قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والثمانون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والثمانون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والثمانون

اجتمع الشباب مساءًا بالجيم الرياضي الخاص بإيثان، وعدد من رجال حارة الشيخ مهران، وأغلبهم الشباب، المهتمون لاستكشاف أحدث التطورات التي عمل عليها عُمران بمهارةٍ، ونجح بسرق إعجاب الشباب بما أحدثه من تغيرات ملحوظة بكل ركن بالجيم، حتى أن تأثيره فرق بالألوان والتنسيق وأصغر التفاصيل.

مر آيوب متحمسًا بين الأجهزة الباهظة، ويتبعه يونس الذي بدأت المغريات تجدي نفعًا برفقته، فهمس لآيوب الذي لم يستمع إليه من الاساس: الخواجة شكله مبيهزرش، أنا عن نفسي هبلط هنا وسط الجمال ده كله.
في تلك اللحظة توقف آيوب قبالة أحد الاجهزة، منبهرًا بتفاصيله الملفتة، فاستدار يبحث عن عُمران حتى عثر عليه يقف برفقة جمال وأخيه، فأشار إليه هاتفًا: كابتن محتاجينك هنا لو سمحت.

انسحب عُمران من بينهما واتجه لذاك الذي يحاول بكل عزمه رفع عصا الأوزان، وحينما لمس اقترابه صاح بحماسٍ: الأوزان مش كبيرة ومع ذلك مش بتترفع معايا، الحوار على أيه؟
منع إبتسامة ساخرة من الانبلاج على وجهه، وانحنى بكل غرور يسحب الزر للأعلى، قائلًا بمشاكسةٍ: الحوار ناقص اهتمامك بالتفاصيل يابن الشيخ مهران.

نجح برفع الأوزان بسهولةٍ، بعدما حرر عُمران السلسال، فابتسم وقال يثني عليه بلباقةٍ: أي حوار من غير تفاصيل الطاووس الوقح يبقى ناقص وش.
اشارة تحذيرية من رماديته جعلته يقهقه ضاحكًا: آسف نسيت إن لقبك هيهز صورتك قدام أهل الحارة، فاضلك صلاتين فجر كمان وهنسحب منك لقب البشمهندس ونديك لقبك الجديد، الشيخ عُمران سالم الغرباوي!

وضع يده بجيب بنطاله، ورأسه يرفع عاليًا بغرور، وهو يجيبه: إنت هنا واقف قدام المؤسس الاول للجيم، فأعتقد إنك ذكي وتقدر تفرق أمته تناديني بشمهندس وأمته تناديني عم الشيخ أو الجديد كابتن عُمران.
قهقه ضاحكًا وبصعوبة ردد: اتسحبت من إيثان؟
غمز برماديته وهو يجيب: زي ما الجيم اتسحب منه كده.
نعم! جيم أيه اللي اتسحب مني يا خواجة!

صرخه مستنكرة ترددت على لسان ذلك المتلصص لحديثهما، وعلى ما بدى لآيوب علم عُمران المسبق بوجوده بمحيط حديثهما، هذا الطاووس ليس وقحًا فحسب، يراه الآن ماكرًا، يقرع طبول الحرب ومازل يقف جواره يتابع ذلك الإيثان الغاضب ببرود يستطيع الشعور به إلى جواره.

حل إيثان عقدة جاكيته الرمادي، وكأن الهواء تقلص عنه فجأة: وبعدين قولي أيه حكاية الاشتراك المجاني اللي فتحته للشباب شهر ده، آنت شكلك كده ناوي على خراب بيتي وأنا مش هسمحلك بده
وأضاف بنظرة منفرة: نواياك اتضحتلي يا خواجة وأنا لا يمكن أسكت عنها، فاهم.

تدلى عن بروده ابتسامة جعلت إيثان وآيوب في دهشة، وخاصة حينما رفع يده لكتف آيوب يربت عليها برفق وهو يردد بتثاقلٍ ملموس: ضايف كابتن إيثو من البن الخصوصي بتاعي يا آيوب.
قالها وانسحب من بينهما كنسمة هواء عابرة، لم تصل مضمونها كليًا لإيثان الذي اشتعل كبركان ثائر واستدار تجاه آيوب يعنفه: يقصد أيه بكلامه ده؟!

ضم جاكته إليه يعدل من انكماشه بلباقةٍ، وسأله باهتمامٍ بالغ: فهمني ليه رامي كل اللوم على نفسك، عارف أن الموقف اللي مريت بيه كان صعب، بس نهايته كانت أيه؟

استند على السور الحديدي بتيهةٍ، وكأنه لا يحمل اجابة سؤاله، اتبعه علي وعينيه تسجل كل حركة تسهل عليه دراسة حالته التي يخوضها الآن، وحينما طال صمته، قال: جمال بطل تعيش نفسك في سجن إنت خرجت منه، متبصش على البداية كانت ازاي بص على النهاية، والنهاية كانت سعيدة ومرضية، كسبت مراتك من تاني ومخسرتش صاحب عمرك، ده مخلكش سعيد ومرضي؟!

تنهد بثقل جاسم فوق صدره، واستدار يواجهه بما يضيق صدره: أنا محمل نفسي السبب لكل ده لآني فعلًا السبب يا دكتور علي.
وعاد يتطلع من الشرفة على ازدحام حركة المرور بالحارة الشعبية من أمامه، مستطردًا: طول الفترة اللي فاتت محاولتش أتقرب من صبا بشكل يخليني أفهمها صح، يمكن هي كمان كان غلطها كبير لما حاولت تقارن آ...

توقف لسانه عن استكمال جملته، وتوترت نظراته حينما قبض عليها علي، فتابع بارتباك: أنا يمكن محكتش لحضرتك على كل حاجه، بس حضرتك عارف شخص زيي صعب يخرج كل أسرار بيته برة، عارف إنك دكتور ودي مهنتك، وحتى لو مكنتش دكتور فانت أعظم شخص ممكن امانه على اسرار بيتي، بس أعذرني مش قادر احكي في تفاصيل اكتر، من اللي سبق وحكتهولك، ويمكن حل مشكلتي مع صبا كان بفضل الله ثم بفضلك إنت والوقح.

ضحك على رغمًا عنه، وهدر بسخرية: ياريتك استبعدت مساعدتي ولجئت للوقح من البداية كان زمان الموضوع منتهي من بدري.
شاركه الضحك حتى أحمر وجهه، وحينما انتهى قال بجدية حملت حزنه الصريح: عُمران فعلًا كان عنده حق، سر نجاح أي علاقة هي التعبير عن مشاعرك حتى ولو بابسط الكلمات، وانا كنت بخيل معاها أوي، كنت دايمًا ببص لمشاكلي واللي مطلوب مني على أمل أنها مقدرة وضعي، كنت غلطان.

ربت على ظهره بحنان وقال مبتسمًا: دي بداية تصحيح كل اللي فاتك، مش أي حد يقدر يتغاضى عن أخطاء الطرف التاني ويرمي كل الأخطاء على نفسه.
وأضاف ببسمته الجذابة: هون عن نفسك يا جمال، اللي جاي أنت قادر تغيره وتخليه أفضل.
هز رأسه بخفة ونظرات الامتنان تحف مُقلتيه، وقال: لما بقف مع حضرتك مبستغربش الصفات الكويسة اللي في عُمران ومخلياه عامل زي اللي عنده انفصام.

تعالت ضحكات علي وهمهم ساخرًا: وطي صوتك عشان ميطلعش النسخة الوقحة في مكان رياضي زي ده، فال وحش صدقني.
شاركه الضحك وفاه: وعلى أيه الطيب أحسن!
جذب يونس إيثان، في محاولة لجذبه بالخارج، فدفعه وهو يصيح بغضب: سبني يا يونس، الخواجة ده بيستقوى عليا، ده عايز يخرب بيتي، لما أفتحله الجيم أول شهر مجاني هصرف عليه ازاي!
نجح يونس بتقيد جسد إيثان الضخم، وبتعبٍ نطق: هو إنت يعني كنت صرفت مليم احمر على الاجهزة!

زوى حاجبيه بتفكير، بينما يستكمل الاخير حديثه: اول مرة أحس إنك غبي، بل بالعكس انا بقيت متأكد من كل كلمة قالها آيوب عن دماغ عُمران، دماغ عالية ومتكلفة.
هدأت حركته وتساءل: ازاي يعني؟
تركه فور أن تأكد من هدوئه زافرًا بارهاقٍ: فرهدتني.

وأضاف بعقلانية: انت فاتح بقالك كام سنة، والرجل على الجيم مش أد كده، الناس طالع عينها حرفيًا في مصاريف البيت ومتطلبات الحياة، هيسييوا كل ده وينزلوا يلعبوا رياضة! مع إنها مفيدة جدًا لصحتهم بس مش هيعترفوا بالكلام ده، أيه اللي ممكن يغير معتقدتهم؟
زم شفتيه بمللٍ: أيه يا حضرة المحامي؟

اجابه بنزقٍ من طريقته بالحديث: أبو بلاش، اي شيء مجاني هيشد الرجل عليه، ومش هيحتاج غير شهر واحد عشان يتعود عليه، وخد بالك الاشتراك الشهري اللي حاطه عمران بعد كده مش كتير، مبلغ بسيط بس مكسبه مع زيادة العدد مضمون، وأكيد مخفضش السعر ده الا وهو واثق من المردود والعدد اللي هيخليه يقع في غرام الحديد والجيم، الشخصية دي ذكية بس للاسف بتتعامل مع بكبورت غباء.

وزن حديثه بتفكيرٍ، فحك لحيته النابتة وهو يقول بتردد: بأمانة إنت شايف كده؟
ابتسم وهو يجيبه: بالله العظيم ما شايف غير كده.
واضاف وهو يصعد الدرج عائدًا للداخل: وشايف إنك بتثبتلي كل يوم غبائك بشكل مش طبيعي!
اندمج آيوب بين الاجواء، راق له نوعية الاجهزة الحديثة، حتى استرعى انتباهه جهاز أخر منعزل، يراه لمرته الأولى، اتجه إليه يراقبه بحيرةٍ، فهمس وهو يحك وجنته: وده بيتلعب ازاي ده؟
عينك مش جايبة الا المخاطر!

صوتًا رجوليًا معهودًا إليه، جعله يستدير ناطقًا بفرحة: آدهم!
وضع قالب الكعك الضخم عن يده وصافحه ببسمته المعتادة، هاتفًا: سايبك من كام ساعة وشكلي كده والعلم لله وحشتك!
سحب كفه عنه وقال مازحًا: وباين من طريقة سلامك الرسمية إنك مش طايق تشوف خلقتي، بس انا مش زعلان أكيد يعني يهمك بالفترة الحالية فرحك والعروسة أكتر من اصدقائك.

وخز قلبه لمجرد سماع مزحته، بالكد رسم ابتسامة وقال بشكل جذب استرابة آيوب: وإنت شايفني مجرد صديق يا آيوب.
نجح بالحفاظ على ثباته رغم تأثر جزءًا غريبًا بداخله: لا طبعًا إنت وعُمران قريبين مني جدًا وبقيتوا عندي زي سيف ويونس وإيثان بالظبط.
حانت منه نظرة شاملة لمساحة الجيم الضخمة قائلًا: غلبتني بذوقك يا بشمهندس، عقبال ما نتجمع بمكان تعينك.

اجابه بتحفزٍ: هيحصل وقريب اوي، عُمران نقل اغلب شغله هنا، متتصورش انا متحمس إزاي إني هرجع اشتغل مع أستاذ ممدوح تاني.
عادت نظراته المهتمه إليه، يتساءل باستغراب: إنت عايز ترجع تتكدر تاني يعني؟!
ضحك وهو يخبره: هي بصراحة تكديرة بنت ناس، وكأن حكومتك بتقتص مني إني خدت اعفى من الجيش لاني وحيد، فجابولي البشمهندس ممدوح يخلص حق الحكومة والدولة كلها.

قالها وانفجر ضاحكًا، فشاركه الضحك وقال بغموض: أهو ده المكسب الوحيد اللي أخدته من الليلة دي كلها.
سأله بعدم فهم: مكسب أيه مش فاهم!
باتزانٍ وثبات قال: متأخدش في بالك.
واستكمل بمرحٍ: يعني أجهز نفسي لمكالمات استغاثتك من الاستاذ ممدوح؟

انحنى يحمل الكعكة يتفحصها بتركيزٍ بينما يهتف: لا انا حبيته ومبقتش امل من طريقته، علاقتي بيه شبه علاقة عُمران بحسام السكرتير بتاعه، مطلعين عين بعض بس منستغناش عن بعض، وربك قدر والاتنين هيتشحنوا على مصر مع باقي التيم اللي نازل على مصر.
ضحك بصوته كله وأخذ يراقبه وهو يحاول ازاحه الغطاء عن الكعك، متسائلًا بغرابة: إنت بتعمل ايه؟
أجابه بحيرة: هو إنت عامل تورتة على شكل رفعة الاوزان!

انحنى يهمس إليه بمشاكسةٍ: أمال هعملها على شكل ايه، خلة سنان!
نصب آيوب عوده وقال بانزعاج: بقى تكلف نفسك التكلفة دي وإنت على، وش جواز عشان إيثان المعفن! طيب بمنتهى الشفافية والوضوح لو مجبتليش تورته على شكل هندسي يليق بيا يوم ما تطلع شهادتي هرتكبلك جناية ومش هتعرف تخرجني منها متفقين؟
تمعن به قليلًا وكأنه يحسم أموره: متقلقش بعد فرحي بيومين بالظبط هجبلك أحلى تورتة احتفال بنجاحك يا بشمهندس.

أوضح له: مش هتكون تتيجتي طلعت!
غمز له بخبث: متستقلش بيا، قولتلك هتلاقي نتيجتك والتورتة حاضرة وكلامي نافذ!
بدت السعادة جلية على معالمه، وبمكر سأله: ويا ترى هنستغل منصبك ليا بس ولا للانسة شمس.
ضم شفتيه ساخطًا: هي اللي مخططه للأسف، ولولا إني حاطط حدود للي أقدر أعمله كنت هخالف ضميري وهسربلها الامتحانات.
ضحك آيوب بشدة وقال بصعوبة بالحديث: لو اقنعتك إن الجوازة مش هتم الا لما تنجح كنت عملتها يا آدهم.

هز رأسه مؤكدًا: أكيد كنت هعملها أمال أتكدر مع الوقح اكتر، من كده كفايا عليا الرقصة المنيلة اللي مصمم عليها.
بالمناسبة التدريب هيبدأ من بكره وفي نفس القاعه.
تحكم آدهم بانفعالاته الخطيرة، واستدار يقابل الطاووس الوقح بابتسامة رسمها باحترافيةٍ: وزي ما حطيت شرطك انا كمان كان ليا شرط، فاكره ولا نسيته؟

اقترب منه عُمران حتى قابله بمحل وقوفه: انا مبنساش حاجة يا حضرة الظابط، وممكن أعند قصادك وأقولك إني مش ملزم أحققلك الشرط ده، بس أنا هضمته عشان عجبني.
وأضاف وهو بتطلع لآيوب الذي يستمع إليهما بتوتر من ان تحتد الاجواء بينهما: بكره هنكون كلنا في القاعة عشان حضرة الظابط مش عايز يرقص لوحده فعايزكم معاه.
ابتسم آدهم وردد ببرود: وإنت أولنا يا بشمهندس.
منحه نفس البسمة وقال: أكيد ما أنا المدرب!

وأضاف بغرورٍ: يا ريت متتاخرش لاني بحب الانضباط، ومتنساش قهوتك عايزك فايق للتدريب ولا، إنت عمرك ما اتدربت قبل كده يا حضرة الظابط؟
ضيق عينيه بخبث ماكر: لا طبعًا واخد على التدريبات، بس بالقنابل والاسلحة فبالنسبالي اللي هيحصل ده تفاهة مش أكتر.
أغلق جاكيته وسحب مفتاح سيارته قائلًا: هنشوف بكره.

وغادر من أمامهما مستأذنًا بالانصراف، بينما جلس آيوب وآدهم على إحدى الأرائك، احداهما يغلو غيظًا والآخر لا يصدق أنه سيرى ظابط بقدر آدهم يؤدي رقصة استعراضية على خشبة المسرح، والكارثة أنه سيشاركه الامر، استدار إليه آدهم يتفحصه باستغراب: مالك؟

ابتلع ريقه بارتباك وقال: عُمران مصر على كلامه، الشيخ مهران لو قفشني على المسرح هيكون وضعي ايه؟ أنا أساسًا من وقت ما رجعت بسدن وهو شايفني انحرفت، يقوم يلاقيني برقص على مهرجنات وعلى المسرح! لا أنا مش معاكم.
منحه نظرة ساخرة وقال: ومقولتلوش الكلام ده ليه؟
تنحنح بخفوت وهو يرد عليه: لا انا هبقى أتكلم مع دكتور على وبشمهندس جمال أحسن، هما يعقلوه.
هز رأسه بعدم اقتناع، وعاد يتساءل: أمال سيف مجاش ليه؟

تفحص محل ايثان وعاد اليه يخبره: هو بيطيق ايثان عشان بجي حفلته، ده أنا هتعاقب اني حضرت أصلًا.
ضحك ساخرًا من حديثه: أصلًا!
شاركه الضحك وقال: أصلًا
قطع ضحكاتهما صوت فارس، يدنو إليه قائلًا: عمو آيوب تليفونك بقاله ساعة بيرن، وجدو مهران قالي أجبهولك.
جذب منه الهاتف وهو يقبل رأسه: شكرًا يا حبيبي، يلا ارجع البيت.

تفحص الصغير الاجواء بحماس وخاصة بان جميع المتواجدون رجال، وعلى استحياء قال: هو انا ينفع أقعد معاكم، عايز أتفرج عليهم وهما بيلعبوا على الاجهزة.
مرر آدهم يده على خصلات شعره الطويل وقال: ده مكان مخصص للرجالة وإنت راجل وسيدهم، اقعد هنا جنبنا لحد ما نلاقي يونس.

جلس الصغير جواره مبتهجًا، بعدما عدل آدهم من ياقة جاكيته، واستدار إلى آيوب فوجده يردد باندهاشٍ: ده والدك، رن عليا سبع مرات، ممكن يكون بيحاول يكلمك وموبيلك مقفول عشان كده بيرن عليا.
جذب آدهم هاتفه يتفحصه ثم قال: لا موبيلي شبكته كويسة.
واعاده بجيب سرواله وهو يقول بألمٍ غير ملموس: اكيد عايز يكلمك، يطمن عليك بعد سفرك.
ابتسم وقال: انتوا مكبرين الموضوع كلكم، دول تلات ايام بس.

وأضاف حينما راقب اضاءة هاتفه: اهو بيتصل تاني، استنى ارد.
رد آيوب ليتفاجئ بحزن مصطفى لسفره دون ان يأتي لتوديعه، وأصر عليه ان يحضر برفقة آدهم لزيارته في التو، ولكنه اعتذر له وأخبره بأنه سيأتي صباحًا، وبالكد أقنعه، ومازال تعلق مصطفى الشديد به يثير غرابته، وغموضه!

كان عُمران بطريقه إلى غرفته بالطابق العلوي، ولكنه توقف حينما لمح الضوء ينير غرفة المكتب السفلي، زوى حاجبيه بدهشة، الوحيد الذي يسهر لساعات متأخرة في الليل هو أخيه، ولكنه لم يعود برفقته بل أخبره بأنه سيتجه للمركز يتمم على عمل العمال حتى يسرع بافتتاحه.

طرق على بابه طرقات خافتة، وولج للداخل، فتفاجئ بعمه يغفو على أحد المقاعد ولجواره على الأريكة تغفو والدته بنومة غير مريحة بالمرةٍ، تمتم بخفوت وهو يراقب عمه: كنت لسه هفرح إنك واخد حبس انفرادي ومنه على محكمة الأسرة على طول، ملحوقة يا باشا.

زم شفتيه بحيرة من أن يترك والدته بنومها المؤلم هذا، خاصة وبأنها حامل، نزع عُمران جاكيته وألقاه على احد المقاعد، ثم دنى إليها يحملها بخفة، وإتجه بها للاعلى، فاذا بأحمد يفتح عينيه ويردد بنوم: يعني مهنش عليك أمك وعمك هان عليك ضهره يتقطم من نومة الكرسي يا وقح!
استدار إليه ومازال يحملها: هو أنا اللي نفيتك هنا، ولا أنت اللي شكلك خدت استمارة تسعة بدري يا باشا.

نهض يتجه إليه بضيق: أي استمارة بيأخدها حد من عيلة الغرباوي هيكون مين السبب فيها غيرك يا وقح.
زفر، بضجر: أنا مش فاضي للمشحنات دي، هتأخد فريدة هانم لاوضتها ولا اطلعها أنا!
أجابه بسخرية: طلعها أوضتك أوضتنا مشغولة النهاردة.
رمش بعدم استيعاب، وقال بسخط: ليه، فاطيما غضبانه فيها من على ولا أيه؟!

صرخ بوجهه بعصبية وكأنه قتله للتو: اخرس هو إنت فاكر إن دكتور على شبهك يا أوقح خلق الله، علي! هو في زي على وأدب على وجمال علي!
زم شفتيه باستهزاء: ومين هيشهد للعروسة غير أختها والميكب أرست اللي دعكت البوهية على وشها!
ردد احمد بحزمٍ، وهو يلتقط زوجته من بين يديه: هات فريدة وإطلع نام بره في حديقة الكمبوند، مش عايز أشوفك هنا.

تفحصه عُمران بغموض، ثم قال: يبقى اللي في اوضتك يخصني، ومدام كده يبقى تسيبني أتعامل.
وتركه وصعد للأعلى دون أن يضيف حرفًا أخر، بينما احمد مازال محله يراقبه بنفور، وسرعان ما هدأت نظراته حينما قابل وجه حبيبته، فمال يطبع قبلة على رأسها وهمس: انا بقول نسيبهم يحلوا مشاكلهم مع بعض ونطلع نريح إحنا.
واتجه للاعلى ومنه لغرفة عُمران تاركًا كلتهما تواجهان مصيرهن.

يديها مكبلة بساقيها معًا، بينما فمها مقيد بحجابها، ومن أمامها يجلس عُمران واضعًا قدمًا فوق الاخرى، يهز مقعده وهو يتفحصها بملامح جامدة يخفي من خلفها ضحكاته.
وبين يديه يضع حزامه الثمين، يطرق به فوق يده الاخرى فترتعد من أمامه، حرك عُمران المقعد وكل هزة تسقط فوقها كالسوط، وعينيها تجوب تلك التي تغفو على الفراش بسلامٍ سيتحول لهلاكها فور أن ينتهي منها.

حطم صمته المخيف حينما قال: بقى إنتِ مش عاجبك إني عايز أعملك فرح اسبشيل وراحه تشتكيني لعلي!
ارتابت شمس لأمره وأخذت تهز رأسها بالرفض التام لما يقال، فاستطرد عُمران بغضب مصطنع: أنا عاملك قيمة وبحطله شروط وعقبات عشان يعرف قيمتك ويبقى ده جزاتي!

حاولت الحديث من خلف لثام فمها، ولكنها لم تستطيع، فدنى إليها ينزعه عنها، فصاحت تبرر: عُمران حبيبي أنا مفيش حد بيهتم بيا ولا بأي شيء يخصني غيرك، دي كانت لحظة شيطان وراحت لحالها، عارف إنت لو فكرت كويس هتلاقيني دايما بلجئ ليك عن علي، لانك كول كده وشيك وظهورك معايا باي بارتي بالجامعة بيعلي من قدري، طيب هقولك على حاجه ده انا من حبي فيك كنت بتعمد إني أخليك توصلني الجامعة عشان البنات كلها تشوفك ويتقربوا مني عشان يوصلولك فكانوا بيغششوني كل امتحان عشانك، وبالرغم من انهم قطعوا علاقتهم بيا بعد ما اتجوزت الا إني مازلت بحبك لانك أخويا تقوم تتهمني الاتهامات دي.

جحظت رماديته في دهشة، وقال: كل ده يطلع منك يا شمس! وانا اللي فكرك ملاك بريء زي علي!
هزت رأسها نافية لما قال، وعدلت ظنًا من أنها ستحوز على، اعجابه: أنا طالعه ليك وشبهك أووي، ركز إنت بس وهتلاحظ ده.
وأضافت برجاء: فكني بقى يا ميرو.
أجابها بحدة ووعيد: لا يا روحي خليكي كده لحد ما أستقر على عقاب مناسب ليكِ بس الأول أشوف اللي نايمة أخدة راحتها دي، وراجعالك تاني متقلقيش.
همست برعب ورجفة تكتسحها: خد راحتك.

استدار ضاحكًا دون أن يخرج منه أي صوت، واتجه لفراش والدته حيث تغفو مايا براحة وكأنها لم ترتكب أي جرم هنا.
جلس جوارها يراقبها بحيرة، يخشى ان يفزعها، وقتما اقترب من الاريكة التي تتمدد عليها شمس وجدها تفتح عينيها بانزعاج، وما أن رأته حتى كممم فمها وقيدها، والإن تجلس على نفس الاريكة دون قيد فمها تحاول أن تفكر جيدًا إن أيقظت مايا ماذا سيفعل بها عُمران لذا تحلت بالصمت وجلست تراقب ما سيفعله بها.

تقلبت مايا بمنامتها وفتحت نصف عين، فوجدته يجلس جوارها، منحته ابتسامة سلبت دقات قلبه، وهمست بنومٍ: عُمران!
ضحك رغمًا عنه وهو يعيد جملته المعتادة حينما تناديه: حبيب قلبه!
اتسعت ابتسامتها وقالت والنوم يعود لجفنيها: أنا بحبك.
تعالت ضحكاته وقال بشرٍ أيقظ عقلها: مهو لازم نتصافى الأول عشان أعرف أحبك يا بيبي!
رددت وكأنها تتذوق معاني جديدة لكلماته: نتصافى!

اتسعت نظراتها إليه ومن ثم للخزانة المقابلة لها، وعادت تتطلع له باسترابة: إحنا فين يا عُمران؟
فعل ملامحه الجامدة باجتيازٍ وقال: منتظر الاجابة من جنابك مايا هانم!
اتجه بصرها للامام فرأت شمس التي تطالعها بنظرات ساخرة وهتفت: ده وقته حب وسهوكة، قومي انفدي بجلدك!
انتفضت بالفراش وكأنها تعود لوعيها الآن، تراقب هدوئه بفزعٍ، وبتيهةٍ قالت: مش أنا اللي اشتكيت لعلي، دي فكرة شمس أنا بريئة.

رددت شمس بغيظ: ندلة طول عمرك.
أجابتها مايا بغضب: المفروض تخافي عليا أنا حامل!
قاطعهما عُمران قائلًا بسخرية وهو يضع قدمه فوق الاخرى: وإنتِ مخوفتيش يا نفسك ليه؟ وبعدين مش انا قايلك اللي بينا يفضل بينا وسبق واتكلمنا عن حوار غيابي الكتير ده ولا إنتِ بتحبي الكلام كتير يا بيبي؟
هزت رأسها وأسرعت بالنطق: أنا آسفة.
واضافت شمس: وانا كمان.

وزع نظراته بينهما باستمتاعٍ ثم قال: بتعتذروا بنية إنكم عرفتوا غلطكم ولا، خوف مني.
أسرعت مايا إليه تخبره بصدر رحب: لا انا غلطت واعتذرت، ممكن أنام بقى؟
ابتسم وقال: نامي بس عشان خاطر ابني، مهو مش هينفع يتعاقب بعقاب أمه.
هدرت شمس بانفعال: هي سامحتها عشان خاطر ابنك وأنا يا بشمهندس؟

نهض عن الفراش وأتجه إليها، جلس جوارها وقال بخبث: ما انا لازم أسامحك انتي كمان، وهعتبرك بنتي الصغيرة اللي غلطت يا ستي ها مرضية كده.
هزت رأسها بتأكيد، وبابتسامة واسعة رددت: جدااا، فكني بقى.
رد عليها بنفس ابتسامته: انا سامحتك أه بس مش هفكك.
تجمدت ابتسامتها وهدرت: يعني ايه؟

انتصب بوقفته يشير لزوجته التي أتت سريعًا اليه، احاطها بذراعه واتجه بها للخروج قائلًا: هبعتلك اللي يفكك وبالمناسبة أنا ومايا هنام في أوضتك النهاردة، تصبحي على خير.
جحظت عينيها صدمة وصرخت بانفعال: فكني، عُمران!
أغلق الباب من خلفه وما هي الا دقائق معدودة وولج على إليها، تهللت اساريرها وقالت بفرحة: كنت عارفة أني مش ههون عليه وهيبعتلي حد.

ازاح على الاربطه عنها، حتى انتهى، وقال: وأنا الحد اللي مش هيخلص من حل المشاكل.
ونهض يشير لها: نامي بعمق كلها 24ساعة وهتزفي بالأبيض لعريسك.
ابتسامة عاشقة رسمت على محياها، انقطع طول المسافات بينهما ولم يتبقى الا يومًا واحد لتصبح زوجته.

أغلقت فاطمه الهاتف بعدما انتهت من مكالمتها مع شقيقتها، ولاول مرة تبدأ بالتحدث إليها عن امورها الشخصية، فأخبرتها عن تناولها لموانع الحمل لعدم رغبتها بالحمل، ولكنها استنكرت فعلتها وراتها مخطئة بفعلتها، خاصة بعد ان من الله عليها بزوج مثل علي.
فتح على باب غرفته وولج للداخل يبحث عنها، فوجدها تقف بالشرفة، وما ان رأته حتى تسائلت: اتاخرت ليه يا علي؟

نزع حذائه واتجه إليها يجيبها: كنت بالمركز بمر على العمال، حابب أبدا شغل على طوول، وطبعًا خطوة إن يوسف بقى شريك معايا دي حمستني فوق الوصف.
تذكرت امر ليلى فسألته باهتمام: هما هينزلوا مصر، مش ليلى اتمنعت من السفر عشان حالتها!

جذب بيجامة من خزانته وقال وهو ينزع جاكيته عنه: يوسف كلمني النهاردة وقال إنها بقت احسن، بس عشان ميحصلش مضاعفات هينزل هو لوحده يحضر فرح آدهم وهي هتحصله بعد اسبوع، هروح أستقبله الصبح في المطار إن شاء الله.
كده أحسن عشان الحمل يثبت بعد اللي حصلها.
قالتها بارتباك ومازال عقلها شارد بحديث شقيقتها، ترك على البيجامة عن يده وسألها بشك: انتِ كويسة؟

أجابته ببسمة زائفة: أنا بخير الحمدلله، لسه بس مخلصة مراجعة حسابات أخر ملف وتعبت جداا.
واتجهت للفراش قائلة بحزن: تصبح على خير.
بقى محله يتأملها، يعلم بأنها ليست على ما يرام ولكنه أحق العلم بالاوقات التي تمكنها من الحديث، توجه على لحمام الغرفة أبدل ثيابه وخرج يتمدد جوارها، بينما توليه ظهرها، انقضى الوقت ولم يشعر بغفوتها مثلما تحاول أن تتدعي، فحطم لجام صمتهما قائلًا: مالك يا فطيمة، فيكِ أيه؟

مالت بجسدها إليه فرأى دموعها، تلاقت عينيها به وقالت: زينب قالتلي إني بظلمك معايا يا علي، أنا أنانية.
قالتها ونوبة البكاء تستحوذ عليها، جذبها إليه وهو يتطلع إليها باستغراب: ظلم أيه يا فطيمة!
أجابته بقهر: إنت من حقك تكون أب.

علم مقصد حديثها، فتنهد بقلة حيلة، وأزاح دموعها ثم قربها إليه تغفو على صدره، انتظر، حتى هدأت قليلًا، وقال بهدوءٍ: مفيش حد في الكون ده هيفهمك أدي يا فطيمة، مش عايز أغلط زينب في اللي قالته ولا ألومك إنك بتفضفضي بس اللي عايزك تعرفيه إني فاهم ومقدر كل اللي مريتي بيه، حتى لو اللي حواليكي معندهمش استيعاب للي عشتيه!، أنا مستوعب ومقدر، ومستحيل هقبل أنك تعيشي في الضغط ده كتير.

تعلقت به بقوة، وشد هو من ضمتها كأنه يخبرها الا تقلق سيظل بجوارها، ردد قائلًا بعشق: أنا مش عايز غيرك وواثق إن ربنا هيفرحني منك بطفل بس كلها مسألة وقت، ومش مستعجل أبدًا، فأرجوكِ بلاش تهدي كل خطوة بننجح نتخطاها في علاقتنا.
وابتعد برأسه للخلف ليتمكن من رؤيتها: أنا بحبك ومتقبل كل قرارتك يا فطيمة، وعمري ما هكون ضدك في يوم من الايام.

ابتسمت وشعور الراحة يعانقها، فمسحت برأسها على صدره كأنها تتوسط وسادتها المريحة، فابتسم وأحاطها بكل حب، حتى غفت براحة وبقى هو هائمًا بالفراغ، الجميع لا يقدر الحالة التي تعرضت له فاطمة، كونه طبيبًا يعلم أن تجاوز الامر ليس هينًا بالمرة، بل قد يحتاج إلى سنوات إن ساء الأمر، وكونه عاشقًا قبل أن يكون طبيبًا سيكون صبورًا بكل تأكيد.

سطعت شمس يومًا جديد حافل باحداث هامه، ووقف السبعة شباب قبالة عمران وايثان يتلقنون خطوات الرقص، حتى انتهوا باستراحة قصيرة، فإذا بصوت يقتحم مجلسهم هاتفًا: يعني محدش فيكم قابل يطلع معايا على، اغنية لو كانت لعبة حلوة كان زماني لعبتها؟
قالها إيثان بتذمرٍ، وهو يتجول على منصة المسرح بين السبعة شباب المستلقون بانهاكٍ، حاملًا هاتفه بين كفه.

اشرأب جمال بعنقه ليصل إليه، وقال بانزعاج: أهو ده اللي ناقص نطلع نتراقص على الفيسبوك!، مش كفايا اللي بنهببه هنا ده!
صاح سيف بانفعالٍ: ما تشوف صاحب ابن عمك ده يا آيوب، مستحملينه ازاي ده يا أخي!
مال بجانبه وردد بارهاقٍ
يونس ما تأخد إيثان تفسحه وتدلعه وتعملوا التريند اللي عايزه مع بعض بره.
منحه نظرة قاتلة، وعاتبه بسخرية مضحكة: عايزني أترقص معاه على الملأ يابن الشيخ مهران!

ضحك وهو يخبره: ماحنا كده كده هنعملها يابن عمي!
ركض اليهما ايثان وتمدد جوارهما، قائلًا بحماسٍ: اقنعوا عُمران يعمله معايا، هو أنسب واحد فيكم، شكله كاريزما وشيك، والاغنية هتأكل عليه.
وتابع بتمني، بعد ان تراقصت أحلامه: يمكن الفيديو يضرب وأبقى يوتيوبر بيقبض بالعملة الصعبة.
حدجه آدهم بنظرة مغتاظة، وردد: هو إنت جاي تحقق أحلامك الحقيرة في فرحي ولا أيه؟ أوعى تشد مع عُمران، ده ممكن ياخدها تلكيكة ويلغي الفرح.

زحف إليه، وقال ببراءة مصطنعة: ليه بس ده هو فيديو واحد.
كبت يوسف ضحكاته وقال: الاغاني حرام عندنا يا أخ إيثو، وإنت ما شاء الله عليك عايز غنى ورقص وتصوير! بقى ده منظر استقبال تستقبلوه ليا بعد السفر ده، عايزين تلبسوني مع الطاووس!
لوى سيف شفتيه بتهكمٍ وقال: مش عارف جايبنه منين ده، وبعدين بأي حق يدربنا على الرقصة وهو أساسًا أسوء واحد فينا؟

تعالت ضحكات آيوب بسعادة لقصف سيف جبهة إيثان، فضربه كفًا بكفه مرددًا: ده حلال فيه قصف جوي وبري وبحري، اضرب وميهمكش يا دكتور
همس يونس لآيوب يحذره: لو ايده طولت عليك معرفكش، والخواجه صاحبك مختفي من وقت الاستراحة شوف مين هيدافع عنك بقى؟

تجاهل إيثان حديث الجميع، وانتصب بوقفته بمنتصف الدائرة التي تضم أجسادهم الممددة هاتفًا باصرارٍ: بقولكم عايز أبقى تريند وأقفش دولارات، اتصرفوا وخلوا عمران يصور معايا، ويأخد الفيديو شير عنده دي صفحته عليها أكتر من أربعة مليون متابع!
استند علي على ذراعه وقابله بابتسامته الهادئة: عُمران مستحيل يعملها يا إيثان.

أضاف جمال ساخرًا: عمران يطلع يهز على العام ويفضح نفسه وينزلها على صفحته! إنت الخمرة عندكم حلال ولا أيه يالا!
حك جبينه بابتسامة خبيثة، وقال بثقة: واللي يخليه يعملها؟
أتاه ردًا لاذعًا من خلفه يجيبه: أعمل أيه يا حيلة أمك!
ارتعب إيثان فور أن رأى عُمران قبالته، فتنحنح وهو يدعي نوبته الزائفة من السعال، متمتمًا: متفهمنيش غلط يا خواجة ده انا كنت بدردش مع صاحبك اللي لسه واصل جديد ده.

هز يوسف رأسه وقال: بالظبط كده الاخ يوساب كان بيتعرف عليا.
احتقن وجهه من الغيظ وقال: إيثان يا دكتور يوسف إسمي ايثان.
ضم كتفه وقال بمزح: هنتعرف الايام جاية متقلقش.
من خلفهما ناداه سيف بغضب: يوسف تعالى هنا فورًا.
ترك يوسف ايثان واتجه للخلف، فوقف جوار آيوب الذي يكبت ضحكاته بصعوبة، بينما همس جمال بسخط: ضرة سيف الجديدة!

اجتماع سري تم بأحد الدول التي تشبه بغطرستها فرعون الذي كانت نهايته آية، ومصيرها شبيه به، كان يُعقد اجتماع سري منصوب على اختفاء الميكروفيلم، واختفائه اهانة صريحة للخنازير والدولة اللعينة التي توفر حماية لهم، أميركا ملجئ الخنازير وداعمة اي ثغرة تمس الدول العربية.

اتحدوا معًا اليوم للحصول على ما سيجعل مصر ذليلة خاضعة لمخططاتهما الدنيئة، كما يتوقعون بسيناريو فانتازي لن يحدث يومًا، ليس لان بها ظباط شجاعتهم ترهب الغرب قبل ان تسمع، بل لقول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أنها ستظل آمنة إلى يوم القيامة.
انتفض رأس الافعى يردد بغضب: كيف اختفى الميكروفيلم فجاة وبتلك السهولة!

أجابته الجهة الاخرى من مجمع الخنازير اليه. ود: لقد امناكم على تلك المهمة، إفعل أي شيء للحصول عليه مجددًا.
تلفظ احد عناصر المخابرات الامي. ركية: لدينا معلومات أكيدة ان الميكروفيلم لم يصل إلى مصر حتى الإن.
صاح أحد من الخنازير: بالطبع لن يكون عودته بتلك السهولة، علينا البحث جيدًا بالرحلات واسماء المسافرين بيوم اختفاء الميكروفيلم.

أجاب أحد ظباط الأفعى: ولنستبعد أي رحلة خرجت لاحدى البلدان العربية، من المؤكد أنهم سيسافرون الى مصر عن طريق دولة أوروبية أخرى!
انتهى عدي من حزم أغراضه ومتعلقاته الشخصية، ثم جذب الميكروفيلم يقدمه لمن يقابله بنظراتٍ قاتمة كسواد الليل، وقال بغموض تام: طبعًا إنت عارف هتعمل أيه؟

منحه ليل نظرة مطولة، والتقط الميكروفيلم ثم فرد ذراعه يستقبل طائره عُقاب وبدون كلمة واحدة انطلق بمئزره الاسود وخطاه السابق للموت لطريق مجهول، خطة محكمة وضعتها الاستخبارات المصرية ببراعةٍ، وتركوا التنفيذ لمجموعة من أمهر ظباط الجهاز.

ليلًا في منزل آدهم، كان يجلس برفقة والده على سفرة الطعام وبجواره آيوب بعد ان أصر مصطفى على ان يمضي الليل برفقتهم ويبقى لليوم التالي متحججًا أن آدهم يحتاج أليه ليكون بجواره بيوم زفافه منذ الصباح، وبالرغم من ان الشيخ مهران كان حزينًا ولكنه لم يبدى عليه ذلك ولم يمنع آيوب عن ذلك، بالنهاية هو أبيه ويمتلك الحق لذلك.

راقب آدهم ضحكات أبيه بابتسامة حنونة، يرى بعينيه سعادته البادية لوجود آيوب الذي قال بحرج: مكنش له لزمه إني ابات، كنت هاجي الصبح بدري على، طوول.
اجابه مصطفى بلهفة: يعني سافرت تلات ايام ومعرفتش الا من عمر، رجعت ومعبرتنيش حتى بعد ما رجعت، ومستكتر، عليا يوم تقضيه معايا.

طالعه آيوب باستغراب من نبرة الحزن الغريبة بصوته، فأسرع آدهم يمازحه ليبدد تفكيره: إبسط يا بشمهندس أبويا بيعزك وبيحبك اكتر مني، ده مش بيعمل كده لما بسافر.
وأضاف بابتسامة واسعة: خلاص لما أسافر لشهر العسل هدي لايوب مفتاح البيت يجي يقيم معاك.
سبقته لهفته بالحديث: يا ريت يابني والله.
ابتسم آيوب وقال يجامله: انا عنيا ليك يا والدي والله.

نهض آدهم يحمل اطباق الطعام للمطبخ، وتلاه آيوب يناوله الاطباق والاخر يرصها بغسالة الاطباق حتى انتهى من تنظيفها، بينما صنع آيوب أكواب القهوة الشهية، وجلسوا يرتشفونها واجواء المرح تحوم بهم، حتى اشار مصطفى لادهم قائلًا: الوقت اتاخر طلعني لاوضتي يا عمر واطلع انت وايوب ارتاحوا ورانا يوم طويل بكره يا عريس.

جذب آدهم هاتفه وبحركة غير ملموسة اعتادها جعل الهاتف المنزلي يصدح فور ان اتصل به من هاتفه، فقال وهو يتجه للردهة: طلع بابا الاوضة يا آيوب، وانا هشوف مين بيتصل.
وضع كوب القهوة وأسرع لكرسي مصطفى مرددًا بكل سرور: عنيا حاضر.

رفع آدهم سماعه الهاتف القريب منهما يدعي انشغاله بالحديث وعينيه الحزينه لا تفارق صعود آيوب بمصطفى الاسانسير المصنوع من الزجاج الشفاف، ابتسامة والده وفرحته بمرافقة آيوب اليه لغرفته جعلته يبتسم ويتمنى لو ان يتمكن من سد تلك الفجوة التي ستحدث بينهما لا محالة.

عاد للمقعد مهمومًا، غدًا زفافه، وبعد الغد سيسافر بعد ان تقدم موعد سفره بعدما تلقنوا بسرعة تحرك العدو الى ميلانو والدول المجاورة، لذا عليه الآن أن يكشف الحقيقة كاملة إلى آيوب، سينتظر قبل سفره بساعات، هو مرغمًا ولا يمتلك أي مجال للفرار من حقيقة الامر.

عاون آيوب مصطفى حتى تمدد بالفراش، وناوله الادوية وزجاجة المياه، انتظر فور أن انتهى من تناول الدواء ثم مدد الغطاء على جسده وسأله بحنان: مش عايز اي حاجة اعملها لحضرتك؟
بابتسامة وأعين تلمع من الفرحة قال: كتر ألف خيرك يا حبيبي، يلا روح نام وريح الوقت اتاخر وهتقوم مع عمر بدري.
ردد بدهشةٍ: عمر! آآه تقصد آدهم.
ضحك وقال: مع اني مش بحب الاسم ده بس لاجل عيونك نمشيها آدهم.

ابتسم آيوب وقال بمحبة: الاسمين حلوين بس آدهم لايق عليه وبحب أناديله بيه بصراحه.
هز مصطفى راسه بتفهم وقال: خلاص مختلفناش ولو مكنش شحط كده كنت روحت وغيرت اسمه لاجل خاطرك.
اتسعت ابتسامته واتجه للخروج قائلًا: تصبح على خير.
لاحقته نظراته بلهفة، وهمس بحزن: وانت من اهله يا حبيبي.

اغلق آيوب الباب من خلفه وتفحص الطابق العلوي باحثًا عن آدهم بحيرة، فوجده يخرج يخرج للتو من المصعد، رنا اليه وسأله باهتمام: بابا أخد أدويته؟
أومأ برأسه إليه: أخدها ونام خلاص.
ربع يديه أمام صدره وأشار له بمشاكسة: هتنام معايا في أوضتي ولا تنام في أوضة لوحدك عشان سيف ميقتلكش؟
توالت ضحكاته الرجولية وقال بمكر: انت عايز تسبني لوحدي في فيلا طويلة عريضة زي دي وتطلع في الاخر ملبوسة بالاشباح.

سقط آدهم من الضحك وقال: مفهاش غير شبح زوبة!
انتفض بوقفته يهتف بصدمة: زوبة! روحني من فضلك العمر مش بعزقة هو!
أشار له باتباعه هادرًا: تصدق صعبت عليا وهخدك تبات معايا، تعالى.

لحقه آيوب، ولج خلفه للداخل، فانبهر من الحائط الشاهد على عدد لا بأس به من تكريماته، وقف يراقب كل وسام ببسمة محبة وفرحة كأنه تواجد في كل مناسبة كُرم بها، ومن خلفه يراقبه آدهم بحزن حفر بوضوح على معالمه، وما أن تقابلت اعينيهما حتى خرج للشرفة، فلحقه آيوب يجاوره بوقفته، يطول صمتهما حتى قال آيوب: انا متأكد إنك مخبي حاجة ومش من يوم ولا اتنين، تقريبا من وقت ما جينا مصر!

التفت إليه يتمعن به، ثم قال: وأيه اللي مخليك متأكد كده؟
اجابه بعنجهية: مش ظباط المخابرات اللي عندهم الحاسة السبعه بس يا حضرة الظابط، ها هتعترف ولا أوفر طاقتي للرقصة المنيلة بتاعت بكره؟
ضحك حينما تذكر حركاته البهلونية بالرقص الشعبي، وقال من بين ضحكاته: لا هقولك.

استدار اليه متلهفًا لسماع ما سيقول، سحب آدهم نفسًا عميقًا يلجم به جرحه النازف، ثم قال: أنا ماليش في الدنيا دي غير بابا، هو كل حياتي، وفوق كل ده أنا واخده قضوة ليا، طول عمري بشوف الحلو اللي، فيه وعمري ما شوفته بيعمل حاجه غلط، عشان كده لما اكتشفت انه ارتكب ذنب كبير في شبابه كنت مش قادر أستوعب بس للاسف غفرت وسامحته حتى لو مكنتش الطرف الاساسي اللي يملك الغفران.

بالرغم من حديثه المبهم الا انه قال بحكمه: بتقول في كلامك إنه في شبابه يعني بالماضي يا ادهم، ومهما كان ده أبوك ولازم تسامحه وتكون جنبه.
تمعن به قليلًا وقال ببسمة ألم: حتى لو كان ذنبه انه اتخلى عن أخويا الوحيد.
برق بدهشة وردد: أخوك!
وأضاف باستغراب: بس إنت قولتلي قبل كده انك وحيد.

هز رأسه بتأكيدٍ وقال: ده اللي كنت عارفه، لما رجعت من مصر معاك صارحني وقالي آنه كان متجوز على أمي الله يرحمها، بس مقدرش يواجهها بعد وفاة زوجته التانية اختار يكمل حياته معاها ومعايا واتخلى عن ابنه التاني، ولما فاق من غفلته وقرر يسترده معرفش، وعاش في عذاب طول عمره لحد ما اشتد عليه المرض فصارحني وطلب مني ادور عليه وارجعهوله
رمش بعدم استيعاب لما يخبره به، وتساءل في حيرة: وإنت لقيته؟

أدمعت عين آدهم بوضوحٍ جعل الدموع تلتمع بعين آيوب تلقائيًا تأثرًا بحزنه الواضح، فخشى ان يكشف امره لذا قال وهو يتطلع للامام: لقيته أيوه بس معنديش الجرأة اني اوجهه بالحقيقة.
سأله من جديد بتوتر: هو انت تعرفه يا ادهم؟

يزداد خوفه من انكشاف الامر، فقال: آآ. لا معرفوش بس بشوفه من بعيد لبعيد. مهو مش معقول هروحله واقوله اني أخوه، وكمان هو ميعرفش حاجه لانه عايش مع ناس مسجلاه على اسمهم يعني حياته طبيعية مش مشكوك انه مش ابنهم، ولو اتكلمت هكون بدمر حياته وبايديا.

لم يستطيع الوقوف على قدميه طويلًا جلس على المقعد القريب من الشرفة الحديدية، وقبالته جلس آيوب يحاول استيعاب كم الألم المختبئ خلف شخص آدهم، ازدرد ريقه وقال: بص يا آدهم الموضوع صعب ومؤلم، انا عارف إن والدك غلط غلطة كبيرة جدااا بس مهما عمل فهو تاب ومعترف بغلطه، ومن ناحية تانية في اخوك اللي اكيد حياته مكتملة وحقيقية زي دي هتدمره ومش بعيد يكره والدك، هيكون صعب عليه لما يعرف بس بردو سكوتك أكبر غلط متنساش إن ده اختلاط انساب، وكمان والدك لو عرف انك عرفت مكان ابنه ومخبيه عنه مش هيسامحك، اديله الفرصة انه يروح لابنه ويطلب منه السماح يمكن ربنا يحنن قلبه عليه ويغفرله.

انهمرت دمعة من عين آدهم، واخشوشنت نبرته: أنا اللي خايف منه إنه يحملني انا الذنب ويكرهني يا آيوب.
وضع يده فوق كفه وقال بحزن: أخوك لو عمل كده هيكون غبي، أنت زيك زيه مالكش ذنب في أي حاجة.
لفظ الهواء الساخن داخله وقال: بتمنى ده اللي يحصل.
ربت على كفه مجددًا: سلم أمرك لله، وباقرب وقت جمعهم ببعض وربنا هيحلها من عنده.
ونهض يشير اليه: قوم خلينا تتوضا ونصلي الفجر عشان نلحق ننام ساعتين قبل الفرح يا عريس.

ابتسم وأشار له: يلا.
فستانها الأبيض يتدلى من خلفها كالفراشة التي تضم جسدها المتناسق، ومن امامها وضع حجابها ولجواره بعض مساحيق التجميل البسيطة، انتهت بوضع التاج اعلى الحجاب، ووقف تترقب لحظة دخول أشقائها.
ولج على للداخل وبرفقته عمران، وعلى يسار كلا منهما زوجته، ومن خلفهما أحمد وفريدة التي ضمتها بكل محبة وقالت: طالعه زي القمر يا حبيبتي.
بينما قال احمد بفرحة: مبروك يا شمس ربنا يسعدك ويفرحك يارب.

ضمتهما معًا وقالت بدموع: ميرسي يا أنكل.
اقتربت منها فاطمة تمسح دموعها قائله باستنكار: في عروسة زي القمر كده تعيط يوم فرحها وتبهدل الميكب.
ردت مايا عليها: شمس هانم الغرباوي اللي هنضطر نستعين بحد بروفشنال يظبطلها الميكب ده ولا أيه يا عمران؟
دنى إليها عمران يضمها بكل محبة ودموعه تختلج رماديته، قائلًا بتأثر: هتسبيني يا شمس؟

احاطته ببكاء مزق قلوبهم، وعينيها تنجرف تجاه على الذي يطالعها بحزن شديد، لقد منح كل الحق لعمران حينما كان يحاول أن يفرقهما خشية من ذلك الفراق، فسرعان ما ازاح دموعه واقترب يضمها قائلًا: مبروك يا شمسي.
باتت بين ذراعي أشقائها الان توزع نظراتها بينهما بانكسار، فجلست على مقعد السراحه تنهار بصوت جعل فريدة لا تحتمل ومالت على كتف زوجها تبكي.

انحنى على قبالتها وقال وهو يجاهد للتبسم: أمال لو كنا في لندن بقى وسبناكي تيجي مصر لوحدك! احنا معاك وجنبك يا شمس، مش كده ولا أيه يا عمران؟!
يطالب دعمه والاخر يبكي جوار السراحه ويخفي دموعه بالكد، ازاحهما واتجه للسراحه يحمل بغض ادوات التجميل وجلس قبالتها يعيد تزينها بخفة وببسمة يرسمها بالكد، قائلًا بصوت احتبس فيه كل وجعه ودموعه: لو عيطتي هتبوظي اللي هعمله ولعلمك مش هعدلك تاني.

وأضاف يمازحها: ممكن ببساطة تطالبيني بالغاء الحفلة وانا عنيا ليكي هنزل اطرد حضرة الظابط وأفضها وأنا نفسي في ده بصراحه.
صرخت برعب: لا لا مش هعيط أهو.
ضحكوا جميعًا فقال بسخط: معرفش عملك ايه الجزار ده!
انتهى من تزينها وعلى يستند على الحائط يراقبها بابتسامة جذابة، كأنه يرى ابنته الصغيرة تزف اليوم إلى عريسها.

انتهى عُمران وانتهت فريدة من تزينها بالمجوهرات الثمينة العائدة لتراث عائلة الغرباوي، وقدمتها لاحمد الذي بادر بتسليمها لعريسها، وكأنه الأب الحقيقي لها.
خفق قلب آدهم طربًا حينما رآها تقف قبالته، اغلق جاكيت بذلته السوداء الانيقة واتجه يتلقف يدها برقة تنتاهى مع جمالها الرقيق، ومضى بها للقاعة المباشرة لغرفة العروس حيث اجتمع عدد صخم من المعازيم واغلبهم من الشرطة والمناصب المرموقة.

اوصلها آدهم للمنصة وجلس جوارها لثلاثون دقيقة، وما ان تلقن اشارته من إيثان والشباب وراقب انطفاء الضوء حتى اتجه لغرفة تبديل الملابس ولحق الشباب للمنصة.
وقف السبعة شباب قبالة عُمران و إيثان، يتلقون تعليماتهم بنفورٍ، وخاصة حينما شدد إيثان بتحذيرٍ، وكأنه يعدهم لسباقٍ دوليًا خطير: مش عايز غلطة، تتحركوا مع الايقاع مع بعض، ممنوع حد يسبق ولا يغلط في حركة بذات انت يابن الشيخ مهران، سااااامع!

حك آيوب وجهه المحتقن، وهدر منفعلًا: ما خلاص يا عم هو إنت بتدينا دروس تقوية! وبعدين مهرجان أيه اللي عايزيني أرقص عليه، أبويا في الفرح بره هيقتلني لو شافني برقص!
واسترسل وهو يحرر الجرفات عن عنقه بضيق: وبعدين أنا عمري ما لبست بدلة وبصراحه شيء خنيق زي دمك السم بالظبط.
احتقنت اوردته غضبًا فكاد بهبوط الدرج القصير ليصل له، ردغه ذراع الطاووس الوقح محذرًا: مكانك لأفرمك، قولتلك آيوب لأ.

شكى له كالطفل الصغير: منتش سامعه يعني!
أشار بيديه بثبات قاتل وسخرية مضحكة: عيل وغلط، نفهمه بالراحة.
زفر يوسف بسخطٍ، ودفع علي بيده: ما تشوف اخوك يا دكتور علي، احنا دكاترة لينا إسمنا، مينفعش نطلع نتراقص بره قدام الخلق.
ضحك جمال وهمس ساخرًا: يعني حبسنا هنا على الاستيدج بقاله عشر ساعات وجاي تتكلم قبل العرض بدقايق!

اقتحم سيف دائرتهما وصاح بعصبية: طيب دكتور على اخو العروسة وده حقه، يوسف اخويا صاحب الوقح ده ومن حقه يجامله، بشمهندس جمال الصديق المقرب ومن حقه بردو يجامل، آيوب وابن عمه الطيب ده وهنقول الطاووس الوقح صاحبهم ومن حقهم يجاملوه، حتى جامباز غريب الاطوار اللي نازل شخط فينا من يوم ما نزلنا مصر ده وقولنا ماشي، العريس اللي سايب عروسته بره من اول الفرح وواقف معانا بالقوة ده وبردو ماشي، انا بقى لزمتي أيه هنا أفهم!

منحه عُمران نظرة جامدة، وقال ويديه تتربع أمام صدره: عشان أنا عايز كده، ارجع مكانك واستعد يا سيفو بدل ما أطلعك المسرح ولوحدك من غير الشباب!
تنهد على بقلة حيلة: مش كفايا فقرة الموتسكلات يا عمران، لو رقصنا على المهرجان ده فريدة هانم هتعاقبنا عقاب جماعي وسط المعازيم.
بابتسامة واسعة قال: متقلقش عمك فاهم هيعمل ايه؟
ضحك يونس وردد: حتى دي عملاها حساب، إنت خطير يا بن الغرباوي!

وزع آدهم النظرات البائسة بينهم واستكان بوقفته جوار على الذي حاول تحريضه: آنت واقف مستسلم لاوامر الحقير ده ليه، المفروض إنك ظابط وليك مركزك اللي مش شايفه من ساعة ما الوقح ده نزل مصر.
رسم بسمة ساخرة على وجهه، ومال يهمس له: صدقني أنا مش في ألطف حالاتي، تخيل أطلع اترقص برة قدام القادة على مهرجان مش فاكر الاغنية طيب طالع ليه اتزفت من الاول! للاسف مضطر عشان عيون شمس يا دكتور.

وتابع وهو يتأكد من انشغال عمران بربط جرفات آيوب: مش من الذكاء اني أعارض اخوك وبالذات في يوم زي ده، وبعدين لو فكرت فيها هتلاقي موقفي أبشع موقف فيكم، غلى الاقل هو رزعكم طقم بدل سودة ومع تخفيف الاضاءة محدش هيفرقكم عن بعض، لكن انا ألبس أبيض ليه معلش!

عاد الضوء يتسلط على الاستيدج حيث ظهر الشباب، ومن بينهم آدهم الذي بهتت ملامحه ما ان رأى الجوكر وزوجته يدلف القاعه وعلى يمينه امتلأت المقاعد بقادته، فباتت قدميه وكأنها تلجمت محلها!

اجتمعت الفتيات حول الاستيدج والجميع يترقب خطواتهم والكاميرات تسجل تلك اللحظة، بينما تترقب شمس ما سيحدث برعب، ولكن ما ان انطلقت الموسيقى ورأت حركاتهم الرجولية الهادئة حتى رفعت يدها تصفق بحرارة، اندمج الجميع معهم، فلم يكن رقصهم مبتذل، كانت حركان بسيطة والجميع يدور حول آدهم، وبحركة واحدة القوا الجواكت وباتوا يمضون معًا.

وما ان انتهوا حتى تعالت حرارة الصفقات الجماعية بحرارة، فتسلل آدهم للاسفل واتجه للجوكر يردد بحرج: نورت الدنيا كلها يا باشا.
حدجه بنظرة غامضة ثم قال بثبات: إنت اللي منور الاستيدج إنت والشباب يا حضرة الظابط.
ود لو انشقت الارض وابتلعته، فقال بتوتر: آه. ده الشباب بيوجبوا معايا وحضرتك فاهم.
هز رأسه بخفة وقال: واضح.
مال اليه يهمس: غيرت معاد سفرك ليه؟

تعجب من علمه بالامر، فقال بابتسامة متزنة: لقيت ان مفيش داعي اقعد في مصر5ايام، هسافر على طول نقضي شهر العسل وننزل على طول.
نظراته الثابتة كانت مخيفة للغاية، فقال هامسا: هستناك في مكتبي الصبح يا عريس.

وتركه واتجه لطاولة فاطمة حيث ترك زوجته برفقتها، كانت تنتظر التعرف عليها بصبر، وجلست كلتاهما تتعرفان عن قرب، وقد كان مراد بقمة سعادته لرؤية التغير الطارئ على فاطمة، فمال لعلي وقال: كل ما بشوف فاطمة بتثبتلي اد أيه إنك دكتور شاطر وممتاز، لو امهر دكتور في العالم قالي إن في يوم من الايام هترجع لحالتها الطبيعية مكنتش صدقته، حقيقي يا دكتور على إنت دكتور، عبقري وممتاز.

منحه على ابتسامة ممتنة وقال: ده فضل من ربنا إني قابلتها، حبي ليها هو البداية لكل شيء يا مراد باشا.
هز رأسه وابتسامته لا تفارق وجهه.
صعد عُمران الاستيدج، فجذب الانتباه ببذلته الرمادية الجذابة، قدم يده لشمس التي تلقفتها وأسرعت برفقته بينما يغني لها بحب
«الفرحة اللي أنا حاسس بيها
لا أنا قادر أقولها ولا أحكيها
أختي حبيبتي و ضيي عيوني
لعريسها بإيدي هوديها
من يوم ما وعينا على الدنيا.

ما فرقناش بعضنا لو ثانية
علي عيني إنك تبعدي عني
دمعتي مش قادر أخبيها
والفرحة اللي أنا حاسس بيها
لا أنا قادر أقولها ولا أحكيها
أختي حبيبتي و ضيي عيوني
لعريسها بإيدي هوديها
من يوم ما وعينا على الدنيا
ما فرقناش بعضنا لو ثانية
علي عيني إنك تبعدي عني
دمعتي مش قادر اخبيها
اااه، وأوعي تنسي إن أنا حضنك
سرك أخوكي، سندك ضهرك
وأوعي تخافي من أي حاجة
وهجيبلك حقك لو ضايقك
وأوعي تنسي إن أنا حضنك
سرك أخوكي، سندك ضهرك.

وأوعي تخافي من اي حاجة
وهجيبلك حقك لو ضايقك
وأوعي تنسي إن أنا حضنك
سرك أخوكي، سندك ضهرك
وأوعي تخافي من أي حاجة
وهجيبلك حقك لو ضايقك
دا الفرحة اللي أنا حاسس بيها
لا أنا قادر أقولها ولا أحكيها
أختي حبيبتي و ضيي عيوني
«.

انتهى من اغنيته ودموعه تفيض رغمًا عنه حتى سلم يدها بيد آدهم، انقضى الحفل وغادرت برفقة زوجها، ولم يتبقى الا عمران ولجواره على الذي يحاول ارغامه على العودة، ولكنه ظل محله كأنما فارق روحه الآن!
صعدت شمس لجناحها تترقب لحظة صعود آدهم، ينتابها القلق من ارتباكه اللحظي فور صعوده رفقتها للسيارة، كان يتحدث من الوقت للاخر بالهاتف وبلغة غريبة.

جلست على الفراش تراقب باب الجناح، وفجاة وجدته يدلف للداخل، يتجه لخزانته سريعًا وهو يشير لها: شمس بسرعه غيري فستانك ولمي هدومك، هنسافر حالا.
عبست بمقلتيها بصدمة: دلوقتي!
أسرع بتغير ملابسه وهو يشدد عليها: حالا يا شمس.

اتبعته للسراحه وهو يلتقط ساعته ومتعلقاته باهمال، وقالت بخوف: هو في ايه يا ادهم طول الطريق وانت مرتبك، وبعدين سفر ايه اللي دلوقتي، أنت شوية تقولي هنسافر بعد خمس ايام من فرحنا ورجعت قولت هنسافر بكره بليل ودلوقتي بتقولي حالا، ممكن تقولي في أيه بالظبط!

يعلم أنه قد وقع ظلمًا كبيرا عليها، ولكنه ممزق بينها وبين واجبه تجاه بلده، احاط آدهم وجنتها بحنان وقال: والله هعوضك عن كل ده بس عشان خاطري نفذي كلامي وبعدين هشرحلك كل حاجه، مفيش قدامنا غير، ساعة وانا لازم أخرج حالا، ولما ارجع عايزك مستنياني تحت جنب البوابة بشنطتك تمام يا شمس؟
أأومأت برأسها بقلة حيلة، فجذب مفاتيح سيارته وغادر على الفور، بعدما ارسل برسالة نصية الى، آيوب بأنه يريد رؤيته في الحال!

ربما حان الوقت لاشعال الفتيل...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة