رواية شمس في قلبين للكاتبة مروة نصار الفصل الواحد والعشرون
انطلق قصي يقود بأقصي سرعة وهو يضع سماعات البلوتوث علي أذنه ويستمع لكل ما يدور بينهم، قلبه كان يدق بشدة خوفاً من أمرين أن يحدث لها شيء أو أن يميل قلبها مرة أخري لهذا المدعو شريف، كان يستمع لحقارتهما وهو يتمني بداخله .. أن لا تجزع ولا تستمع لهما .. فهي ملكاً له هو وحده، وهو الوحيد القادر علي ان يمحي كل تلك الاحزان .. قادر علي جعلها سعيدة مرة اخري، ظل يدعو ان لا تنصاع لكلمات شريف وان يمحي حبه من داخلها ويصبح من العدم ولا يعود ثانيةً، ظل هكذا حتي صدم بما قالته زيلدا في النهاية .
سقط شريف جاثياً علي ركبتيه .. وجهه يعلوه الصدمة .. لا يتحدث .. فقط جاثياً .. عيناه تدوران كدوران الأرض حول الشمس .. عقله يحاول أن يعي ما قد قيل منذ قليل .. صرخات قلبه تعلو من الداخل .. تكاد تصم أذنيه .. مشاعر متداخلة ما بين أن العقاب كبير .. ولكن الذنب أكبر .
ظلت زيلدا تشاهده وهي تشعر بنشوه بالنصر ثم غادرت بدون أي كلمة واحدة، اما شمس فكانت في حالة صدمة شديدة .. كأنها تشاهد فيلماً من أفلام الرعب الذي لا تهواها .. وتتمني أن ينتهي .. هل هذا شريف ؟.. من هذا الشخص ؟، انها لا تعرفه، هل هذا رفيق العمر !، وشريك دربها، هل هو من نطق قلبها بحروف اسمه قبل ان ينطق بالكلام !، كيف أصبح هكذا ؟، كيف خدعت فيه طوال سنوات عمره ؟، كيف تحول من طفل وديع لشخصاً وضيع ؟، وكيف ستستطع أن تثق في أحد مرة اخري !، بعده ... لقد كان هو الثقة ذاتها .
وقفت تراقبه في صمت وبداخلها حالة حرب لا تتوقف .. حتي سمعت صوته وهو يتمتم ويهذي: إيدز ... انا ... أنا عندي إيدز ... أنا .. وصلت لكده ازاي .. ايه اللي حصل ليا .. انا انتهيت .. انتهيت .. حياتي ضاعت عشان كام ليلة .. مستقبلي كله انهار .. أعيش ازاي وسط الناس تاني ... أقول ايه لأهلي ...للناس ... قبل ده كله أعمل ايه مع ربنا .. أقابله ازاي .. أكفر عن ذنبي ازاي .. العقاب كبير اوي .. عقاب مفيش فيه رجوع .. انا السبب .. انا السبب .
اقتربت شمس نحوه وجثت بجواره وربتت علي كتفه قائلة: اهديء يا شريف .. أهدئ واستغفر ربنا .. اطلب مغفرته وعفوه .. وعيد حساباتك تاني .. ربنا غفور رحيم يا شريف .. واكيد حيسامحك .. بس انت ترجع عن أي غلط وقعت فيه .
لم يستطع ان يواجه نظراتها .. عيناه امتلئت بالدموع .. ظل منكساً رأسه أرضاً .. يعلوه الندم علي ما فعل .. والخجل مما ألحقه بها .. والخوف مما هو قادم: انا غلطاتي كبيرة اوي .. معتقدش ان ربنا حيسامحني .. ربنا غضبان عليا اوي .. وانتقم مني اشد انتقام .
هدأت قليلاً وأجابته: وليه متقولش ان ربنا بيعاقبك في الدنيا، عشان يهونها عليك في الأخرة، ليه متقولش ان ده ابتلاء عشان تفوق وترجع له ... اهدأ يا شريف واستغفر الله .. وربنا قادر علي كل شيء .
أجابها بحزن: ياااه يا شمس .. ربنا خدلك حقك مني بسرعةاوي .. انتي عندك حق، انا ما استاهلش واحدة زيك، رغم اللي عملته فيكي لكن قاعدة بتواسيني .
_ شريف أحنا قبل اي حاجة عيلة واحدة .. مهما حصل ده مش حيمحي العشرة والعمر الطويل اللي بينا .
لحظات وفجأة عّم المكان هرج ومرج .. اصوات صارخة .. طلقات نارية .. واقدام تهرول في كل اتجاه .. كانت شمس وشريف في الغرفة المغلقة لا يستطيعا الهروب .. حتي انفرج الباب فجأة ودخلت زيلدا ومعها رجل يحمل رشاش وأشارت لهما بالإسراع للخارج، تقدما الاثنان وشريف يضمها نحو صدره كما لو كان هكذا يستطيع ان يحميها من أي شيء،خرج الجميع من باب الغرفة نحو باب أخر خلفي للبيت، ليجد شريف وشمس سيارة تقف في انتظارهما، وزيلدا ومن معها يدفعوهما للركوب .
صرخت شمس رافضة فهي تعلم ان استقلت تلك السيارة لن تري قصي او اَهلها ثانية، صرخت وحاولت الهروب، ولكن زيلدا استوقفتها قائلة: لو اتحركتي حركة واحدة الرشاش ده حيتفضي في جسمك انتي والبيه اللي معاكي .
ارتعدت شمس من كلماتها وتوقفت في مكانها وهي لا تعلم ماذا تفعل !، ولكنها عقدت العزم علي ان لا تنصاع لهم مهما كلفها الامر فقالت: انا مش حأركب وأعملي اللي انتي عايزاه.
قبضت زيلدا علي الرشاش بيديها الاثنان وقالت بسخرية: متأكدة .
فقابلتها شمس بنظرات تحدي وقالت: ايوه متاكدة، وأعلي ما في خيلك أركبيه .
علمت زيلدا من داخلها أن أمرهم قد افتضح، وانه لا يجب ان تترك شهود خلفها لذا اتخذت قرار التصفية، والانتهاء من الأمر حتي يتسني لها الهروب سريعاً، رفعت الرشاش وصوبته نحو شمس وهي تقول: ماشي يا حلوة .. حتوحشينا .. ثم أطلقت عدة طلقات متتالية من الآلي الذي بيدها لتنطلق وتستقر في صدر شريف الذي قفز أمامها فجأة ليتلقي الرصاص بدلاً منها .
صرخت شمس بشكل هستيري وهي تري شريف يسقط صريعاً أمامها والدماء تتدفق من جسده .. انتابتها حالة من الذعر وهرعت نحوه وجثت علي ركبتيها بجواره وعندما حاولت ان تقترب منه وتحتضنه، صرخ بها في ضعف ومع أخر رمق في حياته قال: لا متقربيش .. بلاش تلمسيني .
لم تجد شيء سوي البكاء وهي تصرخ: ليه يا شريف .. ليه كده .. ليه !.
نظر لها بعينان تتصارعان مع الموت .. وأنفاس تحاول ان تستمر حتي للحظات الاخيرة ثم قال بخفوت: انا كده كده ميت.. خليني اعمل حاجة كويسة قبل ما اموت .. يمكن .. ربنا يسامحني ... بس ارجوكي سامحيني .. سامحيني يا شمس ... وبلاش تعرفي حد باللي حصل ليا .. بلاش اموت وهما حاسين بالعار .. احفظي سري .
_ حاضر يا شريف .. حاضر محدش حيعرف حاجة .
اطمئن قلبه .. وهدأت انفاسه المضطربة .. وتلاشت رغبته في البقاء ... ثم لفظ انفاسه الاخيرة .. وسكنت روحه لبارئها .. وسط صرخات شمس وبكائها .
لحظات ثم رفعت زيلدا الآلي مرة أخري نحو شمس وهي متيقنة ان تلك المرة لن تخيب .. ليقاطعها صوت قصي الذي وصل إليهم وهو يهتف بها حاملاً سلاحه: غلطة واحدة بس .. وحتكون نهايتك .
نظرت زيلدا نحوه وضحكت بسخرية وقالت: اهلا بالباشا .. ده الحبايب كلهم هنا، بس حلو .. انت اكتر واحد انا محروقة منه، وأهو جيت لحد عندي عشان أخلص عليك، بتقولها ازاي عندكم، اتشاهد يا حلو علي روحك، وصوبت نحوه .. لتندفع رصاصة نحوها، وتخترق كتفها فتسقط أرضاً وهي تصرخ.
نظر قصي خلفه .. فوجد وليد صديقه هو من أطلق تلك الطلقة التي أنقذت حياته .. لم يفكر كثيراً يجب أن يهربوا جميعاً من وسط هذا الصراع القائم وخاصة ان الرجال الذين كانوا مع زيلدا، ذهبوا للأشتباك مع أقرانهم ضد الأمن .. هتف بأسمها وهو يدنو منها وقائلاً: شمس .. لازم نهرب حالاً .. لازم نمشي قبل ما حاجة تحصل .
كانت شمس في صدمة .. لا تدرك ما يحدث حولها .. غير واعية لوجود قصي ووليد .. تجثو بجوار جثة شريف وهي تبكي، اقترب منها قصي اكثر وجذبها نحوه واحتضنها بقوة جعلتها تنتبه لوجوده .. تشبثت به وبأحزانها اكثر وهي تنهار من البكاء .. حملها قصي وهو مازال يحتضنها ونهض ليتجه نحو السيارة حتي يغادروا هذا المكان .
لا يعلم ماذا حدث ؟، وكيف حدث هذا ؟، لم يستعب شيء الأ بعد عدة لحظات .. عندما شعر بدفعة من وليد قوية طرحته أرضاً هو وشمس .. ثم سمع صوت طلقات .. تبعه صوت ارتطام جسد في الأرض .. ليستدير مسرعاً نحو الصوت .. فيجد وليد ممدداً أمامه .. والملعونة قد استطاعت ان تصيبه بعد ان أنقذه للمرة الثانية ودفعه بعيداً عن فوهة سلاحها ..هب مسرعاً نحو صديقه .. وفِي نفس اللحظة صوب سلاحه نحوها وأفرغه بها .. لتسقط صريعة في الحال .. وتنتهي اسطورة زيلدا ( الشيطانة الحسناء ).
هرع قصي نحوه وهو يكاد ان يجن .. وظل يتفحصه وهو يقول: وليد .. وليد رد عليا .. أرجوك رد عليا .
نظر وليد لصديقه وقال: خدني من هنا .. عايز اشوف شاهي .. مشيني من هنا بسرعة .
استجاب قصي لصديقه، وخاصة بعد ان استطاع الأمن ان يقضي علي أغلبية العصابة، وتم القبض علي الأحياء منهم، ليسدل الستار علي شبكة من شبكات المافيا الاسرائيلية المتوغلة في سيناء الحبيبة .
حمل الرجال وليد إلي المقعد الخلفي بالسيارة، وجلس قصي خلف المقود وبجواره شمس .. ثم انطلق يسابق الرياح إلي أقرب مشفي حتي يصل بصديقه في الوقت المناسب .. وقبل فوات الاوان .