رواية شد عصب للكاتبة سعاد محمد سلامة الفصل التاسع
بالقاهره
نظرت دولت ل هاشم قائله: سلوان قالتلك أيه؟
رد هاشم: خلاص سلوان حجزت تذكرة القطر وراجعه بعد بكره.
إستهزأت دولت قائله: لسه هترجع بعد بكره، وليه مقولتش لها ترجع طيران أسهل واسرع من القطر يمكن بتتحجج او بتكذب عليك.
رد هاشم: لاء سلوان مش بتكدب طالما قالت راجعه تبقى راجعه.
إستهزأت دولت قائله: ومالك واثق من كلامها كده ليه، معرفشى ليه عندي شك إنها بتماطل عشان تفضل هناك وقلبك يحن ليها وترجع تشغل الفيزا بتاعتها، لو كانت صادقه كانت حجزت في اول طياره ورجعت للقاهره تانى في ساعة زمن.
شعر هاشم بضيق قائلا بتعسف: لاء متاكد سلوان مش بتماطل، وكمان الباسبور مش معاها.
تهكمت دولت قائله: وفيها أيه يعنى لو الباسبور مش معاها دى حجه فارغه، ناسي الأقصر للقاهره يعتبر طيران داخلى في البلد يعنى ممكن بالبطاقه الشخصيه بتاعتها، كل اللى محتاجاه هو تذكرة السفر.
رد هاشم بضيق: سلوان عندها فوبيا الاماكن العاليه ومش بتحب سفر الطيران قبل كده قالتلى إنها كانت بتفضل خايفه وهي في الطياره لحد ما بتنزل للمطار، وكذا مره كانت بتسافر عن طريق البحر الاحمر.
تهكمت دولت قائله: آه وماله بس مقولتليش قالتلك أيه بعد ما قولت لها عن طلب إيهاب لايدها.
رد هاشم: مقولتش ليها مستنى لما ترجع، تحقيقك كده خلص عن إذنك مصدع وكمان معزمين عالعشا عند أختى خلينا نجهز عشان الوقت منتأخرش عليهم.
ترك هاشم دولت وتوجه الى غرفة النوم زفرت دولت نفسها بضحر وضيق قائله: أكيد طبعا الكونتيسه رفضت، أنا سمعاك بنفسي وإنت بتقول ليها، بس طبعا متقدرش تضغط عليها، بس نافش نفسك عليا، كآنك إتجوزتني غصب، بس هي ترجع لهنا وأنا هعرف إزاي أخليها توافق على جوازها من إيهاب حتى لو كان غصب عنها زيك.
بمنزل صلاح
أثناء تناول العشاء.
نظر صلاح ناحية حفصه مبتسما يقول: كلها فتره صغيره وحفصه تتجوز ومش هنلاقى حد يقعد معانا عالسفره يا يسريه.
شعرت حفصه بحياء لكن قالت: معتقدش يا بابا مش يمكن قبل ما أنا أتجوز يكون جاويد إتجوز ومراته تقعد مكاني.
تنهد صلاح بتمني قائلا: ياريت، ربنا يسمع منك.
إبتسمت حفصه وهي تنظر ناحية يسريه قائله: الموضوع ده في إيد ماما تقنع جاويد يتجوز مسك بنت عمتي قبل ما واحده تانيه تلوف عليه.
نظرت يسريه ل حفصه بإستغراب قائله: .
جصدك أيه بواحده تلوف عليه؟
ردت حفصه: بصراحه يا ماما مسك شافت جاويد قدام البوتيك اللى كنت أنا وهي بنشترى منه الفساتين، كان واقف بالعربيه وفي واحده ركبت جنبه في العربيه، بس مشافتش وشها شافتها من ضهرها.
تحير عقل يسريه وقالت: مش يمكن مسك غلطت في عربية جاويد، المكان ده زحمه أساسا.
ردت حفصه بتأكيد: لاء، أنا متأكده أنا كمان شوفت جاويد قاعد وجنبه بنت في العربيه يعنى انا ومسك هنغلط نفس الغلطه.
للحظه سأم قلب يسريه وشعرت بتوجس وتذكرت حديث غوايش لها الشتيتين إتجمعوا.
لكن تنهدت بإيمان قوي.
بالفندق
بغرفة حلاوتهم.
لهوها وإندامجها بالرقص لم يجعلها تنتبه لشرود صالح الذي مازال طيف تلك الشبيهه بصورة الماضي بعقله، يسترجع ذكرى فتاه سلبت عقله من أول مره رأها ذات يوم صدفه لينغلق قلبه خلفها، رغم أنه تزوج أكثر من مره ورافق نساء كثيرات لكن لم تستطيع إحداهن محو مسك مؤنس القدوسى من قلبه ولا عقله، زفر نفسه بغضب وهو يتردد صوت رفضها له بوجهه قائله: لو مبجاش غير الموت هو اللى هيريحني منك أنا هموت نفسي ودلوك، عندي اموت كافره ولا أبجى من نصيبك.
وقد كان الموت من نصيبها بعد ثلاثة عشر عام قضتها مع رجل آخر فضلته عليه، ورحلت معه بعيدا غير باقيه على شئ، إختارت البقاء مع آخر، وتركت قلبه حطام خلفها، عاش بلا قلب أصبحت النساء بالنسبه له لسن سوا متعه وهو ينهش جسدهن بنظرات عينيه حتى إن لم يلمس هن، مر وقت أكثر يقترب من الثلاثون عام، ومازالت صورتها محفوره، لكن من تلك التي تشبهها هو تعقبها الى أن دخلت الى إحدي غرف الفندق.
خرج من ذالك الشرود حين جلست تلك الراقصه لجواره على الاريكه تلهث قائله: أما أشوف الساعه في الموبايل، عشان أنزل للفقره اللى هقدمها في المهرجان.
نظر لها صالح قائلا: .
ها عتجولي أيه؟
تعحبت الراقصه قائله: بجول ايه، إنت كنت شارد ولا أيه، لاء أزعل منيك يا شيخ الشباب.
نفض صالح عن رأسه ونظر لها بوقاحه قائلا: لاه مش شارد، بس سحرني رقصك.
إبتسمت له بدلال سافر قائله: هصدق ان مكنتش شارد في حاجه غيرى، وعالعموم ياشيخ الشباب عندى فقره الساعه عشره والساعه تسعه ولازم أنزل دلوقتي عشان أسخن قبل الفقره، بقولك أيه مش هينفع نتقابل تانى الليله هنا في الاوتيل ممكن الأمن يطلع يسأل سبب وجوده هنا في الأوضه ويطلع عليا سمعه وأنا فنانه وليا صيت ومحبش يطلع عليا إشعات مغرضه، إنى جايه الأقصر مش عشان فني.
زفر صالح نفسه ونهض واقف يقول: نتجابل في الشقه اللى إهنه بعد ماتخلصي الفقره بتاعتك، سبق وإتجابلنا فيها، هنتظرك نكمل الليل سوا.
ضحكت الراقصه بخلاعه ولكن تعجبت من نهوضه ومغادرته للغرفه سريعا، لكن لم تبالى هي تعلم ستحصل منه على ما تريد نهاية الليله.
بينما خرج صالح من الغرفه وسار بالرواق إقترب من تلك الغرفه التي دخلت لها شبيهة الماضى وقف أمامها للحظات كاد شيطانه أن يدفعه يطرق عليها باب الغرفه، بالفعل رفع إحدى يديه لكن توقفت قبل أن تصل الى جرس الإنذار الخاص بالغرفه، كور يديه بقوة جبروت حتى كاد عصب يده أن يسيل من بين المفاصل، لكن عاد يتحكم الشيطان به وكاد يطرق الباب لولا أن رأى إقتراب أحد النزلاء ونظر لوقوفه هكذا أمام الغرفه، شعر بالإحراج وغادر بخطوات سريعه.
ليلا
بغرفة جاويد.
خلع القميص من فوق جذعه وألقاه على جانب الفراش ثم تسطح عليه يتثائب، عدل إحدى الوسائد أسفل رأسه يشعر بشعور جميل، أغمض عينيه للحظات سكنت فيها خياله تلك الأميره الرقيقه الآتيه من بين خرافات العرافه، ملامح وجهها، عينيها، شفاها، كل نظره ينظرها لها كأنها تعويذة سحر تترك بعدها طلسم على قلبه يصعب إزالته، يتنحى عقله عن الأستوعاب، لو حكى له أحدا عن ما يحدث معه لقال له أنت ساذج ليس لديك عقل ما تقوله ليس سوى خرافه، ضحك وتذكر بقية حديثهم قبل قليل وهم يسيرون بأروقة الأقصر.
[فلاش باك]
بعد أن قصت له أن والداتها من الأقصر.
إدعى التعجب قائلا بكهن: يعنى إنت مامتك من إهنه من الأقصر نصك صعيدي يعنى.
ردت سلوان بضحكة سخريه مؤلمه تؤكد: أيوا، مامتي من إهنه من الأقصر نصي صعيدي، بس عمري ما جيت هنا غير مره واحده يوم دفن ماما، وبعدها محدش منهم سأل عني، رغم إن ماما في يوم قالتلى وحكتلى عن جزء من هنا حتى إنها إتقابلت مع بابا هنا، كمان قد أيه باباها كان طيب وبيدلعها ومتأكده في يوم هيرضى عنها، وإن اليوم ده لو مجاش وهي عايشه أبقى أنا أفكره بيها، وأنا من الاساس كنت جايه عشان أشوفه وأسأله ليه محققش أملها وهي عايشه، رغم إني كنت بشوفها أوقات بتبكي وهي بتكتب له جوابات، عندي إحساس كبير أنه مقراش الجوابات دي، لو كان قراها كان حس بعذاب ماما، أنا كنت طفله صغيره وقتها مش فاهمه ليه هي بتبكي وهي بتكتب الجوابات دى، بس لما كبرت عرفت إنها كانت بتشتاق له وهو قاسي، حتى يوم دفنها هنا مبصش ليا كآنه كان بيدفنها عشان. عشان.
مش عارفه أفسر عشان أيه بس اللى حسيته أنه زى ما يكون كان بيتخلص من شئ مالوش أهميه عنده، عكس ماما اللى كانت تحكيه عليه وعلى طيبته وحنيته معاها، بس ده قبل طبعا ما تختار بابا وتطلع عن طوعه، ده اللى فهمته مع الوقت لما كبرت، أنا مش جايه أسأله ليه عنى، أو أفتح الماضي ولا أعاتبه، أنا جايه عشان أزور قبر ماما وبس وأقول لها آنى منستاهاش زى البقيه، لو أعرف طريق قبرها كنت روحت لوحدي، ومقدرش أسأل أى من أهل البلد مفيش غير الحج مؤنس أو إبنه هما اللى يدلوني على قبر ماما.
سالت دموع سلوان التي تغص بقوه بقلب جاويد لكن لا يملك سوا كلمة مواساه، من بعدها غير دفة الحديث حتى لا يرى تلك الدموع قائلا: أيه رأيك قبل ما ترجعي للقاهره أنا بقول تودعي الأقصر من فوق.
فى البدايه للحظه نظرت سلوان بعدم فهم ثم فهمت قائله: قصدك المنتطاد، لاء كفايه مره.
ضحك جاويد قائلا: عشان جبانه وبتخافي، بس أعتقد المفروض تزيل الرهبه بعد ما طلعنا رحلة المنتطاد، خوفك مالوش لازمه، ولا معندكيش ثقه فيا.
إبتسمت سلوان قائله: تعرف إنك الشخص الوحيد اللى وثقت فيه بعد بابا، وده يعتبر شئ غريب لأنى صعب أثق في أى شخص بسهوله، يا جلال، يمكن لآنى قابلت قبل كده أشخاص كنت صحيح مبقاش واثقه فيهم بس برضوا مش هقولك كنت بتصدم في حقيقتهم المخادعه اللى بيحاولوا يجملوها، لآن عندى يقين إن الطبع غلاب ومهما حاولوا يخفوا حقيقتهم هتظهر مع الوقت.
إبتسم جاويد قائلا بإطراء: يمكن جمالك السبب في عدم ثقتك بهم.
تهكمت سلوان بضحكه ساخره: جمالي، يمكن رقم إتنين في عدم ثقتى بالأشخاص.
إبتسم جاويد متسائلا: وأيه السبب الأول؟
ردت سلوان بآسى: أنهم عارفين إنى وحيده وسهل يستغلوا ويسهل خداعهم ليا، وكمان مش بيقولوا على إن الجميلات بيبقى عندهم العقل ناقص شويه.
ضحك جاويد قائلا: أعتبر ردك ده غرور، إنك جميله.
شعرت سلوان بالخجل للحظات وأخفضت وجهها لكن عادت ورفعته تنظر ل جاويد بسؤال: إنت شايف إنى مغروره يا جلال.
تأمل جاويد ملامحها مبتسم على إحمرار وجنتيها الظاهر والذي أعطاها وهج يشع جمالا قائلا: حتى لو مغروره جدا يا سلوان جمالك يغفرلك.
شعرت سلوان بحياء وحادت بعينيها ورفعت وجهها الى السماء قائله بتتويه: النجوم في السما بتتحرك، لما كنت صغيره ماما كانت تقولي النجوم بتمشي ومعاها أمنيات العشاق.
أغمض جاويد عينيه ثم فتحهما ونظر ل سلوان قائلا: وأنا إتمنيت أمنيه.
إبتسمت سلوان قائله: دي تخاريف أكيد، بس بنحبها وبنصدقها رغم إننا متأكدين إن كل شئ قدر ومكتوب كان مين يصدق
بابا شركة التليفونات اللى كان بيشتغل فيها زمان تبعته هنا الاقصر عشان زرع عمدان إشاره تعزز وتقوي إشارة التليفونات ويقابل ماما صدفه ويقع في غرامها وهي كمان نفس الشئ وتتخلى عن عادات وتقاليد هنا وترحل معاه عشان سبب واحد.
صمتت سلوان لكن كانت تبتسم، تحير جاويد متسألا بفضول: وأيه السبب الواحد ده؟
تنهدت سلوان ببسمه ولمعة عين لكن ليست لمعة دموع بل لمعة ذالك الضوء الذي تسلط على عينيها من إحدى عمدان الإناره بالطريق قائله بإختصار: العشق.
توقف جاويد عن السير للدقيقه وتمم على كلمتها كأنه يسأل: العشق؟!
إبتسمت سلوان وتوقفت عن السير هي الأخرى تؤكد قولها: أيوه العشق اللى بيلغى كل الحسابات والعادات بيمقتها أو بمعنى أصح بيوئدها، هنا بدأت قصص عشق خياليه كتير قبل كده، وكمان قصة بابا وماما كانت خياليه في البدايه بس إتحققت مع الوقت.
نظر جاويد لتلك اللمعه بعين سلوان وهي تتحدث عن والدايها ود أن يقول لها أنه لم يكن يؤمن سابقا بشئ غير الحسابات العقلانيه لكن تلك الحسابات إختفت منذ أن سمع إسمها من تلك العرافه بالمعبد
إنتهت حسابات العقل وطغت حسابات أخرى ترسم علامات قويه بالقلب مثل تلك العلامات المحفوره فوق تلك الاعمده والتي لم تختفى منذ آلاف السنوات.
إبتسمت سلوان بحياء من نظرة عين جاويد لها وتهربت قائله: معايا نمرة الحج مؤنس وبصراحه كده خايفه أتصل عليه هقوله أنا مين.
رد جاويد: رأيي تتصلي عليه ومش شرط تقولى له إنت مين ممكن تقولى له محتاجه له في أمر خاص هتقولى له عليه لما تتقابلوا.
إبتسمت سلوان قاىله: فعلا هو ده الحل الوحيد.
فتحت سلوان هاتفها وقامت بالإتصال على رقم هاتف مؤنس، لكن أعطى لها الرد أن الهاتف مغلق أو غير متاح، عاودت الإتصال لمرتين ثم نظرت ل جاويد قائله: بيقول مغلق او غير متاح، يمكن في مكان مفيش فيه شبكه، عالعموم مبقاش قدامي وقت هتصل عليه الصبح وأشوف إذا كان رجع من سفره، أو حتى بفكر أروح تانى لبيته ولو ملقتوش أسأل الست اللى قابلتنى او بنتها عن قبر ماما، بس وقتها هيسألوني أنا مين وبسأل ليه؟
زفرت سلوان نفسها تشعر بحيره.
لكن جاوب جاويد: بلاش تفكري كتير والصبح إتصلى عالحج مؤنس يمكن يكون رجع ووقتها يبقى الحل سهل.
إبتسمت سلوان قائله: فعلا هنتظر لبكره الصبح واتصل عليه، دلوقتي خلاص الوقت
قربنا عالساعه تمانيه ونص لازم أرجع للأوتيل عشان حاسه بشوية إرهاق.
إبتسم جاويد قائلا: تمام والصبح هتلاقينى منتظرك قدام الاوتيل عشان أوصلك.
إبتسمت سلوان قائله: إن شاء الله، تصبح على خير.
[عوده].
عاد جاويد متنهدا يشعر بإنشراح في صدره أغمض عيناه وذهب الى ثبات في لحظات...
لكن أثناء نومه رأى نور يأتى من قريب
ويخرج منه طيف طفل بعمر الثانيه عشر، إبتسم جاويد وقال بهمس: جلال.
رد الطيف متسائلا: ليه أخدت أسمي وقولت لها إن إسمك جلال مش جاويد.
شعر جاويد بندم قائلا: معرفشي السبب فجأه لسانى نطق إسمك، رغم السنين اللى فاتت بس لسه إسمك وشكلك معلق في دماغي، يا جلال مش قادر أنساك.
إبتسم جلال له قائلا: إنسى يا جاويد وعيش حياتك أنا مجرد طيف عايش بس في خيالك، عيش يا جاويد وإنسى الماضي.
فجأه مثلما ظهر الطيف إختفى وإنطفئت هالة النور، نظر جاويد حوله لكن سادت عتمه مظلمه.
نهض جاويد فجأه من نومه وشعر بتعرق كذالك عطش ليس شديد، أشعل ضوء خافت بالغرفه ثم مد يده وأخذ دورق المياه وسكب منه مياه بكأس صغير وأحتساها برويه، ثم تذكر الحلم شعر بوخزات قويه وضع يده على قلبه كآنه مازال يشعر بأن جلال يرافق قلبه، لكن تسأل لماذا آتى له جلال الآن بالحلم هذه أول مره يحلم به بعد مضي عشرون عاما.
بغرفة صلاح.
كانت تسير برواق أحد المشافى بداخل قلبها أمل أن تكون تلك الخبريه أكذوبه وأن فتاها الأول مازال حيا، كل خطوه كانت تتلهف لتتيقن من ذالك الأمل الواهي، الى ان دخلت الى إحدى غرف المشفى، وجدت صلاح يقف جوار فراش يبكي، عيناها نظرت نحو الفراش الفراش عليه دماء كثيره كذالك من يرقد عليه كان الغطاء يدثره من إخمص قدمه الى رأسه، تلهفت سريعا نحو الفراش وجذب غطاء الفراش من فوق رأسه بأمل أن يخطئ الخبر لكن كل خبر يخطئ ما عدا خبر الموت، شعرت بفاجعه أول فتيانها ممدد أمامها وجهه به بعض الخدوش النازفه وجسده مدمى، لم تستطع الوقوف مالت بجذعها عليه تحتضن جسده تقول بإستجداء ولوعه: جلال إصحى يا حبيبي خلاص مش هزعجلك تاني عشان روحت تلعب في الترعه من ورايا، جوم إمعاي.
بكى صلاح وإقترب منها وإنحنى يجذبها كى تترك جثمان جلال قائلا بمواساه: وحدي الله يا يسريه جلال طفل من الآبرار هيشفع لينا.
لكن فجأه شعرت يسريه كأن يدي جلال تختضنها، تركت جسده على الفراش ونظرت ل صلاح بفرحه تمسح دموع عينيها بيديها قائله: جلال عايش يا صلاح إيده حضنتني.
نظر لها صلاح باكيا يقول: بلاش اللى بتقوليه ده يا يسريه، أطلبي له الرحمه.
نظرت يسريه الى جلال الراقد بالفراش فاقت من هزيانها وقالت بلوعه: جلبي حاسس بولدي هو لساه حي، بس...
توقفت عن الحديث قليلا ثم نظرت الى صلاح بتسأول وفزع: بس فين جاويد، أوعى تقولى هو كمان...
صمت لسانها تشعر بلوعه، لكن قال صلاح: جاويد حالته إتحسنت والدكتور قال الخطر زال عنه.
تنهدت يسريه بهدوء قليلا ثم نظرت الى جثمان جلال بآسى ولوعه تذكرت يوم قريب حين كانت تحسد أن لديها ثلاث فتيه إقتربوا من الصبا ها هي بالمشفى تنظر لجثمان أحدهم والآخر بالكاد نجى والثالث بالخارج يبكي ضعفه، رغم ذالك الآلم المضني عليها الآن التماسك حتى تنجو بالآخرين.
علي صوت همس يسريه بإسم جلال إستيقظ صلاح وأشعل ضوء الغرفه ونظر لوجه يسريه الذي يغرق وجنتيها الدموع، شعر بلوعه وآسى ووضع يده على كتفها يهزه قائلا: يسريه إصحى إنت بتحلمي بكابوس.
إستجابت يسريه وفتحت عينيها للحظه تمنت أن تكون فعلا بكابوس وإنتهى، لكن رأت دموع بعين صلاح الذي قال لها: من زمان محلمتيش ب جلال أكيد في حاجه فكرتك بيه.
نهضت يسريه قائله: ومن ميتى كنت نسيت جلال يا صلاح، ياريتنى كنت أقدر أنسى، كان جلبي إرتاح من الخوف اللى معشش چواه.
إقترب صلاح من يسريه وإحتضنها قائلا: ياريت كان النسيان بيدنا، الخوف إحساس صعب يا يسريه إنسيه وبلاش تفكري فيه كتير، كل شئ قدر ومكتوب وهنعيشه بحلوه ومره، بلاش تخلي تخاريف جديمه تسيطر عليك، ربنا قال
كذب المنجمون ولو صدقوا.
تنهدت يسريه قائله: أنا خابره زين إن كل شئ قدر ومكتوب وعندي إيمان كبير بالله، بس يمكن لحظة ضعف ميني، أنا أم وقلبى إنكوى على واحد من ولادي، بدعي من ربنا معيشيش الإحساس ده تاني، أنا هجوم اتحدت ويا جاويد وأسأله مين البنت اللى كانت راكبه چاره بالعربيه، وكمان هجول له إنى خلاص مش هستنى وهطلب يد مسك بنت عمته، هي أكتر واحده مناسبه ليه وكمان أولى بيه.
أمسك صلاح يدها قبل ان تنهض من على الفراش قائلا: يسريه إنت أكتر واحده عارفه جاويد كويس لو حاولتى تفرضي عليه يتجوز من مسك هيعند أكتر بلاش نضغط عليه.
ادارت يسريه قول صلاح برأسها ثم قالت: تمام حديتك صح، بس عيندي فكره، أيه رأيك نحطه تحت الامر الواقع أنت تتحدت مع عمي الحچ مؤنس وتطلب يد مسك منيه وكمان نكتب كتابهم مع حفصه وأمجد بعد أربع ليالى.
هز صلاح رأسه بعدم قبول قائلا: بلاها الفكره دى يا يسريه جاويد هيعند وجتها ومش بعيد يكسفنا جدامهم، خلى إتوكالك على الله وربنا هو اللى هيرشد جاويد ناحية الصالح له.
رددت يسريه قول صلاح بتآمين: .
يارب إرشده للصالح وبعد عنيه كل سوء.
بشقه بالأقصر
بعد منتصف الليل.
بعد وصله من الرقص، جلست تلك الراقصه جوار صالح أرضا وجذبت من يده خرطوم تلك الآرجيله تسحب نفسا عميقا ثم نفثت الدخان من بين شفتيها فوق وجنة صالح بإغراء قائله: شيخ الشباب مش مركز معايا الليله يا ترى أيه اللى شاغل بالك عنى يا حبيبي، أوعى تكون عينك شافت أحلى من حلاوتهم أزعل منك هتلاقى في شقاوتى ودلعى فين.
قالت هذا ووجهت خرطوم الارجيله نحو فمه، إلتقمه منها وسحب نفس وقام بنفثه قويا بإمتزاج قائلا بغمز ولمس لأحد مفاتنها بوقاحه: لاء مفيش لا في دلعك ولا شقاوتك، بس بطلتى هز ليه.
هزت حلاوتهم صدرها بحركة إغراء قائله: بطلت هز لما حسيت إنك شارد الليله ومش في الفورمه.
نفث صالح الدخان ونظر لها قائلا: مش شارد ولا حاچه بس في حاچه إكده في راسى وبحاول أرتبها، بس خلاص مش هشرد تاني جومى إرجصي بدلال وشجاوه.
ردت حلاوتهم بدلع: لاء مش هقوم ارقص غير لما تقولي الحاجه اللى شغلاك عني، ولا سيبنى أخمن أنا، أكيد ناويت ترشح نفسك لمجلس الشعب.
نظر لها صالح بإستغراب قائلا: أترشح لمچلس الشعب، لاه...
قاطعته الراقصه: وليه لاه، خلاص إنتخابات المجلس قربت وإنت لك سطوه هنا في الأقصر وسهل تكسب الإنتخابات من اول جوله، ووقتها بقى هتفضل في القاهره وقت أكبر وتبقى قريب مني هناك، كمان المجلس له حصانه محدش يقدر يتغافل عنها، يا شيخ الشباب، فكر إنت وإنوي النيه واللى بعدها سهل يا حضرة النايب صالح الأشرف، والنبي لايقه عليك، عضوية المجلس، وأهو تبقى قريب مني في القاهره بدل كل فتره والتانيه أجيلك هنا يا شيخ الشباب.
عقل صالح طلب الراقصه منه الترشح للإنتخابات البرلمانية، هي فرصه قويه له يزداد بها قوه، كذالك هنالك سبب آخر مكوثه بالقاهره لفترات طويله وقتها سهل عليه العثور على شبيهة الماضى الذي سأل عنها عامل الإستقبال بطريقه غير مباشره علم إسمها فقط سلوان هاشم خليل
بالتأكيد ليس هذا تشابه أسماء، لكن السؤال الذي مازال يحير عقله ماذا تفعل هنا شبيهة الماضي.
نفض عن رأسه التفكير حين نهضت الراقصه وجذبته معها للرقص بخلاعه وهو ينهش بنظره مفاتنها يراها بصورة آخرى يود تتمايل بين يديه مثل تلك الراقصه.
بنور يوم جديد
صباح
دخلت يسريه الى غرفة جاويد بعد أن طرقت الباب وسمح لها، إبتسمت حين راته يعدل هندامه قائله: صباح الخير.
رد جاويد: صباح النور يا ماما.
إبتسمت له وجلست على إحدى المقاعد إستدار لها جاويد متسألا: خير يا ماما.
ردت يسريه: خير يا جاويد كنت عاوزه أتحدت وياك في موضوع إكده.
شعر جاويد وخمن ذالك الموضوع قائلا بفضول: خير يا ماما أيه هو الموضوع ده؟
ردت يسريه: إنت عارف إن بعد أربع أيام هنكتب كتاب حفصه وأمجد كنت بجول...
صمتت يسريه حين صدح رنين هاتف جاويد، الذي توجه الى مكانه ونظر الى شاشة الهاتف وإبتسم.
لاحظت ذالك يسريه، بينما أغلق جاويد الإتصال ونظر الى يسريه قائلا: عارف يا ماما بكتب الكتاب، ومتخافيش عامل حسابي هفضي نفسي يومها عشان لازم أكون حاضر، مش أخو العروسه.
إبتسمت يسريه وكادت تتحدث لكن صدح رنين الهاتف مره أخري، تضايقت قائله: مين اللى مش مبطل إتصال عليك من بدري إكده.
أغلق جاويد الهاتف قائلا: ده من الشغل، عالعموم نتكلم في حكاية كتب كتاب حفصه وامجد دى المسا لما أرجع دلوك لازمن أخرج عيندي ميعاد مهم، سلام عليكم.
نهضت يسريه سريعا قائله: يعنى مش هتفطر معانا برضك كيف الايام اللى فاتت.
إبتسم جاويد قائلا: لاء يا ماما عيندي ميعاد مهم ولازمن ألحقه.
غادر جاويد سريعا، بينما زفرت يسريه نفسها بقوه لديها يقين أن هذا ليس ميعاد عمل كما قال جاويد لهفته في الذهاب سريعا تؤكد حدثها.
بمنزل مؤنس القدوسى
بغرفة صفيه همست مسك لها قائله: موبايل جدي أهو فصلته من عشيه زى ما جولتى لى من وجت ما رچع إمبارح للدار، بس أكيد ممكن البت دى ترجع لإهنه تاني من غير ما تتصل وتاخد منيه ميعاد.
ردت صفيه: ممكن وده اللى خايفه منيه، البت دى شكلها إكدن خبيثه ومفكره إننا معرفناش هي مين، حتى هي مجالتش هي مين، عاوزه تفاچئ الحج مؤنس وتشوف رد فعله هيبجي أيه، أنا خايفه جلبه يحن ليها، كيف ما كان بيحن على أمها ويدلعها.
ردت مسك: طب والعمل أيه دلوك، ممكن نلاقيها طابه علينا زى القدر، البت دى معرفشي ليه حاسه من ناحيتها ببغض.
ردت صفيه: ومين سمعك، بجولك كلها هبابه وچدك وأبوك هيخرجوا من الدار وإن جت تانى النهارده أنا هحاول اوصل ليها إنها غير مرحب بيها، يمكن تحس على دمها وترحل ونرتاح منيها، بس الطماع مش بيمل، لو وصل الامر هطمعها بقرشين تاخدهم وتبعد عنينا لأن الحج مؤنس مستحيل يعترف بوجودها.
وافقت مسك والداتها وإبتسمت ورحبت بفكرتها قائله: ده أحسن قرار، يمكن بعدها تخفى من هنا وتعرف ان ملهاش مكانه ولا حق إهنه تدور عليهم.
بعد قليل
بالمطعم الخاص بالفندق
جلس جاويد بالمقعد المقابل ل سلوان خلف يفصل بينهم تلك الطاوله...
تحدثت سلوان وهي تضع الهاتف على الطاوله قائله بضيق وضجر: برضوا بتصل على الحج مؤنس مش بيرد عليا ونفس الرساله، يا مغلق يا خارج نطاق الخدمه، مش عارفه أعمل أيه.
للحظه فكر جاويد ونهض واقفا يقول حاولي تتصلي عليه مره تانيه وإن مردش مفيش غير إنك تروحي له داره مره تانيه.
نظرت سلوان له بتعجب قائله بإستهجان: سبق وقولت لك طريقة إستقبالهم ليا إمبارح، وممكن لو روحت النهارده ملاقيش الحج مؤنس وكمان ممكن لو شافوني تانى يطردوني بسهوله جدا.
تنهد جاويد قائلا: عندك حل تاني، عالعموم ثواني هعمل مكالمه وأرجعلك بسرعه تكونى قررتي.
زفرت سلوان نفسها بغضب، بينما إبتسم جاويد على إحمرار وجنتيها.
بعد مسافه قليله وفتح هاتفه وطلب أحد الأرقام، سرعان ما رد عليه قائلا بإنشراح: صباح الخير يا جاويد.
رد جاويد: صباح النور يا جوز عمتي، معليشي بتصل عليك كنت محتاج الحج مؤنس في موضوع وكنت بتصل عليه مش بيرد عليا بيقولى خارج نطاق الخدمه أو مغلق.
إستعجب محمود قائلا: يمكن موبايله فاصل شحن، خير كنت محتاج له في أيه؟
رد جاويد: هو لسه في الدار ولا خرج.
رد محمود: لأه هنا في الدار حتى مش هيخرج النهارده إمبارح كنا في أسوان وهو رچع حاسس بشوية إرهاق من السفر والرجوع بنفس اليوم وهيفضل في الدار.
إبتسم جاويد قائلا: طيب ممكن تجول له ينتظرني ويفتح موبايله عشان كنت محتاجه في حاجه إكده، ساعه ونص بالكتير هكون في الدار عينديه.
رد محمود: تمام هخبره.
رد جاويد: تمام متشكر.
أغلق محمود الهاتف يشعر بحيره من طلب جاويد مقابلة والده، وظل واقف قليلا، لاحظت صفيه وقوفه إقتربت منه قائله: واجف مكانك إكده ليه بتكلم نفسك كنت مين عالموبايل.
نظر لها قائلا: ده جاويد بيجولي إنه بيتصل على أبوى موبايله خارج الخدمه.
إرتبكت صفيه قائله بتبرير: وفيها أيهةالحج مؤنس اوجات كتيره بينسى يشحن موبايله، بس جاويد كان عاوزه ليه؟
رد محمود: معرفش هو جال هيچى له إهنه الدار بنفسه إنكسفت أسأله.
إنشرح قلب صفيه قائله: هو جالك إكده هيچى للدار بنفسه، بس يا ترى ليه ملمحش لك بحاجه.
تسأل محمود: وهيلمحلى بأيه، أما أروح أجول لأبوي ينتظر جاويد وبعدها أتوكل على الله أسعى لرزقي.
ترك محمود صفيه التي سرعان ما ذهبت نحو غرفة
مسك وفتحت باب غرفتها منشرحه وأغلقت الباب خلفها.
نظرت لها مسك بإستغراب قائله: في أيه يا ماما مالك فرحانه جوي إكده ليه، ليقيتى طريقه تطفشى بيها للبت الثقيله دى ومترجعش لإهنه تاني.
ردت صفيه: لاه تغور البت دى سيبنا من سيرتها، أنا كنت واجفه مع ابوك وجالى أن جاويد إتحدت وياه عالموبايل وطلب يجابل الحج مؤنس، وزمانه چاي عالدار.
تعجبت مسك قائله: غريبه أول مره يطلب يجابل جدي، بس يمكن عاوزه أمر خاص بشغل الفخار.
ردت صفيه: وهو جاويد هيحتاج من جدك إستشاره وهو عنده مصانع، لاه أنا جلبي حاسس إن العمل اللى الغجريه عملته المره دى چاب نتيچه وإن جاويد جاي عشان يطلب يدك من جدك.
إنشرح قلب مسك وذاب عصب جسدها قائله: ياريت يا ماما يكون كلامك صح.
ردت صفيه: حديتى صح وهتشوفى بعد شويه عاوزاك إكده تتقلي وبلاش تنسرعي إكده لازمن تعززى نفسك جدام جاويد لا يجول عليك مدلوقه عليه.
بالعوده لمطعم الفندق
عاد جاويد الى الطاوله التي تجلس عليها سلوان متسألا: ها الحج مؤنس رد عليك؟
زفرت سلوان نفسها قائله: لاء ومبقاش في طريقه غير زى ما إنت قولت اروح وأسأل عليه تانى ويارب يكون موجود.
إبتسم جاويد قائلا: تمام طالما قررتى خليني أوصلك لبيته.
نهضت سلوان قائله: تمام خلينا نخلص لآن خلاص بكره زى دلوقتي هكون في القطر راجعه للقاهره تانى.
رسم جاويد بسمه وبداخله قرر
انها ستبقى هنا لن ترحل.