رواية شمس في قلبين للكاتبة مروة نصار الفصل العاشر
وصل شريف إلي المنزل ودخل غرفته للنوم ولكنه ظل مستيقظاً علي الفراش يفكر في خطوته التالية، هل يذهب لها ؟، ام ينتظر عودتها ؟، كان القلق يساوره لا يعلم لماذا ؟، كلمات والدته ووالدة شمس أزعجته كثيراً، انه يحاول الا يستسلم لليأس، ولكن الخوف استطاع ان يتسلل له ويداعبه، لذا هو الأن في حيرة، هل يتركها قليلاً حتي تهدأ ؟، ام يطرق علي الحديد وهو ساخن ! .
أوقف قصي المحرك، ثم فتح الخزانة ليخرج منها ملابس اكثر راحة من الذي يرتديها، خلع عنه القميص والبنطال والحذاء، وارتدي فقط شورت قصير وحذاء رياضي خفيف، ثم صعد الدرج ليصل إلي سطح القارب حتي يبحث في المبرد عن شيء يتناوله، وصل إلي الدرجة الأخيرة وقبل أن يطأ بقدمه الأرضية، لمح خيال يتحرك أمامه وفِي يده شيئاً يلمع في الظلام، وبلا تردد أو أدني تفكير قفز نحوه يهاجمه وهو يصيح قائلاً: أنت مين ؟.
كانت شمس تقف متأهبة لما قد يحدث وبمجرد أن شاهدت هذا الرجل يصعد علي الدرج، انتظرت حتي يكون في مواجهتها لتتحدث معه، لم تتوقع أن يهاجمها عندما يراه، لذا عندما شاهدته يسرع نحوها، وهو يصيح بها انتابها الفزع والارتباك،وبلا وعي وكرد فعل سريع هوت علي رأسه بتلك القطعة الحديدية التي بيدها، وهي تصرخ قائلة: ابعد عني يا مجنون .
ترنح قصي قليلاً ورجع للخلف وهو يمسك رأسه من الألم، فتعثرت قدمه في الدرج ليهوي من عليه ويسقط في الأسفل، أما شمس فكانت تشاهد هذا المشهد وهي ترتعد من الخوف وتحدث نفسها قائلة: يادي المصيبة .. مات !.. موته ... يالهوووي .. اعمل ايه انط في الميه والا أنيل ايه في عيشتي الهباب .
ظلت الأفكار تلعب بها وهي خائفة من عواقب فعلتها، وبدأت تقترب من الدرج رويداً، حتي وصلت إليه ونظرت في الأسفل لتشاهد المصيبة الأكبر ( قصي الدالي )، لم يكن مجرد شخصاً عادي، لم يكن أي شخص، بل كان قصي، ما تلك الصدف الغريبة ؟، وماذا ستفعل الأن ؟، فزعت شمس بمجرد رؤيتها له ممدداً في الأسفل، فهرعت نحوه سريعاً وجلست بجواره علي الأرض تحاول إسعافه .. في البداية تحسست النبض حتي تأكدت أنه مازال حي، ثم سمعت صوته يتأوه من الألم، فقالت له والخجل يملؤها: أنت كويس .. في حاجة بتوجعك .
فتح قصي عيناه ببطء ووضع يده علي رأسه ليجد بضع قطرات الدماء في يده ثم نظر لها وقال: واحد مضروب علي رأسه بماسورة، ووقع من علي السلم عظمه اتفشش، ورأسه بتجيب دم، تفتكري حيبقي كويس !.
تلعثمت شمس قليلاً وازداد خجلها مما فعلت ثم قالت: والله أنا مكانش قصدي .. انت خضتني معرفتش اتصرف، غصب عني ضربتك .
نظر لها قصي متألماً وقال: والله .. انا اللي خضيتك !، وحضرتك لما تطلعي ليا في الظلمة وماسكة في ايديك ماسورة والا حديدة ده اسمه ايه !، وأن أصلاً سيادتك تبقي موجودة علي المركب من غير ما أعرف ده ايه بالضبط .
حاولت شمس ان تبرر تصرفها ولكن مهمتها كانت صعبة: طبعا انا لو حلفتلك ميت يمين، ان انا ما اعرفش المركب دي بتاعة مين، ومكانش قصدي خالص اضربك، ومكنتش شايفة اصلاً انا بضرب مين، مش حتصدقني صح ! .
رفع قصي حاجبه وقال بسخرية: أنتي شايفة ايه !.
فأجابته بعفوية: وهي دي فيها شايفة ايه .. حأكذب يعني .. لا طبعا متصدقش ... مفيش عيل أهبل حيصدق اصلاً .
حدق بها وقال بحدة: عيل أهبل .
فتلعثمت قليلاً وقالت: لا مش قصدي انت .. أنا قصدي ان الكلام حتي العيال الهبل مش حتصدقه ... يووووه .. بص بقي، انت صح وعندك حق متصدقش، انا اصلا هبلة .. واحدة راجعة اوضتها وشافت مركب تقوم طالعة فيه زي العبيطة كده، لا ومن غبائي كمان أنام .. يعني مشافهمش وهو بيسرقوا .. شافوهم وهما بيتقاسموا .. لا الصراحة انا استغبتني، بس والله انا طلعت اتفرج بس عليه وعجبني المنظر فقعدت ونمت، مكانش قصدي بقا كل اللي حصل، أنا أسفة بجد .
_ هششششش ينفع تسكتي شوية وتساعديني أقوم .
نظرت له شمس بارتباك وقالت: اه صحيح .. أنا أسفة نسيت، ثم حاولت أن تساعده علي النهوض ولكن كلما حاولت أن تقترب منه كانت يداها ترتجف من مجرد فكرة ملامسة جذعه العاري، شعرت بالخجل الشديد، حاولت أن تمسك يده فقط ولكنه كان مترنح بشدة من اثر السقوط والإصابة التي في رأسه .
فطن قصي ارتباكها ومحاولاتها الا تلمس جسده، وساوره شعور غريب بالحيرة من هذه الفتاة، هل يعقل ان تكون بكل هذا الطهر ؟، ايعقل انها تخشي ملامسة رجل حتي ولو لمساعدته !، وماذا عمن ترمي بجسدها في فراشه، وتتعمد ملامسته طوال الوقت، هل هي بريئة إلي هذا الحد ؟، أم فقط ممثلة بارعة تؤدي دور الفتاة الخجول ببراعة .
لم يستطع الحكم عليها، كان الامر ليس هيناً عليه، خاصة مع كل تلك الفتيات اللاتي يراهم أمامه، لذا تعمد إرباكها اكثر فصاح بها قائلاً: هاتي ايدك يلا أنا جسمي وجعني من الأرض، ساعديني .
مدت شمس يدها له ليتكأ عليها ولكنه أخذ ذراعها ووضعه حول جذعه ثم اتكأ علي كتفها ورفع نفسه قليلاً، كان جسديهما ملتصقان، يدها حول جسده، أناملها ترتجف من لمسه .. عضلاته زادت من توتر جسدها فارتجفت بشدة، وبحركة مفاجئة ابتعدت عنه .. وتركته يسقط مرة أخري علي الأرض .
_اااااه ... الله يخربيتك يا شيخة، انتي حد مسلطك عليا، انتي مصممة تعملي فيا مصيبة النهارده صح !.
وقفت شمس تنظر اليه وقد توردت وجنتاها خجلاً وعجز لسانها عن الحديث، ثم التفتت حولها وعندما وجدت مبتغاها، هرعت نحوه وعادت تمسك بقميص وهي تنظر في الجهة الأخري قائلة: خد البس ده .
قطب قصي حاجبيه وزاد احساس الحيرة بداخله ثم قال: ليه ؟.
_معلش لو سمحت إلبسه عشان اقدر اساعدك
ضحك عالياً ثم قال: ايه الحلوة بتتكسف، ليه عمرك ما شفتي راجل مش لابس قميص .
حدقت شمس فيه بعينان غاضبتين،ثم قالت: وانا حأشوفه فين أن شاء الله ... بقولك ايه خلصني وأنجز انا مش ناقصة .
صمم قصي من داخلها أن يعلم حقيقتها جيداً فقال والالم بادي علي وجهه: طب ممكن تلبسيني القميص عشان مش حأقدر البسه لوحدي .
تأففت مما يحدث لها وحدثت نفسها: ايه ياربي المصيبة دي .. اجمدي كده يا شمس وبيني ليه انك راجل ولا يفرق معاكي حاجة، ثم اقتربت منه وهي تمسك القميص بأطراف أناملها وتمد يدها به للأمام نحوه كأنها تحاول الا تقترب كثيراً، مما جعل قصي يقول: حد قالك اني عندي مرض معدي والا حاجة، مالك يا بنتي هو انا جربان .. بتعملي كده ليه .
_ممكن تخلص وتبطل تتكلم كتير مد ذراعك يلا ... التاني كمان .
استطاعت ان تجعله يرتدي القميص ثم ساعدته علي النهوض ليستلقي علي الأريكة التي بغرفة القيادة،وقالت: فين علبة الإسعافات .
أجابها قصي وهو ممدد:هناك في الدولاب ده .
احضرت شمس الإسعافات وجلست بجواره، عاينت الجرح وبدأت في تنظيفه ثم تضميده، وعندما انتهت اخيرا قامت بإعطائه مسكّن للألم: حاول ترتاح شوية عشان تقدر تسوق المركب وترجع بينا .
لم يستطع قصي المجادلة لقد كان مجهد بالفعل، يشعر بدوار شديد والالم يجتاح كل جسده، اغمض عينيه في سكون وغط في النوم، أما هي كان الأرهاق قد تملكها، لذا تجولت في القارب تبحث عن مكان تنام به وعندما وجدت غرفة بها فراش، ألقت بجسدها عليه بلا تفكير وغلبها النوم سريعاً .
داعبت نسمات الربيع البارد وجهها، وانضمت له خيوط النهار تدغدغ جفونها... فتحت عيونها ببطء شديد .. وبدأت تستعيد وعيها تدريجياً، وتذكرت كل ما حدث ليلة أمس، ثم انتفضت مذعورة وهي تقول: شاهي ... يادي المصيبة، دي حتقتلني .
ظلت تفتش حولهاعن حقيبتها وعندما وجدتها أخرجت الهاتف وحاولت الاتصال بصديقتها ولكن لم تجد تغطية للهاتف، انتابها الخوف مما قد تفعله شاهي عندما لم تجدها، وتمنت ان لا تقوم بفعل شيء يثير قلق الجميع وأولهم والدتها .
ثم نهضت من الفراش وقررت أن تذهب للأطمئنان عليه، وبالفعل توجهت إلي كابينة القارب، وألقت نظرة عليها فوجدته مازال مستغرقاً في النوم .. لا تعلم لما وقفت تتأمله ؟، وجهه البرونزي .. انفه الذي يشبه انف الرومان .. شعره الناعم الطويل الذي يضفي عليه مزيد من الجاذبية .. جسده الذي يبدو أنه يعتني به جيداً ويتدرب كثيراً، عضلات صدره البارزة، نعم هو يمتلك وسامة وجاذبية شديدة، تذهب عقول الفتيات، لا تستطيع انكار هذا، لقد تأثرت هي أيضا به، وتشعر بانجذاب قوي نحوه، بالتأكيد ليس حب ولا أعجاب ولكنه استطاع ان يثير أحاسيس عديدة بداخلها، استطاع ان يربكها، هي فقط منجذبة نحوه ليس الا .
ظلت شاردة هكذا مع خيالاتها حتي انتبهت علي صوت: أنتي حتفضلي تتفرجي عليا كده كتير .
انتفضت شمس وزاد ارتباكها ثم أجابت قائلة: ايه ... لا ... لاااا.. انا كنت ... انا كنت بطمن عليك وبشوفك صحيت والا لسه .
_ بتطمني عليا ااه، واطمنتي !
شمس وهي تمرر أصابعها في شعرها بتوتر: انت عامل ايه دلوقتي ؟.
قصي وهو مغمض العينين: مصدع شوية .. حاسس بدوخة .
_ الف سلامة عليك .. طب ارتاح وانا حأشوف حاجة تأكلها .
غادرت شمس الغرفة وتركته وحيداً لتبحث عن طعام في القارب، اما قصي فقد نهض من علي الأريكة واعتدل في جلسته، وشرد قليلاً يفكر في حاله، وما اصابه مؤخرا، أصبح يكره كل شيء حوله، حتي ما كان يرغب به لم يعد يطيقه، وأولهم حسناء، تلك الفتاة اللعوب، قلبه يحدثه ان وراءها سراً كبير لا يعلمه بعد، ظل هكذا إلي أن عادت شمس ومعها بعض المأكولات الخفيفة وعلبتين صودا .
جلست بجواره بعد أن احضرت منضدة صغيرة ووضعتها امامهما، ثم رتبت الطعام وجلسا يتناوله، وبعد ان انتهيا منه قالت له: ايه رأيك نطلع فوق تقعد في الهوا والشمس شويه، تعال وأنا حأسندك يلا،نهض قصي معها وصعدا سوياً وجلسا علي حافة المركب يتأملان البحر، كان مازال شارداً قليلاً، نظرت هي نحوه وشعرت بأن هناك خطباً ما فبادرت بسؤاله: مالك !، في حاجة مضايقاك .
نظر نحوها ورأي لمعة غريبة في عينيها لم يلحظها من قبل، مشي بعينيه علي تفاصيل وجهها وهو يحدث نفسه قائلا: مين قال أنها مش جميلة، اه هي مش زي البنات اللي جمالهم يدوخ، بس هي ليها جمال خاص بيها، براءة وشها، طفولتها، الطيبة اللي في عينها، والراحة اللي تحسها بمجرد ما تسمع صوتها، جمالها مختلف، جمال يتحس مش يتشاف، ثم انتبه علي صوتها تقول: ياااه انت سافرت كله ده، رحت فين !.
عاد قصي يشاهد البحر: مش عارف، دماغي مشغولة بحاجات كتير اوي .
ابتسمت بهدوء وقالت: طب بما أننا شكلنا هنطول هنا، فممكن تستغلني وتقعد تشكي همك، متخافش انا بسمع كويس اوي، وممكن كمان اقدر اساعدك .
تنهد قصي وزفر انفاسه بقوة ثم قال: افضفض .. ياريت بالسهولة دي .
_ وايه اللي حيخليه مش سهل، بص احلي حاجة في الفضفضة لما تكون مع حد غريب، حد ممكن يبقي شايف الموضوع من زواية مختلفة، حد احتمال ماتشوفوش تاني، ده حيبقي مريح اكتر .
شعر قصي بغصة في قلبه عندما سمع اخر جمله قالتها ولكنه لن يعير انتباهه لما يشعر به، فهو ليس في حالته الطبيعية الأن: تفتكري ممكن تفيديني !
شمس بمرح: جرب حتخسر ايه، يوضع سره في أضعف خلقه .
قصي بحذر: بس بشرط .
_ أشرط يا سيدي .
_ مش عايز احكام، تسمعي من غير ما تقاطعيني او تقعدي تنظري عليا .
اشارت شمس إلي قلبها وقامت بعمل أشارة x عليه وقالت: وعد مني .. وشرف الكشافة مش حأحكم عليك .
نظر لها قصي وهو يفكر هل يسرد لها كل شيء، ام لا، وهل ستتقبل ما سيخبرها به أم ماذا ؟ .