما يطالعه الآخر بغضبٍ: يعني الكلام اللي على قالهولي صح بقى! أنا تخيلته فاهم غلط، قولتله مستحيل آدهم يتقبل عجزه بالسهولة دي، معقول يا آدهم!

لكزه بعنفٍ وهو يصيح بانفعالٍ: قوم كلمني، أيه اللي فرق عشان تنهار بالشكل ده!

رد عليه بحزنٍ شديد: اللي فرق إني بقيت محتاج اللي يساعدني يا باشا.

هز رأسه ينفي ما قاله: إنت مش محتاج لحد، قوم وأصلب طولك وأوعى تخلي مخلوق يشوفك ضعيف حتى لو كنت أنا، قوم على رجلك.

نهض على قدميه، يستقيم بوقفته بثباتٍ، بينما يحوم مراد من حوله وهو يقول باتزانٍ: إنت دافن كل أسلحتك جواك ومستسلم تمامًا للضعف اللي مالهوش مكان غير في أوهامك، ركز معايا وهثبتلك إنك استسهلت الاستسلام وإن اللي جواك ميشبهش أي حد لأنك مش شخص عادي.

وكأنه يبحث بين موجات الغرق عن قارب نجاة، والجوكر هو النجاة بذاته، مازال يقف بمنتصف الغرفة والآخر يحوم من حوله متخذًا وضعية الهجوم، متعمدًا الضغط بحذائه الثمين على أرضية الغرفة ليبدأ بإيقاظ مهارات طالبه تدريجيًا، وبدأ بالحديث مُتمهلًا: من القواعد الأساسية لأي ظابط مخابرات واللي إنت تقريبًا نسيتها، إن مينفعش حد فينا ينام قرير العين زي ما بيقولوا، خاصة لو إنت في مهمة، لو نسيت القاعدة اللي المفروض تكون محور حياتك الرئيسية دلوقتي أنا هفكرك بيها، إنت مجرد إنك بتريح عيونك مش أكتر، لكن عقلك صاحي وواعي لأي حركة غدر ممكن تغفلك، إنت دلوقتي في المرحلة دي، عقلك وودانك واعيين ودول كفايا إنهم يعوضوك فقدان البصر المؤقت عندك.

وتابع بأمرٍ صارم: ركز وصد هجماتي.

باغته فجأة فانهالت اللكمة جوار عينيه فسقط أرضًا بشكل إستفز مراد الذي هدر فيه بعنف: قوم أقف على رجليك يا سيادة المقدم، أيه خلاص نسيت كل اللي أتعلمته وبقيت ضعيف، مش قادر تدافع عن نفسك!

وأضاف بأكثر ما أستفز آدهم: أنا مش مصدق إنك خارج من تحت إيدي أنا حاسس بالعار في اللحظة دي، فين كل اللي علمتهولك!

نهض عن الأرض وهو يكز أسنانه بغضبٍ مستهدفًا مكان الجوكر بالتحديد، وكور يده بقوةٍ دون أن تمس وجهه، بل بقيت أمام زُرقة عينيه تهذبًا لمعلمه، ابتسم مراد وهي يتأمله بفخرٍ، وصاح: برا?و يا آدهم، حددت مكاني، إستعديت كويس وهاجمت بمنتهى الشجاعة.

زوى حاجبيه بذهولٍ، وهتف بحنقٍ: باشا إنت مش مضطر تسم بدني بالكلام عشان أحقق المردودو، إنت عارف إني بستجيب ليك من غير أي حاجه.

جابهه بتهكمٍ: ما أنا مبقتش فاهمك، بحاول أشوف النموذج الجديد الغريب ده.
وأشار له وهو يدنو منه: استعد.

إعتمد آدهم على أذنيه فتمكن من رصد حركة مراد وقبل أن يباغته بضربة كان آدهم يحتجز ذراعه، فابتسم الجوكر، وانحنى ينزع حذائه ووقف بجواربه، يخبره بثبات: دلوقتي دور عقلك يا آدهم، إنت عاشرتني والمفروض إنك تكون عارف طريقتي بالقتال عاملة إزاي، اتوقع أنا ههاجمك أزاي، يلا إستعد.

أزاح الدماء عن شفتيه النازفة، وإستعد بكل قوته، فالجوكر ليس بالخصم الهين، يعلم بأنه لن يبذل كل قوته ضده ولكن القليل منه يكفي لقتله هو شخصيًا، استخدم أذنيه وعقله يستعيد سنوات التدريب التي خاضها برفقه من مستوى لأخرًا، وفجأة امسك بساقه التي كادت باستهدافه، دفعه آدهم للخلف، ففجأه مراد بلكمة منعها آدهم من ان تمسه، بينما يعود مراد للمرة الثالثة والرابعة وكل مرة ينجح آدهم بصد هجماته ببراعة جعلته يهمس بفخرٍ: هو ده تلميذي! اللي يستحق البطولة والتكريم.

انتصب بوقفته يحاول ضبط انفاسه الهادرة وجرحه الذي اشتد من فرط حركاته العنيفة، بينما يرتدي مراد حذائه والجاكت الخاص به، ثم دنى يخبره بغموض: وجودي هنا مش بصفة رسمية يا آدهم، أنا جيت لانك تعنيلي وإنت عارف كده كويس، على شرحلي اللي بتمر بيه من غير، ما يقولي تفاصيل، وعشان كده أنا مهدتك دلوقتي بتدريب بسيط جدًا هيخليك تقدر تتكيف في حياتك العادية بين آسرتك، لكن اللي عايزك تعرفه إن حياتك مش هتقف على إصابتك دي، ولا الجهاز هيستغنى عنك عشانها، آدهم أنا واثق انك هترجع تشوف أحسن من الاول وبفترة اجازتك الرسمية من الوزير أنا هقطعها عليك وهخدك أدلعك، عشان كده أول الاسبوع تكون بالجهاز.

قال بحماس أعاد روحه الضائعة: لو عايز أجيلك من بكره هاجي.

ربت على كتفه بحنان وقال: لا جرحك لسه طاري وده اللي مخلنيش أضغط عليك دلوقتي، ده أولًا، ثانيًا المرادي مش أنا اللي هدربك.

تلاشت ابتسامته وصاح بدهشة: أنا مش عايز غيرك يا باشا، أنت قررت تتخلى عني!

ضحك بصوته الرجولي الجذاب وقال: لا يا آدهم، قررت أدلعك ما أنا لسه قايلك من شوية، وبعدين متقلقش هتلف لفتك وهترجعلي بالنهاية لانك تحت قيادتي رسميًا، القائد اللي هسلمك ليه التلات أسابيع دول حركة مني من تحت التربيزة، أو إعتبره عقاب على أمر مباشر مني.

بدى مشتتًا بين حديثه المبهم، فسأله باستغراب: حضرتك بتتكلم عن مين؟

خطى جواره وقال بمكر: هتعرفه لوحدك لما هقولك إنه يقدر يقتل كتيبة كاملة من غير طاقة نور واحدة.

همس بعدم تصديق: الاسطورة!

اتسعت ايتسامته وهو يؤكد له: من أول الاسبوع هتكون تحت قيادته، أنا إديته أمر يدربك عشان بعد كده ميبقاش يعمل شغل مع حد من ورايا مع حد من فريقي.

ابتهجت معالم آدهم بسعادة، حتى أن عينيه أضاءت بوميض كأنه يرى الآن، فمازحه مراد بسخط: على فكرة أنا قاريك من مكاني هنا، فرحتك دي أغبي شيء اكتشفته فيك، إنت فرحان أنك هتعاشر إبليس! أنا افتكرتك هتقلق من التجربة اللي زنقتك فيها.

رد عليه بامتنان: بالعكس أنا عاجز عن رد جمايلك الكتيرة عليا، أنا فخور إني تحت قيادة حضرتك، فتخيل لما اجمع ما بين الجوكر والاسطورة في فترة تدريبي، أنا دي مكافاتي مش الترقية ابدًا.

ربت على كتفه وقال وهو ينسحب: أنا لازم أمشي، يا ريت تظبط دنيتك لاني لو وصلي شكوة من دكتور على تاني متلمش الا نفسك.

وأضاف باستنكارٍ: بذمتك حد يناسب شخص زي دكتور على ويزعله!

شعر بتأيب ضميره لما فعله، فاتبع مراد للخارج وقبل أن يستقل سيارته، ناداه قائلًا بخبث: باشا، لما تعوز تختبرني تاني إبقى غير ريحة البرفيوم بتاعتك!

اتسعت ابتسامته وهو يراقبه، وهتف: المرة الجاية حاضر، منك نستفيد يا عمر باشا!

وتركه وولج للسيارة التي يفتح بابها إحدى الحرس، غادرت السيارات سريعًا، فتسلل لآدهم الشارد بالفراغ صوت الخادم يخبره: شمس هانم صحيت وبتخبط على باب الجناح، شكله مقفول من برة يا باشا!

أشار له بالمغادرة وصعد للأعلى بثبات، وهو يستعيد كل خطاه السابقة، حاسبًا العد بين كل خطوة حتى وصل لباب جناحه، أخرج مفتاحه ووضعه بالباب يحرره.

اجتمعت العائلة أمام بوابة قصر الغرباوي، كانت البوابة باللون الأخضر الملكي، يحيطها بالجانب عدد من الأشجار، المزينة للمدخل، انفتحت البوابة وكانت سيارة عُمران أول من عبرتها، إتبعتها سيارة أحمد وبالخلف سيارة علي.

مرت السيارات من مسافات ضخمة ملأتها الأشجار والمساحات الخضراء الشاسعة، مرورًا بعدد من الملاحق الخارجية، الخاصة بالحرس وخدم القصر، انتهاءًا بالقصر الملكي الذي يقع بمنتصف الحديقة، هبط عُمران يفتح الباب لمايا، هبطت تاني تحتمل على يده وهي تراقب تصميم القصر بعدما جدد عُمران تصميمه من جديد.

نظرات الانبهار تشكلت على الآعين بأكملها، وبالاخص فاطمة، التي شهدت تنفيذ لاحدى مشروعات عُمران عمليًا للمرة الاولى، ثنى على ذراعه وقال مبتسمًا: بينا نستكشف القصر يا فطيمة هانم.

شبكت يدها به وقالت بحماس: جناحنا الأول يا علي، عايزة أشوف المكتب.

استمع لها عُمران، فترك زوجته واستدار لهما: عملتلك حتة مكتب هتدعي لأخوكِ عليه العمر كله يا فاطيما.

تساءل على باسترابة: ومكتبتي؟

حك ذقنه النابتة يمنع ابتسامته من الظهور: بعدين نتكلم يا علي، بعدين.

وتركه ولحق بوالدته للداخل، بينما يهتف على بقلق: شكله كنسنلي عشان مكتبك يا فطوم.

هزت كتفيها بدلال وابتسامة نصر: انا شغلي أهم يا علي.

غمز لها بحبٍ، وهمس: أهم وأغلي من حياتي كلها يا قلب علي، عمومًا لو عجبك إعتبريني ضحيت لأجل سعادتك.

ضحكت بخفةٍ، واتبعته للداخل، بينما يصعد الجميع للاعلى ليتببنوا القصر من الداخل.

طرقت الباب بعصبيةٍ بالغة، وهي تصرخ: آدهم افتح الباب ده حالًا، إنت فاكر إنك لما تقفل عليا هقعد! افتح الباب ده.

حرر الباب بالفعل، وهو يحاول تهدئتها: بفتحه، إهدي يا شمس!

حرر الباب فاندفعت تجاهه تهدر بانفعال: إنت إزاي تحبسني بالشكل ده، أنت آآ...

انقطعت عنها الكلمات فور أن رأت وجهه ينزف دماءًا، أسرعت إليه بفزعٍ: آدهم أيه اللي عمل في وشك كده؟

راق له ملمس يدها الناعمة على وجهه، فابتسم وهو يخبرها: كنت بحاول انتحر، يمكن أصعب عليكِ وتفضلي معايا.

ابتلعت غصتها المؤلمة، ودفعته برفق للداخل قائلة بنبرة متحشرجة من أثر كبت بكائها: تعالى معايا.

إتبعها لمحل ما أرادت، جلس على الفراش، بينما تركض هي لحمام الغرفة، عادت بصندوق الاسعافات الاولية تجلس قبالته بتوترٍ، فسألته بارتباكٍ: آدهم تسمحلي أعقملك الجروح ولا هتضايق؟

تألم لاستاذانها منه للاقتراب، ولكنه تماسك وقال: على حسب، لو هتفضلي معايا ومش هتمشي هكون مالك ايديكِ، تعالجيني بقى تعاقبيني اللي تحبيه، لكن لو هتمشي فبلاها أحسن.

فتحت الصندوق من أمامها وبدأت تعالجه قائلة بسخرية: مكنش له داعي تقفل عليا أنا كده كده مش همشي، وخلاص أخدت قراري.

ابتهجت معالمه وقال بلهفة: وأيه هو قرارك يا شمس هانم؟

منعت ابتسامتها من الظهور جراء لقبها، وقالت بعزمٍ: هعاقبك وبنفسي يا كابتن آدهم.
قالتها وهي تضغط بقوة على جرح جوار حاجبه، فتأوه بألمٍ، وقال: بالراحة يا شمس، أخوكِ والع النار بيني وبين القائد، وقام معايا بالواجب على أكمل وجه.

تمعنت به باهتمام: مين عُمران؟

هز رأسه وهو يجيبها: لا دكتور علي، شكله كده كان هارش حالة الاكتئاب الغريبة اللي جاتني دي.

انتهت من تضميد جرحه، وتركت العلبة من يدها، إحتل الصمت الجناح، فقال بندم: شمس أنا عارف إني وجعتك ومهما قولت أو عملت مش هخفف عنك اللي حصل امبارح، أنا مش عارف أصلًا أيه اللي وصلني للحالة الغريبة دي، وآ...

قاطعت حديثه وقالت بمكر أنثى عادت لتأخذ حقها كاملًا: هنتكلم وهنتعاتب كتير كمان يا آدهم، بس دلوقتي إنت غلطت في حق أخويا، وبسببك مشي من عندي وهو زعلان مني، لو عايز تكسب جزء من رضايا تصلح علاقتك بيه وتضمن إنه ميكنش زعلان مني، أنا مش هقدر أتحمل زعل عُمران بالذات.

لمس الحزن بصوتها، هو من تسبب بالامر من البداية، لذا واجب عليه أن يرمم ما فعله.

سحب آدهم الأيفون الخاص به، يرفعه إليه وهو يهتف بتردد من وجودها: أبو نسب الوقح!

رمشت بعدم استيعاب: إنت مسجل أخويا وقح!

منع ابتسامته من الظهور وقال ببراءة مصطنعه: مش أنا، ده آدهم خطيبك اللي سجله لكن اللي قدامك ده جوزك بعد ما قرب من الوقح واكتشف إنه حد كويس، وللاسف ملحقتش أغيره على فوني عندك استعداد تغيره اتفضلي تليفوني وأنا ملكك.

سيطرت على ضحكاته وهدرت بخشونة مقصودة: كلمه وخلص يا كابتن.

رد عليها بأمر عسكري: تحت أمرك شمس هانم. مع اني مرتبك من رد فعله!

أتاه رد عُمران اللازع: نعم نسيت تضيف حاجة من واصلة قلة أدبك بتاعت إمبارح؟

كبت آدهم ضحكاته وقال: شمس رافضة تقبل إعتذاري الا لما انت تكون مش زعلان منها ولا مني، شوفت الدنيا لعبتها وجابتهالك على حجرك!

رد عليه بغموض: واخد بالي إنها جتني على حجري، وكنت متوقع إنها هتعمل كده والا متبقاش تربية عُمران سالم الغرباوي.

قال آدهم باستغراب: أيوه يعني نفهم أيه من النمرة بتاعتك دي؟

هتف بعزيمة مؤكدة: نص ساعة وجايلك، أتمنى بس تكون عقلت ولا أجيب معايا دكتور على احتياطي!

ليه شايفني بشد في شعري يا بشمهندس!

=لا إنت بس شكلك كنت شارب لأول مرة فعامله معاك عمايلها. عمومًا متشتاقليش كتير، أنا في الطريق!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة