رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والتسعون
وضع النادل كوبين من العصير على الطاولة القريبة من مياه البحر المحاط لجانبي المطعم، في جو مشحون بالتوتر والصمت القاتل، الا من صوت طرق حذائه الذي يطرق به أرضًا ليحجب عصبيته المفترسة، بينما يميل مستندًا على كفيه وهو يراقبها وهي تدفن وجهها أرضًا وكل فترة والآخرى تمسح دمعة منهمرة على وجهها، وما أن ابتعد النادل حتى شق صوته الرجولي أجواء الصمت بينهما: أنا مستني أسمع منك تفسير واضح وصريح، فياريت متختبريش صبري أكتر من كده لإني مش هقدر أسيطر على الوش الهادي اللي قدامك ده كتير، فأتكلمي أحسنلك.
تعالى صوت بكائها ومازالت يدها تكمم فمها خوفًا من أن يستمع أحدٌ حديثهما، بالرغم من أن المكان كان شبه فارغ من حولهما لأن الوقت كان باكرًا، بحثت عينيها في كل مكان حولها حتى استقرت بعيني إيثان الغاضبة، الذي أعاد تكرار كلماته وأسنانه تناطح بعضها البعض: مش هكرر سؤالي تاني يا كريستين، كنتِ طالعه الشقة دي لمين ومعاكِ السكينه دي ليه، فهميني عشان الشكوك اللي مالية رأسي هتخليني أكسر التربيزة دي فوق دماغك.
رفعت عينيها الباكية إليه تستجديه توسلًا، وحررت صوتها المبحوح تخبره: خايفة أدخل الحرب دي وخسارتها هتكون ثقتك فيا يا إيثان، والمشكلة إن اللي بينا مكنش كفايا عشان تثق فيا يعني معاك عذرك.
ابتلع تلك الغصة المؤلمة لحلقه، وتلاشى عن غضبه، فبحث بعينيه عن النادل الذي أتى مهرولًا إليه، وخطيبته تراقبه باستغرابٍ، وخاصة حينما جذب مبلغ طائل من المال، وقدمه إليه قائلًا: أقفل باب المطعم ساعة واحدة بس، واعتبر المكان محجوز.
تعلقت نظرات الشاب بالمال وكأنه لم يرى تلك الحزمة من قبل، فهز رأسه بابتسامة واسعة: عنيا يا كابتن.
وغادر ينفذ تعليماته، بينما مال إيثان على الطاولة مستندًا بكلتا ذراعيه عليه، ينصب عينيه عليها وكأنها موضع اهتمامه بالكون بأكمله: أنا واثق فيكِ، وقعدتي قدامك دي أكبر إثبات ليكِ، أنتِ أكتر واحدة عارفاني يا كريستين، وعارفة إن إيثان مكنش هيعدي حوار الشاب اللي كنتِ واقفة معاه من كام يوم ده ولا كان هيتنقل من قدام باب الشقة دي من غير ما يعرف من اللي فيها، بس أنا إخترت أثق فيكِ وأنزل معاكِ وأسمعك زي ما طلبتي، ده ميبررلكيش ثقتي فيكِ؟
حركت رأسها توافق حديثه وقد تعالى صوت بكائها، وإنكسارها يصاحبه، لا تعلم كيف ستخبره بما يلاحقها، تسلل كفه يحيط يدها المسنود للطاولة، التي تحمل إحدى أصابعها دبلته، أحاطها بقوته الذكورية، فشعرت وكأن أصابعها الرقيقة ستهشم بين يده، بينما يردد بحبٍ: إتكلمي وإحكيلي يا كريستين، أنا عمري ما هكون ضدك.
سحبت حقيبتها تخرج منها هاتفها، عبثت فيه ثم أدارته إليه وهي تبكي دون توقف، جذب منها الهاتف فتفاجئ بفيديو فاضح لها مدته دقيقتين، تمارس فيه المحرمات مع شخص لم يتضح معالمه، بل وجهها الذي يبدو بوضوحٍ، وهي عارية تمامًا، اتسعت مُقلتيه في صدمةٍ كادت أن تصييه بذبحةٍ، وبصعوبةٍ تحركت عينيه لها، فتهربت منهما وهي تخبره بانهيارٍ: مش أنا، صدقني مش أنا.
عاد يتمعن بالفيديو بصدمة، نفس تعابير وجهها الخجول حينما يخبرها بكلمات الحب، نفس تفاصيل جسدها الخارجي، نفس الوزن تقريبًا، سحق أسنانه بعنفٍ، أغلق الهاتف وقلب وجهه بحدة على الطاولةٍ، لا يريد رؤية المزيد، لا يريد الحديث حتى عن الأمر، عقله يكاد أن يجن جنونه.
سحب كوب المياه البارد المجاور لكوب عصيره، يتجرعه مرة واحدة، عساه يطفئ من ثورته الشاعلة، ثم عاد يتطلع لها، وبصوتٍ آمر بالجحيم: احكيلي.
تعالت شهقاتها بانهيارٍ، بينما يفقد هو كل الهدوء المخزن لديه، يود الصعود في الحال ليقتل من بالشقة، لأنه بات الآن على خلفية واضحه بالأمر، من المؤكد أن هناك عملية ابتزاز إلكتروني تمس حبيبته، وذاك السفيه الذي إلتقت به في هذا اليوم من المؤكد أنه نفسه من يسكنها.
رطم الطاولة بيده وهو يصرخ بانفعالٍ: اتكلمي يا كريستين.
رفعت عينيها إليه ورددت باصرارٍ والخوف يتراقص بين حدقتيها: مصدق إن دي أنا ولا لا؟
زوى حاجبيه بدهشةٍ وقال: أنا لو مصدق إن دي إنتِ كنت هكون لسه قاعد قدامك، كنت هجيبك من شعرك ومش هيهمني إنك لسه خطيبتي مش مراتي، بعيدًا عن ثقتي فيكِ فأنا سامع كويس بقصص الابتزاز الالكتروني اللي انتشر بالفترة الاخيرة.
وتابع وكفه يعود ليحتوي كفها من جديد: اتكلمي واحكيلي بالتفصيل اللي حصل.
ردت عليه وقد عاد البكاء إليها: كنت بتفرج على فيديو ريلز من على الفيس بوك، وإتعرض قدامي اعلانات عادية، من بين الاعلانات كان اعلان لعبة شدتني وحملتها، وكنت بلعب عليها باستمرار لحد ما خلصت المرحلة الأولى فجاني إني كسبت إيفون.
وأضافت وقد امتلأت العبرات بعينيها من جديد: أنا كنت عارفة إنها اشتغالة بس قولت أسلي نفسي وأشوف أخرتها أيه، اتبعتلي اعلان إني لو عايزة أسجل على السحب أدخل اللينك وأملي البيانات، وفعلًا فتحت اللينك بس اول ما عملت كده موبيلي هنج بشكل غريب، وبعد كده رجع اشتغل طبيعي جدًا.
وتابعت وقد انهارت تمامًا: مكنتش أعرف إني بمجرد ضغطتي على اللينك ده موبيلي كله اتسرب للكلب اللي شوفتني واقفة معاه ده، ومعرفش قدر ازاي يعملي الفيديو المتقن ده، أنا قعدت ساعة بشكك في نفسي، البنت اللي في الفيديو دي متختلفش عني نهائي بشكل رعبني وخلاني أنخضع لتهديداته كلها.
احتقنت معالمه بأكملها، وقبل أن يسألها منح لذاته مدة ينظم أنفاسه الصاخبة: خضوع من أي نوع يا كريستين؟
سحبت كفها منه والخوف يزداد تمكننًا عليها، فأخبرته وصوت بكائها يرتفع: كان بالبداية بيطلب مني فلوس، لحد ما استنزفني، أنا سحبت كل فلوس اللي بابا حطهالي في البنك قبل موته، سحبتها من ورا ماما ومهمنيش غير انه يحذف الفيديو، بس لما لاقاني مقدرتش أدبرله أي مبالغ تانية، هددني وقالي أجيله أقابله بالشقة دي وأعمل اللي هيتطلب مني والا هينشر الفيديو ده، اترجيته يصرف نظر عن اللي طلبه ده وهو رفض، حتى لما قابلته طلبت انه يكون في الشارع عشان ميقدرش يأذيني وهو نفسه اليوم اللي إنت شوفتني فيه، بس مازال مصر وبيزيد في تهديداته، وكل ما أبلك حساباته بيعرف يوصلي!
انكمشت بمقعدها حينما صرخ بعصبية بالغة: وأنا فين من كل ده؟ إزاي خبيتي عليا المصيبة دي وبكل جراءة طالعاله الشقة! كنتِ مستانية يعمل معاكِ أيه تاني عشان تقوليلي!
خبأت وجهها بين يديها ورددت ببكاء: مقدرتش أصارحك بحاجة، أنا خوفت تصدق إن دي أنا يا إيثان.
وأبعدت كفها وهي تخبره بانكسار: زمان لما كانوا بيفركوا الصور كان بيبان إنها متفبركة لكن دلوقتي باللي شوفته ده أنا نفسي شكيت إن دي انا، متخيل!
فرد كفه فوق الطاولة، وبنظرة واثقة قال: متسحبيش ايدك من إيدي أبدًا، وبصيلي وافهمي كلامي كويس.
مدت يدها له على استحياء، فقبض على كفها وقال وعينيها تذوب بين نظراته، كأنه ينقل لها كل الامان الذي افتقدته طوال تلك الفترة المنصرمة، تحرر صوته الخشن بصرامة: متفكريش في أي حاجة، أنا هتصرف بس بأمانه مش هقدر أعديلك انك خبيتي عني الموضوع ده، ولا هغفرلك إنك عيشتي في الضغط الكبير ده لوحدك والمصيبة إنك فكرتيني هصدق عنك كده.
واستطرد بغضب طل رغمًا عنه: كان قدامك أكتر من فرصة تعرفيني فيها اللي بيحصل معاكي، واليوم اللي الكلب ده كان واقف فيه معاكي لو كنتي قولتيلي كنت قتلته.
أجابته وهي تشير على حقيبتها: وأنا ميرضنيش تضر بسببي، عشان كده كنت هقتله عشان أرتاح منه ومن تهديداته، لانه كل مرة بياخد مني فلوس بيحذف قدامي الفيديو وبيرجع يفاجئني بنسخة تانية وبفيديوهات جديدة.
سحب الحقيبة منها ينتشل منها السكين، يلقيه بالنهر المجاور له، ثم جذب هاتفها، ودفعها أمامه برفق: انا هتعامل مع الكلب ده، هوصلك البيت الأول.
استدارت تتعلق به برعبٍ: هتعمل أيه يا إيثان؟
شدد على معصمها واتجه للخارج وهو يردد بغضب: مش عايز كلام كتير، امشي قدامي.
خطى جوارها للمنزل، ولم يهتف بكلمة واحدة، بينما قلبها لم يتوقف عن دق الطبول خشية من الحرب القادمة، تخشى ان يصيبه السوء بسببها، فوقفت أسفل بنايتها تتمسك بيده، وهي تهتف بتوسل: متروحلوش يا إيثان، أنا خايفة يأذيك، عشان خاطري بلاش.
سحب يده وأشار بحزمٍ: اطلعي فوق ومتدخليش في اللي هعمله.
انهمرت دموع حسرتها، وارتابت من أن يُشاع الأمر، فراقبت شرفة شقتها تتأكد من عدم وجود والدتها ثم عادت تتطلع له، وبوجعها الغائر همست له: طيب بلاش تعرف ماما حاجة، ولا توري الفيديو لحد.
تألم نياط قلبه لأجلها، نظرة الإنكسار المحاط بسحر عينيها كسره هو، فربت على معصمها يبث لها الطمأنينة: متخافيش يا كريستين أنا مش هتكلم معاها في حاجة ولا هسمح للحقير ده ينفذ اللي في دماغه، إطلعي بيتك واطمني، أنا موجود ومستحيل أسيب الكلب ده يلوث شرفي وعرضي.
لمستها كلامته بشكل جعلها تقشعر من نسبها له بكل تملك، راق لها موقفه وحديثه، خوفه وغيرته، حبه وغضبه، كل شيء به جعلها تتأكد إنه يستحقها ويستحق سنوات صبرها، ولكنها لم تستطيع التغلب على خوفها الشديد عليه، بداخلها يعلم بأن الأمر لا يخص شاب يهددها، الأمر اكبر مما تتخيله.
صعدت للأعلى بينما سحب هو هاتفه وقال بوجومٍ مخيف: اقفل المحلات وهات الرجالة كلها على العنوان اللي هبعتهولك.
أتاه صوتًا مفزوعًا: ليه هببت أيه يا إيثان!
بحزمٍ قاطع هدر قبل أن يغلق بوجهه: حالًا يا يُونس!
عادت ليلى تطرق الباب وهي تصيح بغضب: سيف افتح الباب ده، بقالي ساعة بناديلك!
وأضافت لتستميل عاطفته: طيب قدر إن ابن اخوك جعان!، يا تدخلي أكل يا تخرجني، او على الأقل وصل سلك التليفون بتاع مكتب زينب، إنت شلته ليه معتش فيه حرارة!
طالعتها زينب بنظرة ساخرة وهدرت: وأنا بقالي ساعة بحاول أقنعك إن الغرف فيها عازل صوت مش مصدقاني، يعني لا سيف ولا مخلوق من اللي برة سامعنا!
استدارت للخلف وهي تتطلع لها بنظرة احتلتها الصدمة، وهمست: يعني أيه؟!
ضحكت وهي تخبرها: يعني اتصلي بجوزك الدكتور يجي يطالعنا، أنا هكلم على وهخليه ينقلني تحت تدريب دكتور تاني غير سيفو حقنه ده، العملية مش ناقصة عقد.
واضافت وهي تستند على مرفقها: وبفكر جديًا في الطلاق، لانه مش هيتهاون إني كشفت سره وممكن يقتلني.
استدارت ليلى إليها والغيظ يكتسح معالمها، فجذبت حقيبة يدها وقذفتها من فوقها، وهي تصيح بضيق: هنموت هنا وإنتِ بتفكري في مستقبلك، فكري في الحاضر وشوفي هنطلع من هنا ازاي!
أبعدت زينب الحقيبة عن وجهها وهدرت: اتصلي بيوسف يطلعنا بقالي ساعة بقولك.
لمعت عقلها بما قالت، فانحنت تجذب حقيتها، هامسة بحماس: فاتت عني فين دي!
تحرر صوت الباب فاستدار كلًا منهما إليه، وفجأة قُذف يوسف تجاههما وانغلق الباب على الفور، فتلقفته الأرض بأحضانها، حتى سقطت عنه نظارته الطبية، التقطتها وارتداها وهو يصيح بانفعال: بقى كده يا سيف!
تقابلت عينيه مع زوجه أخيه وزوجته، فرسم بسمة بلهاء وقال: أكيد يا لولا معرفتيش تمسكي لسانك كالعادة، والمرادي التأديب طالك أنتِ واللي فتش سر العيلة.
ربعت يديها أمام صدرها بغضب: يعني أيه؟
هز كتفيها والضحك لا يفارقه: يعني سي?و حبسني معاكم هنا لحين إصدار قرار الحكم في جريمتنا!
خرج من غرفة الاجتماعات يتابعه، وهو يتحاشى الحديث معه، كان القلق يعج ملامحه ويسيطر عليه سيطرة كاملة، لحق به عُمران لمكتبه الخاص، ولج للداخل يغلق الباب من حوله، وتحرك للاريكة التي سبقه إليها جمال، جلس جواره وسأله بهدوء: مالك؟ وشك انخطف من ساعة ما قولتلك على رسايل التهديدات اللي بتوصلني!
لف جسده تجاه محل جلوسه، وقال باختناقٍ: عُمران إنت عارف كويس مين اللي ورا التهديدات دي، فبلاش تعمل نفسك عبيط.
تعمق بعينيه والصمت يجتازه، حتى قال بجرأة: عارف وميهمنيش، أنا مش هخضع للخنازير دول وانا عارف وفاهم إنهم بيعملوا كده معايا ومع أي رجل أعمال تقيل راجع يفيد بلده خاصة لو مصر، الكلاب دول مش عايزين البلد دي تتقدم خطوة، عايزين يوقعوها، بيدخلوا باغراءات الارباح وتوفير كل سبل الراحة للمستثمر عشان يعمل مشروعه برة مصر والعالم العربي كله، خايفين مننا ومن اللي ممكن نوصله في يوم من الأيام.
وأضاف وهو يسند ظهره للاريكة: وأنا مش راجع بمشروع واحد، راجع بمشاريع هتشغل ناس كتيرة جدًا، هتقلل البطالة وهتزود الدخل وتحسن اقتصاد البلد وده هما مش عايزينه.
رد عليه جمال بضيقٍ: مهما يحاولوا مش هيقدروا، بس كلامي هنا غير يا عمران، من حوالي سنة ونص ظهر سلمان أحمد، كان رجل أعمال تقيل وله قدره في البلد، بأخر فترة من حياته قرر يفتتح شركات أدوية معينة كنا بنستوردها من أمريكا، وسمعت انه جاله أكتر من إنذار إنه يتراجع عن اللي بيعمله، لكن للاسف مترجعش فبعدها مات في حادثة عربية بشكل غامض وغريب، الصحافة والتليفزيون أكدوا إن الخبر طبيعي، بس طبعًا اللي حوليه كانوا واثقين مليون في المية إنه مدبر ومقصود.
ووضع يده على ساقه وهو يتابع بحزنٍ وقلق: خايف عليك يا عُمران، الناس دي مبتهددش كده الا وهي قادرة تنفذ اللي بتقوله، احنا مش لازم نسكت على الرسايل دي، هنطلع ونقدمهم للنيابة.
راقب شدة يده بابتسامة جذابة، وقال يمازحه: متخافش على صاحبك، خاف عليهم مني أنا يا عبحليم!
ونهض يجذب مفاتيح السيارة وهو يشير له: سيبك بقى من جو مراتي الزنانة اللي مرعوبة عليا ده وقوم يلا ننزل حارة الشيخ مهران، واثق ان الشقة اللي اختارتها هتعجبك إنت ودكتور الحالات المتعثرة، أنا بعتله اللوكيشن بس هو موبيله مقفول، لما يفتح هيحصلنا.
وتابع وهو يستدير متفقدًا محله: انا مخلتش إيثان يشيل حاجة منها، عجبني اوي الكنب البلدي والديكور البسيط اللي فيها، بيقول إن الشقة دي كانت بتاعت جدته الله يرحمها ورفض يفرط فيها، وكالعادة لما حد ييقرر يفرط في الغالي مبيقدمهاش الا للغالي!
ضحك رغمًا عنه وقال: طاووس مغرور.
شاركه الضحك الرجولي وهتف بعنجهيةٍ صارمة: قصر لأقص لسانك النهاردة.
أضاف جمال بعدما استمع لما قال: وزود عليها إنك وقح يا بشمهندس.
غمز له بمشاكسةٍ: لاغيني في أي حاجة هتلاقيني رقبتي سدادة.
تعالت ضحكات جمال ولحق به للاسفل، حتى صعد جواره بالسيارة وتحركوا معًا لحارة الشيخ مهران.
وصل يونس أمام المبنى المنشود، فوجد إيثان بانتظاره، كان يرتشف سيجار بعنفٍ جعله يبدو كالبركان الواشك على الانفجار بأي لحظة وضحاها، ارتاب يونس لامره فامر الشباب الذين يعملون لديهما بالمحلات بالتوقف بعيدًا عنهما، واقترب منه يراقبه عن كثبٍ.
كان يستند على الحائط بقدم والاخرى مرفوعة من خلفه، يركل الحجارة الصغيرة من أمامه بعصبيةٍ بالغة، وما ان لمح يونس حتى ألقى السيجار من يده سريعًا، بينما الآخر يهتف بعدم تصديق: من امته وإنت بتدخن يا إيثان؟!
تنهد بضيقٍ، ما كان ينقصه غضب يونس وطوفانه بتلك الظروف العصيبة، والآن يتلقى عن صمته لكزة عنيفة منه: مش بكلمك انطق ورد.
أجابه بحنقٍ: من فترة ومش بشربها على طول، اطمن.
هدر فيه منفعلًا: لا يا شيخ! والمفروض إنك كده خرستني مثلًا.
شدد على فكه بعصبية بالغة وصرخ فيه: يُونس أجل حساباتك لبعدين وخليك معايا، كريستين واقعه في مشكلة، الكلب اللي شوفته معاها في السوق من كام يوم ده كان بيبتزها، ودلوقتي بدأ يهددها.
اندهش مما استمع إليه، وبديهيًا تساءل: بيهددها بأيه؟
حافظ على وعده، حينما تصرف بلباقةٍ: مش مهم بقى بيهددها بأيه، المهم إني عنده شيء يخصني وقبل ما أخد اللي عايزه لازم أربيه واخليه عبرة لمن يعتبر.
فهم يُونس أن الأمر حرج، ربما صنع لها فيديو خادش مثلما يحدث من عمليات الابتزاز الالكتروني المعروفة، لذا احترم رغبته ومسد على كتفه بقوة: متقلقش أنا هطلع معاك انا والرجالة وهنحل الموضوع.
صرح له بهدوءٍ: هطلع أنا والرجالة بس، إنت هتستناني هنا.
زوى حاجبيه بدهشةٍ، اتبعها قوله الساخر: ليه بقى إن شاء الله خايف عليا ولا وجودي هيشتتك عنه!
زفر بغضب من طريقته بالحديث، وقال يوضح له بعقلانية: يونس انت لسه طالع من الحبس ومش حمل بهدالة تانية، مش معقول هجازف بيك بعد اللي شوفته وخصوصًا إن كتب كتابك بكره.
رد عليه بغضبٍ: يعني إنت مالكش حق فيا زي ما هي وأهلي ليهم حق فيا يا إيثان، بلاش ده، لو إتعكست الادوار وكنت أنا اللي هنا كنت هتتخلى عني؟
هز رأسه بالنفي، فابتسم له وقال وهو يشير لرجاله باتبعه: الخسيس ده بالدور الكام؟
تخفى إيثان والشباب على الدرج، خشية من أن يتعرف عليه الشاب في اليوم الذي رأها تقف برفقته، دق يونس الجرس مرتين متتاليتين، وحينما لم يجد ردًا عاد يطرق الباب باصرارٍ أرغم من بالداخل على فتح جزء من الباب وقد توارى بجسده بأكمله من خلفه، لا يظهر منه الا رأسه، وبسؤاله الفظ هتف: عايز مين؟
شمله يونس بنظرة دقيقة، أنفاسه التي تنهج وكأنها في سباق، العرق الذي يجتاح جبينه، ارتدائه للملابس العلوية الداخلية، كل تلك الامارات أوصلت الحقارة التي يفعلها هذا الحقير بالداخل، لذا وبدون اي تردد قال: مش دي شقة إسماعيل لطفي؟
أجابه بفظاظة وضيعة: لا مش هي ياخويا، اتكل.
وما كاد بإغلاق الباب مجددًا حتى وجد قدمه الأسرع من رد فعله، فصرخ بحدة: إنت عايز أيه يا جدع إنت!
هاجمه بلكمة قوية في حين أن اجتمع الرجال من حوله، وأولهما إيثان الذي انهال عليه بالضربات القاتلة التي تستهدفه لتهينه مثلما أراد أن يفعل بحبيبته.
اغلق أحد رجال يونس باب الشقة وتركوا إيثان يتعامل معه، حتى بكى وصرخ وتوسل، فخرج على صوته من باب غرفة سرية رجلين يحمل كلا منهما سماعة خاصة بالحاسوب، فعلى ما يبدو بأنهم من يعملون على تلك القذارة، لذا تعامل معهم الرجال وقيدوهما جوار هذا السفيه، الذي سعل بكثرة دمائه، وهو يتساءل بصوتٍ يعلو بصعوبةٍ: إنتوا مين وعايزين أيه؟
ركله يونس بقدمه في بطنه وهو يجيبه: عملك الاسود في الدنيا.
أتى أحد الرجال مهرولًا يخبر يونس: ملقتش حد يا معلم يونس، مفهيش غير الكلبين دول وطالعين من الاوضة اللي هناك دي ومليانه أجهزة كمبيوتر كتيرة.
انضم له من ذهب لتفحص الجانب الآخر يخبرهما بتوتر: في بنت متربطة جوه في الاوضة دي، وشكلها مخطوفة يا معلم!
غلت الدماء بعروق يونس وإيثان، فانحنى إليه يجذبه من تلباب قميصه لاحد الغرف، بينما يشير ليونس ليخلص الفتاة، فهز رأسه بخفوت، وقال للرجال من حوله: استنونا هنا يا رجالة، متخلوش حد يطلع ولا يدخل أبدًا.
وتركهم وأسرع للغرفة، فتفاجئ بفتاة لا تتعدى العشرون من عمرها، وجهها ينزف بغزارة، ويديها متفرقتان على حوامل السرير المعدني، وبالرغم من أن فمها مكمم الا أن نظراتها نطقت كل الاستغثات والرحمة.
غض يُونس بصره عن ملابسها الممزقة، وأسرع يحررها وهو يردد بحزن عالق بصدره كلوح الثلج الجاف: متخافيش.
وما أن حرر يدها حتى منحها جاكيته الأسود، إلتحفت فيه تخفي ملابسها الممزقة، وتبكي بصوت جعله يشفق عليها، خاصة حينما انحنت تجذب حجابها وتضعه على رأسها.
اتخذت ما يقرب الخمسة دقائق لترتب ملابسها وتستعيد إدراكها، فرفعت بصرها نحوه واستدارت تجاه الكاميرا المزروعه بمنتصف الغرفة، وهي تردد بخفوت: أنت تبعهم؟
اجابها يونس ومازالت عينيه أرضًا: لأ.
وسألها هو بضيقٍ ذكوري: أيه اللي جاب واحدة متدينة زيك بمكان فيه أشكال زبالة زيهم؟
اعتصرت دمعاتها بقهرٍ ورددت بصوتٍ متقطع: ذنبي الكبير اللي حدفني هنا.
رفرف بأهدابه الثقيلة وسألها باسترابة: ذنب أيه؟!
رفعت وجهها المكدوم إليه، تتمنى لو تثق فيه، فقال بهدوء: متقلقيش اتكلمي عشان أحاول أساعدك.
أخفت وجهها أرضًا وقالت ببكاءٍ وندم لمسه بحديثها: حياتي كلها اتقلبت لجحيم من فيديو واحد شغلته على ريلز الفيسبوك.
تعجب من حديثها الغامض، وانتظر أن تقص له ما تقصد بحديثها، فقالت بشهقاتٍ مقهورة: فيديو رومانسي شدني بشكل خلاني أعيده أكتر من مرة، بس من بعده مقدرتش أخرج من الفرجة على الفيديوهات اللي من النوع ده، وأنا بقنع نفسي إنها فيديوهات رومانسية مش إباحي. ة بس مع الوقت حسيت إني عندي شغف أتفرج على حاجات أكتر، وكل مرة حاولت أحارب نفسي إني برتكب معصية وذنب كبير كانت الفيديوهات بتتفتح قدامي بشكل غريب.
وسقطت بنوبة من البكاء، جعلتها تستغرق دقيقتين حتى عادت لتستجمع قوتها وهي تخبره: التطبيقات كلها كانت بتعرض قدامي فيديوهات بتشجعني أشوف القذارة دي، حتى لو فتحت فيديو عادي أتفرج عليه على أي تطبيق كانت الاعلانات نفسها فيها مقاطع من الافلام دي، لحد ما أجبروني أتفرج ولأول مرة على فيلم كامل إباح. ي ودي كانت بداية المرار اللي عشت فيه طول الايام اللي، فاتت، كرهت نفسي وحياتي، مقدرتش اعيش وأنا حاسة بالنفور من نفسي ومن غضب ربنا اللي ملاحقني، حتى وقت النوم كنت بقوم مفزوعة إني أموت وأقابل ربنا وأنا بعصيه بذنب كبير، كل حاجة انهارت من حواليا، دراستي مبقتش مركزة فيها، خسرت أصدقائي كلهم لاني كنت بحب العزلة والوحدة عشان اتفرج على القذارة دي، اتسحبت جواها ومقدرتش أخرج، فيديو ورا التاني، وفيلم ورا التاني لحد ما بقيت مدمرة نفسيًا وجسديًا.
احتقنت معالم يونس حتى انه أوشك على الصراخ، لا يعقل أن تلك الفتاة البريئة سقطت في بئر الكبائر بسبب هاجس الرومانسيه الزائفة التي تبحث عنه، ومع ذلك حافظ على صمته فأي كلام سيُقال، بينما تستكمل هي ببكاء: وكل ما كنت بقرأ عن الاضرار الطبية وعقوبة ربنا عن اللي بعمله كنت بتراجع عنها فورًا، بس للاسف شيطاني كان بينتصر عليا، وبرجع أشوفها مرة واتنين وتلاتة لحد ما لقيت نفسي مشتركة في قنوات وشاتات على التليجرام والواتساب، بفتح أي صورة وأي فيديو وأي لينك بيتبعتلي لحد ما الحقير ده قدر يسرق فيديوهات ليا وانا بتفرج على القذارة دي ومعرفش عملها ازاي، قدر يخترق الموبيل بتاعي ويشوفني في كل مكان، حتى الفيديوهات الخاصة بتاعتي أخدها من الموبيل وابتزني بيها، وطلب بشكل صريح أجيله هنا عشان آآ، آآ.
انسكبت بالبكاء دون توقف، حتى واجهت الصعاب بالنطق: عشان نقلد اللي بشوفه والا هيفضحني.
وهزت رأسها وكتفيها بانهيار: كنت مجبورة ومفيش في ايدي حاجه اعملها، أبويا وأمي واخواتي لو شموا خبر هيقتلوني، احنا عيلة محافظة جدًا فتخيل لو سرب الفيديوهات دي وضعي ووضعهم هيكون أيه؟ مكنش قدامي اي حل غير إني اجيله، بس لما وصلت اتصدمت لما لقيته مثبت كاميرا ومعاه شابين، وعرفت من كلامهم واللي سمعته منهم انهم شبكة كبيرة على أعلى مستوى، ليهم شركاء تانين جوه وبره مصر، شغلانتهم الوحيدة يبتزوا البنات!
نطق بعد أن تشوه وجهه من فرط الضربات القاسية التي تلاقاها على يد إيثان: أنا قولتلك على كل حاجه، سيبني بقى.
جذبه من عنقه ودفع رأسه بالحائط أكثر من مرة حتى نزف، فصرخ به: خد اللي ليك وإمشي إنت واللي معاك، أنا همسحلك فيديوهات البت اللي تخصك وهنكون وقتها خالصين.
بصق بوجهه وصاح بعنفوان: مش قبل ما أقبض روحك إنت واللي مشغلينك يا كلب.
وجذبه إليه مجددًا، يسأله باستحقار: لما إنت هدفك تصور البنات وتبيع الفيديوهات هنا بتبتزهم بالفلوس ليه من الاول؟
انسدلت دمائه من جميع أنجاء جسده، فلم يجد الا الصدق طريقًا للخلاص فقال: مش أنا اللي بعمل كده، إحنا شبكة دولية على أعلى مستوى، هدفنا إننا نستهدف شريحة كبيرة من البنات، من عن طريق الافلام الاباحي. ة أو اللينكات اللي بتتحط في وسط الاعلانات او حتى الالعاب، اللي بتيجي سكة بالفلوس بنستزفها لحد ما تدفع كل اللي حيلتها، بعد كده بنحاول نجبها هنا الشقة لو قدرنا.
لكمه بعنف أسقطه أرضًا ثم عاد يدفعه إليه وهو يعود لسؤاله: بتعملوا أيه بعدها؟
سعل باختناق وقال: بنصور ليها فيديوهات مع حد فينا.
هتف بغرابة: ليه؟ مانتوا بتعملوا فيديوهات ابتزاز ليهم هتفرق عن الحقيقة؟
هز رأسه وهو يتابع بالكشف عن الجزء الاخطر: الفيديوهات اللي عملناها محدش بيهتم يشتريها على المواقع والمنصات، لانها معروف إنها متفبركة، لكن الحقيقية بتجيب فلوس أكتر، الاجانب بيشتروا الفيديوهات دي بآلآف الدولارات. ، بالاخص لو البنات صغيرين في السن من 14 وإنت طالع.
اكتظم غضبه فعاد يسدد له الضربات وهو يصرخ بجنون: يا ولاد الكلب! انتوا شياطين!
جلس يُونس على المقعد المقابل للفراش، يتابعها وهي تبكي بانهيارٍ تام، وقال بحزن: أنا مش عايز أكون جلاد، كفايا احساسك بالذنب والندم اللي مالي عنيكِ، وجودي هنا وبالتوقيت ده لإن ربنا سبحانه وتعالى عايز يدسبك فرصة، وأنا هستغل الفرصة دي لانك يمكن متشوفنيش تاني، احنا كده كده هنبلغ الحكومة تتعامل معاهم لان الموضوع طلع أكبر مننا، ومتقلقيش همسح أي شيء يخصك من هنا زي ما وعدتك، بس هقولك رجعي نفسك بالخطيئة اللي بترتكبيها في حق نفسك.
وتابع وعينيه أرضًا تقديرًا للموقف المحرج الذي وُضع فيه: بعيدًا عن تأثير الموضوع الطبي واللي منه إن ممكن تفقدي عذريتك بسبب الموضوع ده، وضعف ذاكرتك وقلة تركيزك، نفسيتك اللي متدمرة بشكل مستمر بسبب خوفك الشديد من ربنا وده لوحده ذنب لا يغتفر، وبسبب انك حاسة طول الوقت إنك بترتكبي شيء غلط، واللي هصدمك انك تعرفيه انك بتحطمي أجمل علاقة ممكن تجمعك بالانسان اللي هترتبطي فيه بيوم من الايام.
رفعت عينيها له باهتمامٍ، فاخفى ابتسامته لنجاحه الساحق بجذب انتباهها باختياره للحديث عن الامر الطبي أولًا قبل خوضه بالحديث عن الدين: طبعًا، لانك بسبب الافلام دي كونتي شكل معين للعلاقة بينك وبينه، وده من رابع المستحيلات إنه يحصل لاسباب كتيرة، لكن أهمها إن ديننا بيحترم المرأة ومخصص شكل العلاقة بين الزوج والزوجة في إطار كله احترام لكيان الست وبيقدس حيائها، فلما تقارني بين اللي شوفتيه ده وشكل حياتك هتتدمري نفسيًا ومش هتحسي إنك انسانة طبيعية، ده غير انهم بياخدوا بلاوي سودة وطبعا كلها من المحرمات، وبعيدًا عن اللي قولته عايز أقولك الشق الأهم واللي لازم متتغاضيش عنه لأنه مهم ليكِ جدًا.
راقبته بتركيزٍ وتمعن، ودموعه تتساقط رغبة في تطهير ذنوبها، بينما شرع يونس بالحديث بالفصحى مثلما اعتاد سماع الشيخ مهران: الإباحية مصيبة
لكن المصيبة الأكبر. أنَّ قلبك لم يَعُد يراها كذلك!
أخطر ما في الإباحية؟
أنَّها تشبع غرائزك بالحرام بما يجعلك تنسى الحلال، تبهت نفسك، وتسرق شيئًا من حيائك، وتنغص عليك حياتك دون أن تشعر.
بل تأخذ منك إيمانك
يقول سيدنا رسول الله ?: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهو مُؤْمِنٌ» [أخرجه البخاري].
فإيمانك لا يُنتزع مرة واحدة، بل على جرعات، من نظرةٍ محرَّمةٍ أو معصية متكرِّرة، حتى تصبح فارغًا.
تبدأ برفضها،
تم تقبلها،
تم تبرِّر لنفسك مشاهدتها،
ثم لا ترى أنها حرام أو خطأ!
مشاهدة الإباحية. ليست إثمًا فحسب؛ بل هي اختبار لصدق إيمانك، وخوفك من الله.
اختبار يظهر إيمانك الحقيقي عندما تغفل عنك عيون الخلق، وتتوارى تحت جنح الخلوات.
{أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى?} [العلق: 14]
هي آية واحدة، لكنَّها كافية .
كافية ليرتجفَ قلبك، إذا أغلقت الأبواب، وظننت أن لا أحد يراك.
تمعَّن في قول سيدنا رسول الله ?: «العَيْنُ زِناها النَّظَرُ» [متفق عليه].
وقل: يا رب!
أنا لا أزعم النقاء أو الطهارة، ولا أدَّعي القوة، ولكن قلبي يخافك ويحبك ويخشاك، فاللهم بغِّض إليَّ هذا الإثم، واقطع عني سُبُله، وسدَّ عني أبوابه، وأبدلني خيرًا منه.
واعلم أنَّك لست بلا حيلة
وهذا بعض ما يُعينك:
1- إن لم تشغل نفسَك بالحق شغلتك بالباطل.
املأ وقتك بشيء نافع تُحبُّه.
فوقت تسلل المعصية إليك. هو وقت فراغك.
2- احذف التطبيقات، واقطع الطرق المؤدية، قبل أن تقع في الهاوية.
3- آنس وحدتك.
الجلوس الطويل دون أنيس صالح كصديق أو كتاب. باب واسع للزَّلَل، فلا تترك نفسَك في مهبِّ الشهوة.
4- غيِّر مكانك إذا شعرت بالضعف،
وانتقل لنشاط ذهني أو بدني، فأحيانًا النجاة في مجرد حركة.
قال ?: احِفظِ الله يحفظْكَ،
وأنت لا تحفظ نظرَك، ولا وقتَك، ولا حياءَك، ولا خلواتك.
ثم تسأل: لماذا لست محفوظًا من القلق، والفراغ، والضياع؟
قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء: 108]
غريبٌ هو الإنسان!
إذا كنت تستحيي من مخلوق لا يراك!
فكيف لا تستحيي من خالقٍ لا تغيب عنه طرفة عين؟!
اللهم هب شباب المسلمين حياءً لا يبهت، وخشية تقف بينهم وبين المعصية،
وارزقهم قلوبًا إذا اختلت. خافت.
وإذا اجترأت. ثابت.
وإذا ضَعُفت. آبت.
وإذا أذنبت. تابت وعادَت.
اللهم يسِّر لهم سُبُل العفاف والزواج، واكفهم بحلالِكَ عن حرامك، وأغنهم بفضلك عمَّا سواك.
ونهض عن المقعد يختم حديثه: انا كده دوري انتهى معاكي، اطلعي من هنا واختاري طريقك بنفسك، يا التوبة الخالصة من ذنبك ده يا أما ترجعي لنفس الطريق ده تاني، هتدوري فيه في طريق نهايته أبشع من دي.
حمدت الله كثيرًا لانه رزقها بمثل هذا الرجل التقي الذي أنار عتمتها، خرجت من الشقة وهو يخفيها عن اعين رجاله وقد حقق وعده لها حينما خرج إيثان من الغرفة الخاصة بالاجهزة حينما تأكد بحذف كل المقاطع والمحادثات الخاصة بخطيبته بشكل نهائي، بينما حذف يونس محادثتها، وعلى الفور تقدموا ببلاغ للشرطة التي اقتحمت المكان على الفور واستلمت الاجهزة والدلائل والمجرمين المقيدون من امامهم، وباستماع لشهادتهم جميعًا وحرص ايثان الشديد على عدم ذكر خطيبنه بالامر كل ما تم الاخبار به كانت جملة ثابتة على لسان يونس وايثان: كنا معديين من هنا وسمعنا صوت بنت بتستغيث طلعنا احنا الاتنين واكتشفنا الموضوع، والبنت استغلت انشغالنا بيهم وهربت على طول، وملحقناش حتى نشوف ملامحها!
بعد مغادرة والدتها وعمها، إستأذنت شمس آدهم وولجت لحمام غرفتها تنعش ذاتها بحمام بارد، لتستعد لمقابلة أخيها علي، وفور ان انتهت لفت جسدها بالمنشفة الكبيرة واستعدت للخروج من المسبح الصغير، فارتطمت يدها بالدولاب الزجاجي الخاص بأغراض آدهم الشخصية، فتساقطت زجاجات البرفيوم الخاص به أرضًا مصدره جلبة وضوضاء جعلته ينتفض وهو يناديها: شمس!
راقبت الزجاج وهي تقف على حافة المسبح، بينما تجيبه بحزن: أنا كويسة.
وهمست بصوتٍ منخفض: أوف كنت ناقصة أنا كركبة الإزاز دي!
ثبتت قدميها على مكان خالي من الزجاج وحاولت منح ذاتها وقفة مثالية حتى لا تجرح ساقيها، لتلملم الزجاج المنكسر، ولكنها رغمًا عنها سقطت بقدميها الاخرى فوق قطعة كبيرة من الزجاج لعدم تنساق وقفتها.
صرخت بوجعٍ شديد، وصراخاتها لا تتوقف، بينما ترفع قدميها للاعلى في محاولة لانتزاع بقايا الزجاج وهي تناديه باستغاثة: آدهم!
اختل توازنها وسقطت بالمسبح ولكن تلك المرة احتك رأسها بحافته ففقدت الوعي على الفور، بينما بالخارج يجاهد بصعوبة للوصول لباب الحمام وندائه باسمها لا يتوقف، بل يزداد فزعًا، يحاوط جراحته بألمٍ وهو يتحسس الغرفة بحركات عشوائية، ولسانه ينطق دون توقف: شمس، ردي عليا سمعاني!
وعاد يهتف بلوعةٍ: شمس!
ارتطم جسده بالخزانة الضخمة، وكأنه يكتشف معالم غرفته لاول مرة، فسقط أرضًا يتأوه ألمًا، ومع ذلك نهض يتحسس الحائط، يصطدم قدمه باشياء، ويكاد يسقط أكثر من مرة حتى وصل لباب الحمام.
طرق عليه بصخب وهو يناديها من جديد: شمس حبيبتي سمعاني، حاولي تفتحي الباب!
لم يأتيه أي ردًا منها، بينما يموج قلبه بعاصفة لا سبيل للنجاة منها، هو شخصًا لم يخضع مرة لعدوه، كيف يخضع لعجزه التام بتلك اللحظة، كان قويًا في كل مرة واجه فيها الصعاب، وكلما ارتفع المستوى كلما ازداد عزيمة بالنجاة، وها هو يقف أمام الباب عاجزًا عن اتخاذ القرار، فحتي إن حمل سلاحه ليفض الباب المصفح لا يعلم بأي مكان تكون، ربما يمسها الرصاص، وحتى لو استخدم حيلته التي تدرب عليها لفتح الباب دون كسره هو لا يرى أي شيء يمكن أن يستخدمه بذلك الوقت.
عقله وبصره فقدهما معًا، بل فقد نفسه وأصبح شخصًا لا يعلمه، سقط أمام الباب يميل بجبهته عليه يصيح بجنون اسمها، ولأول مرة تنهمر دمعة من عينيه تشعره بعار عجزه الذي شعر فيه ولمرته الأولى.
كلما اتاته فكرة لنجدتها يعود عنها بسبب أكبر، ففي تلك اللحظة قرر اللجوء لأبيه ولكنه افاق بأنه مثله تمامًا عاجزًا عن مساعدة نفسه!
ماذا عن آيوب؟ ولكن زوجته بالداخل لربما لم ترتدي ثيابها بعد!
ماذا عن على أو عمران ولكن هل ستحتمل محبوبته لوصول أيًا منهما إليها!
مال على الباب يبكي وهو يردد بخشونة ذبحت حلقه: شمس ردي عليا شمس!