قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الحادي عشر

تواجدهم بذلك المكان هدفهم هو راكان والذي كان يعلم هوايتهم الحقيقية بعدما تسرب إليهم خبر القبض على شحنة الأدوية الفاسدة، خشية من أن يكون تم كشفه للحكومة المصرية، الخلاص منه الآن هو الحل الأمثل، وخاصة بعد رفضه مقابلة الرجل الذي يعلوه، توقع آدهم ذلك ولكنه افترض بأن ما يحدث من الممكن أن يكون تابع لرجل الأعمال النمساوي بعد أن ناطحه راكان بسوق التجارة، هكذا ما يخبره به راكان، فكان يرفض الحديث عن أموره المشبوهة أمام آدهم فلم يصل لمرحلة الثقة الكاملة به.

أمن آدهم ابتعاد راكان وشمس عن تبادل الرصاص الحي، وعاد ينضم لرجاله، فتفاجئ بعدد من السيارات يحاوطونهم من جميع الاتجاهات، فخرج كبيرهم على ما بدى وقال وهو يشير لرجاله بخفض الاسلحة: لا نريد سفك الدماء هنا، جئنا لنصطحب السيد راكان لمقابلة رئيسه، وإن لم يخضع لمطلبنا ستسفك الدماء هنا إن أراد.

تأكدت ظنون آدهم كليًا، لم يخص الأمر مخضع رجال الأعمال بل رد فعل للشحنة التي تم تصديرها بالميناء، لاحت على شفتيه بسمة ماكرة، فإن أراد راكان اخفاء عمله القذر عنه حتى بعد تقربه الشديد إليه في محاولة لدفعه بالوثوق به والحديث عن عمله المتخفي الا أنه كان حريصًا للغاية، وقد أتته فرصته على طبقٍ من ذهب.
أشار لمن يترقب رد فعله وقال: انتظر هنا سأعود.

وترك الرصيف وانجرف لليابسة تجاه مكان اختباء راكان، فأشار رئيس الحرس الاجنبي لرجلين من رجاله بتتبع آدهم بحرصٍ لا يجعله يشعر بهما.
وقف آدهم قبالة راكان المتخفي خلف أحد الأعمدة السكنية، فما أن رآه حتى خرج يسأله برعبٍ: عملت أيه يا آدهم، خلصت عليهم؟
ادعى برائته خلف قناع خبثه اللئيم: عددهم أكبر مننا يا باشا منقدرش نشتبك معاهم.
رد بعصبية قبضت عروق رقبته: يعني أيه الكلام ده هتسبهم يقتلوني!

وضع سلاحه خلف ظهره، ثم اقترب يخبره بمكرٍ مستلذًا برؤية الخوف ينهش معالمه: كبيرهم أكدلي إنهم مش هيأذوك بيقول أن في رئيسه عايز يقابلك، وفعلًا شكلهم مش جايين وناويين شر.
وضيق جبينه ببراءة وخوف: هو إنت تعرف الناس دي مين يا باشا، أنا افتكرتهم تبع النمساوي بس الظاهر إنهم تبع حد تقيل، لو تعرفهم قولي يمكن أساعدك!

ابتلع ريقه بتوتر شديد، فأزاح رباطة عنقه وبدأ يزيح حبات العرق المتصلب على جبينه، هامسًا بهلعٍ: دي خدعة عايزين يتخلصوا مني بعد ما اللي حصل.
تساءل بهدوءٍ وقد وصل لعتبة مبتغاه: حصل أيه؟
آدهم!
صوتها الانوثي تحرر مستغيثًا بمن يقف على بعدٍ منها، استدار آدهم وراكان للخلف فتفاجئوا بأحد الرجال يحمل سكين مصوبًا على رقبتها، وكان هو أول من استنجدت به بالرغم من وجود خطيبها المزعوم!

ارتعب راكان حينما رأى مكانه قد كُشف لهؤلاء، فتراجع للخلف مستغلًا انشغال آدهم بما يحدث وهرول للاعمدة من جديد، بينما تقدم آدهم مشيرًا بيديه للرجل وبهدوء قال: دعها في الحال، سبق وأخبرت كبيركم بأنني سأعود بالسيد راكان، لذا من فضلك دعها ولا تؤذيها.

رفض الانصياع إليه وأشار للرجل القابع من جواره، فهرول للرصيف يستدعي كبير الحرس الذي عاد برفقة مجموعة من رجاله يراقب ما يحدث، فقال بضجر: أجدك تضيع وقتك في محاولاتك انقاذ تلك السيدة، وللعجب لم تعني للسيد راكان تركها واختبئ دون أن يهتم بها!

تمردت عين آدهم غضبًا، وكلما راقب نظراتها المذعورة وتوسلاتها إليه بإنقاذها رغم صمتها الشديد كان يكور قبضتيه بقوةٍ على وشك أن تفشل مخططاته للكشف عمن يفوق راكان قوة ومكانة داخل تلك المافيا اللعينة، ولكن حينما يتعلق الأمر بها فليذهب كل شيئًا للجحيم!

صوب إليه نظرة قوية، وبتحدٍ لم يكن حاضرًا من البداية قال: اخرس واسمعني جيدًا، إن أردت النجاة أنت ورجالك فأمره بتركها في الحال والا سأعد باقي جثمانك لرئيسك محمولًا بأكياس بلاستكية.

انفجر الرجل ضاحكًا وهو يتابع تجمهر رجاله حول ذاك الشجاع بأسلحتهم من جميع الاتجاهات، ومع ذلك يتفنن بالحديث، وقبل أن تنتهي ضحكته الساخرة وجد رجاله الخمس يقعون أرضًا حينما انحنى آدهم ممررًا ساقه بشكل دائري يلامس الارض فاصيب اقدامهم، وبلحظة أخرى جذب الاسلحة الملقاة أرضًا، ونهض يحدج من أمامه بنظرة واثقة ويده تتحرر على الزناد بشكل دائري مستهدفًا اقدامهم ليحول الصمت لصرخات مقبصة جعلت شمس تغلق عينيها صدمة ورعب من ذاك الذي تستنجد به!

تلاشت ضحكاته وتراجع خطوات أقرب للسقوط بهلعٍ حينما عاد السلاح يسلط على ضوءه الأحمر على جبينه، فاجلى آدهم صوته قائلًا: والآن ستستمع لي جيدًا، ستأمر ذاك الأرعن بتركها وإن لم تفعل ستعرف رصاصتي طريقها إليك.
ازدرد ريقه بصعوبة بالغة، فرفع اصبعيه يشير للاخر بترك السكين عن عنقها، وما أن فعل حتى هرولت شمس تختبئ خلف ظهر آدهم ويدها تشدد على جاكيته برعبٍ.

رفع كبير الحرس يده للاعلى استسلامًا للسلاح المنصوب أمامه، فترك رجاله الرصيف وهرولوا لبقعتهم فور سماع صوت الرصاص الحي، فأمرهم بذعر: تراجعوا سيقتلني!
وعاد يتطلع لنظرات تلك الشرس ثم قال ببسمة يرسمها بالكد: أرى أن تلك السيدة تعني لك أكثر من السيد راكان نفسه لذا هاك عرضي، ستغادر برفقتها بأمان ولتتركه لنا.

عند سماعه لتلك الكلمات تحرر الجرذ من مخبأه فخرج يشير لآدهم بخوف لا يعتلي سوى النساء: لا يا آدهم اوعى تسلمني ليهم، دول هيموتوني.
وزع آدهم نظراته الصامتة بينهما، يقع على عاتقه خيران كلاهما أبشع من الاخر، ما بين فشل مهمته المكلف بها منذ أشهر وذاك ليس بقاموس ملفه الثري بانجازه أي مهمة عمل بها، وما بين تلك الهزيلة التي تتشبث بجاكيته فتسري رعشتها لقلبه وكأنها تزلزل كل ذرة تمردت على الاعتراف بحبها داخله!

وفوق كل ذلك رأى قسمه الصريح بالا تتدخل عواطفه ومشاعره تجاه عملًا سيخدم الشعب المؤكل بحمايتهم، مازال يتذكر أخر شحنة من أدوية السكر والضغط كم خلفت عدد من الضحايا بسبب هؤلاء اللعناء فجعلته يتراجع عن منصبه السري بالجهاز ويختار السفر والعمل بذاته دون زرع رجالًا، والآن عليه الاختيار.

التقط نفسًا مطولًا وزفره على مهلٍ وهو يستعيد ثقته وشراسته بالحديث، فإن إلتمسوا ضعفه من المؤكد سينتهي الامر بثلاثتهم هنا، فقال: أنا من سيصدر الأمر هنا لذا إليك ما سيحدث، شمس هانم ستغادر الآن وسنذهب أنا والسيد راكان برفقتك وإن أرادت أن نخوض تلك الحرب لا مانع لدي ولكن قبل أن يخطو رجالك خطوة واحدة سأنتزع رأسك برصاصتي.
صرخ به راكان بصدمة: إنت بتقول أيه يا آدهم!

تجاهله وتابع وعينيه تشير لمكان الرصيف العلوي: فلنتظر خلفك، رجالي يحاوطون الجزء العلوي يترقبون اشارتي حينها ستصبح أنت ورجالك بعداد الموتى.
صمت الرجل قليلًا يفكر بالأمر من جميع الاتجاهات، فقال بهدوءٍ: حسنًا لك ذلك.
هز رأسه باستحسان وأمره: فلتخبر رجالك باخفاض أسلاحتهم.

أشار لهم بالفعل، فترك الجميع أسلحتهم وفي تلك اللحظة استدار آدهم لمن تتمسك به، فمنحها مفتاح سيارته وهو يشير لها بحزمٍ: خدي عربيتي وامشي من هنا حالًا يا شمس.
تناولت منه المفتاح بيد مرتجفه وعينيها الباكية لا تفارقه، فقالت بارتباكٍ: طب وإنت، وآآ إنتم!
صرخ بها بحدة وصرامة خشية من أن يطولها الأذى: امشي حالًا يا شمس ومترجعيش هنا، حالًا.

هزت رأسها وهي تهرول لخارج بقعتهم راكضًا حتى وصلت لسيارة آدهم، صعدت إليها وتحركت بها بعيدًا عن طريقهم تحت مرمى الانظار المتبادلة عليها، فما أن ابتعدت حتى تحدث كبيرهم: ها قد نفذنا ما أرادت، هيا لنذهب الآن.

استدار آدهم تجاه راكان الذي يحدجه بنظرات قاتلة، فصرخ بعصبية بالغة: إنت أكيد مجنون يا آدهم ازاي تعمل كده وكل ده ليه! ما تغور شمس في داهية إنت ناسي ان العلاقة دي كانت لشكلي العام بالطبقة المخملية، مش على حساب رقبتي يا آدهم!

أجابه بحكمة تجاهد لعدم اثارة ريبته: يا باشا افهمني، الناس دي شكلها مبتهزرش وبعدين أنا قولتلك اني قاريهم وقاري دماغهم، هما مش عايزين الأذية ليك، وبعدين ما أنا هكون معاك ومش هسيبك ولسه عند وعدي أفديك بروحي!
ابتلع ريقه بتوتر وهو يتطلع للسيارة التي بانتظارهما للصعود، وعاد يتطلع إليه ليخبره بخوف: الناس دي مبتهزرش يا آدهم وأكيد ممكن يتخلصوا مني خصوصًا بعد اللي حصل.

سأله مجددًا وهو يصعد جواره بالسيارة التي تحركت بهما على الفور: هو أيه اللي حصل، وأيه طبيعة الشغل اللي بينك وبين ناس خطيرة زي دي صارحني يا باشا علشان أقدر اساعدك؟
أجابه بتوترٍ: أنا هحكيلك على كل حاجة.

دعواتها لم تكل أبدًا، يومين كانوا بمثابة عامين بالنسبة لها، تضرعت لربها طالبة برجاء الا يبتعد عنها، رغمًا عنها تجده الأمان والسكينة لها، رغمًا عنها تحتاج لدفء وجوده، والآن هل تتخيل وجوده لجوارها بهذا الوقت المتأخر!
نهضت فطيمة تحمل سجادتها، فاستدارت تجاه الصوت المحيط بها، فوجدته يجلس على المقعد يراقبها ببسمة هادئة، عاد لسانها يردد دون دارية منها: علي!

لأول مرة يستمع إسمه دون نسب أي ألقاب قبله، شعر بأن عاطفته تقذفه بمنطقة ستعد الاخطر لمشاعره على الاطلاق، فاستقام بوقفته قبالتها وببسمته الجذابة قال: على المحظوظ اللي ربنا بعته في الوقت ده عشان يسمع بودنه دعواتك وحزنك على غيابي.
رمشت بارتباكٍ، فاتجهت لفراشها تضع السجادة على طرفه: آآ، أنا آآ.

لحق بها حتى بات خلفها، فاستدارت لتكن بمواجهته قائلة بحزن متعصب: جاي ليه يا دكتور، مش حضرتك سلمت حالتي لدكتور تاني؟
لم تزيح كلماتها ابتسامته، بل فاض بنبرته الحنونة: ولا عمري أقدر أعملها، أنا بقالي يومين مبجيش المستشفى.
أحمر وجهها حرجًا، فازدادت ربكتها وتهربت من لقائه مجددًا فاتجهت للشرفة تحيط عينيها الحديقة السفلية.

لحق بها علي، فاختار الوقوف على بعد مسافة آمنة منها وهو يحاول استكشاف معالمها حينما يقول: جيت من شوية أستأذن من المدير لاني مش هعرف أجي الفترة الجاية.
فور نطقه بما قال إلتفتت إليه سريعًا بلهفةٍ جعلت عينيها تلمع، فرددت بصوتٍ متحشرج: ليه؟
يعلم بأنها مازالت تحارب ذاتها، مازالت تكابر مانعة أن تفرض عليه معاناة قد اختصت هي بها، ولكن الأمر لن يزيده الا اصرارًا، فقال: أخويا تعبان ومحتاجني جنبه.

واتجه للاريكة القريبة، يحتلها وعينيه لا تفارقها: فقولت أعدي عليكي قبل ما أرجع البيت.
هزت رأسها بتفهمٍ رغم دموعها المتدفقة والتي تحاول جاهدة إخفاءها، فتحرر صوتها يفضح بكائها: يعني حضرتك مش راجع المستشفى تاني؟
صمت قليلًا يفكر بما قدمه له أخيه دون أن يعلم، فأخفى ابتسامته الخبيثة وهو يجيبها: لا مش هرجع غير لما يرجع يقف على رجله من تاني والله أعلم ده هيحصل أمته!

اهتز صوتها الذي يجاهد بخروجه كخروج روحها: ربنا يشفيه ويطمنك عليه.
انحنى يجذب المقعد القريب منه ليضعه مقابله، ثم أشار لها: اقعدي يا فطيمة.

عبثت بحجاب اسدالها الطويل بارتباكٍ، ومع ذلك مضت لتجلس قبالته، لتجده يتطلع لها بصمتٍ ثم قال: ليه بتكابري يا فاطيما، قلبك ملان بالحب وعيونك فضحاكِ، ليه مصرة تلوثي أفكارك بكلام مالوش أي منطق، أنا اللي اختارتك وأنا اللي طلبتك للجواز وأكيد مخدتش القرار ده في يوم وليلة، أنا عارف أنا عايز أيه كويس واللي عايزه هو إنتِ.

كادت بالحديث فعارضها حينما احتدت نبرة صوته: مفيش حد أدرى بحالتك أكتر مني يا فاطيما فأنا عارف كويس اللي حصل واللي بيحصلك، عارف وراضي ومستعد أحارب معاكِ لحد ما تستعيدي نفسك من تاني.
أخفضت عينيها عنه فبكت بصوت وصل لمسمعه فمزقه بنجاح لم تتعمده هي، فهمست بخفوت: مالكش ذنب تخوض معايا الرحلة دي، صدقني هتندم، أنت تستحق بنت كويسة وتكون آ.

انتصب بوقفته يصرخ بوجهها بعصبية جعلتها ترتد للخلف بخوف: مش أنت اللي هتكرري المناسب ليا يا فاطيما، أنا مش عيل صغير وواعي لاختياري، أنا مستني منك كلمة واحدة وصدقيني عمري ما هندم ولا هديكي فرصة إنك تندمي.
واستكمل بوجعٍ قاطع: فاطيما أنا بحبك وعايزك ومتقبلك زي ما أنتِ حتى من قبل ما أعالجك.

جز على أسنانه بغيظٍ من صراخه، فعاد يتحدث بهدوءٍ وعقلانية: أنا مش عايز أضغط عليكي عشان كده اعتبري فترة غيابي عن المستشفى هدنة كويسة للتفكير.
ومنحها بسمة صغيرة تكبت الآلآم البادية برمادية عينيه: تصبحي على خير يا فطيمة.

وإتجه ليغادر المشفى بانكسار يحتل معالمه حينما فشل مرة أخرى بأن تتقبله، فاتجه لباب غرفتها حرره ووقف على عتبته يراقبها على أمل أن تستدير إليه وتخبره موافقتها، ولكن ازداد ألمه حينما وجدها مازالت تجلس على المقعد ساهمة بالفراغ من أمامها، فقال برجاءٍ إلتمسته بنبرته الحزينة: خلي بالك من نفسك.
وغادر للمصعد على الفور، فاستند على المرآة الداخلية للمصعد وضرب بقبضته الجانب المعدني مرددًا بغيظٍ: ليه!

ابتعد وهو ينظم تنفسه تدريجيًا، لم يعتاد رؤية انهياره، اعتاد بأن يلتحف بالقوة والثبات، فجذب نظارته الطبية يرتديها مرة أخرى بعدما فرك عينيه المتألمة، وفور توقف المصعد خرج ليجد الطقس قد ازداد سوءًا، فبدءت الأمطار تهبط بقوتها المعتادة، أسرع على تجاه الچراچ يستقل سيارته، فخرج بها متفاديًا رزاز الامطار بمساحة السيارة الأمامية.

وقف قبالة مبنى المشفى يترقب أن تخف حدة الأمطار ليتمكن من القيادة، فمال بجسده على الدريكسون بتعبٍ.
فزاحمه ببقعة أحزانه صوتًا خافتًا على نافذته الزجاجية، اعتدل على بجلسته يحاول رؤية من بالخارج، فلم يستطيع من تزاحم مياه الأمطار، فأخفض النافذة الزجاجية حتى تسنى له رؤية من بالخارج.
فاطيما!

تراقص لسانه بنطق حروف إسمها، فابتسم حتى أدمعت عينيه تأثرًا برؤيتها باكية من أمامه، وعلى ما بدى من اهتزاز صدرها وإلتقاط أنفاسها بأنها ركضت للأسفل بسرعة أرهقتها.
فتح باب سيارته وهبط يقف قبالتها والامطار تعصف بأجسادهما، وعينيه لا تحيد عن المياه التي تتسلل على عينيها فامتزجت بدمعاتها، فقدت قدرتها على الحديث، فلا تعلم بماذا ستخبره لذا أثرت الصمت ودموعها لا تتوقف.

توقف الزمان من حولهما ولم يبقى سواهما، الجميع يختبئ من غضب المياه عداهما، الحب يمنح أجسادهما طاقة غريبة لتواجهه بعسليتها والآخر برماديته الداكنة، وفجأة وجدته يبتسم وهو يرنو لها وصوته الرخيم يرفرف فرحة: أوعدك إنك عمرك ما هتندمي على قرارك ده يا فاطيما، هحطك جوه عيوني وهعوضك عن كل ثانية اتوجعتي فيها، مش هعاملك كزوجة هعاملك زي الملكة طلباتك مجابة وأوامر، دموعك دي مش هتكونلها مكان على وشك من النهاردة. أوعدك!

ورفع اصبعه للسماء مسترسلًا: السما مفتوحة ووعدي ليكِ دين في رقبتي لأخر العمر.
خفق قلبها بقوةٍ وكأن انذار خطر مشاعرها وصل بها لأبعد نقطة، فأخفضت عينيها على استحياءٍ، وخاصة حينما نزع عنه جاكيته ودنى ليرفعه على حجابها ليحجب عنها المياه التي أغرقت اسدال صلاتها الرقيق، فتحرك بها حتى وصل لمقعد السيارة الجانبي إليه.
لعقت شفتيها وهي توزع نظراتها بينه وبين السيارة بتوتر، لا تعلم ماذا ستفعل؟

مازالت تشعر بالريبة من البقاء برفقة أي بشر يحمل جنس ذكر، وبالرغم من الأمان الذي يتسرب لها بوجود على ولكن لم يتخطى تلك الدرجة التي تهيأها للصعود برفقته بالسيارة والذهاب لمكان سيجمعهما بالتأكيد!

طالت بوقفتها ومازالت تحاول اخفاء ما يعتلي أفكارها، لا تعلم بأنه كطبيب يدرس حالتها بشكل أكبر احتمالية بزواجها من شخصٍ عادي، فقال ببسمة هادئة: متخافيش احنا هنخرج من هنا على أقرب مطعم، هنتكلم وهناك هتقابلي حد من العيلة كان نفسها تشوفك أوي.

بالرغم من الفضول الذي انتباها لمعرفة هذا الشخص الا أنها اكتفت بهزة رأسها وصعدت للمقعد، يكفيها عشرتها الطويلة له، على لن يغدر بها أبدًا، ليس كباقي الرجال المستذئبون، هكذا طمنت ذاتها حتى هدأت تمامًا.
أغلق على باب السيارة واستكان بالبعد عنها، رأته فطيمة يتحدث عبر الهاتف والسعادة تتقاذف من وجهه وعلى ما بدى لها بأنه يقص موافقتها لنفس الشخص الذي ستلقاه بعد قليل!

سعدت للغاية لسماعها هذا الخبر المفرح، فقالت بسعادة: ربنا يفرح قلبك يا على انت طيب وتستاهل كل خير، أنا هلبس وهجيلك حالًا وهجبلك مفتاح شقة بابا تقعد فيه لحد ما تشوف هتعمل أيه مع فريدة هانم.
وتابعت بصدق نابع من داخلها: والله أنا لولا حالة عمران كنت جيت قعدت معاها بنفسي.

استمعت لما قال وأغلقت مايسان الهاتف بسعادة، فاستدارت لتجده مازال غافلًا، فخرجت لغرفتها واتجهت للخزانة تجذب ملابسها وترتديها مسرعة، وقبل أن تهبط للأسفل اتجهت بحرج لاحد الغرف، فطرقت على بابها وترقبت أن يُفتح بابها.
فتح أحمد الباب وهو يجاهد لفتح عينيه بنومٍ، فردد بلهفة: مايا! عمران كويس؟!

أشارت له تطمنه: كويس الحمد لله، أنا بعتذر أني أزعجت حضرتك بس جالي مشوار مهم ولازم أنزل وقلقانه أسيبه لوحده، لو ممكن حضرتك تبقى تبص عليه.
أغلق مئزره جيدًا وخرج يغلق باب غرفته مرددًا بقلقٍ: مشوار في الوقت المتأخر ده!
أجابته سريعًا وهي تتفحص ساعة يدها: الساعة 11 مش متأخر أوي.
وتابعت بتوضيح: أنا مش هتأخر، وهرجع مع علي.

هز رأسه بهدوء فلم يريد أن يتطفل لمشوارها الذي لم تخبره عنه، وتوجه لغرفة عمران قائلًا ببسمته الهادئة: روحي مشوارك وأنا هنام جنبه النهاردة.
منحته بسمة مشرقة وهي ترد عليه: شكرًا يا عمي. عن إذنك.
أشار لها بنفس ابتسامته وولج لغرفة عمران ليتمدد جوار بتعب ينتابه لعدم راحته بعد رحلة سفره المرهقة من مصر لانجلترا.
بينما بالغرفة القريبة منه.

مازالت تحاول الوصول لابنتها، فالوقت تأخر للغاية ولم تعد بعد، ألقت فريدة الهاتف من يدها بغضبٍ، وصفقت يد بالأخرى وهي تردد بغيظٍ: أتاخرت ليه لحد دلوقتي!
وزفرت بضيقٍ وهي تحاول تخمين سبب تأخيرها الغريب، فاتجهت لغرفة على عساه يتمكن من الاتصال بها أو براكان، فتفاجئت بالظلام يبتلع الغرفة، حتى فراشه كان مرتبًا بطريقة أوحت لها بأنه مازال بالخارج، فلم تجد السبيل سوى اللجوء لابنه الاصغر.

اتجهت فريدة لغرفة ابنها، فولجت للداخل بعدما فعلت أنارة الغرفة، كادت بايقاظه ولكنه توقفت محلها بصدمةٍ حينما وجدته يتمدد جوار إبنها، ارتبكت بوقفتها وتراجعت بضعة خطوات للخلف، كأنها تود الهروب للخارج لتحجب عينيها عن التطلع لملامحه الوسيمة، انتظام أنفاسه وهدوئه الشديد، تود أن تكتم صدى صوت قلبها الذي يود القفز عن أضلعها.

لوهلة تخيلته زوجها ومن جوار ابنهما!، ولكن الحقيقة حتمًا موجعة، وأكثر ما ألمها طوال تلك السنوات وراثة ابنائها الشباب لون العين الرمادي بالرغم من أن زوجها لم يكن كذلك، فكلما ردد أحدٌ أمامها بأنهم يحملون نفس لون عين عمهم كانت تشتعل غضبًا، كانت أحيانًا لا ترغب بتأمل على وعمران فكلما رأتهم تذكرته قبالتها!

ابتلعت فريدة ريقها واستعادت ثباتها، فوقفت أمام المرآة تتأكد من انهدام مئزرها الذي يخفي بيجامة نومها الخفيفة جيدًا حتى إن استيقظ جراء ايقاظها لعمران تكون محتشمة أمامه.
واتجهت تهز صدر ابنها منادية بخفة: عمران.
تململ بمنامته على هزة يدها الخافتة، همهم بانزعاجٍ: ممم...
رفعت من صوتها قليلًا: فوق يا عمران.
فتح أحمد عينيه ليتفاجئ بها تحاول إيقاظ عمران، فجلس باستقامة قائلًا بنومٍ: فريدة! في حاجة ولا أيه؟

تحاشت التطلع إليه وقالت بنبرة واجمة: مفيش شمس كانت مع خطيبها واتاخرت بالرجوع، هخلي عمران يتصل بيه ويشوف اتاخروا ليه؟
راقب برودتها بالتعامل معه بهدوء، وقال بضيق وهو يراقب عودتها لتحريك عمران: طيب براحة على الولد، أنا هصحيه.
وبالفعل ناداه أحمد برفقٍ حتى استجاب إليه فعاونه على الجلوس بوضع وسادة خلفه، فردد باستغراب: عمي حضرتك كنت جنبي! أمال فين مايا أنا قبل ما أنام كانت جنبي هنا!

بدى مرتبكًا لا يعلم ماذا يخبره، فقال بتلعثم: هتلاقيها في أوضتها!
ردت فريدة بقلق: لا مش في أوضتها أنا لسه جاية من عندها.
انتفض عمران بفزعٍ: مش معقول تكون سابتني كده وهربت على مصر زي ما كانت عايزة تعمل قبل كده!
حينما تطور الأمر، قال نافيًا: لا يا عمران هي آآ...
تطلعت إليه لتهاتفه بحدة: مخبي أيه يا أحمد!
زفر بضيق لحق نبرته: بصراحة مايا جتلي وقالتلي أخد بالي من عمران لانها عندها مشوار مهم.

نهضت عن الفراش تصيح بغضب: مشوار مهم فين بالوقت ده!
أجابها بهدوء: معرفش بس قالتلي هرجع مع علي!
ضمت يدها لرأسها وصرخت بانفعال: هو في أيه بالبيت ده، شمس لسه مرجعتش لغاية دلوقتي ومايا محدش عارف راحت فين وازاي هترجع مع على وعلى مرجعش البيت لحد دلوقتي!
اعتدل عمران بجلسته بصعوبة وهو يتساءل بدهشة: شمس مرجعتش لسه!
أكدت له وهي تستعيد مطلبها الرئيسي: اتصل براكان واساله، لانه مش بيرد عليا وتليفون شمس مقفول.

والتقطت أنفاسها بعنف وهي تستطرد: أنا هيجرالي حاجة.
نهض أحمد واتجه أليها بخوف: طيب اهدي بس مفيش حاجة هتتحل بشدة أعصابك دي.
وأشار لعمران قائلًا: اتصل الأول براكان وبعد كده نشوف مايا.
هز رأسه وجذب هاتفه يحاول الوصول لراكان، وبالرغم من رنين هاتفه الا أنه لم يجيبه من الاساس، فأعاد الاتصال به وحينما لم يجيبه اتصل بآدهم ولكن دون جدوى، فألقى الهاتف جواره وهو يردد بغضب: مبيردش لا هو ولا الحارس بتاعه.

تجرد عنها ثباتها الصارم وصاحت برعب: يعني أيه، بنتي راحت فين؟!
رد عليها أحمد وهو يجذب مئزره الشتوي على الفراش يرتديه: أنا هروح لراكان البيت أشوف في أيه وهبقى أبلغكم.
وتركهما وهرول للخارج فلحقت به فريدة تجيبه بتوتر شملها: أنا كمان هغير هدومي وهجي معاك.
أجابها بعدما وصل لغرفته: مفيش داعي يا فريدة خليكي انتي جنب عمران وأنا لو وصلت لشيء هبلغك.

هزت رأسها بهدوء وقالت برجاء: بسرعة يا أحمد من فضلك، قلبي هيقف من الخوف عليها.
إلتفت إليها وقد ألمته كلماتها فقال تلقائيًا: سلامة قلبك.
ارتبكت للغاية، فتنحنحت وهي تشير على باب غرفة ابنها: آآ، هشوف عمران.
أومأ برأسه ببسمة جذابة، فأغلق الباب من خلفها وشرع بتبديل ملابسه ليغادر سريعًا.

انتابها عذاب من جحيم، فأجج لها ضميرها صورًا مقبضة لما سيحدث، وخاصة بعد تضحية آدهم ليفديها من موتة كانت واشيكة في حين ذاك الاحمق كان يختبئ خوفًا على ذاته، ولتكن صادقة لم يعنيها أمره كثيرًا بل كانت تتمنى لو تخلصوا منه.

خوفها كان ينبع تجاه ذاك الحارس، بطل أحداث قصتها التي يسترسلها القلم كلما تلاقت به، منذ بداية ظهوره بحياتها وهو ملاكها الحارس، كل موقف احتاجت المساعدة كان هو أول من قدم لها العون لدرجة جعلتها تتمناه أن يكون خطيبها عوضًا عن ذاك الجبان، لذا أعادت اتجاه السيارة لتلحق بهم بحذرٍ، وها هي الآن تقف على بعد قريب من المكان الذي دلف إليه راكان وآدهم وهؤلاء الرجال، ولا تعلم ما الذي ينبغي عليها فعله بالتحديد، فجذبت هاتفها لتبلغ الشرطة بالأمر، ولكنها تفاجئت بهاتفها نفذ شحنه وأصبح دون جدوى!

قيدوه على المقعد البعيد عن مرمى اجتماعهم، بينما جلس راكان على أحد المقاعد المقابلة لذاك الذي يرتشف من النبيذ الأحمر بتلذذ وكأنه لا يعنيه ارتكاب مثل تلك المحرمات، فنفث دخانه غليونه باستمتاعٍ يجوبه بنظراته تجاه ذاك الذي على وشك البكاء من فرط الخوف، فقال بسخرية: إن كانت تخشاني لتلك الدرجة لما قمت بتجاهل طلبي بلقائك بوقاحة!

ابتلع راكان ريقه بصعوبة وهو يجاهد لخروج كلماته: سامحني سيدي، خشيت أن تعاقبني على ما حدث بمصر.
وأخذ يبرر لنفسه سريعًا: أنا لا ذنب لي بما حدث، هناك ظابط مصري يعبث خلفنا وينصب شباكه لنا.
منحه نظرة قاتلة قبل أن يهدر بانفعال: هل نسيت ما وكلتك به، أنت مسؤول عن توصيل تلك البضاعة من الميناء، وبدالًا من القيام بعملك تجلس وتخبرني ترهات ستجعلني أقتلك بيدي بأي لحظة.

ارتعب لمجرد سماعه تهديده، فهرع لمقعده يجلس على قدمه وهو يقبل يده بذل جعل آدهم يمقته بنظرة مستحقرة: لا سيدي أرجوك لا تفعلها، أعدك بأنها لن تتكرر مجددًا.
تابعه بنظرة انتشاء، فنفث دخانه بوجهه وهو يشير له ببرودة: حسنًا سأمهلك فرصة أخيرة، وإن فشلت سأنحر عنقك بنفسي!

هز رأسه بعشوائية وكأنه لا يصدق بأنه وجد فرصة صريحة للبقاء على قيد الحياة، فنهض ماريو عن مقعده تاركه مازال ينحني إليه، ثم خطى لأخر القاعة ليقف قبالة آدهم المقيد على المقعد، فابتسم بتسلية وهو يشير باستهانة: هل هذا الذي وُكلته بحمايتك! أراه عاجزًا عن حماية نفسه حتى!

ضحك آدهم بصوته الرجولي مما جعل ابتسامة ماريو تتلاشى باستغراب، وخاصة حينما قال: أنا الآن أحترم النقاش المتبادل بين رئيسي وبينك لذا أجلس هنا بهدوء، وإن منحني الآذن حينها لن يروق لك الأمر!
احتدت نظراته تجاهه وخاصة حينما قال باستهزاء: لست من النوعية التي تنحني لأحدٌ بحياتها قط.
تحرر صوته المتعصب مناديًا: راكان.
هرع إليه مرددًت ورأسه ينحني في طاعة: سيدي.

قال ساخرًا ومازالت عينيه تراقب ذاك الشرس: امنحه الآذن لنرى ما لديه وهو مقيدًا هكذا!
سحب نظرة محذرة تجاه آدهم الذي لم يراه من الاساس فمازال يناطح ذاك الواقف قبالته، تاركًا زر جاكيته يسجل بكاميرته الخفية وجهه جيدًا للسلطات.
طال الصمت فصرخ ماريو بتعصب: هيا أمره بذلك الآن.
تحرر صوته المرتجف قائلًا لآدهم: لك ذلك.

اتسعت ابتسامته الماكرة، فرفع جسده للأعلى بعنفٍ جعله يترنح للخلف فانخلعت مقدمة المقعد، فأخفض الحبل من أسفل ليفك وثاقه بشكلٍ فاجئ من يقف أمامه.
أخرج رجاله أسلحتهم وأحاطوا آدهم الواقف بثقة يتابع من أمامه، بينما ردد كبير حرس ماريو بتوتر: احترس سيدي هذا الرجل خطيرًا للغاية، أسقط أربعة من رجالنا وكاد باستكمال فعلته وكأنه لم يفعل شيئًا!

ابتسم آدهم وردد باستهزاء: ايوه زي ما سمعت من أختك كده احترس عشان محزمش وسطك بطرحة!
ضيق حاجبيه بعدم فهم: ماذا قال للتو؟
ازداد توتر راكان وصاح به: آدهم هيقتلونا مكانا اهدى!
تجاهله للمرة الثانية وقام بترجمة ما قال: أخبرتك بأن تنتبه لنصيحة رجلك الشهم وتحترس غضبي، وأنا أعدك الا أتركك وحيدًا بقبرك الذي سأصنعه لك، سأضع رجالك معك ليكونوا ونسًا لك، وحينها ستتذكر شهامة المصريين وكرمهم!

ابتسم ماريو وهو يتابعه بإعجاب انقلب إليه بعدما كان متعصبًا، فدنى منه وهو يقف بنظرة ذات مغزى: اسمع يا فتى، سأعقد معك صفقة لن تكرر مطلقًا، إن قتلت رجالي ستصبح الرجل الأقرب لي، سأحيطك بالمال وكل ما تريد.
جحظت أعين رجاله بصدمة، مما يستمعون إليه حتى راكان نفسه.
اقترب آدهم المسافة المتبقية بينهما ليردد بنظرة تحدي: لست فتى، أنا رجلًا سيحرص أن يلقنك أنت ورجالك دروسًا عن رجولة وشهامة العرب.

واسترسل ببسمة ماكرة: أما عن عرضك السخي فأنا أقبل نصفه الأول، لم أكن عبدًا لصبيك حتى أصبح عبدًا لك.
وفور انتهائه من حديثه اشتبك معهم على الفور، تاركًا راكان يفتح فاهه صدمة بينما يراقبه ماريو ببسمة تسلية، فدنى الاخير منه يهمس له: سيدي أرجوك أوقفه سيقتل رجالك!
قال بعدم مبالاة وهو يشعل غليونه: لا أريد رجالًا ضعفاء أمثالهم.

واستدار بوجهه إليه يخبره ببسمته: عليا الاعتراف إنك قمت باختيار الرجل الصحيح لحمايتك أيها الوغد!
كانت تحيط الناس من حولها بنظرة مرتبكة، بالرغم من أن المكان لم يكن بالمزدحم، فحاولت اخفاء توترها بتناول الشاي الساخن الموضوع من أمامها تهربًا من نظرات على المبتسم إليها، وفجأة تسلل لمسمعها صوت أنثوي يردد بحماسٍ: علي.

كانت فتاة على ما بدى لها بأوائل العشرين من عمرها، ترتدي فستانًا بسيطًا من اللون الأسود فضفاض، على حجابًا من اللون الأزرق، وجهها بشوش بقدر جعلها تبتسم وهي تراقبها.
اتجهت نظرات مايسان لها، فتساءلت باهتمامٍ: دي فاطمة صح؟
أجابها على ببسمة حب لمن تقف قبالتهما: ناديها فطيمة.
قدمت يدها في دعوة ترحاب لها: كان نفسي أتعرف عليكي من زمان يا فاطيما، أنا مايسان.

هزت رأسها وهي لا تجيد اجابتها من شدة ارتباكها، فأشار لها علي: مايسان تبقى بنت خالتي ومرات أخويا الصغير يا فطيمة.
تحرر صوتها أخيرًا: أهلًا بيكِ.
سحبت المقعد المجاور لها وجلست جوارها، تخبرها بلطفٍ: ما شاء الله قمر، أنا قولت كده بردو إن مش أي بنت توقع دكتور علي.
تعالت ضحكاته الرجولية لتصل كلماته لها: أيوه ادخلي علينا بحواراتك، ده اللي بأخده منك.
واستطرد بجدية: قوليلي يا مايا ماما سألتك راحه فين؟

ردت عليه ببسمة فخر: محدش شافني وأنا جاية غير أنكل أحمد.
عبثت معالمه ضيقًا، متسائلًا: وعمران!
أكدت له باشارة رأسها، فقال بتذمر: مكنش ينفع تنزلي بالوقت ده من غير ما تستأذنيه يا مايا!
راقبت فطيمة حوارهما باهتمام، فاجابته مايسان: كان نايم يا على وإنت عارف إنه مكنش بيعرف ينام بالمستشفى فمحبتش أقلقه لكن لما هرجع ان شاء الله هقوله.
أماء برأسه وسألها بجدية: جبتي المفتاح؟

أخرجته من حقيبة يدها قائلة: عيب يا دوك ودي حاجة تتنسي!
وقف على يشير لهم وهو يضع مبلغًا من المال على الطاولة: طيب يلا نتحرك لإن الوقت أتاخر.

أمسكت مايسان يد فطيمة وخطت جوارها تتهامسان بصوتٍ منخفض، بينما صعد على بمقعد القيادة يترقب صعودهم بالخلف، ليتحرك بهم للمبنى، بينما يهاتف مدير المشفى لأمر فطيمة حتى لا تحول المشفى للهلاك ظنًا من إنها هربت منها، فأخبره بأنه سيتزوج بها وسيقوم بعلاجها بنفسه، فلم يواجه صعوبات بذلك لتكفله أمرها كاملًا بأمرٍ من مراد زيدان شخصيًا.

راقب رجاله الملقون أرضًا ببسمة شيطانية مخيفة، ورفع حدقتيه له يحاول استمالته للمرة الأخيرة: متأكدًا من رفضك للعمل معي.
رمقه بنظرة ساخطة قبل أن ينحني ليجذب جاكيته الملقي أرضًا ثم اتجه لراكان يسأله بنفور: هتيجي معايا ولا هتخليك مع فرقع لوز ده.
رفع راكان عينيه لسيده، فسأله بتوتر: سأغادر يا سيدي، هل من أمرًا أخر؟

تركهما واتجه لمكتبه فجلس باسترخاء قائلًا: دعه يغادر بمفرده ولتبقى هنا أريدك بأمرٍ هام لا أريد لأحدٍ سماعه غيرك.
حدجهما آدهم بسخرية لحقت نبرته: وكأنني أهتم!
وغادر وهو يستطرد لراكان: هبعتلك فؤاد ياخدك أو يمكن فرقع لوز اللي جنبك ده يوصلك لإن تقريبًا رجالته بح!

وغادر وابتسامة المكر تحيط به، تعلم أن يسبق عدوه بخطوة، فتوقع أن يطالبه ماريو بالمغادرة لينقاش أمر الشحنة القادمة مع راكان بمفردهما لذا كان الأسراع حينما تصنع انحناء جسده ليجذب جاكيته الملقي أرضًا وقام بزرعة جهاز التصنت بمعدن الطاولة القريبة منه.

أطلق صفيرًا مستمتعًا وهو يرتدي جاكيته ويحرك كتفيه بانتشاء، فخرج من المبنى يبحث بعينيه عن وسيلة مواصلات تعاونه على العودة لفيلا راكان حيث يقطن، وإذ فجأة يعلو صوتًا يناديه كان سهلًا بالتعارف عليه
آدهم.

استدار للخلف وهو يقنع ذاته بأنه يتوهم سماعه، برق بحدقتيه صدمة حينما هبطت شمس من سيارته وركضت تجاهه، فالتفت حوله يراقب أن رآها أحدًا، وهم إليها يصرخ بعصبية: شمس إنتِ بتعملي أيه هنا؟ أنا مش طلبت منك ترجعي البيت!
انهمرت دمعاتها المعاكسة للابتسامة الواسعة على شفتيها، فسألته بلهفة وكأنها لم تستمع لاسئلته: إنت كويس؟

راقبها بدهشةٍ، فتابعت بحيرة مما ستخبره به بتشتتٍ: أنا مقدرتش أمشي، فمشيت وراكم وفضلت هنا مش عارفة أعمل أيه؟
ورفعت هاتفها إليه كأنها تشكو له: حتى موبيلي فصل شحن معرفتش أكلم الشرطة ولا أعمل أي حاجة.
منحها ابتسامة تعمقت داخلها، وقال بصوته الرخيم: ممكن تهدي طيب.
وتابع وعينيه تشير على المبنى المجاور له: متقلقيش راكان كويس، كان سوء تفاهم وراح لحاله.

زوت حاجبها لتتمرد بعصبية شبيهة للجنون: ما يولع الجبان القذر. مستخبي شبه الستات وسايبهم يخطفوني وهو مش همه غير نفسه وبس.
راق له تعصبها وبالرغم من قراءته لمشاعرها بوضوحٍ، الا أنه ادعى الفضيلة: طيب راجعه تاني ومعرضة نفسك للخطر ليه وهو مش فارق معاكي!

أزاحت دموعها بغيظٍ من طريقته، تعلم بأنه يود أن ترددها صريحة، ولكنها مشتتة لا تعلم ماذا تفعل، وبالرغم من أنه لا يربطها براكان سوى خطبة الا أنها أحيانًا تشعر بالذنب لمجرد تفكيرها بآدهم، فيزيد من أمورها هو الآن!
ألقت شمس مفاتيح السيارة إليه وقالت بغضب وهي تبتعد عنه: أنا غلطانه إني رجعت عشان خايفة عليك، خد مفاتيحك أهي أنا ماشية.

التقط المفاتيح وهرول خلفها يناديها ضاحكًا: طب استني طيب هوصلك، الحتة هنا غريبة عنك.
اكملت طريقها دون أن تستدير إليه: مالكش دعوة بيا ارجع للباشا بتاعك.
راقبها آدهم ببسمة جذابة، فصعد لسيارته وقادها حتى بات يقودها بنفس مستوى خطاها، فقال وهو يراقب الطريق بحذر: شمس بطلي جنان وإركبي.

لم تعيره انتباهًا واستكملت طريقها بخطوات سريعة، متعصبة، وكأنها ستتمكن من الفرار منه، فأسرع من قيادته قائلًا: خلينا نتكلم من فضلك.
رفضت الانصياع إليه فزفر بنفاذ صبر، وقاد السيارة ليكسر الطريق من أمامها، ففتح الباب المجاور لها مهددًا إياها بصرامة: هتركبي ولا أنزل أشيلك وأدخلك العربية بالعافية.

بللت شفتيها بلعابها وهي تتفحص الطريق المظلم من حولها بخوفٍ، وبالنهاية انصاعت إليه وولجت للسيارة تجلس جواره، فابتسم وعاد للقيادة بصمت.
كظمت غضبها بصعوبة، تود البقاء ساكنة أطول فترة ممكنة ومازال الأخير يراقبها ببسمة تسلية، فقال: اتكلمي باللي عايزة تقوليه بدل ما يجرالك حاجة من الغيظ اللي جواكِ ده!
اتجهت بجسدها إليه وقالت بتوتر: آدهم أنا بقيت متأكدة إن راكان ده شمال، وخصوصًا بعد اللي حصل النهاردة.

ترك مراقبة الطريق وتطلع إليها: أنا حذرتك قبل كده وقولتلك إبعدي عنه.
تجهمت معالمها، وفاهت: ماما مش مقتنعة غير إنه شخص مناسب ليا وأنا بحاول أقنعها بس أعتقد بعد اللي حصل النهاردة ده هتغير رأيها.
ترقب لوهلة قبل أن يخبرها: مفيش داعي يا شمس، متقوليش حاجة، قريب جدًا والدتك هتقتنع جدًا، لإن راكان هيكون انتهى خلاص.
زوت حاجبيها باستغرابٍ: تقصد أيه؟
وبدى عقلها يعمل سريعًا، فرددت: هتقتله!

قهقه ضاحكًا، وأضاف مازحًا: لو إنتِ بتكرهيه أوي كده عيوني هخلص عليه.
شملها الحزن والألم، فقالت باصرار وغضب ثائر: نزلني، وقف العربية.
وزع نظراته بينها وبين الطريق: أيه اللي حصل بس؟!
صرخت بعنف وكادت بفتح باب السيارة وهو ينطلق بسرعته القصوى: بقولك وقف العربية والا هحدف نفسي.
أمسك راسخها وثبته جيدًا ويده الاخرى تهدأ من سرعته قائلًا: طيب طيب اهدي، هركن على جنب.

وبالفعل هدأت سرعة السيارة حتى وقفت تمامًا، فاستدارت تجاهه تخبره قبل هبوطها: أنا هتوقع أيه منك، ما أنت بتشتغل معاه يعني أكيد إنت شبهه في كل شيء.
وهبطت لتجده يسرع خلفها فسد طريقها وهو يقول: أنا مش شبهه ولا عمري هكون شبهه يا شمس.
ارتبكت من قربه منها، فتراجعت للخلف وهي تردد بخفوت: من فضلك سبني أمشي، أنا مبقتش قادرة لكل ده، الظاهر إني كنت غلط لما قبلت بالخطوبة دي وغلطت لتاني مرة لما حبيتك.

ابتسم ومازال يدنو منها ليوقفها عن الهرب للطريق، فقال: غلطي فعلًا، بس حبك ليا مكنش غلطة.
ابتلعت ريقها بارتباك، فتراجعت بظهرها للخلف وهي تهز رأسها برفض: لا غلطة وغلطة كبيرة كمان، إنت مجرم زيك زيه يا آدهم.
وبتوتر قالت: آآ. أنا شوفتك وإنت بتضربهم بالنار إنت انسان مش طبيعي، آآ. أنت مجرم.

قالت كلماتها الاخيرة وكادت بالركض فجذبها بقوة جعلتها تصطدم بالسيارة من خلفها، لتنحول نظراتها إليه بهلعٍ جعلته يعيد خصلاته المتمردة للخلف بغضب، فسيطر بصعوبة على أعصابه وهو يراها تتأمله بخوف ويدها تحتضن حقيبتها، فهمس لها: شمس أنا ظابط مش مجرم.

برقت بعينيها بدهشة، فتابع قائلًا: أنا هنا عشان أقبض على راكان الكلب واللي وراه وإني أكشف هويتي الحقيقية لحد دي ليها عقوبة وبالرغم من كده ارتكبتها عشان مشوفش النظرة دي في عيونك.
وإتجه يفتح باب سيارته بهدوءٍ رغم سخرية نبرته؛
هتركبي ولا أطلعلك جواز سفري عشان تتأكدي!

تطلعت له بصدمة، وتحركت بآلية تامة للمقعد مجددًا، فصعد جوارها يقود والغضب لخيانة مهام عمله يجوب على معالمه، من لم يستطيع كشفه أتت تلك الفتاة وفعلتها!
شعرت شمس بأنه على وشك الانفجار بأي لحظة، وبالرغم من ذلك لم تتراجع عن سؤاله: هو راكان بيتأجر في أيه؟
منحها نظرة خاطفة قبل أن يعود لتأمل طريقه صامتًا من جديد، فعادت تسأله: سلاح ولا مخدرات؟

زفر بنفاذ صبر، فلكم المقبض وهو يصيح: يا بنتي اتقي الله متعودتش أسرب أسرار الشغل، دي كده خيانة!
منعت تلك الابتسامة من السطوع، وقالت ببراءةٍ مصطنعة: متخفش سرك جوه بير مدفون ملهوش قرار، أنا حتى مش هحكي لمامي على اللي حصل لحد ما تقبض عليه وتخلصني منه.
ابتسم رغمًا عنه ولزم صمته حتى منتصف الطريق، خطف نظرة إليها فوجدها تكتف ساعديها أمام صدرها بحزنٍ جعله يقول: راكان بيهرب لمصر أدوية فاسدة.

جحظت عينيها صدمة، فاستطرد بألم تشعر به بنبرته لأول مرة: أنا موجود هنا بانجلترا مخصوص عشان أقبض عليه وعلى اللي وراه مع إن ده مش تخصصي، بس زي ما تقولي كده له عندي تار ومش هيبرد غير وأنا شايفهم راكعين تحت رجليا.
انجرفت بجلستها تجاهه، وازدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تقول: أوعى تكون متجوز وقتلوا مراتك ولسه بتحبها وجاي تنتقم والجو ده، أقسم بالله هطلع على راكان أقوله حقيقتك ولا هيهمني!

انفجر ضاحكًا وهو ينفي تهمتها مردفًا: لا أنا مش مرتبط متقلقيش، انتي أول واحدة قلبي ارتبط بيها.
احمر وجهها خجلًا فحاولت أن تقلب مسار الحديث، فقالت بحيرة: طب تار أيه؟
سيطر الحزن على معالمه وبدى كأنه على وشك البكاء، ولكنه تماسك وهو يحرر جملته: أمي يا شمس، ماتت بسبب جرعة الانسولين المغشوش اللي أخدته.

أدمعت عينيها تأثرًا، فبكت وهي تراقب تعصب يده على حركة مقود السيارة، وأنفاسه التي تصل لمسمعها، فقالت بحقد: طيب ومستني أيه ما تقبض عليه.
ابتسم ساخرًا: مش بالبساطة دي، راكان ما هو الا كلب بيتحرك باشارتهم، اللي وراه هما اللي تاري وتار بلدي معاهم.
واسترسل بوعيد: بس خلاص هانت وأمسك الاوراق اللي راكان مخبياها ووقتها هكشفهم كلهم.
رمشت بحيرة وتساءلت: يعني طول الفترة دي كلها معرفتش تاخد الاوراق دي.

أجابها وهو يبطيء من سرعة سيارته رويدًا رويدًا: دورت في خزنة مكتبه وبالبيت بتاعه ملقتش حاجة، بس مازلت بدور وأكيد هوصل للملف ده ووقتها هتكون نهايته.
ابتسمت وهي تراقبه بحب ينبع بعينيها، فرددت: هيحصل، ربنا أكيد مش هيضيع تعبك.
التفت إليها يمنحها بسمة جذابة وهو يشير لها: إن شاء الله يا حبيبتي، وساعتها هتلاقيني عند فريدة هانم بطلبك للجواز وواثق إنها مستحيل هترفضني.

تلاشت بسمتها باستحياء، فغمز بعينيه بمشاكسة: حمدلله على السلامة شمس هانم.
لم تستوعب كلماته الا حينما التفتت فوجدت ذاتها قبالة منزلها، ففتحت باب السيارة وهبطت، ثم انحنت على النافذة الخاصة بمقعده بعدما استدارت تخبره ببسمتها المشرقة: شكرًا على كل حاجة عملتها علشاني يا آدهم.
راقب ابتسامتها الرقيقة بحب نبع داخل حدقتيه، وهمس بصوت مغري: عمر، إسمي الحقيقي عمر!

استقامت بوقفتها وغادرت وهي تصيح بضحكة: هناديك آدهم لحد ما أتعود، باي.
راقبها حتى ولجت للباب الخارجي لمنزلها، مرددًا بابتسامة ساحرة: مع السلامة.

عاد على برفقة مايسان للمنزل بعد أن أوصل فطيمة للشقة وتأكدت مايسان من أنها لا تحتاج لشيءٍ، فما أن ولجوا للداخل حتى وجدوا فريدة تجوب الردهة ذهابًا وإيابًا وعلامة الذعر تخطو على وجهها، وعلى المقعد يجلس أحمد يحاول تهدئتها وعلى ما يبدو من ملابسه أنه كان بالخارج، فما أن استدارت حتى وجدت على ومايسان قبالتهما ومن خلفهما ولجت شمس، فصرخت بعصبية بالغة: أنا عايزة أعرف انتوا كنتم كلكم فين لحد دلوقتي!

تململ بنومته بانزعاجٍ، ففرد ذراعه يحتضن زوجته فتفاجئ بعدم وجودها لجواره، استقام جمال بنومته وجذب التيشرت الملقي أرضًا يرتديه وهو يناديها: صبا!
خرج من الغرفة يبحث عنها فوجدها تجلس بالشرفة وجسدها متكئ على السور الحديدي، بدت له شاردة حتى أنها لم تشعر بوجوده، انحنى جمال لمستواها فضمها طابعًا قبلة حنونة على خدها: حبيبي قاعد سرحان في أيه بنص الليل؟

ابعدت يدها عنه بخجلٍ، ورددت بتلعثم: مفيش آآ، أنا مكنش جايلي نوم بس آآ. هدخل أنام حالًا.
منعها من النهوض، وجذب المقعد المجاور لها ليضعه قبالتها، وقال بحزنٍ: مالك يا صبا من يوم خناقتنا دي وإنتِ متغيرة مع إني معتش بنام بره البيت ولا بتأخر بالرجوع!
أخفت عينيها من لقاء عينيه، فرفع ذقنها يجبرها على التطلع إليه، متسائلًا بلهفة: أنا عملت حاجة زعلتك مني؟

رددت بزعل انتابها: مهو ده اللي مزعلني إنك بقيت مهتم بيا جدًا، فحاسة إني فرضت نفسي عليك لما صارحتك بمشاعري، لدرجة إنك بقيت بتجبر نفسك تكون معايا بشكل مستمر، ده مخليني أبقى مكسوفة من نفسي.
صعق مما استمع إليه ومع ذلك بقى هادئًا، واختار كلماته بعناية: ليه بتقولي كده يا صبا، كل الحكاية إني شلت الهموم اللي على كتافي، أنا ظلمت نفسي قبل ما أظلمك معايا يا صبا وفوقت!

واسترسل وهو يجذبها لتجلس على ساقه: ثم إن المفروض تكوني حاسة بحبي ليكي وفاهمه ده كويس!
منحته بسمة رقيقة، فضمها إليه وهو يهمس لها: بحبك ونفسي تفهميني بقا، أعملك أيه تاني ده أنا بطلت أشوف المقاطيع بالساعات بسببك وواخدني تريقة في الراحة والجاية ومستحمل علشان عيونك الجميلة دي.
ابتسمت مجددًا، وسألته بجدية: أخبار عمران صاحبك أيه؟
أجابها وهو يغمز لها بخبث: كويس أوي أنا اللي مش تمام.

وحملها ليدلف بها لغرفتهما وضحكاتها تعلو دون توقف، فما أن وضعها على الفراش وكاد بالتمدد جوارها حتى صدح هاتفه برقم يوسف، فحمله بسخط: شوفتي أديكي نقيتي فيها، يوسف ميرنش نص الليل الا لما يكون في بلوة!
كبتت ضحكاتها حينما حرر زر الاجابة، ليجد الاخير يخبره بغضب: تعالى حالًا، صاحبك اتطرد في الشارع في نصاص الليالي وعربيته عطلانة، استر هيبتي قدام الجيران سترك الله!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة