رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثالث عشر
بداخل قاعة الأفراح بالفندق الشهير
نجح المسؤلين عن تجهيز القاعة في إبهار الحاضرين بمدى فخامة ورقي الديكورات المستخدمة ..
فالرواق المؤدي للقاعة تزين بالسجاد الأحمر، وبالحواجز الذهبية التي توحي لك بأن تخطو لحفل الأوسكار وليس لحفل زفاف ..
كانت طاولات القاعة زجاجية براقة موضوع عليها مزهريات من الكريستال وممتلئة بورود بيضاء طبيعية
والمقاعد ملفوفة بأقمشة بيضاء وفضية .. وأرجلها مغلفة بشرائط من الستان ..
الجدران – ذات الطلاء البيج - معلق عليها شاشات عرض ليتمكن الحاضرين من رؤية العروسين من كافة الزوايا بوضوح تام
بالإضافة إلى ثريات مختلفة الأحجام موزعة بطريقة متناسقة على سقفية القاعة البيضاء ..
كانت كوشة العروسين مكونة من أريكة بيضاء وثيرة، معقوفة من الجانب، وبها مسند فضي مقوص من الجانب الأخرى ..
ومن خلفها تم وضع لوحة من الستائر الشيفون المرصعة بالفصوص الزجاجية لتعكس الأضواء عليها ..
توسط القاعة مساحة مخصصة للرقص من أرضية لامعة مثبت أسفلها مصابيح ضوئية مختلفة تحول الأرضية في لحظة إلى لوحة مضيئة بمختلف الألوان ...
بحث سامي عن أخيه مهاب وسط الحاضرين، وبالفعل وجده يصافح أحد رجال الأعمال، فخطى بخطوات أقرب للركض – ووجهه متصلب – نحوه، ثم أردف بنزق وهو يحدجه بنظرات حادة:
-ينفع عمايل ابنك دي يا مهاب !
تنحنح مهاب في حرج، وقال بتوتر:
-إحم .. عن اذنك شوية
ثم قبض على ذراع أخيه، ودفعه للجانب وهو يكز على أسنانه قائلاً بحنق:
-تعالى معايا يا سامي.
وقف الإثنين في أحد أركان القاعة، فهتف سامي بإنفعال:
-إبنك مش ناوي يجيبها لبر معايا، وقسماً بالله لولا صلة الدم لكان زماني آآآ...
قاطعه مهاب بصوت حازم وهو يرفع كف يده أمام وجهه:
-سامي اهدى على نفسك، إيه المطلوب دلوقتي ؟
أشار سامي بإصبعه محذراً ب:
-خلي ابنك يبعد عن طريقي بدل ماأندمه على اللي فات كله !
زفر مهاب في ضيق، وأشاح بوجهه للجانب، ثم تابع بغيظ:
-إنت عارف إن أنا ماليش كلمة عليه
إنفعل سامي وهو يرد قائلاً:
-ليك ولا لأ، مش فارق معايا، أنا بس بأحذرك يا مهاب عشان ماترجعش تقولي مانبهتنيش !
أدرك مهاب أن أخيه لن يعدل بالساهل عن تهديده هذا، لذا حاول أن يبدو أمامه أنه متفهم لوضعه، فإبتسم له بسخافة، وأردف قائلاً بنبرة هادئة:
-اصبر بس وهنتفاهم !
هز رأسه بإعتراض جلي وهو ينطق بصرامة ب:
-لأ .. يا ترجع كل حاجة زي الأول، يا هايشوف أوس الوش التاني مني ! وده اخر ما عندي ..!
ثم تركه وإنصرف خارج القاعة، فزم مهاب ثغره في ضيق، وحدث نفسه بسخط قائلاً:
-أووف، يعني كنت ناقصك إنت كمان يا سامي، ما كفاية اللي أنا فيه ..!
بدأت أولى فقرات الحفل بعرض ناري مبهر حاز على إعجاب الحاضرين، تبعه دخول العروسين وسط راقصات محترفات من فرقة باليه شهيرة لاقت الإستحسان .. ثم بدأت الرقصة الهادئة الخاصة بهما ..
أمسك عدي بكف ليان وضغطت عليه برفق، ولف ذراعه الأخر حول خصرها، ثم قربها من صدره، فإلتصقت به، وأسندت كفها عليه، ونظرت له بإعجاب ..
لم يكف عن الإبتسام لها، وهمس في أذنها قائلاً بعد أن إنحنى برأسه عليها:
-النهاردة يوم مش هايتنسي
أومأت برأسها موافقة، ولم تحيد بعينيها اللامعتين عنه ..
جلست ناريمان على أول الطاولات الرئيسية وهي محدقة بهما، وبين الحين والأخر تختلس النظرات إلى ممدوح الجالس على مقربة منها ..
حمدت الله في نفسها أن كل شيء يمر بسلام .. ولكن مازال عقلها متوجساً من حدوث الأسوأ
تبادل مهاب وممدوح النظرات المطولة التي تحمل الوعيد ..
فالبغض بينهما يزداد يوماً عن الأخر، خاصة أن ممدوح لم يعد يخشى من خسارة أي شيء .. ومهاب بات يشعر بالتهديد من رفيقه الذي كان بئر أسراره ..
في منزل أوس بمنطقة المعادي،،،،
حدقت تقى بذعر - وجسدها يرتجف بالكامل – في أوس الذي كان يرمقها بنظراته الشرسة ..
هربت الكلمات من على شفتيها، و تجمدت الدماء في عروقها، بدت كالموتى في هيئتها العامة ..
إضطربت أنفاسها، وتسارعت دقات قلبها .. وتشبثت أكثر بالمدبرة عفاف وكأنها درع يحميها من بطشه الغير متوقع ..
تفرس أوس فيها بشراهة ممتعاً عينيه القاتمتين برؤية ضعفها يزداد يوماً بعد يوم على يديه ..
فكل إرتجافة من جسدها تثيره للفتك بها .. وهَوَانها يجعله أكثر رغبة في الظفر بها والتلذذ بتعذيبها ..
كم دفع من أموال للعاهرات ليدعين الضعف أمامه، ويمثلن الخوف الشديد منه، واليوم ينال مبتغاه برؤيتها على تلك الحالة ..
وقفت بينهما المدبرة عفاف حائرة، فهي لا تعرف فيما يفكر رب عملها، وماذا ينتوي أن يفعل بتلك البريئة ..
انت صدمتها حينما هاتفها وأمرها بالحضور إلى هذا العنوان الغريب على الفور، فإمتثلت دون أي تردد لأوامره، ولكنها لا تقارن بصدمتها الرهيبة حينما رأت تقى متواجدة في هذا المنزل الغريب ..
لم تعرف كيف تتصرف حينما رأتها فاقدة للوعي، منهكة للغاية، قاب قوسين أو أدنى من الموت .. ولكنها لم تتركها للحظة، وظلت جالسة إلى جوارها ..
لم يغب عن بالها لحظة أن أمرها بصوته الصادح ب:
-عاوزك تلبسيها الفستان ده.
ثم أشار بإصبعه نحو فستان موضوع في حقيبة بلاستيكية ..
نظرت هي له بخوف قائلة:
-بس هي آآ.. نايمة وآآ..
قاطعها بصرامة وعينيه تنطقان شرراً:
-أنا مش بأطلب، أنا بأمر !
هزت رأسها موافقة وهي تجيبه بخفوت:
-حاضر يا باشا
وبالفعل نزعت عنها ملابسها، ولبستها ذلك الفستان الأبيض وقلبها ينبض حسرة عليها ..
ثم ظلت جالسة إلى جوارها ترعاها حتى إستردت وعيها ..
وفي تلك اللحظة تحديداً أدركت المدبرة عفاف حجم الخطر المحدق بهذه الفتاة البسيطة ..
عقد أوس ساعديه أمام صدره، وإستند بجسده على باب الغرفة، وثنى ساقه للأمام ثم تسائل بسخرية ب:
-قوليلي ناوية تهربي مني إزاي ؟
نظرت بخوف له، وحولت عينيها نحو المدبرة عفاف مستغيثة بها، فإبتلعت الأخيرة ريقها في توتر ملحوظ، وأردفت بصوت متقطع ب:
-آآ.. دي .. يا باشا آآآ ...
قاطعها هو بصوته الأمر والمتصلب ب:
-اسكتي !
ثم تابع بنفس اللهجة الآمرة قائلاً وهو يشير بإصبعه للخلف:
-إطلعي برا
إنتفضت عفاف في مكانها رهبةً منه، وهزت رأسها عدة مرات بتوتر معلنة إمتثالها لأوامره ..
قبضت تقى على ذراعي المدبرة عفاف أكثر، وهمست لها بإستعطاف جلي قائلة:
-ماتسبنيش لوحدي معاه
أرخى أوس ساعديه، وإعتدل في وقفته، وحدج عفاف بنظرات قاتلة، ثم هتف بنبرة مخيفة ب:
-سمعتي اللي أنا قولته
نظرت عفاف إلى تلك البريئة بأسف جلي، ثم أردفت بصوت حزين وهي تنظر لها بعجز:
-أنا أسفة يا بنتي
هزت تقى رأسها برفض تام، وتمسكت بها أكثر وهتفت بصوت مبحوح ومختنق:
-لألألأ .. ماتمشيش !
صدح بصوته الجهوري مرعباً كلتاهما ب:
-عفاف، خدي حاجتك واطلعي برا مش هاكرر كلامي تاني
إبتلعت ريقها في ذعر، وأجابته وهي مطرقة الرأس:
-حاضر يا أوس باشا
جاهدت عفاف لتسحب ذراعيها من قبضتي المذعورة تقى التي بكت متوسلة إياها أن تظل معها ..
ولكنها توسلت لها بتلعثم وخوف:
-ماينفعش يا بنتي .. ما.. ماينفعش !
إنسلت هي من بين قبضتيها، وأسرعت في خطاها نحو باب الغرفة الواقف بجواره أوس ..
ودت لو إستطاعت إقناعه بتركها لشأنها، ولكن هي مثلها لا حول لها ولا قوة ..
مرت من أمامه بخطوات أقرب إلى الركض، وحانت منها إلتفاتة للخلف لترى تقى متسمرة في مكانها على الفراش، جسدها يرتجف أكثر .. وعينيها الحمراوتين تنطقان عن كم الفزع الذي تعانيه معه ..
أشفقت عليها، ولكن ما بيدها أي حيلة، فأجفلت عينيها في أسف، وخرجت من الغرفة ..
بداخل قاعة الأفراح بالفندق الشهير،،،
تجمعت جميلات الحفل حول العروس وبدأن بالتباري في الرقص معها على أنغام عدد من المطربين المعروفين الذين لم يتأخروا عن تلبية الدعوة ..
كما إلتف بعض الشباب حول عدي، ورقصوا معه ليضيفوا جواً من الحماسة على الأجواء ..
وتسابق المصورين في تغطية تفاصيل هذا الحفل المبهر ..
تجولت ناريمان بين الحاضرين، وهي ترسم على وجهها قناع السعادة الزائفة، لتتلقى التهنئات والمباركات على ذلك الزواج الميمون ..
تابعها مهاب بعينين جامدتين، ولكنه تفاجيء بممدوح يقف أمامه، فإمتعض وجهه، وأردف على مضض ب:
-خير يا ممدوح، عاوز ايه ؟
سحب ممدوح المقعد المجاور له، وجلس عليه، وأردف ببرود قائلاً:
-ولا حاجة .. أنا لاقيتك قاعد لوحدك، فقولت أسليك.
نظر له بإستهجان، وأجابه بنزق:
-شكراً يا سيدي، شوف إنت وراك إيه
هز ممدوح رأسه بإستنكار، ونظر له ببرود وهو يرد عليه بإنزعاج زائف:
-ليه المعاملة الناشفة دي، ده انت المفروض تكون فرحان لجوازة بنتك
إكفهر وجه مهاب، وقطب جبينه، وهتف بنبرة محتجة قائلاً:
-والله ده شيء يخصني
إبتسم له ممدوح إبتسامة مستفزة، وتابع ببرود:
-هي غلطت .. بس عدي زي إبنك برضوه.
تصلبت عروق مهاب وهو يحذره بصوت قاتم ب:
-ممدوح، مافيش داعي للكلام ده، خلاص ده موضوع واتقفل
إزدادت إبتسامته الماجنة، وغمز له وهو يجيبه بمكر ب:
-على رأيك .. ماهي لاقت ال ...آآ... احم ..اللي يشيل الليلة
استشاط مهاب من الغيظ وهو يستمع إلى تلميحات رفيقه المسيئة، فتشدق بتهكم قائلاً:
-ماهي الظاهر طالعة لأبوها، بتعرف تسلك أمورها صح !
نظر له الأخير بإستغراب، فهو لم يفهم المغزى من جملته الأخيرة، فتسائل قائلاً بفضول:
-نعم، تقصد ايه ؟!
ارتبك مهاب وأدرك أنه كان على وشك الوقوع في خطأ جسيم بزلة لسانه تلك، فبادر على عجالة ب:
-آآآ... متخدش في بالك !
ضاقت عيني ممدوح بحيرة واضحة، وأسند كفه على طرف ذقنه، ودعكه قليلاً ..
ثم أشاح بوجهه في إتجاه الشاشة العريضة المثبتة على أحد جدران القاعة حيث كانت صورة العروس ليان تملؤها ..
حدق هو بصورتها بتفرس متمعن لملامحها .. لكن كانت تعبيرات وجهها تشبه بدرجة غير معقولة تهاني في شبابها ..
نفس الإبتسامة، نفس النظرات والإيماءات، حتى تقوس شفتيها وهي تتحدث ..
لم يكن ممدوح قد إنتبه من قبل لهذا الشبه الغريب .. ولكن تركيز عدسات الكاميرا عليها ووضعها لمساحيق التجميل بتلك الطريقة ذكرته بها .. وجعلت قلبه ينقبض وهو يرى ذلك الشبه المقارب بينهما ...
حدث نفسه بعد تفكير مرهق قائلاً:
-لازم أشوف الصور القديمة، استحالة يكون الشبه قريب للدرجادي
راقبه مهاب وهو محدق بغرابة إلى الشاشة، فتوترت ملامحه، وإزداد إرتباكاً ..
فكر سريعاً في أن يصرف إنتباهه عنها، فصاح بصوت مرتفع قائلاً بإرتباك:
-مقولتليش انت .. انت هاتفتح معملك امتى ؟
حاد هو بعينيه بعيداً عن الشاشه، ورمقه بإندهاش معلقاً ب:
-ياه، انت بجد مهتم إنك تعرف، غريبة !
سأله مهاب بهدوء مصطنع ب:
-مستغرب ليه ؟
زم ممدوح ثغره في عدم إقتناع، وأجابه بجفاء:
-يعني فجأة كده بتسأل
هز كتفيه في عدم مبالاة وهو يرد عليه قائلاً:
-عادي كنت مشغول.
لم يقتنع ممدوح بحجته الزائفة، فأردف بإستهزاء:
-مممم، ده أنا بقالي فترة هنا .. !
ابتلع مهاب ريقه، وعدل من وضعية سترته، وتشدق ب:
-أصل أنا آآآآ... يعني آآ..
قاطعه ممدوح بصوت حاسم قائلاً:
-مافيش داعي إنك تبرر، لأني مش مصدقك من الأساس .. ده أنا عاجنك وخابزك يا ... يا مهاب !
رمقه مهاب بنظراته المنزعجة، ثم نهض عن المقعد وقال بضجر:
-أقولك، أنا هاسلم على المعازيم أحسن
تقوس فمه في عدم مبالاة، وأجابه ببرود ب:
-وماله
ثم إستدار ناحية شاشة العرض، وأخرج هاتفه المحمول وقام بإلتقاط صورة مكبرة للعروس ليان ..
في منزل أوس بمنطقة المعادي،،،،
زاغت عيني تقى وهي ترى جلادها يقف بجبروته معتداً بنفسه أمامها ..
لم ترمش بعينيها خوفا منه.. ولكنها كانت ترتجف بشدة.. ضمت ذراعيها إلى صدرها محاولة تغطيته، ولكن تلك البرودة الرهيبة التي تجتاحها جعلت أسنانها تصطك ببعضها البعض ..
نعم فهي صارت بمفردها معه في تلك الغرفة الكئيبة، ولا يوجد ما يحميها منه .. فرعبها منه هو أمر بديهي ..
فهي في قمة ضعفها، وهو في قمة قسوته ..
لقد أيقنت أن فرصة نجاتها من براثنه تكاد تكون منعدمة ..
تمطع أوس بذراعيه في تفاخر، ثم وضع كفيه في جيبي بنطاله، وتحرك خطوة للأمام ..
لم يحدْ للحظة بنظراته القوية عنها ..
إرتعشت وهي تراه مقبل نحوها ..
نظرت حولها بريبة محاولة البحث عن شيء تستخدمه للدفاع عن نفسها في حال اقترابه الشديد منها
لكن لا شيء سوى آثار تلك الإبرة الطبية المغروزة في كفها ..
تحسستها بأصابع مرتجفة، وعضت على شفتها السفلى وهي تنتزعها لعلها تكون وسيلة حمايتها ..
رأها أوس وهي تقبض على الإبرة وترفعها بيدها المرتجفة أمامه، فعقد حاجبيه للأعلى، ومط شفتيه بإندهاش زائف ..
صرخت تقى محذرة بتلعثم وهي تلوح بالإبرة:
-لو قربت مني ه.. هاموت نفسي !
نظر لها أوس بإنبهار .. فرغم وهنها الشديد إلا أنها تقاوم حتى أخر نفس .. وهذا ما يزيده إثارة ورغبة فيها ...
-ارمي البتاعة دي من إيدك
-ابعد عني، أنا ..آآآ...
قاطعها بصوت حاسم وهو يرمقها بنظراته الحادة ب:
-قولتلك لأ مش هابعد .. وكل اللي بتعمليه ده قضا !
ثم سار بخطواته الواثقة نحوها دون أن تطرف عيناه ..
إنقبض قلبها، وتلاحقت أنفاسها وهي تراه مقبلاً عليها كالذئب الجامح
فهددته بعينيها بغرس الإبرة فيها ..
ولكنه باغتها بقبضه على معصمها .. وجذبها نحو صدره ..
جحظت بعينيها الحمراوتين وهي ترى تلاشي المسافات بينهما .. وإستندت رغماً عنها بكفها الأخر على صدره .. فشعرت بدقات قلبه الثابتة بدرجة مخيفة ..
لم يهتز جسده للحظة واحدة .. بل كان أكثر تصلباً وجموداً ..
تعالى صدرها وهبط في ذعر، وتلاحقت أنفاسها .. بينما إرتسمت على محياه إبتسامة لئيمة وهو ينطق من بين أسنانه بإصرار ب:
-إنتي ليا وبس ..!
تلونت شفتيها باللون الأزرق من الخوف، ولم تنبس بكلمة إعتراض واحدة ..
جاهدت لتحرر معصمها من قبضته حتى تجرحه بتلك الإبرة بعد أن فشلت محاولتها في التهديد بقتل نفسها، ولكنه تعمد أن يعتصر رسغها بأصابعه القوية لتظل أثاره محفورة عليها ..
تأوهت من الألم، وتشنجت قسمات وجهها، ورأى نبضات عرقها البارز من عنقها، فتنهد في حرارة، وهمس قائلاً:
-مش هاتفلتي مني يا تقى
حاولت أن تخلص ذراعها الأخر منه، ولكنه كان محاصراً بين صدريهما ..
تلذذ برؤيتها تقاومه .. وبصلابة إنتزع بإصبعيه تلك الإبرة وألقاها خلف ظهره، ثم أحاط خصرها به لتلتصق عن عمد بجسده، ويثير فزعها ..
وبالفعل نجح في هذا ..
كانت تتلوى من الخوف في أحضانه .. وهو ينظر لها بشراهة متمتعاً برؤيتها على وشك الإنهيار ..
أخفض عينيه على شفتيها المرتعشتين - واللاتين كانتا تنطقان عن لسان حالها دون أن تتفوه بحرف - وإحترق شوقاُ لتذوق طعم الخوف عليهما ..
إنحنى برأسه عليها، فأرجعت رأسها قدر المستطاع للخلف لتتحاشاه، فشعر بالإطراء من حاله، وقوس فمه وهو ينطق بثقة قائلاً:
-قدرنا واحد يا تقى .. سامعة واحد .. واستحالة نبعد عن بعض ...!
بداخل قاعة الأفراح بالفندق الشهير،،،،
أعلن منسق الحفل عن وصول المأذون ومعه لفيف من الشيوخ المعروفين إعلامياً للشهود على وثيقة الزواج ..
تفرق الجميع من حول العروسين، وتعالت الزغاريد المصحوبة بأغاني الزفاف الشهيرة ..
إبتسم عدي لليان إبتسامة سعيدة، وهمس لها في أذنها ب:
-كلها شويو ونكون مع بعض للأبد
إبتسمت له بخجل وهي تجيبه ب:
-شور.
رفع عدي كف يدها الرقيقة ليقبله برومانسية أثارت حماس جميلات الحفل وهتفت بإعجاب .. كذلك تعالت الصافرات الشبابية ..
أوصل عدي عروسه إلى الكوشة، ثم اتجه إلى الطاولة التي تم تخصيصها لعقد القران ..
جلست ليان على " الكوشة " وبجوارها جايدا ومن حولهما جميلات الحفل .. وبدأن بالغمز واللمز عن رومانسية العريس ومدى وسامته ..
نظرت إليهن ليان بزوايا عينيها وشرت بالغبطة بداخل نفسها ..
فهي ربما تكون ظفرت بمن يعوضها عن الحنان الغائب في حياتها، ويمحي عن ذاكرتها الخيبة التي وقعت بها ..
وقفت ناريمان على مقربة من الكوشة وحولها سيدات المجتمع المخملي يتهامسن في إعجاب عن روعة تنظيم الحفل، وجمال التصميمات ..
هزت رأسها مشاركة إياهن في الحديث، ولكن عينيها لم تتوقفان للحظة عن النظر إلى زوجها وعشيقها ..
كلاهما جلسا متلاصقين على نفس الطاولة في تحدٍ سافر لبعضهما البعض، بينما جلس قبالتهما عدي وفي المنتصف المأذون ..
بدأ الأخير كلامه بصوت رخيم وثابت ب:
-بسم الله الرحمن الرحيم .. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين و..آآ...!
في منزل أوس بمنطقة المعادي،،،،
أرخى أوس قبضته عن معصم تقى، وأطبق على فكها، ورفع وجهها نحوه بعد أن قربه إليه .. وأردف بتهكم قائلاً:
-مش يالا يا عروسة
اتسعت مقليتها أكثر في رعب، وحاولت أن تنطق ب:
-هاه .. آآ..
تلوى فمه بمكر وهو يرى إنتصاره يتراقص في عينيها، فتابع بجموح قائلاً:
-إحنا إتأخرنا على الناس اللي برا ..!
لم تفهم هي ما الذي يرمي إليه بعبارته الأخيرة تلك، ولكن النظرات الشيطانية المنبعثة من عينيه كانتا كافيتين لتفهم مقصده ..
فغرت شفتيها في رعب وهي تسأله بصوت لاهث ومتقطع ب:
-ن.. ناس مين ؟
وقبل أن يجيبها بصوته الآجش، باغتها بوضع ذراعه أسفل ركبتيها ليحملها بين ذراعيه، فشهقت في خوف، فأردف بنبرة مشاكسة وهو يتحرك بها نحو باب الغرفة:
-المأذون يا عروسة
عجزت لوهلة عن الرد عليه من أثر الصدمة، ونظرت له بذهول تام .. وكأنها تحاول إستيعاب ما لفظه فمه .. ولكن سريعاً ما أفاقت من صدمتها لتصرخ محتدة وهي تركل بساقيها في الهواء:
-لألألألأ ..
ضغط بقبضتيه على جسدها الهزيل فشعرت بأنها تعتصر بين ذراعيه، ونظر لها بدناءة وهو ينطق بخسة من بين أسنانه:
-تؤ.. تؤ .. تؤ .. الرفس جاي بعدين
وإستمر في إحاطتها بذراعيه إلى أن خرج من الغرفة، وتوجه ناحية الصالة حيث ينتظرهما المأذون والشهود...!