قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والأربعون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والأربعون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني والأربعون

صفت سيارتها بچراج المشفى وصعدت للطابق المنشود، فتفاجئت بوجود علي و يوسف و آدهم، بدى لها بأن الأمر ليس هينًا، أسرعت من خطواتها إليهم وبقلبٍ يصرخ نبضاته فور أن لمحت كدمة زرقاء تحيط بأسفل عين زوجها، فنادته بهلعٍ: عُمران!
التفت إليها فوجدها تندفع داخل صدره وهي تحيط بوجهه تتفحص اصابته برعبٍ ودون مبالاة بمن حوله، انهارت دموعها واحتقن صوتها: من أيه دي؟

ضم كفيها الرقيق يطبع قبلة على باطنه هاتفًا بحنان: حبيب قلبي أنا كويس. صدقيني مفيش حاجة.
ابتعدت عنه بنظرة حملت الشك بين طياتها، واتجهت بعينيها لعلي تسأله بقلقٍ لظنها بأنه يخفي الأمر عنها: على احكيلي في أيه؟
تنحنح آدهم ليخبرها هو: اهدي يا بشمهندسة الموضوع بسيط يمان هاجم زينب من شوية وأنا وعمران ودكتور على اتدخلنا واتقذناها.
ارتعبت فور سماعها لما حدث، وبخوفٍ تساءلت: طيب وزينب كويسة؟

أشار لها على بهدوء: في الأوضة جوه، ادخلي ساعديها تغير هدومها وخديها وارجعي القصر وأوعي يا مايا فاطمة تعرف أو تشك في حاجة، إنتِ عارفة حالتها.
هزت رأسها بتفهمٍ، وبنظرة شك احتلت مُقلتيها رددت: وانتوا مش جايين معايا؟
كاد زوجها أن يجيبها فقاطعه يوسف الذي كان يقف على بعدٍ منهم يضع هاتفه على أذنيه بترقب، فدنى يردد بضيقٍ نزع ملامحه الوسيمة: أيوب موبيله بيرن بس مفيش أي رد. أنا قلقت.

صاح آدهم بقلقٍ: لازم نتحرك حالًا.
وتابع مشددًا بتعليماته: دكتور يوسف خليك هنا جنب أخوك وأنا وعُمران ودكتور على هنتحرك على شقة آيوب.
يستقصيه عن صديق رفيقه الذي يعد بمثابة شقيقه الأصغر، أبدى اعتراضه هادرًا بانفعالٍ: رجلي على رجلك يا سيادة الرائد. آيوب غالي عندي ويهمني زي سيف تمامًا.

تطلع آدهم لعلي بنظرةٍ تفهمها جيدًا، فرفع يده على كتف يوسف وهدر: اسمع الكلام يا يوسف، سيف حياته لسه في خطر ولازم لما يفوق يلاقيك جنبه. متنساش إن الحيوان اللي اسمه يمان حطه في دماغه هو كمان، خليك جنبه ومتفرقهوش ولما يصحى بلغه باللي قولنهولك عشان يقوله في التحقيقات ونضمن إن الكلب ده يبعد عن لندن بالوقت الحالي لحد على الأقل لما نطمن على آيوب.

سكن الحزن معالمه، لن يمتلك القوة لمواجهة أخيه آن أصاب السوء رفيقه، هو الوحيد الذي يعلم إلى أي مدى تصل درجة صداقتهما، فاضطر أسفًا أن يرضخ لهم.
شدد عُمران عليه وهو يخبره بثقةٍ: متقلقش مش هنتخلى عن أيوب، إن شاء الله ميكنش الكلب ده وصله ولو عملها فآدهم معانا هيساعدنا نوصله.
منحه ابتسامة صغيرة وإيماءة صغيرة: خلي بالكم من نفسكم.

هزوا رؤؤسهم وإتجه آدهم وعلى للأسفل بينما بقى عُمران قبالة زوجته يحيطها بين ذراعيه: مايا خدي زينب وارجعي البيت وأنا شوية وهحصلك.
تعلقت بقميصه الأبيض وهو تهز رأسها ببكاء: لا مش هسيبك بعد اللي سمعته ده يا عمران، أنا عارفة إنت رايح فين وأبقى مجنونة لو سبتك تروح!

مرر يده بحنان على طول خصرها، كأنه يحاول أن يسحب عنها رعشة جسدها الباكي، احتواها بين أضلعه وهو يعلم بأنها لن تتخلى عنه بسهولةٍ، ولكن وقته ينفذ الآن.

سحبها عُمران حاملًا منها حقيبة الملابس، وجعلها تسترخي بجلوسها لجواره على الأريكة المعدنية المقابلة لغرفة زينب، فقدم لها يده وهي تراقب ما يفعل باهتمامٍ، وضعت مايا كفها بين كف يده الخشن، فمرر ابهامه على جلدها الناعم برقة جعلتها تود سحب كفها من فرط مشاعرها.

منحها ابتسامة ملأها الأمان والاطمئنان الذي انعكس لها، وقال: حبيبتي أنا متعودتش أتخلى عن حد محتاج مساعدتي. أيوب صاحبي وبيشتغل معايا مقدرش أتخلى عنه، ثم إنك مكبرة الموضوع أوي أنا وعلى وآدهم هنروح شقته بس نطمن عليه ونشوفه مش بيرد على موبيله ليه!
رفعت عينيها إليه برجاء وتوسل ملأت مُقلتيها، فضم خدها بحنان ومزح: حبيب قلب جوزه اتمرد ومبقاش بيثق فيه يا ناااس!

رغمًا عنها ابتسمت، وكأنه يدلل ابنة أخيه أو ابنته، ذاك الرجل يكاد يقودها للجنون، أحيانًا يجعلها تشعر بأنها طفلة صغيرة يحيطها بدلال، وأحيانًا يجعلها أنثى تتراقص على أوتار العشق والغرام بين ذراعيه الخبيرة، وأحيانًا تكون عالقة بين وقاحته ومزحه الذي ينجح دائمًا برسم ابتسامتها على شفتيها، وبين ذاك وهذا هي عاشقة له حد الجنون.

تمكن من السيطرة عليها وعلى مخاوفها، فضم وجهها لعنقه وهو يعيد كلماته: يلا يا حبيبي ادخلي وساعدي زينب واعملي اللي قولتلك عليه، لازم أتحرك على وآدهم مستنين تحت.
أمسكت ذراعه قبل أن يستقيم بوقفته وقالت بخوفٍ: خلي بالك من نفسك يا عُمران.
منحها ابتسامة جذابة وانحنى يتعمق من قبلة أعلى حجابها الطويل قائلًا بصوته الرخيم: حاضر يا حبيب قلبه وروحه!

فور صعوده بالمقعد الخلفي انطلقت علي بالسيارة على الفور ليتوجه لشقة أيوب، بينما يتابع آدهم جهازه باهتمامٍ، ففور أن اهتدى لاشارته حتى أشار لعلي: أيوب مش في الشقة.
وأضاف ويده تشير لمقود السيارة: أقف على جنب أنا هسوق.
انصاع له على وهبط ليبدل كلاهما مقاعدهما، جلس آدهم بمقعد السائق يده تشدد على المقود بشرودٍ لفت انتباههما، فقال عمران بضيق: ده وقت سرحان يا آدهم، اطلع بسرعة قبل ما الكلب ده ما يأذيه!

مال بجسده للخلف ليتمكن من التطلع إليه، وردد بتوترٍ: الموضوع ده مش سهل يا عُمران، احنا كده بنخبط على باب من أبواب الجحيم اللي لو اتفتحت مش هتبلعنا لوحدنا.
لكم عمران المقعد الأمامي بغضب: تبلع اللي تبلعه المهم نلحقه. أنا مش هتخلى عن أيوب حتى لو التمن كان روحي سامع!
نهره على بحزمٍ: اتحكم في أعصابك يا عُمران وسيب آدهم يتكلم عشان نفهم هو عايز يقول أيه؟

وأشار باحترام عساه يلملم وقاحة أخيه الصغير: اتكلم يا آدهم.
تنهد بحزنٍ وصوتًا احتقن بألمٍ عظيم: الشخص ده مش يهودي بس ده من الجيش الاسرائيلي، بعيدًا عن إنه هيكون واخد احتياطاته أوي فبمجرد أننا نشتبك معاه فده هيعمل توتر في العلاقات الدبلوماسية وهنضطر نعمل اعتذار وتوضيح إنه قتل خطأ وهيدخلنا في دوامة ملهاش أول من أخر.

وضعهما في مأزق يصعب على كلاهما فهم ما يود قوله، فردد عمران بعد تفكير: مش لازم تكون موجود معانا يا آدهم لإنك كده هتتعرض لمحاكمة عسكرية، دلنا على المكان وأنا هروح بنفسي حتى لو كان التمن حياتي.

زصل الغضب لذورته، فصاح بعصبية تتمكن منه للمرة الأولى: عمران أنا مش هتخلى عن أيوب حتى لو هخسر شغلي وحياتي كلها، أنا بعرفك بخطورة الوضع اللي احنا داخلينا عليه، لكن أنا جاهز من زمان لليوم ده بدليل جهاز التعقب اللي حطيته لأيوب واللي هيوصلنا لمكانه دلوقتي.

سحب على أنفاسه بتثاقلٍ، فوزن أموره فيما يدفعه زوج شقيقته إليه، يخبرهما بطريقة غير مباشرة إن ما يقدمون على فعله قد يخسرهم مستقبلهم وعائلتهم، يعلم بأنه لشيءٍ مؤلم خسارته ولكنه على يقين بأنه لن يتخلى عن شاب مغترب، مسلم، يملك قلبًا ذهبيًا كآيوب، لذا كسر الصمت العالق بينهم وقال: اطلع يا آدهم احنا معاك!

فور أن نطق بتلك الكلمات حرك مفتاح السيارة وقاد بسرعةٍ خطيرةٍ جعلت اطارات السيارة تحتك بالرصيف مصدرة صوتًا مخيفًا كبداية حربًا تستلهم قلوبهم، حربًا ليست بهدف العيش والنجاة إنما هي حربًا للشرف والمروءة، حربًا لطالما كانت وستظل بيننا وبين هؤلاء الخنازير.

عاونتها مايا على ارتداء فسانها وعقد حجابها، وبالرغم من انشغال عقلها بالتفكير بزوجها الا أنها كانت حزينه حينما أخبرتها زينب عما حدث، فربتت بحنان على ظهرها وقالت: متخافيش يا زينب الكلب ده مستحيل يتعرضلك تاني بعد ما الشرطة أخدت أقوالك وأقوال سيف والكاميرا اللي بره كان فيها كل اللي حصل، أكيد هيجبوه.
لفت انتباهها تلفظها لاسمه، فسألتها بلهفةٍ واضحة: هو سيف فاق؟

ابتسمت بخفة وأجابتها: كنت لسه واقفة مع ليلى من شوية وقالت انه فاق وقال للشرطة زي ما آدهم فهمه.
أمسكت بحقيبتها ومتعلقاتها تشير لها: يلا يا حبيبتي نرجع البيت قبل ما الوقت يتأخر عن كده.
اتبعتها زينب للخارج، فمرت من أمام غرفته وعينيها تراقب الباب بلهفة وارتباك، تباطئت خطواتها حتى توقفت عن الخطى وعينيها تتطلع للباب بنظرةٍ مهتمة، فأفاقت على صوت مايا: زينب يلا!

تحرر صوتها الدفين على استحياءٍ: هو أنا ممكن ادخل أطمن على دكتور سيف؟
كبتت مايسان ابتسامتها حتى لا تخجلها، ورددت بحنقٍ: أووف أنا إزاي نسيت، كويس إنك فكرتيني ميصحش نمشي من غير ما نطمن عليه ونتأكد إن ليلى ودكتور يوسف مش محتاجين حاجة.
واتجهت لباب الغرفة تطرق بخفة وفور استماع صوتًا يأمر الطارق بالولوج، ولجت كلتهما للداخل.

تحرك رأس سيف جانبًا ليتمكن من رؤية الطارق، فتهللت أساريره حينما وجدها برفقة مايا، تابع يوسف تغير ملامحها بنظرة غامضة، نهضت ليلى تستقبلهما لأقرب أريكة، فكانت مايا أول من تكلمت: عامل أيه يا دكتور سيف؟
أجلى صوته المبحوح ليجيبها وعينيه لا تترك زينب التي تضع عينيها أرضًا تهربًا من نظراته، وأكثر ما يخجلها صراخها متلهفة بأسمه فور أن تلقى الضربات التي أسقطته أرضًا: الحمد لله بخير.

انتظر أن تتحدث، يشتاق لسماع صوتها أو حتى نظرتها الدافئة إليه، حرمته بقسوةٍ من لمح مُقلتيها حتى صوتها، شعر سيف بأنها ليست على ما يرام، وقد أجاد ظنونه حينما جلست زوجة أخيه ليلى جوارها، تضع يدها على كتفها بشفقةٍ انتقلت بحديثها: انتِ كويسة يا زينب؟

رفعت رأسها إليها وهزتها بإيماءةٍ صغيرة فاهتزت دموعها وانهمرت، فضمتها بقوةٍ إليها قائلة: متزعليش يا حبيبتي إن شاء الله هيأخد جزاته، الشرطة أكيد مش هتسيبه بعد اللي عمله ده.
هاجمته ظنونًا فتكت به دون رأفة، فلعق شفتيه الجافة وبصعوبةٍ تساءل: هو أيه اللي حصل؟
فك يوسف عقدة ساعديه ونهض عن مقعده متخليًا عن صمته الغامض وانحنى تجاه أخيه يربت على يده المصابة بحنانٍ: محصلش حاجة يا حبيبي ارتاح انت.

ومنح نظرة تحذيرية لزوجته الا تتحدث بالأمر، فالتقطها سيف وحاول النهوض هاتفًا: في أيه يا يوسف؟ وزينب مالها؟، آآآآآه!
تأوه بألمٍ حينما رفع رأسه المصاب في محاولاته للنهوض، فسقط على الوسادة يتألم بصوتٍ اتتزع قلب أخيه من موضعه، فصاح به: اهدى يا سيف. إنت لسه خارج من العمليات!

مال برأسه تجاهها فوجدها تركت مقعدها ووقفت تراقبه بفزعٍ ولهفة جعلته يمنحها ابتسامة ضمتها بعاطفة تبدد عنها كل ما تعرضت له، هبط بنظراته لشفتيها المتورمة وبقعة الدماء المتجلطة جوارها، فأسبل بجفونه للحظة وصاح بعنفوان: أيه اللي في وشها ده؟
وشملهم بنظرة متعصبة: ما تقولولي في أيه بالظبط؟!

ندمت ليلى لتسرعها بالحديث أمام شقيق زوجها فمنحت يوسف نظرة نادمة، بينما ارتبكت زينب لرؤيته غاضبًا لتلك الدرجة فوجدت قرار رؤياه بتلك اللحظة لم يكن الصائب.
تدخلت مايا بالحديث حينما تصاعدت الامور، فقالت: مفيش حاجه يا دكتور اهدى من فضلك علشان العصبية غلط عليك. زينب كويسة الحمد لله مفهاش حاجة.

راقب يوسف ملامح وجه أخيه فعلم أن لا مجال سوى الحقيقة، فقال بوضوحٍ: يمان هاجم زينب وانت بالعمليات، ودكتور على وعمران وسيادة الرائد أنقذوها منه.
احتدت نظرات عينيه بثورةٍ عاصفة، وردد بوجومٍ: عشان كده طلبت مني اتهمه بشكل مباشر للي حصلي!
هز رأسه يؤكد له: آدهم اللي طلب مننا كده لان الكلب ده هاجم زينب في مكان عام ومش بعيد يكررها تاني وآ.

قاطعه بصراخ جهوري حاد: على جثتي لو طال منها شعرة واحدة، زينب خلاص هتبقى مراتي سواء رفضت أو قبلت.

جحظت أعينهم جميعًا وبالأخص زينب التي تخلى عنها الحديث وبدت بلهاء تتطلع له بفمٍ يكاد يصل للأرض، ويوسف الذي يرى جانب مغاير لشخص أخيه الهادئ، ربما كان سيطير فرحًا إن حدث ذلك من قبل ولكن الآن الآذى الذي طاله وتهديدات ذاك الآرعن جعلته مترددًا بالأمر، هو ليس على استعداد لخسارة أخيه الوحيد، الساعات التي قضاها داخل غرفة الجراحة لجواره كفيلة بأن تجعله لا يود أبدًا أن يخوض نفس تلك التجربة القاسية، وفي ذات الوقت لم يعتاد أن يقسو عليه أو يعارضه بأي قرار يتخذه، خاصة وإن كان هذا القرار متعلق بقلب أخيه، أخيه الذي يُعد قلبه هو!

تنحنحت مايا بارتباكٍ في محاولة لرفع الحرج عنهم جميعًا: كويس إننا اتطمنا عليك يا دكتور سيف، عن اذنكم هنمشي قبل ما الوقت يتأخر أكتر من كده.
وهزت تلك الساهمة التي تندث بأحضان مُقلتيه الجذابة: يلا يا زينب.
أفاقت على هزتها واستدارت سريعًا لتفر من أمامه، فاوقفهما يوسف قائلًا: ثواني يا بشمهندسة، جمال طالع على السلم يوصل بس وهنزل أوصلكم.
رفضت اقتراحه المسبق بلباقةٍ: مفيش داعي يا دكتور يوسف أنا معايا عربيتي.

رفع سيف رأسه بتعبٍ شديد وهتف بوهنٍ: روح معاهم يا يوسف، لو مشوا لوحدهم هكون قلقان الكلب ده يهاجمها تاني.
تعلقت البسمات على الوجوه، وزينب تكاد تنصهر من فرط الخجل، استدار إليه يوسف يغمز له بمشاكسة مرحة: استريح انت يا عم روميو. أنا هوصلهم وراجع متقلقش.

ضحكت ليلى وقالت وهي تتابع المحلول الذي أوشك على الانتهاء: متحرجش دكتور سي?و يا يوسف سيبه في اللي هو فيه. مش كفايا قاعد عاقل ومتحمل المحلول والخمستاشر حقنه اللي أخدهم لحد دلوقتي.
جحظت عين سيف صدمة لما استمع إليه، وكأنه كان لا يعي بما يندث بأوردته وبما يحدث من حوله من أثر المخدر، فردد بتلعثم وتيهة: حقن! محلول!

قال كلمته الأخيرة وهو يراقب ما تفعله بذراعه ومن ثم انفجر صارخًا: لأ يا ليلى محلول لأاااا، شيليه بسرعة لأ!
ساد الجمع صوت ضحكات زينب المترددة بعدم تصديق لما يحدث، توالت دون توقف حتى أدمعت عينيها من فرط الضحك، ارتخى ذراع سيف عن نزع المحلول من يده ومال على وسادته بجسده المسترخي وعينيه التي تتابع ضحكاتها بهيامٍ وحبًا يزاحم قلبه في عُقر داره.

كبتت مايا ضحكاتها بتمكنٍ، وخاصة حينما ردد يوسف بسخرية: عرتنا الله يكسفك!
وأشار لهما قائلًا: اتفضلوا.
اتبعوه للمصعد الذي اندفع منه جمال يلتقط أنفاسه بصعوبة من فرط الصدمة التي تلاقاها، فصاح ليوسف بلهفة: في أيه يا يوسف؟ وسيف ماله؟!
ربت على كتفه بابتسامة ممتنة لحضوره إليه في أقل من خمسة عشر دقيقة: اهدى وخذ نفسك يا جمال، سيف كويس أنا كلمتك عشان تقعد معاه عندي مشوار مهم لازم أعمله.

وتابع وهو يشدد على كلماته: خد بالك منه وأوعى تسيبه يا جمال.
هز رأسه بتفهمٍ وبشكٍ سأله: مين اللي عمل فيه كده؟
مال عليه يوسف يخبره: عم آديرا. خليك جنبه لما نشوف الحكاية هترسى على أيه. وأوعى تقوله اللي حصل مع أيوب أوعى يا جمال.
أكد له بتفهم: متقلقش روح مشوارك وأنا هستناك هنا.
منحه ابتسامة ممتنة ولحق بهما للأسفل، واتجه جمال لغرفة سيف ليكون جواره لحين عودة يوسف ليعلم منه التفاصيل بما حدث.

بمكانٍ مجوف كالصفيح، يحيطه الطلاء الأسود من الداخل والخارج كمحاولة تغطية عن كنايته، تغوص أعمدته بأعماق الأرض ومن فوقه الرصيف الاسمنتي المجوف، رائحة النفط تحيط بجوانب المكان من جميع الاتجاهات، والزجاج متناثر بكل زواية.

وعلى ذاك العمود كانت تستند بظهرها، ساقيها مضمومة ليدها برباطٍ قاسٍ، يجبرها على الجلوس بشكلٍ غير مريح، ومن أمامها ذاك الملقي أرضًا دون قيدًا حيث كان فاقدًا الوعي فلم يجدوا حاجة لتقيده، الدماء تنهر من جانب رأسه ووجهه تحيط به بعض الكدمات.
استرخاء جسده باستسلامٍ هكذا ذبحها دون رأفة، ومع كثرة رجائها وندائها المتكرر له مازالت لم تستسلم بعد، فعادت لتناديه مجددًا: أيها الإرهابي أجبني من فضلك!

تدفق الدمع على وجنتها فنادته بحسرةٍ لظنه فارق الحياة: آيوب، هيا انهض لا تتركني بمفردي!
مجددًا تناديه ببكاءٍ: آيوب!
زحفت آديرا بصعوبةٍ حتى وصلت لجسده الملقي، فمالت برأسها على صدره تستمع لدقاته، فارتسمت ابتسامة سعيدة على وجهها حينما تأكدت بأنه مازال على قيد الحياة، فمالت برأسها تفرك على صدره وتناديه: آيوب، انهض آيوب.
عادت تحركه مرات متتالية وهي تترجاه ببكاء: أيها الإرهابي انهض الآن. أنا خائفة!

استجاب لتلك الدفعات المتتالية له من رأسها، فتأوه بخفوتٍ وهو يستعيد وعيه تدريجيًا، استند على ساعديه وجلس يراقب المكان ويراقبها بنظراتٍ مشوشة: أين نحن؟
سماعها صوته جعل الابتسامة تنبثق على شفتيها فرددت بعدم استيعاب: ايها الارهابي هل استعدت وعيك؟!

تطلع لها أيوب بصدمة، كانت الحبال تؤلم يدها وساقيها بشكلٍ مؤذي، جانب وجهها الأيسر متورم للغاية حتى عينيها وأطراف شفتيها، تحركت غريزة رجولته المنبثقة داخل أي رجلًا تجاه زوجته حتى وإن كان يبغضها حد الجحيم، فسألها بصوتٍ قاتمًا: هل لمسكِ أحدًا؟
هزت رأسه تنفي ذلك، وأضافت ببسمةٍ تهكم: صفعني أحدهم عدة مرات ولكنه لم يعتدي علي!

وأخفضت صوتها قليلًا تهتف بضجرٍ: ليته فعلها ولم يضربني بتلك القسوة، لقد شوه وجهي الجميل!
اصطكت أسنانه غيظًا من تلك المرأة المعتوهة، فجذبها يحل عنها ذاك الرباط، فحزن حينما وجد حلقة من الدماء تحيط بكفيها التي احتضنته تفركه ببكاء من شدة الألم.
اجتاز قلبه خوفًا من القادم، يتعامل مع أناس قد جردت قلوبهم من الرحمة، فإن لم يشفق بابنة اخيه كيف سيكون بقلبه الرحمة!

رفعت آديرا رأسها إليه وسألته ببكاء: لا أريد الموت أيها الإرهابي!
مال للعمود القابع خلفه، استند عليه وأغلق عينيه مرددًا: كلنا سننالها يومًا، والآن إن قدر لي الله عز وجل لقائه فأنا مستعدًا لذلك.
زحفت إليه تخبره: ألا تخاف الموت أيها الإرهابي؟
ابتسم وهو يخبرها: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وأنا أرغب في لقائه ولم أقصر يومًا في طاعته حتى أخشى ذلك اليوم.

وتابع وعينيه تتوجس بالمكان المريب من حوله: كل ما أتمناه أن يكون عملي صالحًا، ويتقبلني الله من الشهداء حينها سبدخلني جناته دون حسابًا.

تعجبت مما تستمع إليه، استرخائه التام وترحيبه بالموت، لم يكن أيوب شخصًا عاديًا بالنسبة لها، كل ما فعله منذ أول لقاءًا جمعهما حتى اليوم وهو غامضًا بالنسبة لها، تكفله بطعامها ومسكنها، غض بصره المستمر عنها، مساعدته له حينما تلقت طعنة من عمها، حتى بعد زواجه منها يحافظ عليها، لم يطمع بجسدها يومًا مثل بقية الرجال حتى عمها القذر لطالما وجدته ينظر لها بطريقة مقززة، وإلى الآن مازال لجانبها يشاركها الموت بصدرٍ رحب، بل وكاد أن يضحى بذاته حينما خبئها أسفل فراشه وقرر هو مواجهة رجال عمها، والأكثر حيرة لها ثقة أخيها الكبيرة به لدرجة أن يضعها هي بامانته ويسلمه دفتره الخاص! أوليس بعد كل ذلك أهل للثقة؟

أغلق عينيه يجاهد ذلك الألم الذي يحتل جبينه فتفاجئ بها تمسك يديه وتناديه ببكاء: أيوب.
فتح فيروزته وتطلع لها باهتمامٍ، فقالت ببسمة صغيرة تعاكس كل ما تختبره بتلك اللحظة: إن خرجنا من هنا على قيد الحياة هل ستقص لي عن دينك مثلما فعلت مع آران أخي؟
وعدلت سريعًا من خطأها: أقصد أخي محمد!

أشرق وجهه الجذاب بسعادةٍ جعلته يشعر بارتعاش قلبه، ها هو على وشك أن ينجح بردعها عن ذاك الطريق وجعلها تختار اعتناق الدين الاسلامي دون ضغط منه، تركها ترى بعينيها الفرق، والآن تمد يدها له وتطالبه بأن يشدد عليها وهو على أتم الاستعداد بعدم تركها، كاد بأن يجيبها ولكنه ابتلع كلماته فور أن تحرر الباب الحديدي الغليظ وولج للداخل عمها البغيض ومن خلفه رجلين باجساد ضخمة للغاية.

ارتجفت آديرا فور أن رأته يقف قبالتها، فتسللت بخفة لتستقر مجلسها خلف ظهر أيوب، محتضنة ظهره من الخلف بأصابع مرتجفة وبكاء خافت يصل لمسمعه تليه همسها المنخفض: سيقتلني!

رفع يده يشد على يدها ومازالت عينيه تجابه ذلك الحقير بتحدٍ وقوة، فاقترب منه وهو يزيح نظارته السوداء ليرى نظارته المحتقرة، وردد بضحكة مخيفة: كنت أنتظر لقائك أيها السفيه! تحدتني بمرتك الأولى حينما سيطرت على آران اللعين والآن حان دور آديرا! أنت مختل مريضًا تظن أنك ستنجو بأفعالك! والآن ستنال جزائك أيها ال اللعنة عليك وعلى دين.

بزغت عروقه غضبًا لم يزوره يومًا، يسب دينه بمنتهى الجراءة وما هو الا حشرة تحتمي خلف رجاله، استقام أيوب بوقفته يواجهه وجهًا لوجه، وصاح بعنفٍ: اللعنة على الحثالة مثلك أيها الخنزير، هل كنت تظن بأنه سيرضخ لك وهو بالأساس مسلمًا!
وتابع بقوةٍ أزهلت الأخير الذي جحظت عينيه صدمة وخاصة حينما تابع باللغة العربية حتى لا تفهمه آديرا: كنت فاكر إنه مش هيعرف بحقيقتك القذرة! ولا افتكرت إن سرك اتدفن معاها!

ابتلع اليهودي ريقه الجاف بصعوبة بالغة وكأنه يبتلع النيران المشتعلة: إنت. آآآنت، تقول أيه!

ضحك باستمتاعٍ لرؤية الخوف ينهش حدقتيه: الحقيقة اللي كنت فاكر إنها عمرها ما هتتكشف، حقيقة إنك خاين وحقير ومش مستبعد عنكم الغدر والخيانة علشان كده قتلت أخوك لإنه أسلم على إيد واحدة مسلمة حباها واتجوزها وهرب معاها منك ومن شرك، وبعد عشر سنين من جوازهم وصلتله وبعتله رسالة كلها خسة وندالة مثلت فيها دور الأخ الندمان واللي اشتاق لحضن أخوه، طلبت منه يقابلك وبرغم من إنه عارف شرك وخستك الا انه راح المكان اللي قولتله عليه وهناك قتله ودفنته بدم بارد!

وتابع وهو يدور من حوله ونظرات التقزز تشمله: الخيانة دي من صفاتكم انتوا مش احنا، تخيل الاخ بيقتل أخوه بمنتهى البرود لا ومستكفتش قتلت مراته واخدت أولاده حولت محمد لآران اليهودي وسدن لآديرا ولسه مستمر في كفرك ومتخيل إنك هتنتصر عليه حتى بعد موته لما تغير اسمائهم وديانتهم، بس اللي متعرفهوش إن ربنا إرادته فوق الكل، رجع الطفل اللي دنسته بوساختك لأصله والدور على آديرا وأنا سبب من الاسباب اللي هيرجعها لديانتها وأصلها غصب عنك وعين اللي يتشددلك يا كلب!

ارتبك الخنزير أمامه، وتراجع للخلف يصيح باستنكارٍ: كيف تعلم كل ذلك؟ من أنت بحق الجحيم؟
اتسعت ابتسامته وهو يجيبه: أنا الجحيم بعينه. إن أردت اقترب وسألتهم بنيراني لحمك النجس!
تابعتهما آديرا بعدم فهم حتى ختم تهديده الصريح إليه، واستطرد ببسالةٍ وقوة: إن أردت قتلها فلتواجهني أولًا قبل أن تمسها!
استدار لرجاله يأمرهما بجنونٍ ورعب: ماذا تنتظران اقتلهما في الحال!

رفع احداهما السلاح تجاههما، فتراجع أيوب وأبعد آديرا خلف ظهره ليواجه فوه السلاح بنظرات أرعبتهم جميعًا، بينما مال الاخر تجاه أذنه وهمس له بشيءٍ جعل نظراته تنخفض للساعة التي يرتديها أيوب بفزعٍ!

قاد آدهم السيارة متبعًا اشارة الهاتف، فاندهش حينما وجد سيارة تسد الطريق عنه، فتحكم بالفرام وبصعوبة بالغة تفاداها، دقق النظر فيما أمامه ليجدها سيارة من نوع رولز رويس بوت تيل Rolls-Royce Boat Tail، تضاء مصابيحها ومن مقدمتها يجلس شخصًا ملامحه غير واضحة.
في أيه يا آدهم؟

سؤال تمرد على لسان عمران الذي يتابع ما يحدث، نوعية السيارة واسترخاء صاحبها دفعت آدهم يخمن بكنايته، لذا قال بصرامة وهو يحرر حزام السيارة عنه: خليكم هنا. ثواني وراجع.
هدوئه بالحديث وخروجه بتلك الطريقة، جعلتهما يظنوه صديقًا له أو زميل يخص عمله السري، لذا جلسا يراقبون ما يحدث بترقبٍ.
اقترب آدهم من السيارة، وكلما اقترب تزداد صدمته واندهاشه وهو يراقب صاحبها بعدم تصديق.

كان متمددًا باسترخاءٍ على سطح سيارته الفاخرة، يتناول كوب قهوته وجسده يميل على زجاجها الأمامي، فما أن اقترب آدهم إليه حتى ارتشف المتبقي من كوبه ومن ثم ألقاه أرضًا على الرصيف باهمالٍ، حرك رقبته يسارًا ويمينًا بضجرٍ من مدة انتظاره لمرور سيارة الاخير، وردد ومازال على نفس وضعية استرخائه: الرائد عمر مصطفى الرشيدي الكام مهمة اللي طلعتهم ادوك ثقة غبية في نفسك لدرجة إنك تقوم بمهمة أكبر منك وبره مستوى تدريباتك!

ورفع رأسه المسترخي للخلف ليحدجه بنظرة ساخرة من زيتونية عينيه الساحرة: لولا أنك اتدربت على إيد الجوكر كنت شكيت أنك دخلت وسطينا بالوسطة!
أخفض آدهم عينيه أرضًا وأجابه بوقارٍ: يا باشا أنا آ...
ألجم لسانه حينما نهض عن سيارته بطوله الفارع وجسده الضخم الذي تمتد العضلات لصدره وساعديه القوي بفعل تمارينه القاسية، يواجه الاخير بنظرة محتقنة وبالرغم من جموح عاصفته الا أن صوته هادئ، بارد: متقطعنيش وأنا بتكلم!

وتابع وهو يحوم من حوله كالوحش الواشك على التهام فريسته: حظك إن أنا اللي في انجلترا مش القائد بتاعك، وجودك هنا طول بالرغم من انتهاء مهمتك، اتحججت باصابتك رغم إنها متوجعش عيل صغير لسه داخل الجهاز جديد وقولنا ماشي نسيبه يتدلع المهمة اللي قام بيها تستحق إنه يرتاحله كام يوم، متفجئناش كتير بخبر جوازك رغم إنك المفروض تتجازى جاي دلوقتي وعايز تعرضنا لحرب إحنا مش جاهزين ليها!

توترت ملامحه أمام ذاك الذي انتشر صيته بالمخابرات المصرية، ذاك الذي سحق غريمه بأي حربًا تشمله، لا ينكر أنه كان من ضمن هؤلاء الضباط الذين يتمنون يومًا العمل معه أو لقائه، فخدمه الحظ وأوقع به مع الجوكر عوضًا عنه، لم يستاء كثيرًا ولكنه كان يود لقائه، وها هو الآن يقف وجهًا لوجه قبالة «الاسطورة رحيم زيدان»، من نجح بطمس صيته القوي على مدار تاريخه، لا يتهاون يومًا مع خصمه ولم يرأف بأحدٍ خارج عن القانون، فريقه يختاره بذاته رافضًا أي متدرب يحمل نقاط ضعف قد تخل بفريقه.

كسر قاعدة الصمت قائلًا باحترامٍ ودقة اختيار كلماته: يا فندم أنا عارف كويس أن اللي هعمله ده غلط بس أنا مش هقدر أقعد وأتفرج على الكلب ده وهو بيقتل واحد زي أيوب ده غير إنه آآ، إنه يكون صديق ليا. فمن فضلك حاول تفهمني.
استند على طرف السيارة وربع ساعديه أمام صدره يرمقه بشراسةٍ وسخط: أمممم، شجاع إنت! بس للأسف غبي!

رفع عينيه إليه بعدم فهم لما يود قوله، فابتسم وردد: هو إنت فاكر إنك لما تقوم بمهمة زي دي بدون ما ترجع للقادة بتوعك ده هيعمل منك hero! (بطل)
واستطرد ونظراته تشمله بقوة وغضب: بالعكس ده هيخليك صيدة سهلة لكلاب زي دول هتنجح تدينا قلم وتفتخر بيه وبسبب غباء ظابط زيك هيقلل من شأننا ومن اللي وصلناله!

واستطرد وهو يحدجه بجمودٍ واصبعه يشير للسيارة الخاصة بعلي: إنت باللي بتعمله دلوقتي بتعرض نفسك واللي معاك وصاحبك المخطوف للموت!

ازدحمت أسئلته المندفعه بمقلتيه ومازال رحيم يقف قبالته ثابتًا، إلى أن قال بوجوم: المكان اللي واخدهم عليه وفاكر إن صاحبك موجود فيه منصوبلكم فيه كمين يا سيادة الرائد، لإن ببساطة مستوى تدريبك موصلش لدرجة تأهلك تقوم بمهمة زي دي، فأول غلطة ارتكبته كانت زراعة جهاز يخصنا في ساعة صاحبك بطريقة بدائية خليتهم يكشفوه ويمكن ده السبب اللي خلاوه عايش لحد دلوقتي عشان يعرفوا جهاز يخص المخابرات المصرية بيعمل أيه معاه!

رمش بعدم استيعاب حتى فقد القدرة على السيطرة على جسده فمال على سيارة رحيم يستند عليه، والاخر مازال يستقيم بوقفته، متابعًا: جهاز زي ده الأولى إنه يتزرع في أماكن معينة بالجسم ومش أي حد يقدر يعملها!
واستمر بالحديث المتعصب: تاني غلطة عملتها إنك رايح بنفسك تشتبك معاهم وإنت متعرفش احنا بنتعامل مع المواضيع الحساسة دي ازاي!

وبقوة وقسوة صاح: ودلوقتي أقدر أقولك ارجع باللي معاك وسيبنا احنا نتصرف وياريت ترجع مصر فورًا لانك متحول للمحاكمة يا سيادة الرائد!
اتجه رحيم لباب سيارته فلحق به آدهم يستجديه برجاء: هرجع وهعمل كل اللي حضرتك عايزه بس بالله عليك خليني أشارك معاكم. حياته في خطر ولازم نتحرك.
ترك باب سيارته مفتوح واستدار إليه يضيق زيتونته بحدة: إنت سمعت الأوامر فأنصحك تنفذها تفاديًا للعقوبة الاضافية اللي هتطولك.

تعالى صوت آدهم دون ارادة منه: بس ده صاحبي وأنا مستحيل هنزل وأسيبه!
استدار تجاهه بجسده وصاح بحزمٍ: ثابت يا سيادة الرائد!
قدم له التحية العسكرية بكل وقار: أفندم.
وتابع بغضب قاطع: شكلك نسيت نفسك ونسيت إنت واقف بتتكلم مع مين؟! احمد ربنا إني قدرت أمنعك من الكارثة اللي كنت هتعملها وفوق كل ده لسه واقف بتضيع وقتي!

أخفض عينيه أرضًا وردد بأسف: بعتذر منك يا باشا. أنا فعلًا معنديش خلفية عن التعامل مع النوعيات دي من المهمات.
يبقى تبلغ القادة علشان تحمل الموضوع للي يستحقه!
قالها بضجرٍ، وبعدها تنهد وهو يتفرس ملامحه بهدوءٍ، فأشار له: مشي اللي معاك واركب.
تهللت أسارير آدهم فرحًا، فتساءل بسعادة: بجد يا باشا!

ابتسامة صغيرة زينت طرف شفتيه وهو يجيبه: الجوكر موصيني عليك ومهدي القادة عنك، بس خليك عارف أنا مش زيه لو غلطت في اللي هيتطلب منك هترجع مصر في تابوت!
هز رأسه بحماسٍ، وهرع لسيارة على ينحني للنافذة قائلًا: على خد عمران وارجع، أنا لازم اتحرك حالًا مع القائد، مينفعش تكونوا موجودين معانا لإن الموضوع سري.
صاح عمران بغضب: يعني أيه يا آدهم؟ اديني الجهاز وأنا هروح.

رد عليه وهو يتفحص سيارة رحيم: مفيش وقت يا عمران، أيوب اتنقل من المكان ده ومنصوبلنا كمين فيه، بعدين هفهمك أنا لازم اتحرك دلوقتي.
أشار له على بتفهم: روح انت وخلي بالك من نفسك، واحنا هنستناك في شقتك.
هز رأسه وغادر سريعًا لسيارة الاسطورة فتحركت به على الفور تعاكس الطريق الذي كان يتجه إليه.

أصدر الأمر بنقل أيوب وآديرا لمكانٍ أخر، فعارض أيوب الرجال وسدد لكمات مهاجمة إليهم، أحاطوه وتمكنوا منهم، فأجبروهما على الصعود للسيارة والانتقال لمكانٍ أخر، وقد تسنى له فهم المغزى من وراء ذلك وخاصة حينما انتزعوا ساعته منه وأخرجوا منه جهاز التعقب، فعلم الآن لما أصر آدهم أن يرتديها طوال الوقت.

وضعوهم بأحد الغرف المنزوية بأسفل ذاك البناء التابع للموساد، كان مجهزًا بعدد من المسلحين، خُيل لهم بأنهم شياطين يتباهو بأن لا أحدًا يتمكن من السيطرة عليهم.
اندفعت آديرا تجاه أيوب تتمسك بقميصه المتهارى ببكاءٍ، ورجفة جسدها لا تتوانى عن الهدوء، شعر لوهلة بأنها ستترك الأرضية وستقفز على قدميه من فرط رعبها، وبالرغم من نفور جسده تلقائيًا من لمساتها الا أنه كان مشفق عليها.

استسلم لبقائها جواره هكذا وأغلق عينيه يسترخي مع ترديد أذكاره وبعض الأيات القرآنية، حتى وجدها تبتعد عن صدره وترفع رأسها إليه تسأله ببراءةٍ:
أيها الإرهابي ألم تعد تنفر مني!
كبت آيوب ابتسامته وهمس ساخرًا: آه لو عُمران قفشك وانتِ مكلبشة فيا كده مش هيسمي عليا.
وتنحنح بخشونة وهو يجيبها بمراوغةٍ: آديرا هل تظنيه وقتًا مناسبًا للنقاش فيما بيننا، دقائق قليلة وسيعود عمك السفيه لقتلنا!

تعلقت بقميصه وتهاوت دمعاتها تذكره بكلماته التي لم يمر عليها سوى القليل: ولكنك أخبرته منذ قليل بإنك لن تتركه يقتلني وأنت حيًا.
هز رأسه بقلة حيلة منها، تلك الحمقاء لا ترى ما ينتظرهما، أجلى صوته المبحوح وردد: حسنًا سأتركه يقتلني أولًا قبل أن يقتلك هل أنتِ راضية عني الآن؟
زحفت بجسدها تجاهه وهي تراقب باب المخزن برعبٍ، فرددت بهلعٍ: أيها الإرهابي هل تثق إن هؤلاء قادرون على انقاذك؟
زوى حاجبيه بتعجب: من!

اوضحت له: أصدقائك وهذا الشرس الذي كلما رأني هددني بأنه سينحر عنقي!
عاد لهمسه الساخر: يا ريت عمك يطلع ابن حلال ويخلص علينا بسرعة قبل ما عُمران اللي يوصلنا الله اعلم لو ظهر أنا هحميكي منه ولا من عمك ابن ال
تابعت ما يقول بعدم فهم فسألته باستفهامٍ: أيها الإرهابي ما الذي تُثرثر به!

زفر وهو يحرك رأسه بيأس وصاح بها ساخرًا: إن كنت أنا بما أفعله لحمايتك إرهابيًا بالنهاية فماذا أنعت عمك الحقير بعد ما فعله وسيفعله بنا؟

اختطف آدهم النظرات السريعة للاسطورة المنشود، كان يجلس جواره بثباتٍ قاتل وكأن لا أحدٌ يشاركه السيارة، يصنع لذاته هالة من الهدوء والسكينة، وجهه حازمًا، مخيفًا بالرغم من وسامته، انتفض فزعًا حينما قال الاخير ومازالت عينيه على الطريق: لو مش هقطع لحظات تأملك فيا اسحب الجهاز اللي في التابلو وافتحه.

تنحنح الاخير بحرجٍ، وبالفعل سحب الجهاز وفتحه لينطلق صوتًا أنوثي لفتاة تتحدث بطريقة مخلة كالعاهرات: أووه بيبي هل اشتقت لي؟
جحظت نظرات آدهم لرحيم الذي يتابع قيادته بنفس هدوء معالمه، فتابعت الفتاة: أنا أتوق شوقًا لك. وانتظرك بكثيرٍ من الصبر. لا تتأخر والا احترقت من لوعة الانتظار، أتعلم أنا أفتقدك وأخشى أن يعود عمي باكرًا حينها لن أستطيع الجلوس برفقتك!

لا يصدق ما يستمع إليه وخاصة حينما قالت بميوعةٍ: أسرع فلم أعد أستطيع الانتظار!
فور نطقها بتلك الكلمات، أحتدت نبرة صوته: اربط حزامك.
عبس آدهم بعينيه بعدم فهم، فصاح رحيم بحدة: لو مش عايز تطير على الطريق ويحضنك الاسفلت اربط حزامك.
انصاع إليه وربط حزامه، فانطلق رحيم بسرعةٍ جنونية وبالرغم من ذلك كان متحكم بمقود السيارة متفاديًا ازدحام الطريق ببراعةٍ.

الآن علم آدهم شفرة الرسالة السرية من تلك الفتاة التي قد يظنها البعض عاهرة، ولكن ما هي الا رسالة سرية حل أول حروفها وكلماتها ليردد بصوت سمعه رحيم: بتنبهك أنك توصل بسرعة قبل ما عم آديرا يرجع!
ابتسامة ساحرة اتشح بها: برا?و ابتديت تفهم!

ستة دقائق اضافية اتخذتها سيارة رحيم الحديثة حتى وصلت لمكانٍ يقرب العمارة المتهالكة، هبط آدهم واتجه ليقف قبالة رحيم الذي قال ببسمة مخيفة، وكأن الشيطان يمنحه فرصة للنجاة من براثينه: هتكون ظابط مميز لإنك جمعت في مهماتك بين الجوكر والاسطورة وانت عارف ان ده نادرًا لما بيحصل!

وتابع وهو يرفع قدمه ليستند على عجلة السيارة: خاليني أحذرك للمرة الاخيرة المهمة دي مش سهلة فلو مش هتقدر تقوم بيها انسحب وسبني أنا ورجالتي هنتعامل.
لم يكن أحمقًا ليفوت فرصة العمل مع الاسطورة ليكتسب مهارة ستضاف إليه بتاريخه المهني: أنا يكون ليا الشرف لو كنت مع حضرتك في مهمة واحدة، هنفذ تعليماتك بالحرف، وإن شاء الله هكون عند حسن ظنك.

هز رأسه ببسمة هادئة وقال: كون إن مراد زيدان اللي مدربك ده مطمني يا عمر.
وتابع وهو يغمز له بمشاكسة: أقصد آدهم زي ما بتحب!
وارتسمت الجدية على ملامحه وهو يشير له على العمارة: صاحبك هنا في دور سري تحت جراشات العمارة، لازم تعرف إن المهمة دي صعبة لإننا مش هنتعامل بالسلاح ولا هنديهم الفرصة إنهم يستخدموا سلاحهم.

استطرد يوضح لمن يواجه صعوبة بفهمه: خليك واثق إن محدش من الكلاب دول هيخرج حي، بس الذكاء هنا هيرجع للقضاء والقدر.
ضيق عينيه في محاولة لفهم ما يود قوله، فرفع يده لاعلى البناية مشيرًا: رجالتي فوق مستنين مني اشارة عشان يبدأوا شغلهم. بمعنى أوضح يا سيادة الرائد صاحبك ومراته لو مخرجوش من المكان ده بعد 14دقيقة من دلوقتي هيتنسفوا مع الكلب ديفيد عمها واللي معاه.

سأله بحيرةٍ وارتباك: لما حضرتك عايز تفجر المبنى مش عايزني ليه اتعامل بالسلاح!

ابتسم بسمة مخيفة، وفحيحه الخبيث يتحرر: مين قالك اننا هنفجر المبنى! قولتلك قبل كده احنا في وضع حساس ومستحيل هنتعامل بشكل يثير الشبوهات علينا، الموضوع هيبان انه قضاء وقدر، مثلًا حصل ماس كهربا أو أي حادث مالوش علاقة بتدخل انسان بس المهم في ده كله إننا نخرج بيهم من جوه من غير ما نشتبك معاهم ولا حد فيهم يتصاب أو يستخدم سلاحه، مش، عايزين البحث والتحليل الجنائي يمسك علينا غلطة وده شغل رجالتي هما مستنين بس عشان نقدر نخرج بصاحبك وباللي معاه وبعد المدة اللي ادتهالك هيشوفوا شغلهم فهمت يا سيادة الرائد؟

هز رأسه يؤكد له ببسمةٍ فخر، كان يظن بأنه تمكن من معرفة كل صغيرة وكبيرة تجعله مستعد لمواجهة أي عدو، والآن يكتشف بأن موهبته لا تضاهي من حمل لقب الاسطورة عن جدارة!
أفاق من شروده على صوت رحيم يؤكد له: معاك 14دقيقة بس، لو مخرجتش بعدها اعتبر نفسك شهيد معاهم!
واستكمل وهو يشدد عليه: اتحرك حالًا وأنا هكون جنبك هأمن الطريق وهحاول أشتتهم عنك لو اكتشفوا وجودك.

ودفع إليه قناع قماشي أسود اللون، ارتدوه وأشار له رحيم: جاهز يا سيادة الرائد.
هز رأسه يجيبه: جاهز يا فندم!

اشارة معينة بأصابعه جعلته يندفع بحذرٍ شديد للمبنى، مستهدفًا أحدى الأبواب بينما ولج رحيم من بابٍ أخر غير الذي سلكه آدهم، كانت مهمة شبه مستحيلة، كيف سيتعاملون مع أشخاص مسلحون دون أن سلاح أو حتى دون أن تنطلق رصاصة واحدة من أسلحتهم، ربما هي صعبة ولكنها ليست محالة بالنسبة لرجال الصعاب الذين اعتادوا أن يحولوا المستحيل لممكنٍ.

اندفع آدهم للداخل بتمهلٍ قاتل، عينيه تدرس مكان رجال ديفيد، وتستكشف المكان بحرصٍ شديد، حتى سُلطت على رحيم المختبئ بالجانب المقابل له، يشير بيده على زواية بعيدة، اتجهت نظراته إليها فتفاجئ بوجود كاميرا.
عاد ببصره لرحيم فأشار له بأصابعه باشارة يعلمها جيدًا فالحديث بين فريق المخابرات يعتمد على لغة الاشارات، وفهم لغة الاعين بما يود القائد اخبارك به دون حديث.

علم منه بأن هناك أربع كاميرات تحيطه، فانتبه إليهم، يتمكن كلاهما من السيطرة على الكاميرات بسهولة ولكن مهمتهم يتعمدون أن تبرز الكاميرات طبيعة الحدث حتى حينما يشهد تدمر المكان.

أشار رحيم لآدهم اشارات متتالية، على غرفة تكسل على طرف آدهم وغرفة تميل على طرف رحيم، ففهم بأنه يطالبه بالبحث عن أيوب بالغرفة المجاورة له وهو سيبحث بالغرفة التي تنحاز على جانبه، فهز رأسه وانحنى يتفادى الكاميرات حتى سلك كلا منهما الغرف.

زحف آدهم بحرصٍ وتمكنٍ، حتى وصل للغرفة، طوفها بنظرةٍ متفحصة خشية من وجود كاميرات بالغرفة، فتنهد براحةٍ حينما لم يجد أي كاميرات، فلم يستطيع السيطرة على ذاته واندفع تجاه رفيقه، يهزه بخوفٍ من رؤيته يغلق عينيه ويسترخي بجلسته بشكلٍ جعله يظنه فارق الحياة، فناداه بلهفةٍ: أيوب!
فتح عينيه بارهاقٍ ومن ثم انتفض بجلسته فسقطت آديرا عن كتفه وفاقت من نومها هي الاخرى.
ردد بعدم استيعاب: آدهم! إنت وصلت هنا ازاي!

ضم وجهه بيديه بحبٍ، وجذبه بقوة لاحضانه هاتفًا بصوت اختنق بالدموع رغمًا عنه: الحمد لله إنك بخير. كنت مرعوب ليكون أذاك!
تعلق به بفرحة، فلم يتوقع أن يعرض ذاته لخطرٍ عظيم هكذا لاجله، وفجأة ابعده عنه وهو يشير: لازم نخرج من هنا حالًا. مفيش وقت يا أيوب.
وحذره باشارة حازمة: خليك ورايا وأوعى تعمل أي صوت لا انت ولا هي. في ناس معايا هتساعدنا بس لازم نخرج من هنا الأول.

هز رأسه بتفهمٍ، واستدار لآديرا المتعلقة به بخوف يخبرها: يريدنا أن نتبعه دون أن نصدر صوتًا يلفت انتباه رجال عمك لنا.
أشارت له بتفهمٍ، فاتبع آيوب آدهم، اتبعت آديرا أيوب بخطواتٍ حريصة، حتى بات على الطرف الذي كان يحتله قبالة الاسطورة، فوجده بانتظاره، أشار له بأنه وجد أيوب وزوجته، فأشار الاخير له بسرعة الخروج من المكان.

كاد بأن يسلك الطريق الذي مر به فتفاجئ بوجود أحد الرجال، لذا أبدل طريقه بطريقٍ أخر، اتسعت مقلتي رحيم حينما وجده يخطو لطريقٍ محفوف بالقنابل المزروعة، هؤلاء اللعناء يضرمون الخطط الخبيثة لحماية أنفسهم، فزرعوا قنابل بشكلٍ يستحيل تميزه.

حاول رحيم أن يحذره ولكنه تفاجئ ببراعةٍ آدهم بتميز أماكن القنابل، فكان يتحرك بخفة ويشير لهما بتتبعه، فاحتلت شفتيه ابتسامة فخورة بأخيه الجوكر المزعوم، لقد برع بتدريب أحد تلميذه بشكلٍ يستدعي الفخر.
نجح آدهم بالخروج بهما آمنين، فأشار لأيوب بهمس: خد آديرا وامشي من الطريق ده هتلاقي هناك عربية (رولز رويس بوت تيل Rolls-Royce Boat Tail) سودة خليك جنبها لحد ما أجيلك.
تمسك آيوب بيده بخوف: وانت يا آدهم؟!

أخبره بحزمٍ وصرامة: مالكش دعوة بيا، اسمع الكلام يا أيوب، روح أنا بستنى القائد بتاعي وهنرجع مع بعض.
هز رأسه إليه وغادر سريعًا، بينما اتجه آدهم للباب الذي ولج منه رحيم، فتعجب من تأخره، انحنى يتفحص المدخل فتخشب جسده فجأة حينما سُلط فوه السلاح على رقبته وصوتًا مقيتًا يتردد: يديك للخلف، انهض بهدوءٍ والا ستجد رصاصتي طريقها إليك!

انتصب آدهم بوقفته بهدوءٍ، ويديه تحيط رقبته، يحافظ على ثباته بكل طاقته ويستعد للمواجهة، وما أن استدار ليواجهه حتى تفاجئ برحيم يقف خلف الرجل، يثبت أصبعين من أصابعه على حنجرة الرجل والاصبع الثالث يحيط بأصبعيه بشكلٍ دائري، فجحظت عين الرجل وسقط قتيلًا دون أن تسقط منه قطرة دماء واحدة!
حمله رحيم وولج به لداخل المبنى ثم أشار لآدهم: ورايا!

اتبعه للخارج فوجده يتفحص الطريق بنظراته الصقرية، حتى وجد سيارة سوداء تخص عم آديرا تعود لداخل المبنى، ارتسمت ابتسامته الشريرة على شفتيه وقال: كنت هزعل أوي لو الحفلة بدأت من غير الكلب ده!
ورفع يده للأعلى وبسطها بشكل مخيف، إشارة صريحه لرجاله المترقبون لاشارته بأنهاء الأمر.

دقيقتين والثالثة كانت تضوي بصوتٍ لشرارة كهربائية نتجت احتكاك ضخمًا، اتسعت ابتسامة رحيم وهمس بمكر: بدأت الحفلة بس يخسارة من غير توابيت!
وتابع لخبث: الاغبية حاطين قنابل هتساعد معانا في الاحتفال شوفت أجمل من كده!
وأشار له قائلًا: يلا نخرج من هنا.

اتبعه لسيارته، فصعد لجواره بالامام وبالخلف أيوب وآديرا، انطلق رحيم مسرعًا وأخر ما يتثنى لهم رؤيته انهيار المبنى وسط شعلة هائلة من النيران المخيفة، التي تتحدى بعنجهيةٍ أن يخرج منها أحدًا على قيد الحياة.

غمر الصمت السيارة ومازال الفضول يغلب أيوب للتعرف على كناية ذلك الرجل المخيف، لاحظ آدهم نظراته بالمرآة الأمامية فابتسم بتهكمٍ على ما يصيبه من ذعر، وتابع الطريق حتى استقر بهم أسفل شقة آدهم التي كان يسكن بها أيوب.
هبط أيوب وآديرا، فأشار له آدهم: عُمران ودكتور على فوق بانتظارك، أنا شوية وجاي.
هز رأسه بتفهمٍ وصعد بها للأعلى ومازال مشدوهًا لما حدث منذ قليل.
أما بسيارة رحيم.

استدار برأسه إليه ينتظر سماع أوامره القادمة، فقال: مساندتك ليا بالشكل المتقن ده هتسقط عقوبتك خصوصًا إني مش ناوي أتكلم عن أخطائك الغبية، هعتبرك لسه في فترة تدريبك لإنك ذكي وعجبتني.

ابتسم له آدهم بامتنانٍ، فتابع رحيم بجدية تامة: أنا ورجالتي هنتابع الموضوع عن قرب مع إن اللي عملناه كان برفكت بس زيادة تأكيد، وعلشان نبعد وجوه الاتهامات عنه خصوصًا القرابة اللي بين ديفيد والبنت لازم صاحبك ومراته ينزلوا مصر في أقرب وقت، على الأقل لحد لما الموضوع يهدى.
هز رأسه بتفهمٍ، وقال: أيوب وآديرا هيسافروا معايا مصر على نفس الطيارة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة