رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث والثلاثون
ارتخى جسدها بين ذراعيه باستسلامٍ لمصيرها المحترم، دمعاتها لا تكف عن التوقف ويدها تضم جرح بطنها الغارقة بالدماء، انحنى خلفها أيوب يمنع سقوطها القوي على أرضية الردهة، وصراخه لا يتوقف عن ندائها: آديرا!
أغلقت عينيها بين ذراعيه وأخر ما التقطته آذنيها إسمها الذي يردده لمرته الأولى بكل تلك الوضوح، نظرته المرتعبة عليها والمتألمة لما أصابها، صدقًا بالغًا إلتمسته بين يديه لم يكن زائف مثل الذي اختبرته بين عائلتها المزيفة.
خرج الشباب تباعًا حينما تسلل إليهم صراخ أيوب، فاندهشوا جميعًا حينما وجدوها غارقة بدمائها بين ذراعيه، على الفور تحرك يوسف وإنحنى إليه يجذبها عنه وهو يتفحص عرقها النابض، فصاح بانفعالٍ: لسه عايشة، بسرعة جهز العربية يا سيف.
أفاق من صدمته على صرخة أخيه فاندفع للخارج يخرج سيارته من جراج البناية، بينما انحنى جمال إليهما يردد بصدمة: مين اللي عمل فيها كده؟
أجابه أيوب بصوتٍ احتقن من خلف غصته: أكيد عمها مش محتاجة تفكير.
ساندها على قبالة يوسف الذي يحاول الكشف عن اصابتها للتحقق من نجاتها وسأله بقلقٍ: هنأخدها على فين يا يوسف؟
رفع عينيه إليه بقلة حيلة: مش عارف.
هتف آدهم بصرامة: لو أخدتها المستشفى أيوب كده هيدخل في سين وجيم وديانتها هتكون نقطة مش في صالحه نهائي.
حديثه كان صائب، علاقة أيوب بتلك الفتاة كانت خطيرة للغاية وهي الآن تحصد أول مخاطرها، وزع يوسف نظراته الحائرة بينها وبينهم وردد بعد تفكير: هناخدها عيادة ليلى. هي هتقدر تعالجها.
شمله عمران بنظرة ساخطة، وصاح بتهكمٍ صريح: وتعالجها ليه أصلًا ما تغور في داهية تأخدها. أنا كنت خايف تسبب الأذى لأيوب وأهي قرفته معاها حتى وهي بتطلع في الروح مش عتقاه!
حديثه كان يزيد من اختناق أيوب، وكأنه يسحب باقة الهواء الطفيفة من حوله، فشدد حازمًا: عمران من فضلك!
حجز على مقدمة قميصه بيديه معًا، ليرفعه أمامه وهو يهدر منفعلًا: الشهامة والنُبل اللي عندك ده تحطهم للأشخاص اللي يستحقوها مش واحد من اليهود الأنج ولاد ال دول، أنا مش مصدق المبالغة اللي عندك دي ليها! مصيبة تكون فعلًا حبتها ونسيت ملتها لو ناسي أفتح موبيلك واعمل سيرش بسيط عن اللي بيعملوه في غزة مع اخواتك المسلمين، لو ناسي إسأل أي واحد فلسطيني مغترب عن الذل والمرار اللي شايفينه على إيدهم، لو فاكر إنك باللي بتعمله هتجبرها تدخل دينك فبأي حق عندك الثقة والاطمئنان إنها متطعنكش في ضهرك زي مهما بيعملوا ومتعودين!
واسترسل بعصبية جعلت أخيه ويوسف والشباب بدهشة من الكراهية الشديدة التي يتخذها عمران ضد تلك الفتاة، بالرغم من نفورهم جميعًا منها ولكنهم أطباء يحاولون التعامل مع الحالة دون التعارف عن جنسيتها، لا يفرق أي شيء الا أن ينقذوها من حافة الموت، تحرر شرارته المقبضة حينما استكمل وهو يهز جسد أيوب بعنفٍ عساه يعود لعقله: إنت مش قادر تستوعب إن اللي عمل معاها كده عمها اللي من دمها ده ميأكدلكش إنهم معندهمش ملة! يا غبي إفهم مستقبلك هيضيع بسبب واحدة متستهلش فووووق!
انهمرت دمعة خائنة من عين أيوب وتطلع لعمران كالغريق الذي يستنجد بقشة نجاته فقال باكيًا: أخوها سابهالي أمانة في رقبتي وأنا متعودتش أخون الأمانة ولا العهد يا عمران. بالله عليك قولي هقابله إزاي ولا هجاوبه بأنهي وش! عارف إن اللي بعمله ده غلط بس مقدرش أخون يا عمران، الشيخ مهران رباني على كده رباني مخونش ثقة ولا أخون عهد ولا وعد قطعته على نفسي.
واستطرد وصوت بكائه يؤلم من حوله فألتمعت أعينهم بالدموع شفقة على تربية أخلاقثة عظيمة زرعها أبًا عظيمًا بشخصٌ يخوض معارك قاتلة بين هؤلاء اللعناء، فخرج صوته المتحشرج يخبره: على قد ما عشت حياتي كلها حُر وماليش لوية إيد على قد ما كرهت الظروف اللي بتجبرني دايمًا أخضع لكل كلمة خارجة مني، واللي خرج مني على لساني كان وعد لأخوها إني هحافظ عليها، وفي الوقت ده أنا بجلد نفسي فيه لإني قصرت معاها جاي إنت تزيدها عليا! بلاش أرجوك والله أنا موجوع ولو جرالها حاجة هتوجع أكتر وهخاف يومي يجي بعد ما كنت بستناه. هخاف يجي يزورني ويسألني عن أمانته!
جذبه عمران لصدره يربت عليه كالطفل الصغير المنزوي بين أحضان والده، استدار آدهم للخلف يخفي دموعه مثلما اعتاد أن يجعلهما ستارًا لا يراه غيره، بينما دفع على يوسف يخبره بصوت مبحوح من أثر كبته للبكاء: مفيش وقت يا يوسف لازم نتحرك قبل ما نفقد المريضة.
تعمد نطقه للفظ مريضة ليتعامل الجميع معها بناءًا على ذلك، متجاهلون كنايتها لأجل رفيقهم الذي يعاني لأجل وعده، فحملها أيوب عنهما وأسرع للمصعد فلحقوا به باستخدام الدرج، تشبث بها أيوب ونادها بلهفة: آديرا، هل تسمعيني!
تمسكي قليلًا عزيزتي!
غيوم عينيه تزيح عنه تلك النيران فتهاوى دموعه دون توقف ورأسه يهتز رافضًا لأفكاره السيئة: لن يصيبك سوءًا، يا الله أقسم أنني لن أحتمل مواجهته، تحملي آديرا. أتوسل إليكِ تحملي لأجل أخيكِ.
وفور أن توقف المصعد خرج بها راكضًا، وكأنه يصارع لالتقاط أنفاسه المحتبسة، فكرة خسارتها تذبح فؤاده، كيف سيقابل أخيها بتقصيره بأمانة وضعها برقبته؟
اعتاد دومًا على النبل والشهامة، لم يخون أبدًا أمانة أو وعدًا اقتطعه على نفسه، فإن حدث الآن يقسم بأنه سيموت ولن يحتمل على خوض تأنيب ضميره القاتل هذا، ولكن ماذا كان سيفعل أكثر مما فعله؟
طوال الطريق كان صامتًا، عينيه تراقبها بحزنٍ وألمٍ يترسخ بأعين عمران وسيف والجميع، هبط بها للأعلى بينما أسرع يوسف ينادي زوجته فخرجت الفتيات على صوته بفزعٍ ازداد برؤيتهن تلك الفتاة.
أسرع يوسف إليها يخبرها: بسرعة يا ليلى، البنت نبضها ضعيف والنزيف مش راضي يقف.
خطفت نظرة متفحصة إليها وعادت لتستقر عليه: مأخدتهاش على مستشفى ليه يا يوسف، أنا مش هقدر أعالجها هنا!
تجاهل ما قالته وأشار لعمران قائلًا: خدوها لأوضة العمليات جوه يا عمران بسرعة.
هرع عمران للباب يدفعه ويتبعه أيوب، بينما أحاط يوسف وجه زوجته يخبرها بحنان: ليلى حبيبتي كل اللي هتحتاجيه في المستشفى موجود هنا، مفيش وقت من فضلك فوقي.
رفعت يدها تحيط يديه مرددة بارتباكٍ: معرفش أماكن الأجهزة جوه يا يوسف ولا أعرف أي حاجة، كمان مفيش ممرضة تساعدني ولا دكتور جنبي!
هز رأسه بتفهمٍ واستكمل بابتسامةٍ هادئة تمد لها الثقة وما فقدته بتلك اللحظة: أنا جنبك هساعدك بكل اللي أقدر عليه، وسيف ودكتور على موجود. كلنا هنساعد يا ليلى.
وأشار لها بحزمٍ: أنا واثق فيكِ وواثق إنك هتقدري تنقذيها.
إيماءة رأسها المرتجف كان كافيًا ليجعله يجذبها للداخل، قدم لها يوسف رداء معقم وإرتدى هو الأخر، أسرعوا للداخل فوجدوا سيف وعلى يحاولان السيطرة على النزيف، فردد على بصوتٍ مرتفع: في جرح تاني في كتفها واختناق تنفسها أعتقد راجع لانكسار ضلع من ضلوعها.
أسرعت ليلى إليها، فأخفضت قناع التنفس لتحيط بها وجهها، بينما شرع يوسف بتجهيز المخدر الكلي ليحقنه ببراعةٍ بالمحلول الذي أعده سيف لوريدها، بينما سحب على أيوب للخارج وتبقى يوسف و سيف مع ليلى، يحاول سيف استكشاف أماكن الأجهزة والأدوية المضادة، بينما يعاون يوسف زوجته بكل خطوة تتخذها لإنقاذ آديرا لخبرته بحياكة الجروح الناتجة عن الولادة القيصرية.
سحب سيف الأدوات وقام بتعقيمها قبل أن يناولها ليوسف الذي كشف عن كتفها الأيمن فصدم حينما وجد قطع من الزجاج ينغرس داخل لحمها، سحب عنها الشظايا بالملقاط الحاد، وقام بحياكة الجروح الغائرة بكتفيها لحين تنتهي ليلى مما تفعله.
طلب على من عمران أن يوصل الفتيات للمنزل، فذهبت فاطمة وزينب ومايسان برفقته، حتى صبا أمرها جمال بالصعود معهن ليصلها عمران بالطريق، فأوصلهن وعاد فوجد أن الأمور كما هي، مازالت آديرا بالداخل و أيوب يجلس بالخارج شاردًا بما سيحدث الآن، ولجواره جمال وعلى الذي يدخل من وقتًا للأخر ليتابع الحالة ويطمنه بأنها مستقرة إلى الآن.
إتجه لأقرب مقعد يلقي ثقل جسده عليه، ويراقبهم بصمتٍ بالغ، انسحب علي وإتجه ليجاوره بجلسته وقال بهدوءٍ يلومه: مكنش ينفع اللي عملته ده يا عمران، أيوب في حالة متسمحلوش إنك تتكلم معاه بالشكل ده.
خطف نظرة سريعة لأيوب الذي لا يكف لسانه عن الدعوات وقراءة القرآن الكريم، ومن ثم استدار لأخيه: طيب قولي يا على كنت هعمل أيه وأنا شايفه كده! أنا بحاول أبعده عنها بكافة السبل وأخرهم شغله معايا وتيجي وهي بتموت ورافضة بردو تحل عنه!
زوى حاجبيه بدهشة انتقلت لسؤاله: على حد علمي إن أقرب أصدقائك هما يوسف وجمال فغريب إني أشوفك مهتم جدًا بشخص لسه شايفه ومتعرف عليه من كام يوم!
ارتخت معالمه المشدودة تدريجيًا وردد وعينيه لا تفارق وجه أيوب البشوش: أنا نفسي معرفش أيه اللي علقني بيه بالشكل ده. أيوب تحسه شخص نضيف أوي موجود في مستنقع مينفعش يكون موجود فيه. طيب زيادة عن اللزوم ومسالم بالدرجة اللي مخلياني عايز أحميه من الدنيا كلها كأنه ابني!
وبتيهةٍ حائرة سأله: فهمت حاجة؟
ابتسم علي إليه ومسح على كتفه بحنان يصل بنبرته الرخيمة الحنونة: اللي فهمته إنك اتغيرت يا عمران، والطيبة دي إنعكاس لقلبك الصافي. كل مرة بتفاجئني بيك وبتخليني فخور بيك.
انتقلت ابتسامته لعمران الذي تعلق به بحبٍ، وهمس له: على أنا جنبك بحس إني طفل صغير مستني من أبوه يطمنه على كل تصرف بيعمله وبيخاف يقوله إنه غلط. أنا بدعي ربنا دايمًا في كل صلاة ليا أنك تكون جنبي دايمًا. متضايقش لو قولتلك إني عمري ما حسيت بإحساس إني يكونلي أب بس لما بتكون جنبي بحس إنك أبويا.
زاد من ضمه بقوةٍ ورفع رأسه يطبع قبلة على جبينه هامسًا له بصوتٍ منخفض عن الجميع مثلما يتحدث: أنا جنبك وعمري ما هبعد يا عُمران، حتى لو مكنش فرق السن بينا كبير أنا راضي أكونلك بالمكانة اللي تحبني أكون فيها، ولو ربنا اداني ابن فإنت ابني البكري وهو هيكون التاني من بعدك.
أدمعت رماديته تأثرًا واحتبسها داخل ذراع على الذي شعر بدمعاته، فبقى ساكنًا لا يحركه لحين أن يعود لطبيعته، هو يعلم كم يعلم أقرب أصدقائه بأنه يكاد يقتل على أن يلمح أحدًا دموعه أو يشعر بضعفه.
مازحهما جمال الذي اقترب يردد: ده وقته! البنت بتصارع الموت وأيوب هيحصلها وإنتوا قاعدين تحبوا في بعض!
ابتعد عُمران عن أخيه حينما طرد كل لمعة دامعة بعينيه، وسأل جمال باهتمامٍ: محدش خرج؟
هز رأسه نافيًا، فنهض عمران يتجه لأيوب وجلس جواره بصمتٍ جعل الأخير يرفع عينيه تجاهه ثم عاد يتطلع للأرض مجددًا، ومازال منحني بجسده للأسفل قليلًا.
انحنى عمران ليماثله بجلسته وتنحنح بخشونة: إنت زعلان مني!
نفى ذلك بهزته، وفرك أصابعه معًا بتوترٍ، فضم عمران يديه بكفه وهو يمنحه الأمان الذي افتقده: هتبقى كويسة وده بتمناه عشان وعدك الغبي مش عشانها.
وتمتم بسخطٍ وهو يظن صوته غير مسموع للأخر: لو عليا عايز أدخل أديها حقنه هوا عشان تخلص وتخلصنا!
رفع أيوب عينيه إليه بصدمة من سماع حديثه المباشر، فرفع كتفيه مداعيًا برائته: هعمل أيه مش قادر أحبها وهي مصدر خطر عليك!
تمردت ضحكة منه رغم لمعة عينيه الباكية، فهزه عمران بمزحٍ: أيوه كده اضحك اللي يشوفك وإنت قاعد القعدة دي يقول مراتك بتولد جوه!
وتابع بوقاحته المعتادة: يا راجل استتضف حتى لو واحدة خواجيه احنا راضين وهنراضي الشيخ مهران ونخليه يجوزهالك لكن يهودية يا أيوب! يهودية يا جدع!
تمادت ضحكاته بصوتٍ مسموع جعل جمال و علي يبتسمان بخفة على عمران الذي يحاول ازاحة كل قلقٍ يملئ أيوب.
رن هاتف علي فرفعه بدهشة من رؤية إسم عمر الرشيدي، فاستمع لصوته يهتف: دكتور على أنا تحت قدام العمارة انتوا في الدور الكام؟
انتفض بوقفته يتجه للمصعد وهو يتحدث بقلقٍ: أيه اللي جابك يا عمر إنت تعبان ومش قادر تتحرك!
توقف المصعد واندفع للخارج فأخفض هاتفه وأجابه حينما وقف أمامه: مقدرتش بصراحة أسيب أيوب في ظرف زي ده. الولد ده غالي عليا بشكل غريب.
ضحك على وأجابه ساخرًا: حتى إنت!
سأله بدهشة: حتى أنا أيه مش فاهم!
سانده للمصعد وهو يقول بابتسامة جذابة: أصله طلع غالي عندنا كلنا وأولنا عمران اللي فجأني باللي قاله وعمله!
هز رأسه بتفهمٍ وقال يبدي وجهة نظره: عمران كلامه صح. إنت عارف لو البنت دي جرالها حاجة والموضوع إتعرف أيه اللي هيحصل؟ القضية دي هتقلب الدنيا وهتحطنا في وضع سياسي خطير واثبت بقى إنه بريء!
توقف المصعد فعاونه على على الخروج، فما أن رآه جمال حتى اندفع إليه قائلًا بدهشة: سيادة الرائد! جيت ليه؟
بحثت عينيه عن أيوب فما أن اهتدت عليه جالسًا جوار عمران حتى عاد يطالع جمال قائلًا: قولت يمكن تحتاجوا حاجة، كمان عندي قلق إن عمها يحاول يتخلص من أيوب أو يمكن يكون مراقبها أساسًا، لازم نفكر هنعمل أيه عشان نحميه منه.
هداهم لنقطة هامة للغاية، الخطر يحوم الآن حول أيوب كأشباح الليل الجامحة، تبادلوا الحديث معًا وكلا منهم يطرح نظريته حول ما سيفعلونه إلى أن تسلل صوت آدهم العميق لأيوب الذي نهض عن مقعده يتجه لمكان وقوفهم وهو يردد بفرحة غريبة: آدهم!
استدار إليه فتفاجئ به يهرول إليه، ضمه أيوب بقوةٍ جعلته يكبت تأوهاته من شدة احتكاكه باصابة كتفه ومع ذلك كان سعيدًا به، أحاطه بحبٍ وهو يخبره بصوت ذكوري حاد: اطمن هتبقى كويسة.
ابتعد عنه أيوب يطالعه بنظرة مندهشة تتسع رويدًا رويدًا والأخر يراقب حالته تلك بقلقٍ، انسحب أيوب واتحه يجلس على الأريكة المعدنية بشرودٍ جعل قلق آدهم يزداد أضعافًا، فاستغل انشغال عمران وعلى وجمال بالحديث عن عم الفتاة الذي سيحوم حول أيوب وإتجه إليه يجاوره.
رفع عينيه الدامعة إليه فوجده يسأله بلهفةٍ: مالك؟!
ابتسم ببلاهة وقال: كنت مفتقد أبويا وبفكر فيه وبتخيله لو جنبي في موقف زي ده أكيد كان هيهون عليا كتير، وفجأة سمعت صوتك وشوفتك قدامي، معرفش ليه لما ضميتك شميت ريحته فيك!
وتابع بحيرة دمجها بتوترٍ: آدهم إنت غريب لأ. لأ. قريب مني أوي بشكل مخليني مرتبك وبسأل نفسي ليه لما بشوفك بحس إني مرتاح ومطمن!
بالرغم من أنه يشعر بالغرابة مثلما يشعر هو الا أنه مازحه ليخفف من وطأة الاجواء: أيوه يعني أنا غريب ولا قريب حيرتني معاك؟!
ضحك وهو يشير بكتفيه: صدقني مش عارف بس إنت بمكانة غريبة مش زي سيف صديقي المقرب ولا زي عمران اللي لسه متعرف عليه وحبيته واحترمته جدًا، إنت تركيبة غريبة موردتش عليا قبل كده!
منحه ابتسامة جذابة وقال: مش مهم المكانة اللي أكون فيها المهم اني جنبك.
علي ذكر إنه لجواره ظلل له بأنه قد أتى بالفعل، فقال بضيقٍ: إنت جيت ليه وإنت تعبان؟
اتسعت ابتسامته وأجابه: هتصدقني لو قولتلك إنك بنفس التركيبة الغريبة اللي مخلياني موجود جنبك النهاردة.
أزاح أيوب دمعة تهدلت عن عينيه وابتسامته البشوشة تتسع بينما عينيه تمر على الوجوه بداية من آدهم نهاية بعمران وعلى وجمال، يشعر بأن الله يحبه كثيرًا حينما منحه تلك الصحبة وعلى رأسهم يوسف وسيف المستمران بالحرب بداخل غرفة الجراحة للحفاظ على وعده.
مرت ساعة أخرى وخرج سيف يبحث عنه بلهفة، فركض إليه يخبره: متقلقش والله العظيم حالتها استقرت وشوية وخارجة، اطمن مش هيحصل حاجة.
يعلم جيدًا بأن صديقه وعده قد يعذبه طيلة حياته لذا كان الوحيد من بينهما الذي يتفهم حالته وقد التمس أيوب ذلك، فجلس لجواره يراقب باب غرفة العمليات بانتظار خروجها.
داخل غرفة الجراحه.
ارتخى جسدها على أقرب مقعد، تشعر وكأنها كانت في سباقٍ عنيفٍ، لم تكن جراحتها الأولى ولكن وجودها هنا بمكانٍ حديث لا تعلم أماكن أبسط الأشياء التي تحتاجها لاجراء جراحة صعبة مثل التي اجرتها جعلتها تختبر شعورًا مهدد بالفشل مقبض.
رفعت رأسها لزوجها الذي جذب أحد المناديل الورقية يزيح عرقه بعد فرط مجهوده لانقاذها، فجلس قبالتها يلتقط أنفاسه بصعوبة، ليجدها تمنحه نظرة شرسة نهايتها صراخها المتعصب وهي تراقب يدها الملطخة بالدماء: أنا بكرهك إنت وأصحابك يا يوسف، حقيقي بكرهك.
ضحك واتجه بمقعده إليها، فجذب المناديل يزيح عرقها بحنان وهمس لها: عارف إني بضغط عليكي عشان كده راضي بكرهك وبكل غضبك اللي مالي عيونك الجميلة دي.
فشلت بمنع ظهور ارتخاء معالمها وراحتها في قربه، فطبع قبلة على جبينها وبهمسه المغري قال: طب بذمتك وقفتنا مع بعض مكنتش مميزة! مطلعناش ثنائي مميز في الحياة العملية بس لأ احنا ننفع نكون فريق مع بعض أنتي تفتحي وأنا أخيط!
انفلتت ضحكاتها فضمها إليه ومازالت تبعد يدها عنه حتى لا يتلوث ملابس الجراحة الذي يرتديها، وما زادها فرحة حينما ابعدها يوسف عنه يتعمق بمقلتيها: إنتِ دكتورة شاطرة وأنا بتباهى بيكِ يا ليلى. بالرغم من التوتر اللي كنتي فيه الا إنك اتعاملتي مع الحالة ببراعة حقيقي أنا فخور بيكِ يا حبيبة قلبي.
انزوت باحضانه بفرحةٍ كانت تود أن تستغل حفلة اليوم باخباره ما أخفته عنه بعد تأكدها صباح هذا اليوم ولكن ما حدث حطم كل ترتيباتها، فاستغلت حديثه المعسول وقالت بدلال: يوسف في حاجة عايزة أقولك عليها.
أغلق عينيه ومازال يضمها إليه بشغفٍ: سامعك يا روحي، اتكلمي.
لعقت شفتيها بارتباكٍ يجعلها تشعر وكأنها مضت ثلاثة أيام دون قطرة ماء واحدة ورددت: آآ، أنا، آ...
رفرف باهدابه بذهول لارتباكها الملحوظ، فرفع ذقنها إليه يسألها بقلق: انتي أيه يا ليلى اتكلمي!
هربت كلماتها عنها، ولم تجد سوى أن تخدعه عساها تحصل على وقتٍ أخر مناسبًا لسماعه خبرًا كذلك: أنا بحبك.
ابتسم لها وضمها إليه يدفن وجهها بعنقه: وأنا بعشقك لدرجة مخلياني عايز أخرج أطرد الأوباش دول بره بالحالة اللي نايمة دي.
واستدار بوجهه لسرير الجراحة الذي تعتليه آديرا فهمس لها ضاحكًا: تفتكري هي سامعة كل اللي بنعمله ده! المفروض إنها هتفوق من البنج على أي لحظة.
ضحكت ومازال رأسها مسنود على صدره: مش بتقول إنها مبتفهمش عربي يعني إحنا في أمان يا جو!
وطب بالنسبة ليا هتعملوا معايا أيه ما أنا بفهم عربي!
قالها سيف وهو يراقبهما بتسليةٍ ومكر، دفعه ليلى مقعد يوسف للخلف بقوة فاستجابت عجلات المقعد لدفعتها، فاصطدم بالطاولة وهوى أرضًا بمقعده بينما هرولت الاخيرة للخارج وهي تردد على استحياء: نادي حد ينقلها معاك الأوضة. وأنا شوية وهدخلها.
وتركتهما وهربت للمرحاض المجاور لغرفة الجراحة، فاتجه سيف ينحني لأخيه الذي يمسك ظهره بألمٍ وقال بتسلية: محتاج مساعدة؟
كز على أسنانه بغيظٍ فدفع المقعد إليه فانحنى سيف يفرك ساقه بألمٍ وصوت ضحكاته لا تتوقف، ليردد مازحًا: طيب على الأقل مش قدام الحالة يا دكتور. لو فاقت من البنج وقفشتكم متلبسين في الوضع الرومانسي ده هيكون أي وضعها، راعوا شعور المرضى!
انتصب يوسف بوقفته ونزع عنه ملابسه ثم جذب قميصه يرتديه وهو يصيح بانفعالٍ: اطلع بره يالا.
رد عليه وهو يتجه للخارج: كده كده طالع، بس راجع تاني فمتستغلش الوضع ها؟
كاد بأن يدفعه بالسلة المجاورة له فركض الاخير مسرعًا وعاد بعد قليل بأيوب وعمران، تعاونوا معًا على رفع الملاءة دون أن يمسها أحدًا أو يحملها، كان أيوب مضطرًا أسفًا بحملها للمشفى ولكنه الآن ليس مضطرًا لذلك لذا اقتراح جمال بحمل مفرش السرير الطبي كان مرحب به.
تحرك السرير المتحرك للغرفة ومن ثم رفعوها للفراش، بينما قامت ليلى بدث المحاليل الطبية بوريدها فقال سيف وهو يتأملها: بتفوق أهي!
هزت ليلى رأسها إليه وانحنت إليها تتفحصها بعناية، بينما جلس آدهم وعمران وجمال على الآريكة الموضوعة بنهاية الغرفة، ولجوارهم جلس على وجواره سيف ويوسف وأيوب يترقبون لحظة افاقتها وسماع ما حدث معها.
فتحت آديرا عينيها تردد بتعبٍ شديد: أين أنا؟
أجابتها ليلى بابتسامة تجاهد لرسمها: إنتي بأمانٍ لا تقلقي.
هزت رأسها بإرهاقٍ وراحت تتساءل بقلق: أيوب، أين هو؟
نهض أيوب عن مقعده واقترب لمسافة مناسبة قائلًا: أنا هنا لجوارك.
رفعت رأسها إليه وحاولت الاعتدال بمجلسها فسقطت على الفراش تبكي من قسوة الألم الذي اجتاح بطنها وكتفيها، ساعدتها ليلى سريعًا على الاسترخاء وهي تأمرها بضيق: استرخي من فضلك لم يمضي على جراحتك سوى دقائق.
تجاهلتها آديرا وصوبت نظراتها لأيوب بانكسار اخترق صوتها الباكي بنيران قتلتها: لا أصدق أن من وددت قتله هو من قام بإنقاذي من الموت، بينما عمي الحبيب هو من تسبب لي بكل تلك الجروح.
واستطردت ودموعها تغرقان وجهها الأبيض: ليته تمكن من قتلي أهون من أن أعيش بتلك الحقيقة القاتلة.
وتطلعت لأيوب تشكو له ما يؤلمها بصراخ باكي: أيها الأرهابي لقد اعترف لي عمي بأنه من قام بقتل أخي. لقد صدقت أنت لم تفعلها!
ردد عمران ساخطًا من بين الشباب بالخلف: لسه بتقوله ارهابي أقتلها وأقتله ولا أعمل أيه؟!
ولكز يوسف بقوةٍ جعلته يضم بطنه بألم صارخًا به: كنت قتلتها جوه وخلصنا بتنقذها ليه بروح أمك!
أشار له آدهم بجدية: عمران ده مش وقتك نهائي، لازم نتحرك من هنا عمها ده شكله مش هيسكت!
أتى حدث آدهم على محمله حينما تابعت آديرا: كان يظن بأنه سينجح بقتلي فكشف لي عن حقيقة ما ارتكبه بأخي، وأخبرني بأنه سيقتلك. هربت منه وخشيت أن يفعلها فأتيت لأحذرك. اهرب أيوب انجو بحياتك ما رأيته على يده وما فعله بي بالرغم من كوني ابنة أخيه يجعلني أرتعب مما سيفعله بك أنت.
تحرر أيوب أخيرًا عن صمته: فليفعل ما يشاء أنا لست جبانًا يهرب من ساحة المعركة، إن أراد حربي أهلًا به ولكني تلك المرة سأسقطه قتيلًا ولتهدأ ثورة ثأري مما فعله بمحمدًا وربما سيهدأ قلبي بعدها.
اتجه إليه آدهم يصيح بغضب: حرب أيه اللي عايز تدخلها يا أيوب، إنت أكيد جرى لعقلك حاجة كلنا بنحاول نخليك تستوعب حجم الكارثة اللي انت فيها وإنت مش قادر تفهم!
نهض على هو الأخر يتدخل بحديثهما: آدهم معاه حق يا أيوب كفايا مشاكل لحد كده. الناس دي خاينه وملهاش ذمة مش هيقف يواجهك ويديك فرصة تدافع عن نفسك أصلًا هتلاقي الخبطة جيالك من ورا ضهرك فالحل انك تبعد وتختفي لحد ما تخلص امتحاناتك وتنزل على مصر على طول.
خطف نظرة لفراشها فوجدها تحاول فهم أي من حديثهم وعاد يتطلع إليه متسائلًا: طيب وآديرا هسيبها ليه! مهو أنا مش هبعد من هنا وأسيبه يأذيها ده مستحيل.
نهض عمران واتجه إليهم صارخًا بغلظة: قولتلكم شكله بيحبها محدش مصدقني!
برر سريعًا: لا يا عمران وأنت واثق من كلامي كويس، ومش هبرر تاني موقفي لإني شرحتلك ألف مرة.
نهض سيف وأسرع إليهم قائلًا بما يثق به: أيوب عنيد مش هيبعد من هنا غير وهو مطمن عليها أنا عارفه أكتر من نفسي علشان كده الحل الوحيد إنها تهرب معاه.
اتجه يوسف إليهم متسائلًا بسخرية: بأي حق هيكونوا مع بعض يا دكتور سيف؟
صمتوا جميعًا وعقل أيوب هو الذي يصرخ دون توقف حتى نطق لسانه بحروفٍ ثقيلة هوت لتصفعهم جميعًا: هتجوزها.
ران الصمت عليهم حتى أفاقهم صوت ضوضاء نتجت من ترنح جسد أيوب فوق حامل المحلول المعدني بعد أن ناوله عمران لكمة قوية جعلته يفقد اتزانه ومن ثم انقض عليه يعيد الكره وصراخه يجعل آديرا ترتعب بين يد ليلى التي تجاهد لتثبيت المحلول بيدها.
صاح بعنفوان قاتل: تتجوز مين يا روح أمك، أقسم بالله أنا عارف إن دي نهايتها من الأول بس صبرت عليك تحسبًا لانك ممكن تفوق بس كل مرة بكتشف انك أهطل وغبي.
سحبه جمال ويوسف، بينما عاون سيف أيوب على الوقوف ودون أي بوادر انطلق لعمران مستغلًا تقيد جمال ويوسف إليه وسدد له لكمة قوية اتبعها تهديده الصريح: لو لمسته تاني هدفنك هنا يا عمران.
دفعهما على للخلف هادرًا باندفاع: ارجع لورا انت وهو واحترموا ان في مريضة حالتها حرجة.
استنجدت به ليلى قائلة: خدهم بره يا دكتور علي. من فضلك كده مينفعش.
استعادوا ثباتهم الانفعالي حينما وجدوا ليلى تنحني بجسدها على آديرا لتحميها من أن يمسها أن احتكاك دون قصدًا، نظرات الذعر الساكنة داخل أعين الفتياتين أشعرتهم بالحرج جميعًا فانسحبوا للخارج واحدًا تلو الأخر، وأخرهم جمال الذي قال بأسف: أنا بعتذرلك عن اللي حصل ده يا دكتورة ليلى، إن شاء الله مش هتتكرر تاني.
وأغلق الباب من خلفه ليمنحهما مساحة آمنة، واتجه للردهة الواسعة يتخد أحد المقاعد مجلسًا وعينيه تجوب وجوههم جميعًا.
هدأت أنفاسهم والسكون يخيم على الأوجه، يتفرقون بالجلسات كلًا منهم يجلس بمفرده ولكن نظراتهم جميعًا تحيط أيوب الذي يتهرب بنظراته للأرض من معاتبة كل منهم، حتى استغرق نصف ساعة بالصمت فرفع بصره لهم يردد بخزي: أنا عارف إن قراري ده غلط بس قولولي أعمل أيه؟!
مش هقدر أهرب من هنا وأمن حياتي وأسيبها ورايا وعدي لأخوها هيقتلني كل يوم أفضالي أوجهه ويقتلني أهون من إني أسيبها! ولو اخدتها معايا مقدرش أختلي بيها ولا أكون معاها على طول مش هتحمل أشيل وزر زي ده!
كان يوسف أول من تحرر من صمته: أيوب قرارك ده مش بس هيدمرك لوحدك لو وصل لعيلتك أبوك ممكن يجراله حاجة لإنك مش ابن شخص عادي ده شيخ أزهري يا أيوب المفروض أنك تكون قدوة مش تخذله بجوازك من واحدة يهود!
قال جمال بعد تفكيرًا: طب أيه رأيك نأمنلها مكان آمن بعيد عن عمها حتى لو هننزلها مصر؟
رد عليه أيوب قائلًا: وتفتكر مش هيعرف يوصلها! عمها ده صعب ووراه اللي بيسانده.
سحب على نفسًا مطولًا وقال: طيب يا أيوب لو ده حلك الوحيد فلازم تعرف إن جوازك منها متوقف على شرط عشان يجوز إنك تتجوزها عارفه؟
أومئ برأسه ونهض فجأة يتجه لغرفتها يطرق على بابها مستأذنًا من ليلى بالخروج وترك باب الغرفة مفتوح ففعلت وانضمت إليهم مختارة البقاء جوار زوجها وسيف الذي نطق بعدم فهم: شرط أيه ده يا دكتور علي؟
أخفض على عينيه أرضًا بحرجٍ من اجابته بوجود ليلى، بينما هدر عمران بشراسة: إن شاء الله تكون مقضياها عشان تكون جت من عند ربنا وخلصنا!
بالداخل.
جلس أيوب على المقعد المقابل إليها بصمتٍ، فوجدها تتأمل وجهه وخاصة البقعة الزرقاء المحاطة جوار فمه وبحزنٍ قالت: ما الذي حدث بينك وبينهم؟
وتابعت بدموعها التي لم تجف عن خديها: بالطبع لم يتقبل أحدًا منهم مساعدتك لي. أنا لا أستحق معاملتك تلك أيوب.
هل إنتِ عذراء؟
باغتها بسؤاله الذي يحاول منذ دلوفه بالبوح به، فالتقط نفسًا مطولًا يرتاح عن شدة أعصابه بعدما نجح باخراجه كأنه يحارب لقولها.
رمشت عدة مرات بعدم استيعاب ورددت: ماذا؟
لا يود أن يكرر سؤاله مرة أخرى فقال بحزمٍ: أظنك سمعتي سؤالي والآن أجيبيني.
اكتسى وجهها حمرة من جراءة سؤاله، وقالت بصوتٍ متقطع: ولماذا قد تسئلني سؤالًا هكذا؟
شرح لها بإيجازٍ وتشعر هي بعدم راحته لبقائه معها: سنرحل من هنا لمكانٍ آمن وبعد اختباراتي سنسافر لمصر، مختصر حديثي سأحميكِ من عمك ولأتمكن من فعلها سأتزوج بكِ لإنني لا أختلي بالنساء، ولن أفعلها إن كنتِ غير عذراء والآن أخبريني اجابة لسؤالي ولننتهي من ذلك!
كانت تحاول استيعاب كلماته السريعة التي قذفها بوجهها، وبالرغم من صدمتها بما قال ولكنها على ثقة تامة بأنه الوحيد الذي سيتمكن من انقاذها من عمها وإلى من ستلجئ وهي لا تمتلك الا عمها الذي، هو بذاته يريد قتلها.
تنحنحت بخفوتٍ تام وهي تخبره بأسفٍ شديد التمسه هو: لم أجد الشخص المناسب لأفعلها، لذا اطمئن مازلت عذراء.
سحقًا تلك المرأة تخبره بحزنٍ أنها لم تتمكن من فعلها وكأنها تخبره بأنها تخجل لعدم تسلميها لشرفها الذي تصونها المرأة ألف مرة لزوجها، رمش باهدابه ويده تلتف من حول قبضته التي تحاول المرور لتحطيم وجهها المتجهم بحسرة لعدم فعلها كبيرة كذلك، ومع ذلك نظم أنفاسه الهادرة يحاول الاسترخاء ناظرًا لنقطة بعيدة، ظهورها إليه كل تلك الاحداث الغريبة نهاية بنقاء عفتها يلوح له بأنها إشارة من الله عز وجل ليكون هو طريقها الصائب، تلك الفتاة تحمل بذرة صالحة سيجاهد ليجعلها تنمو وإن فشل فلتذهب لطريقها وليذهب هو لطريقه ولكن على الأقل سيكون راضيًا لحمايتها.
خرج أيوب إليهم والجميع يترقب اشارته باهتمامٍ، فخاب أمل عُمران حينما هز رأسه بأنها تقية بعد، لذا زواجهما الآن أمرًا حتمي ومؤكد!
نهى يوسف أي حديث قد يجدد الخناق بينهم من جديد فقال: على يكلم المحامي اللي كتب كتابه يجهز العقد على ما تجهز ورقك إنت وهي وبعد يومين نكتب كتابكم ونكون خلالها لقينالك شقة في مكان مناسب، تقضي التلات شهور دول بأي شكل وبعد ما تمتحن تنزل مصر بأقرب وقت.
واستطرد قائلًا: وجودكم هنا مالوش لزمة. روحوا ارتاحوا وأنا ودكتورة ليلى هنفضل جنبها.
بمجرد ما انتهى من حديثه تفرقوا جميعًا للأسفل، كُلًا يذهب لسيارته، أما عمران فمنح أيوب نظرة أخيرة مردفًا بسخرية: يا فرحة أمك فيك يا ابن الشيخ مهران.
وارتدى نظارته وهو يشير له بصرامة كانت مخيفة: بكره الصبح تكون عند استاذ ممدوح وخد بالك من مواعيدك معاه لاني مش هتدخلك في شيء، ولا هسلكك منه تاني لانك متساهلش، ومن غير، سلام.
كبت أيوب ضحكاته وهو يتابعه يغادر باستياءٍ، فصعد لسيارة سيف جوار آدهم بالخلف بينما صعد عمران لسيارته ليتبع على لمنزله، حتى جمال تحرك هو الاخير لمنزله.
جاب غرفته ذهابًا وإيابًا والغضب يبتلعه بجحيمه الناري، ينتهي بخطواته متفحصًا شرفة المنزل عساه يهتدي برؤية سيارته، ضرب كف بالأخر وهو يصيح بنزقٍ: بقى أنا تعمل معايا كده يا عمران وربي لأوريك يابن فريدة!
وبغرفتها.
تجوبها بقلقٍ فمنذ عودتها أوقفها نعمان على الدرج يهيم بعصبية بالغة: جوزك فين؟
ارتعبت من معالمه المخيفة، ولكنها اشتدت قواها بوجود فاطمة وزينب لجوارها وقالت: لسه مرجعش من بره.
بتهكمٍ سألها: أمال انتي راجعه مع مين؟
ابتلعت ريقها بارتباكٍ وقالت: وصلنا ورجع تاني.
توعد له بنظرة حانقة وصاح بنفور: ماشي يا بنت عثمان صبرك عليا انتي والمحروس جوزك. لو كان ليكي دخل باللي بيحصل هوريكِ النجوم في عز الظهر!
صعد عمران لغرفته وحينما كان على بطريقه لجناحه تفاجئ بشمس تقف أمام غرفتها تشير له بالاقتراب، رفع يده عن مقبض بابه واتجه إليها متسائلًا باهتمامٍ: أيه اللي مسهرلك للوقت ده يا شمس؟
بدى ارتباكها ملموح له، وخاصة حينما رددت بتريثٍ: ممكن نتكلم جوه.
هز رأسه بخفة ولحق بها لغرفتها، فجلس على الفراش جوارها ينتظر أن تتحدث ولكنها لم تستحوذ الا على اهتمامه بربكة فرك أصابع يديها، وانجراف نظراتها بطريقةٍ تجعله كطبيب ماهرًا يلمح توترها الشديد، فرفع يده يحاوط كتفها بحنان يمنحها الأمان: مالك يا شمس مرتبكة ومترددة ليه؟ قولي اللي عايزة تقوليه أنا من أمته قسيت عليكي عشان تخافي مني بالشكل ده!
ازدردت حلقها الجاف تخبره بحزنٍ: متعودتش أخبي عنك حاجة وبما إن عمران عرف يبقى من حقك تعرف إنت كمان يا علي.
زوى حاجبيه باستغراب: أعرف أيه؟
رفعت عينيها له، وأفاضت بارتباكٍ: بصراحة أنا روحت مع مامي وأنكل أحمد شوفت آدهم.
كان مندهشًا بسماعه ذلك، ولكنه عقل الأمر بأنه من الواجب زيارة أسرته إليه أقل واجب تقديرًا لانقاذ حياة ابنتهما، ولكن الجدير بالسؤال هل تعلم والدته بعلاقة شمس وآدهم وآن كانت تعلم بالأمر لما سمحت لها بالذهاب؟
بقائه صامتًا دون حديث جعلها تبرر له: أنا عارفة إني مكنش ينفع أروح هناك بس غصب عني يا على كنت عايزة أطمن عليه وأشوفه بس هو اتضايق جدًا وطلب مني مرحلوش تاني نهائي. أنا خوفت تزعل مني فحبيت أعرفك.
ومدت يدها على يده المستند بها على الفراش تسأله بخوف: متزعلش مني يا علي.
فك تكشيرة وجهه لابتسامة مشرقة، فسحبها لأحضانه برفقٍ ويده تفرك خصلاتها برقةٍ وقال: لو زعلت من الدنيا كلها معرفش أزعل منك يا شمس، حتى لو اتضايقت في الأول فمفيش مكان للزعل وإنتي بتوعديني بنفسك إنها مش هتتكرر. أنا وأخوكِ كل اللي يهمنا سعادتك. مش غاية إننا نمنع عنك حاجة الا لما تكون في مصلحتك. حتى لو آدهم أو عمر اللي محدش عاد عارف يناديله بأيه ده شاريكي فلازم احنا كمان نبينله أد أيه انتي غالية.
ونهض ينحني ليجذب ساقيها للفراش ومن فوقها الغطاء: نامي يا حبيبتي ومتفكريش في حاجة تزعلك أبدًا، انا هنا جنبك وعمران رغم وقاحته هتلاقيه بيحاول يسعدك، كل واحد مننا له طريقته بس النهاية بتصب في مصلحتك يا شمس.
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها، وتدللت عليه قائلة: طيب خليك جنبي لحد ما أنام.
نزع عنه جاكيته وأشمر عن ساعديه وهو يتجه للناحية الاخرى: بس كده. عنيا هكونلك إستبن لحد ما سي آدهم يشرف هو مكاني.
خبأت وجهها بصدره بخجلٍ فتعالت ضحكاته وهو يضمها متقبلًا تهربها دون أن يحرجها.
ما أن حرر باب غرفته حتى أسرعت إليه بلهفة: عمران الحمدلله إنك رجعت.
منحها ابتسامة جذابة ونظرة أحاطتها لتشعرها بربكة جعلت قلبها يخشى أن يقترب فيكاد ينصهر طوعًا له، غمز لها برماديته متواقحًا: حبيب قلب جوزه مشتاقله وقاعد يستناه بشوق ولهفة يا ناس!
شهقت صدمة من جراءة كلماته واحتدت نبرتها: أيه اللي بتقوله ده. بقولك خالك نعمان قالب عليك الدنيا وشكله متعصب جدًا انت عملت أيه يا عمران؟
حاوط خصرها يضمها إليه قائلًا بوقاحة بعاطفة تسري إليها: خف عليا أنا مش حملك يا بطل، لما تلاقيني راجع متهلش عليا مرة واحدة، خدي وقت ألحق أتفاجئ فيه.
كزت على أسنانها بعصبية كادت بتهشيمها، ضربته على صدره بعنفٍ: سبني يا عمران أنا بقولك أيه وانت بتقول أيه. بقولك نعمان ناويلك على شر.
فك حصار يده عنها واتجه لخزانته ينزع جاكيته وقميصه دون مبالاة بها، أسرعت خلفه تتساءل بخوف: إنت عملت أيه؟
دندن بأغانيه الأجنبية متجاهلها تمامًا، فجذبت منه التيشرت تلقيه أرضًا بحنقٍ: عمران بكلمك، رد عليا!
دنى منها حتى سقطت بخزانته، فانحنى يستند على حوائطه يمنحها نظرة تخاطب مقلتيها بكل غرام امتلكه لها، اخفض عينه يتأمل التيشرت الملقي أرضًا ثم عاد يتأملها مرددًا بمكرٍ: شكلك مبقتيش تتحرجي مني زي الأول ومبقاش عندك مشكلة أنام من غير تيشرت وبما انك رضيتي عني فأنا قلبي وروحي وكلي راضي عنك يا بيبي.
وقدم لها يده فرفعت يدها ومازالت الصدمة تستحوذ على ملامحها، جذبها إليه بقوة جعلتها تراقبه بصدمة وكأنها فقدت النطق تمامًا، فابتسم بخبث: عايزة تقولي أيه طيب؟
رفعت كتفيها بحيرةٍ فتعالت ضحكاته وانحنى يحملها مرددًا ببراءة مخادعة: شكلك مرهقة يا بيبي تعالي ريحي في حضن جوزك حبيبك وفكك من خالك الملزق ده.
والقى نفسه وهي باحضانه على الفراش مسترسلًا بسخطٍ مضحك: هو بس تلاقي القفا اللي خده معلم عليه ومطير النوم من عينه فعايز أي خناقة يهون بيها عن نفسه ليجيله ذبحة صدرية وهو منكدش على حد النهاردة.
ولف جسده لها يسألها بابتسامة هادئة: قوليلي بقى وحشتك أد أيه؟
تعمق بعينيها وهو يجد ذاته يفقد كل قوة يسيطر بها على عاطفته، أصبح عاشقًا متيمًا لا يقوى على بعدها، عاشوا معًا بعالمهما فضمها لصدره يغلق عينيه باستسلامٍ للنوم وأخر ما رأته عينيه استرخائها واستسلامها للنوم على صدره.
حرك عُمران رأسه يمينًا ويسارًا بانزعاجٍ من خبطات تحيط بابه، وفجأة انفتح الباب على مصراعيه وولج ذاك الآرعن للداخل مستباح حرمة مكانه الخاص، هاتفًا بغضب بالغ: عمران بقالي خمس ساعات مستنيك تشرف! انت ازاي تعمل اللي عملته ده فهمني!
تراه يتخيل وجوده، عساه حلمًا غليظًا فربما من كثرة حديث مايا عنه يقتحم الآن أحلامه، ولكن قربه منه وعينيه الشاخصة أوحت له بأنه بالفعل يقف قبالته.
جذب عمران الغطاء يخفي به جسد زوجته ونهض يقف قبالته بأعين من لهيبٍ وصوتٍ منفعلًا يكاد يقتل الأخير بمرقده: إنت اتجننت ازاي تدخل عليا أوضتي بالشكل ده! إنت الظاهر كده مبقاش ينفعك غير مستشفى المجانين تكمل فيها حياتك يا نعمان يا غرباوي!
انتفضت مايا بمنامتها، فجحظت عينيها صدمة من وجود خالها بغرفتها الخاصة، شملت جسدها بالغطاء متشبثة به بصدمة وحرجًا عظيمًا استشفه زوجها فدفعه للخارج بقوةٍ وشراسة جعلت الاخير يكاد يسقط أرضًا فما أن خرج بها خارج الغرفة حتى تماسك على الطاولة من خلفه واستقام بوقفته يجابهه باستنكارٍ: إنت اللي شكلك اتجننت بتداري مراتك عني دي بنت اختي يعني بنتي!
قبض على قبضته بعصبية ورفعها قبالته يصيح بصراخ كالرعد المزلزل: ولو أبوها عثمان نفسه مش هسمحله بكده، انت اتجاوزت كل حدودك يا نعمان وحسابك تقل أوي.
خرجت فريدة مسرعة واتباعها أحمد وعلى وشمس وجميع من بالمنزل، فتفاجئ على بأخيه يقف قبالة خاله بالبنطال دون قميصه، فجذبه للخلف يحدثه بدهشة: في أيه يا عمران وأيه اللي موقفك بالشكل ده؟!
تساءلت فريدة بصدمة هي الاخرى: في أيه يا نعمان؟ عمران بتزعق لخالك كدليه؟
بينما ردد أحمد وهو يحاول تهدئة عمران: ما تتكلم يا ابني مالك في أيه وازاي تخرج كده من أوضتك!
تحركت نظراته النارية إليهم وردد بحدة: مهو أنا معرفش أني هصحى القى خالي المحترم فوق سريري وأنا مع مراتي! ووقف دلوقتي يشرحلي انه عادي! ده أنا أمي نفسها متقدرش تعملها عشان يجي هو ويتجرأ يعملها.
صدم الجميع وتحولت معالم وجه على للغضب الشديد لتفهمه ما يمر به أخيه، فاستكمل عمران بغضبٍ لوالدته: لو أنا مش لاقي خصوصية في البيت اللي المفروض يكون بيتي يبقى ماليش قعاد فيه أنا مش عيل صغير عشان يتعامل معايا بالشكل ده انا راجل وقادر اشتري بدل البيت عشرة، هي كلمة واحدة يا أنا يا هو في البيت ده يا فريدة هانم!
تبلدت محلها تعجز عن الحديث، فناب عنها أحمد حينما صاح بالاخير بعصبية: انت ازاي تفتح عليه باب اوضته وتدخله لسريره يا نعمان أيه البجاحة دي مفيش احترام لخصوصياته!
رد ببرود قاتل وكأنه لم يفعل شيئًا: أنا مش فاهم انتوا مكبرين الموضوع كدليه، دول عيال اخواتي متخيلين اني هبص لمراته اللي زي بنتي ازاي!
تخلى على عن هدوئه وصاح منفعلًا: مالكش الحق تعمل كده يا خالي، حتى لو كانت بنتك في حاجة اسمها خصوصية. تخبط مرة واتنين وألف ومليون لو مفتحش بابه يبقى مش جاهز يقابلك في الوقت الحالي. في صبح نتكلم فيه وتقوله اللي انت عايزه القيامة مش هتقوم يعني!
استدار لعلي يمنحه نظرة ساخطة وصاح بحدة: يعني لما اجي من مصر لهنا عشان مشروع مهم وأتفاجئ ان البيه رفض يوقع على العقود ورفض المشروع من أساسه بعد ما صرفت في اتفاقيته أكتر من 7مليون جنيه أقابله ازاي بالاحضان ولا استنى عليه للصبح ازاي!
دفع عمران على وقابله وجهًا لوجه بشراسه فتاكة.
رفضته عشان مشروع فاشل زيك بالظبط يا خال، مش مستعد أعرض نفسي لخساير بالملايين عشان دماغك ميالة لصاحبة المشروع اللي اخرها ليلتين في فندق مشبوه ده لو قدرت توصل للمرحلة دي أساسًا، عيش جو المراهقة والمقابلات دي بره الشغل.
صرخ الاخير باندفاع: اللي فيك هتجيبه فيا ولا أيه. ما كلنا عارفين انك خباص وبتاع ستات نسيت اصلك ولا أيه؟
أبعد على عمران ليواجه خاله بهدوء: عمران ارجع، خالي من فضلك نقي ألفاظك وكلامك أخويا مش الشخص اللي بتتكلم عنه ده، عمران الغرباوي لا عمره كان بتاع ستات ولا خباص يا خالي. عمران كان بيحب واحدة ورفضت الارتباط بيه وخلصنا من الحدوتة دي.
تجاهل دفاعهما وردد بعصبية: ميهمنيش انا اللي يهمني المشروع ده هنأخده يعني هنأخده. يا اما بقى يتنازل عن نصييه في الشركة دي هو ومراته ويغور في داهية.
ضحك عمران بطريقة استفزته ودث يديه بجيوب بنطاله يطالعه بنظرة مستحقرة وقال: انت ليه مش عايز تفهم إنك معايا أفضل ألف مرة لما تواجهني، ارهنك انك لما نفض الشراكة دي هتواجه شركاتي وبعدها متبقاش تيجي تعيط لفريدة هانم وتقولها خلي ابنك يخف عليا ويرحمني فاحمد ربنا ان في شركة جمعنا في شراكة والا كنت نسفتك من زمان وإنت عارف كده كويس يا نعمان.
رفع كفه ليضرب خد عمران فسبقته يده ومنعته من أن تطوله هاتفًا بتحدي: قولتلك ألف مرة معتش العيل الصغير اللي تتشطر عليه ده أنا لو نفخت فيك هطيرك لسريرك اللي في الشقة اياها وسط الرقصات فاكرهم يا خال!
دفع أحمد نعمان للخلف وصاح بعصبية: هي حصلت انك ترفع ايدك عليه. انت فاكؤ نفسك ايه يا أخي فوق بقى كرهت فيك الاولاد ومبقاش حد طيقك غير اختك ومعرفش على أيه؟
حاولت شمس وزينب تهدئة فريدة التي تلتقط أنفاسها بحدة، تحاول أن تبكي لتريح قلبها ولكن دموعها تأبي الهبوط، بينما تقف فاطمة على بعد منهم برعب جلي ومن خلف باب غرفة عمران كانت مايا تتابع ما يحدث ببكاء.
اسرع على لوالدته يضمها إليه وهو يردد بخوف: اتنفسي يا حبيبتي خدي نفس عميق، متقلقيش مفيش حاجة.
وفرك صدرها بقلق ويعود لتعليماته: خدي نفس واطرديه بهدوء.
اتبعت ما يقول حتى انتظمت انفاسها، وتحررت عقدتها فتحركت برفقة على تستند على معصمه حتى وصلت لاخيها، ترفع رأسها اليه ببطءٍ تواجهه فقال: تعالي يا هانم شوفي تربيتك الزبالة. ابنك عايز يمد ايده عليا!
خرجت عن صمتها اخيرا حينما قالت بصوت مبحوح يسمع بالكاد: ابني متربي أحسن تربية يا نعمان. هيتنازلك حاضر هو ومايا عن الشركة.
بس يا ماما آ.
اوقفت فريدة عمران باشارة يدها وعادت تردد بقوة: هيتنازلولك وهتاخدها زي ما كنت بتحلم بس من اللحظة دي انسى انك ليك اخت. أنا كنت باقية عليك لانك اخويا الوحيد بس توصل لانك تعمل كل ده فأنا آسفة ولادي عندي أهم من الكون كله.
وأشارت لعمران قائلة: سندني لاوضتي يا عمران.
تعمدت ابعاده بذكاء عن ساحة المعركة، فامسك يدها الاخرى قبالة على وقبل ان يغادر بها قال: من اللحظة دي انت في مواجهتي يا نعمان!
بينما رددت فريدة بنظرة شاخصة: احنا هنعزل من هنا لبيتنا الجديد من بكره تقدر تشوفلك أي فندق.
وتركوه يحتقن من الغضب وغادر الجميع من أمامه، لم تتبقى سوى فاطمة التي راقبته بنظرة مرتعبة وعادت لغرفتها تجلس على الفراش تضم جسدها بيدها وتهتز دون توقف، يدها تمتد لاذنيها تكبت تلك الاصوات المتداخلة، لتسقط بنوبة أشد حدة من زي قبل، ولسانها لا يكف عن ترديد: علي، علي!