رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثاني والأربعون
في منزل الجارة أم بطة
اختلطت عبرات عبد الحق بنحيبه الشديد حينما أبلغته والدة زوجته عن الإجهاض الزائف لجنينها..
واختنق صوته وهو يهتف قائلاً بصدمة:
-ملحقتش أفرح بيه !
-نصيبك يا بني، ربنا يخلف عليكم بالأحسن
إدعت بطة بكائها الحار وهي تغطي بكف يدها فمها قائلة بصوت متشنج:
-أمك هي السبب، هي اللي عملت فيا كده، ياما قولتلك هي بتكرهني، وأهي قتلت ابننا قبل ما يشوف النور.
تأوه عبد الحق بصوت يحمل الحزن العميق قائلاً:
-آآآآه.. ده أنا كنت مستنيه.. آآآه
هتفت أم بطة بصوت جاد وهي ترمق إبنتها بنظرات محذرة:
-خلاص يا بطة، ربنا مش رايد !
هزت رأسها معترضة وهي تجيبها بإحتجاج:
-لأ يامه، أنا استحملت كتير عشان حتت العيل ده، وفي الأخر يروح كده على ايد أمه، وكنت هاموت فيها.. إهيء.. اهيء
ثم أجهشت ببكاء أشد مصاحباً بالعويل..
أمسك عبد الحق بكف يدها، ونظر لها بتوسل، وأردف قائلاً بنبر راجية:
-خلاص يا بطة، أنا هاعوضك عن اللي حصل !
ردت عليه بنبرة إستنكار وهي ترمقه بنظرات معاتبة:
-وهو في حاجة بعد الضنا بتتعوض ؟!
حدجتها والدتها بنظرات محذرة للغاية وهي تقول بجدية:
-يا بت اسمعي كلام جوزك، إنتي مش شايفة حالته عاملة إزاي ؟
تابع عبد الحق حديثه بصوت مختنق ب:
-وربنا ما هاخليكي تعاني تاني معاها، أنا هاجيبلك أوضة لوحدك ونبعد عن أمي خالص والمشاكل دي كلها !
غمزت لها والدتها قائلة بتريث وهي تشير بإصبعها:
-سامعة، اهوو الراجل شاري خاطرك
هزت كتفيها في عدم تصديق، وهتفت قائلة بصوت مبحوح:
-كلام يامه، وساعة الجد هلاقيه آآ..
قاطعها بنبرة جادة وهو يشير برأسه:
-لأ ده مش كلام، أنا مش عاوز أعيش بين نارين، أنا هاتصرف وهاشوف أي حتة كده تلمنا..!
ثم صمت للحظة ليلتقط أنفاسه قبل أن يقول بإستعطاف:
-بس ارجعي معايا الله يكرمك !
هزت رأسها معترضة، وأجفلت عينيها للأسفل قائلة بحزن:
-لألأ.. إنت سبتني معاها وعملت فيا كده !
هتف قائلاً بنبرة مهتمة وهو يرمقها بنظرات صادقة في وعده:
-هو بس كام يوم، وهاتشوفي!
مطت والدتها شفتيها في ضيق، فإبنتها تلعب بالنيران، وتجازف بكل شيء من أجل الإستمرار في خطتها الماكرة.. وخشيت ألا تصغي لها، وتتبع فقط صوت عِنادها.. فلوحت بيدها قائلة بإمتعاض وهي تحدق بها بجدية:
-استهدي بالله يا بنتي، وإن شاء الله خير !
قرأت بطة في نظرات والدتها تحذيراتها الجمة، وأجفلت عينيها لتبدو كالمستسلمة لأمرها، وردت بخفوت حزين:
-أما أشوف !
تنهدت أم بطة في إرتياح، ثم وضعت يدها على كتف عبد الحق، وقالت بجدية:
-وبص يا بني هي هاتعد عندي أد يومين لحد ما تروق،برضك المصيبة مش سهلة !
هز رأسه موافقاً وهو يمسح عبراتها مجيباً إياها بصوت خشن:
-وماله يا حماتي، تاخد راحتها، وأنا معاها كل يوم
ابتسمت له بخفة وهي تضيف قائلة:
-ده بيتك يا بني !
في نفس التوقيت بالحارة الشعبية
وصل حارس الأمن السابق أحمد إلى مدخل الحارة ليزور تقى ويطمئن عليها.. فتفاجيء بتلك السيارات التي تسد الطريق بصورة ملفتة للأنظار..
فسار بخطوات حذرة وهو يحاول أن يتوارى عن الأنظار محاولاً فهم ما يدور..
إختبأ خلف أحد الأكشاك الصغيرة، وإشرأب برأسه ليرى عن كثب تفاصيل أصحاب تلك السيارات..
إتسعت عينيه في ذهول ممزوج بالصدمة حينما رأى تلك السيارة التي يعرفها عن ظهر قلب..
وفغر فمه مشدوهاً حينما رأى بعض من رجال حراسته الخاصة الذين يعرفهم معرفة سطحية..
عبس بوجهه سريعاً بعد أن أفاق من صدمته، وكور قبضته في ضيق، وبرزت عروقه الغاضبة وهو يصر على أسنانه قائلاً بحنق:
-مش بتحرم أبداً، طب أعمل ايه معاك عشان أخلص منك
ثم طرأ بباله فكرة ما، فإلتوى فمه بإبتسامة شيطانية وهو يحدث نفسه بتوعد:
-دلوقتي هاتشوف أنا هاعمل فيك ايه، مافيش إلا كده !
ثم إستدار عائداً من حيث أتى، ولكن بخطوات راكضة لينفذ ما عقد العزم عليه فوراً..
بداخل البناية
خشيت فردوس أن تخبر أوس بمكان ابنتها، فينتقم منها ومن عائلتها بعد ما اقترفوه في حقه بالمشفى، ويرد لهم الصاع صاعين وأضعاف مضاعفة.. وظنت أنه إدعى الزواج من ابنتها لينفرد بها، وينفذ إنتقامه المرعب.. لذا لم يكن أمامها سوى الإحتماء بجيرانها..
ففتحت باب منزلها على مصرعيه، ووقفت خارج منزلها، وأطلقت صرخة هائلة لتلفت إنتباه الجيران:
-حرام عليك يا باشا، هاتبهدلنا أكتر من كده كمان !
برزت أسنان أوس بغضب وهو يحدجها بنظراته المميتة قائلاً بشراسة:
-مش انتي اللي هاتمنعيني عنها !
ابتلع المحامي منعم ريقه، وأردف قائلاً برجاء:
-اهدى يا باشا
رمقه أوس بنظراته الغاضبة وهو ينهره بصراخ:
-اسكت، ماتدخلش !
شعر منعم بحرج شديد، ومط فمه بخجل قائلاً وهو مطرق الرأس:
-مم.. حاضر
هتفت فردوس من على عتبة منزلها بصوت هادر:
-قولتلك هي مش هنا، اعتبرها طفشت، ولا غارت في داهية
رمقها أوس بنظرات مهينة قائلاً بقسوة:
-فكرك هاصدق تخاريفك دي !
ثم اقترب منها ليسلط أنظاره المحتدة عليها قائلاً بقسوة أشد:
-وأنا مش هامشي من هنا إلا وهي معايا ! دي مراتي، سامعة مراتي !
بداخل منزل الجارة إجلال
صدح صوت أوس الغاضب قائلاً بعنف من الخارج:
-تقى دي مراتي، سامعة مراتي، وبالقوة والقانون هاخدها !
حدقت تهاني في العين السحرية بنظرات مصدومة فقد كان الشبه كبيرا لدرجة غير معقولة.. هو يشبه زوجها الأسبق في تفاصيله، ملامحه القاسية، طريقة حديثه، إلتواءة فمه.. تشنجاته..
هتفت قائلة بعدم تصديق وهي مسندة لكفيها على ضلفة الباب:
-ده.. ده آآ.. أوس !
على الجانب الأخر إزدادت إرتعاشة جسد تقى الهزيل بعد أن صدق حدسها.. وحدقت في الباب بنظرات هلعة..
نعم فمغتصبها متواجد بالخارج، ويفصل بينهما عدة أمتار..
تسارعت دقات قلبها، وتلاحقت أنفاسها بصورة مخيفة.. وبدت كمن يختنق.. وتحول لون بشرتها للشحوب المقلق..
هزت رأسها رافضة تصديق تلك الحقيقة المفزعة..
ووضعت يديها على أذنيها لتصمهما، وإغمضت عينيها بقسوة معتصرة إياهما وهي تهتف بتشنج:
-هو.. هو.. لأ!
نظرت الجارة إجلال إلى تقى بخوف شديد، وأسرعت ناحيتها، ووضعت يديها على قبضتيها المرتجفتين، وهمست بتوجس:
-في ايه يا بنتي ؟ مالك بس ؟
أصرت تقى على صم أذنيها، وتشنجت بجسدها أكثر وهي تصرخ بفزع:
-هو..لألألأ.. لألألأ.. ابعدوه عني، ابعدوه !
حدقت إجلال في تهاني التي كانت لا تزال متسمرة أمام باب المنزل، وهتفت قائلة بقلق:
-تهاني، شوفي تقى !
لم تجبها تهاني بل ظلت فاغرة شفتيها في ذهول محاولة إستيعاب تلك الصدمة الجلية..
فقلبها يخبرها بأنه ابنها الوحيد، ومشاعرها كأم تطغى عليها..
حدثت نفسها بلا وعي قائلة:
-ابني.. هو.. أيوه هو !
إرتجف جسد تقى بصورة عصبية، وسقطت من على الأريكة لترتطم بالأرضية بقوة، فشهقت إجلال في فزع ب:
-تقى !
ثم جثت على ركبتيها، وحاولت رفعها عن الأرضية وضمها إلى صدرها، و إلتفت برأسها نحو تهاني قائلة بخوف واضح في نبرتها:
-يا تهاني إلحقي !
تكورت تقى على نفسها، وتشنجت بهياج، وضمت ساقيها إلى صدرها، وإنتفضت في الأرض بقوة وهي تتابع بصريخ:
-ابعدوه عني، لألألأ.. ماتلمسنيش، لألألألأ !
عجزت الجارة إجلال عن السيطرة عليها، فنهضت بتثاقل من على الأرضية، وهرولت نحو تهاني لاكزة إياها في كتفها بقوة وهي تصر على أسنانها بحدة:
-انتي مش سمعاني يا تهاني، شوفي بنت أختك واللي بيجرالها !
تلاحقت أنفاس تهاني، ولمعت عينيها ببريق غريب، وإرتفع صدرها وهبط وهي تهتف بصوت متقطع:
-هو.. ابني.. ده ابني، قلبي بيقولي إنه أوس
مجرد ذكر إسمه أمام تقى جعلها تنكمش أكثر وبذعر في نفسها..
وزعت إجلال نظراتها بين الإثنتين في ذهول ممزوج بالحيرة.. فكلتاهما على ما يبدو مصدومتين – كل حسب طريقته ما بين الرعب والفرح – من نفس الشخص..
مدت تهاني يدها لتتلمس مقبض الباب لتفتحه، فوضعت إجلال يدها على قبضتها، ومنعتها من فتحه متسائلة بإندهاش:
-إنتي هاتعملي إيه ؟
ردت عليها تهاني بلهفة أم حقيقية في تعبيراتها ونظراتها:
-هاشوف ابني !
فغرت إجلال ثغرها بصدمة قائلة:
-إيييييه !
بخارج المنزل
صرخت فردوس بتوسل وهي تلوح بذراعيها:
-ماتسيبنا في حالنا يا باشا
رمقها بنظراته الحادة قائلاً بإصرار عنيد:
-وأنا مش عاوز إلا تقى وبس
هتفت فيه بصوت منفعل:
-وهاجيبهالك منين، ما إنت فتشت البيت كله، مالقتهاش جوا !
تجمع بعض السكان على الدرج، وتسائل أحدهم بإستفهام:
-في ايه يا جماعة ؟ بتزعقوا ليه ؟!
تدخل المحامي منعم قائلاً بجدية وقد توجه نحو الدرج ومشيراً بيده:
-بعد اذنكم يا حضرات، دي مسائل عائلية
أضافت سيدة ما قائلة بإمتعاض وهي تشير بإصبعها:
-بس صوتكم جايب التايهين، وست فردوس مالهاش حس في العمارة
رد المحامي ببرود:
-والله دي حاجة تخصهم، اتفضلوا
زمت سيدة أخرى فمها بتأفف قائلة:
-عجايب !
وتابعت أخرى بتهكم وهي ترمق الجميع بسخط:
-يالا بينا، دي عيلة مفضوحة من أولها لأخرها
بداخل منزل الجارة إجلال
جاهدت تقى لتلتقط أنفاسها اللاهثة بعد أن وجدت صعوبة في التنفس بصورة طبيعية..
ورغم هذا صاحت برفض جلي:
-أنا بأكرهه، بأكرهه !
قبضت إجلال على كف يد تهاني، واتسعت مقلتيها بذعر وهي تهتف بخوف:
-انتي مش شايفة تقى بنت أختك، فوقي يا تهاني
نطقت تهاني بصوت متلعثم وعينيها تبكيان عفوياً:
-آآ.. ابني
توسلت لها إجلال بإستعطاف قائلة:
-بلاش تفتحي الباب !
بكت تهاني ونشجت أكثر وهي تضيف ب:
-انتي مش فاهمة حاجة، ده هو !
وضعت إجلال يدها الأخرى على كتف تهاني، وضغطت عليه بأصابعها وهي تتوسلها برجاء:
-البت هاتروح مننا !
ردت عليها بعاطفة جياشة وعبراتها تغرق وجنتيها:
-وهو هايروح مني !
صرخت تقى بصوت مبحوح وضعيف بعد أن خارت قواها:
-لألألأ.. ابعدوه !
في الخارج
انتبه أوس لتلك الهمهمات الأنثوية الغير واضحة رغم حديث محاميه مع الجيران، وأدار رأسه في إتجاه مصدرها..
وقفت فردوس خلفه تتابع حديثها المنفعل:
-يا بيه انت خدت كل حاجة مننا، كفاية بقى حرام عليك، احنا ماكوناش طالبين غير الستر
لف ذراعه للخلف ليشير لها وهو محدق أمامه قائلاً بصرامة مريبة:
-ششششش.. مش عاوز أسمع نفس !
تعجبت هي من فعلته الحالية، وعقدت ما بين حاجبيها بتوجس..
تحرك أوس في إتجاه باب منزل الجارة إجلال، وسلط أنظاره القوية عليه، وكذلك جميع حواسه.. فصوتها إخترق آذانه، وأصابه برجفة غريبة.. وجعلت قلبه يخفق بريبة لوهلة..
بداخل منزل الجارة إجلال
ابتلعت تهاني ريقها بصعوبة وهي ترى هذا الغريب القريب يتحرك صوب الباب، وملامحه تزداد وضوحاً ليؤكد إحساسها نحوه..
قبضت على المقبض أكثر، وبدأت في إدارته، فنظرت لها إجلال بذعر وهمست قائلة بتوسل شديد:
-لا يا تهاني، ماتفتحيش الباب !
-مش قادرة، سبيني
-وتقى، بصي عليها طيب.. شوفي حالها الوقتي !
حانت من تهاني إلتفاتة نحو تقى الراقدة على الأرضية في وضعية متشنجة، فتابعت إجلال بهمس:
-ماتسيبهاش تضيع ! هي ماتستهلش ده !
خرجت تنهيدة حارقة من صدرها وهي تقول بنشيج:
-آآآه، أنا اللي بأضيع، أنأ، آآآآه
أضافت إجلال قائلة بأعين دامعة، وبصوت مستعطف:
-عشان خاطرها، لو هي غالية عندك فعلا اوعي تخليه يقرب منها، ولا تعرفيه إنها هنا، إنتي لو فتحتي الباب ده يبقى بتحكمي عليها بالموت، وتقى لو راحت مش هاترجع تاني، سامعة مش هاترجع !
أصدرت تهاني أنيناً مؤلماً وهي ترخي قبضتها عن المقبض قائلة بنحيب:
-آآآآه.. يا حرقة قلبي على كل الغاليين عندي، آآآآه !
في الخارج
رن هاتف المحامي منعم، فأخرجه من جيب سترته، وضغط على زر الإيجاب، وقال بجدية خافتة:
-أيوه، مين معايا
ثم صمت للحظة ليستمع إلى ما يقوله الطرف الأخر، ومن ثم هتف قائلاً بدهشة:
-إيييه، طب إحنا نازلين على طول !
ثم أغلق الهاتف، وإتجه نحو أوس الجندي، وتنحنح بصوت واضح قائلاً بتوتر:
-أوس باشا، احم.. آآ.. باشا
استدار أوس برأسه في إتجاهه، ورمقه بنظراته الشرسة وهو عابس الوجه قائلاً بصرامة:
-عاوز ايه
تنحنح مجدداً، ثم اقترب منه وهمس قائلاً بتوجس:
-آآ.. الحراسة اتصلوا، وقالوا ان البوليس واقف تحت، وطالبينك !
اشتعلت عينيه بشدة وهو يلوي فمه قائلاً بإستغراب:
-نعم !
-أنا أسف يا باشا، بس احنا مضطرين ننزل تحت نشوف عاوزين ايه
صر أوس على أسنانه بغضب بائن، وضرب الدرابزون بقبضته بعنف، ثم إلتفت نحو فردوس وهتف قائلاً بصوت مخيف:
-راجعلك تاني !
ومن ثم نزل على الدرج بخطوات عصبية، ولحق به المحامي وهو يتمتم بإرتباك..
بداخل منزل الجارة إجلال
رفعت تهاني عينيها نحو العين السحرية لتختطف نظرة أخيرة من ابنها الذي كان يفصلها عنه ذلك الباب الخشبي، فوجدته قد اختفى تماماً، فخفق قلبها مفزوعاً، وشهقت بحزن، وأطلقت لنفسها العنان لتبكي بحسرة، ثم تركت جسدها يتهاوى لتجلس على الأرضية وهي تضرب بكفيها فخذيها هاتفة بندم:
-سيبتك تضيع مني تاني يا ابني، وماعملتش حاجة، آآآه.. روحت من بين ايديا، وأنا مقدرتش أخدك في حضني.. آآآه، يا بني آآآه !
تنهدت إجلال بحزن وهي تقول:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، محدش يصدق اللي بيحصل ده كله !
ثم توجهت نحو تقى، وجثت على ركبتيها، ومسدت على جسدها الساكن قائلة بأسف:
-لطفك يا رب، البت هتلاحق على إيه ولا إيه ؟!
أسفل البناية
خرج أوس من الداخل ووجهه مكفهر للغاية، والشرر يتطاير من حدقتيه الحمراوتين..
فوجد سيارة للشرطة، وبعض الضباط والعساكر متجمهرين أمام المدخل، فحدجهم بنظراته الحادة متسائلاً بشراسة:
-في ايه هنا ؟
رمقه الضابط بنظرات مستهزأة وهو يسأله بجمود
-حضرتك أوس الجندي
أجابه أوس بصوت قاتم، ووجهه قد تحول لكتلة غاضبة ب:
-أيوه أنا !
أشار له الضابط بيده وهو يضيف قائلاً بنبرة رسمية:
-طب اتفضل معانا
تقوس فمه وهو يسأله بإندهاش غريب:
-نعم !
رد عليه الضابط بجمود وهو يشير بإصبعه:
-زي ما سمعت
تدخل المحامي منعم على الفور في الحديث قائلاً بصوت جاد:
-إنت عارف إنت بتكلم مين
سأله الضابط ببرود مستفز وهو يرمق أوس بنظرات شبه مهينة:
-هايكون مين يعني ؟
هتف المحامي منعم قائلاً بجدية، وبنظرات شبه منزعجة:
-ده أوس مهاب الجندي، رجل الأعمال المعروف، و من أثرى أثرياء القاهرة !
لوى الضابط فمه بتهكم وهو يحييه قائلاً:
-وماله تشرفنا يا.. يا أوس بيه !
سأله منعم بإستفهام وهو محدق فيه:
-خير يا سعادت الظابط ؟
أجابه الضابط بهدوء وهو يتفرس في ملامح أوس المتشنجة:
-في بلاغ متقدم في سيادته بمحاولة خطف أنثى !
صاح أوس بصوت هادر عقب الجملة الأخيرة متسائلاً بجموح:
-نعم ! خطف مين ؟ ومين أصلاً اللي اتجرأ وقدم البلاغ ؟!
ظهر الحارس السابق أحمد من خلف الضابط، وهتف قائلاً وهو معتد بنفسه، ونظراته الإحتقارية مسلطة على أوس:
-أنا يا باشا، فاكرني ؟!
تحولت مقلتيه لجمرتين متقدتين من النيران وهو يجز على أسنانه قائلاً بحنق:
-إنت...!
هدر به أحمد قائلاً بغضب وهو يلوح بذراعه في وجهه متحدياً إياه:
-ايوه، بقى جاي تخطف خطيبتي، وعاوزني أسكت !
تدخل المحامي قائلاً بإندفاع:
-مين دي اللي خطيبتك ؟! انت غلطان يا حضرت !
لم يبعد أوس نظراته القاتلة عن أوس، وهمس قائلاً بصوت متوعد:
-هتحاسب !
رد الضابط قائلاً بنبرة رسمية وهو يشير بإصبعه:
-تقى عوض الله خطيبة الأستاذ
أضاف المحامي بصوت محتج وهو يرمق الأخير بنظرات إستهجان:
-بس دي تبقى مرات الباشا، يبقى إزاي هايخطف مراته ؟!
فغر أحمد فمه مشدوهاً، ونطق بنزق:
-اييييه، م.. مراته !
سأله الضابط بجدية وهو يوزع أنظاره بين الجميع:
-في ما يثبت اللي بتقوله ؟
أومأ المحامي رأسه، وهتف قائلاً بثقة وهو يخرج وقة مطوية من جيب سترته:
-أيوه، القسيمة معايا وموثقة كمان.. اتفضل !
أمسك الضابط بالورقة، وفردها، ثم تطلع إلى ما دون وفيها، ومط فمه قائلاً بهدوء:
-مممم.. ده حقيقي فعلاً !
إزدادت نظرات أوس قتامة، وكذلك تعبيرات وجهه، وحدج أحمد بوعيد، وحدث نفسه قائلاً بقسوة مخيفة:
-هاتشوف !
أردف المحامي قائلاً بهدوء حذر بعد أن استرد ورقة وثيقة الزواج:
-ها يا حضرت الظابط اتأكدت ؟!
ثم تابع قائلاً بصوت جاد بعد أن إلتفت برأسه ناحية أوس الجندي وهو يشير بكفه:
-مش معقول يعني اننا نمنع الباشا يزور مراته عند أهلها !
هز الضابط رأسه بإيماءة خفيفة هامساً:
-أها
ثم أكمل المحامي قائلاً بضيق واضح في نبرته:
-بيتهيألي دي غلطة كبيرة، وماينفعش تتعدى بالساهل !
حرك الضابط أنفه، وتشدق ب:
-تمام، بس معلش احنا مضطرين نكمل المحضر ونقفله في القسم !
إحتج المحامي منعم بصوت ممتعض:
-بس الباشا أوس آآآ..
قاطعه الضابط بجدية وهو يشير بيده:
-لازم الباشا يجي بنفسه معانا القسم لأن البلاغ متقدم ضده
أردف أوس قائلاً بصوت مخيف ونظراته محدقة بمن تجرأ عليه وتحداه في أغلى ما يخصه:
-وماله، أنا جاي، بس اللي غلط مع أوس الجندي هايتحاسب !
ثم اتجه أوس نحو سيارته الفارهة بشموخ مريب، ولم يحدْ بنظراته المتوعدة عن أحمد الذي ظل متسمراً لبرهة في مكانه عاجزاً عن النطق بعد أن ألجمت المفاجأة لسانه..
فلم يخطر بباله قط أن تكون تقى قد أصبحت زوجة له..
ها قد ضاعت منه للأبد.. وتعذر عليه إستعادتها من أحضانه...!