قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الأول

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الأول

رواية صرخات أنثى للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الأول

ترنح بمشيته وبصعوبةٍ بالغة تفادى سقوطه، فهم الخادم ليساعده، أوقفه صائحًا: هل جُننت أيها المعتوه، أعد ذراعيك اللعينة عني!
ابتعد الخادم للخلف، فوضع جاكيته على ذراعه واستكمل طريقه للداخل، قاصدًا باحة المنزل الفخم، وبالأخص تلك الأريكة البيضاء المريحة، فجلس عليها بإنهاكٍ وهو يتفحص ساعة يده التي تشير له بأنها الخامسة صباحًا، فردد بضيقٍ: بتمنى متكنش فريدة هانم مستنياني فوق زي كل يوم حقيقي مش ناقص!

ابتسم بخبث وعينيه الماكرة تراقب باب الغرفة الماسد بالطابق الأول، فجذب جاكيته وصعد للأول بخطواتٍ غير منتظمة، تفادى سقوطه على الدرج الرخامي أكثر من مرةٍ، حتى وصل للغرفة، ولج للداخل وألقى جاكيته على المقعد الموضوع جانبًا، وعينيه تراقب الغافلة على الفراش بتقززٍ، وبالرغم من انقباض ملامحه الا أنه حرر قميصه وتمدد جوارها.

كانت تغفو بعمقٍ حينما شعرت بيدٍ تمتد على خصرها بتملكٍ، انقبض قلبها وانتفضت بمنامتها بفزعٍ، فصعقت حينما وجدته يرمقها برومادية عينيه ببرودٍ، فرددت برعشة اعتلت لسانها الثقيل: عمران!
منحها نظرة جافة، وذراعه تمتد لتجذبها لاحضانه مجددًا، حاولت الابتعاد عنه خاصة بعد أن طالتها رائحته المنفرة، فقالت باستنكارٍ: إنت شارب! فريدة هانم لو عرفت هتعاقبك تاني.

أظلمت عينيه وقيد حركة يدها خلف خصرها، فتأوهت ألمًا، وترجته بهدوءٍ زائف: عمران إنت مش في وعيك، من فضلك إبعد والا وقسمًا بالله هصرخ وهلم عليك البيت كله.
ابتسم ساخرًا، وردد بخشونة: غريبة المفروض اللي بيحصل بينا دلوقتي يكون على مزاجك مش بردو كنتِ مقهورة وإنتِ بتشتكي لفريدة هانم إن من يوم ما اتجوزنا وأنا مقربتلكيش!
جحظت عينيها صدمة، وانسابت دمعاتها وهي تدافع عن نفسها: محصلش أنا مقولتش لخالتو حاجة!

ذم شفتيه بسخطٍ، وهو يشير لها: قولتلك قبل كده أنا مبتخدعش بوش التماسيح بتاعك ده يا بنت خالتي، وفري مجهودك بالكلام وركزي معايا، مع جوزك!
وأضاف وهو يمنحها نظرة منفرة: بصراحة ألكس زعلانه مني ورفضت تيجي معايا الاوتيل النهاردة، فأنتِ اللي هتشيلي الليلة.

صعقت مما استمعت إليه، تعلم جيدًا بأنه يرافق تلك الفتاة التي تدعو ألكس، يرافقها أمام الجميع وأولهم فريدة هانم العاجزة عن ردع ابنها الصغير عن لقاء تلك الشقراء، حتى بعد أن أجبرته على الزواج من ابنة شقيقتها التي تعتبرها ابنة لها، ومع ذلك رفض الاعتراف بها كزوجة فكانت ألكس وجهة ظهوره بكل مناسبة، وأحيانًا يصطحبها للمبيت بالمنزل دون حياء.

كم مرة انكسر قلبها وهي ترى زوجها يصعد لغرفته برفقة تلك الفتاة المبتذلة، كم مرة بكت خلسة وعلنًا أمام جميع الأسرة، كم مرة أهانها وقلل من شأنها كانثى قليلة الحيلة لا تملك ما قد يميل قلبه القاسٍ إليها، الا يكفيه ما فعله بها طوال أشهر زواجهما حتى يهينها الآن تلك الاهانة؟

تدفقت دمعاتها تباعًا، والغضب يثور داخلها فجعلها شرسة لا تغلب تحت ذراعيه الخبيرة، فركلته عنها حتى سقط أسفل الفراش وهي تصرخ بغضبٍ جعل من تنتظره بغرفته تعلم بمكان وجوده: أنت أيه معندكش دم يا أخي، أنا مش رخيصة عشان تقارني بالعاهرة اللي أنت ماشي معاها!
احتدت نظراته فنهض واتجه إليها ليجذبها من ذراعها وهو يصبح بانفعالٍ: لسانك ده لو نطق عليها حرف هقطعهولك يا
عمران.

ابتلع ريقه بارتباكٍ قبل أن يستدير لمواجهة الصوت الصارم، ليجد والدته ذات الخمسة وأربعون عامًا، تربع يدها أمام صدرها وتحدجه بغضبٍ عارم، ترك عمران ذراعها ووقف قبالتها، ليجدها تدنو منه قائلة بعصبيةٍ بالغة: قولتلك ألف مرة صوتك ميعلاش على مايسان مراتك ولا تعاملها المعاملة المقرفة دي تاني وبالرغم من كده بتكسر كلامي.
تحكم بانفعالاته بصعوبة، وصاح بتريثٍ: هي اللي بتستفزني بكلامها.

منحته نظرة ساخطة قبل أن تجابهه بحدةٍ: بس هي مقالتش حاجة غلط، الحقيرة اللي أنت ماشي معاها ملهاش مسمى تاني.

قبض معصمه بغضبٍ جعل الدماء تفور بمقلتيه، فانخفضت نظراتها المتفحصة ليده ثم استرسلت بدون مبالاة لغضبه: بقالك سنين بتترجاها تتجوزك وهي رافضة، مش لانها متحررة يا حبيبي لا لإنها وقحة عايزة تعيش معاك في الحرام وتتمتع بفلوسك لحد ما تجيب نهايتك وبعدها هتدور على غيرك، بتلعبها صح ومش عايزة تدبس نفسها مع راجل واحد.
صرخ بتعصبٍ غاضب: ماماااا
فريدة هانم.

رفضت منادته الصريحة، لتعيد له أصول تربيته، خشيت مايسان تدهور الأمور بينهما، فنهضت عن الفراش تجذب مئزرها الأبيض ثم دنت من خالتها تخبرها ببسمةٍ مصطنعة: فريدة هانم محصلش شيء لكل ده، عمران كان داخل يتكلم معايا بخصوص ملف الصفقة اللي بينا وبين راكان المنذر وكنت هديله الملف وهيخرج حالًا.
همهمت بتهكمٍ: ويخرج ليه المفروض يكون ده مكانه لكن هنقول أيه أخد إنه يأكل من الزبالة، وميبصش للنضافة.

كز على أسنانه حتى كاد باسقاطهما، وخاصة حينما قالت بحزنٍ: كنت فاكرة إني لما أجوزك بنت عثمان باشا هتفوق لنفسك وتقدر الجوهرة اللي معاك، بس للأسف إنت مفيش فايدة فيك.
وتطلعت لابنة شقيقتها، الابنة التي تقرب لقلبها كابنتها الصغيرة وقالت بنبرة مختنقة: حقك عليا، أنا اللي بليتك بابني.
احتضنتها مايسان وهي تردد ببكاءٍ: متقوليش كده يا خالتو أنا آ.

ابتلعت باقي كلماتها برعبٍ حينما استعادت فريدة ثباتها مرددة بغضب: فريدة هانم أيه خالتو دي!
واشارت لها مسترسلة بضيق: ثم اني قولتلك ألف مرة بلاش تبكى، الدموع والحزن بيكرمشوا الوش!
كبتت مايسان ضحكاتها بصعوبةٍ، وهي تشير لها: حاضر، أنا أسفة يا فريدة هانم.
ابعدت عينيها عنها وعادت تجابه من يجذب قميصه وملابسه بمللٍ، ثم قالت بحزمٍ: دي أخر مرة ترجع فيها متأخر وسكران يا عمران والا تصرفي مش هيعجبك وسبق وجربت.

ابتلع ريقه بتوترٍ، فهز رأسه بهدوءٍ، ثم كاد بالمغادرة فأوقفته قائلة: قبل ما تخرج، اعتذر لمراتك على الكلام المتدني اللي قولته ليها.
ركل حافة الباب بقدميه بعصبيةٍ، وهو يجبر ذاته على نطق الكلمات دون أن يستدير لها: آسف.
وكاد بالخروج لغرفته، ولكنه توقف فور سماع صراخها الحازم: اعتذارك بالشكل ده مش مقبول، قرب من مراتك واعتذرلها باحترام.

رفع رأسه عاليًا وهو يسحب نفسًا مطولًا يزفره على مهلٍ، لينهي تلك المهزلة، فاستدار إليهما واتجه بخطواتٍ سريعة إليها، وقف قبالتها يرمقها بنظرة مشتعلة جعلتها تكاد تفر من أمامه لتختبئ خلف خالتها، فما أن رفع يده حتى احتوت وجهها بيدها، فوجدته يقرب رأسها إليه ليطبع قبلة مغتاظة كادت بتهشم جبينها وهو يهمس بأنفاسٍ لاهثة من فرط تعصبه: سامحيني يا حبيبتي أنا غلطت في حقك.

هزت رأسها وهي توزع نظراتها المرتبكة بينه وبين فريدة هانم، فرددت بخوفٍ: محصلش حاجة.
مال برأسه لوالدته مرددًا: أقدر أرجع أوضتي يا فريدة هانم ولا لسه في حاجة تانية؟
ابتسمت وهي تشير له بغرور: تقدر تروح، بس اعمل حسابك مايسان هتصحيك بدري عشان هتروح مع شمس الجامعة بكره، في مشكلة عندها وعايزاك تساعدها.
تفحص ساعته بصدمةٍ: بس صعب أنا مش هلحق أنام كده، خليها تأخد على معاها.

أجابته بصرامةٍ: أنا قولت إنت اللي هتروح مع أختك، على بره في المستشفى لسه مرجعش البيت.
واستطردت بسخريةٍ: وأهو بالمرة تروح معاها حفل افتتاح شركة راكان خطيبها ولا مش معزوم عليها!
منحها نظرة مغتاظة، قبل أن يهز رأسه وينسحب لغرفته، فتوقف بالخارج فجأة حينما استمع لزوجته تردد بفرحةٍ: برا?و يا فريدة هانم، عمران مكنش عمره هيروح حفل الافتتاح ده ومتتخيليش الحفلة دي مهمة لشركاتنا ازاي؟

أشارت لها بكبرياءٍ: أنا قولتلك هخليه يروح وكلمتي واحدة.
واسترسلت بحزمٍ: يالا هسيبك تريحي شوية وهروح أكلم على أشوفه إتاخر ليه كده هو كمان وأول ما تصحي تفوقي شمس وتعالولي في الجناح، عشان تقيسوا الفساتين والكوليهات اللي اشتريتها ليكم.
وتابعت وهي تغادر للخارج: لازم تكونوا وجهة مشرفة لعيلة سالم عشان راكان المنذر يعرف هو ناسب مين!

ولج لغرفته بغضب من سماع خططتها الوضيعة، فألقى جاكيته على الفراش بعصبية، وجاب الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يهتف: كده ماشي يا مايسان أنا هعرفك.
وابتسم بمكر وهو يجذب هاتفه ليحرر زر الاتصال بعشيقته متابعًا: هتحضري معايا الحفلة بس أوعدك هيبقى يوم متنسهوش أبدًا عشان بعد كده تحرمي تتذاكي على عمران سالم!

بين غيمة الليل المظلم المغدف، كانت تخطو بفستانها الأبيض بخطواتٍ بطيئةٍ ومن خلفها طرفه الطويل يلامس الأزهار الذابلة الملقاة أرضًا بإهمالٍ، فتشابكت بأطرافه واتبعتها كالظل الملازم لها، كأنها تزف لها بشرى سيئة لما ستجده الآن من مصيرًا بائسًا ينتظرها، استدارت للخلف وخصلات شعرها الفحمي يتمرد على كتفيها كالشلال المحاط بجوهرتها الثمينة.

شعرت بحركة خافتة تتبعها، فاستدارت صاحبة الفستان الأبيض بإِرْتِيَاع لمصدر الصوت المزعج، انقبض قلبها الخافق بين ضلوعها حينما وجدت ثلاثة ذئاب تلهث بشراسةٍ وأعينهم لا تحيل عنها.
تراجعت للخلف بخوفٍ وهي تراقب اقترابهم الخطير منها، تراجعت حتى احتجز جسدها بين ثلاثة حوائط، عقدت مستطيل حولها وأربع أضلاعه موجه بالذئاب التي بدأت تنهش عظامها.

وفجأة انقلبت الثلاثة ذئاب لأجساد بشرية، ذكورية، متحجرة، تستباح جسدها دون رحمة منهم أو شففة لبكائها وتوسلاتها.
صرخات مكبوتة لإنثى جُردت من كبريائها، وكأنها سلعة رخيصة استباحها اللعناء لينتزعوا شرفها، عفتها، لوثوا طاهرتها البريئة وأدموا بعذريتها.

برزت عروقها بقوةٍ، ورأسها يدور على وسادتها التي تحمل دمعاتها على سطحها الرقيق، تمردت حركة جسدها بعنفٍ، وصوتها مكبوت، عاجز عن الصراخ، فانتبهت الممرضة الغافلة على المقعد المجاور لفراشها لحالتها الغريبة، فنهضت عن مقعدها وركضت خارج الغرفة الطبية التابعة لمشفى من أهم المستشفيات التابعة لدولة انجلترا، تصيح بجنونٍ: دكتور علي!
بأحد غرف المشفى المخصص لعلاج الطب النفسي، التي تحمل لافتها اسم د. على سالم.

كان يجلس على مكتبه يتابع حاسوبه باهتمامٍ، وبين يده نوته الخاص، يدون به ملاحظاته الهامه لعلاج الحالة المطروح من أمامه التسجيل الأخير من مناقشاته معها، ينصب تركيزه التام على اشارات يدها ويتمعن بقوةٍ بكل حرفٍ نطقت به، ويقارنه بما دونه مسبقًا وقت جلوسه معها، زفر على بمللٍ، نزع عنه نظاراته الطبية واستكان بجسده الممشق لخلف مقعده، يفرك عينيه بارهاقٍ، وعقله شارد بتلك التي آسرت قلبه ويقف هو بمؤهلاته وشهادت وسامه عاجزًا عن معالجتها، مر أكثر من ثمانية شهور منذ تركهما لمصر وقدومهما لانجلترا ولم يحرز أي تقدم بحالتها، صامتة كزخات الموت البارد، يود بكل ذرة بداخله أن يستمع لصوتها ولو لمرةٍ.

يرى رغبة الموت تنعكس جبريًا داخل حدقتيها، ومع ذلك مازال يبذل أقصى ما بوسعه، خاصة بأنه ليس طبيبًا عاديًا، وسعت شهورته لتمكنه وبراعته من علاج أكثر من حالة كان يستحيل علاجها، وأغلبها تابع للعائلات الهامة من انجلترا وغيرها من الدول الأخرى.

كان يُطلب بالإسم لعلاج الشخصيات الهامة من المشاهير وغيرهم، ومع ذلك يقف عاجزًا أمام حالة فطيمة التي تجعله حائرًا عما يصيب قلبه تجاهها، يرغب دائمًا بالبقاء جوارها لساعاتٍ طويلة مع إنها لا تشعر بوجوده أبدًا.
نهض على عن مقعده ودنى من شرفة مكتبه، ليحرر ستائره البيضاء وهو يلتقط نفسًا مطولاً ويده تمشط خصلات شعره البني المتناثر على جبينه، ملامسة عينيه الرمادية، ويده مربعة أمام صدره مخاطبًا ذاته.

«وبعدين يا علي، بقالك 8 شهور بتحاول بس إنك تخليها تتكلم!
معقولة يكون كلام الدكتور أبراهام صح، وحالتها ميؤس منها وملهاش علاج!
لا مش معقول الكلام ده، أكيد حالتها ليها علاج، إنت عمرك ما استسلمت يا على عشان تعملها دلوقتي، ابذل كل مجهودك معاها وأكيد هتلاقي تحسن».

وأغلق عينيه وهو يحاول تذكر أي تحسن بسيط قد حاذ به بعد رحلة علاجه الشاقة، فتجعد جبينه حينما طاف إليه ملاحظته الطفيفة، فركض لمكتبه يجذب النوت الخاص بحالة فطيمة ودون
«بعد ثمانية أشهر من بدء جلسات العلاج لم أتمكن من ارغامها على الحديث، مازالت صامتة ترفض الحديث عن ماضيها ولكن ما تمكنت من فعله الأهم من دوري كطبيب.
الآمان.

بالبداية كانت تنزعج كليًا من وجودي لجوارها بمكان واحد، جسدها يتشنج وترفض سماع أي كلمة تنبصق على لساني، ولكن الآن تتقبل وجودي لجوارها، تستمع لمحاولاتي البائسة بحثها على الحديث باسترخاء حتى وإن لم تتحدث لي ولكن بالنهاية لم تنفر من وجودي مثلما تفعل مع أي طبيب يحمل لقب ذكر بهويته! ».

ترك على القلم عن يده حينما استمع لرنين هاتفه الذي يلمع بإسم فريدة هانم، ضم على شفتيه معًا وسحب نفسًا مطولًا قبل أن يجيب بحماسٍ: فريدة هانم، موبيلي المتواضع بيرقص في حالة من عدم الاستيعاب.
وصلت ضحكاتها لمسمعه، وأجابته: دكتور على البكاش اللي مش هيبطل يغلبني بكلامه.
وتابعت بضيق: وبعدهالك يا على كل ليلة هتقضيها عندك بالمستشفى ولا أيه؟ وبعدين مش كان بينا وعد؟

رد عليها بحرجٍ: أنا عارف إني وعدت حضرتك بإني هرجع كل يوم بدري بس غصب عني حالة فطيمة اللي كلمت حضرتك عنها قبل كده صعبة ومازلت بحاول معاها، ابنك الدكتور المحترف عاجز عن علاجها.
صوتها الغاضب أتاه يحذره: هو إنت مبقاش على لسانك غير اللي إسمها فطيمة دي، ما قولتلك قبل كده سلم ملفها لأي دكتور تاني، أنا كنت واثقة إنك مبقتش ترجع البيت بسبب الحالة دي وهضطر أكلم دكتور ألبرت يشوف حل للموضوع ده.

ردد متلهفًا: لأ من فضلك بلاش تكلمي المدير يا ماما. أأقصد يا فريدة هانم، هتضيعيلي خطة العلاج والمجهود اللي بذلته طول الشهور اللي فاتت من فضلك.
رق قلبها إليه، فقالت: تمام بس توعدني إنك مش هتبات بره البيت تاني، عمران أخوك مبقتش قادرله لوحدي يا على عايزاك جانبي تفوقه من اللي هو فيه.
اعتلى الضيق معالمه، وتساءل بضجرٍ: عمل أيه تاني الاستاذ؟
أجابته بضيقٍ: كل يوم بيرجع وش الفجر وهو سكران.

جحظت عينيه صدمة، فقال بعدم تصديق: حصلت أنه يشرب خمرة!
ردت بسخط: ومستني أيه منه طول مهو متلم على السنكوحة اللي إسمها ألكس هي والشلة الحقيرة اللي معاها، المشكلة إنه مش قادر يستوعب إنها لا تليق باسمه ولا تنفعه ومع ذلك لسه بيقابلها ومش مدي اهتمام خالص لبنت خالتك.

كان حذرًا باختيار رده: يا فريدة هانم حضرتك عارفه من البداية إن عمران مهوس بألكس حضرتك اللي صممتي تجوزيه مايسان وهو مش بيحبها فكل ده كان متوقع من البداية.
أجابته باعتراض: ده لمصلحته ولو أخر يوم في عمره مش هسمحله يدخل الحقيرة دي وسطينا.
ونهت حديثهما الغير مستحب لها حينما قالت: المهم، إرجع البيت عشان حفلة افتتاح الشركة الجديدة لراكان خطيب أختك.
وتابعت: أنا جبتاك بدلة فخمة، هتلاقيها متعلقة في أوضتك.

ضم منخاره بتأففٍ من عاداتها الغير مجدية للتغير، قائلًا: مكنش له داعي، أنا كنت هلبس أي بدلة رسمية من عندي.
اعترضت لما قال، وكأنه تفوه بحماقاتٍ، فصاحت: على من فضلك حافظ على شكل العيلة، وسبق وإتكلمت معاك قبل كده.
ردد بعدم تصديق: وهي يعني البدالة اللي هترفع من مكانة العيلة!
واستطرد بيأسٍ: حاضر يا فريدة هانم، هكون في الحفل بالمعاد وبالبدالة اللي حضرتك اختارتيها.
أجابته بإعجابٍ: عفارم عليك يا دكتور.

أغلق الهاتف وهو يلقيه على مضضٍ، ليتفاجئ بالممرضة تقتحم غرفته وهي تردد بنبرتها الانجليزية: دكتور علي، على ما يبدو بأن المريضة فطيمة تواجه مشكلة ما، أرجو أن تسرع لغرفته في الحال.
فور نطقها بإسمها حمل حقيبته الطبية وركض إلى غرفتها بهلعٍ، جعل المحاطين به يتأملونه وهو يتخلى عن مكانته ومظهره المعتاد ويركض كالأحمق، ولج على لغرفتها سريعًا وإتجه للفراش، فتيقن إليه عودة تلك الاحلام المنفرة إليها.

سبق له العلم بمختصر ملفها الطبي بما خاضته مسبقًا، لذا كان يعلم ماذا يزورها بكوابيسها، فحاول أن يجعلها تسترد وعيها حينما ناداها بلهفةٍ: فطيمة، سامعاني؟
وهز جسدها وهو يردد: ده كابوس ولازم تفوقي منه.
وحينما لم يجد أي ردة فعل، جذب جسدها إلى صدرها ليرغمها على الجلوس وهو يناديها: فطيمة. افتحي عيونك.

رفعت أهدابها بتثاقل عن بنيتها الدامعة، فتقوست معالم وجهها بشراسة وجسدها ينقبض بين ذراعيه دون توقف، ارتعب على من حالتها الغير مبشرة بالمرة، فصاح بالممرضة التي تراقب الوضع من أمامها: أشلي احضري لي إبرة ال## في الحال.

أومأت برأسها واتجهت للحقيبة التي تركها، فملأت الأبرة الطبية بمحتويات العُلبة التي أخبرها بها، وناولتها له، فقيد على حركة جسدها المنفعلة بحرافيةٍ، وزرع الأبرة داخل عرق رقبتها المنتفض، وبسهولة تمكن من بث محتويات الأبرة الطبية داخلها، فاستكانت حركة جسدها في نفس لحظة خروج المحقن من جلد رقبتها.

مالت فطيمة برأسها على ذراعه، وعينيها الباكية تتأمل عينيه القريبة منه بسكونٍ رغم اندمال دمعاتها دون توقف، وكأنها تشكو إليه بنظراتها الصامتة قسوة ما تتعرض له، تألم قلبه وذُبح فؤاده، لا يعلم ما يصيبه حقًا وهو لجوارها!
ظل يتأملها لدقيقةٍ ونظرات الممرضة لا تفارقهما بدهشة اعتادتها تجاه علاقته الغريبة بتلك المريضة المغربية.

تهدل ذراع على الحامل لرأسها على الوسادة وظل لجوارها يبعد عنها خصلات شعرها المتمردة على عينيها وهو يهز رأسه مرددًا وعينيه لا تفارق نظراتها المستكينة عليه: ده كابوس وانتهى يا فطيمة، إنتِ بخير ومفيش حد يقدر يمسك بسوء تاني.

اهتزت الصورة من أمامها، وأغلقت جفنيها الثقيل استسلامًا لفعل المنوم السريع لتهدئة أعصابها، ومازال على لجوارها، نظراته منصوبة عليها بتأثرٍ، وكأن نظراتها نفذت داخل أضلعه مستهدفة قلبه المسكين، ضعيف القوة أمام وجهها الملائكي، ومشاعره التي حملها لها منذ لقائهما الأول بمشفى القاهرة!

تململت بنومتها بانزعاجٍ حينما قبضت ذراع مايسان على ذراعها وهي تحاول افاقتها مرددة: يوه بقى يا شمس، كل يوم تطلعي عيوني لما تقومي!
واسترسلت بمكرٍ وهي تتجه للباب: أنا كده هروح أنادي فريدة هانم تيجي هي تقومك بنفسها.
فتحت بنيتها بصدمةٍ، وتخلت عن غطاءها وعروستها اللعبة التي لا تتركها، وهي تصيح برعبٍ: لا تفعليها مايا، انظري لقد استيقظت.

ضحكت وهي تراقبها تركض لحمام الغرفة، فلحقت بها تقف على باب الحمام، فرأتها تغسل وجهها بسرعةٍ، هزت رأسها باعجابٍ: شكلي كده عرفت كلمة السر اللي هستخدمها معاكِ كل يوم.
وأشارت لها قبل أن تبتعد: متلبسيش هدومك، فريدة هانم بنفسها جابتلك فستان وشوية والخدم هيوصلوهولك.
تهدلت معالمها بضيقٍ ملحوظ: بس مامي ذوقها مش بيعجبني يا مايسان.

وقفت أمام المرآة تعدل من حجابها الفضي، وكنزتها السوداء لتجيبها ومازالت ترتب حجابها: لو عتدك الجرءة روحي وبلغي فريدة هانم بكلامك غير كده فأنا مش هقدر.
ازاحت شمس عن شعرها الأسود المنشفة، وهي تجيبها بسخرية: لن أفعلها بالتأكيد، على أي حال سأرتديه مرغمة مثل ذهابي للحفل الممل الذي لا أرغب بالذهاب إليه.

واسترسلت ببعض الألم الذي تسلل لزوجة أخيها: ومثل الزوج المثالي الذي إختارته لي فريدة هانم، كل شيء هنا يحدث دون رغبة مني.
تحركت مايسان بعيدة عن المرآة، فجلست جوارها واضعة يدها على ساقيها وبحنان قالت: شمس حبيبتي، عايزة أقولك حاجة وإفهميها كويس، فريدة هانم مش أنانية هي بتختارلك الأصلح والأفضل ليكي راكان شخص محترم وبيحبك ولو عايزة رأيي هقولك إنتِ كده كده مفيش حد في حياتك فخلاص اديله فرصة وأكيد هتحبيه.

زفرت بضيقٍ وقالت: هحاول أديله فرصة مع إني مش طايقاه!
انتهى على من عمله، فوضع الحاسوب الصغير بحقيبته السوداء ثم جمع دفتره والأوراق، نزع عنه البلطو الطبي واستعد للمغادرة فإتجه للدرج، وتوقف فجأة والبسمة تطوف به، أراد أن يودعها قبل مغادرته المشفى، لقائه المستمر بها لا يشبع عينيه التي ترغب بالتطلع لوجهها الهادئ، برائتها الطاغية عليها.

طرق على الباب فانتبهت الممرضة التي تهم للمغادرة إليه، هز رأسه بتحية مختصرة إليها وهو يستكمل طريقه للمقعد المقابل لفطيمة الجالسة على الفراش وعينيها تهيم بالفراغ بشرودٍ، أوقف على الممرضة قبل خروجها حينما قال بعصبية وهو يجذب الحجاب الملقي جوارها بإهمالٍ: أخبرتك كثيرًا بإن فطيمة مسلمة، من فضلك لا تتركيها دون حجابًا مجددًا.
زمت الطبيبة الانجليزية فمها بسخطٍ، ومع ذلك ردت ببسمة سخيفة: حسنًا.

قالتها باقتضابٍ وغادرت، فجلس على مجددًا وعلى وجهه ابتسامة ساحرة، يراقب تلك التي تهيم بالفراغ بجمال عينيها وانتظام أنفاسها، فقال وقلبه يخقق إليها: تعبتيني معاكي يا فطيمة، بقالي 8شهور بحاول معاكِ وبردو مفيش أي نتيجة.

زوى حاجبيه باستغراب لحق نبرته: أنا كنت فاكر إنك لما تيجي هنا هتتحسني، اللي مستغربه بجد إني وأنا في مصر سمعتك بتغني قبل كده في المستشفى، وكنتي بتتكلمي مع الدكتورة يارا وحالتك كانت بتستجيب ليها.
واسترسل وهو يتساءل بحزنٍ: معقول حالتك اتدهورت لما أنا اللي مسكت ملفك!

لم يرمش لها جفنًا وكأنها لم تسمعه من الأساس، فابتسم وهو يقول بصوته الرخيم المحبب لها: متقلقيش أنا مش جايلك دلوقتي عشان نبدأ جلستنا أنا كنت راجع البيت وحبيت أعدي عليكي.
وتابع وعينيه لا تتركها: أقولك سر.
خطف نظرة متفحصة حوله قبل أن يقترب بمقعده لها وهو يتابع بهمس: أنا برتاح أوي لما بشوفك، بحب الهدوء والسكينة اللي بحس بيهم وأنا جانبك.
وردد بمرحٍ: مش عارف مين فينا الدكتور المعالج هنا أنا ولا إنتِ!

ضحك بصوته الرجولي الجذاب، ورفع يده يتابع ساعة يده، فأسرع بالنهوض وهو يشير لها: يا خبر إتاخرت جدًا، فريدة هانم هتعلقني على سور البيت، ده لو بوابته اتفتحت ليا أساسًا.
واسترسل بمزحٍ: فريدة هانم دي تبقى والدتي.
واتجه للخروج ثم عاد يميل للفراش وهو يغمز لها: سر تاني هقولهولك فريدة هانم مبتحبش حد يقولها ماما لازم فريدة هانم عشان حياتنا تستمر مع إن إسمها مكتوب في شهادة الميلاد إنها أمي بس هي مش مقتنعة بده.

وغادر على الفور، ليته انتظر دقيقة واحدة ليرى البسمة التي تركها على وجه التي البائسة التي مازالت تحارب الذئاب التي تنهش لحمها المهتري!

فور خروجهما من الجامعة، تحرك بهما عمران للحفل وهو يراقب هاتفه ببسمة ماكرة، أقسم على رد الصاع إليها، وجودها بالشركات لجواره لا يرغب به لإنه يعلم بأنها تصل كل شاردة وواردة لوالدته، عدل عمران المرآة ليتمكن من رؤيتها جيدًا، فوجدها تتحدث مع شقيقته شمس الجالسة لجوارها، فاستكمل طريقه حتى وصل بهما لمقر الحفل الصباحي، هبط برفقتهما، جاذبًا بوكيه الورد من صندوق السيارة، ثم أشار لشقيقته: يلا يا شمس، ادخلي.

هزت رأسها وتركتهما وولجت للداخل تبحث عن راكان لتكن لجواره بمناسبته، بينما انتظرته مايسان لتدخل معه فوجدته مازال يقف بالخارج، تساءلت بدهشة: مش هندخل ولا أيه يا عمران؟
منحها نظرة كراهية، قبل أن يُحقر من شأنها: إنتِ فاكرة إني هدخل الحفلة معاكي إنتِ!

جحظت عينيها بصدمةٍ وهي تحاول تحليل حديثه المبطن، فدنت منه وهي تردد بذهولٍ: أوعى تقولي إنك هتجيب الحيوانة دي وتظهرها قدام الصحافة والتلفيزيون، دي كانت خالتي راحت فيها!
وضع يده بجيب جاكيته وجذب العلبة الزرقاء القطيفة وهو يجيبها: ومش بس كده، جايبلها خاتم ألماظ تمنه فوق ال30مليون دولار.

غرس سهمًا قاتل بصدرها، فكادت دمعاتها بالانسدال على وجهها، ومع ذلك قالت بثبات: عمران الحفلة كلها رجال أعمال مينفعش تبان قدامهم بالشكل ده، صدقني أنا خايفة عليك وعلى مكانتك وسطهم أ.
أعاد العُلبة بجيب جاكيته، وقال ساخرًا: والله مكانة شركاتي دي تخصني لوحدي، ولا تكونيش فاكرة إن العشرة في المية اللي كاتبتهملك فريدة هانم بعد الجواز هيدوكي الحق إنك تشوفي نفسك من ملاك الشركات.

قبضت على حقيبتها الفضية بقوةٍ، ومازالت تحاول التحكم بانفعالاتها، فقالت: سبق وقولتلك ألف مرة إني مش عايزة حاجة، ومستعدة أتنازلك عنهم حالًا.
وتابعت بقسوة لتسترد حق كرامتها المهانة: إنت الظاهر اللي بتنسى ونسيت أنا أبقى مين وبنت مين؟

دنى منها فتراجعت للخلف حتى اصطدم جسدها بالسيارة فباتت محاصرة به، تطلعت لعينيه الرمادية بارتباكٍ وحبًا تجاهد بدفنه داخلها، واتجهت لشفتيه التي تردد بحنقٍ: فلقتيني بابوكي وبنسبك العظيم يا بنت الأكابر.
ومال لرقبتها يهمس باستحقارٍ: ما كنتِ اتجوزتي واحد من شركاء أبوكي ورحمتيني من البلاء ده.

تهاوت دمعتها رغمًا عنها، فابعدتها عن وجهها، وهي تردد بثبات: عمران لما نرجع بيتنا هني براحتك، دلوقتي خلينا ندخل قدام الصحافة وبلاش تنفذ اللي في دماغك، فريدة هانم ممكن تعاقبك لو اتسربلك خبر مع البنت دي.
وتابعت وهي تبتلع خصتها المؤلمة: جوه إبقى أقف مع الهانم بتاعتك براحتك.
راقب ثباتها الغريب بدهشةٍ، ومع ذلك ردد بسخرية: خايفة عليا من عقاب فريدة هانم ولا خايفة الصور توصل لعثمان بيه أبوكي!

منحته نظرة شملت الألم بين طياتها، فتجاهلته واستقامت بوقفتها متجهة للداخل، لحق بها عمران ومازال يحاول العثور على عشيقته.
وجدته يقف برفقة رجال الأعمال، فتصنعت بسمتها الرقيقة ودنت منه تناديه على استحياءٍ: راكان.
استدار لها بقامته الطويلة، وهو يعدل من جاكيت بذلته الزرقاء، ليردد ببسمةٍ هادئة: أووه بيبي!
وضمها إليه وهو يشير للرجال المحاطين به: أحب أعرفكم، شمس هانم خطيبتي.

قابلتهم ببسمةٍ مجاملة وايماءة رأسها، مرت الدقائق عليها ومازالت تقف جواره، تجده مشغول بالحديث برفقة رجال الاعمال عن المشروعات والصفقات القادمة، مثلما اعتادت منه حينما يزور قصرهم، يقضي الوقت برمته برفقة أخيها عمران بالحديث عن الأعمال، شعرت شمس بالملل، فمررت أعينها على مراسم الحفل بنفورٍ، فلمحت سلم رفيعًا جذب انتباهها، لاحت على شفتيه ابتسامة تسلية، فتسللت للبوفيه الموضوع، ثم جذبت منه طبقًا به خبز التوست، والتقطت النوتيلا الصغير الموضوعة جانبًا، وتسللت للدرج الصغير المؤدي للأعلى، لا تعلم بأنه يسوقها لقدرها المحتوم!

ترك راكان الجمع فور رؤيته لعمران وزوجته، فاتجه إليهما يرحب باحترامٍ: عمران باشا منور الحفلة.
احتضنه عمران وهو يهنئه قائلًا: مبارك يا وحش السوق.
رفع حاجبيه باستنكارٍ: هنيجي فين جانبك.
وتابع بمزحٍ: بنحاول نتعلم منك احنا لسه بنبتدي على الهادي.
تعالت ضحكاتهما، ليقطعها صوت مايسان الرقيق: ألف مبروك يا استاذ راكان وأن شاء الله تكون فتحة الخير لحضرتك.

منحها ابتسامة واسعة، وهو يشير لها بامتنانٍ: مايسان هانم أشكرك، حقيقي تشريفك هنا النهاردة ده شرف ليا.
رد على استحياء: الشرف ليا أنا.
وتساءلت باستغراب وهي تتفحص القاعة: أمال فين شمس؟
استدار حوله وقد تذكر أمرها: كانت هنا من شوية.
بزغت عينيها صدمة، حينما أحاطت تلك الأفعى بزوجها، تضع القبلات الجريئة على خده وعنقه وهي تردد بمياعةٍ: افتقدتك عزيزي.
لف ذراعه حولها بفرحةٍ وهو يردد: كنت واثق أنكِ ستأتين.

رمش راكان بعينيه بدهشةٍ، من رؤيته لتلك الفتاة تحتضن عمران بتلك الطريقة الفاضحة أمام زوجته، وعلى ما يبدو له ادراكها للأمر مسبقًا، لم يعنيه الأمر كثيرًا فتلك الامور المعتادة بين طبقة رجال الأعمال، فانسحب من بينهما حينما وجد على يدلف من باب القاعة، أسرع إليه يرحب به: دكتور على مش معقول إنك أخيرًا خرجت من قوقعتك الطبية وجاي تحضر معانا الحفلة!

ضحك وهو يضمه ليهمس له بحنق: مجبور والله يا ابو نسب، دي أوامر فريدة هانم ولازم تتنفذ ما أنت عارف.
تعالت ضحكاته بعدم تصديق لما تفوه به، فتابع على وهو يتفحص الجمع: أمال فين عمران وشمس؟

أشار له على الطاولة التي جمعت أسرته، فتركه وولج للداخل ليتفاجئ بمايسان تجلس على الطاولة بمفردها وعينيها تجوب من يقف بالبعد عنها يحتضن عشيقته ويضمها لجسده بطريقة مخجلة، دنى منها فما أن رأته حتى أزاحت دموعها وهي ترسم بسمة صغيرة مرددة: علي!
جلس قبالتها يتأملها بحزنٍ، فقال وهو يقدم لها علبة من المناديل: امسحي دموعك يا مايسان، الكلب ده ميستهلكيش.

وردد وهو يتابع أخيه: بس متقلقيش أنا هعرف ازاي أوقفه عند حده هو والزبالة اللي معاه دي!
بأعلى سطح الشركة.

جلست على السور الخارجي، تضع النوتيلا على الخيز وتتناولها بتلذذٍ، قدميها ترفرف بحرية واستمتاع، خصلات شعرها المموج تتطاير من خلفها وضحكاتها تتناثر دون توقف وهي تقص موقفها المضحك لرفيقتها، فقالت وهي تقضم قطعه من الخبز: اهدائي قليلًا جومانه، ماذا عساني أفعل بالأسفل، راكان الأحمق لا يجيد سوى الحديث بما يخص الشركات، ليته يعلم بأنني لا أطيق رؤية وجهه الساذج.

انكمشت تعابيرها بغضب لحق نبرتها: بربكِ يا فتاة، تعودين لاسطوانة رجل الاعمال الناجح الوسيم أنا لا أراه وسيمًا!
وأغلقت الهاتف وألقته جوارها وهي تردد: هحجزلك كرسي جنب فريدة هانم، عشان تحكوا طول النهار عن الطبقة الآرستقراطية!
أيه ده إنتي بتتكلمي عربي!

صعقت حينما اقتحم صوتًا ذكوريًا عالمها المثالي، فاستدارت للخلف تراقب من يقف خلفها، لتجده شابًا جذابًا يرتدي حلى سوداء اللون، شعره بني غزير مصفوف بحرافيةٍ وكأنه قضى نهاره بتصفيفه، عينيه سوداء قاتمة كسواد الليل المخيف، اقترب منها وهو يحاول منع ضحكاته بالوصول إليها، وخاصة وهو يتفحص ما بيدها، فقال وهو يشير بعينيه: في نوتيلا على وشك!

حاولت ازاحتها بيدها فسقط الطبق منها، رفعت يدها الاخرى تزيح بها فسقطت عنها النوتيلا، انفجر ضاحكًا على هيئتها، فاقترب منها وهو يشير: خليني أساعدك.
وانحنى يجمع ما سقط عنها ومازالت تراقبه عن كثبٍ، فقالت بارتباك: أنت سمعت كلامي كله؟
رفع عينيه إليها وهز رأسه مبتسمًا، ابتلعت ريقها بتوتر وتساءلت بحماقة: هتقول لحد؟

قدم لها النوتيلا وصمته يطول به ويقلقها، إلى أن قال بثبات: إنتِ عندك حق الجو تحت ممل، خليكي هنا مع النوتيلا.
وتركها وكاد بالمغادرة، فاوقفته قائلة: استنى عندك، مقولتليش إنت مين؟
استدار إليها ليطوفها ببسمةٍ هادئة، قبل أن ينطق: أنا آدهم الحارس الخاص براكان باشا ودراعه اللمين.

انفلت فمها أرضًا، فتعالت ضحكاته مجددًا، فدنى إليها وهو يتفحص ملامحها الملائكية بنظرة خاطفة، قبل أن يهمس لها باحترامٍ: أنا مشوفتكيش ومسمعتش حاجة، متقلقيش يا شمس هانم.
منحته ابتسامة رقيقة، ورددت بتشتتٍ: أنا بشكرك. بس أنا فعلا بشوف راكان ده شخص بارد ومعقد.
اصابته نوبة ضحك مجددًا، تخلى عنها فور سماعه رنين هاتفه، فرفعه وهو يحاول جاهدًا السيطرة على ضحكاته مرددًا: أيوه يا باشا، دقايق وهكون عندك.

وتركها وكاد بالمغادرة ولكنه استدار ليخبرها: أنا كمان نظرتي ليه شبه نظرتك.
وغادر تاركًا بسمة ساحرة مرسومة على شفتيها، فضمت النوتيلا إليها وهي تردد بعينين ترمشان دون تصديق: معقول أكون لقيت فارس أحلامي!
بالأسفل.
تعلقت عينيها بالخاتم الالماسي بعدم تصديق، فتعلقت برقبته وهي تردد بعدم تصديق: أووه حبيبي. شكرًا لك.
ابتسم وهو يهمس لها بجراءة: لا. اشكريني حينما نصبح بمفردنا بغرفتنا، أشتاق لكِ ألكس.

أمسكت يده وغمزت له: فلنذهب اذًا.
توقف عن تتبعها حينما أوقفه علي، ليصبح في مواجهته، لعق عمران شفتيه بارتباك وهو يردد: علي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة