رواية شمس في قلبين للكاتبة مروة نصار الفصل الخامس عشر
مرت شاهي علي صديقتها لتذهبا سوياً إلي العشاء، وعندما وصلتا إلي المطعم العائم الذي يقام به حفل اليوم، شاهدت شمس قصي يجلس علي المائدة مع وليد، توقفت ونظرت لصديقتها وقالت: انتي مقولتيش ليه ان قصي موجود .
فأجابتها شاهي ببرود: واقولك ليه !، وبعدين ما طبيعي انه حيكون موجود، مش صاحب الفندق والا انا غلطانة .
تأففت شمس وقالت: يوووه ... شاهي بلاش الحركات دي، انا مش عايزة اتعامل مع الراجل ده تاني لو سمحت، انا عايزة اخلص شغلي وأخلع علي طول .
فأجابتها صديقته: وانا قلتلك تعملي حاجة، ما براحتك مش عايزة تتكلمي معاه مش مشكلة، اقعدي علي الترابيزة وخلاص، وبعدين يا شمس بطلي الشغل البلدي بتاعك ده واتعاملي مع الناس طبيعي حتي لو مش منسجمة معاه، تقبليه لأن ده اللي بتشتغلي معاه، حتي من باب اللياقة .
رمقتها شمس بنظرات ساخرة وقالت: شغل بلدي، والله انتوا عالم تافهة، ماشي يا ختي يا بتاعة اللياقة، اتفضلي قدامي لما اشوف اخرتها.
وصلتا الفتاتان إلي المائدة وبعد الترحاب الذي كان يغلفه بعض التجاهل، شرعوا جميعا في تناول العشاء، وبدأ تقديم فقرات الحفل، كان قصي يختلس النظرات إليها وهو يفكر هل ما أشعر به مجرد انجذاب لفتاة لم أقابل مثلها من قبل، نوع جديد لم اصادفه، قد أكون شعرت بالملل ممن حولي فقط، أم أنا علي أعتاب حب حقيقي ولا أعلم .
قرر قصي من داخله أن يعطي لنفسه الفرصة كاملة ليستطيع تحديد مشاعره الحقيقية، واذا تراءي له أنه قد وقع في غرامها بالفعل لن يسمح لها بالرفض او الانسحاب، اما هي فكانت تحاول تجاهله تماما ومتابعة فقرات الحفل التي أمامها، كانت تشاهده ولكن ذهنها شارد فيما حدث، لم تؤنب نفسها او تندم علي قرارها وتسرعها في أجابته .. لا .. فهي علي يقين أن السماء والأرض لن يتلامسا يوماً، وأن الحب يجب ان يسبقه التوافق بين الاثنان .. لذا هي لم تحاول حتي التفكير فيه ... نعم لا تنكر انجذابها نحوه وتأثيره عليها .. ولكنه مجرد انجذاب فتاة لرجل مثلما تفعل مع نجوم السينما .. ليس الا .. حتي لو شعرت بغير ذلك .
اما وليد وشاهي كانا يجلسان يتابعان في صمت، وعندما جاءت فقرة الحفل المعتادة دائما في الفنادق، ملكة وملك جمال الفندق .
طلب مقدم الحفل من الحضور ان يتقدم من كل دولة زوجين ويصعدوا علي المسرح، حتي يتم اختبارهم ومن يحصل علي أعلي نسبة تصويت سيكون الفائز .
بدأ بعض الضيوف الأجانب بالصعود وخاصة الأزواج الحديثة الزواج، ثم قال مقدم الحفل في الميكروفون: وكمان من مصر معانا مستر قصي، والأستاذة شمس، حيمثلوا مصر في المسابقة .
حدق قصي بالرجل وقال:ايه التهريج ده، مين اللي قاله يعمل كده، نكزه وليد في قدمه أسفل المائدة، أما شمس فكادت أن ترفض ولكن شاهي قالت لها: شكلك حيبقي وحش اوي بعد ما أسمك اتنده عليه .
رمقت صديقتها بنظرات نارية وقالت: عقبال ما تنده عليكي النداهة يا بعيدة، صحوبية تودي ورا الشمس، ثم نهضت لتصعد بدون حتي ان تلتفت له او تنتظره، ليتبعها قصي وهو يشعر بأن صديقه يحيك له مؤامرة من نوعاً خاص .
صعد سبعة أزواج علي المسرح من ضمنهم قصي وشمس، وبدأت المسابقات بين الجميع، الأولي كانت مسابقة معلومات، نجح بها خمس مجموعات والآخرين غادروا المسرح، والثانية كانت أن يقف كل زوج في مقابل زوجته علي مسافة محددة لهم جميعا وكلاً منهم يعلق علي رقبته شريط ينتهي بسلة ويبدأ كل طرف بقذف الكرة ويجيب ان يصيب المرمي ثم يفعل الطرف الأخر المثل، والمجموعة الفائزة تكون بأن يصبح مجموع الكرات في السلتين معاً أكثر من عشرين .
شمس كانت من النوع العنيد الذي لا يقبل الهزيمة، لذا اندمجت تماما مع المسابقات بحماسة شديدة واهتمام حتي لا يتغلب عليها احد، ويبدو أن قصي يحمل نفس الصفة، في فقرة الكرات كانا الاثنان يشعلان الحماس سوياً، وإتقانهم اللعب جعل الحضور يصفق لهما، وعند احتساب النتيجة كان عدد الكرات اكثر من ثلاثين، مما جعل شمس تقفز كطفلة صغيرة عندما ربحت في تلك المسابقة .
تبقي ثلاث مجموعات وبدأت المسابقة الثالثة وهي أن يقف كل زوجين أمام بعضهما وينظر كلاً منهما في عين الأخر بدون كلمة واحدة، ومن يضحك اولا هو الخاسر. ارتبكت شمس من تلك المسابقة ولكنها لا تقبل بالخسارة او الانسحاب، لذا تقدمت نحوه بثبات ووقف الأثنان لا يفصلهما سوي بعض السنتيمرات القليلة، ونظر كلاً منهما في عين الأخر .
في البداية بدت نظراتهما جامدة لا تحمل أي أحساس، ولكن بعد عدة ثواني بدأ قصي يدقق النظر في تفاصيل وجهها، عيناها البنيتان المائلة للون العسل الداكن، لم يلحظ لونهما من قبل، كانا بهما بريق مختلف، عينان تتحدثان ليسا بحاجة لشفاه، فهما بمفردهما بهما كل الحديث، وجهها يحمل معان كثيرة .. براءة .. تحدي .. طفولة ... خوف .. شقاوة .. صلابة، العديد والعديد، وجنتاها عندما تضحك كانتا كالشمس التي تبزغ لتضيء الظلام، شفتاها الرقيقة، التي عندما نظر لهما شعر انه لو يملكها .. لن يتوقف عن تقبيلها، ظل شارد معاها لا يحتاج للمسابقة حتي يستطيع ان يطيل النظر بدون أن يتحدث، شعر الآن كأنه يراها للمرة الأولي .. هي بالفعل ليست كأي فتاة عرفها من قبل.
أما هي فكانت تنظر له وهي تحاول أن تدعي الصلابة والقوة، فقط تنظر أمامها لا يهم من يكون، مجرد شخصاً عادي، كانت تحدث نفسها قائلة: اعتبري نفسك بتبصي علي تمثال، عادي جداً، ثم بدأت عيناها تحاول الا تركز علي نقطة واحدة في وجهه .. كانت تحاول ان تحرك عيناها باستمرار .. ولكنها تعلقت سريعاً بعينيه: ايه ده ... يخربيت كده، الواد ده عينيه لونها حلو كده ليه، دي لونها ايه... يالهوووووي يا ختاااااااي .. دي زيتوني .. أموت أنا في الزيتون الأخضر .. ايه العيون السهتانة دي.
شان كده البنات حتموت عليه .. والا رموشه في كده ياربي، مكانش ينفع ابقي بنت شوكت باشا وأقابل الأصناف النظيفة دي .. بدل عّم بعجر بتاع الكشري .. وعم النتن بتاع الكبده .. توب علينا يارب، وايه ده كمان يخربيت الدقن المرسومة زي دقن روميو، هو في كده .. ينفع كده والنبي ده شعره احلي من شعري .. والا عظم خدوده .. الواد ده مينفعش يكون مصري ... المز ده خليط تركي علي يوناني علي ابوه يعني، اااه لو كنت هبلة شوية وقلت ااه وفرحتلي يومين قبل ما يخلع ويسيبني .. بس حأقول ايه الفقري فقري، وانا ما شاء الله عليا اعشق النكد زي عينايا .. اه والله.
كانت تحدق به وهي تحدث نفسها وقد غفلت تماما عن انه أيضا يراها، فكانت إيحاءات وجهها غريبة له، تغمز بعينيها .. او تحرك وجهها بطريقة حاول ان يفهمها ولكن لم يستطع .. استمر الاثنان كلا يسرح بخياله مع عالم الأخر .. يتخيل حياته معه .. وهل ستنجح أم لا ؟، إلي ان سمعا صوتاً بجوارهما يقول: مبروك .. الكابل المصري هو اللي فاز بالمسابقة، تصفيقات حادة من الجميع وتهئنة لهما، ثم وجدت شمس فتيات تسوقها خلف المسرح سريعاً وتقدم لها فستاناً ابيض يشبه فستان الأميرات، وطلبن منها ارتدائه، ووضعن علي رأسها تاجاً من الزهور جعل وجهها يضيء بالجمال والرقة، ثم عادت ثانية إلي المسرح لتجد قصي قد ارتدي عباءة كعباءات الملوك وتاجاً علي رأسه، وبمجرد صعودها بدأ الاحتفال بهما، وطلب منهما أن يفتتحا الرقص معاً .
شعرت شمس بالخجل الشديد، فهي لم تفعل ذلك من قبل، ولن تستطيع، ولكن قصي لم يمنحها فرصة التراجع، تقدم منها وأمسك يدها ووضعها علي كتفه ثم وضع اليد الأخري بيده، ويده الأخري علي خصرها، وبدأ يتراقص معها علي أنغام الموسيقي الحالمة .. دقائق وانضم الجميع ومنهم شاهي ووليد .
كانت ترتجف وهو يمسك بيدها ويده الأخري تحتضن خصرها، لا تعلم لما تشعر هكذا في قربه .. وخاصةً عندما يلامسها ... ارتبكت عندما كان يداعب يدها بأنامله، بطريقة جعلتها تشعر بالاستسلام لهذا الاحساس الجميل .. لم تعترض او تبعد يدها .. بل غرقت معه وسط تلك الاحاسيس .
أما هو فكان يشعر كأن الزمن عاد إلي الوراء .. وأصبح مراهقاً من جديد .. يبحث عن لمسة يد .. أو نظرة عين تروي ظمأه .. كما لو كانت هي أول امرأة في حياته .. وكأنه لم يلمس غيرها من قبل .. ولَم يعرف نساء قط .. كأن لمستها لا تقارن مع النساء ... فلمسة واحدة ليدها بنساء العالم أجمع .
احساس جميل لم يختبره من قبل ... نعم هي مختلفة .. نعم هي لا تشبه أحد ... لأنها هي الوحيدة التي استطاعت ان تخترق كل السدود وتصل إلي قلبه، بدون عناء منها.
انتهي الحفل وغادر الجميع، ولكن وليد كان قد غادر مبكراً قبل الجميع حتي يستطيع ان يجهز المكان جيداً، وقبل ان يرحل أبلغ زوجته ان تذهب مع صديقتها وهو سينهي بعض الاعمال ثم يمر عليها ليعودا سوياً إلي البيت .
ذهب وليد إلي غرفة قصي وبدأ يضع كاميرات صغيرة وبعض الميكروفونات في كل مكان، ثم انتظر في الخزانة .
في تلك الأثناء كانت حسناء تراقب كل شيء وعندما شاهدت انتهاء الحفل، واستعداد قصي للمغادرة، قررت أن تسبقه علي الغرفة، وبالفعل ذهبت إلي هناك، وقامت بتغيير ملابسها لأخري أكثر أثارة .. تكاد تظنها لا ترتدي شيئاً .. ثم جلست علي الفراش في محاولة لأغرائه وانتظرت، كان وليد في الخزانة يشاهد كل شيء وهويحدث نفسه قائلاً: اه يا سافلة ... ده مفيش حياء خالص ولا نيلة .. ايه البنات اللي سايبة علي نفسها دي .. الله يكون في عونك يا قصي .. البت مزة .. اللهم أخزيك يا شوشو .. انا بحب مراتي .. انا بحب مراتي .. انا بحب مراتي .
عاد قصي إلي غرفته، وبمجرد ان اصبح في الداخل وقف يخلع عنه جاكيت البدلة، ليصل إلي مسامعه صوتاً نسائياً بات يبغضه: اتاخرت اوي يا بيبي، والا السنيورة خلتك تنسي وعدك ليا .
ألتفت قصي نحوها وشاهدها وهي علي الفراش في وضع لا يوصف، فوقف بثبات وهي يحل أزرار أكمام القميص قائلاً: اه يا حسناء .. السنيورة خلتني انسي الزبالة اللي هنا في أوضتي، اللي المفروض أجيب دلوقتي الهاوس كيبنج عشان ينظفوا القرف ده .
حدقت به في دهشة وقالت: انت بتقول ايه يا باشا، انت نسيت كلامنا والا ايه .
أجابها وهو يعقد يديه علي صدره: كلام ايه يا قطة .. اوعي يا بت تكوني فاكرة كلامك الخايب وتهديدك الأهبل خوفني .. لا يا شاطرة مش قصي الدالي اللي واحدة زيك تخوفه، أحسنلك لو عايزة تأكلي عيش تفوقي لنفسك وبلاش تلعبي في عداد عمرك .
نهضت حسناء من مكانها وخطت خطوات بطريقة مثيرة في اتجاهها، ثم اقتربت منه ووضعت يدها علي صدره وهي تدور حوله حتي أصبحت خلفه، واحتضنته من الخلف وهي تقول: ليه كده يا قصي .. انت نسيت سونة بالسرعة دي .. قلبك بقا قاسي اوي، معقول مش وحشتك .. معقول مش عايزني تاني .
قبض علي يديها وأبعدهما عنه ثم مشي مبتعداً عنها وهو يقول: البنت اللي تبقي في سرير الواحد من قبل ما يطلب او حتي يفكر، لا يمكن تيجي في باله او يشتهيها، انتي ولا حاجة بالنسبة ليا ولا عمرك كنتي .
فقالت: وطبعا الجربوعة دي هي اللي بقت في بالك دلوقتي ..
التفت قصي وصفعها بقوة علي وجهها قائلاً: اخرسي يا سافلة .. اللي بتشتميها دي أشرف منك ومن عيلتك كلها، بنت محترمة، مش واحد زيك سريرها عامل زي الاتوبيس ناس طالعة ونازلة فيه، اوعي تفتكري اني مش عارف سفالتك وانحطاطك .. انا مش قاعد طرطور في فندقي .. عارف كويس اوي أن أوضتك اتقلبت لبيت دعارة، وانك واحدة واطية .. وحأروح بعيد ليه ازي استاذ شريف اللي مستضفاه عندك .. يارب يكون مبسوط وقايمة معاه بالواجب ...
وقفت مذهولة من حديثه، ليردف قائلا: أمشي حالاً من وشي ويطلع الصبح مش عايز اشوف الأشكال القذرة بتاعتك انتي والزبالة اللي عندك .. تسيبي الفندق وتغوري في داهية، والا شرايطك كلها حأنزلها علي المواقع ونخلي الناس كلها تنبسط معاكي .
ضحكت بصوتاً مرتفع وهي ترتدي ملابسها وقالت له: وماله يا بيبي، نزلها انا بحب اوي ابسط الناس، عامة يا قلبي انا ماشية، للأسف كان نفسي نتفاهم لأن أنا كنت أسهل طريقة وأحلي، لكن اللي جاي مش حيعجبك خالص وحيوجعك اوي اوي، بس أنت اللي جبته لنفسك يا قلبي، يلا باي .
غادرت وتركته في حيرة، ماذا تقصد ؟، خرج وليد من الخزانة وقال: ايه يابا ده، ايه البت الزبالة دي، ربنا يهدينا، الحمد لله بجد ان الواحد اتجوز وبعد عن القرف ده، ربنا يغفر لنا العك اللي كنّا فيه .
نظر له قصي وقال: تفتكر تقصد ايه بأنها أسهل طريقة ؟، وايه اللي جاي !.