قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والستون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والستون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والستون

تطلعت لزوجها الذي يغفو بنظراتٍ عاشقة، يدها تمر ببطءٍ على خصلات شعره الفحمي، تفكر كيف كان سيكون رد فعله إن علم بالأمر؟

ربما أراد الله لها الستر عن جريمةٍ مشنة مثل تلك التي كانت سترتكبها، نهضت فريدة عن الفراش، تجذب مئزرها الأسود الحريري، ترتديه فوق قميصها الطويل وهي تخرج لشرفتها.
أحاطت السور بيدها وعينيها مغلقة بقوة، تستمع بنسمات الهواء الباردة قبل بزوغ الفجر، فإذا بهاتفها يصدح بوصول رسالة لها.

عادت للغرفة تبحث عنه والفضول يداعبها حول كناية من يراسلها بوقتٍ مثل هذا، فاتشحت ابتسامة رقيقة على ثغرها فور رؤية إسم البشمهندس عُمران الغرباوي كما يطلق إسمه على جمسع حسابات التواصل الإجتماعي، والذي يحظى على إعجاب الملايين.
فتحت رسالته فوجدته يدون لها
«أيه اللي مسهر، فريدة هانم لحد دلوقتي؟ هزعل لو كان المنافس الجديد اللي هيشرفنا هو السبب! ».

تعجبت من علمه باستيقاظها، فاذا برسالة أخرى تجيبها
«مينفعش تخرجي باللبس الخفيف في الجو ده، هتتعبي إنتِ والبيبي! »
عادت للشرفة تبحث بالحديقة الواسعة، محددة المكان المعتاد له، فوجدته يلوح لها وهو يجلس أرضًا على سجادة الصلاة خاصته، كما اعتاد أن يقيم الليل حتى آذان الفجر.

جذبت مئزر أخر من الصوف وهبطت إليه، بالرغم من ارتباكها من مواجهته ولكنها تعلم بأنها آتية لا محالة، فلقد سبق لها مواجهة علي، وابنتها وزوجات أبنائها وللعجب بأن الجميع كان سعيدًا بخبر حملها، الا أن داخلها يتزعزع قلقًا من ردة فعل عُمران.
استمدت قوة للمواجهة وخرجت من الباب الزجاجي للردهة السفلية، متخذة طريقها إليه.

ظنها عادت للنوم فحمل مصحفه وتابع قراءته بصوته الجميل، فإذا برائحتها تداعب أنفه، فصدق واستدار لها مبتسمًا: فريدة هانم نزلت ليا بنفسها!
ربعت يديها أمام صدرها تطالعه بتعالٍ: اسمع يا ولد إنت، أوعى تساهلي معاك يخليك تتخطى حدودك معايا، متنساش انك ابني أنا، مش العكس!

سيطر على ضحكاته وهو يلمس ارتباكها وتوترها الملحوظ منه، فنهض يلملم سجادته قائلًا بثباتٍ يطمس سخريته من خلفه: مش ناسي والله، وعلى يدك اتحيلت عليكي أناديكي ماما أو ياما مش راضية غير بفريدة هانم، عايزة تحافظي على سنك مع جسمك ولياقتك نعملك أيه بقى!
نجح باثارة أعصابها وسحبها بعيدًا عما يسبب لها التوتر: أنا حرة ومش مضطرة أبررلك شيء، حتى البيبي ده بردو أنا حرة بالاحتفاظ بيه ومش هنزله!

تجمدت رماديته عليها، وبشيء من الدهشة قال: وهو مين اللي طلب منك تروحي ليوسف وتطلبي منه ينزلك الجنين؟!
وتابع ببعض الحدة: وليه بتتكلمي بالطريقة اللي مدياني الاحساس إنك ارتكبتي غلطة وبتحاولي تغطي عليها بكلامك وعصبيتك دي!

ابتلعت ريقها بارتباكٍ ومع ذلك قالت: لإني عارفة إنك بتهتم بصورتك وبرستيجك أكتر شيء، ومتأكدة إنك آ...
رفض سماح ما قالت وبالرغم من أنه يومًا لم يكن فظًا بحق والدته ليقاطعها بالحديث ولكنه لا يرغب في سماع ما يؤذيه فقال: وليه شايفني بالصورة دي! حضرتك متخيلة إني ممكن أعرضك لخطر وذنب كبير زي ده عشان صورتي وبرستيجي!

واسترسل وهو يشير على ذاته: مش أنا اللي يفضل برستيجه وشكله على حياة أمه يا فريدة هانم، أنا لما يوسف كلمني فضلت ملطوع بره ساعة ومش قادر أدخل عشان معرضكيش لموقف محرج.
مكنتش عارف حتى إذا كان ينفع اكلم على ولا لأ، ولما شافني وعرف بالموضوع ده، فضلت إنه يدخلك لوحده وانسحبت عشان متحسيش بالحرج مننا، ولاني عارف إنه أكتر شخص هيقدر يهديكي ويرجعك عن قرارك بالتخلي عن البيبي.

شعرت بأنها قست بحديثها عليه، ربما من شدة خوفها أن يحرجها باسلوبه الجريء.
حمل عُمران مصحفه، هاتفه، سماعته، وباقي أغراضه الخاصة بعد ان حسم أن يؤدي صلاة الفجر بجناحه الخاص، فإذا به تلحقه وتناديه بحدة: من أمته بتسبني وتمشي من غير ما أخلص كلامي!

توقفت قدميه عن المضي واستدار لها بأغراضه يمنحها نظرة شملت كل جرحٍ أخفاه داخله، واستحضر صوته المذبوح: من وقت ما اكتشفتي حقيقية جوزك البشعة اللي بتحاولي تنسبيها ليا لمجرد اني شبهه يا فريدة هانم!
اختذلت قدميها من شدة صدمتها بانكشاف أمرها له، وخاصة حينما استطرد: خوفك الوحيد في حوار الحمل ده مكنش عشان شكلك والكلام الفاضي ده خوفك كان من الماضي، من اللي عشتيه قبل كده.

وبألمٍ تابع: قوليلي ذنبي أيه إني طلعت شبهه! أنا مش هو ولا هكون زيه في يوم من الايام.
وتركها ورحل للأعلى بصمتٍ، بينما جلست هي محلها تكبت شهقاتها بكفها، تبكي بانهيارٍ تام.

اتجه عُمران لجناحه وقبل أن تطول يده مقبض بابه وقف محله يمنع دموعه من الهبوط، منذ لحظة رؤيتها بالاسفل ورؤية كل ذلك الخوف والكره يمليء عينيها وهو يمنع قلبه من الانشقاق ويلف جبيرة من فوقه، علم الآن السر وراء ارتباك والدته وخوفها!
ترك أغراضه فوق طاولة طويلة بأحد الطرقات، واتجه لجناح أخيه، يعلم بأنه يستيقظ بذلك الوقت استعدادًا لصلاة الفجر.

طرق الباب طرقة واحدة بخفوت تام حتى لا تنزعج زوجة أخيه، فإذا بصوت علي يرد ويظهر من خلف بابه مندهشًا: عُمران! خير في حاجة؟
حاول أن يخرج صوته طبيعيًا: فريدة هانم تحت جنب الpool، انزل شوفها.

وبدون أي إضافة أخرى تحرك لجناحه، خرج علي من خلفه يناديه: أنا مش فاهم حاجة! استنى فهمني! عُمران!

بإيجازٍ ودون أن يلتفت إليه أبلغه برغبته الصريحة بعدم الحديث: فريدة هانم محتاجالك تحت يا دكتور.

ومين قالك إني محتاجاله!

صوتها أوقفه عن استكمال طريقه، فاستدار صوب الدرج ليجدها تقف امامهما برأسٍ مرفوع، وقد استعادت قوتها وشموخها.

وزع علي نظراته الحائرة بينهما باستغراب، وخاصة حينما قالت والدته دون أن تحيل عينيها عن أخيه: ادخل نام يا على لانك هتقوم بدري تعمل اللي طلبته منك، لإن زينب ملهاش غيرنا.

احترم رغبة والدته بالبقاء برفقة أخيه، فعلى ما بدى له أن هناك أمرًا ما بينهما، فقال: متقلقيش يا حبيبتي أنا هنزل بدري أستلم الاوردرات اللي طلبتيها وهوصلهم أنا وفاطمة شقتها.

واضاف وهو ينسحب لجناحه: تصبحوا على خير.

تركهما وغادر لغرفته، فدنت إليه تحدجه بنظرة غاضبة لم يراها يومًا عليها: أيه التخاريف اللي قولتلها تحت دي؟!

وما كاد بالتحدث حتى أوقفته باشارة يدها الحازمة: كل اللي قولته ده مش صح يا عُمران، أنا عمري ما أخدتك بذنب حد، ولا الكلام الفارغ اللي قولته ده، أنا بس كنت محروجة منك إنت بالذات لإني عارفة انك مشاكس ومش هتعدي الموضوع ده من غير ضحكك وهزارك المعتاد وأنا مش متحملة أسمع حاجة من حد في الوقت ده.

وجد أنه قد بالغ بردة فعله وخاصة حينما صاحت فريدة بشراسةٍ: أوعى تشبه نفسك بيه أبدًا، إنت مفيش في حنية قلبك ولا طيبتك يا عُمران.

ودنت إليه تضم وجهه بين يديها وبدموعٍ صادقة قالت: إنت محدش شبهك أبدًا.

وبابتسامة عاكست دموعها وبكائها همست: أقولك على حاجة وتخليها سر بينا.

أدمعت رماديته تأثرًا بمشاعرها الصادقة، فهز رأسه ومازال ثابتًا أمامها: أنا لو بعتبر على صديق ليا زي ما قولت، فانت بحنانك عليا وطريقة معاملتك مخليني مش قادرة اشوفك غير أبويا.

وتابعت وهي تستدير تراقب الردهة بخوف من أن يستمع لها أحدًا: عشان كده بخاف أغلب الأوقات منك، حتى لبسي بقيت بنسقه أكتر من الأول من يوم ما كلمتني على الجيب القصير.

وتنحنحت بخشونة لا تليق بصوتها الرقيق: بس مش عشان قولتلك كده تسوق فيها وتتمادى بمعاملتك معايا، لأ أنا مامتك ويحقلك تحترمني ووقت ما أعوز أتعصب وأزعق تسمعني وصوتك ميطلعش وأوعى تسبني وتمشي زي ما عملت تحت من شوية، سامع!

قالتها بحدة وهي تشير له باصبعها، فضحك وهز رأسه يوافقها، مردفًا بنبرته المخملية: تحت أمرك فريدة هانم!

ابتسمت وهي تتطلع له برضا، ودون أن يفعل هو وجدها تميل إليه فضمها بصدرٍ رحب، ليجدها تهتف: اتعودت كل يوم بليل أشوفك بالجنينه بتصلي، بحس وقتها إني كنت مقصرة معاكم يا عُمران، بس أنا ازاي كنت هنصحكم وهوجهكم للصلاة وأنا نفسي مبركعهاش!

ابتعد عنها يطالعها بنظرات حنونة، وجذبها لأقرب مقعدين متطرفين: وده اللي نفسي أكلمك عنه ومتردد يا ماما، أنا مش قابل أشوفك تايهة في الدنيا وملكيش وجهة، صدقيني كل الاغراءات اللي حولينا في الدنيا فانية، الإنسان في لحظة بيسيب كل حاجة وبيبقى بين ايدين ربنا سبحانه وتعالى، ومفيش حوليه غير عمله!

وانحنى يقبل كفها وهو يضيف: طبيعي إني أخاف عليكي وواجب إني أنصحك، يمكن الظروف اللي مريت بيها هي اللي ادتني فرصة إني أفوق وأتوب من كل ذنوبي.

أنا واثق إن كل إنسان له أكتر من فرصة، فيه اللي بيتنازل عنها وفيه اللي بيتمسك بيها من أول مرة، بس الخوف إنه ميلحقش ينتهز فرصته الاخيرة!

تعمق بنظراته إليها قائلًا: أنا من حبي واحترامي الكبير لحضرتك مش قادر أشوفك بتضيعي فرصة ورا فرصة، اتمسكي بيها وصدقيني ربنا سبحانه وتعالى هيقوي عزيمتك.

أخفضت عينيها أرضًا حرجًا من صغيرها الذي يدعوها للصلاة بدلًا من أن تفعلها، فاخبرها بحبه الذي لا يتثنى أن يشعرها به لتستجيب لما يقول: الحجاب واللبس المحتشم عمره ما هيقلل من شياكة فريدة هانم، بالعكس زي ما ذوقك مميزة في اللبس ده هيكون مميز في اختيارك لبس واسع يليق بالحجاب.

منحته ابتسامة مشرقة وقالت: خلاص لما نرجع بكره من فرح زينب هنقعد أنا وانت نختار كام قطعة كده أون لاين ونجرب ونشوف.

جابهها بحماس مشجع: هندمج ذوق فريدة هانم مع ذوقي فأكيد هنختار ديزين عظيم جدًا.

اتسعت ابتسامتها حبًا وامتنان له، وخاصة حينما قال: والأهم من ده كله الصلاة، أنا لو موجود هنا هنصلي مع بعض، لو كنت بالشركة هتصل بيكِ أفكرك كل آذان.

انطلق هاتفه بصوت الآذان يعلن عن صلاة الفجر، فأشار لها متسائلًا: نصلي مع بعض؟

استقامت بوقفتها وهي تشير له: هجيب اسدالي وجاية.

وما كادت بالرحيل حتى عادت إليه تضع قبلة ممتنة على جبينه، وغادرت لجناحها دون أن تضيف كلمة أخرى.

جالس على سجادة الصلاة بغرفة مكتبته الصغيرة منذ ما يقرب الساعتين، يده تتحرك على السبحة ولسانه يردد التسبيحات بخشوعٍ، وأكثر ما يردده
«لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، اللهم أجرني في مصيبتي ».

تجمعت تكتلات المياه في حدقتيه حتى تحررت بخط من الدموع، وغصة قلبه تكاد تزهق روحه من فرط ألمه، بينما يتردد له ما حدث.

##
حضرتك ساكت ليه؟

قالها آدهم مستريبًا من صمت الشيخ مهران المطول، فحشد همته وقال بوجعٍ بح صوته من فرطه: بحاول أفهم اللي عايز تقوله من ورا قصتك دي يا حضرة الظابط!

يعلم بأنه شخصًا ذكيًا، لذا قال بهدوء: بس دي مش قصة يا شيخ مهران، ده حصل فعلًا وعشان كده بأخد رأيك فيه.

رفع عينيه إليه ومازالت حركة يده تتابع بانتظام فوق مسبحته: تأخد رأيي في أيه يا حضرة الظابط؟

ضم شفتيه بقوةٍ يحارب ما بداخله من هزيمة مصرحة وقال: في اللي حكتهولك، أنا عاجز ومش عارف أساعد صاحبي ازاي، والده مصمم إنه لازم يعرف أخوه الحقيقية وهو عاجز يقوله إن الشخص اللي رباه مش هو أبوه الحقيقي.

ارتسمت ابتسامة غامضة على وجه الشيخ مهران، وبصورة مباشرة قال: تقصد إن والدك بيضغط عليك إنت مش كده؟

ارتبك آدهم قبالته يينما تابع الشيخ بصلابة وقوة: قولي يا آدهم يابني إنت كنت قولتلي أبوك إسمه أيه؟

ابتلع وهو يجيبه بتوتر: مصطفى، مصطفى الرشيدي!

مال يستند على عكازه بجبهته، فنهض آدهم عن محله وانحنى على ركبتيه يناديه بقلقٍ من أن يكون تذكر الاسم: مالك يا شيخ؟ حضرتك كويس؟

رفع جسده عن انحناءته وسلط عينيه عليه صامتًا، يتزلزل إليه صوت ابنه بحديثه المقتطف
«أنا بحب آدهم جدًا يا بابا، بحس إنه بيشبهني في كل حاجة»
«لو عندي أخ مش هيعاملني زي ما آدهم بيعاملني! ».

«بمناسبة انك بقيت عارف حكاية آديرا، تخيل إن آدهم مكنش واخد أوامر باقتحام المبنى اللي خطفونا فيه وبالرغم من كده مهمهوش واقتحم المكان وأنقذني! ».

«عارف يا شيخ مهران، انا سبق وصاحبت كتير، منهم سيف وعُمران اللي حكيتلك عنه، والدكتور يوسف وإيثان وناس كتير جدًا عرفتهم في الغربة وفي مصر الا أن آدهم بحنيته بحس إنك إنت اللي جنبي، طيب عارف وأنا بره مصر كل ما كنت بتوحشني كنت بقوله يحُضني! ».

تهاوى الدمع تباعًا على وجهه المجعد لكبر سنه، وهز رأسه بخفوتٍ بينما يتحرر صوته: قصة صديقك دي ما هي الا باب مغلق من أبواب الحقيقة، الاسم اللي نطقته خلى ذاكرتي الضعيفة وجهتني للي حصل من أكثر من عشرين سنة، لليوم اللي خرجوا وقالولي فيه ابنك مات!

وتعمق بعينيه بجمود وهو يباغته بسؤاله: آيوب أخوك؟

نهض آدهم من اسفل قدميه واستكان جواره، يردد بانكسار: صدقني أنا مجبور، مكنتش أتمنى أحطك ولا أحط نفسي في الموقف ده أبدًا.

ونكس جسده بانحناءة سفلية: أنا عارف إنه غلط لما عمل كده بس غصب عني ده بالنهاية أبويا مينفعش أقسى عليه وأفرقه عن ابنه وهو بأيامه الأخيرة.

وتابع يستعطفه رغم أن ذلك الاسلوب لا ينطبق على شخصه القوي: أرجوك تساعدني يا شيخنا، أبويا المرض بيأكل في جسمه يوم بعد يوم، وامنيته الوحيدة إنك تسامحه إنت وآيوب.

وبقلة حيلة اضاف: أنا حتى معنديش الجرأة اوجهه بالحقيقة لإني أكتر واحد عارف مدى تعلقه وحبه ليك.

من قال إنه سيخوض يومًا قاتلًا مثل هذا؟!، والله إن قال له أحدٌ بإن أحدهم سيخبره بأن ابنه الوحيد ليس ابنه لاتهمه بالجنون، سبحان من انزل على قلبه السكينة والصبر، وجعل عقله يحوم بذكريات الماضي ما بين تذكره لذلك الرجل مصطفى الرشيدي.

وما ينغز قلبه بأنه يتذكر حكايته جيدًا، حيث أخبره ذات مرةٍ بحقيقة علاقته بتلك المرأة، وبأنه تزوج بها من دون علم زوجته، حتى ابنه الوحيد والقابع من أمامه الآن قد اخبره عنه سابقًا.

وبالرغم من أن آدهم لم يسرد له تفاصيل تبديل أبيه الاطفال، الا أن الشيخ مهران استطاع أن يرسم صورة تفصلية عما حدث.

طال صمته وعقله تعطل عن العمل عند استيعابه أن ابنه ليس ابنه!، كيف وقد جمعته به صفات مشتركة جعلته فخورًا كونه ابنه!

هو الآن عاجز، ولولا تلك الورقة التي يحملها بين يديها تؤكد له تطابق التحليل بين ابنه ومصطفى بنسبة تسعة وتسعون بالمئة لكان جن من فرط وضع الافتراضات.

طال صمته وآدهم يراقبه بقلقٍ، صمته وحديثه القليل استدعى قلقه، فناداه بوجلٍ: شيخ مهران؟

أفرغ رأسه مما يزاحمه وقال بوقار مازال يلتحف به: أجل كلامك عن الموضوع ده لحد ما ابني يمتحن ويتخرج، مش عايزه يتأثر بأي حاجة ممكن تخليه يدمر مستقبله يا حضرة الظابط!

نسبه له ابنًا وإن لم يكن ابنًا له، فكيف ألا يعتاد لسانه على نطق ابن الشيخ مهران! »، يتجرع أبشع أنواع الألم بتلك اللحظة ومع ذلك يواجه بكل ثباته، فتابع ودموعه تحجب عنه الرؤيا: بعد ما يمتحن هنعرفه الحقيقة وبعدها تبدا اجراءات تغير النسب، أنا عارف إنها مش صعبة على ظابط في مركزك لإني مش هتحمل أقابل ربنا عز وجل بذنب زي ده حتى لو تغير إسم أيوب هيسلخ روحي عن جسمي!

تأثر آدهم بحالته التي لا يبدو بأنه على ما يرام مطلقًا، فقال ليرضيه: هعمل كل اللي حضرتك تطلبه بس انا حاسس إنك مش بخير.

رفع عينيه القاتمة له ومنحه ابتسامة موجوعة: ضهري اتكسر يابني!

منع دموعه من أن تهبط أمامه وقال وبسمته البشوشة تسيطر على ثغره: عايزك تسأل أبوك دفن ابني فين؟

وتابع وهو ينهض ليتجه لركن الصلاة: ودلوقتي استسمحك تسبني لوحدي قبل ما المسجد يزدحم لصلاة العشاء.

تفهم رغبته بالبقاء بمفرده، فأستأذنه بالانصراف وبداخله ندم لما فاض به، ولكنه كان مرغمًا على ذلك، بينما لجئ الشيخ مهران لربه يصلي ركعتين ويفيض دامعًا بما يضيق به.

وها هو قبيلة صلاة الفجر يجلس على سجادته، يتذكر ما حدث منذ ساعاتٍ معدودة ويردد بحزنٍ: اللهم لا إعتراض.

الردهة مكتاظة بعدد من الملابس، وبعض الحقائب الضخمة ذات الثلاث طوابق، أريكة ضخمة تحتل منتصفها انحرافًا عن موضعها الاساسي، يقبع فوقها جمال و يوسف و سيف، الثلاث شباب جالسون باسترخاء بينما يغطي أوجوههم طبقة سميكة من المسكات الطبيعية الخاصة بالرجال.

وعلى بعد منهم يقف عُمران حائرًا باحتيار مكينة حلاقة مناسبة من بين الحقائب المفرودة بعرض الصالون، وقميصه الأبيض يشمر كمه لمنتصف ساعديه، مرتديًا مريول أسود مناسب للحلاقة، وقفازات سوداء ملتصقة بيديه كالجراح المحترف!

سئم جمال من تلك التكبيدة وصاح بفتور: وبعدين يا عم الوقح، هنفضل قاعدين كده كتير؟!

ردد يوسف غاضبًا: يا ابني تعالى شيل الزفت ده ورايا ولادة بعد ساعه، ثم إني موصيك على العريس مش علينا!

ابتسم بفخر فور عثوره على المكينة المناسبة، فاتجه إليهم ليبدأ بسيف الذي سئم من أخيه وأصدقائه ومن عُمران بالأخص.

وضع المشط الصغير على طرفي شعره وبدأ يمرر المكينة ببراعةٍ، وكلما مال للجانب يسحب رقبة سيف من خلفه بشكلٍ جعله يصرخ بضجر: سيب رقبتي واخدها وراك ليه مش فاهم أنا!

وصرخ بضيق: ما تشوف صاحبك يا يوسف، زهقني يا أخي!

أخيرًا تخلى الجليد عن بروده وردد بصوتٍ فكاهي: رجب خد صاحبك عني! رجب صاحبك جنيني! رجب قوله يسيب قلبي!

انفجر يوسف ضاحكًا وقال: بيكجولك وبيغنيلك أهو هتلاقي أحسن من كده فين؟ ده كفايا شغل الماكنة اللي شغالك بيها، دي لو حوشنا مرتبك على مرتبي لسنتين قدام مش هنشتريها يا سيفو!

نزع جمال عنه المنشفة الضخمة، هادرًا بانفعالٍ: طيب انا لزمتي أيه في الحوار ده، بيكجول أخوك وخدك وشين معاه بالمرة مجاملة لاخ العريس انا ليه بقى؟!

أجابه عُمران مضيقًا جفونه وهو يقوم بعملية تهذيب الخصيلات بتركيزٍ: عشان اللبس اللي هتلبسه النهاردة مينفعش مع حلقة حليمو اللي عاملها دي يا جيمي!

ضحك يوسف ساخرًا وهو يشير على تسريحته القديمة، فلكزه جمال بغضب: اخرس يا دكتور الحالات المتعسرة! حسابك جاي بعدين.

علي رنين هاتف يوسف، فنزع المنشفة ونهض يتطلع لاسم المتصل، هاتفًا بانزعاجٍ: أخوك بيتصل، أكيد اتاخرت عن الحالة وبيشوفني مجتش المركز ليه!

وتابع بانفعال: هقوله أيه بقى معلش عندي جلسة اسكين كير!

رد عليه عُمران ومازال ممعنًا التركيز بما يفعله: وتروح المركز في يوم مهم زي ده ليه؟! طنشه وإقفل تليفونك.

أشار له جمال متحفزًا: أوعى يا يوسف، ده فساد وعايز يخرب شغلك وبصراحة دكتور على ميستهلش منك كده.

أزاح المسك بالمنشفة التي يرتديها وقال: لا طبعًا لازم اروح، أنا اللي صممت أولد الحالة دي لإنها عندها سيولة وصعب حد يتعامل معاها من الطاقم الطبي.

مال كف عُمران وجه سيف ليهذب لحيته الخفيفة، قائلًا: يعني مش هتستنى أحلقلك يا دكتور؟

رتب ثيابه وهو يجيبه بابتسامة واسعة: كنت اتمنى يابني والله بس النصيب نجدني من تحت ايدك الحمد لله.

وتابع وهو يشير لجمال: بس متقلقش أخويا وجيمي موجودين، عايزك تخليهم بينوروا في الضلمة.

صرخ سيف مستنجدًا: متسبنيش معاه يا يوسف، كده هتبقى خارجتي مش دخلتي!

نغز خديه برفقٍ هادرًا بسخرية: هتخافش مني يا حبيبي أنا مبكلش العيال الصغيرين!

انتفخت أوردته من فرط الغضب، فمنح اخيه نظرة قاتلة استقبلها الاخير بعدم مبالاة: طول ما عُمران معاكم أنا مش هقلق عليكم أبسلوتلي!

وتركهم وغادر على الفور وهو يحمد الله أنه نجى.

مضت ساعة كاملة ما بين حتى سحب عُمران المنشفة من حول رقبة سيف وهو يضع المسك الاخير له قائلًا: كده أقدر أقولك مبروك يا عريس، شاور سخن على السريع وابتدى اجهز على طول.

نهض عن الاريكة يردد بخفوت: أشهد أن لا اله الا الله!

وإتجه لاقرب مرآة بالردهة، يلقي نظرة متفحصة على نفسه، فكان كل دقيقتين يستدير لجمال يسأله بتوسل أن يخبره ما يصنع عُمران به، وما جعله يجلس بصمت اشارة جمال له بإعجابٍ صريح بما يفعله الطاووس الوقح به.

برق سيف بانبهارٍ، ذقنه مهذبة بطريقة احترافية، لم يشاهدها يومًا على عُمران نفسه، وكأنه قدم له أفضل ما يمتلكه ويفضله على ذاته بما صنعه له.

شعره قد جعله جميعه بنفس الطول بعدما كان يُفضل تقصيره من الجانبين فاعتاد على ذلك، وجده يبرع في تهذيبه بقصةٍ جعلته يبدو أفضل من السابق.

ولج لحمام الشقة يحمل اغراضه الخاصة، متلهقًا لازالة ذلك المسك الذي يحتل بشرته ليتأمل ماذا صنعته المنظفات الباهظة التي وضعها له.

بينما بالخارج.

تراجع جمال لنهاية الأريكة بارتباكٍ من الألة الحادة التي يحملها عُمران ويدنو منه مرددًا بشر واضح: فضيتلك يا جيمي، ها تحب قصة معينه ولا تسيبلي نفسك أحسن؟

ابتلع ريقه بتوترٍ وقال: مش عايز أحلق يا عُمران، أنا لسه مشيك على شعري من كام يوم بس!

مرر رماديته على شعره بنظرة غير راضية بالمرة: مهو باين يا حبيبي! إنت شكلك كنت عند حلاق الخرفان والحمير ده عارفه؟

نزع المنشفة عن رقبته واستقام بوقفته يصيح بخشونة: أنا حطيت المسك الغريب ده وقبلت لكن شعري ودقني لأ وألف لأ يا عُمران!

انتهى سيف من حمامه فارتدى روب الاستحمام وخرج يبحث عن عُمران ليشكره بامتنان، وقف على مقدمة الردهة يردد بصدمة مما رآه: إنت حلقت دقنك يا بشمهندس جمال؟

استدار ذلك الماسد بين يدي عُمران إليه، وبأسفٍ قال: اليوم ده هيخلص من هنا وهقطع علاقتي بالمختل ده، تصور بيهددني بالمشرط اللي في ايده ده!

مال إليه عُمران بحزن: عايز تقطع علاقتك بيا يا جمال؟

استجاب لمحاولته الخبيثة بالتأثير عليه فقال: مش بالظبط بس أنا قولتلك الا دقني وشعري!

أجابه وهو يتصنع الطيبة: شكلك هيبقى أحلى بالشنب بس، الدقن مش حلوة عليك، غلطت لما عايزك تبقى أصغر وأجمل!

اعاد التفكير بحديثه بتأنيب ضمير، بينما استغل عُمران هدوئه واستكمل عمله، ضحك سيف وقال: إنت خبيث وخطير يا عُمران! بس ما علينا أنا خرجت أشكرك على الحلاقة دي، صدقني بعد كده هسلملك رأسي وأنا مطمن!

رد عليه عُمران بغلظة: أنا لا عايز رأسك ولا رجلك، ادخل جوه إلبس لتأخد برد يا عريس!

ضحك سيف بعدم تصديق لرده، وعاد لغرفته يستعد لحفل زفافه.

انتهى عُمران من جمال بعدما تفنن بجعله أنيقًا، جذابًا، فبعدما أعاد شعره للخلف وقصره قليلًا بدا كأنه شاب عشريني.

موافقته الصريحة بالاهتمام بسيف كانت حيلة لأجل أن يهتم بجمال، ويعاونه بتغير طريقة خلاقته وتهذيب ذقنه.

ازاح جمال المنشفة وتطلع لعُمران بضيق، فربت على كتفه بابتسامة هادئة تناهز مشاكسته السابقة: ادخل خدلك شاور عما أجهزلك البدلة.

شعر وكأن به خطبًا ما، فسأله بجدية تامة: هو حد قالك إن أنا العريس النهاردة؟ تصرفاتك معايا غريبة النهاردة إنت حاسس إني هموت ولا أيه؟ ولا يكنش نعمان الملزق قالك إنه هيقتلني!

سقط من يده المكينة فانحنى جمال يحملها لحقيبته مرددًا بضيق: ما تاخد بالك يا عم، ده يوسف لو شافها واقعه هيروح فيها بعد ما عرف سعرها!

جذبه عُمران من تلباب قميصه بيدٍ واحدة: أيه اللي قولته ده؟ نعمان جالك؟!

ارتبك أمامه وقال: متشغلش بالك بيه، ده آ...

ابتلع جملته فور أن صرخ الاخير بانفعال: ازاي متقوليش حاجة زي دي يا جمال!

رد عليه وهو يحاول أن يهدئه: مكنتش عايز أشغلك كفايا موضوع آلكس اللي طلعلك فجأة ده.

مشط الردهة ذهابًا وإيابًا، متمتمًا بوعيدٍ: هي وصلت لكده، ماشي يا نعمان!

وحينما استدار وجده بمحله يتطلع له بحزن فصاح بضيق: انت لسه واقف مكانك!

هرول جمال للحمام دون ان يهتم حتى برؤية وجهه، بينما دفن عُمران غيظه الشديد من خاله واتجه لغرفة جمال يبحث عن الحقائب التي تحمل الملابس التي اشتروها مؤخرًا، وما أن وجدها حتى جهز له احدى البذلات التي سبق وانتقاها له تلك المرة، ممررًا مكوته الحديثة من فوقها وهي معلقة على المشجب.

ولج جمال للداخل يمسح وجهها، فوجد عُمران يكوي البذلة بنفسه، حتى أنه نثر من فوقها البرفيوم خاصته، حتى لا يترك مساحة للمشاجرة بينهما حينما يطالبه بالوضع منه فوضعه هو قبل أن يرتدي الملابس.

استدار للخلف وما أن رآه حتى تنحنح بخشونة: واقف كدليه؟ يلا إلبس عما أجهز أنا كمان.

اعترض جمال طريقه للخروج من الغرفة واستمد نفسًا مرهقًا قبل أن يسأله مباشرة: إنت سمعتني وأنا بتكلم مع يوسف؟

توترت ملامح عُمران وبالرغم من ذلك بقى ثابتًا أمامه قدر المستطاع: أمته ده؟! وأي كلام تقصد؟

تعمق بالتطلع إليه لكشف مدى صدقه ولكن الاخير انسحب وهو يشير له بملل مصطنع: بقولك أيه يا جمال أنا معتش قادر أقف، إلبس عما أريح جسمي شوية وألبس أنا كمان. مش كفايا حوار نعمان الملزق ده عليا، ابعد من وشي انت التاني.

وتركه شاردًا وغادر لغرفة يوسف حيث يوجد ملابسه، فتمدد على الفراش يستكين قليلًا قبل أن يبدأ بتجهيز ذاته.

انتهى جمال من ارتداء ملابسه، ووقف أمام المرآة منصدمًا من مظهره، لم يكن اختيار عُمران للملابس رائعًا فحسب، بل طريقته بتنسيق ذقنه الحليقة وشاربه.

كان محقًا حينما أخبره بأن الشارب دون اللحية ستمنحه مظهر جذابًا، بل هو بتلك اللحظة يشعر وكأنه يصغر عن عمره كثيرًا.

ابتسم وهو يتابع وجهه وشكله، ولأول مرة يشعر بالفضول أن تراه زوجته بشكله الوسيم هذا، فلقد تحلى ببعض الثقة التي غادرته، وما تعجب له أنه وجد ذاته يحزم قراره بأنه سينتظم بالذهاب للجيم كما أخبره عُمران صديقه، الذي يمتن لأنه يمتلك صديقًا مثله.

خرج جمال للردهة فإذا بسيف يطالعه بانيهارٍ شديد، ولسرعة تخمينه بمن بشقته قال: بشمهندس جمال! أقسملك بالله إني معرفتك! الاستايل ده جميل عليك جدًا وجديد.

وبتخمينٍ قال: عُمران مش كده؟

هز الاخير رأسه بإيماءة خفيفة، فابتسم سيف وبداخله يزداد احترام لشخص عُمران الذي رغم وقاحته وفنون رده النزقة الا أنه يستحق حب أصدقائه وأخيه إليه.

خرج إليهما عُمران بعد قليل، متألقًا ببنطال من القماش البني الفاتح، وقميصًا من نفس الدرجة، ومن فوقه جاكيت بدرجة أغمق، مصففًا شعره بتسريحته المعتادة، وبالرغم من اهتمامه بهما الا أنه لم ينسى الاهتمام بنفسه وبما سيرتديه.

قطع نظراتهما المعجبة به وقال: هنتحرك ولا هنقضيها نظرات!

طرق الباب مرتين بعكازه، ففتح آيوب الباب حاملًا كتابه بين يديه، وما أن رآى الطارق حتى ردد بفرحة: بابا!

أخفى الشيخ مهران دموعه واحتبسها داخله، وبدون كلمة واحدة جذبه لأحضانه، يده تقربه إليه وكأنه يود أن يدخله لصدره، ويخفيه عن الأعين.

يشعر وكأن هناك من سيخطف منه ابنه، وبالرغم من أنه واثق بإن آيوب لن يتخلى عنه مطلقًا الا أنه كان خائف من فراقه، لم يكن يومًا بالأنانيًا ليفرقه عن ابيه الحقيقي، ولكن ما يكترث به هي زوجته التي أرضعته من حليبها، لم يكن ليظن يومًا أنه ليس ابنه لتظن زوجته هذا الأمر!

أبعده عنه وهو يرسم ابتسامة هادئة، منشبًا حوارًا طبيعيًا: عامل أيه يا حبيبي؟

أجابه وهو يشير له بالدخول: الحمدلله، ادخل يا بابا هنتكلم على الباب كده!

أشار له بابتسامته: لا يا آيوب انا نازل الدكان وقولت أعدي عليك قبل ما أنزل، مانا معتش بلمحك تحت.

برر له وهو يرفع كتابه: الامتحانات بعد اسبوعين يا شيخ مهران، وبنفذ تعليمات الحاجة رقية، إنت ناسي إني واخد أنا ويونس حظر عشان خديجة وسدن!

ضحك الشيخ ومسح على ظهره: ربنا يوفقك يابني ويبعد الغم والحزن عنك وعن قلبك، يلا هسيبك أنا تركز في مذكرتك وهنزل الدكانه، سلام عليكم.

أجابه وهو يطالع هبوطه باهتمام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

وما أن غادر حتى ولج آيوب لشقة يونس يستكمل مذاكرته بينما ارتكن الشيخ مهران على درابزين الدرج يبكي ألمًا ولسانه لا يغفل عن قول: لا اله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

وصلت لمكان الحفل برفقة والدة زوجها باحدى سيارة عائلة الغرباوي، صعدت صبا تحمل طرف فستانها الكريمي حتى لا تتعثر بخطواتها.

ولجوا للمصعد وهي ترتب حجابها الأسود متسائلة بلهفة: ماما شكلي حلو؟

اجابتها وهي تشير بيدها: زي القمر يا بنتي، جمال هيخطفك النهاردة ولو معملهاش باللي في رجلي وهنزل على نفوخه الخايب ده!

ضحكت من قلبها وشاركتها أشرقت الضحك، توقف المصعد بالطابق الثالث من المبنى حيث يقطن يوسف ولجواره سيف، بحث صبا عن اسم الشقة حتى وجدته فأمسكت يد أشرقت واتجهت للداخل، حيث تُرك الباب مفتوح لاستقبال الضيوف.

بالداخل.

بالرغم من بساطة تزين المكان، وعدد المدعوون القليل الا أن كل شيءٍ كان مثاليًا، حيث اجتمع الجميع حول طاولتيتن كبيرتين، احداهما للرجال والاخرى النساء، ومن أمامهم وضعت ليلى ويوسف مقعدين مذهبين للعروسين، وطاولة صغيرة ومقعد مقابل خاص بالمحامي.

لحظة دخول أشرقت وصبا كانت هي نفسها لحظة امضاء العروس على قسيمة الزواج، وكلمة معتادة تنطق على لسان المحامي: بارك الله لكما وجمع بينكما بالخير.

انطلقت الفتيات الاربعة مايا، فاطمة، شمس، ليلى يتجمعن من حول العروس، بينما ذهب الشباب يقدمون التهاني لسيف.

بينما اتجه يوسف يقابل السيدة أشرقت بنفسه، مرددًا بفرحة: نورتي المكان كله، كنت هزعل لو مجتيش.

ربتت على كتفه بحنان أمًا: ألف مبروك يا حبيبي، ربنا يفرحه ويرزقه الذرية الصالحة.

أجابها ببسمة ممتنة: اللهم آمين.

وأشار للطاولات: اتفضلي يا حاجة أشرقت، اتفضلي يا مدام صبا.

اتجهت للطاولات وعينيها تبحث عن جمال بلهفة بين الشباب، إلى أن وجدته يقف جوار عُمران يتهامسان وصوت ضحكاتهما يعلو الآذان، انفلتت شهقة خافتة منها وهي تطالعه بصدمة، احاط بها الانبهار والاعجاب الشديد، لدرجة ان حماتها جلست على المقعد وبقيت هي واقفة محلها تتطالعه بدهشةٍ جعلت من حولها يلاحظون ما تفعله.

رأها جمال فاندهش من وجودها هي ووالدته، وزع نظراته بينهما ولكن عينيها اللاتي تبرق به جذبت انتباهه فبادلها النظرات.

شعرت صبا بيد تجذبها للمقعد، استدارت فوجدت حماتها تهمس لها بحنق: واقفة مبلمة قدام الواد كدليه، هتخليه يأخد مقلب في نفسه يا خايبة، اقعدي واتقلي كده وسيبي الحاجة أشرقت تلاعبه.

مالت إليها بفضول: هتعملي أيه يا ماما؟

مصمصت شفتيها بحركتها الشعبية وقالت: كتير يا قلب امك بس اتقلي انتي ومتدلقيش كده.

وجابت الجمع بنظرة شاملة، فانتفضت وهي تلكز ذراعها: فريدة هانم شرفت أهي، شوفتي الفستان اللي لابساه! مخليها ولا العروسة! يخيبها ولية!

أشارت له صبا وهي تتابع الاوجه: وطي صوتك يا ماما حد يسمعك!

ادارت وجهها عن محل جلوسها، ولكنها لم تستطيع كبت فضولها تجاه تلك المرآة، وخاصة حينما جلس هذا الشاب الآنيق جوارها، فاستفزها الا تعلم كنايته.

ترك عُمران المنصة واتجه لآشرقت يقبل يدها هاتفًا بمحبة: أيه الجمال ده كله يا شو!

ضحكت حتى بدت غمازاتها كسطوع شمس اليوم، وقالت: ازيك يا بكاش ياللي بطلت تسأل عني، ولا اهتميت حتى تيجي تودعني، أنا مسافرة النهاردة الفجر.

أجابها بابتسامة جذابة: ازاي يعني مش هاجي ده انا قايل لجيمس ان محدش هيوصلك للمطار غيري، وقبل المطار، هاخدك حالًا وهنطلع مع بعض مشوار هيعجبك.

سألته بفضول: مشوار فين ده؟

أبعد المقعد وعاونها على النهوض: لما نروح هتعرفي.

قالت وهي تتطلع للعروس: طيب استنى طيب ملحقتش أعين العروسة!

ضحك بصوته الرجولي وقال: قصدك ملحقتيش تنمي! ده انا بعمل فيكي خير وبنقذك من صحيفة أعمالك البلاك!

تمردت ضحكاتها عاليًا، ومالت عليه تهمس له: هي أمك مش عايزة تعقل! لابسة فستان مخليها ولا العروسة!

تمعن بوالدته بنظرة متفحصة، كان ممتنٍ انها نفذت اول نصائحه، فكانت ترتدي فستانًا أحمر اللون طويلًا يصل لنهاية قدميها، ومن فوقه شال أبيض يحجب فتحة عنقها الصغيرة، وعلى رأسها تربون أبيض اللون جعلها مميزة للغاية، طبعت ابتسامة محبة لملامحها الرقيقة وهمس لها: مالها فريدة هانم زي القمر في تمامه؟

مالت إليه تراقب ما يراه وتساءلت: مين اللي جنبها ده، صاحبك!

استدار لها بدهشة: مش فاكراه! أنا سبق ووريتك صورته!

زمت شفتيها ساخطة وقد ظنته يؤكد لها اجابة سؤالها: ياخويا وسايب صاحبك لازق لامك كدليه، ده كل ودنها من كتر الرغي وهي نازلة ضحك ومرقعة روح لم أمك عليها الطمع يابني!

وتابعت بتعصب: وبعدين انت مش كنت قولتلي انك مجوزها لعمك فينه يلمها!

جحظت عينيه صدمة فور نطقها جملتها الاخيرة التي ولحظها السييء توقف بها الموسيقى الهادئة، فبرق بها الجميع.

رسم عُمران بسمة بلهاء وقال: كملوا سهرتكم يا جماعة أنا نازل مشوار سريع أنا وشوشو.

وأشار لها لتتقدمه، بينما تابعتهما صبا باستغراب، كانت مندهشة لمحل ذهابهما، فإلى أين سيذهب بها صديق زوجها؟

لم تلاحظ نظرات جمال المقتادة بالنيران إليها، فما أن لمحته حتى أخفضت عينيها بحزن، فبالطبع يظنها تراقب عُمران! بعد أن ألصقت بها تلك التهمة بالطبع ستظل تخوض توابعها حتى الموت!

بدأت الموسيقى واجتاح المنصة الثنائيات، ليلى ويوسف، على وفاطمة، احمد وفريدة، سيف وزينب، وبقيت شمس ومايا بمحل العروس.

انسحب جمال مرغمًا للطاولة حيث محل جلوسها، فقال بوجوم: مالك بتبحقلي في اللي حواليكي بالشكل ده؟

تعلم مقصده جيدًا، ولكنها ابتلعت غصتها وقالت بابتسامة واسعة: البدلة دي جميلة عليك أوي يا جمال، حتى طريقة حلاقتك بجد طالع جميل أوي ومميز النهاردة.

بالرغم من أن الاطراء قد نال ارضاءه ولكنه بقى متخشب الملامح، اختزلت تعابيرها حزنًا من طريقته، وقالت تستحثه على الحديث: مش هترجع معانا النهاردة، ده حتى أخر يوم لماما أشرقت على الأقل خليها تمشي وهي حاسة آن كل شيء بينا طبيعي يا جمال.

منحها نظرة واجمة، ومال على الطاولة الفاصلة بينهما يردد: بس مفيش شيء هيكون طبيعي بينا يا صبا، ردي ليكي لعاصمتي كان لسبب واحد وانتي عارفاه كويس.

وانخفض بنظره لبطنها المنتفخ: ابني هو السبب، وبعد كده صدقيني مبقاش يهم!

أدمعت عينيها تأثرًا بحديثه، فمدت يدها لكفه وهي ترجوه: اديني فرصة أقربلك مني تاني يا جمال!

سحب كفه بعنف منها، وعاد بظهره للمقعد يتابع الحفل بصمت ألمها، فرسمت بسمة زائفة فور ان تقدمت ليلى ومايا إليها.

لم تزور الفرحة وجهها ولم تمس حتى قلبها، عينيها تتابع باب الشقة برعب وكأنها تنتظر لحظة وصوله، كانت موجودة بجسدها وعقلها وقلبها غائبان عنها.

لاحظ سيف شرودها وسكونها العجيب فناداها مرتين ولم تلاحظه، فأمسك يدها وسألها باستغراب: مالك يا زينب؟

انتفضت بجلستها فزعًا، وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: آآ، أنا كويسة يا سيف. بس كنت سرحانه شوية.

الشك توغل بحدقتيه فصاح: لا مش كويسة، إنتِ من الصبح مش طبيعية.

واستطرد بما يتردد إليه من تفسيرٍ: إنتِ ندمانه؟

نفت ذلك قائلة: أيه اللي بتقوله ده يا سيف، أنا بس مرتبكة شوية إنت عارف الموضوع جيه بسرعه كبيرة.

مررها حتى وهو لا يصدقها، حينما يصبحا بمفردهما سيتحدثان أفضل من حديثهما الإن.

بسيارة عُمران.

تعالت ضحكات أشرقت هاتفه بعدم تصديق: بقى ده عمك؟!

ابتسم وهو يتابعها تضحك من قلبها هكذا، وأضاف: أيه الغريب في كده! ما أنا وريتك صورته قبل كده؟!

كبتت ضحكاته وهي تقول: يابني هو أنا فاكرة أنا اتعشيت أيه امبارح! طب تصدق بالله من كتر ما بنسى أنا كلت ولا لسه بقيت شبه الكرنبة!

قالتها وانتابتها موجة من الضحك، فضحك رغمًا عنه وهو يستمع لحديثها بينما يباشر قيادته، فهو يحبها كثيرًا ويشعر بالألفة حينما يراها، ربما لانها والدة صديقه الذي يعده أخيه.

توقفت عن الضحك وسألته باسترابة: قولي بقى واخدني على فين؟

اجابها بعدما صف سيارته أمام أحد المحلات الفخمة الخاصة بأزياء المحجبات: مش أنا وعدتك إني هرجعك للحاج أبو جمال طلقة ألماني تزلزله!

اعتدلت بجلستها تمازحه: طلقة! قول صاروخ جوي!

قالتها وضحكت فقهقه ضاحكًا وقال: طلقة، صاروخ مفرقتش المهم إنك تحافظي على الذخيرة عشان منشيعش الراجل!

ضحكت حتى أحمر وجهها وقالت: يووه جتك أيه يا عُمران، يابني خلاص حملنا الاول والاخير بقى العيال.

استدار لها يخبرها: ومن بعد الاولاد هيبقى حملكم الاحفاد، هتفضلوا كده لنهاية العمر، عشان كده لازم تخطفولكم يومين لنفسكم.

وأشار لها وهو يغلق نوافذ السيارة أوتوماتيكيًا: يلا يا ست الكل انزلي عشان منتاخرش.

تردد بالنزول حرجًا وقالت: مالوش داعي للتكلفة دي يابني، جمال ربنا يسعده مش مخليني محتاجة حاجة والله.

زرعت بابنها الرضا بالقليل وهذا ما ميزه، لم يتطلع على ما يمتلكه غيره يومًا وهذا ما جعل عُمران يكن له مثل تلك المحبة التي شعر بها تجاه والدة صديقه.

تصنع بمداهمة الحزن ملامحه وقال: كنت فاكر إنك بتعتبريني زي جمال، بس الظاهر كنت غلطان!

راقبت انقلاب معالمه بتأنيب ضمير، وقالت: يابني والله انتي عندي زيه وإنت عارف.

لو شايفاني زيه هتنزلي معايا وهتقبلي مني هديتي، اعتبريها تذكار مني عشان تفتكريني بيه بعد ما هترجعي للحاج ولا خايفة يعرف بعلاقتنا يا شوشو!

تحررت ضحكاتها على أخر حديثه ومازحته قائلة: موافقة بس بشرط.

بجدية تامة قال: أنا تحت أمر معاليكِ.

توردت بشرتها من فرط الضحك وهي تخبره: عايزة بورنطة زي اللي أمك بتلبسهم دول!

تمعن بها قليلًا وصعدت ضحكاته تزلزل، وبصعوبة قال: عنيا حاضر.

بدأ يوسف بتنفيذ الجزء الأخر من الخطة، مع انتهاء الحفل فدنى إلى جمال يهمس له: الحاجة أشرقت مع عمران مش هترجع دلوقتي، قوم روح مراتك هتسبها تروح في تاكسي!

زوى حاجبيه يسدده بسهامه الحارقة: رتبت إنت وهو الليلة وفكرين خطتكم هتدخل عليا صح؟!

ادعى برائته الكامنه مما نُسب إليه: ليلة أيه وخطة أيه يا جمال! قوم وبطل تفكر بعقل العيال الصغيرين دول.

نهض عن المقعد يلف بجسده إليه، صائحًا بانفعال: ما تحاولش تتذاكى عليا يا دكتور، ده أنا أكتر واحد قافشك إنت وهو.

حك رأسه وبنفاذ صبر قال: آه يا جمال رتبناها وهتقوم حالًا تأخد مراتك وتتعامل زي أي راجل جنتل مان بيفتح باب عربيته لمراته وبيرفعلها طرف الفستان.

وتابع يستفزه: وبالمناسبة الكلام اللي لسه رميهولك حالًا سابهولك عُمران بنفسه، فزي الشاطر كده تنزل وتفتح الباب لمراتك.

كز على أسنانه غيظًا، فالتفت إلى محل وقوفها فلم يجدها، وكأنها سمعت نص الحوار فرفضت أن تكون همًا ثقيلًا عليه.

توقف المصعد فخرجت صبا تنتظر أي سيارة أجرة تمر من أمامها، ورغمًا عنها التقطت عينيها سيارة على وبجواره زوجته وسيارة أحمد الغرباوي وبجواره فريدة وبالخلف مايا وشمس.

لا تعلم لما افتقدت عائلتها بتلك اللحظة، والاصعب من ذلك بأنها تفتقد زوجها وهو لجوارها!

أزاحت صبا دموع عجزها، باتت مقيدة، لا تعلم ماذا يتوجب عليها فعله ليصفح عنها، أفاقت من شرودها على صوت سيارته، فوجدته يقف قبالتها ويشير لها بالصعود.

تعلم بأنه أُجبر ان يصلها، فطرقت على نافذة سيارته، فأخفضها لتتمكن من الحديث: تقدر تمشي أنا هركب اي تاكسي.

وبدون اضافات استقامت شامخة بوقفتها واتجهت لمحلها، قبض على الدريكسون بغضب كاد باقتلاعه، فهبط من سيارته واتجه اليها يجذبها بقوة: أنا مش عايز أتعصب عليكي، اركبي!

ارتخى جسدها للخلف فاصطدمت بسيارته، تأوهت ألمًا وهي تضم بطنها بألمٍ جعله يهرع لها مسرعًا متسائلًا بقلقٍ: أيه اللي حصل؟ اتوجعتي! وريني.

ابعدته للخلف وهي تصرخ به: إبعد عني يا جمال، روح شوف حالك مع اللي اختارتها.

ضيق عسليته باستغراب: اللي اختارتها!

أحاطته بنظرة مشتعلة بنيران الغيرة، جابته من رأسه لأخمص قدميه، ويتهكمٍ قالت: مستغرب ليه! مش دي اللي غيرتك بالشكل ده وخليتك ترجع تهتم بنفسك وبلبسك!

كم أن صديقه خبيثًا، داهية، لم يتوقع أن تنزرع داخله الغيرة بتلك السرعة، ازدرد ريقه الجاف يجيبها: مش مضطر أبررلك، ودلوقتي اتفضلي اركبي بدون كلام مالوش أي تلاتين لزمة!

هزت رأسها وهي تزيح دموعها، واتجهت للسيارة دون أن تضيف كلمة أخرى، فغادر بها للمبنى الخاص بشقتهما، وللعجب صعد معها للأعلى.

بشرفة منزل الشيخ مهران، حيث تقف سدن جوار خديجة التي تستند على السور ممسكة ملابس فارس الواقف على المقعد الخشبي يتابع المارة، فتقف جواره خشية من السقوط وبالجهة الاخرى تستمع لها سدن، بعدما باتت الاثنتين مقربتين للغاية.

مالت سدن على ذراعيها تستمع لنهاية قصتهما بحزن فائق، وقالت: انت تعبت اوي خديجا، ويونس كمان تعبت من اللي شافه، انت قصتك حزين جدًا.

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها لم تستطيع الاخرى رؤيتها من نقابها: ومستعدة أستحمل أكتر من كده بس أكون مع يونس بالنهاية.

غردت عينيها فراشات وسألتها: بتحبيها خديجا؟

استمعت لصوت ضحكاتها بوضوح وقالت: قصدك بتحبيه، وآه طبعًا بحبه جدًا، بحبه من اول ما وعيت على وش الدنيا وشوفته جنبي، اول ذكرى لأي شيء جميل جوايا هو وراها، بحب كل شيء فيه، طريقة حبه ليا وتشدده وغيرته عليا، بحب كلمة ست البنات اللي بتخرج من بوقه زي السكر.

استدارت تجاهها فوجدتها تتابعها بضيق وأردفت: انتظري قليلًا لقد نسيت سماعتي بالداخل ولم أفهم نصف حديثك.

وتركتها وهرولت للداخل راكضة، فضحكت وهي تخبط جبينهه بقلة حيلة على تلك الاجنبية التي باتت ونيسة لها.

رفرف قلب خديجة حينما سمعت فارس ينادي بصوت متحمس: بابا.

استدار للخلف فاذا به يدخل الحارة برفقة إيثان، وما أن استمع لصوت ابنه حتى رفع رأسه تجاه الشرفة فوجدها تقف جوار ابنه، تطالعه من خلف نقابها.

نقل بصره عنها بصعوبةٍ مستغفرًا، وأشار لفارس بالهبوط، فتركها وهرول للأسفل راكضًا ومازالت تقف محلها تراقبهما بحب.

التقطته بين ذراعيه يقبله واتجه بها لمحل البقالة يشتري له ما لذ وطاب، وتركه يصعد بينما غادر برفقة ايثان الذي قرر التقدم لخطبة ابنة خالته، وصمم أن يرافقه يُونس.

بينما بالاعلى قدم لها فارس لوحًا ضخمًا من الشوكولا الباهظة قائلًا: بابا بعتلك دي بس، باقي الحاجة ليا.

تناولته منها خديجة بفرحة جعل قلبها يتراقص، فاتجهت بخطواتها البطيئة للشرفة على أمل ان تراه، ولكنها وجدته قد غادر.

مرت ساعة كاملة منذ أن ولجت لحمام الغرفة تبدل قفطانها، هاجمه القلق حيالها، طرق سيف باب الحمام يناديها برفقٍ: زينب محتاجة حاجة؟

انتفضت داخل الحمام محل جلوسها بملابس زفافها باكية، وبتوترٍ قالت: لا.

رفرف بأهدابه بذهولٍ من طريقتها وقال: طيب بتعملي أيه جوه كل ده؟ إنتِ حتى ماخدتيش هدومك معاكي؟

واستطرد بمزحٍ: زينب انتي بتهربي مني؟!

مال على بابها يحاول استماع صوتها أو أي صوت لمياه، ولكنها فجأته حينما فتحت الباب تواجهه بعينيها المتورمة من أثر البكاء، ضيق حاجبيه دهشة: زينب!

تركته يقف مندهشًا واتجهت للفراش تبكي بصوتٍ مسموع، لحق بها ومازال يناديها: في أيه يا زينب؟!

أوقفته محله تصرخ به: متقربش أرجوك، خليك بعيد.

رفعت ساقيها إلى الفراش، تحاوط جسدها بيديها، وعينيها تراقب أنحاء الغرفة بخوفٍ قاتل، تهمس بخفوتٍ: يمان مش هيسيبني، هيقتلني لو سمحتلك تقرب. خليك بعيد.

صعق سيف من حالتها الغامضة، وخاصة حينما استمرت بهمسها وعينيها تتوزع بين شرفة الغرفة وبابها: هو قالي إنه هيقتلني! كان هيشوه ايدي عشان مسكتني، لو قربتلي هيقتلني.

عصف به الحزن وألمه، فقال: ميقدرش يعملها وأنا معاكي، هفديكِ بروحي يا زينب.

هزت رأسها ومازالت تصر على طلبها: سبني واخرج يا سيف، ابعد عني أرجوك!

لم يتخيل أن يصل به خوفها لتلك الدرجة، شعر وأنها تعاني من نوبة مرضية نجح بأن ينقلها لها هذا المعتوه، رفضت حتى أن تستمع إليه، وأمام رجائها وخوفها انصاع لها سيف واتجه لغرفة النوم الصغيرة يقضي بها أول ليلة التي كانت من المفترض أن تكون بداية لحياتهما معًا.

خرج جمال من غرفة الضيافة حيث كان يغفو بها بعيدًا عن غرفة صبا، ليستفيق من نومته على صوت ضوضاء يأتي من الخارج.

خرج من الغرفة فوجد والدته تجلس بالردهة جوار زوجته، ومن حولها عدد ضخم من الأكياس، تجذب قطعة من الملابس وتضعها على نفسها، تريها لزوجته المنبهرة من رؤية ما عادت به والدته.

فوصل له صوتها العالي: ما شاء الله يا ماما الفساتين تحفة والحاجة كلها جميلة وشيك جدًا.

جذبت أشرقت باقي الاغراض وهي تقول: عُمران ده شاب زي العسل والله.

بالرغم من حساسية الموقف الا أنها كانت مرغمة لاجابتها حتى لا تزرع الشكوك برأسها فقالت مبتسمة: هو شاب ذوق جدًا وباين عليه بيعزك جدًا يا ماما.

اشتعل جمال ضيقًا، فعاد للغرفة يصفع الباب من خلفه وهو يفور غضبًا منها، ومن تبجحها بالحديث عنه أمام والدته، وإن يكن هي من تسببت بهذا الجرح الذي لم يندمل داخله بعد، وبأقل فعل منها حتى دون ارادة يعود لنزيفه من جديد!

تقابل عمران مع جمال قبيلة الفجر، ليودعا معًا أشرقت، وبعدها توجها صباحًا ليمروا كلاهما على المشروع المشترك بينهما، يتممان على الموقع والعمال وفور ان تأكدوا من أن كل شيئًا على ما يرام سأله جمال عمران: هتروح على الشركة؟

استند على حافة السيارة وهو يطوي ورقة التصميم: لا هطلع على الفندق أغير هدومي قبل ما أتحرك على الشركة.

هز رأسه بدهشة: معقول يا عُمران لسه بتعمل كده؟

ضحك وهو يجيبه: يابني دي بقت عادة عندي، مهو مش معقول هفضل في الموقع ست سبع ساعات واتحرك على الشركة بعرقي ولبسي المبهدل ده، لازم اخد شاور وأغير هدومي، عشان كده أي مشروع بستلمه هيطول عن شهرين بحجز بأقرب فندق قريب منه، اخدلي فيه كام غيار.

وضع هاتفه بجيب بنطاله وسحب مفاتيح سيارته: خلاص براحتك، أنا ورايا شغل كتير في الشركة، هروح عشان السكرتير نازل رن عليا من الصبح.

وتساءل قبل أن يعتلي سيارته: هشوفك بليل؟

صعد عُمران سيارته هو الأخر وأجابه بابتسامة صغيرة: هكلمك ونرتب مع بعض. سلام.

منحه ابتسامة واسعة ولوح له ليفترق طريقها وكأنها إشارة سيئة للأعصار القادم!

ولج جمال لمكتبه، فوجد الملفات موضوعة على مكتبه، نزع عنه جاكيته ووضع مفاتيحه وهاتفه جواره، جلس على مقعده يسحب اول ملف.

وبعد دقيقة ولج السكرتير يحمل كوب القهوة، وعينيه الخبيثة تجوب سطح المكتب باحثًا عن غايته، فما أن وجده حتى سحبه من خلف الصينية التي يحملها دون أن ينتبه له جمال!

خرج عُمران من حمام الفندق، يلف من حول خصره المنشقة السوداء، وبالاخرى يجفف عنقه، فاذا بهاتفه يعيد رنينه للمرة الرابعة.

ترك المنشفة من يده واتجه يتطلع لاسم المتصل، فإذا بجمال يعيد رنينه، رفع الهاتف إليه وقال بمشاكسة: لحقت أوحشك؟

اتاه صوتًا غريبًا يجيبه: عفوًا! لقد قمت بالاتصال بأخر رقم لهذا الهاتف، سيدي لقد أُصيب صاحب هذا الهاتف بحادث على الطريق ولقد قمت بنقله لمنزلي، من فضلك فلتحضر لنقله للمشفى أنا لن أجازف بنقله إليها فتعتقلني الشرطة.

جن جنونه وصرخ به: أرسل لي العنوان في الحال.

حسنًا لك ذلك.

بلهفة وفزع سأله: هل هو على ما يرام؟ أعطه الهاتف من فضلك؟

بايجاز قال: لن يتمكن من الحديث.

اغلق الهاتف بينما هرع عُمران لخزانته يجذب اي ملابس تقابله وقلبه يكاد يتوقف عن الخفقان، لكم السراحة بكم غضبًا جحيمي وهي يصرخ: عملتها يا نعمان الكلب!

جذب مفاتيح سيارته وركض بأقصى ما بوسعه على درج الفندق، يخرج بيده رقم يوسف، يحاول الاتصال به ولكنه لا يجيب، فعلم بأنه حتمًا بغرفة العمليات.

حرر زر التسجيل وسجل له ومازال يركض
«يوسف، جمال عمل حادثة على الطريق، صاحب العربية خده بيته وبعتلي الموقع هبعتهولك حالًا ابعتلي الاسعاف وتعالى بسرعة يا يوسف! ».

أغلق هاتفه وأعاده لجيب سرواله، اندفع عُمران لسيارته يقودها بشكلٍ جنوني، لا يعلم كم حادث تفاداه، كل ما يشغله انقاذ رفيقه.

وصل للعمارة المشار إليها بالموقع، هبط يركض للاعلى، حتى وصل للشقة، فتفاجئ ببابها مفتوحًا.

لا يعلم لما انقبض قلبه بشعورٍ مريبًا هكذا، دفع عُمران الباب واندفع ينادي بقلقٍ: جمال!

غيوم سوداء تحيط به، طيف ضئيل من الضوء يحيط برماديته، ثقل جاسم فوق جفونه، يجاهد الآن لفتحهما، ولسانه لا يتوقف عن نطق إسم رفيفه، فاذا به يقف قبالته، اختذل جسده بشكلٍ غريبًا، حتى أنه جاهد للنهوض.

داهم عقله دهشة كبيرة، لماذا هو الذي يغفو على الفراش وجمال يقف متصنم محله، عساه حلمًا!

رفع ذراعه المتمايل إليه يناديه: جمال! إنت كويس؟!

ما أن رفع رأسه حتى تأوه ألمًا، فاستقام بصعوبة بجلسته، فاندهش من رؤية نفسه عاري الصدر، تفحص نفسه وتلك الغرفة الغريبة باستغرابٍ، وما صعقه وأصابه في مقتلٍ، حينما استدار جانبه ليجد أخر من توقع رؤيتها!

شهق صدمة وتلقائيًا رفع الغطاء ليخفي زوجة رفيقه العارية عن عينيه وأعين ذلك المتخشب على باب الغرفة!

عمل عقل عُمران بسرعة البرق، المكالمة، دخوله لتلك الشقة، الابرة التي شعر بها تخترق وريده، صبا الممددة جواره شبه عارية!

بدت له الآن أمارات الخطة التي أحكمها نعمان الحقير، رفع عينيه تجاه جمال المستند على الحائط بصدمة، يشعر وكأنه اصيب بشللٍ تام، وجل ما يتردد على لسانه: ليه.!

أزاح الغطاء عنه ورفع كفيه إليه يشير: جمال أقسملك بالله ما في بيني ويين صبا حاجة، جمال نعمان ورا اللي، بيحصل ده صدقني!

وتابع وهو يسحب هاتفه من جيب بنطاله الملقي جواره: حتى خد موبيلي وشوف الرسايل اللي عليه. وآ...
ابتلع باقي جملته بصدمة حينما وجد زوجته تدلف للغرفة لتزيد صدمتها وهي تراه على الفراش جوار صبا التي مازالت فاقدة للوعي.

سدد إليها طعنتين قاتلتين، احداهما من نظرة زوجته والاخرى من رفيقه، سحب بنطاله وقميصه يرتديهما بسرعة الرياح وهو يسرع لمايسان يخبرها بخوف حينما رأها تبتعد للباب وهي تحتضن بطنها الذي يتمزق من فرط ألمها، فقال: مايا اهدي عشان اللي في بطنك، صدقيني يا حبيبتي انا مظلوم!

تعطل عقل جمال عن العمل، بينما عينيه لا تلتقط الا زوجته التي ترتدي قميصًا أسود وتغفو براحةٍ.

يقال أن الشيطان يمتلك جنود من الجحيم يسخرهما وقتما يريد، وقد هالته جنوده بتلك اللحظة فجمعت من حول جمال مشاهد لما حدث من زوجته، حديثها عن عُمران المتكرر، اعجابها به وبشخصه، طريقته بتنظيم ملابسه، واهتمامه بجسده الرياضي.

كل ثغرة وُضعت من أمامه كالسوط القارص، وأقصى ما يضيق عليه ان تفعلها وهي حامل بابنه! مهلًا هل هو ابنه بالفعل بعدما خانته؟!

بدأت صبا تستعيد وعيها، فهمهمت بتعبٍ وهي تردد بخوفٍ دون أن تفتح عينيها: جمال!

تحررت ظلمة عينيها أخيرًا، فاذا بها على فراش دون جلبابها الأسود وحجابها، رفعت رأسها قليلًا فصعقت حينما وجدت جمال يدنو إليها، ومن خلفه مايا الباكية ويقف قبالتها عُمران الذي يحاول ارتداء ملابسه!

اتضحت الرؤيا لها وبدت تفهم ما يحدث هنا، جذبها جمال من خصلات شعرها وهو يصيح بجنون اختزل عقله: بتخونيني أنا يا بنت ال، كنتي هتموتي عليه ودلوقتي هديتي لما غوتيه يا زبالة! خلتيه يخون صاحبه يا.

لطمها بقوة ولم يعد يرى شيئًا امامه سوى لهيب الخيانة، بينما تجاهد هي لحماية صغيرها من بطشه، بدى كالمذبوح وهي يصرخ: هقتلك وهغسل عارك بايدي يا خاينة.

صعق عُمران مما يراه، فاندفع إليه يبعد يده عن عنقها، وبهدوء شديد قال: جمال اعقل، هتقتل ابنك بايدك! صدقني نعمان هو اللي ورا الحكاية، أنا واثق انك لو فتحت موبيلها هتلاقي نفس الرسايل اللي وصلتني.

اتجهت عاصفته الغاضبة تقابل نظراته بحدةٍ، وقال: إبعد من قدامي بدل ما أعمل اللي يخليني اندم بجد.

جابهه بألمٍ: وانت لما هتقتل ابنك مش هتندم يا جمال!

ضحك بعلو صوته مما زرع القلق داخل الاخير: ومين قالك إنه ابني؟ اذا كان انا مش واثق من الحكاية دي؟

وبعصبية هادرة دفعه للخلف: ابعد، انا عارف انك مستحيل تقرب لواحدة بسهولة! أكيد هي اللي حاولت معاك أكتر من مرة.

نهض عُمران مجددًا تاركًا زوجته تميل على الحائط ومازالت تبكي وتضم بيدها فمها بصدمة، وعاد لينزع خصلات شعر صبا من بين يديه صارخًا بوجهه: اهدى واقعد خلينا نتكلم ونشرحلك اللي حصل.

بكت بألم وقد نزف كل جزء بجسدها من فرط ضرباته القاسية، فاستغلت دفاع عُمران عنها وجذبت جلبابها ترتديه وتلف حجابها برجفة قاتلة.

نهض جمال عن الارض ودفع عُمران بغضبه الاعمى: انت بتدافع عن ال دي ليه، أيه وقعتك في شباكها!

هدر بانفعال شرس: اخرس يا جمااال أنا بمنعك انك ترتكب ذنب عمرك ما هتسامح نفسك عليه، اللي في بطنها ده ابنك فووووق وارجع لعقلك.

اندفع إليه يصرخ: . مش عايزه لو من ال دي مش عايزه، ولا عايزك في حياتي تاااااني!

واستكمل بتسديد ذلك الخنجر إليه: لو أنا عاجز عن اني امد ايدي عليك فده لان الغلط من عندي أنا، أنا اللي سمحتلك تتقربلي وتدخل جياتي لحد ما مبقاش ليك خطوط حمرا، فالمفروض انك اتشاركت معايا كل حاجة بس اللي متوقعتهوش انك تشاركني في مراتي يا عُمران!

وتابع ببسمة شملت ألم إن أصاب الأبل لجعلته يودع حياته شامخًا دون ان يذوق وجعه: ولا انت عجبتك سياسية الغرب في تبادل الزوجات وحابب نطبقه من ضمن بند الصداقة اللي بينا.

صعق عُمران مما يستمع إليه ووقف يقابل رفيقه بنظرة منصدمة، استدار جمال خلفه حتى سلطت نظراته على مايا التي مازالت تتابعهما ببكاء حارق.

ارتعبت من نظرات جمال لها، فتراجعت للخلف بينما جمال يستطرد: وأنا معنديش مانع، مايسان جميلة وآ.

سقط آرضًا من شدة اللكمة التي تلاقاها منه، جذب عُمران زوجته خلف ظهره وجابه جمال بنظرة اندفع بها الوجع والصدمة قبل أن يهتف به: أنا مقدر كل اللي انت فيه وسايبك تعمل اللي إنت عايزه عشان الموقف صعب، لكن لحد هنا وكفايا أوي يا جمال إنت من اللحظة اللي رفعت عينك فيها لمراتي خسرتني وللأبد!

لمع السكين الملقي جانبًا بعين جمال، وكأن أحدٌ تركه عمدًا ليحدث المراد، جذبه جمال وكل ما يراه عينيه صداقة عُمران العتيقة، علاقته التي دامت معه أكثر من عشرة سنوات، عمرًا يناهز العمر الذي قابل به زوجته، والمؤلم انه يعلم أنه من المحال أن يتقرب لأي فتاة.

ربما أنها من اوقعت به، استدار جمال إليها فوجدها تحاول النهوض عن الفراش لتفر من تلك المهانة التي سقطت بها دون عمدًا، فاذا به يعترض طريقها وبيده سكينًا!

تراجعت للخلف حتى سقطت على الفراش، وتوسلته ببكاء: بلاش ابني يا جمال! أنا بريئة!

قالتها بصوتٍ شاحب وانحنت تحمي بطنها وتبكي بانهيارٍ، رفع ذقنها لتقف قبالته، وقبض على سكينه يستهدف قلبها، فاذا بعمران يدفعه للخلف ويحاول ضرب يده بالحائط ليسقط السكين.

انفلت صراخ جمال الجنوني: سبني هقتلها الفاجرة، ابعد عن طريقي!

هدر فيه عُمران وهو يحاول السيطرة على قوته، فمازال المخدر يضعف بنيته القوية: فوق يا جمال، هتقتل ابنك! محصلش بيني وبينها حاجة فووووووق.

أمسك السكين باصرار ومازال عُمران يرفع يده للاعلى، وفي محاولة لتخليص يده من قبضته سقط سكينه على كتف عُمران محدثًا جرحًا أعلى كتفه، تأوه بوجعٍ وصراخ مايا يعلو: عُمران!

سقط السكين عن يد جمال، وكأن دماء عُمران جعلته يسترد وعيه، فانحنى معه وهو يردد بعدم استيعاب: عُمران!

ومن ثم صرخ: قولتلك اوعى من طريقي! قولتلك هي اللي لازم تتعاقب وتموت!

أمسك يده وردد بصعوبة بالحديث: لا أنا ولا هي غلطنا يا جمال.

ومال على الحقيبة النسائية الملقاة أرضًا وعلى الاحرى تخص صبا، جذبها يخرج هاتفها ومن ثم جذب هاتفه، وضعهما بين لائحته وخطى لزوجته التي ترتعش بخوف.

ضمها عُمران واستكان على كتفها يراقب جمال الذي يتفحص الهواتف بصدمة، لينتبه الآن لفقدانه هاتفه.

سقطت الهواتف عن يديه ورفع عينيه للفراش الذي تلطخ بدم زوجته، اتجه إليها بخطوات متهدجة، منهزمة، لا يعلم ما أصابه فور رؤيتها بتلك الحالة برفقة رجلًا كانت امارات الاعجاب تملأ عينيها إليه.

اقتحم يوسف الشقة يصيح عاليًا: جمال، عُمران!

ولج للغرفة فصعق مما رآه، عمران جالس أرضًا بين احضان زوجته، كتفه ينزف بغزارة، بينما جمال يستكين أرضًا كالأسد الجامح.

بينما الفراش قد تحول لساحة من الدماء، صرخ بهما يوسف وهو يحاول استيعاب ما يحدث: في أيه اللي بيحصل هنا؟!

اندفع تجاه صبا الفاقدة للرعي، يتفحص وجهها النازف بصدمة، باتت الامور منصبة له هو الاخر، فتابع فحصه لها وهو يردد من بين اصطكاك اسنانه: جمااااااال عملت ايه يا مجنوووون!

تفحص يوسف حجم النزيف، وجذب هاتفه مرددًا: نزفت كتير لازم تتنقل العمليات حالًا.

اتصل يوسف بعلي وطالبه بتعجل سيارة الاسعاف، الذي قد سبق وطلبها لجمال، ولحسن حظه بأنها بالقرب منهم.

حملها يوسف واتجه ليهرول بها للاسفل، فاذا بيد تمسك قدمه، توقف عن المضي فوجد جمال يخبره: سبها تموت يا يوسف، دي خاينة!

وكأنه قد اصيب بعقله، جذب يوسف ساقه وصاح به: انت فقدت عقلك يا جمال، ابعد مراتك وابنك في خطر!

ترك عُمران محله وبصعوبة أبعد يد جمال عن قدم يوسف حتى تحرر وهبط للأسفل، استدار إليه ليمنحه نظرة قسمت قلب جمال لنصفين، قبل أن ينطق بكلمتين التصقوا به كالدمغة: خلصت يا صاحبي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة