رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل السادس والعشرون
في أحد الفنادق الشهيرة بالعاصمة الإيطالية روما،،،
في الجناح الملكي،،،
تمدد عُدي على بطنه بعد أن وضع منشفة بيضاء على خصره، وثنى مرفقيه أسفل رأسه بعد أن أغمض عينيه، وإسترخى تماماً، ثم بصوت شبه ناعس أردف ب ...
-Go ahead babe ( إبدأي يا حلوة )
بدأت فتاة ما أجنبية الملامح ذو شعر أشقر، وبشرة بيضاء.. ترتدي ملابس تشبه الممرضات ولكنها أقل حشمة وشبه عارية في تدليك ظهره بكلتا يديها، تارة بنعومة، وتارة أخرى بقسوة جعلته يصدر أنيناً خافتا..
كان على وشك الإسترخاء أكثر، والتمادي في أمور محظورة مع الفتاة، ولكن قطع نيته صوت طرقات ثابتة على الباب، فزفر في انزعاج، ورفع حاجبه في ضيق، و..
-إيه الفقر ده ! ده أنا لسه كنت هاسخن
أشار عدي للفتاة بطرف يده لكي تبتعد عنه، ثم نهض عن الفراش، وسار في اتجاه الصالة الخارجية بعد أن أغلق باب غرفة النوم .. ثم فتحه ليجد أوس أمامه، فإتسعت عيناه من الإندهاش، و..
-أوس ! إنت مش كنت هاتظبط نفسك مع آآ...
تأمله أوس بنظرات متفحصة، ولم ينبس بكلمة، فابتسم عدي في بلاهة وهو ينظر إلى خصره وإلى المنشفة التي كادت أن تسقط عنه، وغمز له بلؤم و..
-معلش كنت في جلسة مساج إنما هتعجبك
ظلت تعابير وجه أوس جامدة وغير مقروءة، ثم دلف إلى داخل الجناح، ومن ثم أشار بحاجبه لعدي وكأنه يصدر أمراً صارماً له ب ..
-وزع البت دي الوقتي !
انزعج عدي على الفور، وظهر العبوس على قسمات وجهه، وتذمر قائلاً ..
-ليه بس ؟ حد يقول للنعمة لأ ... وبعدين إنت مش كنت مظبط مع مزة من إياهم وآآ..
أولاه أوس ظهره، ووضع يديه في جيبي بنطاله، ونظر في اتجاه المنظر الطبيعي الذي يظهر جلياً من خلف الحائط الزجاجي، وزفر في انزعاج، و..
-مخنوق مش عاوز أي حد ..!
اقترب عدي منه، ووقف خلفه، و..
-مخنوق ! من إيه ؟ ده حتى المزز هنا رهن إشارتك، في تكة تبقى عبدة عندك، تعمل فيها اللي انت عاوزه، وتقولك كمان يا باشا، ده أنا كلي ملك على رأي البت المطربة اللي اسمها شيرين
استدار أوس بجسده كلياً ليواجه عدي، ونظر إليه بنظرات غامضة، و..
-أنا مش فايق للهزار، ولا لغيره، أنا عاوز أرجع مصر بسرعة
انعقد حاجبي عدي في اندهاش، ووضع يده على طرف ذقنه في حيرة، و...
-ترجع مصر بسرعة ! يا أوس ده احنا لسه واصلين، وملحقناش حتى نقابل مندوبين التوكيل، ومحتاجين وقت عشان نظبط كل حاجة، ونتأكد من العقود والإتفاقيات، وآآ...
أسند أوس كف يده على كتف رفيقه، وضغط عليه قليلاً كي يكف عن الكلام، وحدق أمامه و..
-كل ده مايفرقش معايا، أنا عاوزها هي !
-مين دي ؟
تنهد أوس في ضيق، ثم أبعد يده، وإستدار للخلف مجدداً في اتجاه الحائط الزجاجي، سلط بصره على نقطة ما فيه، ثم بكل هدوء تحدث ب...
-تقى ..!
وضع عدي يده على رأسه ودعكها عدة مرات في يأس، ثم وقف إلى جواره رفيقه، ونظر إلى حيثما ينظر، و...
-برضوه البت دي لسه في دماغك، انساها يا بني، والله ما هيجي من وراها غير وجع الدماغ
تنهد أوس في ضيق، ثم نظر لعدي بعينيه الصارمتين، وبنبرة تحمل الوعيد تشدق ب...
-مش هنساها يا عدي غير لما أخد اللي أنا عاوزه منها
لمح عدي الإصرار واضحاً في عينيه، فحاول أن يستشف منه السبب، فبادر بسؤاله ب...
-وإنت في ايه بينك وبينها بس لكل ده ؟ إيه اللي مخليك حاطتها في دماغك ومركز أوي معاها ؟!
-في إنها أول واحدة إتجرأت عليا
-هو إنت يعني سبتها، ما انت قرفتها، وآآ..
صر أوس على أسنانه في توعد وهو يضيق عينيه الغاضبتين أكثر و...
-أنا ماعملتش حاجة فيها لسه !
أشار له عدي بطرف إصبعه محذراً ب...
-بص ! طول ما إنت بتفكر في البت دي مش هترتاح، أنا لو مكانك أكبر منها، دي واحدة وقيع، كسر، متسواش أصلاً إنك آآ..
رفع أوس كف يده في وجه عدي ليمنع الأخير عن الإستمرار في الحديث، ثم بكل صلابة تحدث ب...
-عدي، مات الكلام في الموضوع ده، أنا راجع بكرة مصر، وإنت مكاني هنا تخلص كل حاجة، ماشي
ارتسمت علامات الإندهاش على جميع قسمات وجهه، وفغر ثغره من الصدمة، و...
-ايييه ؟ انت بتقول ايه ؟
ابتسم له أوس من زاوية فمه نصف إبتسامة، وبكل برود تحدث قائلاً ...
-اللي سمعته، أنا خلاص حجزت التذكرة، ومسافر الفجر
-نعم !
أسند أوس كف يده على كتف عدي، ثم ربت عليه بقوة، ولم يطرف بعينيه وهو يتحدث بهدوئه المستفز ب...
-Good Luck يا صاحبي، ورينا شطارتك في مهمتك دي ..!
ثم سار في اتجاه باب الجناح، ولم يلتفت للخلف تاركاً رفيقه في حالة صدمة ..
وضع عدي كلتا يديه على فروة رأسه ومررهما بعصبية عليها ليحكها في نرفزة، و..
-أوس ده مجنون، والله مجنون، ومش هيرتاح إلا لما يجيب لنفسه مشاكل مالهاش حل مع الزفتة دي ...!
في منزل حكمت
عادت رحمة من الخارج، وألقت بحقيبة يدها الحمراء الكبيرة على الأريكة، ثم خلعت حذائها ذو الكعب العالي، وسارت في اتجاه غرفتها، ولكنها توقفت عن الحركة حينما وجدت خيال شخص ما قابع في الظلام ..
-الله ! إنتي
نهضت حكمت عن المقعد، وأضاءت مصباح غرفة الصالة وهي تسير في اتجاه ابنتها، و..
-ايوه ياختي، أنا !
أمعنت رحمة النظر في والدتها، وبكل جفاء تسائلت ب...
-انتي خرجتي من القسم امتى يامه؟
لوت حكمت زاوية فمها في تهكم جلي، و...
-طب كويس إنك فاكرة إني لسه أمك، و أني كنت متنيلة محبوسة في القسم
أشاحت رحمة بيدها في الهواء بكل إنفعال، ثم أولت ظهرها لها، و...
-يوووه يامه، مش كل يوم هانعيد ونزيد في الاسطوانة الفارغة دي
لكزتها والدتها في كتفها بعد أن وقفت خلفها، ثم بإنزعاج زائف نطقت ب...
-يا بت خلي عندك دم، ده أنا بأهبب اللي بأهببه ده عشان تاكلي كويس وتلبسي نضيف وأعملك قيمة وسط الناس
نظرت لها رحمة بإزدراء قبل أن تردف متبرمة ب ...
-هأو .. ناس ؟ هما فين دول، يامه خليني حاطة زفت في بؤي وساكتة ..!
-هو أنا يعني قصرت معاكي ؟ ماهو على يدك
زفرت رحمة في يأس، ثم أشاحت بوجهها بعيداً عن والدتها، وأولتها ظهرها وسارت في اتجاه المرحاض، و..
-بقولك إيه يامه، قفلي على السيرة دي وخليني أروح أنضف جتتي قبل ما أنزل ..!
ضيقت حكمت عينيها في حيرة، و..
-هو إنتي نازلة تاني ؟
وضعت رحمة يدها في منتصف خصرها، ومدت ساقها للأمام وهي ترمق والدتها بنظرات متحدية، و..
-أه .. عندك مانع ؟!
فغرت حكمت شفتيها قليلاً من الإندهاش، ثم سريعاً ما لملمت شتات نفسها، وتحدثت بنبرة شبه متلعثمة ب...
- هه، آآ.. لأ .. بس آآ.. على فين العزم ؟
-شغل يامه، شغل
اقتربت حكمت من إبنتها، ونظرت لها بعاطفة مصطنعة وهي خافضة لنبرة صوتها، و...
-طيب .. بس مش ناوية كده آآ... آآآ.. تشوفي أمك بحاجة ؟
تنهدت رحمة في إنهاك، ثم أشارت بعينيها نحو حقيبتها الملاقاة، و..
-عندك الشنطة أهي يامه، خدي منها اللي انتي عاوزاه، بس سيبلي فلوس للمواصلات
تهللت أسارير حكمت على الفور، وإرتسمت الابتسامة العريضة على ثغرها، وظهرت الفرحة جلية في كلتا عينيها، و...
-حبيبتي يا رحووم، تسلميلي يا غالية !
ثم ركضت في اتجاه الحقيبة، وانحنت لتلتقطها، وبدأت تعبث في محتوياتها بحثاً عن النقود ... بينما اتجهت رحمة للمرحاض، وصفقت الباب خلفها بقوة ...
في الساحل الشمالي،،،،،
وضعت ناريمان الهاتف على أذنها بعد أن ضغطت على زر الإتصال بإبنتها، ثم ظلت تهز ساقها البارزة من أسفل تنورتها التي تصل إلى ما بعد ركبتيها في عصبية، و..
-أووف عليكي يا ليوو، بجد إنتي غريبة ! مش معقول مش شايفة كل ال missed calls دي ..!
-ناريمان حبيبتي، تعالي يالا
استدارت ناريمان بظهرها للخلف، ورمقت ممدوح بنظرات حادة وشبه غاضبة، و...
-ثواني يا ممدوح، هاطمن بس على ليان، وبعد كده آآ..
وضع ممدوح قبضتي يده على ذراعي ناريمان، وظل يتحسسهما بأصابعه وهو يبادلها نظرات دافئة، و..
-مالك يا حبي ؟
تنهدت هي في إرهاق، وحدقت فيه بأعين شبه مضطربة، و..
-ليان مدوخاني معاها من الصبح
وضع ممدوح إصبعه على طرف ذقنها، وظل يمرره عليه في نعومة، و..
-عادي يا ناريمان، كل البنات اللي في سنها كده
أزاحت هي إصبعه، ثم تحركت للأمام خطوتين، و..
-لألأ .. هي مكانتش كده، بالعكس إحنا كنا جايين الساحل وهي طبيعية جدا، لكن فجأة حالها اتشقلب، وبقيت مش عارفة أوصلها
عقد ممدوح ساعديه أمام صدره، ونظر في اتجاهها، و...
-تلاقيها بس مشغولة مع صاحبتها ولا حاجة
التفت له برأسها كلية ً، ولم ترمش بعينيها، و..
-جايدا !
ابتسم هو لها بهدوء زائف، وهز رأسه موافقاً ..
-أكيد
تملكها الحماس، وأجفلت عينيها قليلاً لتنظر لهاتفها المحمول، ومن ثم بدأت بالضغط على أزراره في تلهف، و...
-طب أنا هاكلم جايدا وأسألها عنها، at least ( على الأقل ) هاطمني عليها ..!
-أوكي، بس بسرعة عشان نلحق نرجع الشاليه
هزت هي رأسها موافقة عدة مرات، و..
-اوكي
وضعت الهاتف مجدداً على أذنها، وانتظرت أن يأتيها الرد من الجانب الأخر، و..
-هاي جودي، how are you ( كيف حالك ؟ ) .. أنا كنت آآ.. .. ممممم.. تمام
ظلت تتحرك بحركات عشوائية وتغمغم بخفوت، في حين راقبها ممدوح بنظراته الثاقبة، ثم نظر في ساعة يده، و..
-الوقت بيضيع الفاضي، وهي مش مركزة بس غير في عيالها، وأنا عاوز أتبسط معاها، يالا بقى يا نريموو
أنهت ناريمان المكالمة الهاتفية مع جايدا، وعاودت أدراجها في اتجاه ممدوح ووجهها مازال إلى حد ما متشنج الملامح ..
-برضوه متعرفش عنها حاجة
-طب اهدي، شوية أكيد وهتلاقيها جاية عندك
ضيقت ناريمان عينيها، ووضعت يدها في منتصف خصرها، وصرت على أسنانها في حنق، ..
-البنت دي لازم تتعاقب، بس أشوفها
مد ممدوح يده ليمسك بكف يدها، ثم وضعه على صدره، وبصوته الرخيم بدأ الحديث ب...
-اعملي اللي انتي عاوزاه معاها، بس الوقت من دهب وآآ..
أخفض نبرة صوته أكثر لتصبح أقرب للهمس، ونظر إليها بنظرات ذات مغزى، ..
-واحنا جايين هنا عشان نتبسط، صح ولا أنا غلطان ؟
ابتسمت هي له ابتسامة مجاملة، ثم تنهدت في إرهاق، و..
-اوكي
أسند هو ذراعه على كتفها بعد أن جذبها نحوه، ثم سار كلاهما في اتجاه الشاليه الخاص بعائلة الجندي ...
في منزل تقى عوض الله،،،،،
رصت تقى صحون الطعام على الطاولة، ولم تنطق بكلمة خشية أن تثير حنق والدتها التي لم تكف عن رمقها بنظراتها الحادة، وجلست على مقعدها في صمت، وبدأت في تناول الطعام ..
لم تتحدث فردوس هي الأخرى بل ظل عقلها مشغولاً بأحداث اليوم من البحث عن وظيفة تناسبها، والسؤال عن زوجها وكذلك أختها، وبالتالي لم تكن لديها الطاقة الكافية للمجادلة مع ابنتها على فعلتها الغبية ..
حاولت تقى أن تختلس النظرات إلى والدتها، فتيقنت من شرودها، ومن عدم تناولها للطعام بصورة جيدة، فإنتابها القلق على حالها، وترددت في الحديث معها، ولكن في النهاية قررت أن تفتح معها حواراً عادياً لعلها تسبر أغوار عقلها، لذا أردفت ب ..
-ماما
انتبهت لها فردوس، وسلطت عينيها عليها، وبكل جفاء تحدثت ب ..
-في ايه؟
ابتلعت تقى ريقها في توتر، ثم نظرت إلى صحن طعامها شبه الفارغ، وسألتها بخفوت ملحوظ ب...
-هو .. هو انتي كويسة ؟
-أه
ابتسمت تقى ابتسامة صغيرة، ثم نظرت في اتجاه والدتها بحيرة، و..
-طيب .. حضرتك ساكتة ليه ؟ هو .. أو أنا زعلتلك في حاجة ؟
حدجتها والدتها بنظراتها الصارمة قبل أن تنفجر بغضب فيها ب...
-يعني مش عارفة انتي عملتي ايه ؟
-والله يا ماما أنا كنت بس عاوزة أشوف الدنيا تحت عاملة إزاي، لكن آآ..
تركت فردوس معلقتها على الصحن، ثم ...
-خلاص قفلي على الموضوع ده، مش ناقصة رغي على الفاضي
أخفضت تقى رأسها في إستياء، و..
-حاضر
ثم صمتت للحظات قبل أن تنطق بنبرة شبه مرتبكة ب ..
-أومال مافيش جديد ؟
رفعت فردوس حاجبها في إنزعاج، ثم تنهدت في إنهاك قبل أن تنهض عن الطاولة، وتجيبها ب...
-لأ .. لمي الأطباق واغسليها، مش عاوزة حاجة تبات في الحوض، أنا مش ناقصة قرف
-طيب
ثم تركتها وانصرفت في اتجاه غرفتها وهي مقطبة الجبين ...
في سرادق حفل الزفاف،،،،
انطلقت الألعاب النارية المصحوبة بالموسيقى الصاخبة لتعلن عن بدء حفل الزفاف الشعبي ..
إكتسى وجه بطة بعلامات الرعب والقلق، ولم تكف عن النظر إلى عبد الحق الذي كان يرسم تلك الإبتسامة السخيفة على وجهه
جلست هي على ( الكوشة ) المخصصة للعروسين، وظلت تراقب الجميع بأعين متوجسة ..
وقفت إلى جوارها والدتها وأخواتها الصغيرات، وكذلك عددٍ من رفيقاتها في المدرسة ..
انحنت إحداهن على ركبة بطة، ثم ( قرصتها ) بخفة فيها وهي تبتسم لها بحماس، و...
-أديني قرصتك في ركبتك عشان أحصلك في جمعتك
إبتسمت بطة إبتسامة مصطنعة، ولم تعقب ..
توالت القبلات والتهنئات عليها، ولكنها لم تكن متواجدة بروحها معهن، بل ظلت تترقب ما الذي يمكن أن يحدث لها لاحقاً ...
بينما إنشغل عبد الحق بالرقص والغناء مع أصدقائه الذين لم يجعلوه يجلس لثانية واحدة بجوار عروسه ..
كذلك أعطاه البعض منهم لفافات غريبة الشكل، وكذلك بعض الأقراص، فدسها في جيبة، وابتسم لهم في خبث ..
لم تكف إحسان هي الأخرى في رمق بطة بنظرات نارية متوعدة، وظلت مكفهرة الوجه، وعابسة الملامح، و..
-ربنا يجعلها ليلة سودة عليكي وعلى اللي زيك
مالت هنية برأسها عليها، ولكزتها في ذراعها و..
-شوية وكلنا هنتفرج على العجب كله
صرت إحسان على أسنانها في قوة، وكورت قبضة يدها في حنق، و..
-ده أنا هاكسر نفسها بنت ال *** دي
ابتسمت هنية في تشفي، ونظرت إلى العروس بنظرات حاقدة، و...
-وماله، المهم إنتي تعرفيها إنك ست البيت، والأمر والنهي ليكي وبس !
في شاليه عائلة الجندي،،،،،
وضعت ناريمان المفتاح في المكان المخصص له لكي تفتح الباب، وكان يقف ورائها ممدوح وهو يحمل في يده حقائب بلاستيكية مليئة بالطعام الجاهز والشراب ..
كان كلاهما يتبادلان كلاماً غير مفهوم إلى أن ولجا إلى الداخل فتسمرا في مكانهما غير مصدقين وجوده أمامهما ..
ارتبكت ناريمان على الفور، وتوترت ملامحها، وحاولت أن تسيطر على إنفعالاتها المضطربة، ولكن خرج صوتها ضعيفاً مرتبكاً حينما نطقت ب...
-م... مهاب !
ضيق مهاب عينيه أكثر، وحدق فيها بنظرات شبه حادة، و..
-أيوه، كنتي مفكراني حد تاني
تنحنح ممدوح في خشونة، وتصنع السعال، ثم ..
-احم ... ازيك يا مهاب، حمدلله على سلامتك
نهض مهاب عن المقعد وهو متجهم الوجه، وسار في اتجاههما، ورمق كليهما بنظرات مشمئزة قبل أن يوجه حديثه لممدوح ب...
-إنت بتعمل هنا ايه يا ممدوح ؟
ابتسم ممدوح في برود مستفز، ثم أسند الحقائب البلاستيكية على الأرض، ونظر إلى رفيقه بنظرات غير عابئة بعد أن وضعي يديه في جيبي شورته القصير، ثم بكل برود تحدث قائلاً ب...
-ولا حاجة
-ولا حاجة إزاي ؟ انت مش كنت لسه أعد في السعودية، واجازتك لسه بدري عليها !
ابتسم هو في برود أكثر، ثم أخرج يده اليمنى من جيبه، ومررها على رأسها ليرتب شعره بروية، ثم أردف ب...
-عادي، زهقت، فقولت أخد الأجازة بدري
مط مهاب شفتيه في عدم إقتناع، ووقف قبالة ممدوح ورمقه بنظراته النارية والاستهجانية قبل أن ينطق متهكماً ب...
-تنزل بدري .. ممممممم.. بس اللي أعرفه إن اللي بيرجع من السفر، بيروح بيته، مش بيجي الساحل مع مرات صاحبه
ابتسم له في خبث، ورمقه بنظرات تحمل مغزى و..
-ما إحنا كلنا عيلة واحدة، ولا .. آآ.. ولا نسيت ...!
شعرت ناريمان بإضطراب الأجواء بين الاثنين، وخشيت أن يتمادى الأمر أكثر من هذا، فتدخلت على الفور ب...
-مهاب، انت .. انت مش كان عندك مؤتمر باين ؟
لم ينظر مهاب في اتجاهها، بل ظل محدقاً بممدوح، و..
-أه كان في، بس اتلغى !
ثم نظر لها من زاوية عينه بقسوة قبل أن يتابع بنبرة تحمل إيحاءاً ما ب ...
-وأظن يعني إنه من حقي كجوزك إني أقضي وقت معاكي ومع عيلتي، ولا أنا غلطان يا .. يا ناريمان هانم
تنحنحت هي في حرج، ونظرت إلى ممدوح نظرة خاطفة وكأنها تحاول تبرير ما ستفعله لاحقاً، و..
-أه طبعاً .. آآ.. ح.. حمدلله على سلامتك يا مهاب
ثم اقتربت منه وعانقته عناقاً عادياً لا يحمل من الود أو القرب أي شيء .. ثم ابتعدت عنه، وتحاشت النظر إليه، و..
-هاروح أنا أجهز حاجة بسيطة للعشا
ابتسم لها زوجها إبتسامة مجاملة، ثم وضع يده على وجنتها ليمسح عليها برقة قبل أن يتحدث ب...
-تمام ..
ثم استدار قليلاً برأسه ليتابع النظر إلى ممدوح بنظراته الساخطة، و..
-وأهي فرصة أكون أنا اتكلمت مع صاحبي شوية
ابتلعت ريقها في توتر جلي، ووزعت نظراتها بين الاثنين، وحاولت أن تبدو أكثر هدوءاً، و..
-أوكي .. بس .. بلاش خناق، احنا عاوزين نقضي سهرة لطيفة
أجابها مهاب ببرود دون أن ينظر إليها ب ..
-أكيد .. بسرعة جهزي الحاجة يا حبيبتي
-طيب
ثم تركتهما وانصرفت وهي تضع يدها على قلبها، و..
-أووف، مكنش متوقع إنك تجي خالص يا مهاب، إيه بس اللي جابك الوقتي، OMG ..!
أمسك مهاب ممدوح من ذراعه، ودفعه عنوة في اتجاه الشرفة الواسعة، ولم يتركه إلا حينما تأكد من ابتعادهما تماماً عن ناظري زوجته، فحدجه بنظراته الغاضبة أولاً ثم انفجر ثائراً فيه ب...
-انت اتجننت يا ممدوح، بتعمل ايه هنا مع مراتي ؟!
ابتسم له في تهكم واضح، ثم ...
-ولا حاجة، عادي يعني، زيارة عائلية
إغتاظ مهاب كثيراً من ردة فعله الفجة، وإنتابته العصبية حتى في نبرة صوته، و...
-يا سلام ؟! هو انت شايفني أهبل ولا مغفل عشان أصدق كلامك ده
تنهد ممدوح في عدم إكتراث، ثم اتجه إلى أقرب مقعد بلاستيكي، وجلس عليه، ووضع ساقه فوق الأخرى، ثم أسند مرفقيه على المسندين، وبدأ يحرك المقعد بطريقة هادئة ..
-براحتك
إشتعل مهاب غضباً، وثارت ثائرته كثيراً، فإقترب منه، وأمسك به من ياقته، وجذبه عنوة من عليه لينهض الأخير واقفاً، ثم بنبرة محتقنة تحدث ب...
-فوق يا ممدوح، ماضيك الوسخ أنا لسه محافظ عليه، فمتخلنيش أتجن وأطلعه عليك
وضع ممدوح قبضتي يده على يدي مهاب، ثم نزعهما بقوة، وهو يرمقه بنظراته المحذرة، و..
-قبل ما تتجن وتطلعه، إفتكر إني كنت ستر وغطا عليك في بلاويك، ولا ناسي الممرضات والخدامات وأخرهم كان تهاني ..!
أطبق مهاب على فم ممدوح ليمنعه عن الكلام، و..
-بس اسكت خالص، دول كلهم مايجوش حاجة جمب اللي إنت عملته فيها
أزاح يده بعيداً عن ثغره، ثم قبض على كفه، وضغط عليه بأصابعه في حنق، ومن زاوية فمه تحدث وهو يضغط على الحروف ب ..
-هع .. تهاني ! أنا معملتش ده لوحدي، إنت مش كنت معايا، وبموافقتك عشان تغطي على جريمتك في المستشفى
اتسعت عينيه الحمراوتين في غضب واضح، وصر على أسنانه أكثر، و...
-اسكت خالص، ماتنطقش
دفعه ممدوح للخلف، ونظر له بجفاء قبل أن يتحدث بنبرة قاسية ب...
-لأ هاتكلم، لأني مش لوحدي اللي عملت ده، كان بمباركة منك، وكفاية إني سبتلك مراتي تعمل فيها اللي انت عاوزه
-بس انت آآآ...
(( طرااااااااااااااخ ))
توقف كلاهما عن الجدال الحاد حينما سمعا صوت تحطم لأكواب زجاجية وتهشمها إلى أجزاء صغيرة، فنظرا حيث مصدر الصراخ العالي، و..
-بس بقى انتو الاتنين، كفاية حرام عليكم ..!
نظر مهاب إلى زوجته فوجدها تضع كلتا يديها على أذنيها لتسدهما، وملامح وجهها متشنجة للغاية، و..
-إرحموني بقى، أنا تعبت، سنين وأنا كاتمة في نفسي اللي حصل، وخلاص زهقت، وبرضوه لسه بتتخانقوا
أراد ممدوح أن يتحرك صوب ناريمان، ولكنه تحامل على نفسه ليظل واقفاً في مكانه، في حين زفر مهاب في ضيق، ومر يده على رأسه ودعكها في توتر مشحون، و..
-ناريمان، خلاص اهدي
بدأت ناريمان تنتحب،وصوتها صارأكثر إختناقاً بسبب بكائها، و..
-أهدى ازاي، وانتو الاتنين مصممين تفتحوا الماضي ده ؟!
رمق ممدوح رفيقه بنظرات استنكار، ثم أشار لها بعينيه، وبنبرة متعجرفة تابع حديثه ب...
-والله مش أنا اللي حابب أفتحه، شوفي جوزك وآآ...
استدار مهاب بظهره ليواجهه، ثم بنبرة محتقنة وشبه آمرة صاح ب ...
-إنت لسه هنا، اتفضل امشي، إرجع لعيالك
قهقه ممدوح بطريقة غريبة وهيسترية، وأرجع رأسه للخلف، ثم تبدلت ملامحه للسواد، وتلاشت ابتسامته المستفزة، وحدق في مهاب بنظرات فارغة، و...
-دي نكتة دي ولا حاجة، إنت عارف كويس إن ولادي ماتوا يوم حريق المعمل !
ثم صمت لثوانٍ قليلة قبل أن يتابع بنبرة منفعلة وهو يشير بإصبعه ب..
-فاكر اليوم ده يا مهاب، يا ريت تكون فاكره زيي، أنا مانستش اللي حصل فيه للحظة بس !
زاغت عيني مهاب وظهر الرعب الممتزج بالذعر فيهما، وقد مر بباله ذكرى ما حدث قبل سنوات ...
في شاليه أخر مترامي الأطراف،،،
ضغط فارس على زر إنارة الغرفة، ثم وضع يده على ظهر ليان ودفعها بخفة إلى الداخل وهو يبتسم لها ابتسامة عذبة، و..
-خشي يا حبيبتي، متخافيش !
أومأت هي برأسها موافقة، ثم بخطوات مرتبكة ولجت للداخل، وتأملت الغرفة من حولها ببطء .. كان يتوسطها فراشاً عريضاً يكفي لشخصين، وأريكة صغيرة مريحة على الجانب من اللون البيج، وأمامها طاولة صغيرة، وكذلك مرآة معلقة على الحائط، بالإضافة إلى شاشة تلفاز عريضة مثبتة على الجدار المواجه للفراش ..
شعرت ليان بقشعريرة تدب في أوصالها، وحاولت اخفائها وظلت تبتسم لتبدو هادئة أمام فارس، ثم سارت في اتجاه الفراش، ومسحت عليه بأطراف أصابعه، ومن ثم جلست عليه .. وظلت تدور برأسها في الغرفة ..
أخرج فارس من جيب بنطاله الخلفي ورقة بيضاء، ثم جلس على الأريكة، وسحب الطاولة في اتجاهه، وبدأ في كتابة بعض العبارات .. ثم رفع عينيه في اتجاه ليان،و..
-تعالي يا حبيبتي جمبي، أنا خلاص كتبت الورقة، وناقص بس توقيعك عليها
تنهدت ليان في توتر، وبصوت خافت أردفت ب ..
-اوكي
نهضت هي عن الفراش، وسارت في اتجاه الأريكة، فأفسح لها فارس المجال قليلاً لتجلس إلى جواره، ثم نظر إليها بنظرات عميقة، ومد يده بالقلم الحبر في اتجاهها، و..
-امضي يا عروسة
أمسكت ليان بالقلم بأصابع مرتجفة، وظلت يدها تهتز في خوف وهي توقع على تلك الورقة ..
وما إن انتهت هي من التوقيع عليها حتى جذب هو الورقة منها، وقام بطيها ووضعها في جيبه، ثم سحب القلم من يدها، وألقاه خلف ظهره، وبكلتا يديه أمسك بكفي يد ليان، وجلس إلى جوارها ملتصقاً بها و..
-بحبك يا مراتي، مبروك يا أجمل عروسة
نظرت له ليان بحيرة، ثم بنبرة منخفضة همست ب...
-هو .. هو إحنا كده اتجوزنا ؟
ابتسم لها ابتسامة صفراء من خلف أسنانه وهو ينظر لها في لؤم، ثم حرك رأسه ناحيتها بعد أن أجلسها على حجره، ودقق النظر في شفتيها التي كانتا ترتجف بشدة، وتحدث بنبرة ماكرة ب...
-طبعاً بس على الورق، لكن .. آآ.. لكن دلوقتي هيبقى عملي ..