رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل التاسع
في منزل أوس بمنطقة المعادي
وصلت لوزة إلى الطابق المنشود، وتأملت المكان من حولها بحذر، ثم أسرعت ناحية " الجرس "لتقرعه ..
ولكن قبل أن تضع يدها عليه سمعت صوتاً مألوفاً يصدر من الداخل، فإتسعت عينيها في حنق، وكزت على أسنانها قائلة:
-أوس، ده .. ده هو !
حاولت أن تخمن ما الذي يحدث في الداخل، ولكن وجدت صعوبة في إسترقاء السمع بوضوح ..
هدأ الصوت فجأة، فإنزعجت كثيراً حيث ظنت أنه يمارس ما عهدته منه مع غيرها ..
إشتعلت مقلتيها بشرر غريب .. ووقفت تهز ساقيها بعصبية وهي تقرع الجرس وتحدث نفسها بحنق ب:
-والله لأوريك إنت وهي وأجرسك في العمارة
إنتظرت على جمرة من النيران المستعرة أن يفتح لها الباب ..
وهنا تلاعب الشيطان برأسها وأوهمها بأشياء مشينة تحدث .. أشياء تجيد فعلها معه ..
لم تتمالك أعصابها وهي تتخيل غيرها في أحضانه يمارس مبتغاه معها، فضربت على الباب بعنف وهي تصرخ ب:
-إفتح يا أوس، أنا عارفة إنك جوا معاها، إفتح وإلا آآ..
كانت على وشك ضرب الباب بقبضتها مرة أخرى، ولكنها توقفت حينما وجدته أمامها .. وتجمدت الكلمات على شفتيها
إبتلعت ريقها بتوتر، ورمشت عدة مرات وهي تحاول أن تكمل بنفس النبرة المحتدة ب:
-هي فين اللي آآ.. آآآآآه
لم تكمل هي جملتها الأخيرة بل صرخت متأوهة من الآلم حيث قبض أوس على رسغها بعنف ودفعها لداخل منزله، وصفق الباب خلفهما بقوة ..
في منزل تقى عوض الله
خرج الشيخ أحمد من غرفة العم عوض وهو مطرق الرأس وممسك بمسبحته، ثم تنحنح بخفوت قائلاً:
-الحمدلله يا ست فردوس، إحنا بقينا فين
نظرت هي له بإمتنان، ثم هتفت ب:
-يستاهل الحمد طبعاً، بس آآ..
ثم صمتت وأخفضت رأسها في حزن، فنظر لها الشيخ أحمد بتوجس، وسألها بقلق ب:
-بس إيه ؟
بدى صوتها حزيناً منكسراً حينما أجابته ب:
-بس هو مش فاكرني خالص
قاومت النحيب الظاهر في صوتها وهي تتابع بإخناق ب:
-ومش بيقول غير اسم تقى وبس، مش فاكر منها إلا اسمها يا شيخنا ... وأنا مراته .. ناسيني و آآ..
إبتسم هو لها، وهز رأسه موافقاُ على ما تقول، ثم حاول تهوين الأمر عليها فأردف مازحاً:
-معلش هو عضمة كبيرة، والعلاج لازم ياخد وقته معاه
عادت البسمة إلى وجهها، ومسحت عبرة تساقطت على وجنتها بكفها المشقق، وسألته بحماسة ب:
-يعني في أمل يا شيخنا يتعافى ؟
أجابها بصوته الهاديء ب:
-كله على الله، ادعيله، وإن شاء الله خير
رفعت كفيها إلى السماء، وناجت المولى ب:
-يا رب خد بإيدنا وزيح عنه
تحرك الشيخ أحمد في اتجاه مدخل المنزل، وقبل أن يخرج منه سألها بجدية قائلاً:
-ومافيش أخبار عن ست البنات ؟
تنهدت في آسف، وأجابته بصوت منكسر ب:
-لأ .. معرفش عنها حاجة خالص
مط فمه للجانب قليلاً، ثم تابع بنبرة هادئة ب:
-ربنا يرجعهالك بالسلامة
قالها ثم إنصرف خارج المنزل، فإستندت هي بيدها على الباب وصاحت ب:
-يا رب أمين، إدعيلنا أمانة عليك يا شيخنا
أجابها الشيخ أحمد بنبرة شبه عالية وهو يتجه للدرج ب:
-بأمر الله
ثم أغلقت الباب، وعاودت أدراجها نحو غرفة النوم وهي تغمغم ب:
-لِم شملنا تاني يا سميع !
في منزل أوس الجندي بمنطقة المعادي
ألصق أوس جسد لوزة بباب منزله، وقبض على عنقها بكفه الغليظ، وحدق فيها بنظرات مميتة .. ثم صر على أسنانه بشراسة قائلاً:
-مفكراني هاسيبك كده من غير ما أخد روحك بإيدي
تلوت هي بجسدها محاولة تخليص رقبتها من بين أصابعه، ولكنها فشلت .. شعرت بأنفاسها تختنق، وبحشرجة قوية في صوتها، فكافحت متوسلة له ب:
-ه... هاتخنق .. سي.. سيبني يا باشا
إستمر هو في الضغط على عنقها دون أن تطرف عينيه المحتقنتين، وصاح فيها بشراسة ب:
-جاية هنا ليه ؟ انطقي !
-هاتخنق ي.. يا باشا
أرخى قبضته عنها، فوضعت يديها على عنقها وفركته، ثم نطقت بصوت متحشرج وهي تنظر له بخوف ب:
-أنا .. أنا كنت عاوزة أطمن عليك
قهقه أوس عقب عبارتها الأخيرة بطريقة متهكمة، ثم سألها بجمود وكأن الضحكة لم تعرف طريقها إليه يوماً ب:
-وده من امتى ؟
أدركت لوزة أنه ليس في مزاج يسمح بالجدال معه، لذا إقتربت منه بدلال وأسندت كفها على كتفه وضغطت عليه قليلا ثم همست له برقة مصطنعة وهي تنظر إليه بنظرات راغبة ب:
-مش .. مش أنا لوزة حبيبتك اللي آآآ.. آآآآه
قبض هو على كفها بقوة آلمتها، وأزاحه عن كتفه، ثم حدجها بنظرات مهينة، وتابع بقسوة ب:
-أنا ماليش حبيبة وانتي عارفة ده
ضمت هي كفها إلى صدرها، ونظرت إليه بتودد، ثم أردفت بصوت متلعثم:
-ايوه، بس أنا .. أنا آآآ...
قاطعها هو بصرامة أجبرتها على الصمت وهو يرمقها بنظراته المهينة ب:
-بقولك إيه، أنا مش فاضي لهري النسوان بتاعك، لو كنتي بترضي مزاجي فإنتي قبضتي تمنه، وأنا شوفت كيفك !
إبتلعت مرارة كبيرة في حلقها وهي تستمع إلى كلماته اللاذعة، وحاولت أن تبرر فعلتها معه بصوت متوسل ب:
-ماشي، بس أنا .. أنا بأحبك
ضحك بطريقة مصطنعة زادت من إستفزازها، ثم بصوت خالي من الحياة هتف ب:
-هع هع هع .. بتحبيني ؟ بطلي هبل، إنتي فاهمة كويس اللي بأعمله ده مش حب
وقفت قبالته، ونظرت إليه بشوق وهي تنطق ب:
-ممكن مش حب بالنسبالك، بس أنا ارتبطت بيك وبقيت مدمنة ليك وللي بتعمله فيا وآآ..
قاطعها بصوت جاف وهو ينظر لها بإزدراء ب:
-مافيش حاجة كانت ببلاش
أشارت إلى نفسها، ثم قالت بتشنح:
-أنا أديتك روحي ببلاش
وضع كفه أمام وجهها، ونظر لها بسخط، ثم هتف بصرامة:
-لأ عندك، كله كان بحسابه، ويالا غوري من هنا مش عاوز أشوف خلقة امك تاني
نظرت له بأعين دامعة رغم إحتقانها، ورددت بغضب:
-إنت بتطردني
حدجها بنظرات مهينة هو يشير بأصابع يده، وهتف صادحاً بقوة ب:
-إنتي مفكرة نفسك مين ؟ لأ اصحي كويس، أنا أوس باشا الجندي، في تكة أفرمك وأمحيكي من على وش الأرض
صرت على أسنانه بضيق جلي وهي تجيبه ب:
-أنا عارفة إنت مين، وآآ..
قاطعها ببرود وهو يجرها من ذراعها للخلف ب:
-امشي، أنا مش فاضيلك
أزاحت قبضته عنها، وتسمرت في مكانها رافضة ترك المنزل ..
ثم نظرت له بأعينها المتقدة من الغضب وصرخت فيه بإهتياج ب:
-يبقى الكلام اللي سمعته صحيح
ضيق عينيه في عدم فهم، وسألها بجدية ب:
-كلام إيه ؟
حدجته بنظرات قاتلة وهي تجيبه بثقة ب:
-إنك لايف على واحدة تانية
تحولت عينيه لجمرتين من النيران وهو ينطق بشراسة ب:
-نعم !
تابعت هي بصوت متشنج وهي تشير بيدها في الهواء:
-أيوه واحدة شايفة مزاجك عني
لم يمهلها الفرصة لتتمادى أكثر في الحديث، حيث غرس أصابعه في ذراعها، ودفعها بعنف نحو باب منزله وهو يهدر ب:
-اطلعي برا
قاومته بكل ما أوتيت من قوة وهي ترد عليه بصوت منفعل ب:
-يبقى هي أكيد جوا، وإنت بتوزعني عشانها
فتح باب منزله، وألقى بها في الخارج وهو يعنفها بشراسة ب:
-برا يا ***** من هنا
تحسست هي موضع أصابعه بعد أن أبعد قبضته عن ذراعها، ثم صاحت ب:
-اشتم زي ما إنت عاوز، أنا متأكدة إنها جوا، أنا سمعاك بتكلمها .. آآآآآآه
أطبق هو على فكها بقبضته المتينة فتوقفت عن الكلمات وصرخت متأوهة منه، ثم دفعها بجسدها للخلف، ونطق بشراسة من بين أسنانه وهو يحدجها بنظراته القاسية ب:
-لما أقول برا يبقى برا .. واتجرأي بس وإفتحي بؤك بحرف عني .. هايكون أخر كلمة تقوليها !
حاولت أن تتحدث، لكن قبضته أحدثت ألماً رهيباً بفكها وهي تجاهد للنطق ب:
-آآآه.. إنت آآ..
نظر لها بشراسة أشد وهو يحذرها ب:
-أحسنلك تتقي شري لأنسفك
ثم دفعها بعنف من فكها، ليرتد جسدها ويسقط فترتطم بأرضية المدخل ..
بصق عليها بعد أن رمقها بنظراته المهينة، وتابع ببرود ب:
-مش أوس الجندي اللي تهدده *****
ولج إلى داخل منزله، وصفق الباب بعنف خلفه، فإستشاطت غضباً، وصرخت بصوت هادر ب:
-والله لأندمك يا باشا، لأخليك تشوف لوزة ال ***** هاتعمل ايه !
لملمت نفسها، ونهضت عن الأرضية الصلبة، ثم عدلت من هيئتها، ونفضت الغبار العالق بتنورتها القصيرة ..
اعتدلت في وقفتها، وضبطت أنفاسها اللاهثة، ثم أزاحت خصلات شعرها التي تناثر على وجهها وعينيها للخلف، ونظرت بحنق للباب وتوعدت ب:
-هاموتك يا أوس، هاموتك قبل ما تدفني !
ثم إتجهت للمصعد وضغطت على زره بعصبية وتابعت بصوت مهتاج ب:
-هاتموت يا أوس، ورحمة الغاليين لهتموت على إيدي أنا...!