رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثلاثون
أوقف سيارته أسفل الشركة فهبطت مايا وغادر بعد أن أخبرها بأنه سيذهب لمشوارٍ هام، استكمل بسيارته الطريق متبعًا هاتفه بعدما بحث عن إسم المطعم وأخرج موقعه، والآن أصبح يقابل وجهته.
صف عمران سيارته وولج للداخل يبحث عن غايته، فوجده يرتدي مريال يحمل لوجو المطعم وينتقل بين الطاولات، وضع العصائر على احدى الطاولة وما كاد بحمل بالعودة للمطبخ حاملًا الصينية الفارغة حتى تفاجئ به يقف قبالته، فتفوه باسترابةٍ: عمران!
نزع عنه نظارته الشمسية ودنى إليه يمنحه ابتسامة مقتضبة: صباح الخير يا بشمهندس.
وكأنه يتعمد أن يذكره بما تنساه بين الطاولات هنا، فتعجب أيوب من طريقته الغريبة بالحديث، وسأله بدهشة: بتعمل أيه هنا؟
زوى حاجبيه بتهكمٍ صريح: هكون بعمل أيه؟ مش ده مطعم وبيقدموا فيه أكل؟
أشار له بايجاب بينما هز الاخير رأسه هامسًا بضجر: أسئلة خارج المنهج!
وتابع وهو يحك خده ليكظم غيظه الغريب لرؤية صديقه الجديد بتلك الوظيفة التي يعلم بكونها شريفة ولكن لجوئه لها في وجود شخصًا بنفوذه أثار غضبه بشكل تعجب هو ذاته له، فقال بحدة غريبة: اقلع المريالة دي وتعالى معايا. عايزك.
عبث حاجبيه بدهشةٍ: أجي معاك فين؟ لسه بدري على ما أخلص شغلي وعندي محاضرة الساعة 3!
جز على أسنانه بضيق وصدر أوامره: أيوب متنرفزنيش اقلع القرف ده وتعالى معايا حالًا!
وقبل أن يتفوه بحرف وجد عمران يدفعه للخلف لينزع عنه ما يرتديه فقال باستغراب: مالك بس في أيه فهمني؟!
منحه نظرة حارقة وصاح بغضب: في بشمهندس يشتغل الشغلانه دي بذمتك؟
رد بعفوية تامة: وأقل من كده كمان مدام مش برتكب شيء حرام ولا يعيبني فين المشكلة!
يعلم بأنه يمتلك الحق بحديثه وإن تحمل الخطأ سيكون إليه ومع ذلك لم يتمكن السيطرة على أعصابه، فجذب الصينية السوداء من يده ووضعها جوار المريال الغريب، ودفعه للخارج قائلًا: أنا اللي عندي مشكلة ارتاحت!
جذبه عمران لسيارته والاخر يضحك على الحالة التي تعتلي الاخر، فما أن صعد جواره حتى انفجر ضاحكًا: مش معقول بجد إنت محسسني أنك قافشني مع واحدة ست! في أيه يا عمران على الصبح مش كفايا امبارح مكنتش مفهوم!
قاد سيارته بصمت جعل الاخير يصفق كفًا بالاخر: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، ما ترد عليا يا ابني مسيبني شغلي وواخدني على فين؟
لكزه بعنفٍ والغضب يتطاير من عينيه بشراسة: متقولش شغلك ده مش شغلك يالا، إنت بشمهندس إعقلها بروح أ...
بلع باقي كلمته وراح يهمس لذاته بصوت وصل لمسمع أيوب المنصدم: اهدى يا عمران خد نفسك ومهما الحيوان ده حاول ينرفزك أوعى تتنرفز، relax!
أعاد أيوب غلق سحاب تيشرته الذي انفتح لأخره حينما كان يحاول عمران تخليصه من المريال، وقال بنزق لسماع همساته: روح لاخوك يعالجك بدل ما أنت قاعد تكلم نفسك كده!
منحه نظرة محذرة فزفر بغضب والتزم الصمت لما يقرب العشرة دقائق، ومن ثم عاد ليتساءل: طيب ريحني وقولي واخدني على فين؟ هخسر شغلي بقولك!
خرج عن رزانته التي يحمل التكلف بها، فطرق الدريكسون بعصبية: شغل أيه اللي خايف تخسره يا أيوب، أنت أزاي تسمح لنفسك بتعليمك ده إنك تشتغل في مطعم، لو الشيخ مهران عرف بده هيقبل أن ابنه الوحيد يمشي يمسح التربيزات إنت بتهرج؟
برق إليه بصدمة، يحدثه وكأنه ارتكب جرمًا ما، ولوهلة تريث بالرد بالنهاية عمران يختلف عنه، يتحدر للطبقة الأرستقراطية التي عرفت بالترف والسلطة والمال، كيف سيتمكن من أن يصل لعقله فكرة العمل شيئًا صريح لأي رجلًا، ريثما إن تمكن من العيش عامًا كاملًا بمصر سيعلم بأن الرجال هم من يحتملون العمل المرهق لأجل قوت يومهم، ربما ولد وبفمه ملعقة من ذهب لذا صعب عليه الشعور بالاخرين، وإن كان أيوب ميسور الحال ولكنه لا يحتمل فكرة إلقاء كل احتياجاته لأبيه، لذا ود الاعتماد على نفسه حتى وإن لم يكن بحاجة للمال، فالمال الذي يرسله أبيه كل شهرٍ يكفيه ويفيض عن حاجته.
لعن عمران نفسه وما تفوه به حينما وجد أيوب يلتزم بالصمت، فصف سيارته أمام احدى شركاته بعدما وصل لمدخلها واستدار يقابله بندمٍ: أيوب أنا آسف مقصدتش، بس أنا لما شوفتك وإنت بتشتغل كده اتنرفزت ومقدرتش أمسك نفسي.
وتابع بضيق: أنا كده لما بتعصب ببقى دبش ووقح.
رفع عينيه إليه بهدوء يعاكس ظنونه: مزعلتش يا عمران بس إنت اللي مش قادر تفهم إن الشغل عمره ما كان عيب، حتى لو كنت دكتور أو عالم ذرة حتى، العيبة أنك تحتاج لحد وتمد ايدك وتقوله اديني، احنا الحمد لله مبسوطين ووالدي عندي أراضي وورث يعيشنا ملوك بس أنا مش حابب أعتمد عليه على طول، عايز اتعود اتحمل مسؤوليتي من دلوقتي وأشتغل في أي حاجة وكل حاجة لاني ببساطة مش منتظر اني اخلص جامعتي وألقى الشركات فاتحلي دراعتها لازم أكون جاهز لأي وضع.
منحه ابتسامة هادئة ورفع يده يضم كتفه مشيرًا برماديته: أنا اللي هخدك في دراعاتي وبدايتك من هنا.
تعلقت نظراته لخارج النافذة فانفتح فمه بانبهارٍ لرؤيته تلك المباني العتيقة التي تحتل منتصفها مبنى ضخمًا يحمل اسم الغرباوي، فتح أيوب باب السيارة ولحق بعمران الذي يحاوط كتفه ويخبره بنفس ابتسامته الصافية: مكانك هنا يا بشمهندس.
تبلدت قدميه على أول درجات رخام البورسلين الأبيض فسحبها للخلف رافضًا تتبعه، فعاد إليه عمران ليجده يردد: مش هقدر يا عمران انا لسه بدرس مش جاهز!
منحه بسمة ساخرة قبل أن يتمتم: أنا استلمت ادارة شركة أبويا وأنا في أول سنة بالجامعة يا أيوب، وفي السنة الرابعة كنت بفتتح فرعين جداد للشركة.
وتابع ويده تضغط على كتفه: متقلقش أنا جنبك، واللي علمني وخلاني عمران الغرباوي هو نفسه اللي هيعلمك.
لم يفهم كلماته جيدًا وكأنه يحدثه بالألغاز، فصعد خلفه حتى ولج للداخل.
انبهر أيوب من تصميم المبنى الداخل، وحينما تود العمل مع شركة ضخمة بحجمها سيغلبك فضول رؤية ما يفعلوه بتصميم مداخل ومخارجها لذا اتقن عمران وفريقه كل شبرٍ بشركاته وبراعة تنسيق المساحات وغيرها من المكاتب والأرائك الباهظة.
شعر أيوب بأنه يقابل شخصًا أخرًا لا يعرفه، منذ ان طوق قدم عمران الشركة حتى تحول لشخصٍ جادي للغاية، الصرامة والجمود طريق لقاءاته مع الموظفين، حتى ولج به للمصعد، ليجده يهبط به لطابق منخفض عن مستوى الطابق الارضي، فلحق به بممر طويل للغاية حتى انتهى بباب حديدي دفعه ليجد عدد هائل من المجلدات المصفوفة بأرفف عديدة وكأنه بمكان أشبه بالمكتبة.
استدار عمران له يضغط من ضمه يده على كتف أيوب المندهش وخاصة حينما قال له بحزن غريب: إنت عارف إني بحبك وبعزك صح؟
هبوطه لمكان أسفل الارض وعلى ما بدى من عدم وجود أحدًا بالرغم من أن الطوابق الاخرى كانت تعج بخلية نحل من العمال، فمضمون المكان بأنه سري للغاية، والآن يخبره بتلك الكلمات اللعينة التي جعلته يبتلع بتوتر: في أيه يا عمران؟
سيطر على ضحكاته وهو يتابع: في إني عايزك تتقن الشغلانه من قبل ما تبدأها عشان كده جبتك المكان اللي اتعلمت فيه، أينعم كانت فترة صعبة ليا بس علمت معايا وفرقت، وهتفرق معاك جدًا بدراستك وباللي جاي.
خطف نظرة متفحصة للارشيف وعاد له: اتعلمت هنا!
نفى ذلك وأشار بعينيه على احد الابواب الجانبية، وقبل أن يحرر بابه عاد يضمه بقوة وهو يخبره: خليك عارف إني بحبك وبعمل كده عشانك.
ارتعب أيوب ودفعه عنه وهو يصيح بشك: أنا مش مرتحالك، خرجني من هنا!
انفجر ضاحكًا على مظهره وجذبه بقوة: انشف يالا مش كنت عاملي فيها الدكر الشقيان، رجولتك راحت فين؟
دفعه باندفاع: ما انت جايبني مكان غريب وبتقول كلام أغرب!
كاد بأن يتحدث إليه الا ان الباب قد تحرر وظهر من خلفه رجلًا وقورًا يبدو بأنه أفنى عمره بذلك المكان، يرتدى نظارات طبية كبيرة المقدمة، يتفرس بمن أمامه بنظرة شاملة، وسرعان ما تساءل: عمران! غريبة انك نازلي هنا بنفسك ومبعتش حسام السكرتير، محتاج حاجة؟
اندهش أيوب حينما وجد الخوف يسيطر على عمران الذي يراه بتلك الحالة لأول مرة وإن صحت له ظروفًا أخرى لكان أول السعداء فيه.
تنحنح عمران بخشونة أودع بها كل هيبته: مفيش يا استاذ ممدوح أنا جيتلك بنفسي عشان كنت حابب أطلب منك طلب.
أعدل نظارته وسأله باستغراب: طلب أيه؟ معقول يكون في حاجة وقفة عليك يا بشمهندس ده إنت خارج من تحت ايدي بخبرة تدرسها إنت لأجيال جاية.
في لافتة لطيفة انحنى عمران يقبل يد صديق والده المخلص الذي ظل يعمل برفقته حتى ذلك اليوم لذا أمنه عمران على كل المستندات والوثائق الهامة بالشركات الأربعة، والآن يأتي بعد كل تلك السنوات ليطالبه بشيئًا لم يتوقعه، فقال: أنا عمري ما أنسى أفضالك عليا، علشان كده أنا جيت أطلبها منك للمرة التانية، عايزك تعلم أخويا أصول المهنة زي ما بيقولوا.
اختطف نظرة لمن يتابع حوارهما باهتمامٍ وعاد يتفرس بعمران قائلًا بابتسامة هادئة: مدام جتني هنا وطلبت مني الطلب ده بنفسك يبقى أكيد الشاب ده بتعزه جدًا. وأنا مقدرش أرفضلك طلب يا ابن سالم.
وأشار لأيوب قائلًا: ادخل يا بشمهندس.
انتابه خوفًا من طريقة توديع عمران له، وخاصة حينما قال: متقلقش هبعتلك مع حسام أكل ومية.
ردد بهلعٍ: أكل أيه؟! هو أيه اللي هيحصل؟
ضمه مجددًا وابتعد يلوح له: مع السلامة يا أيوب.
جحظت عينيه صدمة وصاح به: متهزرش يا عمران خد هنا!
أغلق الباب وغادر بالمصعد فاستدار ليجد ممدوح يرمقه بنظرة مستخفة وصاح به: هتفضل واقف كده طول اليوم ولا أيه يا بشمهندس، من أولها كده أنا مبحبش الدلع الشغل يعني شغل، اتفضل على مكتبي رانا شغل كتير!
لحق به أيوب للداخل ومازال يختطف نظرات مستنجدة بمن قذفه إلى هنا وغادر ببرود قابض، فما أن استقر بمقعده حتى أخرج هاتفه يحاول الاتصال به، فصعق حينما جذب منه ممدوح الهاتف وعاد لعنفوانه: بص بقى يا بشمهندس، أنا معنديش خلق للكلام الكتير أنا علمت عمران وشربته المهنة زي ما قال في ظرف شهرين، هنشوف بقى إنت هتأخد في ايدي أد أيه؟ ولازم تعرف إن من وقت دخولك هنا التليفون ممنوع، الأكل ممنوع غير بمواعيد الشركة المحددة، السرحان ممنوع، الغباء ممنوع منعًا بتًا لإني راجل عندي 66سنة وعندي الضغط مش متحمل فرهدة آمين؟
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة واكتفى باشارة من رأسه، فان كان بمثل هذا العمر ما الذي يفعله هنا لما لا يتقاعد أم أن هذا الوقح يبقى عليه لاجل تعذيبه؟!
ردد ساخطًا وهو يتابعه بعينيه: منك لله يا عمران، وربي لأوريك أما اخرجلك بس!
مش لو خرجت من هنا!
اتاه صوت العجوز يجيبه بسخرية ومازال يوليه ظهره باحثًا في الارشيف عن احد الكتب التي سيحتاجها لتعليمه، اندهش من حاسة السمع السليمة مئة بالمئة لدى هذا الرجل، وما أن استدار اليه حتى تحرك بمقعده بارتباك: بس أنا عندي جامعة الساعة3.
احتل مقعد مكتبه البسيط وهو يرتشف من كوب الشاي الذي يبرز لأيوب مدي بساطة هذا الرجل المخيف، وقال: مفيش جامعة في شغل وبس، ها جاهز يا بشمهندس؟
غادر عمران بسيارته لمقر شركة الورثة، ليكون باستقبال نعمان بذاته، صعد للمكتب الرئيسي بعدما علم بأن مايسان بمكتبها، فأرسل لها رسالة بأن تصعد إليه في الحال.
رأت مايا هاتفها فنهضت تتجه إليه، صعدت الدرج للطابق العلوي وما كادت بالوصول للزقاق حتى استمعت لصوتٍ مألوفًا لها: على مهلك وإنتِ طالعة يا بنت عثمان لرقبتك تنكسر.
استدارت للخلف فتفاجئت به أمامها، أبغضت أن يتلوث سماعها بسماع صوته، وارتبكت بوقفتها على الدرج كلما يصعد إليها حتى وقف أسفلها بدرجة وقال بحقد فاح منه: ها فكرتي في عرضي؟
لعقت شفتيها بارتباكٍ حينما تذكرت أخر مرة كان بها هنا منذ سبعة أشهر بعدما طالبها ببيع حصة والدتها بعد أن قامت بتسجيله لها، وطالبته بمهلة تفكر بها بينما كانت تتهرب منه، ازدردت ريقها المرير قائلة: لسه!
ربع يديه بسخطٍ تسلل لملامحه: لسه ليه ان شاء الله، هو أيه اللي محتاج تفكير كل ده أنا كده كده هشتري نصيب فريدة ونصيب أمك هأخده سواء برضاكي أو غصب عنك، فهتمضي بالتراضي ولا أوريكي العين الحمرا!
ارتعبت أمامه كالهرة التي يهاجمها كلبًا مجردًا من الانسانية، وفجأة وجدت مخرجًا لخندقه فقالت: هشوف لسه عمران لو حابب يشتري نصيبي هدهوله مهو مش منطقي أبيع لحضرتك لو جوزي عايز يشتري نصيبي.
تمرد الغضب داخله لذكرها من يكره سماع اسمه نهيك عن رؤيته وجهًا لوجه، فصرخ بحدة ويده تعتصر ذراعها: تبيعي لمين ده أنا كنت شربت من دمك إنتي وهو، خلاص مبقاش حد مالي عينكم، هو يحيل امه لحد ما كتبتله نصيبها وانتي عايزة تسلميه نصيبك مش هيحصل يا بنت عثمان على جثتي إن حصل سمعتي.
واسترسل وهو يحرك جسدها بشراسة: حالًا هتعمليلي تنازل بحقك، أبوكي وراه ممتلكات وثروة متخلكيش تبصي لورثك في شركة الغرباوي، ده غير اللي عند جوزك ولا كل ده مش مكفينك!
كادت بالسقوط من فرط انفعال حركاته فحاولت تحرير ذاتها من بين براثينه، ابعدته للخلف وهي تتوسل له بخوف: ابعد عني حرام عليك.
شهقت بفزعٍ حينما سقط عن الدرج جراء دفعتها، وما ان وجدته ينهض لها بغيظٍ وغضب مشتعل حتى هرولت سريعًا للأعلى قاصدة مكتب زوجها.
انتفض مفزوعًا عن مقعد مكتبه فور أن رأى زوجته تهرول إليه راكضة، وتغلق باب مكتبه من خلفه بالمفتاح، أسرع عمران إليها مرددًا بدهشةٍ: مايا!
التفتت من خلفها وعينيها تراقب الباب الموصود برعبٍ مفسر على معالمها وكأنها تترقب اندلاع أسدًا جامحًا للداخل، فأسرع عمران إليها متسائلًا بقلقٍ: في أيه؟
ومنحها نظرة متفحصة تشمل هيئته المذرية: بتجري كدليه ووشك ماله مخطوف كده، فهميني في أيه؟!
اصطكت أسنانها ببعضها وخرجت حروفها مبعثرة: معملتش حاجة. مقصدتش والله مقصدت!
رمش بعدم فهم لحالتها الغريبة، وفجأة اندلعت خبطات صاخبة على باب المكتب جعلتها تنتفض بين ذراعيه، فاتجه عمران ليفتح الباب الا أنها تعلقت به متوسلة: متفتحش الباب. أوعى تفتحه لأ.
منحها نظرة مشككة وراح يردد بفكاهةٍ: حبيب قلبه عامل كارثة وجاي يتدارى في جوزه يا ناس!
وحينما تعالت الطرقات بعصبية كادت باقتلاعه قال بنظرة ضيقة: عملتي أيه يا مايا انطقي عشان أستعد أقابل اللي برة بأنهي وش. مستر عمران الجنتل مان ولا عمران الوقح اللي معاه كورس من العتبة ونزلة السمان!
ابتلعت بصعوبة وهي تتعلق بقميصه كالطفل الصغير الذي يختبئ بأبيه، مما دفعه للارتباك والتخمين بأنها ولربما قتلت أحدًا، فأتاه صوتًا غليظًا مألوف يردد: افتحي يا بنت عثمان والله لأربيكي من أول وجديد.
أشار لها عمران وهو يتابع الصوت والطرقات: مش ده صوت نعمان!
هزت رأسها بتأكيدٍ، فأبعدها وهو يشير: طيب ارجعي أما أرحب بالخال الملزق ونستقبله استقبال ملوكي. وبعدين نشوف حكايتك أيه؟!
حاولت أن توقفه ولكنه كان أقوى مما يجعله يخضع لقوتها الهزيلة، فحرر مفتاح الباب وإذ فجأة اندفع ذاك المقيت إليه بكل عصبية: هي فييييين؟
ركضت لعمران تختبئ خلف ظهره وقد بدأ الآن بفهم ما يحدث، فوقف قبالته بصلابة وقوة وصاح بعنفوان: مالك يا نعمان داخل بزعبيبك كدليه، هي الطيارة اللي حدفتك علينا بابها راشق على المصحة ولا أيه نظامك!
منحه نظرة محتقنة وردد بسخط: نعمان كده حاف يا ابن فريدة!
أجابه بسخرية ونظرة لازعة: لا بالكاتشب والطحينة، لخص في ليلتك دي وقول حكايتك أيه مش فاضيلك أنا دماغي فيها كلاب صعرانة بتعارك بعض، انجز بدل ما أطلقهم عليك!
ضم شفتيه بقوةٍ وصاح به: أما أنت قليل الأدب وعايز رباية من أول وجديد إنت والزبالة اللي اتجوزتها دي.
احتقنت رماديته بشكلٍ مخيف وجابهه بشراسة: لسانك لو ما اتلمش أقسملك هقطعهولك ولا فارقلي صلة القرابة اللي بينا ولا يحزنون، سبق وقولتلك لما تتكلم مع عمران سالم الغرباوي تحترم شيبتك دي وتقف عدل بدل نا وربي أدفعك تمن اللي بتعمله ده وإنت سبق وجربت لدغتي اللي مكنش ليها ترياق لعلاجها، جاهز نعيده تاني يا خال؟
ارتبك للغاية حينما تذكر ما فعلته شركات عمران به سابقًا، فهدأت أنفاسه المشتعلة وراح يستغل النقطة السائدة له بكره عمران لمايسان الذي مازال يظنه موجودًا وقال: يعني يرضيك اللي مراتك عملته فيا؟
استدار لمن تتعلق بقميص بعنف جعله يوشك على الاختناق من شدة لصوقه على رقبته مرددًا بخبث: حبيب قلبه طلع عنده حق يترعب من الخلقة العكرة اللي شافها وفقد النطق زي ما أنت شايف كده، انطق إنت وفهمني الليلة.
ابدى حيرته من طريقة تعامل عمران معها وانسجامهما معًا ولكنه صاح بعنف: مراتك قليلة الرباية وقعتني من على السلم!
اندهش عمران ولم يتمكن من اخفاء دهشته، فاستدار إليها مجددًا يكبت ابتسامته الواسعة وراح يردد: حقا يا قلب جوزه وقعتي الجضع ده من على السلم!
هزت رأسها نافية ومن ثم عادت تهز بالموافقة لفعلتها، فعاد يتطلع له متجاهلًا اعترافها الاخير: بتقولك لا أهي جاي ترمي بلاك علينا ليه يا خال!
وسعل بقوة حينما اختنقت أنفاسه من ضغط قميصه ففتح الازرر قبالة أعين نعمان وحينما انتهى منها جذب يدها إليه بضيق، ومن ثم استرخت معالمه ليطبع قبلة رقيقة على باطنها هامسًا نعومة: وبعدين ازاي الكف الناعم الرقيق ده يوقع الجتة اللي شبه مزلقان العتبة دي، يا أخي اتقي الله أنا مراتي بسكوتة نواعم متقدرش تعمل أي شيء في الحياة غير إنها تحط بادكير ومناكير!
صعق نعمان وردد بعدم استيعاب: هي عملتلك أيه، سحرتلك؟!
استدار لها يجيبه مجددًا بنبرة جعلت الغيظ يندفع باوردته: سحرت قلبي وعيني بس أنا مش متضايق وبديها كل يوم حاجة من ريحتي عشان تزود عمايلها في السحر يمكن ربنا يكرم ويرزقنا بساحرة صغنونة كده وأوعدك لو حصل هخليها تعلمها ازاي تسخطك قرد أو خنفسه يا خال!
تجمهر الغضب وتزاحم بمقلتيه، كان يود الانفجار مما يحيطه، فردد وهو يحوم كالقنبلة المؤقتة: ماشي يابن فريدة مصيرك هتيجي على حجري.
منحه نظرة مستفزة وهمس لها مدعيًا حنانه: خد بالك وإنت نازل يا خال لتوقع المرادي تنكسر رقبتك ونرتاح كلنا!
دفع الباب من خلفه بعنف كاد باسقاط الحجرة فوق رؤؤسهما، فاستدار عمران لها سريعًا بوجهًا منفرطًا من السعادة: حبيب قلبه الشرس، متجوز بطل أقسم بالله، عملتيها ازاي دي احكيلي بسرعة!
وتابع دون أن يمهلها فرصة للرد: كان على أنهي سلم، أكيد في كاميرات!
حدجته بنظرة مستنكرة لرؤية سعادته العارمة، ففجأها حينما تركها وهرول لمكتبه يجذب حاسوبه وهو يهمس بحماس: المشهد ده لو لقطته الكاميرات هيغسلني من جوه.
عبث بأزرر الحاسوب حتى وصل لغايته فراقب ما يحدث من أمامه باهتمامٍ وفجأة سقط عن مقعده من فرط الضحك، ضحكاته تتوالى دون توقف حتى احمر وجهه ومازال يكرر عيد الفيديو مرات بعد الاخرى وكل مرة تزداد ضحكاته وكأنه يشاهده للمرة الاولى!
اندفعت مايسان تجاهه تصرخ بغيظ: إنت بتضحك يا عمران! خالتي هتقتلني لو قالها وإنت بتضحك!
أشار لها بالاقتراب ومازال يجاهد للتوقف عن الضحك، فما ان دنت منه حتى جذبها لساقيه وقال بصوته الرخيم: بذمتك حد يخاف وجوزه عمران سالم الغرباوي يا بيبي؟
وضمها لصدره بقوة بينما عينيه تتابع الحاسوب، فانفجر ضاحكًا مجددًا مما أغضبها فلكزته بغضب: ابعد عني، إنت مستفز!
ضحك وهو يعيق يدها ويجبرها على البقاء، ومن ثم جذب لها الحاسوب متسائلًا بمكر: طيب شوفي كده بذمتك ده منظر ينفع نتعامل معاه عادي! ده انا هصوره على موبيلي وهبعته لعلي يغسل بيه ذنوبه!
وجذب هاتفه يسجل الفيديو ويده تهتز من فرط ضحكاته، وأشار لمن تتابعه بتعصب: اللي في الفيديو دي تليق إنها تكون مراتي أما اللي بتترعش على رجلي من الخوف دي عايزة الفيديو ده يتحط قدام عنيها يقويها على استكمال الكورس.
تركته ونهضت عنه تجيد الغرفة ذهابًا وايابًا وهي تهمس بخوف: لو قال لخالتو هتزعل مني!
هعمل أيه دلوقتي؟! عمرها ما هتصدقني ده بيعملها غسيل مخ!
كادت بأن تذوب من فرط غضبها بينما الأخر مازال يجلس على مقعده يتابع المقطع باستمتاعٍ رهيب وضحكاته لا تكف عن الخروج مما دفعها لتصرخ بعصبية وهي تطرق مكتبه: عمران!
منحها نظرة سريعة وغمز لها: حبيب قلب جوزه وروحه وحياته يا بيبي!
دفعت الملفات بوجهه بغضب قاتل: بطل ضحك بقولك خالتي هتولع فيا!
ترك مقعده وجذب جاكيته المحيط به، ثم ذهب إليها يجذبها للخروج برفقته، فسألته بدهشة: هنروح فين؟
ضحك وهو يطبع قبلة على باطن يدها: هنروح لعلي المركز نشوف الشغل بنفسنا ونفرحه بالفيديو بس قبل كل ده لازم اخدك أجبلك أحلى هدية في الدنيا كلها على وقعة الملزق ده.
وأشار بيده بفرحة: قدامي يا بطل.
منحته نظرة مندهشة، تراه سعيدًا لدرجة جعلتها تنصاع إليه بهدوء يخالف غيظها، بينما الاخير يتابع الفيديو على الهاتف ويسألها من وسط ضحكاته: عملتيها ازاي دي؟!
وجدها تمنحه نظرة عابثة، فأغلق هاتفه وضمها إليه بالمصعد مرددًا: حبيب قلبه شايل الهموم على كتافه ليه، أنا موجود أهو أقسم بالله لو قل بعقله تاني لأرميه أنا المرادي من فوق القلعة.
ابتسمت على حديثه واستكانت بأحضانه فتابع ضحكاته مجددًا وقال بمزحٍ: تيجي نطبع الفيديو ده ونكتب عليه شاهدوا فضيحة الملزق نعمان الغرباوي ونوزعه على الشركة؟
واستطرد بنوبة من الضحك: استني هبعت نسخة لعمي أصله شايل ومعبي منه أوي والفيديو ده هيبرد ناره!
أنا خلاص جهزت يا حبيبتي. إنتي وشمس جاهزين؟
شعر بالاختناق يرواده فجأة حينما وجده يجلس قبالة عينيه، تجهمت معالم وجه أحمد بصورة ملحوظة وردد بنفور: كملت!
رفع نعمان وجهه لابن عمه يمنحه بسمة ساخطة قبل أن يقول: أهلًا بالعريس، أيه مكنتش عايز تنزل تسلم عليا ولا أيه؟
خطف أحمد نظرة لشمس التي تشير له لنجدتها من جلسته، فاتجه يجلس بالمنتصف بينه وبينها وهو يضمها لصدره، بينما يكون قبالة فريدة السعيدة بلقاء أخيها الوحيد.
تنهد أحمد بسخطٍ صريح: ومش هنزل أسلم عليك ليه يا نعمان ماضيلك وصلات أمانة وبهرب منك مثلًا!
منحه الاخير نظرة مغتاظة وصاح: لا زعلان ومقهور اني كنت معارض جوازك من فريدة، مهو معلش يا أحمد متأخذنيش مكنش يصح إنك تتجوز انت وفريدة وولادها زي ما أنت شايف أطول منك.
رددت فريدة بتحذير: نعمان!
اكتفى برسم ابتسامة رغم اخفائه كمية الكره تجاه أحمد وقال: أنا بدردش معاه يا فيري، وهو متفهم ده مش كده ولا أيه يا أحمد.
أطال بنظراته اليه ووضع ساقًا فوق الاخرى متعمدًا أن تنعكس الساق الاخرى تجاهه، ثم قال: لا متقلقش يا نعمان أنا على طول فاهمك.
وانحنى يجذب كوب العصير ليقدمه له قائلًا بهمس ماكر وصل لمسمع شمس: خد دي طفي بيها اللي جواك، ريحته وصليلي من أول ما نزلت تحت، ما انا فاهمك بقى!
امتعضت ملامحه بغيظٍ جعله يود اطاحة عنقه، بينما لم يمنحه أحمد أي اهتمامًا ومال على شمس يهمس لها: مش كنتي تبلغيني عشان منزلش خالص.
همست له بخفوت: ملحقتش والله يا أنكل، شكل كده الخروجة بتاعت النهاردة اتضربت.
قرص خدها برفق: آه يا خبيثة كل اللي يهمك الخروجة وسيادة الرائد!
ابتسمت بخجل وتابعته وهو يخرج هاتفه ويردد باستغراب: عمران باعتلي رسالة!
وقرب هاتفه إليه وشمس مازالت على صدره تتابع شاسة هاتفه فصعقوا معًا حينما فتحوا الفيديو وفجأة انطلقت ضحكاتهما بشكلٍ جعل فريدة ونعمان يتأملوهما باستغرابٍ، فسأله نعمان بنزق: بتضحك على أيه يا عريس؟ ضحكنا معاك.
أبعد احمد يده عن شمس واتجه ليعانق الاخير قائلًا بخبث: أوي أوي. تعالى يابو نسب!
ومال بجسده وهاتفه إليه فصعق نعمان مما رأه ورفع عينيه الغاضبة لأحمد، فمال عليه يهمس: مش عيب لو بنت صغيرة تعلم عليك بالشكل ده يابو نسب! إنت محتاج تكشف عن دكتور يكتبلك على مقويات ويشوف النظر عندك، صدقني كده أفضل بدل ما تعملها وتقع من طولك قدام الموظفين!
ونهض فجأة يشير لهما: احنا كنا خارجين وللأسف المشوار مهم جدًا مش هينفع يتلغي. يلا يا شمس، فريدة مستنيكي برة!
وتركهما وغادر والابتسامة تزين وجهه باجتيازٍ، بينما الاخر يكاد يقتل من الغيظ والغضب.
بالمركز الطبي.
كان يجلس باحد الغرف يدرس على حاسوبه غارقًا بين الكتب حينما اندفع باب الغرفة ليطل من خلفه عمران ومايا، فأسرع إليه يبعد عن المكتب الحاسوب والكتب ويضع من أمامه قالب من الكعك والمياه الغازية وغيرها من أصناف الحلوى، راقبه بدهشة لحقت سؤاله: كل ده ليه؟
أشارت له مايا بقلة حيلة بينما ضحك عمران وقدم له الهاتف قائلًا بفرحة: احتفالًا بحبيب قلب جوزه زحلقت الخال الملزق!..