قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والثلاثون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والثلاثون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والثلاثون

انتهى عمران من ارتداء بذلته السوداء الآنيقة، وأخر ما وضعه ليكتمل طالته الجذابة كان البرفيوم الخاص به، وزعه على ذقنه النابتة ورقبته واستدار ليغادر مرددًا بحبٍ: مايا حبيبتي أنا نازل وعلى هيجيبك زي ما أتفقنا.
طلت برأسها من خلف زجاج خزانتها المنفصلة تخبره باستياءٍ: وليه متستناش لما أجي معاك؟

أجابها وهو يعقد ساعته حول معصمه بتركيزٍ: لإني لازم أعدي على الشركة الأول، في صديق ليا سبته في عهدة أستاذ ممدوح وزمانه حاليًا بيستغيث.
تمردت ضحكة مشاكسة على وجهها، وتركت فستانها وخرجت تضم خصره مستندة برأسها على صدره هامسة بسخرية: مين صاحبك البائس ده اللي وقع في طريقك وطريق أستاذ ممدوح؟

إهتز جسده بخفة تأثرًا بلمساتها، فاستدار يحيطها بذراعيه وهو يتنعم بقربها ونظرات عينيها المهلكة، فوجدها تترك كل كلمة احتفظت بها له وأخذت تتأمل ثيابه ووجهه بانبهارٍ فشلت بأخفائه، فقالت بتذمرٍ: إنت رايح حفلة افتتاح ولا رايح تدور على عروسة فحابب تلفت الانتباه؟

عاد بوجهه للخلف من شدة ضحكاته، واستقام قبالتها فور انتهائه ليخبرها بخبث: أنا بلفت الإنتباه دايمًا من غير أي مجهود يا بيبي، بس أنا كعُمران مش عايز حد من الصنف الناعم غير حبيب قلبه!
واستكمل بغمزة ماكرة: اللي الغيرة هتطق من عينها من اللحظة اللي واقفة فيها قدامي لحد ما نرجع هنا تاني.

ومال عليها يفترس ملامحها بنظراته الدافئة، ويهمس بصوتٍ كان مغريًا يحارب كل لحظة صمدت بها أمامه: لو حابه نكسنل الخروجة دي وندبس على أنا معنديش أي مانع يا بيبي!
أبعدت يديه عنها واتجهت للخزانة تردد بضحكة مرحة: وصاحبك اللي وقع في مصيدة أستاذ ممدوح ده! لا طبعًا حرام تقسى عليه بالشكل ده، روح خرج صاحبك ونبقى نتكلم بعدين.

مرر يده بين خصلاته الطويلة يصففها أمام المرآة وهو يردد بجدية تامة: أنا اللي تعمدت أخد أيوب للخطوة دي، أولًا أستاذ ممدوح خبرة وهو السبب الأساسي بعد ربنا سبحانه وتعالى للي أنا وصلت ليه وبفضله كان زمان نعمان لسه بيستغفلنا وبيضربنا على قفانا وهو متأكد إني عيل صغير مش هيكشف تلاعبه بالميزانية والمشروعات اللي بيتتممها من غير ما يسيب وراه أي ورق، ولسه في شيء مبهر هيفرحه أوي خصوصًا لما يعرف إن المشروع اللي جاي من مصر عشانه أنا رفضت أمضي العقود النهاردة والخبر زمانه رايحله.

واستطرد وهو يراقبها حائرة بالاختيار بين الفساتين المعلقة من أمامه: ثانيًا أنا وديت صاحبي لاستاذ ممدوح لإني عارفه كويس وعارف إنه هيكون شبه اللي في السجن ال24ساعة شغل وده اللي أنا عايزه لإن أيوب مدبس نفسه في مصيبة هتجبله مشاكل ملهاش أخر، عشان كده أخدته بنفسي لعنده.

استدارت مايسان إليه تطالعه باهتمامٍ، فوجدته ينزوي بين أغراضها، يجذب بنطال أسود ينتهي ساقيه باتساعٍ، وقميصًا أبيض اللون، قدمهما لها وغادر لخزانته ليعود لها بجاكيت أسود يخصه، فرده من أمامها وهو يردد بحيرةٍ: أعتقد ده ممكن يكون مقاسك. هو ضايق عليا حبتين يبقى هيناسبك.
التقطته منه وهي توزع بصرها بين القطع بحيرةٍ، فسألته بتوتر: ملبستش الاستيل ده قبل كده. مش عارفة هيبقى حلو عليا ولا أيه؟

جلس على حافة السراحة وببسمة جذابة قال: أنا هحكم حلو ولا وحش.
اتسعت ابتسامتها وأسرعت بغلق باب الخزانة لترتدي ما تحمله بيدها بلهفةٍ، اتسعت حدقتيها بانبهارٍ من تناسق ملابسها المختارة، لدرجة جعلت لسانها عاجز عن الحديث، تجزم بأن زوجها هذا هو أعظم انتصارًا لها كأنثى تحتار بكل مناسبة طارئة ماذا سترتدي؟

فتحت مايسان الباب وخرجت تتدلل محدثة صوتًا بكعب حذائها الأبيض المرتفع، لتلفت انتباهه عن هاتفه المستقبل رسالة من سيف الذي يبحث عن صديقه أيوب بقلقٍ وصل للأخير من نبرته المرتشعة المسجلة بمقطع صوتي، فبث طمأنينته له حينما أخبره بأنه برفقته وسيعود به بعد خمسة عشر دقيقة.

ابتعدت عينيه عن الهاتف ليرى تلك الفاتنة الرقيقة، ببنطاله المتسع من الأسفل وتتاسق قميصها مع جاكيته، وكأنها اليوم تتعهد له بأنه لن يغادرها، تستخدم كل سحرها لتفتك به بشكلٍ يجعله يود أن يكون ندلًا يتخلى عن يوسف بمناسبة هامة كتلك، وعن أيوب المحتبس بوكر البشمهندس ممدوح!
طال صمته مما جعله ترتبك، فسألته بريبة: وحش؟
عمران؟

نهض عن السراحة يتجه إليها، فدار حولها مطلقًا صفيرًا شمل إعجابه الشديد بها، رفع عمران يدها يحثها على الدوران بين يديه هامسًا بصوته الذكوري: عمران مسكين قدام جمال حبيب قلبه. مايا هو إنتِ مش عايزانا نروح المشوار ده فبتعملي فيا كده عشان أخد أنا القرار؟
تسلل لها مفهوم حديثه المحرج فهزت رأسها نافية باستحياءٍ: لأ، إنت اللي مختار اللبس مش أنا.
رفع أحد حاجبيه بسخطٍ: مهو المصيبة إن أنا!

تنحنح وهو يحاول الثبات بوقفته رغم انحراف رماديته عليها، فأشار وهو يتجه سريعًا للفرار: طيب يا بيبي أنا هروح أنقذ أيوب وانتِ كملي لبس وانزلي. على مستنيكِ.
وإلتفت يغمز لها بخبث: هيجمعنا لقاء تاني.
أغلقت الباب من خلفه ويده تمسد على قلبها الذي يكاد يقفز من خلفه، زاد من حبال عشقه حولها وتركها ضعيفة تحارب كل تلك الأحاسيس المرهفة وكأنها تلك المراهقة التي وقعت في حبه منذ إن كانت في الثانية عشر من عمرها.

اتجهت للسراحة تستكمل ارتداء حجابها وابتسامة هيامها به لا تفارقها، فودت لو تمكنت من الجلوس بمفردها تتذكر كل كلمة ونظرة شملها به منذ قليل حتى لا تنسى أي لافتة صغيرة حدثت بينهما!
ارتبكت فاطمة للغاية حينما وجدت فريدة تقف خلفهما، وتتساءل باسترابةٍ: إنت تقصد خالك بالكلام ده يا علي؟
تهدلت شفتيه بابتسامة هادئة، ودنى ليصبح بالقرب من والدته هاتفًا بمكرٍ: فريدة هانم حمدلله على السلامة.

واقترب منها متفحصًا لما ترتديه بإعجابٍ انطبع على نظراته ومعالمه باجتيازٍ: أيه الجمال ده كله، حضرتك كنتِ في سهرة ولا بتقيمي البيت، مش ممكن دايمًا شيك حتى في أبسط خروجاتك مش كده ولا أيه يا عمي؟
منع أحمد ظهور تلك الابتسامة على شفتيه، فحك أنفه وإتجه يميل بقامته الطويلة تجاهه هامسًا: ده أنت اللي عمي!

وتنحنح رافعًا من صوته: طبعًا يا على فريدة هانم طول عمرها شيك ومحافظة على جمالها بشكل مش طبيعي إسالني أنا!
ربعت يديها وعينيها تتوزعان بينهما بنظراتٍ مفترسة جعلت شمس و فاطمة تسيطران على ضحكتهن بصعوبة.
نزعت فريدة قبعتها وهي تعيد السؤال بطريقة أكثر حدة: على بطل بكش وجاوبني تقصد مين بكلامك ده؟
مال أحمد يخبره بحزنٍ: حاولت أساعد بس إنت عارف إن فريدة مبتتثبتش!

أكد على بإيماءة رأسه، وقرر اللجوء لطريقة عمران المشاكسة، فقال ببسمة هادئة: مفيش أنا بس كنت بهزر مع فطيمة ومقصدتش بكلامي حد!
اتجهت نظراتها لفاطمة التي هزت رأسها أكثر من مرة وابتسامتها تزداد بطريقة زرعت الابتسامة على وجه فريدة فتخلت عن اصرارها لمعرفة الحقيقة، فاستغل أحمد الفرصة وأشار لها بحنان: بعد الجولة المرهقة دي تحبي نطلع نرتاح شوية في جناحنا يا فريدة هانم؟

تسللت حمرة الخجل على وجهها، فخطفت نظرة سريعة لعلي فوجدته يمنحها ابتسامته الدائمة، لذا منحته يدها واتجهت برفقته للمصعد، بينما استقلت شمس الدرج قائلة: بتمنالكم سهرة سعيدة. تصبحوا على خير.
وما كادت باستكمال طريقها حتى اعترض عمران طريقها، اختلس نظرة شملتها وهبط ما تبقى بينهما مرددًا بغموضٍ: شكلك انبسطي من المشوار اللي كنتي فيه، للدرجادي عجبك البيت الجديد؟

لعقت شفتيها الجافة بتوترٍ اتبع منهج نبرتها المهتزة: هااا. آآه، جدًا بيت مريح وذوقه عالي جدًا يا عمران.
اتسعت ابتسامته وانحنى لآذنيها يهمس لها: خدي بالك من المدخل أصله بابه لسه معلق!
واستكمل على نفس منواله: هتغاضى عن اللي حصل عشان لو على عرف هيزعلك وميهنش عليا زعلك.

اتسعت حدقتيها بخوفٍ، وهزت رأسها بخفة، انتصب عمران بوقفته ومد يديه يعدل من الوشاح الملتف حول رقبتها، فأحاط بأصابعه السلسال، اتسعت ابتسامته الخبيثة ورفع أهدابه يواجهها بكلماته البطيئة: زي ما سمحت إنه يوصلك قادر أقطعه حولين رقبتك لو حسيت إنك هتسغفليني يا شمس، هسامحك المرادي عشان ماما وعمي كانوا معاكي مرة تانية تروحي فيها الشقة دي هزعلك بجد.

أدمعت عينيها تأثرًا بسماعها نبرة جديدة يخوضها معها عمران لأول مرة، فتابع وهو يجذبها لتقف على نفس مستوى الدرج، وأحاطها بين ذراعيه يسترسل همسه بحنان مبالغ به: مش هعتذر على طريقة كلامي معاكي لإن ده خوف عليكي. فريدة هانم غلطت لما أخدتك معاها هناك. أنا عايزك عزيزة وغالية يا شمس حتى لو كان الشخص ده عارف قيمتك وفاهم دماغك. مينفعش أديله أكتر من فرصة وأقول مش هيأخد عني فكرة سيئة، بتمنى تكوني فهمتي كلامي.

أبعدها عنه يزيح دموعها فوجدها تبتسم له وتخبره بصوتٍ يطمسه البكاء: فهمت. وأوعدك مش هتتكرر تاني.
منحها ابتسامة هادئة وانحنى يطبع قبلة على جبينها قائلًا: شوفي مذكرتك.
هزت رأسها بطاعةٍ واستكملت طريقها للأعلى، بينما هبط الاخير للأسفل، فتفاجئ بأخيه يجلس بالصالون جوار زوجته، فقال باستغرابٍ: إنت لسه مغيرتش هدومك يا علي؟
نهض عن الأريكة يشير له: كنت مستنيك، تعالى.

إتجه إليه عمران بدهشة، خاصة حينما نهضت فاطمة تقف قبالته، تفرك أصابعها بحرجٍ طفيف، فقطع صمتهما على الذي ردد: فطيمة مصممة تعتذرلك عن اللي حصل الصبح، وأنا بحاول أفهمها إنك رغم وقاحتك وقلة أدبك بس قلبك أبيض.
زم شفتيه بضيقٍ، وردد ساخرًا: ولزمتها أيه تختمها بالقلب الأبيض ما بكمالة الجملة بقى!
سدد له نظرة أخرسته فحك جبهته يهمس بسخط: هيبرقلي بقى مهي ناقصة!

وتجاهله وهو يتطلع لزوجة أخيه يمنحها ابتسامة دافئة يبدد بها ارتباكها الظاهر له، وقبل أن يعرضها لاحراج اعتذار تقدمه له قال: أنا مزعلتش من اللي حصل علشان تعتذري يا فاطيما، وبعدين أنا سبق وقولتلك إنك بالنسبالي زي شمس بالظبط ومفيش بيني وبين أختي اعتذار أو مبررات باللي حصل، صدقيني أنا مش زعلان.
رفعت عينيها المحتقنة إليه، وبتلعثمٍ وارتباك قالت: لأ أنا كنت قليلة الذوق معاك يا عمران ولازم أعتذر.

هز رأسه نافيًا وصاح: مفيش داعي تعتذري لشيء تافه يا فاطيما.
وبمكرٍ استرسل: بس لو مصرة يبقى تعمليلي نفس الأكلة الغريبة اللي عملتيها يوم ما كان جمال ويوسف هنا أعتقد إسمها كسكس صح؟
ضحكت بصوتٍ أطرب سماع علي، فكان سعيدًا بأنها ولأول مرة تتبادل حديث يجمعهما بأخيه إشارة مقبولة للقادم، واستمع لها تخبره: عنيا، بكره إن شاء الله هعملك.

اتسعت ابتسامته وحذرها وعينيه تلتفت من حوله بشكل مضحك: خلصيها في المطبخ واديني إشارة أدخل أكل في الخباثة لحسن فريدة هانم لو قفشتني هتطردني بالحلة برة البيت.
عاد الضحك يفرد سلطانه عليها من جديد وهي تؤكد له: متقلقش هخلي مايا توصلهالك.
قدم يده لها ليفاجئها قائلًا: اتفقنا؟

تلاشت ابتسامتها بشكلٍ ملحوظ، فوزعت نظراتها بين كف عمران الممدود وبين على الذي منحها بسمة وإيماءة خافتة، جعلتها تصافحه مرددة بوجهها البشوش: اتفقنا.
تركهما عمران وغادر لسيارته رافعًا من صوته: لو وصلت قبلي عرف يوسف إني مش هتأخر يا علي، سلام.
وغادر بسيارته بينما ترك على فاطمة قائلًا بابتسامة هادئة: هطلع أغير هدومي عشان منتاخرش.

وتركها وصعد للأعلى بينما ظلت هي بانتظاره بالاسفل، فانضمت لها زينب ومايسان وبعد قليل هبط على متألقًا ببذلة آنيقة من اللون الرمادي، مصففًا شعره لنهاية رقبته بشكلٍ لفت انتباه فاطمة وهي تراه يصففه كذلك للمرة الأولى، فأخذت تختلس النظرات إليه في السيارة من وقتًا لأخر حتى وصلوا للعمارة القابع بها عيادة ليلى.

انهى لمساته الأخيرة أمام باب العيادة، فثبت عمود الورود جيدًا وولج للداخل يبحث عنها بعينيه، فوجدها تستند على باب الشرفة، تتأمل مدخل العمارة بنظرة هائمة، وفجأة تسلل لجسدها البارد دفء يحاوطها، مالت ليلى برأسها فوجدت يوسف يحاوطها ويميل برأسه يعانق رأسها بحنانٍ، وهمس لها بفرحةٍ: مبروك يا أجمل وأرق دكتورة.

انزوت داخل ذراعيه تشدد من عناقه قائلة بكل امتنان تمتلكه: من يوم ما دخلت حياتي يا يوسف وبقى ليها طعم تاني، كل حاجة بتعملها عشان ترضيني أنا حتى لو كانت على حسابك إنت، أنا مقدرتش أقدملك أي شيء أردلك بيه حنانك وحبك الكبير ليا.

رفع ذقنها ليجبر رأسها المدفون بصدره على التطلع إليه، فرأت أجمل ابتسامة يحررها لها خصيصًا، وذراعه يقرب خصرها إليه بتملكٍ لتستمع إليه يردد: ادتيني قلبك وده كفايا عليا يا ليلى. وحبك ليا أكبر مكافأة قدمتهالي.

أغلقت عينيها تستمع بهمساته بعشقٍ يزاحم قلبها في عقر داره، فانتقلت إليها عاطفته التي تتقرب منها بلمساته، استسلمت تتمنى أن لا يبتعد إلى أن تسلل إليهما صوت سيف الساخر: بعتني أجيب الورد علشان تستفرض بالدكتورة، طيب ما كنت تقول من الأول إنك بتوزعني وأنا كنت هتوزع باحترام بدل أم الفرهدة دي!
انتفضت مبتعدة عن زوجها بخجلٍ جعل حديثها يخرج بتلعثم: هو والله يا سيف هو اللي آآ.

قاطعها يوسف بحدةٍ: بتبرري لمين يا ليلى، أنا جوزك مش واحد ماشية معاه يا حبيبتي!
واستدار يحذره بنظرةٍ صارمة: سيف إتادب بكلامك مع لوليتا مش واخده منك على كده. تحذير ما قبل إنذار الخطر.
رفع يديه معًا باستسلامٍ: أنا مجتش.
وتابع بابتسامةٍ هادئة: مبروك الافتتاح الرائع ده يا دكتورة ليلى.
أجابته على استحياءٍ: الله يبارك فيك يا سيف عقبال ما نفرح بيك مع بنوتة بنت حلال تستاهلك.

رفع يوسف يديه بتمني وكأن الدعوة من نصيبه هو: دي الدعوات ولا بلاش. لو ربنا تقبل دعوتك يا لوليتا بالي هيرتاح.
زم شفتيه ساخطًا: إنت نفسك تتخلص مني بس مش هنولهالك يا يوسف، أنا قاعد معاك شوية.
لف يده حول رقبته وجذبه إليه بالقوة يخبره: بس أنا مش هسيبك تقعد كتير يا سيفو. أول ما ألقى البنت المناسبة ليك هسحبك تتقدملها رغمًا عن أنفك.

تعالت ضحكات ليلى وهي تراقب تعابير وجه سيف المضحكة، وكأنه سيلقى بين نيران جهنم، فترك الردهة وإتجه بما يحمله للشرفة، فلحق به يوسف يتساءل وعينيه تتفحص ساعة يده: فين أيوب وآدهم؟

جذب إحدى باقات الزهور وقدمها إليه: آدهم بعتلك الورد ده وبيعتذرلك، الجرح شد عليه ومقدرش إنه يجي. أما بقى أيوب فأنا لحد الآن معرفش هو فين؟ آدهم قال انه مرجعش البيت من الصبح قلقت عليه ليكون ورط نفسه في مصيبة تانية، دورت عليه في المطعم اللي بيشتغل فيه وفي الجامعة وملقتهوش فكلمت عمران وقالي كلمتين مختصرين متقلقش هو معايا وبعدها معتش رد على رسايلي!

ابتسم وهو يراقب انزعاج معالمه، فربت على كتفه قائلًا بمرحٍ: مدام قالك متقلقش يبقى من حقك تقلق!
طرق على الباب الحديدي، فانتبه له ممدوح، نهض عن مقعده وهو يعيد ضبط نظارته الطبية، فحرر الباب هاتفًا بحيرةٍ: أيه رجعك بالوقت ده يا عمران؟

اشرأب بعنقه للأعلى في محاولةٍ لرؤية صديقه البائس، فوجده يطفو من خلف ذاك المكتب المتهالك، وبين يده لوحة بيضاء سميكة، وبيده عدة أقلام ومسطرة ضخمة، رمش بعدم استيعاب هل توجه للتصميم بأول جلسة جمعتهما!
استعاد ثباته المهدور مصدرًا تنهيدة مقلقة: أنا كنت جاي أستأذن حضرتك في أيوب، معزومين أنا وهو على حفلة مهمة والصبح هيكون موجود في مواعيده.

أخفى عُمران ابتسامته الساخرة بصعوبة، وكأنه يأتي لروضة الأطفال لطلب سماح الانصراف لاخيه الصغير، ومع ذلك احتلت معالمه بادعاء صلابته، وأخذ يراقبه وهو يعود لمكتبه مشيرًا لأيوب: روح وعلى معادنا بكره.
لا يصدق ما إلتقطته آذنيه، هل سمح له بالمغادرة أخيرًا؟

ترك أيوب مقعده وهرول لحقيبته الصغيرة يجذبها وهرول للخارج كمن نجى بروحه من تابوت محكم الإنغلاق، فتفاجئ بعمران ينتظره، وما أن رأه حتى استقبله بابتسامة بلهاء: أيوب وحشتني يا راجل!
قابله الأخير بلكمة قاسية أطاحت بالأخير أرضًا، فتمردت ضحكاته واستند على درابزين الدرج ليستعيد استقامة جسده، ليجد الأخير يهرول للأعلى مرددًا بحنقٍ: لو جيت ورايا هصفيك لدرجة أنهم مش هيلاقوا فيك حاجة تدفن.

نفض الغبار العالق على بذلته ولحق به للأعلى يناديه ضاحكًا: طب استنى بس. يعني ده جزائي إني جيت وأخدت الأذن عشان تلحق تروش نفسه للحفلة؟

توقف عن الصعود واستدار إليه يقابله بنظرة شرسة، فأطبق على أصابعه مشيرًا بحدة: اخفى من قدامي يا عمران، أنا بقالي هنا عشر ساعات وحقيقي مش شايف قدامي من التعب والإرهاق، لأ والاستاذ ممدوح ده على ما يبدو مكمل في شغله ومش همه، والدي تقريبًا من عمره وبيحتاج كام ساعة في اليوم يستريح فيها واتعشمت إنه يديني ساعه راحه لكنه ما شاء الله مستمر في الشغل كأنه ألة مش بني آدم، ده حتى معاد خروج موظفين الشركة جيه ومازال مستمر!

واسترسل بدهشة أحاطته منذ الوهلة التي خطت قدميه للداخل: هو مطلعش يروح ليه، ولا هيبات هنا؟
راقب عمران الباب السفلي وأشار لأيوب بتتبعه: طيب تعالى نخرج من هنا وهحكيلك كل حاجة، بس الأول حسام اداك الأكل والعصير؟
احتل الغضب معالمه بشكلٍ جعله كالقنبلة المهددة بالإنفجار، فأحاطه عمران بذراعيه ضاحكًا: خلاص بقى ميبقاش قلبك أسود. وبعدين منتكرش إنك استفدت منه جدًا بدليل إنك ما شاء الله من أول درس بتصمم بنفسك!

لوى شفتيه بسخطٍ: ولو كنت اتاخرت شوية كنت هتلاقيني مع فريق التنفيذ بنفذ اللي صممته بنفسي! الراجل ده غريب تحس إنه إنسان ألي مش بني آدم!
دفعه برفقٍ للمصعد فأبعده أيوب عنه بغيظٍ، صعد بهما المصعد للأعلى وحرب النظرات سائدة بينهما حتى خرج به فتركه وغادر دون أن يستمع إليه.
أسرع عمران لسيارته يتبعه على محاذاة خطاه، ففتح الشرفة الزجاجية يناديه: أيوب اركب بقى وفكك من شغل الأولاد ده.

منحه نظرة مشتعلة وردد بانفعال: امشي يا عمران بجد، أنا مش ضامن رد فعلي على اللي عملته معايا النهاردة، امشي.
كسر الطريق عليه بسيارته ليصيح بحدة: اركب ومتخرجش جنوني عليك. أنت مش عاملي فيها راجل مكافح نخيت ليه من أولها؟

نظم أنفاسه الحارقة حتى هدأ قليلًا، فاحتل المقعد المجاور له، تحرك به عمران لشقة سيف، والصمت الحائل بينهما فقطعه عمران مجددًا حينما قال: أيوب بلاش تفكر بالطريقة دي، أنا عملت كل ده علشانك صدقني، وعارف أنك بتفكر إني بعدتك عشان متختلطش بالمشاكل مع البنت اليهودية دي، وأنا مش هنكر ده بس كمان عملت كده عشان تستفاد من خبرة أستاذ ممدوح، بذمتك الكام ساعة اللي قضتهم معاه مستفدتش منه؟

ارتخت تعابيره المشدودة رويدًا رويدًا، واعترف له: استفدت جدًا بس الضغط والإرهاق ده خلاني مش قادر أستوعب أغلب اللي قاله.
والتفت له يسأله باهتمامٍ: هو معندوش بيت ولا أهل يا عمران، يعني بقالي معاه يوم كامل ومشوفتوش حتى طلع موبيله يكلم حد!

رد عليه بحزنٍ وعينيه تراقب الطريق بعناية: كان له بيت وأولاد، اتغرب طول عمره عشانهم. بنى ليهم بيت كبير وصرف على تعليمهم لحد ما دخلوا كليات كويسة، وبعدها طلب من بابا الله يرحمه أجازة طويلة علشان ينزل ويقعد وسط أولاده بس بعدها باسبوعين رجع وهو حزين لانهم طلبوا منه يرجع تاني للشغل لان ابنه الكبير كان خاطب وعايزه يجهزله شقته ومصاريف الجواز.

واستدار، يقابله بنظرة ألم وابتسامة فارقة: جوازة ورا التانية وطلباتهم مش بتنتهي، لحد ما أخد على الغربة والوحدة اللي هو بقى فيها، أنا كنت جنبه لحظة بلحظة وسامع أغلب مكالمتهم ليه وطلباتهم اللي مش بتنتهي، لحد ما استلمت الشركة واطمن أني قادر أديرها من غيره فنزل مصر وهو عنده النية ميرجعش تاني، بس اللي حصله خلاه يرجع لندن تاني يوم.
سأله بفضول بعدما نجح الاخير بسحب كل اهتمامه لقصة ممدوح المؤلمة: حصل أيه؟

رد عليه بحزنٍ عميق: ولاده ومراته لما عرفوا انه نزل بشكل نهائي طردوه من البيت ومحدش من عياله رضى يقعده عنده ولا يستقبله في شقته، كلهم كانوا هيتجننوا ويخلوه يرجع تاني حتى وهو بالسن ده، ولما رجع واتاكدوا إنه سافر تاني رجعوا يكلموه ويشدوا معاه ناعم من تاني بس هو رمى موبيله وبقى زي ما أنت شايف حياته كلها شغل.

وتابع بألمٍ يطغي على نبرته المبحوحة: قدمتله شقة فخمة وعربية ومكافأة مالية كبيرة اكرامًا لتعبه واخلاصه لأبويا الله يرحمه، كنت بحاول أرد جزء بسيط من جمايله عليا، الاستاذ ممدوح الشخص الوحيد اللي علمني يعني أيه راجل مخلص وابن اصول في حين إن بعد خالي وأهل أبويا أول ناس نهشوا فينا بعد وفاة والدي الله يرحمه، وفجائني تاني لما رفض كل اللي قدمتهوله وطلب مني أسلمه الآرشيف وخزنة التصميمات والملفات المهمة ومن وقت للتاني خصص لنفسه أوضة صغيرة تحت فيها سرير صغير وحمام، عايش فيها وببشتغل ليل نهار ولو حاولت أساعده وزودتله مرتبه بيرجعلي الفلوس وبيتضايق جدًا.

واستدار تجاه أيوب يخبره بحزن بالغ: بحس إني عاجز ومش عارف أزاي أكافئه أو أردله جزء من جمايله، كل ما بشوفه قلبي بيتقطع عليه هو إنسان كويس وعظيم وميستاهلش اللي أولاده بيعملوه فيه ده.

تغلغل الحزن معالم أيوب بتمكنٍ، واحتقن صوته المتأثر بما استمع إليه: الزمن ده بينجح إنه يفاجئنا باللي مخبيه، الناس عادت وحشة أوي يا عمران، اللي سمعته منك ده كبره في نظري وخلاني متحمس أكون معاه الفترة الجاية، عارف إنه صعب يندمج مع أي حد وده باين جدًا بس على الأقل هكون ونس ليه الفترة الجاية وبتمنى بس يخف عليا ساعات العمل لإني كده مش هتخرج من الجامعة هتخرج من الدنيا كلها.

ضحك الأخر وربت على كتفه يمازحه: متخافش يالا عمران الغرباوي معاك ومش هيسيبك.
علامة مسجلة إنت ولا أيه مش فاهم!
بتتريق! طب خلاص هوديك الحضانه كل يوم الصبح ومش هروح أخدك. هسيبك كده كل يوم معاه لحد ما تستنجد بالشيخ مهران تقوله يبعت حد ياخدك!
قالها بمرحٍ جعل الأخير يضحك متغلبًا على غيظه، فتابعه وهو يصف السيارة أمام العمارة وأشار له: اطلع غير هدومك وانزل بسرعة. مش عايزين نتأخر أكتر من كده.

حرر حزام الأمان عنه وقال وهو يتثاءب: ما تروح إنت وفكك مني.
دفعه للخارج بضيق: انزل يا عم هي ناقصة رخامة سيف. ده كل نص ساعة يتصل عليا ويتمم إنك بخير ورايح معايا. مش بعيد لو ملقكش داخل معايا يطلبلي بوليس النجدة!
ضحك بصوته كله، وأشار وهو يستدعي المصعد بضغطة الزر: مش هتأخر متقلقش.
وولج للداخل حتى وصل للشقة، طرق بابها حتى فتح آدهم فوجد جسدًا ثقيلًا يندفع إليه حتى كاد بأن يسقط به، فردد باستغرابٍ: أيوب!

أغلق عينيه باستسلامٍ على كتف آدهم وكأنه طفلًا صغيرًا يغفو على كتف والده، فأحاطه آدهم بقوة وهو يجاهد الا يصيب جسد أيوب كتفه المصاب.
جذبه بقوة للداخل وأغلق الباب، قائلًا بقلقٍ: مالك يا ابني؟ وكنت فين لحد دلوقتي سيف قالب عليك الدنيا ومش مبطل رن؟
خرج صوته هامس وعينيه تنغلق استسلامًا للنوم: خدني لأقرب سرير أو كنبة. بنام على نفسي!

أبعده عن كتفه يتفحص وجهه وجسده ظنًا من أنه قد مسه أذى جعله مرهقًا لتلك الدرجة، وحينما اطمئن بأنه على ما يراه أعاده لكتفه فأحاطه أيوب بذراعيه تلقائيًا وغفى واقفًا.
تحرك به آدهم بتعبٍ سيطر على كتفه المصاب، حتى وصل لغرفته القريبة، طرحه على الفراش وهو يتهامس بسخرية: أيه وصلك للحالة دي!
واتجه إليه يناديه: طيب قوم حتى غير هدومك يا أيوب!

لم يأتيه أي ردًا، صوت انتظام أنفاسه يتصاعد ليخبره بنومه الشبيه بفقدان الروح، لم يستطيع السيطرة على ضحكاته وهو يراقبه كطفلٍ لم يحتمل عناء أول يوم دراسي إليه وعاد لفراشه يغفو بملابسه وحقيبته.
انحنى آدهم ينزع عنه حذائه ورفع قدميه للفراش ليمنحه نومة مريحة، وجذب عليه الغطاء فتحركت يد أيوب تجذبه على وجهه تلقائيًا رغم غفوته.
رمش آدهم بدهشةٍ مما فعل، واتسعت ضحكته الساخرة مرددًا: مش معقول في دي كمان شبهي!

انحنى إليه يزيح الغطاء عن رأسه ووضعه على صدره حتى يتمكن من التتفس بشكلٍ منتظمٍ، ففجأه مرة أخرى حينما تحركت يده تحذب الغطاء على رأسه مما زاد من دهشة آدهم المعتاد على أن يغلف جسده بأكمله بالغطاء وقت نومه، يتذكر كيف كانت تستاء والدته من تلك الحركة التي تجعلها يتهييء لها وكأن جسد إبنها جثمان وليس ينبض بالروح، وما يزيد ضجرها بأنه يرث حركته السخيفة تلك عن أباه.

قطع شروده صوت طرق الباب مجددًا، فأحاطه بنظرةٍ أخيرة قبل أن يتحرك ليفتح الباب.
ولج عمران للداخل يتساءل بضيق: هو فين يا آدهم. كل ده بيلبس؟
وشمله بنظرة متفحصة ليزيد من غضبه: وإنت ليه ملبستش لحد دلوقتي! انتوا بتهزروا يا جدعان!
أجابه قبل أن يندفع بحديثه الغاضب: انا اعتذرت من دكتور يوسف مش هقدر أنزل. ولو بتسأل عن أيوب فمتستنهوش إنزل إنت لإنه في سابع نومة.

رمش بعدم استيعاب وهو يلتقط تلك الكلمة الساخرة، فصاح بتهكم: لحق ينام؟
ضحك يشاكسه: هو طالع نايم أساسًا، اترمى عليا شبه المقتول وبمعجزة قدرت أسنده لسريري!
زم شفتيه ساخطًا على من أدعى قوته الزائفة وردد: أمال عاملي فيها شجيع السيما ليه. ده مخدش غلوة في إيد استاذ ممدوح.
منحه نظرة مشككة تحيط بمضمون حديثه، فقال: إنت عملت أيه فيه يا عمران؟
رفع كتفيه مداعيًا براءته: ولا حاجة، شغلته في شركتي!

واستطرد مقدمًا عرضه المغري: طيب خلاص تعالى إنت معايا، ده يوسف محضرلنا أكلة سمك بعد الحفلة إنما أيه.
اتجه آدهم للردهة، فجلس على المقعد يتأوه بتعبٍ: ألف هنا ليكم. أنا مش قادر أتحرك قدامك يا عمران. تتعوض مرة تانية.
إتجه إليه يراقبه بقلقٍ انتقل لنبرته الرجولية: شكلك موجوع. تحب أكلم دكتورة ليلى تيجي تشوفك؟
هز رأسه نافيًا: الموضوع مش مستاهل، هأخد المسكن والألم هيروح على طول إن شاء الله.

منحه ابتسامة هادئة، وربت على كتفه بهدوء: يلا خف قوام قوام عشان نجوزك ونخلص من البت اللي قارفاني في البيت دي.
ضحك بشدةٍ وردد بحبٍ: عنيا يا سيدي، هأخدها تنور حياتي المكفهرة دي.
انتصب عمران بوقفته وأشار له: هبقى أكلمك أطمن عليك، سلام.
مع السلامة، متتساش توصل مُباركتي لدكتورة ليلى ودكتور يوسف.
أجابه وهو يستعد لغلق الباب: اعتبرها وصلت.

صف جمال سيارته أسفل البناية، وانضم لزوجته التي تنتظره حاملة طرف فستانها الأسود الطويل، فانضم إليها ومازال يلاحظ وجهها العابث، جدد ذاكرته عساه قد اقترف شيئًا أزعجها وحينما لم يجد قال: افردي وشك ده شوية هو أنا جايبك معايا غصب؟
تعمقت بنظراتها الغاضبة إليه، وأردفت: مش جاية غصب بس جوايا في بركان نار احذر منه لينفجر في وشك.

جحظت عينيه صدمة، فأبعد الورود التي يحملها جانبًا وقال: بركان مرة واحدة، ليه كل ده؟
منحته نظرة ضاقت عليه وكأنها تعتصره داخل مقبضة من حديدٍ لتطلق ما تدفنه إليه: أي مشوار أو خروجة ليها علاقة بعمران أو يوسف صاحبك بتجهز وتجري هوى، لكن لو أنا اللي طلبت منك نخرج شوية مش هتعبرني، معرفش صحابك دول عاملين ليك أيه؟

رفرف بأهدابه بعدم استيعاب والكارثة تحليله لمغزى حديثها فقال باستنكارٍ: انتي بتغيري من عمران ويوسف يا صبا؟
ولجت للمصعد توليه ظهرها والأخر يلحق بها بصدمة تجعل تعابيره متجمدة كالثلج وهو يراقبها بحاجبيه المرفوع، ليجد ذاته يضحك دون توقف، فاستدارت إليه تلكمه بغيظٍ: متضحكش. اسكت!

أحاطها بين ذراعيه لتكف عن تسديد الضربات إليه، مرددًا بدهشةٍ: متهزريش يا صبا، انتي بتغيري من علاقتي بصحابي يعني من رجالة! أنا بحاول أتخيل موقفي السييء لو حد سمعك هيأخدوا عننا فكرة شكلها عاملة ازاي!
راقبت ضحكاته باستياءٍ، ورددت بضيقٍ: انت السبب. لانك بتهتم بيهم أكتر مني. إنت حتى مش بتقولي كلام حلو أوازن بيه المقارنة بيني وبينهم!

اختصر ضحكاته بابتسامةٍ جذابة، فتغاضى عن توقف المصعد بالطابق المنشود واحتوى وجهها بيديه بحنانٍ: صبا سبق وقولتلك قبل كده أنا مبعرفش أقول كلام حلو ومتزوق. بس إنتِ عارفة ومتأكدة إني بحبك وبتمنالك الرضى ترضي. كون إنك تحطي نفسك بمقارنة مع عمران ويوسف فده غباء منك لإنك في مكانه إنتِ واللي في بطنك صعب حد يتقارن فيها معاكي.

اتسعت ابتسامتها والفرحة تجعل وجهها مشرق، عينيها تشعان بجاذبية جعلته عاجزًا عن سحب نظراته عنها، فوجد ذاته يضمها رغم أنه يستغرب ما يفعله ربما لإنه زوجًا عاديًا إعتاد أن لا تفارق مشاعره غرفة نومه، ولكن موقفها الذي حررته الآن أكد له بأنها ليست مرتها الأولى التي تفكر هكذا.

ارتعشت بين ذراعيه التي تحيطها ورددت بعشقٍ وصل إليه: بحبك أوي يا جمال. وأي كلمة بسيطة منك بترضيني. صدقني أنا مش طمعانة غير في قربك مني.
ربت على ظهرها ويده الأخرى تقرب رأسها لعنقه، فاهتز بهما المصعد ليهبط للأسفل، ابتعد عنها جمال ضاحكًا: شوفتي إدينا نزلنا تاني للدور الأرضي!
شاركته الضحك ورددت بمشاكسة: حد قالك تحضني!
غمز لها بخبث: مستعد نطلع وننزل طول اليوم بالاسانسير عشان الحضن الجميل ده.

اكتست الحمرة معالمها، فأبعدت وجهها عنه، فُتح باب المصعد وطل عُمران من أمامهما متسائلًا بحيرة وعينيه تجوب بينهما: انتوا طالعين ولا نازلين؟!
ارتبكت صبا بينما أجابه جمال: هتفرق يعني. اركب خلينا نطلع!
منحه نظرة وقحة جعلت جمال يدفعه للوحة قائلًا: دوس على الزرار وصفي نيتك!
ضحك بصوته كله وغمز له: وماله نصفيها يا جيمي.
ومال إليه يهمس له بصوتٍ منخفض: هو مش جو قالك تهدى شوية ولا إنت مبتحرمش!

احتدت نظراته القاتمة، فلكمه بعنفٍ جعله يرتد لمرآة المصعد، فتراجعت صبا للخلف برعب: في أيه يا جمال؟
ضحك عمران وهمس له: رد يا جيمي.
جز على شفتيه بغضب، واعتدل بوقفته يعدل من جاكيت بذلة عمران وينفض كتفيه بقوة مؤلمة ولكنها تبدو مساعدة نبيلة منه لزوجته التي تراقب ما يحدث بينهما بقلقٍ: مفيش يا صبا دا كان في ناموسة رزلة واقفة على خد عمران ومصممة تمص دمه ادتها اللي فيه النصيب.

هزت رأسها بتفهمٍ رغم عدم اقتناعها بما يخبرها به، فاستقام كلاهما بوقفتهما حتى توقف المصعد فخرجوا جميعًا.
استغل عمران دخول صبا وجذب جمال للخلف يعيد له لكمته هاتفًا بضجرٍ: ناموس في لندن فاكر نفسك في سيوة!
وقبل أن تطوله يديه ركض للداخل سريعًا، فتنحنح جمال واستعاد اتزان هيبته المهدورة ولحق بالاخير.

رحب يوسف بعلي وإتجه به للداخل ليريه الأجهزة التي استوردها من الصين خصيصًا لزوجته، فنالت استحسانه وأبدى اعجابه قائلًا: لو على ضمنتك نتواصل معاه عشان المركز خلاص عمران قالي قدامه عشر أيام بالظبط وفريقه ينجز.
رد عليه يوسف بابتسامة واسعة: عظيم. استغل الفترة دي في اختيار الدكاترة والممرضات اللي هيشتغلوا بالمركز على الأقل نزل اعلان واستغل السوشيل ميديا.

جذب على أحد المقاعد القريبة منه، اعتلاه وهو يراقب يوسف الذي جذب المقعد المقابل له، فقال: أنا ناوي أنزل مصر وأختار فريقي بنفسي يا يوسف، مش حابب شغل الموبيلات ده.
استحسن فكرته وأبدى اعجابه: كده أفضل ألف مرة، رتب أمورك وتوكل على الله وسيب حكاية الأجهزة دي عليا وعمران موجود مع العمال وده شغله.
نهض على يلتقط كوب العصير من ليلى وقال بلباقة ورقي: الدكتورة بنفسها اللي بتقدم الضيافة. تسلم إيدك.

ابتسمت إليه بحبور: وجودك هنا إنت وفاطيما والبنات غالي عندي يا دكتور، نورتونا كلكم.
رد عليها وعينيه مازالت أرضًا: متقوليش كده احنا زمايل. ومبروك عليكي مرة تانية عندي ثقة إنك هتكوني من أهم دكاترة الجراحة بانجلترا كلها.
وبمزحٍ أضاف: عشان كده إنتي والدكتور يوسف من أوائل الناس اللي هتكون معايا في المركز الطبي.
كانت هي أول من أجابته: ده شرف لينا يا دكتور علي.

ردد يوسف بابتسامة: الافتتاح الجاي هنكون متجمعين عندك في المركز ان شاء الله.
ردد بخفوت: بإذن الله.
بالخارج.
انسجمت فاطمة مع مايسان، ومازالت زينب تحيطها غمامة الماضي، تركتهما واتجهت للشرفة التي انعشت وجهها بالهواء البارد، فأغلقت عينيها تستمتع بتلك الانتعاشة التي تندفع إليها، متجاهلة كل شيءٍ حولها، إلى أن تسلل لمخضعها الخاص صوته العميق: المنظر من هنا مسحرنيش لوحدي!

التفتت جوارها فوجدته يجلس على أحد الأرائك يتابعها ببسمته الهادئة، اعتدلت زينب بوقفتها هامسة بخفوت: سيف!
تمكن من قراءة حركة شفايفها بحرافيةٍ، فاندفع قلبه يهوى بتمنى أن لو تمكنت أذنه من سماع صوتها.
نهض عن محله واقترب منها يردد: توقعت إني ممكن أشوفك تاني صدفة في الجامعة لكن هنا كان صعب!

لقائها به الآن يطيب جزءًا من وجعها، هي الآن مشتتة، بائسة، يركض شبح الماضي من خلفها، نهض سيف عن محله المظلم إليها، وبمجرد أن رأته يرتدي جاكيت مشابه لجاكت يمان، انقبض صدرها وتراجعت للخلف بذعرٍ مقبض بينما الأخير يراقبها بذهولٍ ودهشة، فحرر صوته أخيرًا متسائلًا: انتي كويسة؟

هزت رأسها نافية ومازالت تتراجع بجسدها للخلف بذعرٍ، شخوص عينيها ونظراتها إلهمته بأنه وحشًا مفترسًا هرول من أحد أفلام الرعب ليقتحم مخيلاتها البريئة، ومع ذلك أعاد سؤالها بحنان: دكتورة زينب مالك؟
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة بالغة، ودون وعي منها ترجته: ممكن تقلع الجاكت ده من فضلك إقلعه!

برق سيف لوهلة مندهشًا، فمشط الشرفة المطولة بنظرة متفحصة وبدون أي تفكير نزع عنه جاكيته الجلدي وأسقطه أرضًا هاتفًا بقلقٍ: أهو. لو ده اللي مسببلك الحالة الغريبة دي مش هلبسه تاني أوعدك بس طمنيني إنتِ كويسة؟!
استعادت جزء من ثباتها فابتعدت عن المقعد الذي تتمسك، وقد أحاطها حرجًا جعل وجهها أحمر قاني، فتلعثم قولها المرتبك: آآ، أنا أسفة، أنا بس افتكرت شخص مش حابة أفتكره، أنا بعتذرلك تاني يا دكتور سيف.

وهرولت من جواره تهمس بحرج: عن إذنك.
أوقفها حينما طالت يده معصمها دون ارادة منه ليوقفها: استني، متخرجيش كده إهدي بس وخدي نفسك الأول
ارتعش جسدها وعينيها جاحظة على يده الممسكة به، فدفعته بكل قوتها وهي تصرخ: يماااان ابعد!

تجمد محله فور أن استمع إليها تنطق بإسم رجلًا يجعله لأول مرة يشعر بالكره الشديد تجاه هذا الرجل الذي لم يراه ولا مرة ولا يعلم حتى الصلة التي تجمعهما، كل ما يشعر به بأن كره إسم يمان ولا يود سماعه مرة أخرى.
هدأت قليلًا وتغلبها الحرج لما تفعله منذ تجمعها به، فهمست بصوتٍ لا يحمل الا الخجل الشديد: أنا آسفة أرجوك سامحني.
واستدارت لتتجه للمغادرة فأوقفها متسائلًا: راحة فين؟

أجابته ومازالت توليه ظهرها: همشي مش حابة أقعد.
دنى منها سيف حتى بات قريبًا، فابتلع غصته المؤلمة داخله وسيطر على انفعالاته قائلًا: السهرة لسه في أولها.
واستطرد بمحاولة لتلطيف الاجواء: لو لسه لابس أي حاجة مسببلك ازعاج هقلعها فورًا.
ومسك ياقة قميصه الأسود المندث ببنطاله: مش عجبك القميص ده أقلعه هو كمان؟
أشارت له بهسترية: لأ، لأ كويس.

منحها ضحكة جعلتها تبتسم، فاقترب منها يحاول اختلاق أحاديث تجمعهما: طمنيني حد اتعرضلك بالجامعة النهاردة تاني؟
أجابته وهي تستند على السور بخفة: لأ خالص. واتفاجئت بالبروفيسور بيبهدلهم على اللي حصل في الفصل، وكان هيعملهم فصل.
استند على السور بمسافة معقولة بينهما: طب كويس. كان لازم حد يحطلهم حدود.

هزت رأسها وعادت تتطلع إليه لتخبره بانزعاجٍ: بس أنا لسه قلقانه يحطوني في دماغهم بعد اللي حصل وكده، لإن الشاب ده نظراته ليا مكنتش لطيفة.
بث لها الأمان والطمأنينة: ولا يعرف يعملك حاجة. ولو حصل أنا موجود مش هتخلى عنك أبدًا يا زينب.
عاد قلبها يخفق مجددًا، ذاك الأبله الذي سبق وإنخدع تحت شراع الحب الكاذب، ذاك الذي وضعت من حوله ألف سور وختم على ميثاق بعدم سقوطه بتلك الأكاذيب مجددًا.

توترت من أمامه وسحبت عينيها للأسفل، تراقب المارة بشرودٍ تام بينما مازال سيف يراقبها.

بالخارج.
قدم جمال الزهور إلى ليلى قائلًا: مبروك الافتتاح يا دكتورة ليلى.
التقطته منه بابتسامة عذباء: الله يبارك فيك يا بشمهندس. ليه بس تعبت نفسك؟
أجابتها صبا التي تحتضنها: تعبك راحة يا دكتورة، قوليلي بس أيه الجمال ده كله؟
سحبتها جانبًا لغرفة الفتيات، بينما انضم يوسف وعلى لعمران وجمال، فتساءل وهو يتطلع خلفهما بذهول: آدهم واعتذر فين أيوب هو كمان؟

أجابه عمران: رجع مقتول بعد ما قضى اليوم مع استاذ ممدوح.
برق على بعينيه بدهشة: سلمته لاستاذ ممدوح يا عمران؟
ضحك وهو يجيبه بوقاحة: مش أحسن ما تستلمه البت اليهوديه، على الأقل الاستاذ ممدوح مننا وعلينا ومعروف أخره أيه!
أمسك جمال كف يوسف يتساءل: فكك من الواد ده وطمني أخبار أكلة السمك أيه كله تمام ولا هنقضيها مطاعم؟

اتجهت الانظار إلى يوسف المصعوق، تجردت عنه الكلمات وجحظت عينيه بوميضٍ جعلهم يتجهون بابصارهم تجاه ما يجذب انتباهه فوجدوا سيف يقف بالشرفة ولجواره فتاة لم يتعرف عليها الا على وعمران الذي تنهد بيأس وتيقن بأن يوسف سيخطف زينب رغمًا عن الجميع لأخيه!
فرقع جمال أصابعه أمام يوسف مناديًا: يوسف. إنت يا ابني روحت فين؟
خرج عن صدماته مرددًا بابتسامة واسعة: مين البنت اللي واقفة مع سيف دي؟

ووزع نظراته بينهم: أكيد تبع حد فيكم. وبما إنكم كلكم متجوزين يبقى أكيد دي سينجل وبما إن سيف واقف منشكح معاها بقاله فترة يبقى هي المنشودة وبما إنها المنشودة بينا نكتب كتب الكتاب ونحدد الفرح والذي منه.
دفعه عمران ساخطًا: حيلك يا عم إنت مصدقت قفشته واقف مع واحدة. على كده هتجوزه نص بنات الجامعة والجيران بالمرة!

عاد لمحله يتابعه بسعادة وكأنها امرأة تتمنى أن تجد عريس مناسب لابنتها التي قفزت من قطار الزواج، ليعود بوجهه إليهم بحزم: تبع مين دي بقولكم؟!
ابتسم على وهو يجيبه: أخت مراتي يا يوسف هديت؟!
هز رأسه نافيًا: مش ههدى الا لما أجوزهم.

ضرب جمال كف بالأخر: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، هو أنت مصدقت تمسك أخوك واقف مع واحده، طيب اصبر حتى يمكن البنت تكون مرتبطة أو اللي بينهم شيء بريء مش واصل لحوار جواز والكلام ده!
ردد باصرار: هجوزهم يعني هجوزهم إن شاء الله حتى أخطفها.

ضحك على بعدم تصديق، بينما أحاط عمران كتفه: في أيه يالا إنت ليه محسسني إنك أول مرة تشوف نسوان، حبيبي لو دكتورة ليلى طلعت وشافتك بحالتك الغريبة دي هتقلب الليلة عليك ومش بعيد نتلم كلنا في محكمة الأسرة.
وتابع بسخط: أمسك نفسك مش كده. مش من أول مزة تقفشها مع الواد تجوزهاله إتقل تأخد حاجة على الزيرو مش بعيد تعتر في خواجية تغيرلكم النسل لألوان مبهجة إيشي شعر أصفر وعين أزرقكيك وآ.

أحاط على كتف عمران وهمس له بنظرة جامدة: أيه رأيك تسيبك من دكتور يوسف وتخليك معايا. نأخد وندي مع بعض ونشوف العينات والنسل ده على مزاج!
ترك عمران يوسف ورسم ابتسامة حمقاء: مالك يا علوى أنا بهزر مع جو. وزيادة تأكيد أنا اللي هجوزهاله يا جدع!
تعالت ضحكات جمال الرجولية وشاركه علي، تركهم يوسف وإتجه للشرفة فهمس جمال: إلحقوا.

اتبعت النظرات يوسف بذهول، فوجدوه يدلف للشرفة بابتسامة واسعة جعلت زينب تستدير لذلك الغامض الذي يقترب منها، بينما اتسعت عين سيف بصدمة وأسرع لاخيه يترجاه بهمسٍ منخفض: اارجع يا يوسف أبوس إيدك متفضحناش. ارجع.
أبعده من أمامه بقوة وكأنه نسمة هواء عابرة، فسانده عمران ليحيل عن سقوطه فهمس له برجاء: الحق صاحبك هيفضحني قدامها يا عمران.

اتاهما صوت يوسف المتفائل وهو يمد يده لمن تراقبه بدهشةٍ: دكتور يوسف أخو دكتور سيف الكبير والمسؤول عن أموره الشخصية والعاطفية يعني تقدري تقولي كل شيء يخصه.
وجود عمران لجوارها وعلى الذي يقترب إليها جعلها ترسم ابتسامة رقيقة وبادلته الصفح قائلة برقة: أهلًا بحضرتك يا دكتور. اتشرفت بيك.
ابتسم بحبورٍ وقال: أنا اللي كلي شرف أقسم بالله.
وتابع بلهفة: إنتي بتدرسي؟

رغم غرابة ما يحدث الا أنها تطلعت لعلي وأشارت: أنا مع دكتور سيف بنفس الكلية.
تهللت أساريره بشكلٍ ملحوظ واستدار يشير للشباب بفرحة: معاه في الجامعة هااا، يعني دكتورة كمان! متدينة وجميلة مفيش أي موانع هنا.
وعاد يسألها: مرتبطة يا أنسة؟
جذبه عمران للخلف وهو يهمس له: استهدى بالله يا يوسف مش كده!
أبعده يوسف بغضب: اصبر يا عمران، اديها فرصة ترد، ها يا آنسة؟

ارتسم الخوف على معالم وجهها وهزت رأسها بالنفي، فصاح بحماس: يبقى نتوكل على الله ونيجي البيت نطلب إيدك لدكتور سيف.
جذبه جمال وعمران يحاول إبعاده هاتفًا بحنقٍ: يا عم فزعت البت اهدى بقى إنت أول مرة تشوف لحمة!
أخذت زينب خطوة تجاه على فتغلب على ضحكاته قائلًا بهدوء يحاول التمسك به: متقلقيش يا زينب دكتور يوسف بس بيحب يهزر.

هز سيف رأسه بتأكيد وقال بحرج: أنا بعتذرلك بالنيابة عن أخويا، هو بس مش واخد إني أقف مع أي واحدة فتلاقيه بس رسم كذا سنياريو غرامي.
كبتت ضحكة كادت بالانفلات منها وخاصة حينما دفعه يوسف للخلف قائلًا: بتعتذر ليه عجبني ذوقك وهندخل البيت من بابه وأبوابه الاتنين هنا أهو تحب نبدأ بدكتور على ولا عمران الوقح؟
ضحك على بقوةٍ فترك زينب وجذب يوسف قائلًا: تعالى معايا يا يوسف، عايزك جوه.

وأشار لاخيه: خد زينب عند البنات يا عمران.
اتبع سيف على وردد برهبة: خد بالك منه يا دكتور علي، لينزل ويرجع بالمأذون وتبقى الفضيحة كملت!
استدار يوسف إليه يؤكد له: هجوزهالك يالا أقسم بالله النهاردة من بكره مش هتفرق!
طرق بيده على جبينه بقلة حيلة، بينما انفجر جمال ضاحكًا حتى أحمر وجهه، فقال عمران بغضب: حبكت يعني تقف معاها قدام أخوك! ده بيتمنى لحظة زي دي!
رد عليه بضيق: وأنا إيش عرفني إنه هيعمل اللي عمله ده!

واستطرد بخوفٍ: أمال لو عرف إني اتخانقت مع الشاب في الجامعة عشانها هيعمل أيه؟
بالداخل.
سيطر علي على ضحكاته بصعوبة وردد بابتسامته الهادئة: خلاص والله هكلمها وأشوف دماغها. مع إني متأكد إنها رافضة الارتباط بالوقت الحالي لإنها لسه في تانية جامعة...
وتابع بثبات: سبلي إنت الموضوع ده ومتشلش هم يا دكتور.
طرق على ساقه ونهض يشير له: بينا بقى نأكل، الجمبري والسمك زمانهم بردوا.

لحق به على للخارج، فتجمع الشباب من حولهما، فتساءل سيف بارتباك: ها يا يوسف أحسن دلوقتي؟
منحه نظرة ساخطة: حد قالك أني كنت بطلع في الروح!
واستطرد ببسمة انتصار: وكلت الموضوع لدكتور على هيشوف دماغ البنت وهيرد علينا.
صدم سيف وتغلف بالصمت، لا يعلم لما شعر بفرحة داخله رغم أنه يرتدي قناع التذمر، راق له الأمر حتى وأن كان ما يحمله تجاهها إعجاب مبدئي.

بالغرفة المجتمع بها الفتيات.
فردت مايا أطباق الطعام على المنضدة برفقة صبا وليلى، ووزعت فاطمة العصائر قائلة: مكنش له داعي ترهقي نفسك بالشكل ده يا دكتورة ليلى.
ابتسمت لها برقة وقالت: ولا تعب ولا حاجة. كله يهون عشان عيونكم بس يا رب أكلي يعجبكم.
أجابتها مايا وهي توزع الأطباق: من ريحته باين إن في عظمة مستنيانا.
بنفس الابتسامة الرقيقة قالت: ألف هنا على قلوبكم.

وتابعت وهي تكشف الغطاء عن اللحم: أنا عملتلكم لحوم أفضل من الاسماك اللي عملتها للشباب، يوسف وسيف مصممين أعملهم سمك معرفش ليه؟
ضحك صبا ورددت: هما الرجالة كده دايمًا خلف خلاف، يعني كوني على ثقة لو كنتي عملتي لينا سمك كانوا طلبوا لحوم.
تعالت الضحكات بينهن الا تلك الشاردة التي تعيد بمخيلاتها ما حدث منذ قليل، فمالت عليها فاطمة تتساءل بقلق: مالك ساكتة ليه؟

ارتسمت بسمة مخادعة على وجهها وقالت: مفيش أنا بس سرحت شوية.
وضعت فاطمة الطبق من أمامها وهمست مجددًا: طيب كلي عيب كده دكتورة ليلى تعبت في الأكل وممكن تفكرك قرفانه أو مش عجبك.
هزت رأسها بتفهمٍ وبدأت تتناول ما قُدم لها، أما بالخارج هبط الشباب جميعًا لسيارة عمران، بينما نادى يوسف ليلى يخبرها بحنان: حبيبتي إحنا نازلين خدوا راحتكم واحنا ساعة أو ساعتين وراجعين.
ضيقت حاحبيها بذهول: رايحين على فين يا يوسف؟

رد عليها وهو يجذب الحقيبة الصغيرة الخاصة بباقي الاطعمة: هنروح شقة سيف، أيوب وآدهم مقدروش يجوا فميصحش نأكل من غيرهم، هننزل نأكل مع بعض وبعدين نرجع على هنا، خدوا راحتكم.
هزت رأسها بابتسامة هادئة، ففجأها حينما ضمها لصدره طابعًا قبلة أعلى جبينها: تسلم إيدك على الأكل مبدئيًا. انا عارف انك تعبانه طول الليل وبتحضري فيه من بدري.

تمسكت بجاكيته الأزرق قائلة: كله يهون عشان عيونك يا حبيبي، يلا انزل عشان متتأخرش على اصحابك.
ودعها يوسف وهرول للأسفل لينضم للشباب فتحرك بهم عمران لشقة سيف.

صعدوا للأعلى وجذب على ويوسف طاولة يضعون الطعام من فوقها، بينما ولج سيف لغرفة آدهم يحاول إيقاظ أيوب الذي غمغم بانزعاجٍ: يا سيف سبني أنام أنا راجع تعبان.
انتصب بوقفته تاستدار تجاه عمران المستند على باب الغرفة جوار آدهم، فسأله بشكٍ: انت عملت فيه أيه يا عمران؟
نزع عنه جاكيت بذلته وشمر قميصه لأعلى ساعديه مشيرًا بحدة: قتلته، ارجع ورا كده وسبني بقى أصحيه من الموت بمعرفتي.

وجذبه من تلباب قميصه كأنه يسحب مجرمًا لزنزانته، صائحًا بعنفوان: فوق يا عم القتيل جايبلنا الكلام ونايم مستمتع، إنت من رجال الكهوف اللي أول مرة تشوف مرتبة فيبر!
ضحك آدهم وانضم إليه يحرر رقبة أيوب الذي يوزع نظراته بينهما بغضب ساحق، فأخبره آدهم: تعالى كل معانا وارجع نام براحتك، سيف مش جايله قلب يخليك تنام من غير ما تأكل.

خطف نظرة سريعة لسيف الذي أكد له بإيماءة رأسه، فاستقام بوقفته يصيح بنفور: طيب طرقونا أغسل وأغير هدومي ولا هتشاركوني في دي كمان؟
غمز له عمران بمكر: لا ميصحش تقلعي قدام تلات رجالة يا عسلية، كله الا الشرف مبقاش حلتنا غيره من الدنيا!
واستطرد بسخرية وهو يتجه للخروج: أمال لو مكنتش البت مثبتاك قدامنا!
كبت آدهم ضحكاته وأشار لايوب: معلش معلش، عديها.

ولحق بعمران بينما صاح سيف بغضب: ممكن تفهمني إنت كنت فين وقافل موبيلك ليه من الصبح والأهم أيه اللي يجمعك بعمران ده من الأساس؟!
دفعه أيوب للخارج وصفق الباب من خلفه: بعدين يا سيف الحكاية مش نقصاك.
بدل أيوب ملابسه واتجه للخارج لينضم لطاولة الطعام التي صنعها على ويوسف، وشرع بتناول طعامه مبتسمًا وسط أجواء المرح المتبادلة بينهم جميعًا.

قاطع أجوائهم صوت دقات الباب الخافتة، فتطوع هو ليفتح الباب بعدما وجد الشباب يتهربون من فتح الباب وكأنهم سيواجهون وحشًا سيفترسهم لا محالة، حرر أيوب باب الشقة، فجحظت عينيه صدمة مما رآه، وجهها متورم بشدة والدماء تنفجر من كل أنش به، بينما يدها تضم بطنها النازف لنفورة من الدماء فردد بهمسٍ مرتعب: آديرا!

تراخى جسدها أسفل قدميه فلم يجد ذاته الا بأنه يحيط بها رغمًا عنه، فوجدها تحرر صوتها المتألم إليه ودموعها لا تتوقف عن الهبوط: لقد كنت محقًا أيها الإرهابي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة