رواية زهرة ولكن دميمة الجزء الثاني بقلم سلمى محمد الفصل العاشر
((أتمنى لو بأمكاني أتلاف كل شيء حدث بيننا، ونعود الى الوراء الى ماقبل اللقاء ولا نلتقي ))دوستويفسكي
قالت بلهجة فحيح مهددة: متختبرش صبري كتير...
أكنان بأصرار: فكري يازهرة بعقلك شوية، أحنا بينا أطفال..
هتفت بغضب: متجبش سيرتهم على لسانك تاني، أنت بكلامك ده خلتني أجيب أخري معاك، ثم دخلت مسرعة الى شقة وفي خلال لحظات كانت أمامه و قالت بلهجة واعدة بالشر وأخذت تلوح بالسكين أمام وجهه: أمشي من هنا بدل ماأحققلك أمنيتك وأقتلك عشان ترتاح بجد...
أمسك يديها الممسكة بالسكين وجعل طرف النصل على صدره.. ثم قال وهو يتنفس بحدة: أقتليني
صرخت وهي تضغط بالسكين أكثر وأخذت الدماء تنزف: هقتلك لو نطقت بكلمة ولادي مرة تانية، ولاد مين اللي بتتكلم عليهم، أنت ولا حاجة بالنسبة ليهم، هما ولادي أنا وبس..
همست بألم، أنا أتعذبت كتير عشانهم، عشان أضمن أنهم مرتحايين في حياتهم، ولسانك ده مينطقش بأسهم تاني، أنا ممكن أقتلك فيها، لو جبت سيرتهم تاني، المرة دي علمت عليك، أما المرة الجاية ممكن أموتك فيها
سمع هدير أنفاسها المضطرب، وأرتعاش يديها الممسكة بالسكين، رأى داخل عينيها خوف وألم، فقال بندم: أنا أسف
أخفضت السكين وأنسحبت عنه متراجعة..
صوت أنفاسها تعالى وهي تنظر له قائلة وقد أسودت عينيها: أسف كلمة ملهاش معنى، تدبح البنأدم وتقول أنا أسف أصل مكنتش في وعيي، كلمة مفيش أسهل منها، مش مسامحاك، سامع كويس مش مسامحاك على كل اللي عيشته بسببك، أنا كنت بموت في اليوم الف مرة بسبب اللي حصل، بسبب نظرات الناس ليا في الشارع لما عرفو باللي حصل معايا، نظراتهم كانت بتحملني الذنب وهي السبب في اللي حصل ليها.. أحنا عايشين في مجتمع بينبذ المغتصبة وبيحملها الذنب وبيعتبرها مدانه، سبحت بخيالها لتشاهد ذكرياتها والأمها، نظرت له دون وعي، همست بشرود...
أمي مستحملتش الصدمة أتشلت فيها، الناس مرحمونيش، فأخدت أمي وهربت سافرت بيها بلد تانية، محدش فيها يعرفني ولا يعرف بحكايتي، أتنكرت في شكل وحش عشان مفيش راجل يبصلي، كنت بخاف من نظراتهم أوي بقيت مجرد شبح بنت، وأحساسي بالعار والذنب اللي كان كل يوم بيكبر جوايا، ذنب مكنش ليا يد فيه، حاولت أموت نفسي لما عرفت بحملي، عيشت أكتئاب وأيامي كنت كلها ليل، لمعت عينيها بالدموع وهي تتحدث، عاقبت نفسي، عذبت نفسي، كنت بجرح جسمي وأضحك على وجعي، كنت بعيط كل يوم، كنت معرضة للجنون في أي لحظة، روحت أتعالجت، عشان أقدر أتقبل وضعي وأعرف أعيش.
لولا أمي وأحتياجها ليا وأحساسي بالذنب أني السبب، كان زماني ياتجننت، ياأنتحرت، ولدت وليد وأياد كان ممكن أرميهم في الشارع أول ماتولدو ودي كانت نيتي في البداية بس أول ماشوفتهم وشيلتهم في حضني مقدرتش أعمل كده، حطيتهم في ملجأ، ومن رحمة ربنا قابلت مدام ليلى، أخدتهم في الملجأ وطلعت ليهم مدام ليلى شهادات ميلاد وبيتعاملو هناك أحسن معاملة، وبيتعلمو، أنا عايشة ليهم هما وبس، فاقت من شرودها، نظرت له بوجع السينين
أجفل وتراجع بعنف وقد تعرت نفسها المتألمة الخائفة أمامه، سكين أنغرزت بداخل بقلبه لرؤيتها هكذا، أخذ يفرك جبينه بعنف شاعرا بالعجز فكلمات الاعتذار لم تعد كفاية لكمية الوجع الموجود بداخلها، همس بارتجاف: أنا أسف، ثم أولها ظهره مبتعدا عنها...
هتفت بنبرة منخفضة مهددة: مشوفش وشك تاني...
أغلقت الباب خلفه، أنهارت على الارض، سقطت على البلاط، أسندت ظهرها للحائط وأخذت تبكي بحرقة
ومع أشراقة الشمس، في ذلك الوقت الندي المعطر بنسمات الصباح الأولى، رن هاتفها المحمول، من بين نومها مدت بكسل الى الطاولة الملاصقة للسرير وحاولت أطفائه لكنه كان بعيد عن مجال يديها، فهي لم تنم البارحة الا بعد أذان الفجر، توضأت لصلاة الفجر، وأخذت تتضرع لربها كثيرا وأن يهديها لطريق الصواب، ثم نامت بعدها مباشرة، هتفت بحدة فهي لم تأخذ كفايتها من النوم، شتمت في سرها على المتصل، عندما لمع أسمه في عقلها، فتحت عينيها على أتساعها ونهضت من فوق الفراش، أمسكت الهاتف ولكن المتصل كان بدون أسم، ظلت ساهمة للحظات قبل الرد:
_ الو..
رد كريم بحب: صباح الخير
ردت عليه التحية بصوت خجول: صباح الخير
قال والابتسامة تزيين شفتيه وهو على الجهة الاخرى: عاملة أيه، نمتي كويس أمبارح
ترددت في الاجابة: أه نمت
بضحكة خفيفة قال: بس أنا معرفتش أنام
سألت ضحى: ومنمتش ليه؟
فكر للحظات قبل الرد: أنتي السبب، كنت بحلم بيكي وأنا صاحي
خجلت من كلامه وقالت بصوت مرتبك: هوفي حد بيحلم وهو صاحي
رد عليها: أنا أعمل أيه، أول ماشوفتك وأنتي قلبتي كياني، مش هتسأليني كنت بحلم بأيه طول الليل...
لم تقوى على سؤاله فظلت صامة...
عندما لم تتحدث قال بابتسامة: مادام مش عايزه تسألي، أنا هقولك كنت بحلم بأيه، كنت بحلم أننا خرجنا مع بعض وبنلف شوارع الاسكندرية وماسك أيدك وقاعدين على البحر، أيه رأيك أجي ليكي دلوقتي ونخرج مع بعض والحلم يبقا حقيقة...
ردت بسرعة: مينفعش
_ ومينفعش ليه، أنا شايف عادي نخرج مع بعض
_ لا مش عادي، أحنا لسه الصبح بدري أوي، وبابا مش هيرضى..
_ خلاص هقوله
_ أسمعني ياكريم بلاش تقوله عشان أنا عارفة رده، خلينا نخرج بعدين مش لزم دلوقتي
_ بس أنتي واحشتيني وعايز أشوفك...
ردت عليه ضحى بخجل شديد: بعدين
أبتسم ثم قال: بعدين معناها واحشتيني وأشوفك
هزت رأسها بالأيجاب في صمت...
قال كريم بابتسامة هادئة: معنى سكوتك أه...
ضحى بخجل: تصبح على ماتتمنى
رد بابتسامة: ياريت، يلا روحي كملي نوم، باين عليكي مش بتصحي دلوقتي، سلاااام
ضحى بابتسامة: سلاااام
كان زاهر يجلس بمفرده في الحديقة، فبيسان رفضت محاولته لكي يخرجها من الفراش للأفطار معه وظلت نائمة، جاءت صفية من خلف ظهره حاملة أفطاره على صينية..
قالت برقة: صباح الخير
عند سماع صوت والدته، التفت لها ونهض مسرعا من مقعده، قائلا بقلق: أيه بس اللي طلعك من أوضتك وأنتي لسه تعبانة، والصينية دي لمين، ثم أخذ الصينية من يديها ووضعها فوق الطاولة...
ردت صفيه: ده فطارك
زاهر بحب: ليه تعبتي نفسك، ثم جذب لها كرسي، أقعدي ياست الكل، وصباحك سكر...
أبتسمت وهي تجلس على الطاولة بجواره: أومال هتعب لمين، لو متعبتش ليك...
قال برقة: ربنا يخليكي ليا
ردت صفية: ويخليك ليا، قولي بقا أيه اللي شاغل فكرك ومخليك سرحان ومش مبسوط
_ مفيش حاجة يأمي
_ عليا بردو يازاهر، أنا أكتر واحدة بحس بيك وبعرف أمتى بتكون مبسوط وأمتى بتكون مضايق، وأنت دلوقتي مش مبسوط...
تصنع الابتسامة: شوية مشاكل في صفقة تبع الشركة مش أكتر...
نظرة له بتمعن ثم قالت: صفقة بردو
زاهر بحدة دون وعي: أيوه صفقة
تحدثت صفية بهدوء: براحتك يابني، مد أيدك ويلا نفطر سوا زي زمان...
تمتم قائلا: حاضر، سعدة طلعت الفطار لبيسان..
صمتت للحظة ثم قالت: أيوه، مأكده على سعدة انها تودي ليها الفطار، وزمان سعدة فوق راسها لحد ماتفطر، معرفش ليه مراتك هفاتنا ومش بتاكل، خد بالك من أكلها شوية يازاهر
قطب بين حاجيبه ثم رد قائلا: هاخد بالي، وبعد أن تناول عدة لقيمات، نهض من مكانه قائلا: أنا طالع فوق
قالت صفية: بس أنت ملحقتش تفطر..
رد زاهر: خلاص شبعت، ثم تحرك مبتعدا، نظرت الى زاهر بعد مغادرته وشاهدت حجم المعاناة الذي يعيشها، أحنت رأسها وهي تسأل نفسها هل فعلت الصوب وهي ترى تعاسة أبنها، طبعا فعلت الصواب فهو سيصاب بالتعاسة معاها في وقت لاحق ويكون الاوان قد فات، فهي لا تستحق أبنها، فهو يستحق فتاة من أهل بلدته ذات أصول صعيدية متربية على الأصول وليست خواجية تعيش في الخارج في عالم منحل، سعدة عندما رأت حزنها أقنعتها بالذهاب الى الشيخ فرحات...
ذهبت الي الشيخ فرحات وهو معروف في كل أنحاء الجمهورية، وكل الناس يذهبون اليه من كل مكان وحتى من خارج مصر، ذهبت اليه بعد أن عانت في الحصول مع موعد لديه، أول ما دخلت الغرفة، رأت رجل عجوز ذو لحية بيضاء طويلة، مسلط على وجهه ضوء المصباح، و كانت الأضاءة الوحيدة في الغرفة، ضوء خافت يخيف كل من يدخل عنده...
قال بصوت غليظ: أدخلي يابنت أبية
تمتمت بخوف: مفيش حد خالص يعرف بأسم أمي غير جوزي وأبني وبس، عرفت منين؟
لمعت عينيه قائلا: بلاش تسألي كتير وادخلي في الموضوع علطول، ولا أقولك أنا الموضوع...
أرتعدت أوصالها وبلهجة متوترة قالت: أتفضل حضرتك قول.. ماأنت ياشيخنا مكشوف عنك الحجاب...
قال بلهجة خالية من الحياة: عايزه تفرقي بين أبنك ومراته، عشان شايفها مش مناسبة ليه، وعايزه تجوزيه واحدة على مزاجك أنتي، عايزه تجوزيه بنت ابن عمك
أتسعت عينيها بالذهول، فهي لم تقل لأي شخص ولا حتى سعدة عن وجدان ورغبتها ان تكون هي زوجة أبنها، هتفت قائلة: الله أكبر حضرتك طلع مكشوف عنك الحجاب بجد، وقولت كل اللي عايزه أقوله، طب وأيه الحل ياشيخنا...
_ تنفذي كل اللي هقولك ليه، وطلبك هيتجاب
_ حاضر ياشيخنا وكل طلباتك مجابة
عندما أنتهت من تذكر مافعلته، نكست رأسها للأسفل وهي تشعر بالضيق وعدم الراحة...
عندما أنهى الكلام معاها.. وأغلق هاتفه ظل مكانه جالسا، أخذ يعبث في هاتفه، وقع نظره على أسم بيسان، خبط بكف يديه على رأسه بحدة، هتف بصوت عالي: يااااه ده أنا متصلتش بيها وقولت ليها أني هخطب، أووف دي هتزعل مني، حدث نفسه، زمانها مش فاضية ومشغولة في شهر العسل ومش هتزعل لما تقولها أن الموضوع جاه بسرعة...
رن جرس الهاتف عند بيسان التي أستلقت على فراشها مرة أخرى بعد أن أجبرتها سعدة على تناول الأفطار، أمسكت الهاتف ورأت أن المتصل هو كريم، فتحت الخط بسرعة سمعت صوت كريم: صباح الخير
ردت بصياح: صباحك زفت
كريم بهدوء: بدل ماتقولي صباح الخير..
ردت بضيق: ولا صباح ولا خير، وصباح بمناسبة أيه
أستغرب من رد فعلها الحاد فقال: مالك يابيسان
أنطلقت من فمها تنهيدة عالية وقالت: مفيش بتتصل ليه دلوقتي...
رد عليها قائلا: كنت عايزك تباركللي، أصل قررت أتجوز ضحى وقريت الفاتحة أمبارح
ردت بحدة: مبرووووك..
أنزعج كريم من كلامها فقال: مالك وبتقوليها من غيرنفس ليه
بيسان بانفعال: عايزني أغنيها ليك، جي بعد ماخطبت بتقولي أنا خطبت، منتظر مني أيه غير كلمة مبرووك
صمت للحظة شاعر بالضيق لعدم أخباره: خلاص بقا متزعليش مني يابوسة، والله الموضوع جاه بسرعة، وأنا قولت أكيد مش هتزعلي أني قولتلك بعدها، لو زعلانة عشان خاطري متزعليش مني، أنتي عارفة اني مقدرش على زعلك...
سرى داخل جسدها ضعف شديد، لتنطلق من فمها أهة ألم: أاااه...
كريم بلهجة قلقة: مالك يابيسان...
شعرت بضيق نفس فجأة، فقالت بصوت مخنوق: مش عارفة مالي ياكريم...
سأل كريم: مالك بجد يابيسان، وصوتك أول ماسمعته حسه أنه متغير، أنتي تعبانة ومش عايزه تقولي...
قالت بحيرة: أنا مبقتش عارفة أنا مالي، خنقة علطول ملازمني وحسه بالندم علطول
قاطعها كريم قائلا: خنقة أيه وندم أيه اللي بتقولي عليه
بيسان بتردد: حسه أني مبقتش مبسوطة مع زاهر، حسه أني أتسرعت في الجوازة دي
_ أوعي يكون زعلك
_ لا مزعلش وديما كويس معايا
_ أومال أيه السبب اللي خلاكي تقولي كده
_ مش عارفة.. مش عارفة، ثم صمتت للحظات وقالت بشرود، بقيت بخاف منه، أخاف أبص لوشه...
_ بتخافي من مين؟
ردت عليه بيسان بدموع: أنا حسه أني اتسرعت بالجوازة دي ياكريم، ومش عايزه أعيش معاه
كريم هز رأسه بعنف، فهي تعشقه وفعلت المستحيل لكي تتزوجه، ماذا حدث لكي تقول هذا الكلام..
سأل بارتباك: حصل أيه خلاكي تقولي كده، ومتقوليش محصلش حاجة عشان مش هصدق، أنك في أقل من أسبوعين تتغيري ومشاعرك تتغير ناحيته...
هتفت بانفعال: محصلش حاجة، ومفيش مرة زعلني، بس مبقتش عايزه وأتخنقت منه
كريم بضيق: اللي بتعمليه ده أسمه لعب عيال...
ردت بيسان على الفور، رد أذهل كريم: أيوه يكريم لعب عيال، وزهقت من اللعبة، وخلاص قررت أرميها وأشوف غيرها، وسلاااام عشان هكمل نومي...
نظر كريم للهاتف المغلق بذهول، محدثا نفسه عن السبب الحقيقي وراء تغيرها...
خلف الباب كان واقفا، سمع كلامها، ضغط بيديه على جبينه، ثم مررها على فمه محاولا كتمان صرخة ألم، أنفجارات صامتة في صدره أخذت تزيد بالتدريج، أمسك مقبض الباب للدخول أليها ومواجهتها، هبطت يديه بضعف، أعطى ظهره للباب، هبط الدرج رويدا رويدا، كلماتها أخذت ترن في أذنه، شعر بأرتخاء في جسده، سالت الدموع حارقة على وجنتيه تعبر عما داخله من ألم، بدأ يفقد الأحساس بالأشياء من حوله، قاوم باستماته الدوار الذي أخذ يلف برأسه، أمسك رأسه بعنف وأخذت يده ترتعش من هول مافيه من صدمة، لتنزلق قدمه من على الدرج بسرعة رهيبة، أرتطم جسده على الارض بصوت مدوي...
سمعت صفية صوت أرتطام عالي، ذهبت لرؤية ماحدث، أطلقت صرخة مدوية لرؤية أبنها غارق في دمائه: أاااااابني..
تصاعدت الزفرات حادة داخل صدره، سأل نفسه بخوف: هل ممكن أن تظل على موقفها، ولا تغفر له ذنبه، وجد نفسه أمام باب الملجأ مرة أخرى بعد عدة ساعات وفي يديه طائرتين كما وعد، أندهشت مدام ليلى، عندما طلب رؤية الصغيرين فقط، لكنها لم تعلق بأي كلمة...
في فناء الملجأ، أخذ يلاعب الطفلين بالطائرة، رغم بؤسه شعر بالسعادة تتغلغل داخل قلبه...
اياد بنبرة طفوليه: انا مبسوط أوي معاك...
وليد بتوسل: وتيجي وتلعب معانا علطول...
كتم تأثره وقال بهدوء: انا مش هجي وبس انا هاخدكم تعيشو معايا...
هلل كلا الطفلين بسعادة، رفع كلاهما على ذراعيه وأخذ يدور بيهم مشاركا لسعادتهم، رفعهم بسهولة لأعلى وانزلهم...
ضحك أياد من قلبه هاتفا: تاني
أما وليد شهق باعتراض وأخذ يتلوى بين يديه مهددا إياه: نزلني، نزلني
انزل كلا الطفلين على الأرض عندما شعر بخوف وليد
أياد بلوم: خواف
همس وليد بصوت مكتوم: انا مش خواف
اخرج لسانه مغيظا إياه: خواف..
ارتعشت شفتيه بالبكاء، حمله أكنان على ذراعيه وجلس على الكرسي الموجود بجواره، أشار إلى أياد للجلوس بجانبه، ضم وليد اليه وهمس لوجه المختبىء: دموعك دي زعلتني، انت شجاع، ثم نظر إلى الآخر بتأنيب: مفيش أجمل من وجود أخوك في حياتك، أخوك هو سندك ومصدر قوتك، الاخ نعمة من ربنا، مين لما بتكون زعلان بتروح ليه علطول..
رد أياد: بروح ليه
_مين بتحب تلعب معاه وبتكون فرحان ومبسوط
_ وليد
_مين بيدافع عنك لما يجي حد يضربك
نكس رأسه بخجل وقال وليد
أكنان بهدوء: أنتو اخوات وملكمش غير بعض، يلا خدو بعض بالحضن وقوله مش هزعلك تاني
أياد بلهجة أسف: متزعلش مني ياوليد، ثم حضنه
وليد بابتسامة خفيفة: خلاص مش زعلان..
رأته من بعيد، نظر كل منهم في عين الأخر، توقف الزمن يرقب من بعيد لحظات من الصمت المؤلم، لتتحرك بخطى سريعة تجاهه...
جسدها تشنج بالغضب، همست بصوت مكتوم: أنت أيه اللي جابك هنا
قال بصوت هادىء غامض: نفس اللي جابك...
أشارت بيديها مهددة اياه: أمشي ومتجيش هنا تاني، أحذر غضبي، المرة اللي فاتت كان مجرد جرح خفيف، المرة الجاية معرفش ممكن أعمل معاك أيه...
تحدث بصوت منخفض: المكان هنا مفتوح للكل، مش من حقك تقوليلي مجيش...
صرخت ببعض الهسترية: أنت أيه، مش عايز تخرج من حياتي ليه...
غمز لها وأشار الى الطفلين ثم قال: ممكن نتفاهم ونتكلم بالعقل وأركني مشاعرك دي على جنب
تنفست بعمق، صراخها شيء خاطىء أمام الطفلين، تصنعت الابتسامة وقالت لهم: روحو العبو على المرجحة شوية، عايزه أتكلم مع عمو شوية...
قال أياد بصوت بريء والابتسامة تزيين وجهه: عمو هياخدنا نعيش معاه...
نظرت إلى طفلها وإليه غير مصدقة ما سمعته ثم قالت: مين اللي هياخدكم تعيشو معاه
أشار كلا الطفلين إلى أكنان: عمو ده
قال أكنان بهدوء: يلا روحو العبو
عندما أبتعد الطفلين، زهرة بصوت مكتوم: أنت، أنت ناوي على أيه...
نظر إليها بتعاطف ثم قال: انا مكنتش عايزك تعرفي دلوقتي، كنت همهد ليكي الأول، بس هو مقدر ومكتوب أنك تعرفي باللي كنت هعمله...
همست برفض: وأنا مستحيل اسيبك تاخدهم...
رفع نظراته لها وتنهد قائلا: وأنا بعد ما عرفت بيهم مستحيل اسيبهم عايشين في ملجأ لقطاء مجهولي النسب، أنا أذنبت في حقك وعارف ان اللي عملته معاكي مستحيل تسامحيني عليه، وبتمنى نظرة الكره اللي بشوفها في عينيكي تختفي في يوم من الأيام، لكن ولادي مستحيل اسيبهم عايشين في ملجأ، لزم يتكتبو بأسمي، أنا أبتديت في الاجراءات وأول ماتخلص وأثبت أني أبوهم هاخدهم وهكتبهم بأسمي...
صوتها تحول الى همس مختنق بالبكاء: ليه مصمم تعذبني، خرجني وخرجهم من حياتك...
تنهد أكنان وقال برقة: مينفعش أخرجهم من حياتي، مينفعش يازهرة، لو سبتهم يبقا بجني عليهم، دلوقتي هما مش فاهمين وضعهم، المشكلة بعدين لما يكبرو ويدخلو مدرسة، ولما يخرجو للحياة نظرة الناس ليهم مش هترحمهم، وأنتي أكتر واحدة عيشتي مرارة نظراتهم، المحتمع اللي هما عايشين فيه مبيرحمش اللي زيهم، أنتي عايزه ليهم كده، عايزه ليهم الذل والعار...
تصلب في وقفته وهو يراها ترتعش أمامه، صمت للحظة ثم قال.. عارف ان الحقيقة ألمتك، الحقيقة اللي عاملة نفسك مش شايفها، مش شايفها عشان لسه صغيرين، فكري بعقلك شوية، أنا هديكي وقت لحد ماتتقبلي وجودي في حياة ولادي...
لمعت عينيها بالدموع وهي تتطلع الى التوأم، ثم قالت بانفعال رافض: مش هفكر وأخرج من حياتنا...
قال برقة متناهية: أنا هسيبك دلوقتي وعايزك تفكري بعقلي وحاولي تلغي مشاعرك عشان تقدري توصلي للقرار الصح، ثم تحرك مبتعدا عنها...
نظرت لأختفائه بعيون دامعة، وتمنت أختفائه من حياتها الى الأبد...
أجمل فترة يمر بيها أي رجل وفتاة هي فترة الخطوبة التي تسبق الزواج، علاقة حب نهايتها زواج، عواطف متقدة وشوق لا يفتر، حياة جديدة على وشك البدء فيها، تطلعات وأمال...
بعد أن أستئذن ولدها لكي تخرج معه في نزهة لفترة قصيرة من الوقت..
في السيارة تحت منزل أهلها، سألها برقة: عايزه تخرجي تروحي فين..
هزت رأسها بالنفي في صمت
سأل بدهشة: مش عايزه تخرجي معايا...
خجلت أن تقول له أنها تريد فقط البقاء معه فقط، يكفي جلوسه معاها في بيت أهلها هو وهي فقط...
فمال عليها وقال مبتسما: اللي هتقولي عليه هنفذه...
نظرت له بخجل: مش عايزه حاجة
قرأ حبها ولهفتها له في عينيها، فأخفضت رأسها خجلا...
قال كريم بابتسامة: عايزه حاجة ومش عايزه تقولي
همست وقالت بحياء: عايزه أي مكان يجمعنا، أنا وأنت
زينت الابتسامة وجهه وقال: مش عايزك تتكسفي مني، واللي نفسك فيه تقوليه علطول..
قالت بخجل: عايزه أشوف غروب الشمس على البحر
نظر لها مبتسما: شبيك لبيك ياصغيرتي، ثم أنطلق بالسيارة...
أخذ كريم ضحى وجلسا على الشاطىء، تطلعت هي للبحر وهو بدوره تطلع لها وشعرها يتطاير مع نسمات البحر، هي مفتونة بالبحر وهو مفتون بالنظر لها، أعجاب في لحظة واحدة بدون أن يشعر تحول الى حب، هي كل ماأراد في الفتاة التي سيحبها، أراد أسعادها بأي شكل، أراد أن تحمل له أطفاله، وتكون بجواره حتى أخر العمر...
نظرت له، فوجدته يتطلع اليها بشرود...
فقالت له: مش بتبص للبحر ليه.. البحر جميل أوي الوقت ده
غمز له وقال: أنا بشوف اللي أجمل من البحر...
أحنت رأسها من الخجل، أضطربت وحركت يديها بارتباك فوق الطاولة، دون قصد لمست يديها مشروبها الساخن، فكاد يقع عليها، أبعد كريم بدون تفكير يديها بسرعة ليتانثر القليل من محتوى الكوب فوق كف يديه...
هتفت بقلق: أيديك جرالها حاجة
قال كريم برقة والابتسامة على وجهه: الحمد لله بسيطة، مفيش حاجة...
الحب شعلة داخل القلب، بالاهتمام والرعاية تزداد الشعلة توهجا ولمعانا...