قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني عشر

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني عشر

ساد الصمت الأجواء، وكلاهما ينتظر سماع الرد القاطع للسؤال المطروح، فكانت شمس أول من تحدثت بثبات مصطنع تخفي به ما تعرضت له بيومها الغامض هذا، فقالت: أنا كنت مع راكان يا مامي والوقت سرقنا حتى موبيلي كان فاصل شحن، أنا أسفة مش هتتكرر تاني.
واستطردت ببسمة تصنعها بالكد: حمدلله على سلامتك يا أنكل، نورت الدنيا كلها.

واحتضنته شمس بشوقٍ، فربت على ظهرها وهو يعاتبها ببسمة هادئة: كده تخضينا عليكي الخصة دي، وخطيبك ده مكنش بيرد على مكالمتنا ليه ده أنا روحتلكم البيت والحرس قالولي إنه مرجعش من بره.
ابتلعت ريقها بتوتر، فخطفت نظرة مترددة لوالدتها المتجمدة محلها بملامح واجمة لا تنذر بخير، فقالت: موبيله كان صامت، لإنه محبش حد يزعجنا زي كل مرة، بعتذر على الازعاج اللي سببنهولكم مرة تانية.

مسد على شعرها الطويل بحنان: ولا يهمك يا حبيبتي. المهم إنك بخير.
تحرر صوت فريدة الحازم لتغزو مايسان وعلي: وحضراتكم كنتوا فين لحد دلوقتي، وإزاي يا مايا تنزلي بوقت زي ده من غير ما تأخدي اذني أو تعرفي جوزك على الأقل!
أخفضت عينيها خوفًا مما ستلاقاه الآن، فرددت بتلعثم: آآ، أنا. آآ.
ناب عنها على حينما قال بخشونةٍ: أنا اللي كلمت مايا وطلبت منها تقابلني في المطعم لإني كنت محتاج مفاتيح شقة والدها.

زوت حاجبيها باستغرابٍ: محتاج المفاتيح ليه؟
ها قد بدأت الدفوف لاعلان الحرب المترقبة، فسحب على نفسًا مطولًا ليجيبها: كنت محتاجه لفطيمة هتقعد بالشقة لحد ما نكتب الكتاب وبعدها هتيجي تعيش معانا هنا لحد ما نحدد معاد الفرح.
سقطت الكلمات عليها كالصاعقة، فبدت بالبداية كالبلهاء لا تفقه فهم كلماته، فطيمة تتذكر جيدًا هذا الإسم فقد سبق عليها سماعه، مهلًا هل يقصد مريضته التي سبق وقص لها ما تعرضت له من اعتداءً!

تصلب جسدها جعل أحمد يمنحه نظرة معاتبة لتسرعه باخبارها، بينما خشيت مايسان تلك العاصفة التي سترج أركان المنزل، أما شمس فبدت متحيرة في فهم ما يقوله أخيها، كل ما تمكنت من فهمه بأن سيعقد قرانه على فتاة وسيحضرها هنا لحين تحديد حفل الزفاف.
تمكنت فريدة من تحرير لسانها الثقيل، لينطق: إنت بتقول أيه؟!

وتابعت وهي تعيد خصلات شعرها القصير للخلف: لا أكيد بتهزر، اللي فهمته أكيد غلط إنت متقصدش البنت المغتصبة اللي بقالك شهور بتعالجها، أكيد دي واحدة ليها نفس الإسم صح؟
اسند يديه لبعضها البعض خلف ظهره، وأكد بثقة: لا يا فريدة هانم، هي نفسها المريضة اللي بعالجها.

تحررت عن حالة جمودها، لتصرخ بصوت أخاف الفتيات: إنت اتجننت يا على عايز تتجوز واحدة اتعرضت للاغتصاب أكتر من مرة، قبلتها على نفسك إزاي، إنت أكيد مش بعقلك!
أجابها بتحدي وعينيه لا تفارق خاصتها: أنا طول عمري عاقل وعارف كويس أنا بقول أيه، وحضرتك نطقتي بلسانك إنها مغتصبة يعني اللي حصل ليها مكنش بارادتها!
تدخل أحمد سريعًا يحاول تلطيف الأجواء، فقال: اهدوا يا جماعة النقاش مش كده!

وتطلع لفريدة يخبرها بهدوء: فريدة، على معاه حق البنت مالهاش ذنب في كل اللي حصلها، حرام تتعاقب على شيء اتفرض عليها.
رمشت بعينيها بعدم تصديق: إنت كنت عارف يا أحمد؟
اكتفى بإيماءة رأسه مما جعلها تصفق كف بالأخر وهي تصيح: مش معقول أكيد ده حلم سخيف!

وتابعت بصوت محتقن: إنت مختارتش واحدة بره الطبقة الراقية اللي عايشين جواها يمكن كان الموضوع هيبقى صعب بس مش مستحيل، لكنك اختارت واحدة ملوثة متناسبش العيلة لا بالنسب ولا بأي شيء وواقف قدامي بكل جراءة وتقولي هتتجوزها!
واستكملت بعنف وقد تلون وجهها بحمرة مخيفة: لا يا على مش هسمحلك تعمل كده، الجوازة دي مستحيل هتتم سامعني!

اقترب منها على حتى بات يقف قبالتها، فردد بصوتٍ منخفض لا يهنيها بحدته: فريدة هانم أنا مش عمران هقبل بقراراتك وأنخضع ليها، أنا على اللي لا يمكن مخلوق على وجه الأرض يمشي أوامره عليا وحضرتك عارفاني كويس.
وتابع وهو يتطلع لأحمد: الجوازة هتم يا عمي، بكره هكتب كتابي على فاطيما والاسبوع الجاي هنعمل الفرح هنا بالبيت.

وتركهم وكاد بالصعود ولكنه توقف فور أن صرخت فريدة بعصبية: القذرة دي مستحيل هتعتب خطوة واحدة جوه بيتي، ولو فاكر إني هسكت تبقى بتحلم يا علي.
أطبق يده على درابزين الدرج يبث عصبيته الكامنة بها، فهدأ من أعصابه قبل أن يستدير ويخبرها: يبقى أنا كمان من النهاردة ماليش مكان جوه البيت ده.
وهبط يتجه للخارج، فهرعت شمس من خلفه تردد ببكاءٍ: على أنت رايح فين؟ أرجوك تهدأ وترجع.

لم يستمع أليها وأكمل طريقه، حتى صاح به أحمد بغضب: أيه اللي بتعمله ده يا علي، بطل جنان واطلع أوضتك وأنا هحاول أتكلم مع فريدة.
لا يريد أن يكون وقحًا مع عمه، فقال برزانة: من فضلك يا عمي أنا مش مستعد يكون في زعل بيني وبين حضرتك، أنا قولت اللي عندي وده النهاية.
قالها وهو يهم بالخروج، فأوقفه صوتها المنادي: علي.

توقف محله واستدار إليها، فاقتربت منه تردد بحزمٍ: بلاش تخسرني عشانها يا علي، إختار أي بنت حتى لو مكنتش من مستوانا وأنا بنفسي هروح أخطبهالك بس من فضلك تكون عذراء متكنش ملوثة.
برق بعينيه بصدمة من حديث والدته، فابتسم ساخرًا: أنا طول عمري بحترم حضرتك بس حقيقي أنا النهاردة مصدوم ومش قادر أتكلم، بتحسسيني بكلامك إنها هي السبب في اللي حصلها!

وتابع وهو يشير باصبعيه: اللي حصلها ده كان ممكن يحصل لشمس أو لمايا وقتها كنتي هترميهم من حياتك!
علي!
تحرر صراخها يستوقف حديثه، فرددت بحدة: ازاي تجرأ تقارنها ببناتي، الظاهر كده إن عمران لوحده اللي مرتكبش معصية وسكر إنت كمان مش في وعيك.
ازدادت ابتسامته الساخطة: لا يا فريدة هانم أنا لا مجنون ولا سكران، أنا واعي كويس للي بقوله.

وتابع قائلًا: أنا مأجرمتش بحبي ليها، قلبي هو اللي اختارها عن قناعة إنها انسانة متكاملة وزي كل البنات مش ناقصها حاجة.
وضم شفتيه معًا بقلة حيلة كونها والدته، ثم قال: بسبب وجود ناس تفكيرهم زي حضرتك في ألف بنت زي فاطيما بيعانوا ومش بس وصل بيهم الحال في أوضة بمستشفى للأمراض النفسية، وصل بيهم الحال للانتحار يا فريدة هانم.
تمردت عن ثباتها وتحرر صوتها المبحوح: على هعملها لأول مرة وهمد إيدي عليك.

تدخل أحمد على الفور، فأشار إليه بصرامة: اطلع على أوضتك دلوقتي يا علي، واللي إنت عايزه هنعملهولك.
اعترض على أمره قائلًا باحترام: عمي من فضلك آ.
قاطعه بنظرة حازمة وصراخه الذي تمرد على هدوئه الرزين: أنا قولتلك اطلع أوضتك وسبني دلوقتي مع والدتك.
اقتربت شمس منه تترجاه برجفة يدها: على بليز تعالى معايا.
رؤيته لدمعاتها ورجفة أصابعها المتمسكة بقميصه جعله ينصاع إليها برفقة مايسان للمصعد.

ما أن فرغت الردهة بها حتى جلست على أقرب مقعد تحتضن جبينها بتعبٍ شديد، وتردد بصوتٍ مرهقٍ خافت: أولادي بيضيعوا مني يا أحمد، لسه متجاوزتش اللي عمران عمله ودلوقتي طلعلي علي!
تطلع لها بحزنٍ شديد، فجذب أحد مقاعد السفرة ليجذبه قبالتها ثم جلس وقال بألمٍ: اهدي يا فريدة، الأمور متتحلش كده.
رفعت عينيها الباكية إليه تشير بقلة حيلة: أمال تتحل ازاي! أنا تعبت تعبت وحاسة إني خلاص مبقتش حمل المسؤولية دي.

وعادت تنحني دافنة رأسها بين ذراعيها هاتفة ببكاء: لأول مرة أحس إني عاجزة ومفتقدة لوجود سالم جنبي، خلاص بقالي 15سنة بحارب لوحدي!
طعنته بخنجر قاسٍ استهدف صدره دون راجع، اتشتاق لرجلٍ أخر سواه وترددها بوجهه!
نعم لم تخطئ فهو بالنهاية زوجها، ولكن الا تمنحه الرحمة لعذاب خاضه وأخيه حيًا لتلزمه به وهو ميتًا! الا تشفق تلك المرأة على حاله؟!

أفاق من شروده حينما وجدها تنحرف بجلستها تجاهه، لتسأله بلهفة: قولي يا أحمد أعمل أيه؟ أنا مش قادرة أتخيل إن البنت دي تبقى مرات ابني! أنا ممكن يجرالي حاجة لو ده حصل.
وتابعت وهي تلتفت بجنون: هودي وشي فين من الناس لما يعرفوا اللي حصل معاها ولا لما يعرفوا هي بنت مين وأصلها أيه؟
واستطردت تجلب حجج من أمامه: إنت أكتر واحد عارف الطبقة اللي عايشين فيها عاملة إزاي.

تحرر عن صمته بنبرته الرجولية الصارمة: ما يغوروا في داهية يا فريدة، ناس أيه اللي بتتكلمي عنهم!
وتنفس بضيقٍ، ثم عاد يشير لها بهدوء: يا فريدة إفهمي على غير عمران وإنتي عارفة كده كويس، مدام أخد القرار مستحيل هيتراجع فيه.

انفطرت ببكاء جعله يود أن يجلد ذاته، يتمنى من أن يضمها إليه، تبًا لتلك المسافات التي مازالت تضعها بينهما حتى تلك اللحظة، ليته يتمكن من الزواج بها رغمًا عنها، ليته يقسو عليها ولو بمجرد الكذب عليها بشأن زواجه من أخرى ولكنه يخشى أن يحزنها، وكأن قلبها هذا هو النابض بجسده، لا يريد أن يسبب لها الألم يكفي ما فعله بها.

تنحنح أحمد وببحة صوته المميز قال: فريدة كفايا عشان خاطري، بتوجعيني بعياطك ده وأنا قلبي مش متحمل، اهدي من فضلك.
أزاحت دموعها وانتفضت محلها فجأة وكأنها لم تكن تعي ما فعلته، فقالت بعصبية: إنت رجعت ليه يا أحمد، رجعت عشان تشوفني ضعيفة ومهزومه صح، لا ده بعدك أنا شلت البيت ده وأولادي 15سنة، وكلمتي هي اللي هتمشي على مش هيتجوز البني آدمة دي لو أخر بنت في الدنيا، هختارله البنت المناسبة ليه وبنفسي.

انتصب بوقفته يرمقها بنظرة غاضبة، وهاج بسخط: اعمليها مش جديدة عليكي، بس وقتها هتكوني خسرتي ابنك التاني هو كمان.
وتابع ورماديته تناطح زرقة عينيها دون تراجع: انتي كنت سبب دمار علاقة مايا بعمران، لإنك جبرتيه يتجوزها مع إن الولد كان بيحبها ويمكن مع الوقت كان هو اللي هيطلبها بنفسه للجواز، ومهما كان احساس إنه اتجبر على شيء غير مقبول لأي راجل اتخلق على وش الأرض وابنك راجل مش دلدول أمه يا فريدة هانم.

تراجعت للخلف خطوة وكأنها على وشك السقوط، فاستطرد بقسوة علها تعود لرشدها: حتى شمس فرضتي عليها راكان لإنه من وجهة نظرك رجل الاعمال ابن الحسب والنسب واللي يليق بالعيلة، لكن بنتك بتفكر في أيه وجاهزة للجواز دلوقتي ولا لأ ولا همك!
ابتلعت ريقها المتحجر بصعوبة، فاحتقنت حدقتيه وبوجعٍ أضاف: دمرتيني ودمرتي عمران ودمرتي شمس ودلوقتي جيه الدور على علي!
لسه عايزة تعملي أيه تاني يا فريدة؟

تحررت عن صمتها لتحرر صراخ الأنثى الباكية داخلها فقالت: أنا مدمرتش حد، أنا كنت بحمي عمران من الحيوانة اللي كانت هتدمره، وكنت بحافظ على مايا بنتي اللي ربتها على ايدي يا أحمد!
وبكت وهي تخبره: خوفت إنها تعيش في النار اللي أنت رمتني فيها، خوفت أشوفها بتنهار لو اتجوزت شخص مبتحبهوش، احساس بشع متمنهوش لألد أعدائي عايزيني اتقبل إن بنتي تعيشه!

مسحت عبراتها وهي تستمد قوتها: على الأقل عمران كان بيحبها ودلوقتي ابتدى يقتنع بغلطه ويصلح علاقته بيها، أما شمس فأنا مستحيل هرميها أنا عارفة ومتأكدة إن مفيش حد في حياتها عشان كده اختارتلها المناسب ليها وطولت فترة الخطوبة بحيث إنها تعاشره وتقدر تتعرف عليه كويس، ولو إنها ذكرتلي سبب مقنع لفسخ الخطوبة مش هتردد ثانية واحدة.

وأشارت باصبعها باصرار: لكن على لازم أقفله وأمنعه من اللي هيعمله ده مهما كان التمن.
ابتسامة موجوعة ارتسمت على شفتيه، وقال بانهاكٍ: حتى لو كان التمن خسارته!
جحظت عينيها صدمة، فتابع بهدوء غريب: فريدة أنا مش ضدك ولا عمري هكون، أنا في صفك ومش عايز غير مصلحتك، ومصلحتك إنك متخسريش علي، وافقي على جوازه منها لانه كده كده هيتجوزها وإنتِ عارفة ده.

هدأت قليلًا، وجلست على الاريكة باسترخاء، ليطول صمتها وكأنها توازن الأمور جيدًا، ورددت بهمس: بس أنا مش هقدر أتقبلها يا أحمد.
جلس على بعد معقول منها، وقال: مش مهم، المهم إنك متخليش على يطلع من تحت طوعك ده لمصلحتك.
أغلقت عينيها بقوةٍ تحرر دمعتها، وهزت رأسها متفوهة بازدراء: سبني لبكره أفكر!

هدأ من سرعة السيارة حينما اقترب من العمارة، ولكنه وللعجب لم يجد أحدًا، فرفع هاتفه يطلبه فإذا بذراعٍ يشير له من مدخل العمارة، يحثه على التحرك والوقوف قبالة الباب، فقاد جمال السيارة حتى بات قبالته، فركض يوسف ليفتح باب السيارة ولكنه لم يستجيب له، فصرخ بمن يتأمله بفمٍ بكاد يصل للأرض من فرط الصدمة: افتح الباب بسرعة هتفضح يالا!
فتح القفل الالكتروني، فصعد يوسف يلتقط أنفاسه وهو يشير له: اطلع بسرعة.

تمادى بالضحك وهو يردد بصعوبة: بالبيجامة الستان يا دكتور!
رمقه بنظرة قاتلة، فكبت جمال ضحكاته وقاد بصمت، ومن ثم عاد يتطلع إليه فضحك مجددًا وهو يخبره: مش ممكن، لو حد من المرضى بتوعك شافوك كده هيركبوك التريند.
وقهقه ضاحكًا وهو يتابع بسؤال هام: ازاي دكتورة ليلى سمحتلك تنزل كده، لا أكيد في سوء تفاهم!

لزم الصمت ونظراته الحادة هي التي تخترق ذاك المتطفل، فعاد لنوبة ضحكه مجددًا وأشار له لاهمية الأمر: يعني دلوقتي هنخش على أخوك سيفو كده ازاي، هتكون قدوة ليه من أي جهة وإنت راجع الساعة 2وش الصبح بالبيچاما الستان المنيلة بسواد دي!
زفر بغضب، فتابع جمال بمشاكسة: لو عايز مفتاح مكتبي تتكوم فيه للصبح معنديش مانع أهو أهون من الفضايح دي.

تحرر يوسف عن جلباب صمته العتيق، فطوق عنقه بقبضته، صعق جمال مما فعل فحاول السيطرة على حركة السيارة وهو يصيح: يوسف بطل غباء هنعمل حادثة.
لم يزيح يده فقال بضحك: طب خلاص حقك عليا، أنا اللي مطرود بالبكيني يا عم.
تركه يوسف وجلس بهدوء جعله يتساءل: مالك يالا، ساكت من ساعة ما ركبت هي دكتورة ليلى كلت لسانك ولا أيه؟ لو تحب نطلع على المستشفى مفيش مانع!

صرخ بعصبية: أنا كرهت المستشفيات والدكاترة كلهم، جالي مكالمة شغل مريضة بتحكيلي على مشاكل عندها في الحمل فسألتها بمنتهى العملية إذا كان حدث علاقة مع زوجها بنفس اليوم ولا لأ مرات أخوك سمعت المكالمة جنونها طارت مسكتني من ياقة البيجامة الستان السودة وطردتني بره الشقة!
لم يستطيع السيطرة على ذاته، فأحمر وجهه من فرط الضحك والاخير يتطلع أمامه في محاولة للسيطرة على أعصابه بالنهاية يقدم له المساعدة.

رفع جمال يده له بحرج: أنا آسف يا جو النية مش شماتة أبدًا بس الموضوع مضحك!
وتابع بمزح: أنا كنت جايلك على أخري منك لإنك بتختار أوقات مش تمام وتكلمني فيها، بس بصراحة ناري بردت لما شوفت حالتك المذرية دي!
لكمه بشراسة وهاج به: ما تنزل تشحت عليا أحسن! مهو خلاص معتش غيرك إنت والوقح عمران اللي تتمسخروا بدكتور يوسف أحلى دكتور نسا وتوليد فيكي يا انجلترا.
هز رأسه مؤكدًا بسخرية: دكتور الحالات المتعثرة!

لكمه مجددًا فقهقه ضاحكًا وهو يوقف السيارة بقوةٍ جعل جسده يندفع بعنف للامام، ليشير له بتسلية: يلا يا جو اطلع لسيفو يكمل تحفيل عليك وأنا هبقى أجي أكمل بكره، أقصد هجبلك بدلة شيك وأجيلك بكرة بإذن الله عشان نروح لعمران.
هبط يغلق باب السيارة بعنف، وانحنى للنافذة يشير له: بكره هوريك مقامك يا حقير!

ولجت لغرفتها أبدلت ثيابها وقبل أن تذهب للنوم اتجهت لتتفحص عمران قبل أن تغفو، فما أن وجدت الغرفة معتمة كادت بالعودة لغرفتها، فتفاجئت بالنور يضيئها، فتمكنت من رؤيته يجلس على الفراش والضيق يتسلل لمعالمه بوضوح، ابتلعت مايا ريقها بتوتر فبررت لما خمنت سبب غضبه: عمران أنا أسفة أني خرجت في الوقت ده بدون إذنك، بس والله كنت نايم ومحبتش أزعجك، على بعتلي وكان عايز مفتاح الشقة لفطيمة.

رد عليها ونظراته تحيطها بثبات: مش زعلان عشان تبرريلي يا مايا، أنا متضايق من اللي بيحصل معانا بسبب عناد فريدة هانم.
وأضاف بغضب: الصوت كان عالي تحت وسمعت كل حاجة، وبصراحة على معاه حق.
رفعت حاجبها بدهشة، فدنت تجلس أمامه على الفراش تردد: مش مصدقة إن عمران سالم اللي بيقول الكلام ده! أنت لسه تعبان ولا أيه؟

تمردت ضحكاته الرجولية، ليغمرها بنظرة مشاكسة: لا ده عمران اللي قلبه رجع يدق بحب مايا من تاني فبقى عاطفي ويقدر القلوب العاشقة زي قلب الدكتور على كده.
أخفضت عينيها عنه بارتباك، فاقترب بوجهه يهمس بصوتٍ منخفض مغري: أيوه يعني هتهربي مني كده لحد أمته؟

وتابع بخبث: زي ما أنتِ شايفة بقيت عاجز عن الحركة وهحتاجك جنبي طول الوقت، وانتي من كلمتين بتفرفري قدامي، مينفعش كده هحب في مين طيب في على أخويا ولا انكل أحمد مثلًا!
اشتعلت وجنتها فنهضت عن الفراش واتجهت للمغادرة وقبل أن تغلق بابها رددت بغضب: يوسف صاحبك معاه حق إنت وقح!

تمؤدت ضحكاته باستمتاعٍ لرؤيتها تهرول خجلًا منه، فراق الأمر له كثيرًا، سحب عمران جسده للأسفل ليتمدد باريحية لحقت نبرته: شكلنا كده هنتسلى كتير الفترة الجاية!
طرق على الباب ويده على جرس المنزل لدقائق متتالية حتى استجاب أخيه لندائه المزعج، ففتح الباب يعبث بحدقتيه الناعسة: يوسف! أيه اللي جابك بالوقت ده!

ربع يديه أمام صدره بضيقٍ: مطرود ولو هتفتح تحقيق فالعملية مش ناقصك إنت كمان، وسع من قدامي خليني ألحق اتخمد قبل معاد المستشفى.
وكاد بالدخول فقاطعهما صوت أنوثي يردد بفزع: دكتور سيف ماذا هناك؟ ومن هذا المزعج الذي يدق بابك بتلك الطريقة!

استدار يوسف للخلف، فوجد باب الشقة المقابل لاخيه مفتوح ومن أمامه تقف بنت شقراء، ترتدي تنورة قصيرة وتوب قصير، فالتفت لأخيه يجذبه من تلباب ملابسه، ثم دفعه للداخل ليغلق الباب بقوة بوجهها، فلف يده حول رقبته وهو يصيح: مين دي يا وقح أنا شكلي هسحب الوقاحة من عمران وأديها لاخويا اللي مدورها بغيابي!

ابعد سيف يده عن رقبته باختناقٍ: يوسف أنت مجنون، أنا أبص على اللحم الرخيص ده! دي جاسي واحدة لسه ساكنة جانبنا من أسبوع وسبق واتعرفنا بالاسانسير بس كده!
منحه نظرة قاتمة قبل أن يحرر يده كليًا، فجذب القميص يعدله على جسد أخيه وهو يشير له: يالا لو واقع قولي وأنا أروح اخطبهالك ونخلص.
جحظت عينيه صدمة: تخطبلي مين! أنا ساعات بحس إنك عايز تلقفني لأي عروسة عشان تتخلص مني.

أحنى رأسه ليسدد له صفعه على رقبته: يا حمار خايف عليك من الفتنة، إنت شايف البلد اللي احنا فيها عاملة ازاي!
تركه وولج للمطبخ يجذب كوبًا من المياه يرتشفه وهو يشير له: اطمن يا حبيبي أخوك راجل مش أي ست تجيب رجليه.
وأسترسل بغرور: أنا يوم ما أقرر اتجوز هتجوز بنت مسلمة ومحجبة يا يوسف، تخفي جمالها عن الرجالة كلها لحد ما يتقفل علينا باب واحد!
ابتسم وهو يستمع إليه، وقال بجدية: راجل يالا، تربية ايدي!

ضحك وهو يغمز له: طب فكك من حوار نونة الخاطبة دي وأرغي دكتورة ليلى طردتك ليه المرادي؟!
تقلب بفراشه بانزعاجٍ، يحاول السيطرة على لهفته فالوقت قد شارف على الثالثة صباحًا، كيف سيتصل به بوقتٍ كذلك، ولكن النوم جفاه وعينيه لا تفارق ساعة الحائط، فاستقام بجلسته وهو يردد: أنا هتصل بيه دلوقتي واللي يحصل يحصل.
وعاد يجيب على ذاته: بس الوقت متأخر جدًا يا علي، هيقول أيه!

واقنع ذاته ببسمة واسعة: هي رنة واحدة رد رد مردش هكلمه بكره.
وبالفعل حرر زر الاتصال، ليتفاجئ بصوت الجوكر الناعس يجيبه: دكتور علي، خير؟!
سحب نفسًا طويلًا، ليجيبه ببسمة واسعة: النهاردة كتب كتابي على فطيمة!

تسللت الشمس بخيوطها لساحتها العتيقة، ففتحت فطيمة عينيها، ونهضت تتجه لحمام الغرفة، فاغتسلت وخرجت تؤدي صلاتها وهي تدعو الله مرارًا أن يقرب منها الخير ويبعد الشر عنها، تعلم بأن هناك حربًا سيخوضها على برفقة والدته التي سبق له الحديث عنها لها بتلك الايام التي كانت تلجئ بها للصمت، فلم يكتفى بالحديث لها عن والدته فقط، كان يجلس جوارها كل يوم بعد انتهاء عمله بالمشفى يقص لها عن حياته وكأنها طبيبه النفسي!

أخبرها عن يارا خطيبته السابقة وحبها لمروان زيدان ابن عم مراد، وعن أخيه وزواجه من مايسان ابنة خالته حتى شمس كان يقص لها عن تلك الفتاة المدللة، وأيضًا لم ينسى ذكر فريدة هانم بسلطاتها القوية بالسيطرة على المنزل وأبنائها.

بداخلها خوفًا كبيرًا تجاه ما سيتعرض له على بسببها ولكنها الآن كالغريقة التي تتمسك بقشة نجاتها، وعلى هو كل شيءٍ لها، الثمانية وأربعون ساعة التي قضتها دون رؤيته بالمشفى كانت على وشك الجنون، وكأنها تترقب جرعة المخدر الذي سيذهق عقلها عن آلآمه جميعها، وكأنه البلسم لكافة جروحها، لا تحتاجه كطبيب يكفي وجوده لجوارها حتى وإن كان صامتًا، الأمر يتعلق به.

خرجت من غرفة النوم واتجهت للمطبخ الفخم الموجود بطرفي الردهة، تحمل من الثلاجة بعض الفواكه واتجهت للطاولة القريبة من الحائط المشكل على هيئة من الزجاج الشفاف، فراقبت المارة بأعين ساهمة لا تدري ماذا سترى بالايام القادمة!
انتهى من ارتداء ملابسه وأخذ يصفف خصلات شعره حينما اتاه صوت طرقات باب غرفته ومن خلفها صوتها الرقيق يستأذن: ينفع أدخل؟
ابتسم وهو يشير لها: تعالى يا روح قلبي.

ولجت شمس للداخل بفستانها الأزرق الطويل، تهرول حتى أصبحت أمامه تخبره بحماس: أنا جاهزة.
عقد حاجبيه باستغراب، فأحاط رقبته بالجرفات متسائلًا: جاهزة لأيه، مش فاهم؟!
ذمت شفتيها بضيق: هو إنت عايز تروح تكتب كتابك من غير أختك يا علي!
استدار إليها يرمقها بنظرة متفحصة قبل أن يسألها بمكر: مش خايفة من فريدة هانم؟
هزت شمس رأسها نافية، وأضافت: أنا جاهزة أتعرف على البنوتة اللي سحرت قلب دكتور علي.

فتح ذراعيه لها ببسمة جذابة، فاحاطت رقبته ورأسها ممدد على صدره، فربت بحنان على خصرها وهو يهمس لها: حبيبتي منحرمش منك أبدًا، أكيد طبعًا هاخد شمس هانم بنفسي لهناك.
صاحت بحماس: هجيب شنطتي وهجي.
هز رأسه بتفهمٍ، وجذب جاكيته يرتديه على عجلة، ثم توجه لغرفة عمران يطرق بابه وما ان استمع لصوته يأذن له بالدخول، ولج ببسمته الواسعة: صباح الخير.

ابتسم ذاك المشاكس الذي يتناول طعام الافطار بيد مايسان التي تجاهد لاخفاء خجلها الشديد وخاصة مع دخول علي: صباحك ورد يا دوك، تعالى افطر.
غمز على بخبث: مايا هانم بتأكلك بنفسها! الله يسهله يا عم.
ارتبكت مايسان، فطرقت الصينية من يدها على الكومود ورددت لعلي بحرج وخوف: والله ما أنا، أخوك الوقح اللي أجبرني أكله بيقول مش عارف يأكل بإيد واحدة.

تعالت ضحكات على حتى كاد بالسقوط أرضًا، بينما كز عمران على شفتيه وهو يصيح بانفعال: هو قافشنا في شقة مفروشة! أنتِ مراتي يا غبية، تأكليني تحضنيني كل شيء وارد.
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة، فأشارت بارتباك: شوفت يا على أخوك بيتكلم ازاي، آآ. أنا غلطانه إني جيت أشوفك فطرت ولا لا. أنا ماشية.
وكادت بالهروب كعادتها ولكن صوت على أوقفها: مايا استني أنا عايزك.

عادت لتقف على مقربة منه ونظراتها الساخطة تحيط عمران الذي يغمز لها، ويمنحها قبلات بالهواء متعمدًا أن يثير غضبها، مستغلًا أن على يستدير بوجهه عنه.
أخرج على من جيبه الفيزا الخاصة به ثم قال: مايا أنا عايزك تاخدي فطيمة وتنزلي تشتريلها شوية هدوم وكمان تجبيلها فستان شيك كده عشان بليل هعدي عليكم وهنطلع على المحامي نكتب الكتاب.
هزت رأسها بترحاب: بس كده عيوني.

ابتسم وهو يشكرها بامتنان: الأخت الجدعة متتعوضش حقيقي بشكرك على كل حاجة يا مايا.
اعترضت بلباقة: متقولش كده يا على انت أخويا. المهم بس تنفد من فريدة هانم النهاردة ربنا معاك.
ضحك وهو يعدل من جرفاته بغرور: متقلقيش على أخوكي، جامد ومفيش حاجة تهزه.
ردد عمران ساخرًا: طيب يا جامد متنساش تاخدني معاك أبارك ولا هترميني على السرير كده شبه العانس وانت مدورها!

انطلقت ضحكاته وقال وهو يتفحص ساعة يده: متقلقش، على فكرة دكتورة ليلى هتبعتلك دكتورة علاج طبيعي هتساعدك بتمارين خفيفة كده من النهاردة، زمانها على وصول.
انشرح وجهه ومنح بسمة خبيثة لزوجته قبل أن يقول: والله دكتورة ليلى دي بتفهم.
انفجرت مايا بغيظها مرددة: مفيش غير دكتورة يا على متشوق دكتور أحسن!
نهض عن الفراش يقف قبالتها: هشوف حاضر، بس الدكتورة دي كبيرة بالسن متقلقيش منها يعني.

لعقت شفتيها بارتباكٍ من كشف أمرها أمامهما، فقالت بارتباك: وأنا هقلق ليه يعني.
شهقت صدمة حينما جذبها عمران لاحضانه يتعمق بالتطلع لوجهها القريب ويهتف ساخرًا: كل اللي هنا عارفين إنك واقعة في غرامي، ما تحني بقى!
لكمته مايا بغضب وصرخت به: سبني انت اتجننت أخوك واقف!
هز على رأسه بسخطٍ، واتجه ليغادر مرددًا: أخوه عارف إنه وقح متقلقيش.

نجحت بالتحرر من قبضته وهرولت خلف على تخبره باستحياء: هغير وهنزل حالًا يا علي.
أجابها دون أن يستدير: واستعجلي شمس معاكي.
طب وأنا يا علي، مش هتأخدني معاك!
جحظت عينيه صدمة، فاستدار للخلف ليتفاجئ بها تقف مرتدية ثياب الخروج برفقة أحمد الذي غمز لها بمكرٍ، فردد بصدمة: فريدة هانم!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة