رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل الحادي عشر
غفت تقى في مكانها على الأرضية حيث إنهارت باكية بالأمس عليها، ولم تستيقظ إلا على صوت الضوضاء اليومية لأهالي الحارة التي تقطن بها ..
شعرت تقى بأن عظامها تؤلمها، تمنت لو كان كل ما تمر به مجرد كابوس، ولكن للأسف الواقع كان أسوأ بكثير مما تعتقد ..
وضعت هي يدها خلف ظهرها لتتحسسه وتضغط على فقراته التي تصدر أنيناً داخلياً بسبب نومتها الغير صحيحة عليه .. ثم استندت بكف يدها على الأرضية لكي تتمكن من النهوض ..
تمطعت تقى بجسدها، وفردت ذراعيها في الهواء، ثم نظرت حولها وتذكرت ذلك الحوار الجريء والوقح مع هذا البغيض الذي بات لزاماً عليها أن تكون خادمته ..
تنهدت في آسى، ثم سارت في اتجاه المرحاض لتغسل وجهها، وتستعد ليومها المثقل بالهموم ...
في قصر عائلة الجندي،،،،
لم تصدق ليان عينيها حينما فتح أوس كف يده لترى خاتمها ذو الثمن الباهظ موضوعاً بداخل راحته ..
وضعت هي يديها على فمها المكتنز، وارتسمت علامات الاندهاش الممزوجة بالسعادة على ثنايا وجهها، ثم قفزت عدة مرات وهي تصرخ ب ...
-ليان بنبرة عالية، ونظرات متسعة: واو .. مش ممكن، انت بجد رهيب يا أوس
ثم مدت يدها لتمسك بالخاتم، ومن ثم ارتمت في أحضان أخيها، وقبلته من وجنته بعد أن لفت ذراعيها حول عنقه، و...
-ليان بنبرة ممتنة: ثانكس أوي يا أوس، أنا مش مصدقة إنك عرفت ترجعه تاني، بجد أنا فرحانة أوي أوي أوي
وضع أوس قبضتي يده على ذراعي أخته، ثم أبعدها عنه، ونظر مباشرة في عينيها بنظرات ثابتة، و...
-أوس بنبرة مغترة: أنا أوس مهاب الجندي، مش مجرد حد عادي والسلام
-ليان وهي تمط شفتيها في إعجاب: مممم .. بصراحة حقك تتغر بنفسك، أنا لو زيك هاعمل أكتر من كده
-أوس بغطرسة جلسة: محدش عمره هايبقى زيي
أمسكت ليان بالخاتم بين إصبعيها، وقربته من عينيها، وظلت ترمقه بنظرات الاشتياق، و...
-ليان بنبرة فرحة: واو .. زي ماهو الخاتم، مافيش حاجة حصلته ..
ثم صمتت للحظة، وتنهدت في ارتياح، وتحركت بضعة خطوات للأمام و...
-ليان بنبرة هادئة: اووف، أنا كنت خايفة مامي تعرف وتعملي حكاية
وضع أوس يديه في جيبي بنطاله، وانتصب في وقفته، و...
-أوس بنبرة جادة: خدي بالك بعد كده، لأن لو اتكرر الموضوع أنا مش هادخل تاني
-ليان بعدم اكتراث: أوكي ... اوكي
لم تستدرْ ليان لأوس، بل ركضت مسرعة في اتجاه غرفتها وهي تتمتم بكلمات خافتة، ولكن قبل أن تختفي تماماً عن ناظريه، التفتت إليه برأسها، و...
-ليان بنبرة عالية: على فكرة احنا رايحين الساحل يومين قبل عيد ميلادي، هاتيجي معانا ؟
-أوس باستغراب: الساحل ؟!
-ليان وهي توميء برأسها إيجابياً: أها ..
-أوس متسائلاً بنبرة جافة: وأنتو مين اللي رايحين بقى ؟
-ليان بنبرة متحمسة: أنا ومامي وجايدا صاحبتي ومامتها، واحتمال كبير أونكل ممدوح لو جه من السعودية
إزداد إنعقاد حاجبي أوس، وضاقت عينيه، ثم كور قبضة يده بعد أن أخرجها من جيبه و...
-أوس بنبرة شبه محتقنة: ممدوح ..!
-ليان مبتسمة ابتسامة صافية: اها .. مامي قالتلي انه راجع بالكتير على بكرة، ف sure هايحصلنا
-أوس بنبرة ساخطة: وطبعاً الدكتور مهاب مالوش في الليلة دي كلها
تلاشت ابتسامة ليان سريعاً، وحل محلها الجمود، و..
-ليان بنبرة غير مبالية: بابي مش فاضي كعادته
-أوس بتهكم صريح: ايوه، هو مش فاضي، لكن سي ممدوح فاضي !
-ليان بنبرة متشنجة: على الأقل بيعوضني عن غياب بابي المستمر، وبيعتبرني زي بنته
لوى أوس فمه في تأفف، وأشاح بوجهه للجانب، ثم ...
-أوس بنبرة خافتة تحمل السخط: مش انتي بس اللي بيعوضك، ده أمك كمان
-ليان متسائلة بفضول: بتقول حاجة يا أوس ؟
-أوس ببرود: لأ .. روحي شوفي اللي وراكي
ثم حدق مباشرة في الفراغ أمامه، و...
-أوس لنفسه بخفوت يحمل التوعد: وخليني أشوف أنا كمان اللي ورايا ..!
انصرف أوس مبتعداً عن الرواق، بينما اختفت ليان داخل غرفتها وهي ترقص طرباً من السعادة ...
في منزل تقى عوض الله،،،،
خرجت تقى من المرحاض وهي تلف شعرها المبتل بالمنشفة، ثم عدلت من وضعيتها على رأسها كي لا تسقط، وقامت بغلق الأزرار الخاصة بقميصها القطني – ذو اللون الوردي – وشدته عن خصرها للأسفل قليلاً ..
ثم قامت بالإنحناء للأسفل لتفرد السجادة المثنية، وتعيد ترتيب أثاث المنزل المبعثر ..
بعد برهة كانت هي قد انتهى من ترتيب كل شيء، ونزعت عن شعرها تلك المنشفة، وسارت في اتجاه غرفتها لتبدأ في تمشيط شعرها الطويل، ثم عقصته كحكة، وربطت حول شعرها ( إيشارباً ) قصيراً من اللون الأصفر ...
أمسكت هي بالمكنسة العادية وبدأت في ( كنس ) الأتربة وبعض الأشياء العالقة عن غرف المنزل، وبعدها قامت بمسح الأرضيات كلها ..
حاولت تقى أن تلهي عقلها عن التفكير في كل ما مرت به، ولكنها عجزت عن هذا، فكيف تنسى والدتها وخالتها وأبيها .. الكل اختفى فجأة من حياتها .. وعليها أن تعيد لم شمل أسرتها من جديد ..
ثم قطع تفكيرها صوت قرع جرس الباب، فانتفضت فزعاً في مكانها، وظنت أن ذلك البربري المتوحش قد عاد إليها مجدداً .
أمسكت هي بالمكنسة جيداً، وقبضت عليها بقوة، وعقدت العزم على استخدامها كوسيلة للدفاع عن نفسها إن حاول الاقتراب منها ..
قرع الجرس مجدداً، فتملكها الرعب، وارتجفت أوصالها، ثم هدأت تدريجياً حينما سمعت صوت ...
-الشيخ أحمد بنبرة قوية وهادئة: افتح يا عم عوض، أنا الشيخ أحمد
تنفست تقى الصعداء، وأغمضت عينيها في ارتياح، ثم عاودت فتحهما، وسارت بخطوات سريعة ناحية الباب، وجذبت المزلاج لينفتح الباب على مصرعيه، و...
-تقى بنبرة شبه متلعثمة: ش.. شيخ أحمد
أجفل الشيخ أحمد بصره للأسفل، وظل يحرك مسبحته بأصابعه في هدوء، و...
-الشيخ أحمد بنبرة خافتة: السلام عليكم يا بنتي
حدقت تقى في الشيخ أحمد، وشعرت نوعاً ما بالإطمئنان لوجوده، و...
-تقى بتلهف: وعليكم السلام يا شيخ أحمد، بابا اللي باعت حضرتك تطمن عليا صح ؟
-الشيخ أحمد بهدوء: للأسف لأ يا بنتي، ده أنا جاي أسألك عنه، هو مجاش الجامع من امبارح، فأنا قلقت عليه، و..آآ...
-تقى مقاطعة بخوف: يعني.. يعني حضرتك مش عارف عنه أي حاجة
-الشيخ أحمد بنبرة عادية: لأ يا بنتي، هو عامل ايه ؟
-تقى بتوجس: بابا مش موجود من امبارح في البيت
-الشيخ أحمد متسائلاً بحيرة: ليه يا بنتي ؟
-تقى بنبرة مريرة: حضرتك عارف إن .. آآ.. إن ماما اتقبض عليها في قضية ظلم، وآآ.. وخالتي بعدها تاهت مننا، وبابا نزل يدور عليها، وآآ.. وهو لسه مرجعش .. أنا .. انا افتكرت انه راح الجامع وبات فيه
-الشيخ أحمد بنبرة رخيمة: لأ يا تقى يا بنتي، هو مجاش خالص الجامع، وانا فضلت منتظره حتى في صلاة الفجر، وقولت لما النهار يطلع أعدي أطمن عليه
-تقى بنبرة ممتنة: كتر خيرك يا سيدنا الشيخ.
-الشيخ أحمد بنبرة جدية: طب انتي يا بنتي مش عاوزة حاجة ؟ مايلزمش اي خدمة أعملهالك
-تقى بنبرة حزينة: ادعيلنا يا شيخنا ربنا يفرجها علينا، وينصر امي ويظهر الحق، وينجينا من اللي احنا فيه
-الشيخ أحمد بنبرة راجية: ربنا يكرمك يا بنتي بالخير كله ويصلح حالك، ويريح بالك، ويفرج عنك كربك
-تقى بنظرات متوسلة، ونبرة متعشمة: أميييين يا رب العالمين
-الشيخ أحمد بصوت رزين: طيب يا بنتي، هاستأذن أنا، ولو في جديد عرفيني
-تقى وهي تتمتم بخفوت: حاضر
-الشيخ أحمد بجدية: اقفلي الباب، وأنا هاتوكل على الله، سلامو عليكم
ثم أشار لها بيده وهي مطرق الرأس، فأومأت هي برأسها، ودلفت إلى داخل منزلها، وأغلقت الباب بالمزلاج ...
نزل الشيخ أحمد على درجات السلم وهو يعبث بمسبحته، و...
-الشيخ أحمد بخفوت: اللهم يسر ولا تعسر ..!
توقف هو عن النزول فجأة حينما لمح بزاوية عينه فتاة ما صاعدة عليه وهي تتغنج في مشيتها وتتبختر بخيلاء، ترتدي ملابس شبه فاضحة تظهر مفاتنها كأنثى و...
-رحمة بصوت أنثوي دافيء: عم الشيخ أحمد، منور عمارتنا الكحيانة دي
حدجها الشيخ بنظرات مشمئزة قبل أن يخفض بصره للأسفل، و...
-الشيخ أحمد بجدية: استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم
وضعت هي يدها في منتصف خصرها، ومالت للجانب قليلاً، ثم رمقت الشيخ بنظرات متفحصة قبل أن تتشدق ب ...
-رحمة بتهكم: ايه يا عم الشيخ، هو انت شوفت عفريت لا سمح الله ..
ثم صمتت لثانية قبل أن تهز كتفيها في غرور، و...
-رحمة بنبرة مغرية تحمل الدلال: ده أنا رحمة ست البنات، ونجمة الكليبات، وموديل جامد في الإعلانات
-الشيخ أحمد بنبرة قوية وجافة: لا عفريت، ولا غيره، الله يهديكي يا بنتي
ثم تنحى للجانب قليلاً، ونزل الدرج وهو يستغفر الله كثيراً، فرمقته هيبنظرات متعالية قبل أن تتابع ب ...
-رحمة بتهكم: ربنا يهديك ويهدينا يا سيدنا الشيخ، كفاية انت تدعيلنا...!
في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب،،،،،
ظل عُدي يطرق بأصابع يده على سطح المكتب، وباليد الأخرى وضع هاتفه المحمول على أذنه، و...
-عدي لنفسه بضيق: اوووف، انا مش عارف انت مجتش ليه !
انتظر عدي أن يُجيب أوس على اتصاله، ولكن دون جدوى، فعاود المحاولة مجدداً، فأجاب عليه الأخير ب...
-أوس هاتفياً ببرود: خير
-عدي بنبرة منفعلة قليلاً: ايه يا أوس، انت فين كل ده ؟ عندنا النهاردة آآ...
-أوس مقاطعاً بغير اكتراث: ششش .. اهدى يا عُدي، أنا مش جاي النهاردة
نهض عُدي عن المقعد، وحدق أمامه بصدمة، و...
-عدي بنبرة مذهولة: نعم ؟
-أوس ببرود مستفز: زي ما سمعت، أنا مش جاي
إزداد انعقاد ما بين حاجبيه، وجلس على المقعد الجلدي، و...
-عدي متسائلاً بفضول: طب ليه ؟
-أوس بهدوء: عندي شغل
-عدي متسائلاً بحيرة أكبر: شغل ايه ده ؟ حاجة أنا معرفهاش !
-أوس مبتسماً بثقة: يعني
-عدي بفضول شديد: حاجة ايه دي، ما تقول يا سيدي
-أوس بإقتضاب: بعدين هاقولك
-عدي وهو يزم شفتيه في انزعاج زائف: ماشي، براحتك، بس كله مع الوقت بيبان
-أوس بنبرة جافة: أنا مش فاضي، سلام
تعجب عُدي كثيراً من حالة أوس الغريبة، وألقى بهاتفه على سطح المكتب، و...
-عدي بحيرة: غيابك ده يا أوس وراه حاجة خطيرة، وأنا لازم أعرفها ..!
في قصر عائلة الجندي،،،،،
وقفت السيدة ناريمان أعلى الدرج، وأمسكت بالدرابزون، و...
-ناريمان بنبرة عالية وآمرة: حد يجي ينزل الشنط بسرعة
-خادمة ما بنبرة مرتبكة: ح.. حاضر يا هانم
ثم ركضت مسرعة على الدرج لكي تنفذ أوامر ربة عملها ...
دلف أوس خارج غرفته وهو مرتدي لبنطاله القماشي الرمادي اللامع، ومن الأعلى قميصه الأبيض الذي يبرز عضلات صدره القوية، وترك أزراره مفتوحة، ووقف يرمق والدته بنظرات استنكار، و...
-أوس بنبرة قانطة: واضح انك مستعجلة أوي
انتفضت ناريمان في مكانها، واستدارت ببخلف لتجد ابنها الأكبر أوس يرمقها بتلك النظرات المهينة، فابتعلت ريقها في توتر، و...
-ناريمان بنبرة متلعثمة: آآ.. قصدك ايه ؟
-أوس بنبرة متصلبة: انتي فهماني كويس أوي، مافيش داعي نضحك على بعض
-ناريمان بنفاذ صبر: يوووه، انت كل شوية هاتتكلم بالأسلوب اللي بينرفز ده معايا
-أوس ببرود مستفز، ونظرات قاسية: بكرة يجي اللي يروق بالك، ويعدل مزاجك ..
-ناريمان وهي تبتلع ريقها في توتر: آآآ.. أنا .. محتاجة أغير جو، مخنوقة أوي، باباك مش سائل فيا، ايه مش من حقي أفك عن نفسي شوية
-أوس بنبرة فجة، ونظرات ساخطة: من جهة انك هاتفكي، فأنا متأكد أوي انك هتعملي ده
-ناريمان بحدة: اخرس، انت ولد مش متربي، وسافل وآآ...
-أوس مقاطعاً بصرامة: تربيتك انتي وصديق العيلة، تحبي أقول تربيتكم كانت عاملة إزاي؟
-ناريمان بإنفعال: بطل كلامك ده، مش هاتعيده كل شوية عليا، أنا أصلاً غلطانة اني بأقولك أي حاجة عني، أنا ماشية.
ثم اتجهت ناحية الدرج، ونزلت عليه وهي تحاول إخفاء علامات الارتباك التي بدت واضحة للعيان على كل ذرة في كيانها ...
تبعها أوس بنظراته القوية والمشتعلة من الغضب، و...
-أوس لنفسه بنبرة محتقنة: مش هانسى أبداً اللي عملتوه انتو الاتنين فيا وفي أبويا، ولا في ..آآآ... ...!
-ليان مقاطعة بفضول: ايه ده هو انت بتكلم نفسك يا أوس ؟
إزدادت ملامح وجهه عبوساً، وضاقت عينيه أكثر، و...
-أوس بنظرات حادة، ونبرة جامدة: نعم ؟
استغربت ليان من حالة أخيها المنزعجة، و...
-ليان بنبرة عادية: في ايه ؟ مال وشك قلب كده ؟
-أوس ببرود: عادي، مافيش
-ليان بعدم اهتمام: اوكي براحتك، أنا مسافرة مع مامي خلاص، عاوز حاجة يا أوس
-أوس بإيجاز: لأ..
-ليان بنبرة متحمسة: واو .. أنا متوقعة ان السنادي هاتكون special ( مميزة ) على الأخر، فسح وبارتي، وسفر .. واو
-أوس وهو يلوي فمه في استهزاء: ده مع سقوطك
-ليان بضيق جلي: نعم ؟ سقوطي ؟
-أوس بتهكم: ماتنسيش ده كمان، حطيه في الليستا ( القائمة )
-ليان بإنزعاج: خلاص يا أوس، كفاية أوي، انت قفلتني على الأخر
ظلت ليان تغمغم بخفوت وهي تسير مبتعدة عنه، بينما استدار هو عائداً إلى غرفته، و...
-أوس لنفسه بنبرة جادة، ونظرات مترقبة: لسه الدور جاي على القطة، أما أشوف هاتعمل ايه معايا !
في منزل تقى عوض الله،،،،
بدلت تقى ثيابها، وارتدت عباءتها السوداء، ثم مشطت شعرها بيدها، وعقصته برباط مطاطي، وارتدت الحجاب على رأسها، وتنهدت في توتر، و...
-تقى لنفسها بقلق: يا رب عديها على خير، أنا مضطرية أروح للحيوان ده عشان خاطر أمي وبس ..
تأملت هي البيت من حولها، وشعرت بغصة في حلقها، ووضعت يدها بعد أن كورتها على صدرها و...
-تقى بتوجس: قلبي مش مطمن للي ممكن يحصل، بس مافيش قدامي إلا كده
أحضرت تقى حقيبة بلاستيكية سوداء، ووضعت بها حافظة نقودها الصغيرة، ثم منشفة قماشية صغيرة، وعباءة منزلية فضفاضة قديمة تخص والدتها، ثم أغلقت الحقيبة، وانحنت بجسدها للأسفل في اتجاه فراشها لتبحث عن حذائها، فلم تجده، ثم جثت على ركبتيها لتبحث أسفل أريكة خالتها، وبالفعل وجدته، فمدت يدها وسحبته للخارج، ثم نهضت عن الأرضية، واعتدلت في وقفتها، وارتدته، ثم أخذت نفساً عميقاً، و...
-تقى بتوتر: يا رب نجيني من أي شر، يا رب
طوت هي الحقيبة البلاستيكة، وأغلقت الإضاءة الخاصة بالغرفة، ودلفت إلى خارج منزلها، واستعانت بقفل خارجي لتتمكن من غلق الباب المكسور ..
ثم توجهت ناحية منزل الجارة إجلال، وقرعت الجرس، وانتظرت بجواره ..
بعد لحظات فتحت لها الجارة إجلال الباب، و...
-إجلال باستغراب: تقى ! خير يا بنتي
مدت تقى يدها بنسخة من مفتاح القفل، و...
-تقى بنبرة حزينة: اتفضلي يا طنط المفتاح ده بتاع القفل اللي أنا حطاه على الباب، لو بابا جه من برا اديهوله
أخذت الجارة إجلال المفتاح، وقبضت عليه بكف يدها، ونظرت إلى قى بحنو و...
-إجلال بنبرة دافئة: حاضر يا بنتي ..
أخفضت الجارة إجلال عينيها للأسفل لتجد حقيبة بلاستيكة في يدها، فعقدت حاجبيها في استغراب، و...
-إجلال وهي تزم شفتيها في خفوت: ايه الشنطة دي ؟
قبضت تقى على الحقيبة أكثر بأصابعها، ونظرت إلى جارتها بإرتباك، و...
-تقى بنبرة متلعثمة: آآآ... أنا .. أنا رايحة شغلانة جديدة
-إجلال باستغراب: شغلانة ؟! هو انتي سبتي معهدك ؟
-تقى وهي تبتلع غصة ما في حلقها: حاجة زي كده
-إجلال بنبرة آسفة: معلش يا بنتي، الله يعوض عليكي
-تقى بنبرة مخزية: يا رب، المهم ماتنسيش يا طنط المفتاح معاكي أهوو
-إجلال بنبرة واثقة: اطمني يا تقى، أنا واخدة بالي كويس
-تقى بنبرة ممتنة: كتر خيرك يا طنط
أمسكت تقى بالدرابزون، ونزلت إلى الأسفل وهي تكاد تموت رعباً مما هي مقبلة عليه ...
في قصر عائلة الجندي،،،،
أعطى أوس أوامر مشددة لحراسة القصر بالسماح لخادمة جديدة تدعى تقى عوض الله بالمرور إلى الداخل فور وصولها، وظل هو في غرفة المكتب السفلية ينتظر قدومها بفارغ الصبر ..
لم يكف هو عن التحديق في ساعة الحائط تارة، وفي ساعة هاتفه المحمول تارة أخرى ..
-أوس لنفسه بتوعد: يا ويلك لو فكرتي ماتجيش، هاتكون حياتك جهنم
دلفت إحدى الخادمات إلى داخل غرفة المكتب بعد أن سمح لها بالدخول، ثم أسندت صينية صغيرة بها فنجان من القهوة الساخنة على سطح المكتب، وانصرفت مسرعة دون أن تنطق بكلمة ..
راقب أوس النافذة بأعين ثاقبة كالصقر، ثم زفر في انزعاج، و...
-أوس لنفسه بضيق: هو أنا هافضل أفكر فيها كتير، بس مافيش واحدة استعصت عليا، أنا هاكسرها، وهاتشوف ...!
ترجلت تقى من الحافلة وهي تسب وتلعن هؤلاء المتحرشين الأوغاد الذين يتعمدون تلمس أجساد النساء وسط الزحام، ثم عدلت من وضعية حجابها المتدلي، وسارت بخطوات أقرب للعدوْ في اتجاه القصر ..
مع كل خطوة كانت تخطوها، كان قلبها يزداد خفاقاً وإرتباكاً .. حاولت أن تستعيد رباطة جأشها، وتبقى صامدة حتى لا تظهر ضعيفة منكسرة أمامه فيشمت بها، ويذلها أكثر ..
توقفت تقى أمام بوابة حديدية عملاقة مغطاة بالزجاج الغير شفاف ..
حدقت هي في تلك البوابة الشاهقة بأعين متسعة، وشعرت فجأة أن حلقها قد جف تماماً، لذا وضعت يدها على عنقها، وظلت تفركه في توتر .. و...
-تقى لنفسها بنبرة مرتعدة: استرها عليا يا رب، أنا مش عارفة مستخبيلي ايه جوا القصر ده .. كن يا رب السند ليا جواه، عيني على الناس اللي عايشة فيه
ثم تنهدت في قلق، وسارت بخطوات متثاقلة في اتجاه البوابة ..
لمحت تقى بعض الحرس الخاص من ذوي الأجساد الضخمة والعريضة فنظرت إليهم بتوجس شديد، ثم اقتربت من أحدهم على استحياء، و...
-تقى بنبرة خافتة، ونظرات مرتبكة: آآ.. ل... لو سمحت
انتبه لها الحارس – جمال - ذو الحلة الرسمية، ورمقها بنظرات متفحصة لهيئتها الشعبية الغير مناسبة بالمرة لطبيعة قاطني تلك المنطقة المعروفة للجميع، و...
-جمال بنبرة متصلبة: عاوزة ايه ؟
-تقى بتوتر وارتباك: أنا .. آآ.. قصدي .. يعني، مش ده بيت أوس بيه
-جمال وهو يلوي فمه في امتعاض يحمل السخرية: نعم، بيت ! قصدك قصر أوس باشا
-تقى وهي تبتلع ريقها في توجس: آآ.. لا مؤاخذة .. هو .. هو المفروض عارف إني جاية
- جمال بإستهزاء: ليه إن شاء الله ؟
انتبه حارس الأمن الأخر – ويدعى أحمد - لتلك الفتاة ذات المظهر الغير لائق، وتذكر تعليمات أوس الصارمة بشأن مجيء فتاة ما تحمل صفات مقاربة لها، فاضطربت ملامحه، و...
-أحمد: لأحسن تكون هي، أووبا لو الباشا عرف إنها جت وإحنا طنشناها
ركض الحارس أحمد في اتجاه زميله، ووضع يده على ظهره، فانتبه الأخير له، ثم مال أحمد على أذنه، وهمس له ب...
-أحمد بقلق: سيبها يا جمال، أنا هاتعامل معاها
حدجه جمال بنظرات حادة قبل أن يتابع ب ...
-جمال متسائلاً بنبرة رسمية: انت تعرفها ؟
-أحمد بجدية: لأ طبعاً، بس واضح من شكلها إنها اللي الباشا أوس قايل عليها
اضطربت ملامح وجه الحارس جمال، وانتصب في وقفته، ثم رمق زميله بنظرات منزعجة، و...
-جمال بنبرة شبه هلعة: طب أنا هاتصل بالأمن الداخلي وأبلغه بإن آآآ..
لم يكمل هو جملته الأخيرة حيث التفت برأسه ناحية تقى، و...
-جمال متسائلاً بنبرة جادة: انتي اسمك ايه ؟
-تقى بتردد: آآ.. أنا .. انا تقى عوض الله
أمسك جمال باللاسلكي الذي يحمله في يده، وقربه من فمه، ثم بدأ يتحدث فيه بكلمات مقتضبة حول هوية تقى ومواصفاتها، ثم ...
-حارس أمن ما بصوت جاد: دخلها أوام، الباشا منتظرها
-جمال بهدوء: ماشي
أشار جمال برأسه لزميله أحمد، فأومىء الأخير برأسه موافقاً، ثم اتجه ناحية مبنة صغير ملحق بجوار البوابة، وقام بالضغط على عدة أزرار لتنفتح البوابة قليلاً، ثم أشار جمال بعينيه الجادتين لها، و...
-جمال بصوت آمر: خشي جوا، هتلاقي اللي هيوديكي عند الباشا
-تقى بنبرة مرتجفة: م... ماشي
ثم سارت نحو البوابة، ومرت عبرها، وبالفعل وجدت حارسي آمن ضخام البنية في انتظارها، ثم قاموا بإصطحابها عبر ممر طويل مصنوع من الطوب الرخامي إلى البوابة الرئيسية للقصر ..
اختلست تقى النظرات طوال سيرها لتتأمل ذلك المكان الضخم الذي ستعمل به ..
لم يأتْ ببالها أبداً أنها ستعمل في مكان أقرب إلى الجنة في هيئته، ولكن شاءت الأقدار أن تكون فيه ..
ورغم الجمال الآخاذ لهذا المكان إلا أن قلبها كان ينبض بالخوف الشديد مما ستواجهه .. فهي قد أصبحت فريسة سهلة في عرين ذلك الوحش، وعليها أن تواجهه بكل ما أوتيت من قوة ...
بعد دقائق قليلة، توقف الحارسان أمام بوابة خشبية عريضة ذات ألوان ذهبية براقة، واستدار أحدهما برأسه ناحية تقى، و...
-الحارس بنبرة رسمية: هنا هايستقبلك الباشا
-تقى بإرتباك واضح: م.. ماشي
قرع الحارس الأخر جرس الباب، ثم أشار لزميله بعينيه لكي ينصرف معه، و...
-الحارس الأخر بنبرة جادة: دورنا انتهى لحد كده
-الحارس الأول بهدوء: يالا بينا على البوابة، أوامر الباشا إننا نوصلها لحد هنا، وبس
-الحارس الأخر بجدية: طب يالا
ثم تركاها الاثنين بمفردها، وسارا مبتعدين عنها، فتابعتهما بقلق شديد ..
كانت تقى ترتعد بشدة في داخلها، وظلت تنظر حولها في قلق بالغ ..
تريد أن تهرب، أن تفر قبل أن يُفتح الباب، ولكن سرعان ما زاد توترها الممزوج بالفزع حينما سمعت صوت صرير الباب و...