قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والعشرون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والعشرون

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع والعشرون

صعق يوسف وجمال مما يروه، سكينًا حاد يستهدف رقبة عمران المنصدم ومازال منحني تجاه تلك اليد التي تحيط رقبته، بينما أيوب يتمدد جوار ذاك الجسد الملتف بالغطاء السميك يحاول انقاذ عمران بطريقة آمنة لا تعرض رقبته لأي خدش.

المؤكد لهم بتلك اللحظة بأن عمران قد فعل جرمًا ما لينال غضب آدهم المتوحش، ولكن الصدمة لجراءة فعلته جعلتهم يراقبون بعضهم البعض بألسنة منعقدة، ازدادت عقدتها على ذاك الصوت القادم من خلف اجسادهم: في أيه؟
اتجهت الأعين لآدهم المستند على باب الغرفة يضم كتفه المصاب بيده وعلى وجهه أثار النوم، فعادت النظرات لمن يتمدد على الفراش والغطاء يحكم جسده.

تحرك عمران عن نزعة جموده وجذب الغطاء عنوة ليكشف هوية ذاك اللعين الذي حتمًا سيُقتل الآن لتجرأه برفع سكينه بوجه عمران الغرباوي، ومع توهج أضواء الغرفة وانكشاف الغطاء انهدرت الصدمات تجوب وجوه الشباب بأكملهم وعلى رأسهم أيوب الذي همس بصوتٍ تزلزل قوته رغم انخفاضه بذاك الصمت: آديرا!

اتجهت بعينيها المحتقنة غضبًا لصاحب الصوت، فعادت تخطف نظرة لمن تقوم بتسديد سلاحها إليه، وحينما وجدت ذاتها تخطئ هدفها عادت تسلط على رقبة أيوب الذي يتراجع مشيرًا لها بذعرٍ مدهش لأعين الشباب: لا تلمسيني يا امرأة، لا أريد أن ينتزع وضوئي!

لم يتمكن الوقح تلك المرة من حجب وقاحته الجديدة على هذا الصديق المستجد فصاح ساخرًا: وحياة أمك هو ده كل اللي همك! إنت بتهزر يالا، البت دي دخلت هنا ازاي وجاتلها الجرءة منين إنها ترفع عليا أنا سلاح!
ردد جمال باستهزاءٍ وهو يتابعها بدهشة: متسئش الظن يا عم الوقح شكلك مش المقصود، الضلمة خلتها متعرفش تحدد هدفها.
صفق يوسف بحدة لتتجمع اليه الأعين: حلو الكلام ده. بس السؤال المهم دلوقتي دخلت هنا ازاي؟

رفع أيوب كتفيه بقلة حيلة: معرفش والله يا يوسف.
وعاد يصيح لمن تقترب بتحذير: يا ويلي لا تقتربي!
خرجت عن صمتها تصيح غير عابئة بأنها محاصرة بأربعة رجال أقوياء البنية قد يقتلوها أرضًا إن تعرضت لخامسهم: ألم يكن بيننا عهدًا بإنني إن أردت فعلها بأي وقت أتي إليك.
ورددت بتلقائية: أنا جاهزة فلنفعلها الآن.

جحظت أعين الشباب بصدمة من جرئتها وبالطبع لم يصل مفهوم معاهدة القتل المتفقة بينهما، فكان عمران أول من صاح ساخرًا: أيه يا ابن الشيخ مهران اتفاق أيه ده يا حبيبي وأنا اللي فكرتك محترم ومتدين طلعت بتتثبت بمطوة! وبيقولوا عليا وقح!

شددت من ضغطها على رقبته وهو غير عابئ بما تفعله تلك الفتاة، كل ما يعنيه ما تسلل لمفهومهم، فقال يبرر: لا متفهمش غلط يا عمران. انا اتفقت معاها إنها لو عايزة تقتلني وتأخد طار أخوها في أي وقت تجيني دماغك مترحش بعيد الله يكرمك.

استغل آدهم انشغال الجميع وبحذرٍ وخفة فجأة يوسف وجمال انتزع المدة من يدها، ولف ذراعها بمهارة للخلف بقوة ألمتها وجعلت عينيها تبرقان بذعرٍ، خاصة مع تسلل صوته الرجولي القابض لها: حركة خاطئة وسيطيح سكينك رقبتك يا فتاة!
ابتعد أيوب للخلف عنها بحرصٍ الا تلامسه، بينما يمنحه آدهم نظرة ساخرة: إنت بتجري منها قدامنا أمال من ورانا طبيعة علاقتها بيك أيه يا بشمهندس، شكلها معلمة عليك!

هز رأسه ينفي ذلك ويشير بيده لآدهم: آنت فاهم غلط يا آدهم. من فضلك سبها وإبعد السكينة عنها دي أمانة في رقبتي!
جلس جمال على الفراش يراقبه بسخطٍ وهو يضع ساقًا فوق الاخرى: أمانة أيه يا أيوب إنت مش في وعيك ولا شارب حاجة البت داخلة تثبتك بمطوة ولا هممها حد!
وتابع وهو يستدير ليوسف المنصدم من توابع الموقف: دخلت هنا ازاي أصلًا!
هز كتفه بدهشة
معرفش صدقني أنا قافل الباب كويس.

تنهد عمران بنزقٍ وهو يراقبها بنفورٍ: أنا كنت راجع ومعايا شنط البيتزا، دخلتهم المطبخ ورجعت قفلت الباب يمكن دخلت وقتها!
تدفق صوت آدهم المتعصب ومازال يحكم سكينه عليها: .
هي دي مشكلتكم إنها دخلت ازاي! والاستاذ اللي مرحب بفكرة قتله ده أيه واكلة معاكم! ومش لاقي غير يهودية بنت آ يموت على إيدها!

اتجهت الأعين إليه مجددًا فقال وهو يزدرد ريقه بتوتر: يا رجالة انتوا فاهمين الحكاية غلط، سيف لما يرجع هيفهمكم غرضي من الليلة دي كلها أيه.
واستطرد وهو يحاول أبعاد يد آدهم عنها: أرجوك يا سيادة الرائد أبعد السكينة دي عنها، الحمد لله محدش اتصاب ولا حصله حاجة، أنا هأخدها وهنزل حالًا.

تملكه خوفًا غريبًا تجاهه، فتركها لتسقط أرضًا واندفع نحوه يجذب رقبته بضربات خفيفة: ولما تاخدها وتنزل اتحل الموضوع يعني! ده هتهاجمك في أي وقت لإن طبعهم ال الخيانة والضرب في الضهر.
تعجب أيوب من طريقته وخاصة حينما شدد من ضغط يده على كتفه: مش هتنزل من هنا مع حد، هي تغور لوحدها وتقطع علاقتك بيها وبطل بقى دور المحارب اللي نازل بلد الكفر يجاهد للإيمان لانك لوحدك مش قد ولاد ال دول يا أيوب.

أسبل عمران جفنيه بذهولٍ، لأول مرة منذ أن اجتمع بآدهم المتوحش يراه ينفعل بتلك الطريقة، حتى في مخاضع المعركة واستنزاف راكان كل ما يمتلك من فنون الاجرام ليجرده من رزانته وبروده الا أنها كان صامدًا يملكُ من الجمود والبرود ما جعل الجميع يهابه يومها، والآن يخرج عن ردائه لأجل شخصًا يعتقد بأنه يراه الإن لمرته الاولى!
اندفع يوسف بينهما متدخلًا: خلاص يا عمر أيوب مش هيخالف كلامك.

واتجه بنظراته إليه، يغمز له بضيقٍ كأنه ينجده من أبيه: اسمع الكلام يا أيوب مش عايزين سيادة الرائد يتنرفز وهو مصاب، خرجها من هنا ومشيها.

خطف نظرة سريعة إليها فوجدها تتابع حديثهم بعدم فهم ولكنها تتحاشى أقدامهم وتنجرف بزواية الغرفة بخوفٍ من تخمين مجرى حديثهم الذي بالطبع سيكون بشأن اقتحامها الشقة، وليتها علمت بأنهم بهذا العدد، تخيلته مازال يجلس مع ذلك الشاب الذي سبق لها رؤيته بالمقهى، فتجرأت وولجت للداخل واختبأت بتلك الغرفة الفارغة، فما أن استمعت لصوت أيوب يقترب للغرفة برفقة رجلًا يرافقه حتى تمددت بالفراش وبيدها السكين باستعداد لقتله في الحال بعد أن تلقنت جرعة محفزة من رسائل عمها.

وها هي الآن تواجه مصيرها المرعب بين يد خمسة رجال، احدهم شرسًا لدرجة جعلتها تفقد سلاحها وقوتها في لمح البصر، ومن قامت باستهدافه بالسكين أولًا يمنحها نظرات قاتلة متقززة من وجودها يين الحين والأخر، أما الاثنان الأخرون يكتفين بمراقبة حديث المتوحش مع أيوب الوحيد الذي تتأمل برأفة قلبه أن يقوم بحمايتها من هؤلاء.

رفع أيوب عينيه ليوسف وقال بحرجٍ: أنا بعتذرلك يا يوسف على كل اللي حصل ده، بس أنا آسف مش هقدر أسيبها بالوقت ده تنزل لوحدها، دي وصية أخوها ومش هقدر أكسر وعدي ليه.
اندفع تجاهه عمران وبكل غضب امتلكه سدد به لكمة على وجهه ليسقطه أرضًا ويندفع تجاهه صارخًا بعنفوان: هتضيع نفسك ومستقبلك عشان الحقيرة اليهودية دي، فوق لنفسك يالا.

فشل جمال ويوسف بابعاده عنه، وحينما نجحوا برفع جسده رفع عمران جسد أيوب خلفه لينظر بعمق عينيه هاتفًا بقلقٍ: مصيبة تكون حبتها!

انتفض بين ذراعيه بنفور استطاع الشباب بأكملهم الشعور به، وردد بعدم تصديق: أحب مين يا عمران إنت عقلك راح فين؟ أقسملك بالله ما طايق أبص في وشها بس هعمل أيه أخوها أمني عليها علشان خايف من عمها، هي لحد اللحظة دي متعرفش إنه هو اللي قتل أخوها. وبيهددها لو مقتلتنيش هيقتلها هو عشان كده قعدتها عندي في الشقة وجيت هنا.
همس جمال بصدمة مضحكة: في شقتك كمان؟!

هز آدهم رأسه بقلة حيلة في اقناع هذا الأيوب، ومن ثم قال بنفاذ صبر: قصره طلعها بره وارجع. ومتقلقش أنا هجبلك قرار عمها ده وهلبسه في حيطة سد.
أومأ له والابتسامة تشق وجهه في بادرة جعلت عمران يهتف بسخط: ليك نفس تضحك!
هز رأسه مؤكدًا وقال بصوتٍ محتقن بالدموع المتلألأة رغمًا عنه: عشت طول عمري وحيد ومسبقش ليا إني خوفت أو عملت اعتبار لحد غير أبويا، فأول مرة أحسن إني مش وحيد وعندي اخوات رجالة خايفين عليا بجد.

تقصروا بحديثه، فابتسم جمال وضمه إليه بقوةٍ: والله العظيم أنا من ساعة ما شوفتك هنا مع سيف وأنا بحبك لله في الله، خلقتك سمحة وتتحب غصب عين أي حد.
ضحك يوسف بمرحٍ وهو يفصلهما عن العناق: ايدك يا جمال سيف لو شافك هيولع فيك.
تعالت ضحكاتهم الرجولية بمرحٍ، فضمه يوسف وهو يعاتبه بمحبة: ما أنا قايلك يا عبيط إنك في مقام دكتور سيفو بس إنت الحمد لله نسخة أعقل منه. بس لو تطاوعنا وتتخلص من القازورات دي!

منحه آدهم ابتسامة صغيرة، ومن ثم ربت على كتفه بحنان قبل أن يغادر الغرفة التي لم يحتمل البقاء بها بوجود تلك الفتاة، خرج الشباب وتبقى عمران يحدجه بنظرات صلبة، انتهى باشارته الصارمة: هاتها وانزل هدور العربية وهستناك.
لحق به قبل أن يخرج من الغرفة: مفيش داعي يا عمران أنا هأخد أي تاكسي.

التف إليه محطمًا أسنانه من فرط ضغطه المتعصب عليها، وصاح بتحذير: هاتها وانزل بدل ما أمد إيدي عليك تاني، أنا خلاص مبقاش عندي تفاءل لإني على يقين إن المعاتيه هما اللي بيقعوا في طريقي.
وأشار وهو يغادر: لخص في ليلتك.
هز رأسه له وما أن غادر الغرفة حتى إلتف لها بنظرة غاضبة لحقت صراخه: بحق الله كيف تأتين إلى هنا! أنتِ حمقاء يا امرأة أم فقدتي عقلك المعتوه هذا!

التقطت أنفاسها بحرية فور مغادرة الجميع، ونهضت تقف قبالته تهتف بملل: وأخيرًا انتهى حديثكم الغريب هذا. حسنًا فإن بقينا بمفردنا فلنفعلها الآن.
مزق شفتيه السفلى باسنانه واحتدت وتيرته: اللعنة، توقفي عن نطق تلك الكلمات البذيئة، أنا لا أحتمل سماعها ولا سماع صوتك هذا، هيا سنغادر.
رفضت التزحزح عن محلها وقالت باصرار: انتهى الأمر أحضر لي السكين من هذا الشرس لأقتلك هنا ولننتهي من هذا.

توسعت مقلتيه بدهشةٍ وأجابها بنفس طريقتها البسيطة في طرح وجهة نظرها: إن خرجت وطالبته بالسكين سيعود ليقطع رقبتك وتلك المرة لن أستطيع انقاذك من بين براثينه، ما رأيك أذهب لطلب سكينك أم ستتحركين الآن؟
ابتلعت ريقها بتوترٍ وخاصة بعد أن أُتيح لها فرصة تقييم حالة ذلك الرجل الشرس ذو البنية الضخمة، فهمست برعبٍ فشلت باخفائه: لنخرج من هنا الآن، من فضلك.

سخر من رعبها وهروبها السريع لخارج الشقة، لحق بها للأسفل، فوجد عمران بانتظاره بالسيارة، دخلت آديرا للمقعد الخلفي وصعد أيوب جواره يتابع صمته وتجهم معالمه بضيقٍ، وكلما حاول التحدث معه كان يوقفه باشارة قاطعة حتى وصل لمسكن أيوب، فهبطت وهبط من خلفها أيوب يشير لعمران: شكرًا يا عمران. تقدر تمشي إنت.

نزع عنه حزام الأمان بقسوة، وهبط ليكون جواره طارقًا بقوة على سقف السيارة: مش هتحرك من هنا خطوة واحدة من غيرك. سامع!
هز رأسه عدة مرات بارتباك من رؤية حالته الغريبة، واتجه معها لمدخل العمارة، فوقف قبالتها يشدد عليها: هيا اصعدي للأعلى ولا تفعليها مجددًا والا لن أنجح بتحريرك.

رفعت عينيها الزرقاء إليه وأبعدت خصلاتها الصفراء خلف أذنيها بارتباكٍ مما تجاهد لقوله، وحينما فشلت قالت: لماذا تفعل كل ذلك؟ لماذا تساعدني بالمسكن والطعام والآن فعلتها وانقذتني من صديقك الغاضب، لماذا تفعل كل ذلك؟
وتابعت تزيح عقلاتها الصعبة عنها: إن كنت ارهابيًا تقتل من حولك لماذا لم تقتلني حينما هاجمتك بأول مرة؟

صمته يطول وكأنه لم يستمع لها، عينيه مازالت تنخفض أرضًا، يتركها تحرر ما داخلها ويحلل مسافته هو لهدفه، فوجده قريبًا حينما قالت: ظننت بأنك تفعل كل ذلك لإنك قد تكون كأي رجلًا يسقط أمام جمالي خادمًا لي ولكنك ولا مرة رفعت عينك بي!
وبوضوحٍ شديد قالت: ماذا تريد من كل ذلك أيوب، أخبرني؟

مسح وجهه بيده والعصبية جعلت أصابعه تعلم على وجنتيه البيضاء، وأخرج إليها أحد الاسرار التي لا تعرفها: لإنكِ وصية محمد لي، أخر ما فعله قبل أن يفارق الحياة بأن وضعكِ في ذمتي وأمانتي وأنا أحاول بكل طاقتي ألا أنكس بوعدي له رغم صعوبة ذلك، فأنا بالنهاية مسلمًا وديني يُحرم على التعامل مع أي امرأة تحل لي.

سددت له نظرة مشككة بحديثه، فانهدرت أنفاسها من شدة انفعال مجرى الهواء، وتساءلت: ولماذا يضعني أخي بأمانة قاتله؟
تخلى عن هدوئه وهدر بانفعالٍ وصراخ وصل لعمران الذي يتابع وقفتهما عن كثبٍ: لإنني لست قاتل أخيكِ. أخبرتك كثيرًا بأنني لست هو!
ومن هو إذًا؟
تساءلت بحدةٍ وعينيها لا تفارقه، لتجده يرفع رأسه وعينيه الجذابة إليها لمرته الاولى وبكل ثقة قال: عمك من فعلها.

تغاضت عن رؤية عينيه الذي حق له إخفائها بتطلعه للأرض باستمرارٍ، وتراجعت للخلف ويدها تكبت شهقات يعجز فمها عن تحريرها، بينما رأسها ينفي تهمته: لا، هذا ليس صحيحًا، أنت كاذب، عمي لا يفعلها، عمي لا يقتل أخي. كيف سيقتله وهو من كان مسؤولًا عنا منذ أن توفى أبي وأمي؟
وصرخت بانهيارٍ ويدها تحيط جبهتها: إنت كاذب. بالطبع كاذب. عمي لا يفعلها.

بقوةٍ واصرار قال: بلى فعلها. أراده أن يكفر بالدين الاسلامي بعدما أصبح مسلمًا وحينما رفض عذبه مرارًا ليجعله يرتد عن دينه حتى لاقى مصرعه.
هزت رأسها مجددًا بشراسة وعنف: أنت كاذب، إرهابي لعين.
ابتسم ساخرًا وهو يراقب حالتها: وإن كنت ارهابيًا لماذا لم أقتلك بأول مرة قمتي بمهاجمتي بها؟ ولماذا لم أترك صديقي يفعلها الآن؟ ولماذا أبقيكِ بمنزلي آمنة؟!

وضع يديه بجيب سرواله واستدار يتابع عمران المستند على مقدمة السيارة بانتظاره، ومن ثم عاد يقف محله قائلًا: أتعلمين آديرا بداخلك فتاة رقيقة ولكن ينقصها العقل، إن كنتِ لا تستطيعي جرح أصبع صغير لرجلٍ تظنيه قاتل أخيكِ، كيف يظن عمك بأنكِ ستنجحين باتمام مهمتك الا وإن كان يعلم بأنكِ ستخسرين بتلك الحرب وحينها سيتخلص منكِ مثلما يريد وحتى إن نجحتي بهدفك وقتلتيني هل سيتركك القانون هنا؟

استندت على الحائط من خلفها لتعزز قوتها، بينما تابع أيوب: ألم يكن بمقدوره قتلي بنفسه أو على الأقل ارسال أحدًا من رجاله ليقتلني!
وأجاب ذاته باستهزاءٍ: هدفه الوحيد أن يتخلص منكِ يا عديمة العقل!
ضمت يديها لآذنيها وصرخت بعصبية: اصمت. لا أريد سماع شيئًا من أكاذيبك، سحقًا لك أيوب.

وتركته وصعدت الدرج تهرول عن مواجهته التي بدت أكثر منطقية لها، تابعها حتى صعدت وعاد لمن ينتظره، جلس جواره فتحرك به عمران للمقهى المقابل لمبنى سكن يوسف، وأمره بحدة: انزل.
توجس من طريقته ولكنه انصاع إليه، فهبط يتبعه للطاولة الخارجية للمقهى.

وضع عمران مفاتيح سيارته وأغراضه على الطاولة بصمت طال بالأخر الذي يترقب سماع ما سيقول، بينما يتجاهله ويطلب كوبين من القهوة، وطال بهدوئه حتى أتى النادل بطلبه فارتشفه ببرود تام دفع أيوب ليتساءل: عمران أنت لسه زعلان مني؟
رفع حاجبه باستنكارٍ: هو إنت كنت متوقع رينج معين لعملتك السودة دي غير زعلي!
تنهد بتعبٍ وقال: أنا اتورطت في كل ده بدون ارادة مني والله.

ورمى الكرة إليه حينما تابع: طيب لو انت مكاني هتعمل أيه؟ هتتخلى عنها وهي وصية صاحبك؟
أجابه بخشونة تتبع عرف رجولته المتشدد: مش هتخلى عنها بس الأكيد مش هقدملها نفسي وأقولها اقتليني براحتك!

جذب كوب قهوته يرتشف منه ليبتعد عن اجابة قد تشعل الأخير، فتابع عمران بنفس العصبية: أيوب أخرة اللي بتعمله ده هيحرقك، البنت دي مش هتسيبك في حالك لا هي ولا عمها، إنت لازم تبعد عنها وتغير مكانك خالص لحد ما تخلص السنة الاخيرة اللي لسالك وترجع مصر على طول.
حرك رأسه هامسًا بخفوت: أوعدك إني هبعد عن المشاكل. وكلها كام شهر وهنزل مصر نهائي معدليش رجوع هنا.

امتعضت معالمه بشدة، فقال بمرح: قول إنك جبان وبتهرب من أولها. بس أنا واثق إنك هترجع محدش صاحب عمران الغرباوي وقدر على بعده.
ضحك أيوب بشدةٍ، وطرق كف بكفه فغمز له وهو يسحب يده سريعًا: مراتك جت.

زوى حاجبيه بذهولٍ، واستدار، خلفه تجاه ما يتأمله، فوجد سيف يهرول إليهما بعدما رأهما من الشرفة، وما أن وصل إليهما حتى احتوى أيوب بين أحضانه مرددًا بقلقٍ: اترعبت لما يوسف حكالي اللي حصل، قولتلك يا أيوب البت دي مش هتسيبك في حالك.
ربت على ظهره بحنانٍ وأخبره ببسمة ممتنة لحبه الصادق: أنا كويس يا سيف متقلقش.

ابتعد عنه وهو يبادله الابتسامة، ثم جذب المقعد المجاور لعمران الذي يرتشف قهوته ويتابعه بطرف عينيه، وحينما وجده يتأمله قال بنزقٍ: صاحبك عندك أهو يا عم محدش جيه جنبه، هو اللي لازق فيا ومرضاش يطلع.
ابتسم سيف وقد أتقن مقصده، فقال بامتنانٍ: شكرًا إنك مسبتهوش يا عمران، وجودك معاه طمني إنه هيكون بخير.
رمش بعدم استيعاب وأشارب لايوب: مين ده؟ هو القهوة اللي بيقدموها هنا فيها كحول ولا أيه؟

تعالت ضحكاتهما الرجولية فشاركهما عمران، استند سيف بذراعيه على الطاولة الصغيرة الفاصلة بينهم وقال: لا ده أنا متقلقش ولو كنت جيت الصبح الجامعة عندي كنت هتشوف أد أيه دروسك جابت نتيجة معايا حتى اسال زينب.
ضيق رماديته بتشوشٍ، فحاول تذكر ذاك الإسم وتساءل بعدم فهم: زينب مين؟
وتابع بعد ارشاد عقله: آه، تقصد أخت مرات أخويا؟
أكد له: أيوه أخت مرات دكتور علي.

تابعه أيوب باهتمامٍ فاستدار يخبره بمشاكسة: هي نفسها البنت اللي وقعتلها الأيس كريم وروقتك.
طرق الطاولة بحماس: كنت حاسس لإن وقفتك معاها يومها مكنتش طبيعية.
راقبهما عمران بشك مما يدور بنيتهم، فأسرع سيف بتفادي غضبه قائلًا: حيلك يا أيوب دماغك راحت فين يالا، اللي حصل مالوش علاقة بالارتباط ولا غيره، أنا بس ساعدتها كان في شاب بيضيقها وأنا ربيته.
تحفز بجلسته وهو يسأله: بيضايقها ازاي؟

رد عليه بإيجازٍ: بيضايقها يا عمران وأنا اتدخلت واتحلت.
منحه نظرة محتقنة لاختصاره الاحداث، فزفر بضيق: أعتقد انها دخلت الفصل وشافت اتنين في وضع مخل فاتعرض ليها.

أسبل بدهشةٍ، وهتف: في الفصل! الكلام ده ممنوع جوه الجامعات إزاي مأخدتهاش وقدمت شكوى باللي حصل، ازاي تعمل كده يا سيف الولد ده أكيد هيتعرضك إنت وهي تاني، لكن لو كنت لجئت للمدير أو حد من الادارة كان أقل حاجة أخد فصل، الكلام ده ممنوع وفي تشديد بكده.

أجابه باستهزاء: مين اللي هياخد فصل يا عمران؟ معتقدش إنه هيتأذى في حاجة الأذى كله ممكن يطولها لإن ده يومها الأول بالجامعة وعملت المشاكل دي، عمومًا متقلقش أنا فهمتها على شوية قواعد لو مشت عليها هتتجنب المشاكل.
تحاشى عنه جموده وابتسم ابتسامة واسعة جعلت سيف مرتبكًا مما يجوب بخاطره، فأتاه يكشف له نيته: غريبة يعني يا سيف انك تخرج عن هدوئك وطبيعتك علشان واحدة أول مرة تشوفها!

ابتلع ريقه بارتباكٍ: مهو أنا مكنتش هقف أتفرج عليها ومساعدهاش. دي حتى لو مش متدينة كنت هساعدها بردو، صح يا أيوب؟
قالها وهو يلكز ذاك الذي يتابعه بخبث، فكبت ضحكاته وراح يوافقه بالحديث باشارة رأسه، فتجرع عمران أخر ما تبقى بقهوته قائلًا باستهزاء: لو يوسف عرف انك ضربت حد عشان بنت هيجوزهالك النهاردة.

ضحك وهو يؤمي له، مؤكدًا: هو نفسه يجوزني بأي شكل مش مستني حتى اما اتخرج، ده فرحان إنه بكره افتتاح عيادة دكتورة ليلى علشان يبدأ يشطب الشقة اللي اشترهالي فوق شقته بحيث يجوزني فيها أول ما العمال يخلصوا!
نهض وهو يجذب مفاتيحه ومتعلقاته غامزًا بمكرٍ: هساعده المرادي بنفسي لإني حاسس أن الحوار جاي على هواك!
وأشار لأيوب قبل أن يغادر: شكل في ضرة داخلة عليك قريب يابن الشيخ مهران!

وتركهما يضحكان بشدة وغادر على الفور، بينما طعنه أيوب بنظرة محتقنة تليها قوله المازح: أهون عليك تجبلي ضرة يا سيفو، بس وماله ده يوم الهنى على الأقل تتجهالها شوية وتفكك مني.
لكزه بغضب رغم انطلاق ضحكاتهما، ليوقفه أيوب متسائلًا بجدية: لا لخص واحكيلي حوارك معاها على أيه؟!

ضم شفتيه معًا وسرح بتفكيره عنها ومن ثم أجابه بحيرة: مش عارف والله يا أيوب، بس أنا حابب أتعرف عليها عن قرب أوي، وإنت عارف إن حاجة زي دي مينفعش تحصل من غير رابط راسمي، فلو عملنا خطوبة اتعرف عليها كويس هيكون أفضل.
رد عليه باستنكارٍ لما يظنه متاح: وتفتكر دكتور يوسف هيقبل بده! مش هيرضى غير بكتب كتاب وأنا معاه في الحتة دي، فألحق قرر قبل ما يعرف وتلاقيه داخل عليك بالمأذون!

ادعت نومها بينما تراقبه وهو ينتهي من غلق الحاسوب بعدما اختار أغلب التصميمات المؤكدة للمركز، ونهض يتجه لمكان نومه حيث سيتوسط الأريكة اليوم تاركًا لها الفراش.
وضعت فاطمة الوسادة من أسفل رأسها وأخذت تراقبه بارتباكٍ، تجاهد رغبتها بالبقاء جواره، وحينما ظن أنها غافلة نهضت هي تناديه: علي.
فتح عينيه واستدار لها بابتسامة واسعة: إنتِ صاحية؟

هزت رأسها بخفةٍ، وحاربت بشدة احتقان وجهها لنطق: ممكن تخليك جنبي، عايزة أتعود على وجودك.
رمش بعدم استيعاب لدرجة جعلته يظن بأنه أخطأ ما استمع له للتو، فاستقام بجلسته وتساءل بتوترٍ: أنام جنبك تقصدي؟
هزت رأسها تؤكد له، وكأنما حصل الآن على أذنٍ صريحٍ منها، فاستقام بوقفته واتجه ليتمدد جوارها وعينيه لا تفارق عينيها، كلاهما يتمددان باتجاه بعضهما البعض باستكانة عجيبة، أعينهما لا تفارق الأخرى.

تردد على كثيرًا بفعلته ولكنه جازف حينما فرق ذراعيه وجذبها إليه لتغفو داخل أضلعه، فابتسم براحة حينما رأها تتمسك به وتستريح برأسها فوق صدره ملامسة موضع قلبه.
مال على على رأسها يطبع قبلات متفرقة على جبينها بابتسامة جذابة وصوتًا محشرج يصل لأذنيها: مش مصدق إنك نايمة في حضني أخيرًا، كنت حاسس إن اللحظة دي مستحيل هتيجي في يوم من الأيام يا فطيمة.

شعر بارتباك حركتها، حتى أنفاسها التي تلفح رقبته كانت مضطربة بشكلٍ جعله ينهض بها، فأبعدها عنه تقابل وجهه.
أبعد على شعرها خلف أذنيها مبددًا اختفاء معالمها الرقيقة، وهمس بعاطفته: حبيبتي بصيلي.
رفعت عينيها إليه وهي تجاهد لاخفاء ربكتها، فوجدته يقييم حالتها بنظرة متفحصة، وفجأة انفصل عنها متراجعًا لأخر نقطة بالفراش: أنا آسف إني أخدت خطوة إنتي مش جاهزة ليها، لو حابة ممكن أرجع مكاني!

ما فعله لم يكن جرمًا كل ما أراده أن تغفو بين ذراعيه ولكنها على ما بدى له ارتبكت والبداية ستوشك على اختبار أشد حدة منها، هزت فاطمة رأسها نافية عودته للأريكة، فتمدد بعيدًا عنها قائلًا: نامي وارتاحي، أنا كل اللي يهمني انك تكوني مطمنه.

تمددت محلها والتوتر يزيد من حدته، كيف تخبره بأنها لم تخاف قربه بل ازدادت نبضاتها لقربه بشكلٍ تختبره لأول مرة، الثواني التي قضتها بين ذراعيه منحتها شعورًا لم يسبق لها خوضه من قبل، بالرغم من أنها لم تكن ضمته الأولى.
خطفت فاطمة نظرة إليه فوجدته يضع ذراعه على عينيه وعلى ما يبدو من اتتظام أنفاسه بأنه قد غفى سريعًا.

تسللت إليه حتى أصبحت ملتصقة به ووضعت رأسها على صدره مجددًا، تختبر ذاك الشعور مجددًا، تقسم أنها بتلك اللحظة لن يزورها أي كابوس مجددًا.
ارتسمت ابتسامة على شفتيه، وأخفض ذراعيه معًا يحاوطها بحبٍ وتملكٍ، وعادت همساته تختلج آذنها: أوعدك إنك عمرك ما هتندمي على الثقة اللي ادتهاني في يوم من الأيام يا فطيمة، أنا ميهمنيش غير إني أكون موجود جنبك.

تشبثت يدها بقميصه وضمت نفسها لكتفه، فأحاطها بشوقٍ ولهفة تجوب لمساته، واستدار بجسده يحاوطها داخله هامسًا بنعومة رقيقة: تصبحي على خير يا أغلى من روحي!

النغمات الهادئة تنطلق من المذياع الصغير، ومن أمامه تتحرك بخفة بين ذراعيه وعينيها لا تفارق رماديته، يضم بيديه خصرها ويتحرك ببطءٍ معها، ابتسمت برقةٍ وهمست له: كان نفسي أرقص معاك ولا مرة اتجرأت وطلبت منك كده.
اندهش أحمد من كلماتها العفوية وسألها باستفسار: ليه؟
ضحكت وأجابته وهي تميل لكتفه: لإني كنت بحس دايمًا إنك خايف تقرب مني لتضعف، كنت بتخاف تكون آثم ومخطئ، وبتحاول تحافظ عليا وتصوني لنفسك.

وأطلت بزرقة عينيها إليه تسأله بكل جدية: لو كنت تعرف إني هكون لغيرك كنت هتفضل محافظ عليا كده يا أحمد؟

تعمق بنظرته العاشقة إليها، ومد يده الممسكة بيدها إليه يطبع قبلة عنيقة تلامس أصابعها هامسًا بصوتٍ رخيم: أنا وقعت في عشقك من وإنتِ طفلة بضفرتين، وعمري ما سمحت لمشاعري تنجرف لطريق يأذيكِ يا فريدة، حاربت نزواتي كلها ومسمعتش غير لقلبي اللي بيرتاح لما يشوف ابتسامتك الجميلة، والأكتر من كده نظرة الثقة اللي كانت جوه عيونك ليا، الثقة اللي خالتني أول شخص تلجئ له وانتي مش خايفة اني أستغل ضعفك ووجودك معايا.

وتابع وهو يقربها إليه لتكون قبالته للغاية: فريدة أنا استكفيت بيكِ عن ستات الدنيا كلها، حتى الحاجة الوحيدة اللي كانت ممكن تخضعني للجواز كرهتها، كرهت إني يكونلي ابن من ست غيرك ولو مكنتيش وافقتي على جوازنا كنت هكمل كده لأخر حياتي.

تدفق الدمع من عينيها، فاندثت باحضانه هامسة ببكاء: حقك عليا يا حبيبي، أنا كنت قاسية وظلمتك يا ريتك صارحتيني بكل ده من زمان، يا ريتك فوقتني ومسبتنيش أعيش كل ده وأنا مخدوعة، سامحني أرجوك.

أحاطها مجددًا وأخبرها باستنكارٍ: هو أنا كنت زعلت منك عشان أسامحك، أنا اللي اتظلمت وظلمتك معايا يا فريدة. بس خلاص اللي فات انتهى واترمى بره حياتنا. اللي جاي هو اللي ملكنا. هو اللي أنا قادر بيه أعوضك عن كل العذاب والبعد.
وحملها بين ذراعيه وإتجه بها لفراشه وهو يهمس بشغفٍ: بعشقك يا فريدة. وعشقي ليكِ مستحيل ينتهي الا بموتي!

صعد لجناحه بارهاقٍ يجتابه، فوضع متعلقاته جانبًا واستكمل خطاه للداخل، فتفاجئ بها تجلس أمام السراحة واضعة من أمامها الكثير من عُلب مستحقات التجميل.
رفع عمران ساعته إليه وتفاجئ بتأخر الوقت للغاية، وعاد بنظراته لها متسائلًا بحيرةٍ: بتعملي أيه في الوقت ده يا مايا؟
تفاجئت بعودته المبكرة عن المعتاد، فارتبكت للغاية وأخبرته: مفيش كنت زهقانه شوية فقولت أسلي نفسي وأعمل ميكب كامل وبعد كده همسحه وأنام.

كبت ضحكة فالته منه واقتراب يجلس على جزء من السراحة قبالتها، ورفع يديه معًا يشدد على وجنتها مرددًا بدلال: حبيب قلبه يا ناس زهقان وملان وجوزه موجود طيب تيجي ازاي دي!
نزع عنه جاكيته واسقطه جانبًا، ثم انحنى ليختار أحد الفراشات التجميلية من أمامه، خطفت مايا نظرة سريعة إليه وتساءلت بذهول: بتعمل أيه يا عمران؟

قال وهو يحاول جاهدًا العثور على غايته: هنتسلى سوى يا بيبي، مينفعش مشاركيش في شيء بيساليكي، حتى لو عملنا من وشك خريطة أو وش بلياتشو.
وصاح بحماس: لقيتها.
لعقت شفتيها بتوتر وهو يقرب منها ما يحمله، فصاحت به: عمران إنت أساسًا بتعرف تحط ميكيب؟
تجاهل سؤالها وبدأ بفرد طبقة من الكريم المرطب على وجهها، قائلًا ورماديته لا تحيل عن فرك يده للكريم: مش يمكن لو جربت أطلع بعرف! أكيد يعني حاجة سهلة مش كميا هي.

وتابع وهو يعود بنظره للأغراض من أمامه: بصي توكلي على الله ثم على وسبيلي نفسك. أنا هروشنك وإن لقدر الله البوهية باظت فأنتِ كده كده كان عندك نية تمسحيها يعني مفيش أي خساير في الموضوع، ممكن تسكتي بقى وتسبيني أركز. عايز أخد فرصتي لو سمحتي!

ضحكت بصوتها كله وهي تراه ينصدم من كمية الادوات من أمامه، ويتمعن بالألوان باهتمامٍ بالغ، فيعود لخطف نظرة سريعة لها ويعود ليتحقق من الألوان بيده، راق لها قربه واهتمامه بتفاهتها، فراقبته بصمت وهي تعلم أن فور انتهائه ستكون شبيهة بلوحة الألوان الفجة ولكن ما عليها سوى الاستمتاع بوقتهما معًا.

سمعته يهمس بحيرة وهو يبدي كل اهتمامه لعمله وكأنه سيقوم بانشاء احد مشاريعه: اللون ده حلو بس حاسس إني لو دمجت عليه لون تاني هيدي لون تالت مميز، طيب هجرب ده.
وجدته يدمجهما على يده قبل أن يتجه لعينيها، بدأ بوضع ما اختاره بعناية وتركيزه بأكمله منصوب على ما يفعله، فقالت بسخرية: ها يا بشمهندس ألوان النقاشة عجبتك ولا أستلف لونين من شمس.

انحنى بعينيه لعينيها التي تتابع ما يفعل، فاقترب بمنديل ورقي وأزاح الزائد عن باطن عينيها قائلًا: هششش، سبيني أركز قولت، كل ما تديني شوية هدوء كل ما خرجتلك شغل نضيف اسمعي مني بس.

انطلقت صوت ضحكاتها بقوة وهو يشاركها الابتسامة، فانتهى من رسم عينيها وكأنه يرسم لوحة فنية تذيبه داخلها، حتى جذي فرشاة أخرى يضع بها حمرة طفيفة على وجنتها، وانتهى باختيار طلاء الشفاة، وضعها بتمهل وبحرص حتى لا ينتزع ما فعله، وألقى ما بيده ليستند على المرآة بظهره وهو يقييمها بنظرة عاشقة تتفننن بحفظ معالمها، فقالت بقلق: ها طمني الشكل بشع لأي درجة؟
ابتسم وهو ينهض عن السراحة: شوفي بنفسك.

تماسكت وهي تسحب نظراتها للمرآة، فبرقت بعينيها صدمة جعلتها تنهض عن المقعد وتسرع للمرآة حتى كادت بالولوج داخلها.
نزع عنه قميصه وجذب بيجامته وعينيه مازالت تتابعها بابتسامة صغيرة، استدارت إليه بتلعثمٍ: ازاي!
سقط منه الملابس بفزعٍ: أيه يا عسلية مالك؟
أشارت بيدها على المرآة: أيه ده؟
تطلع للمرآة ثم عاد يتطلع لها باستغرابٍ: أيه؟! مايا خشي في المضمون أنا معنديش دماغ تفكر عقد وألغاز الستات دي!

ركضت تجاهه فتراجع للخلف بخوفٍ مصطنع: صلى على النبي واللي انكسر يتصلح.
أمسكت يديه وبحماس وفرحة تساءلت: عملت الميكب التحفة ده ازاي! انطق يا عمران إنت واخد كورس؟
زوى حاجبيه بسخرية من طريقتها وكأنه صعد للسماء وعاد بالقمر للتو، فانخفض يجذب الملابس وانتصب ينزع قميصه ليلقفها بكلماتٍ مغرورة: أنا محدش يتوقعني، ثم إني كبشمهندس أد الدنيا مفيش شيء صعب يقف قدامي.

ابتسمت بفرحة أضاءت عينيها: مش مصدقة بجد، الميكب سمبل وألوانه رقيقة اوي يا عمران!
راقب فرحتها بابتسامة جذابة، وانحنى يضع قبلة على خدها قائلًا: مبسوط إنه عجبك يا حبيب قلبه.
تركته وهرولت للسراحة تجذب أحد الزجاجات وترش بها على وجهها بأكمله، فتابعها وهو يضع رقبته بطوق التيشرت المنزلي: بتعملي أيه؟
أجابته ببسمة واسعة: بثبته علشان أروح الشركة بيه بكره.

احتل الغضب معالمه وصاح إليها: مش هيحصل، إنتِ بطبيعتك أحلى يا مايا. وبعدين أنا اجتهدت في الالوان والروج عشاني أنا مش عشان تمشي تتمختري قدام الموظفين كلهم، عايزة تفتني حد في جمالك افتنيني أنا معنديش مانع غيري No يا بيبي.
أدلت شفتيها السفلية بحزن، واتجهت للفراش، فقالت بعد تفكير: طيب لو روحنا مناسبة مهمة هتحطلي زيه بالظبط؟

اتجه ليجاورها، وقال ساخرًا: خايف أوعدك بصراحة، هي طلعت مني كده صدفة الله أعلم هتتكرر معايا تاني ولا أيه! بس أوعدك اني هحاول يا حبيب قلبه!
اقتربت بجلستها منه وواجهت جلسته، وحركت كتفها بدلال: جوزي حبيبي هينجح تاني وتالت وعاشر عشان حبيب قلبه ميزعلش.
حدجها بنظرة مشاغبة، وبمكر قال: مقدرش على زعل حبيب قلبه أبدًا وهبدأ بالمصالحة من دلوقتي.

لم تفهم مقصده الا حينما هاجمها بدغدغة تستهدف بطنها وأسفل إبطيها، انفجرت بنوبة من الضحك وهي تترجاه أن يكف قائلة: بس يا عمران، عمران لأ.

ضحك هو الأخر على صوت ضحكاتها وصاح بدلاله الطفولي: حبيب قلب جوزه هيزعل منه ومش هيصالحه ازاي ده بس، أنا هدلعك النهاردة لبكره على الأقل يكون عندك جرعة سعادة تنفجر وقت ما نشوف نعمان الملزق إلهي ما يلحق يوصل على رجليه ويجعل زيارته من المستشفى للطيارة مرة تانية على مصر للقبر عدل مهو مش هيجي هنا يقرفنا بجثته!

لم تكف عن الضحك وهو يستشعر صوت قهقهاتها فضحك برفقتها وضمها إليه، متسائلًا بخبث: مش نعيمًا الميكب؟
حركت رأسها بعدم فهم لكلماته فتابع: فين حق تعب الميكب آرتست المحترف اللي ظبطك الظبطة دي!
زحفت للخلف بنظرات تحذيرية إليه حينما وجدته يدنو منها بغمزة تعلم نهايتها كيف ستكون، وقبل أن تعترض وجدت ذاتها تستجيب لنوبة عشقه فلم تستطيع مواجهته بالنفي وانساقت خلفه لبوابة الغرام.

انساق الليل بغيمته السوداء وسطعت شمس يوم جديد، اجتمع فيه أحمد وفريدة بالأسفل على طاولة الطعام برفقة شمس وزينب وعلي، حتى مايا نهضت وهبطت للأسفل تتساءل بدهشة: صباح الخير، فاطيما فين؟
أجابها على وهو يتابع تناول الجبن بالخبز: صباح النور يا مايا، شوية ونازلة.

منحته ابتسامة صغيرة، واتجهت لتحتل مقعدها، انتبهوا جميعًا لصوت عمران الذي يصفر بالأعلى رافعًا من صوته: فطار الهنا. بس مش هيكون فيه سرور من غيري على فكرة.
قالها وهو يهم بهبوط الدرج، فانتبه لخروج فاطمة من غرفتها، استدار لها يبتسم كعادته: صباح الخير يا فاطمة.
اكتفت بهزة رأسها وحملت طرف فستانها الطويل واتجهت للهبوط للأسفل وهي تحمل بين يدها كتب زينب التي طالبتها بحملها لها.

هبطت فاطمة الدرج فأعاق لها حمل الكتب رؤية طرف فستانها الطويل، فتعلق كعب حذائها بطرفه فسقطت عنها الكتب وكادت بأن تلحق بهم، لتجد يد عمران تمتد لتمنع سقوطها، جذبها بقوة لدرجة آمنة في لحظة وقوف الجميع بفزع عليها، فوجدته يسألها ومازالت يده محاصرة لمعصمها: إنتي كويسة؟

انتفضت تدفعه بكل قوتها للخلف ونظراتها المحتقنة لا تحيد عنه، ارتجاف جسدها وتراجعه للدربزاين جعل الاخير يتابعها بدهشة متسائلًا عما فعله ليجد كل ذاك العداء منها؟!
أسرع على إليها يجذبها إليه بلهفة: حصلك حاجة يا فطيمة؟

هزت رأسها بالنفي وعينيها تختطف النظرات لعمران باحراج لما فعلته، فحملت طرف فستانها وصعدت للأعلى هاربة، بينما انحنت شمس ومايا تجمعان الكتب، فاستغل على ابتعادهما عن مكان عمران واتجه إليه يربت على كتفه بهمسٍ منخفض: متزعلش يا عمران منها، فاطيما لسه متخطتش الحالة النفسية اللي بتمر بيها.
هز رأسه بتفهمٍ، وعقد زر بذلته قائلًا: عارف يا على ومش متضايق، المهم إنها موقعتش واتجرحت.

منحه ابتسامة يجاهد باخفاء حزنه بها، فدنى الاخير منه يتفرسه بنظراته فقرأ ما يحاول اخفائه: مالك يا علي؟
احتل الألم نبرة صوته لتجردها من ثباته الزائف: بقالي فترة بخلص ورق فاطيما انا ومراد علشان تكمل تعليمها وتدخل الجامعة من جديد بس اللي شوفته بعيني دلوقتي يخليني متسرعش في الخطوة دي، فاطيما مش جاهزة لسه تواجه العالم اللي برة حساباتها، مبقتش قادرة تتعامل مع حد.

أصاب الحزن قلبه، فهو يعلم ماذا تعني لأخيه وكيف احتمل لأجلها، الا يكفيه بأنه لا يحاول أن يكون زوجًا طبيعيًا معها، ربما امتلك هو الخبرة وسابق التجربة مع ألكس وكان يومًا ما ملقبًا بزير النساء ومع ذلك ضعفت مقاومته أمام من أحبها وودها بكل ما فيه، وبتلك اللحظة يشهد بأن على رجلًا بكل ما تحمله معنى الكلمة، يتساءل أحيانًا أين يذهب باحتياجاته إن لم تكن يومًا بحياته تجربة سابقة أو صلة تربطه بالنساء كيف يحتمل بقائه جوارها هكذا؟

تنحنح بخشونة وقال بعد فترة صمته: إنت محتاج لتجربة صغيرة تجبر فاطيما انها تختلط بالناس يا علي، ولو تسمحلي أنا اللي هجر رجليها لكده.
سأله باهتمامٍ: ازاي؟
ارتدى نظارته بعنجهيةٍ: بعدين هتعرف سبني دلوقتي أغطس على شركة الغرباوي قبل ما خالك الملزق يوصل.
انقبضت معالمه بتقزز صريح ومن خلفه صدمة سؤاله: خالك جاي؟
طرق بقوة على كتفه وهو يشير له: استعد للاختناق أخي الطبيب.

وتركه واتجه ليغادر فانحنى على بجسده للدرابزين يذكره: متنساش تبعت الفريق على المركز عايزين نبتدي الشغل بدري.
أشار له وهو يتجه للطاولة: الفريق بالمركز من ساعتين يا دكتور ومتقلقش أنا هشرف عليهم بنفسي وبكره تشوف هتستلم المركز ازاي، خلاص بقى في قبضتي والمداخل من تصميمي شخصيًا بص هبهرك!
ردد وهو يستكمل طريقه لغرفة فاطمة: ربنا يستر!

تابعت فريدة عمران بقلق من أن يكون منزعجًا من تصرف فاطمة، فوجدته يقترب منها بابتسامة واسعة عذباء مردفًا: صباح الجمال والدلال على أجمل فيري في عيلة الغرباوي كلها.
قالها وهو ينحني يقبل وجنتها ورأسها ويدها بطريقة جعلت أحمد يتابعه بنظرات متفرسة بينما يتعالى ضحكات فريدة فضمته اليها من مقعدها قائلة: صباح الورد يا حبيبي. أيه الجمال والشياكة دي كلها.

ألقى على نفسه نظرة خاطفة وغمز لها مشاكسًا: لازم أكون شيك وآنيق مش ابن فريدة هانم الغرباوي!
احتضنت جانب وجهه بحنان: انت بكاش بس بموت فيك.
تنحنح أحمد ليلفت انتباههما لما يزيد عن تحمله، فخطف إليه عمران نظرة خاطفة ومرر لسانه على شفتيه باستمتاعٍ لرؤيته هكذا، فأراد أن يحجم يومه مثلما يشعر هو بتلك اللحظة، فانتقل من مقعد والدته لمقعده.

مال عمران لعمه الذي بدى مستنكرًا لفعلته، وخاصة حينما وجده ينحني تجاهه فتراجع بوجهه باستغراب من فعلته فقال عمران ضاحكًا: أنا هقولك كلمة سر متفهمنيش غلط يابو حميد.
حدجه بعمق خطر وصاح بتذمر وهو يرتشف من كوب عصيره: انجز.
اتشح بابتسامة خبيثة وهمس له: الملزق جاي.

سكب ما تجرعه واستدار يقابله بعينين متوسعتين من شدة صدمته، فضحك وهو ينحني يمنحه محرمة ويربت على كتفه كأنه يواسيه، وقبل أن تنتبه لهم فريدة الغارقة بحديثها مع زينب قال: امسك نفسك عشان لو فريدة هانم لمحت الكره اللي جواك ليه هترجع حظر العزوبية من تاني ومش بعيد تفضل هناك لأخر عمرك.

وتابع مستهدفًا جولته: خد بالك مجاش فرحكم لإنه مكنش موافق على الجوازة يعني الجاية المرادي هتكون زي قشرة الموزة مزحلقة يا عمي!
وانتصب بوقفته يودعه: عن إذنك هروح أحضر نعش جنازته لأجل ما استقبله.
والتفت ينادي زوجته: يلا يا بيبي؟
خطفت حقيبة يدها ولوحت للفتيات تودعهما، بينما اشارت فريدة لشمس: اطلعي يالا غيري هدومك عما نجهز أنا وأنكل أحمد، هنتحرك اول ما على ينزل هو كمان.

هزت رأسها بحماسٍ وهرعت بلهفة للأعلى لتبدل ملابسها.
طرق على على باب جناحه ليجعلها تنتبه لدخوله، ومن ثم ولج للداخل فوجدها تجلس على الأريكة ويدها تزيح دموعها فور أن اقترب منها، جلس على قبالتها وسحب نفسًا مطولًا يغلب به حزنه وضيقه، فتمسكت يده بيدها يفركها بحنانٍ ودفء يجتاحها: الجميل زعلان ليه؟

أتاها مهدئها ودوائها لتسرع بأخراج علتها عنها، فزحفت بجسدها تقابله وقالت ببكاء: مقصدتش والله أحرج عمران بالشكل ده، كنت بايخة جدًا بدل ما أشكره على مساعدته ليا زقيته وجريت زي الهبلة، أكيد بيقول عليا مجنونة أو قليلة الذوق!

وتابعت بقهر جعل ريقها كالعلقم: غصب عني والله يا علي، أول ما مسك ايدي حسيت اني دوخت ومبقتش شايفة غير تفاصيل الأيام القاسية اللي عشتها دي. أنا مكسوفة من نفسي أوي وحابة أعتذرله أنا مشوفتش منه شيء وحش بالعكس من يوم ما جيت هنا وهو محترم وذوق معايا جدًا وفي المقابل عاملته بطريقة بشعة.

احتوى وجهها المحتقن بأثر الدموع، وأزاحها عنه بهدوء اتنقل لصوته الرزين: عمران مبيعرفش يزعل من حد، وبالعكس هو متفهم جدًا الحالة اللي بتمري بيها يا فاطمة. ولو اعتذارك هيفرق معاكي فأول ما هيرجع بليل هخدك وتروحي تعتذري مع أني شايف أنه مالوش لزمة لإنه متقبل الموضوع ومنتهي بالنسباله.

نجح بأن يبدد حرجها وزرع الابتسامة الرقيقة على شفتيها، فابتسم هو الاخر وردد بهيامٍ: ابتسامتك دي كفيلة تقلب يومي كله لسعادة. أنا مش عايز أنزل غير وأنا متأكد أنك تخطيتي الموقف كله.
واستطرد وهو ينحني مقبلًا يديها معًا: أنا صاحي فرحان إنك ولأول مرة ميجلكيش نوبات ولا كوابيس، الظاهر كده حضني له تأثير عليك يا جميل!
سحبت كفها منه بخجل: علي!

تمردت ضحكاته بصوتٍ مرتفع ونهض يتمم على ملابسه وشعره: أنا هنزل علشان ورايا كام حاجة كده. لو عوزتي حاجة إبقى كلميني.
تساءلت باهتمامٍ: نازل المستشفى.
هز رأسه نافيًا، وقال وهو يعيد تصفيف شعره: أنا إستقلت يا فاطيما.
نهضت واسرعت إليه تمنحه سؤالًا أخر: ليه؟

رد عليها بحلمٍ يتشاركه برفقتها: ما أنا قولتلك قبل كده يا حبيبتي إني حولت المستشفى بتاعتي لمركز كبير واليومين دول فريق عمران بيجهز المركز وأنا معاهم بساعد باختيار المفروشات وغيرها مع إني معنديش شك في عمران بس أنا عندي خبرة بردو في الألوان والتنسيق المريح للمريض.
منحته ابتسامة اتسعت بفرحتها: ربنا معاك يا دكتور، متأكدة إنك هتنجح لإنك دكتور شاطر وتستاهل ده.

وتابعت وهي تشير على ذاتها بعنجهية: والدليل قدامك.
انحنى تجاهها يقبل جبينها وودعها بايجازٍ: أشوفك بليل يا قمري، سلام مؤقت.
همست وهي تتابع خروجه بهيام: مع السلامة.
استيقظ آدهم على يد تهز جسده برفق، ففتح عينيه يجاهد مهاجمة نومه، فوجد سيف يقابله بابتسامة عذباء: صباح الخير يا سيادة الرائد، أنا حضرتلك الفطار والدوا ومضطر أصحيك دلوقتي عشان أطمن إنك أخدت أدويتك قبل ما أنزل عشان دكتور يوسف هيآآآ.

قاطعه بضحكة صاخبة: هينفخك؟
ضحك وهو يؤكد له: بالظبط، بس عرفت منين؟
اعتدل بجلسته وسحب الوسادة من خلف ظهره: عشان أيوب قالي نفس الكلام امبارح، واضح ان يوسف شخصية بيتخاف منها بس مش باين عليه!

جلس سيف قبالته يضع الطاولة المطولة ومن ثم يرص أطباق الطعام وأجابه ببسمة شملت ملخص للحب المتبادل بين الاخوة: يوسف ده مفيش في طيبة قلبه، أينعم هو مصحيني النهاردة من النجمة عشان أروحله أساعده في تزين عيادة دكتورة ليلى عشان الافتتاح النهاردة ومخلعني من الجامعة اليوم بطوله بس عشان عيونه أنا جاهز لأي حاجة.

تابعه باهتمامٍ وخاصة حينما لاح الحزن على معالم وجه ذاك الذي ظنه فتى صغيرًا مرحًا: يوسف مش أخويا الكبير يوسف ده أبويا وأهلي وناسي وكل ما أملك، بالرغم من اني مش يتيم عندي أب وأم بس الاتنين مش شايفين غير شغلهم، مكنش حد مهتم بيا غير يوسف، أكلي. لبسي. دراستي. كل عقبة قضتها في حياتي كان جنبي فيها كتف لكتف، تخيل يا سيادة الرائد أنا برجع من جامعتي ألقيه سايب عيادته وبيته ومراته وعاملي الأكل ومنضف الشقة حتى هدومي بيغسلهالي!

واستكمل بوجعٍ انغمس بنبرته المبحوحة من شدة اضرام مشاعره: لما سابنا في مصر واستقر هنا كنت حاسس إني يتيم من غيره، مكالمته كل يوم هي اللي كانت بتصبرني، وعدني إني لما أخلص الثانوي هيبعتلي وأسافرله، كنت بذاكر ليل نهار وبدعي أخر سنة ليا تخلص عشان أشوفه، وأول ما نتجتي ظاهرت كان أول واحد أبلغه بمجموعي وأفكره بوعده، وجيت هنا وناوي استقر زيه مش راجع مصر تاني، مكان ما يكون يوسف هتلاقيني موجود.

ختم باقي حديثه مازحًا ليخفف من حدة الاجواء التي اصطنعها حديثه، فوجد آدهم يتابعه بنظرة حنونة مهتمة لسماع ما سيقول حتى ولو ظل يتحدث للأبد، فنهض عن الفراش يضع طبق صغير به الأدوية، ثم قال: أنا دوشتك على الصبح، المهم افطر وخد أدويتك لاني لازم أنزل ليوسف قبل ما يتعصب عليا، وبليل لو قدرت تيجي هستناك هناك في العيادة أنا قايل لأيوب يجيبك معاه.
تفحص الطرقة المطلة من باب غرفته متسائلًا: هو فين أيوب؟

رد عليه وهو يسكب له كوب المياه: أيوب بينزل من بدري لانه بيشتغل في مطعم قبل الجامعة.
اتسعت ابتسامة آدهم فأعاد خصلات شعره الطويل للخلف بحركة خاطفة، وتطلع لسيف يخبره: انت وأيوب ويوسف وعلى وعمران وجمال شاملين جملة شباب مجدع وزي الورد اللي بنقولها في مصر. بحس بالفخر كل ما بكتشف عنكم حاجه.

مد يده يربت على كتفه في حالة مفاجئة لآدهم وقال: وإنت بانقاذك لأيوب ينطبق عليك نفس المقولة يا سيادة الرائد، عشان كده حضرتلك الفطار على مزاج بعد اللي يوسف قالهولي عن اللي حصل هنا امبارح.
قهقه عاليًا وردد بمشاكسة: كل ده عشان أخدت السكينة من البنت دي، بصراحة أيوب يتحسد على حبك ليه يا دكتور سيفو. ومتقلقش أنا بعيد ولا كأني أعرفه.

حك لحيته المنمقة وقال بحرجٍ: هو أنا بعز أيوب وبحبه جدًا بس مش بالطريقة اللي داخله دماغكم، أنا بس كنت خايف عليه من صداقة عمران وجمال لإن أيوب خام مالوش في أي حاجة، وعمران ما شاء الله عليه وقح درجة أولى وجمال درجة تانية، كنت قلقان ميظبطوش مع بعض بس شكلي كنت غلط لانه اندمج وسطيهم بسرعة متخيلتهاش!

تلقفت يده الخبز ليضعه بالبيض وتناوله وهو يراقب من أمامه بهدوء، ومن ثم جذب المياه يرتشفها، تابعه سيف باستغراب من طريقته بتناول الطعام، فتمتم آدهم: كمل سامعك.
وجده يراقب طريقة تناول طعامه وسأله: إنت بتشرب بعد كل لقمة!
هز رأسه يؤكد له: معرفش هي عادة عندي كده بحس الأكل مبيتهضمش من غير المية وده تعبني جدًا بس اتعودت.
بدت الحيرة جلية على معالم سيف، فقال مبتسمًا: أيوب كده وبهريه تريقة طول ما بيأكل.

إلتقط الجبن يتناوله بتمهلٍ لحديثه: لأ ما أنا مش هديك الفرصة، لإنك ماشي حالًا هتتأخر كده على دكتور سيف وهينفخك المرادي بجد. روح علق البلالين مع أخوك أفضل من التريقى على خلق الله.
تعالت ضحكاته وأشار له بمرحٍ: حاضر يا سيادة الرائد إنت تؤمر، سلام.
غادر تاركًا الابتسامة تغزو وجه الأخر الذي يتابع تناول طعامه باستمتاعٍ.

أوقف سيارته أسفل الشركة فهبطت مايا وغادر بعد أن أخبرها بأنه سيذهب لمشوارٍ هام، استكمل بسيارته الطريق متبعًا هاتفه بعدما بحث عن إسم المطعم وأخرج موقعه، والآن أصبح يقابل وجهته.

صف عمران سيارته وولج للداخل يبحث عن غايته، فوجده يرتدي مريال يحمل لوجو المطعم وينتقل بين الطاولات، وضع العصائر على احدى الطاولة وما كاد بحمل بالعودة للمطبخ حاملًا الصينية الفارغة حتى تفاجئ به يقف قبالته، فتفوه باسترابةٍ: عمران!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة