رواية شمس في قلبين للكاتبة مروة نصار الفصل التاسع
جلس قصي بمفرده يتناول العشاء، وهو يفكر هل يذهب إلي الملهي قليلاً ؟، أم يصعد مباشرة لغرفته ويحاول النوم مبكراً، ولكنه شعر أنه لا يريد أن يختلط بأحد الأن ويفضل ان يبقي بمفرده، لذا من الأفضل ان يتجه لغرفته، كان علي وشك الانتهاء من طعامه والنهوض، عندما شعر بيد توضع علي كتفه وصوت أنثوي مثير يعرفه جيداً يقول: الملك قاعد لوحده ليه .
ترك شوكة الطعام من يده ومسح فمه بمنديل السفرة، اما حسناء فجلست بجواره ووضعت يدها علي رقبته تحركها كما تشاء، لذا أفلت المنديل من يده وأمسك بيدها وازاحها جانباً بدون حتي النظر إليها وهو يقول: عايزة ايه يا حسناء .
عادت تلك المرة لتتصرف بجرأة أكبر ووضعت يدها علي صدره تتحسسه وهي تمرر أصابعها بدون اي حياء قائلة: حأكون عايزة ايه يا بيبي .. أكيد عايزاك انت .. وحشتني .. بقالك يومين بعيد عني، وخلاص مش قادرة استحمل اكتر من كده .
نظر لها قصي باشمئزار وقال: هو اللي حنقوله حنعيده والا ايه، الزمي حدودك وأعرفي أنتي بتكلمي مين، ومتنسيش نفسك .
نظرت حسناء نحوه ببرود شديد وقالت: بقا كده، طب اسمع بقا يا بيه يا كبير، مش حسناء اللي يتعمل معاها كده، مش انا اللي تأخذني لحم وترميني عظم، اصحي وفوق لنفسك، انا مش واحدة من بتوع ليلة وخلاص، ولو فضلت كده كتير، متزعلش من اللي حيحصل، والفضيحة اللي هأعملهالك .
حدق قصي بها بغضب شديد وقال: فضيحة ايه يا زبالة، انتي ناسية نفسك، ناسية انتي جربتي ورايا ازاي، ناسية مين اللي جالي الأوضة وكنت حتتجنني عشان تفضلي معايا .
نظرت له حسناء بدلال وقالت بصوت ناعم: لا يا بيبي مش ناسية .. فاكره كل حاجة .. بس اوعي تفتكر اني سهلة او مش عاملة حسابي، ركز معايا يا حبيبي كويس عشان متلاقيش بكره خبر بالبونط العريض بيقول قصي الدالي يستدرج الفتيات بأسم الحب والزواج والوهمي، بص الصحافة مش حتغلب اكيد حيعرفوا يحطوا عناوين تشد وتعمل فرقعة .
ضرب قصي المائدة امامه بقبضته بقوة وهو يقول: اه يا واطية .
حسناء ببرود: تؤتؤ تؤتؤ تؤتؤ كده عيب يا بيبي مش أخلاقك، فكر في كلامي كويس وحأسيبك النهارده وبكره ميعادنا بالليل في أوضتنا مع بعض يا قلبي عشان نرجع ليالينا الحلوة .
ثم نهضت من امامه وأرسلت له قبلة في الهواء، وهو يحدق بها ويتمني بأن يسحقها بقبضته وبغضب شديد قال: اه يا زبالة يا واطية، بس انا اللي غلطان اني نزلت نفسي للمستوي الحقير ده .
وصل وليد إلي الحفلة ووجد شاهي تجلس بجوار صديقتها وهي تضحك ومستمتعة بعروض الساحر، اتجه نحوهما وجلس خلف حبيبته ثم اقترب من أذنها وهمس فيها قائلاً: ينفع اتكلم مع القمر شوية !.
تفاجأت شاهي به واستدارت نحوه في خجل ثم قالت: اتفضل .
فأضاف: تؤتؤ مش هنا، ممكن تيجي معايا نتكلم شوية لوحدنا .
نظرت شاهي له ثم التفتت نحو شمس وانتابتها الحيرة ولَم تعرف ماذا تفعل؟، حتي وجدت صديقتها تنهض قائلة: طيب انا حأقوم انام عشان عندي شغل بدري، خليكي أنتي براحتك، وأنا حأسبق علي الأوضة، تصبحوا علي خير .
نهض وليد من مكانه وودع شمس ثم أمسك يد شاهي وقال: تعالي معايا .
غادرت شمس واختارت أن تسلك الطريق الأطول من خلال البحر لتذهب إلي غرفتها، فالوقت مازال مبكراً علي النوم، ظلت تتجول علي الشاطيء حتي وجدت قارب خشبي كبير يرسو علي الشاطيء، فقررت أن تصعد وتجلس به قليلاً، كان الجو رائع، ونسمات الصيف البارده تغازل وجهها وتداعب خصلات شعرها، احساس غريب بالراحة والهدوء النفسي يصاحبها الأن، تشعر انها قوية، ولا يوجد ما قد يكسرها ثانية.
كانت مستمتعة بكل ما حولها، ظلت تتجول علي سطح القارب قليلاً، بالرغم من أنه ذو طراز قديم ولكنه مجهز علي أعلي مستوي، رائحة الخشب تصل إلي انفها وتستمتع بها، السطح به مقاعد كبيرة علي الجانبين، ثم هناك درج لتنزل إلي جوف القارب، يبدو ان به حجرات وكابينة القيادة، لم تحاول النزول، لا يجب أن تتطفل أكثر من هذا، هي فقط تريد الجلوس قليلاً والاستمتاع بالمنظر الجميل والجو الرائع، جلست في أقصي القارب، خلف الدرج، بحيث تكون غير مرئية لمن علي الشاطيء وظلت تشاهد البحر والأمواج المتلاحقة، ثم استلقت علي ظهرها لتستمتع برؤية السماء الزرقاء الصافية المزينة بالنجوم التي تبدو كمصابيح كثيرة مشتعلة، ظلت هكذا حتي غلبها النعاس واستغرقت في النوم .
اصطحب وليد شاهي مرة أخري إلي الكوخ لتجد هناك امامه المدخل مزين بالأزهار .. والورود تفترش الأرض، ومشاعل علي الجانبين من بداية الطريق حتي مدخل الشاليه وفِي التراس يوجد مائدة مزينة وبالورود والشموع، وقفت شاهي مذهولة مما تراه، لم تكن تتوقع أن يفعل كل هذا من أجلها، أما هو فقد أمسك يدها ونظر في عينيها وقال: حأسالك سؤال واحد وعايزاك تجاوبي من غير تفكير .
نظرت له شاهي وشعرت برجفة في جسدها وأماءت برأسها وقالت: حاضر .
رفع وليد باطن يدها إلي فمه وأمطرها بالعديد من القبلات الدافئة ثم قال: بتحبيني وعايزاني والا لا .
زادت الرجفة في جسدها، وانتابتها قشعريرة جعلتها تنتفض، حاولت ان تتكلم ولكنها تلعثمت ولَم يخرج أي شيء من فمها .
نظر لها وليد وذاب بعيناها أكثر ثم قال: طيب أنا حأقولك ... انا بعشقك يا شاهي .. عمري ما حبيت ولا حأحب واحدة غيرك، انتي حبك عامل زي اللعنة اللي مقدرش أتحرر منه، حاولت كتير انساكي ببنات كتير ... صدقيني مكنتش شايف ولا واحدة فيهم .. مفيش واحدة علمت فيا ولا خلتني انساكي لحظة واحدة .. اول ما شفتك تاني، حسّيت كأني كنت لسه سايبك امبارح، قلبي كان بيرقص من الفرح، مسكت نفسي بالعافية اني اخدك في مكانك الطبيعي .. حضني .. انا بحبك يا شاهي .. بحبك ومش حأقدر ابعد عنك تاني، ولا حأقدر استني ولا يوم تاني وأنتي مش جنبي، انا عايزك معايا امبارح قبل دلوقتي، عايز أعوض السنين اللي فاتت من غيرك .. قلتي ايه .
كانت شاهي تستمع لكلماته وهي تبكي وعندما انتهي، نظرت له بعينين دامعتان ووضعت يداها علي صدره ثم بقبضتيها انهالت عليه باللكمات وهي تصرخ فيه قائلة: يا غشاش ... يا كذاب .. أنت ندل ... سبتني ٨ سنين أتعذب .. مفكرتش تكلمني مرة واحدة ولا تشوفني .. مسألتش عليا، انت كذاب، لو كنت بتحبني بجد مكنتش قدرت تعيش كل ده من غيري، مكنتش قعدت كل الفترة دي محاولتش تكلمني، جاي دلوقتي تقولي بحبك، وكنت فين طول ال ٨ سنين دي، وافرض مكنتش جيت كنت حتكمل عادي، انت خاين وكذاب، انت خدعتني، قلتلي بحبك وعمري ما حأبعد عنك ولا اسيبك وسيبتني، قلت مش حأخليكي تبكي في يوم ولا تندمي علي حبك ليا، وجرحتني وعيشت سنين ابكي بسببك، قلت انك مش حتسمح للحزن يقرب مني، وخلتني احزن بسببك وكل يوم يعدي عليا من غيرك كنت بموت فيه، انت كذاب .. كداب .
وقف وليد في صمت يستمع لها، يتركها تفعل ما تشاء، تخرج كل الغضب الذي بداخلها، وعندما خارت قواها وقالت كل ما تريد، احتجزها بين ذراعيه، وهو يستنشق عبير شعرها، وهمس في أذنها قائلاً: أنا كنت بموت في اليوم ألف مرة من غيرك،قلبي نسي ازاي يدق تاني، حياتي كانت مجرد وقت وبيعدي، انا كنت بتعذب في بعدك، صدقيني لو كنت أقدر ارجعلك كنت حأرجع من غير تفكير، بس كل حاجة كانت صعبة، سامحيني .. سامحيني علي اي دمعة نزلت .. وأي وجع حسيتيه، سامحيني وخلّينا نبدأ من جديد .
تشبثت به ودفنت وجهها في صدره، وضمته اكثر لها ثم قالت: انا بحبك يا وليد .. عمري ما حبيت حد غيرك، ولا حأحب .
غادر قصي المطعم ثائراً،يريد ان يحطم أي شيء أمامه، حاول ان يستعيد هدوئه ولكنه لم يستطع، لذا فضل الابتعاد عن الجميع، انطلق نحو الشاطئ وهو يتملكه الغضب يفكر أن يذهب للفتك بتلك الفتاة، ولكن لا يجب أن يدمر حياته من أجل فتاة رخيصة، يجب أن يجد الطريقة المثلي للتخلص من تلك الحسناء، لذا قرر أن يأخذ القارب في رحلة إلي الجزيرة، ليهدأ قليلاً ويستطيع التفكير بشكل صحيح .
صعد إلي القارب ونزل إلي جوفه ليتأكد من أنه مجهز بكل ما يحتاجه، ثم دخل الكابينة وادار المحرك وبدأ رحلته نحو أقرب جزيرة (تيران ) ليرسو هناك، ويتمتع بعزلته حتي يصل إلي الحل المناسب، أضاء قصي الكشافات وزاد من سرعته، وهو لا يعلم أنه ليس بمفرده، وان هناك ضيف لم يكن في الحسبان .
استيقظت شمس من غفوتها في فزع ورعب شديد من صوت المحرك، ولوهلة لم تدرك ما يحدث حولها وأين هي ؟، ثم تذكرت أنها صعدت القارب ويبدو أنها غفت، تصلبت في مكانها لا تعلم ماذا تفعل ؟، لقد تحرك القارب، والشاطئ يبتعد أكثر فأكثر وهي لا تجيد السباحة، ولن تستطيع القفز في المياه في هذا الظلام، وأيضا لا تعلم من يقود القارب، وماذا قد يفعل بها ؟، انتابتها العديد من الهواجس التي جعلت الفزع يتملكها أكثر، حاولت ان تسيطر علي أعصابها وتفكر جيداً، أقنعت نفسها ان من يقود المركب بالتأكيد لم يراها، وتلك هي فرصتها، أن تختبئ في اي مكان حتي يرسو علي الشاطئ وتحاول التسلل دون أن يراها صاحب القارب، نهضت سريعاً وحاولت البحث عن مكان جيد للأختباء ولكنه كان من المستحيل ذلك، فسطح القارب كله مكشوف لا يوجد به مكان تستطيع ان تحتمي فيه، لذا اعتمدت علي الظلام وجلست في مؤخرة القارب في انتظار ان يرسو حتي تهرب منه سريعاً .
مرت نصف ساعة وعندما شاهد قصي الجزيرة امامه دار حولها بالقارب، ثم وقف في بقعة خاصة به، يفضلها دائما، وأطفأ المحرك، ثم انزل المرساة، وقرر أن يقضي بعض الوقت في هذا المكان، كانت شمس تنتظر تلك اللحظة، لحظة وقوف القارب، اقتربت من السلم لتهبط ولكنها اكتشفت أنها ما زالت في عرض البحر، وأن القارب لم يرسو علي الشاطئ، بل علي مرآي منه ولكن يبتعد عنه قليلاً، ارتعدت من الخوف وبحثت في حقيبتها عن هاتفها وعندما حاولت الاتصال، لم تجد تغطية جيدة للشبكة، فأعادته مرة اخري وبدأت تبحث عن خطة بديلة، وعندما سمعت صوت قادم من أسفل، عرفت ان أيا كان الشخص فهو سيصعد عما قريب ويكتشف امرها، لذا لم تستطع أن تمنع نفسها من البحث عن اي شيء قد تحتاج أن تدافع به عن نفسها، فهي لا تعلم من أي الكائنات هو .
ظلت تبحث حتي وجدت خزانة في مقعد القارب، فأسرعت بفتحها وظلت تنبش داخلها في الظلام حتي ارتطمت يدها بشيء معدني طويل، لا تعرف ماهيته ولكنه سيفي بالغرض، أمسكته بحزم بين قبضتيها الأثنتان ووقفت مستعدة للمواجهة، متسلحة بمبدأ ( الهجوم أفضل وسيلة للدفاع ) وظلت عيناها متعلقتان بالدرج، منتظرة صعود من بالأسفل لتبدأ المواجهة .