قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل السادس عشر

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل السادس عشر

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل السادس عشر

اذا دخلتم القلوب فأحسنوا سكنها فإن خرابها ليس بهين. ويرد إليك ما فعلت ولو بعد ألف عام.
كان يستمع لها وروحه تنزف من الألم، أكانت تحب غيره حقًا! وهو من كان يخشي عليها من نفسه حتى لا يؤذيها! كان ما بين نارين تحرقانه، إما من تعنيفها وضربها حتى يهدأ من ألم قلبه، أو أن يأخذها بين أحضانه حتى يكسر أضلعها وفي الحالتين ينتقم منها.

انتهت آيات من سرد ما حدث منذ معرفتها بمصطفي وإستغلاله لها ولسذاجتها حتى معرفة أخيها بالأمر وتعنيفها بشدة، شهقات لا متناهية تصدر منها دلالة على ندمها لحبها لهذا الحقير، كان قلبه ينزف قبلها، لم تكن تعلم بأن ما تحكيه الآن كان كخناجر تطعن فيه بلا رحمة.

حاول الثبات عندما سمع بكائها اللامتناهي فوضع يده على شعرها بحنان وتحدث بصوت متحشرج رغمًا عنه كان ممزوج بالألم: ليه! ليه يا آيات! فضلت اقول إني مربيكي زي بنتي وإن اي حاجة بتحصل معاكي بتيجي تحكهالي علطول من غير ما اضغط عليكي ويوم ما يحصل كدا متفكريش حتى تيجي تقوليلي يمكن الاقي حل، وقتها يمكن اركن مشاعري على جنب واحاول إني اسعدك بس انتي عملتي غير كدا، انتي كسرتي ثقة اخوكِ فيكي وثقتي كمان للأسف.

نظرت له بسرعة وهي تهز رأسها بالنفي قائلة: لا. لا يا مراد، والله انا عارفة إني غلطت، بس اديني فرصة، انا يمكن اه معتبراك اخويا واكتر حتى لو انت معتبرني حاجة غير كدا بس صدقني مش هقدر ابعد عنك.

وامام رجائها وكلماتها تلك كاد أن يستسلم ويضرب بخطته عرض الحائط ولكن ظل على ثباته فأبعد يده عنها مردفًا بصوت يجعله ثابت قدر الإمكان متناسيًا ألامه: كان في الأول ينفع. قولتلك انا مش زعلان منك لأن مفيش حد بيزعل من حد عزيز عليه بس انتِ كسرتيني ودي مش اول مرة، والمرة الاولي لما جيت اعترفتلك بحبي وانتِ عملتي نفسك مش مهتمة ساعتها حاجات كتير اتكسرت جوايا وأولهم قلبي ورغم دا كله مش عارف ابعد عني.

وقف فوقفت أمامه هاتفة بخوف وهي تنظر له برجاء ألا يتركها: يعني ايه!
تحدث بجمود مصطنع: يعني محتاج اعيد تفكيري تاني وهبعد شوية يا آيات.
كاد أن يذهب فأمسكت يده بلهفة قائلة برجاء ودموعها تهبط بصمت: متسبنيش.
رجع لها مقبلًا أعلي رأسها بعمق وهو يغمض عيناه بألم متحدثًا بحزن: مش هسيبك. بس انا محتاج فترة ابقي فيها وابقي لوحدي.

ثم قام بالولوج للداخل وهي جلست مكانها تبكي بقهر على ما آلت إليها الأمور، أولًا خسارتها لثقة اخيها وثانيًا خسارتها لثقة صديق طفولتها ودربها مراد.

كانوا ينظرون لها كما لو كانت كائن فضائي من عالم آخر، اعترافها هذا كان بمثابة صدمة لهما، حدجتهم رزان بضجر وهي تلوي شفتيها بإستنكار مردفة: هو انا بقولكم هقتله انا بقول معجبة بيه.
كانت أية أول من استفاقت من صدمتها لتتحدث بصوت مشدوه: قصدك عمر أخويا!
أكدت لها رزان هاتفة وهي تسرح بهيام: اه هو البغل دا.
لتمسكها ضحي من ثيابها جاذبة إياها بعنف: وانتِ اعجبتي بيه ازاي وانتِ متنيلتيش شوفتيه غير كام مرة بس!

تحدثت رزان بإستنكار وهي تنظر لها بغيظ: ايه مسكة المخبرين دي! وبعدين انا اعرف عمورتي لما كان بيجي لمنتصر اخويا.
تشنج وجه ضحي وانكمش وجهها مرددة خلفها: عمورتي! بت انتِ اتعدلي احسنلك.
نفخت بغيظ وهي تنظر لأية التي تنظر إليها كأنها برأسين فقالت بقنوط: وانتِ كمان متبصيش كدا. هو في ايه انتوا محسسني إني هعتدي عليه.
عادت لرشدها لتقول بصرامة واضحة لرزان: بنت! انتِ ازاي تكلمي عمتك بالطريقة دي انتِ هبلة.

تهلل اساريرها وهي تمسح على كتفها بيدها وهي تقول بإعتذار: لا لا مش القصد يا عمتو. دا انتي الحتة الشمال الااااه.
رفعت ياقة قميصها الوهمية بغرور قائلة: ايوا كدا اتعدلي بدل ما اوريكي شغل العمات الحرباية دول.
قاطعتهم ضحي بضجر موجهة حديثها لرزان: بس انتوا الاتنين. ثم وجهت حديثها لرزان قائلة: وانتِ عايزة مننا ايه دلوقتي اصل القاعدة دي مش وراها خير انا عارفة.

فركت يدها بتوتر وتنظر إلى تعابير وجههم لتردف بحذر: عايزة اعرف بيحبني ولا لأ. لو مش بيحبني هتجوزه بردو مش حوار.
ارجعت ضحي ظهرها للخلف زهي تقول بتفكير: الموضوع دا عايزة تخطيط وتكتكة عشان نعرف البغل دا بيحبك ولا لأ.
حدقت بها رزان بغضب لتقول بقنوط: متشتمهوش انا بس اللي اشتم عموري.
همت أن تقف قبل أن تقول: خلاص فكري لوحدك بقا.
أمسكتها من يدها وهي تهتف برجاء: لا لا خلاص دا انتي الراس الكبيرة.

مهما فعلت سيظل شبح الماضي يلاحقك حتى يهلك عقلك وجسدك وربما يقضي على الباقي من روحك لتصبح جسد بلا روح، وهذا ما انطبق عليه أفعالك إما أن يكون خير فيقف العالم بصفك وتنتصر كفتك وإما بالشر وحينها ستجد الجميع يلاحقونك من أجل الإنتقام والثأر، وهذا ما كان يفكر به هذا الوقف أمام ذلك الجالس بمنزله بأريحية، لا يعلم كيف ومتي دخل لمنزله وسط حشد الحراسة الذي قام بتعيينه، كأنه قرأ ما بعقله فتحدث يزن متهكمًا: حذرتك مني قبل كدا وانت مسمعتش كلامي ومش شوية عيال معينهم حرس هما اللي هيمنعوني أخد روحك بإيدي يا مرتضي.

كأن بحديثه هذا ذكره بما حدث من قبل ليمر شريط الذكريات أمام عيناه ويتذكر كيف صنعوا هذا الوحش الجالس أمامه الآن، حاول استجماع رباطة جأشه وهو يقول: ع. عايز إيه يابن الراوي.
وقف يزن امامه بهيبة طغت على المكان واضعًا كلتا يديه ببنطال بذلته وهو يدور حوله كأنه فريسة يحاول الإنقضاض عليه فأقترب من اذنه وهو يقول بفحيح: عايز روحك يابن الرفاعي.

تجمعت حبات العرق على جبهته ونظر حوله عله يجد أحد من حرسه ولكن جاء صوته وهو يردف بتهكم: متحاولش.
دار حوله ووقف قبالته متحدًا بجمود مريب أخافه وهو ينظر له بشر: قولتلك ابعد عن سكتي يا مرتضي ومتلعبش معايا عشان اخرة اللعب دا هتزعلك. بس انت هتفضل طول عمرك وسخ ودا حاجة انا متوقعها من واحد باع اهله زمان زيك، صمت قليلًا ثم تشدق بهسيس: فاكر ولا افكرك.

تجمد الآخر بمكانه لا يجد ما يقول. لماذا عليه أن يُذكره بكل هذا! هو حتى الآن لم ينسي ولكن يحاول التعافي من أثار الماضي.
لاحظ الآخر حالته ولكنه لم يعبأ به وأكمل بحديثه المتشفي: بعتلهم اختك ومراتك عشان تنجز في شغلك الزبالة ومكافأة نهاية الخدمة بتاعتك قتلوهم وخطفوا ابنك.
كفاية.

صرخ بها مرتضي وهو يضع يديه على اذنه لا يريد سماع المزيد قائلًا بهياج: ايوا انا بعتهم بس مكنتش عارف إنهم هيقتلوهم. كنت عايز ابقي الإيد اليمين للكبير، نظر إليه مكملًا بغل: بس انت. انت ورغم كل حاجة كان معتبرك الكل هناك وفي الاخر عضيت الإيد اللي اتمدتلك وفي اقرب فرصة بعته. وجه دوري انا عشان انا ابقي دراعه اليمين بس في دي كمان معرفتش.

اشتعلت عيناه بشرر شيطاني ولكن لم يظهر على وجهه الجامد، ربت على كتفه متعمدًا فتح كتاب الماضي: اللي يبيع شرفه عشان شوية فلوس هيفضل طول عمره ملهوش لازمة، وانا مش زيك عارف ليه! عشان انا اللي يجي ناحية حد من حرمة بيتي انسفه من على وش الدنيا يا حيوان.

قال جملته الأخيرة وهو يلكمه بقوة على وجهه أدت إلى سقوطه متأوهًا بألم، جلس يزن على ركبته امامه وهو يمسك فكه بقوة تكاد أن تحطمه وهو يتحدث من بين أسنانه بغضب: كانت غلطة كبيرة لما فكرت إنك تأذي حد من بيت الراوي لما فكرت تبعت ابن اخوك الو عشان يلعب على اختي. بس نهايته ايه، كلب مرمي تحت رحمتي وهخليه يتمني الموت وميطلهوش.

ضحك مرتضي بقوة رغم آلامه الجسدية وهو يردف بحقد: ما تقتله وانت مفكر لما تقتله هترجاك واقولك والنبي متقتلهوش! دا حيالله ابن اخويا واكيد ميغبش عنك ان انا واخويا بينا مشاكل.
ظلت تعابير وجه الآخر جامدة إلا أن قطع الصمت صوت يزن الخبيث وهو يقول في اذنه بمكر: طيب ابقي روح اسأل اخوك على ابنك اللي اتخطف زمان هو عارف مكانه.
نظر له الآخر بصدمة وتعابير وجهه تسأل عما يقصده فقال بتلعثم: ق. قصدك ايه!

وقف امامه بشموخ لا يليق إلا به منفضًا الغبار بغرور وهو يقول: قولتلك اسأل اخوك المصون. ما انتوا راضعين وس زي بعض.
سار عدة خطوات ومن ثم استدار له وهو يقول بشر: العد التنازلي ليك بدأ يا مرتضي، تيك. توك. تيك. توك.

عاد إلى المنزل في وقت متأخر من الليل، كانت الساعة قد تعدت الثانية عشر منتصف الليل، دخل إلى بهو قصره بسيارته الفارهة وخلفه سيارات الحرس التابعة له، كاد أن يخطو للداخل يريد أن يرتاح وينعم بأحضانها قليلًا كما اعتاد فوجدها جالسة على الأرض تحت شجرة في حديقة قصره، نظر إليها بغضب فكيف لها أن تخرج بهذا الوقت المتأخر وغير ذلك الجو البارد وهي لا ترتدي سوي ثياب خفيفة، عند هذه النقطة نظر حوله بحدة يري إذا ما كان أحد من الحرس رآها وهي جالسة هكذا ولكن وجدهم يقفون كالأصنام، صك على اسنانه بحدة ثم ذهب إتجاهها بخطوات سريعة حتى وقف قبالتها.

لم تلحظه من البداية إنما كانت شاردة تنظر إلى السماء بعيون لامعة، تري القمر يحتضن السماء كما لو كان يعطيها من الدفئ أطنانًا لسكونها، والنجوم التي تلتف حول القمر فيعطيها مظهرًا خلابًا للغاية، تسربت رائحة عطره المميزة لها فأغمضت عينها بإستمتاع، اصبح وجوده يشكل لها فارقًا كبيرًا، يعاملها كطفلته رغم بروده وغموضه، ولكن يكفي حنانه الذي يغدقها به ودلالها عليه وهو يستقبل هذا برحابة صدر.

سمعت صوته وهو يحدثها بتعنيف: انتِ ازاي قاعدة في الوقت دا وفي الجنينة انتي اتجننتي! وكمان خرجالي قدام الحرس! انتِ جري لمخك حاجة.
ابتسمت ابتسامة خفيفة فوضعت يدها على خدها ناظرة له وهي تتحدث بهيام: هو فيه كدا!
قطب جبينه بتعجب وهو يتسائل بغضب: هو ايه اللي فيه كدا!
أكملت بوله وهي تردف: يعني انت والقمر والنجوم. لا كدا كتير عليا.

وكأن حديثها كان الدواء له فتبخر غضبه عند سماعه لحديثها وابتسم رغمًا عنه لها، تحدثت وهي تشير بجانبها: تعالي اقعد.
رفع حاجبيه بإستنكار وهو يقول: على اخر الزمن عايزاني اقعد على الارض!
لتجيبه بهدوء: انسي شخصية يزن الراوي ودلوقتي واقعد.
نظر إليها قليلًا ولم يجب، بعدها قام بسحب يدها واوقفها أمامه ليردف بهدوء وهو يهم بالدخول: يلا على جوا، الجو سقعة وهتاخدي برد.

كادت أن تسحب يدها بضجر ولكن أمسكها جيدًا وهو ينظر إليها بتحذير فنفخت بغيظ وظلت تتمتم ببعض الكلمات فابتسم هو في الخفاء متيقنًا بأنها تشتمه بالتأكيد.
ولج لغرفته وهي خلفه فتركها وذهب لتبديل ثيابه بينما هي انتظرته على الفراش ويدور برأسها الآلاف من الأسئلة، مر وقت قليل وجدته قد بدل ملابسه إلى ثياب بيتية مريحة فجلس جانبها على الفراش قائلًا ببديهية: عايزة تقولي إيه!

كنت فين! وليه بترجع كل يوم متأخر! ومتقوليش شغل الله يكرمك انا عايزة اجابة واضحة، كنت فين!
غمز لها مجيبًا إياها بمشاكسة: كنت في شغل.
كادت أن تجيب ولكنه أجابها بإرهاق وهو يتمدد تاركًا إياها جالسة بمكانها: ضحي اسكتي. انا هلكان وعايز أنام.

حدجته بغضب ولم تجيبه ونامت معطية له ظهرها وهي تشعر بالحزن، لا تعلم ولكن أصبحت تشرد بماضي لا يذكرها سوي بالألم، اطلقت تنهيدة طويلة تحمل في طياتها الكثير، شعرت بيده تلتف حول خصرها فقاومته كثيرًا ولكنه لم يبتعد.
تحدثت بغضب وهي تحاول رفع يده من عليها: وسع ايدك من عليا.
ادارها حتى اصبحت مواجهة له فقال هو بتعب ظهر في صوته: خليني في حضنك.
حاولت عدم التأثر به وقالت بعناد: لا. وسبني بقا لو سمحت.

ارجع خصلة متمردة مثلها خلف اذنها وهو يقول برجاء: عشان خاطري.
وامام رجائه ونبرة صوته المهلكة سكنت فاحتضنها هو بشدة يأخذ قوته منها هي، تلك الفتاة التي سلبت فؤاده، بات يعشقها حتى أصبحت تمثل كل حياته، أحست بالدفئ والطمأنينة يتخللها، مجرد وجوده بجانبها يشعرها بالسكينة.
شعرت به يضع قبلة عميقة على جبهتها فابتسمت بحب. هذا الرجل قد سلب قلبها وهي تعترف بذلك، لم تجد أي تفسير لمشاعرها سوي بأنها باتت تعشقه.

ولكنها مازالت حزينة، هو لا يشاركها يومه مثلما تفعل هي، يخبئ الكثير عنها فيظهر أمامها غامض واحيانًا تخاف صمته وسكونه، هو لا يريحها ولكن ماذا عليها أن تفعل!
شعر بحزنها والذي أكد له ذلك هو هدوئها الغير معتاد، لا تشاكسه كالعادة، سأل بحنان وهو يربت على شعرها: مالِك!
شغل.

اجابته كأنها ترد له حديثه فضحك بخفة على تلك المشاكسة، ضمها إلى صدره أكثر وقرر ولأول مرة أن يحكي لشخص ما عن يومه وبنفس الوقت يريد منها أن تساعده وأن تُنسي آيات ما مرت به، هو يعلم بأنه قسي عليها ولكن هذا أفضل لكي لا تفكر بالأمر مرة أخري، تنهد بقوة مردفًا: هحكيلك.

تحمست له وجلست أمامه بفرحة كأنها ستسمع قصص لكرتون ديزني الشهير وعيناها تشع براءة فهز رأسه بيأس عليها وهو يضحك على طفولتها جالسًا امامها هو الآخر.

بدأ بالحديث وهو يقول: آيات من فترة كانت تعرف واحد اسمه مصطفى الرفاعي، شاب اتعرفت عليه وضحك عليها وفهمها إنه بيحبها وهيجي يتقدملها بس ظروفه صعبة شوية، مكنش قايلها اسم عيلته الحقيقي عشان لو قالها هتعرف بسهولة، اصل العيلة دي تاريخها، هي طبعًا زي الغبية حبته وادته الأمان وكانت بتكلمه لحد ما دخل عليها بحكاية إن عليه دين وهيتحبس وجو الافلام دا وهي صدقته وبعتتله المبلغ على حسابه، بعد ما عرفت مسكتش ورحتله وعلمته الأدب، اصل اللي يجي على فرد واحد من عيلة الراوي بيتنسف.

كانت تستمع إليه بصدمة فكيف يعقل ذلك، هي تعلم أن آيات فتاة عاقلة فكيف لها أن تقع بهذا الفخ! تحدثت وهي تسأله بحذر: وانت عملت حاجة لأيات!
كان لازم أعمل حتى لو كنت قسيت عليها فدا عشان مصلحتها، انا اكتر واحد خايف عليها ومش هخلي عيل لا راح ولا جه يضحك عليها، انا بس كنت عايزه يجيب آخره.
امسكت بيده وهي تبتسم بهدوء مردفة: بكرا هروح هتكلم معاها واكيد هي متأثرة باللي حصل وصدقني هتبقي كويسة.

وضع يده على كفها فأمسكها مقبلًا باطن يدها، حركة بسيطة جعلت القشعريرة تسري بجسدها بالكامل، نظر لها متحدثًا بمزاح: حكيتلك اهو. اعدلي بوزك دا بقا.
حدجته بغيظ وهي تراه يضحك عليها فأردفت بسخط وهي تهم أن تبتعد عن الفراش: طيب شوف مين اللي هينام جنبك بقا.
امسكها وجذبها من يدها وهو يضحك فسقطت في أحضانه بعنف بينما هو تحدث بخبث: دا انا امي دعيالي دعا يا ولاااااه.

تلعثمت وكادت أن تبتعد ولكنه أحاطها فباتت ملتصقة به اكثر فتحدث هو بهمس متقربًا منها بخطورة: ايه الجمال دا! عليا الطلاق غزالة.
ابتسمت ببلاهة على غزله بها فهتفت غير مبالية لقربها منه بهذا الحد: الله يسترك والله. طول عمري اقول على نفسي حلوة بس الواد ساهر الله يمسيه بالخير كان يسد نفسي.
ارجع خصلاتها خلف اذنها قائلًا: لا ساهر حسابه تقل معايا اوي، بقا حد يزعل البونبونانية دي.
بس عشان بؤحرج.

تشنج وجهه بسخط فابتعد عنها وهو يدفعها للخلف ناظرًا لها بإشمئزاز: ابقي تفي عليا لو قولتلك كلام حلو تاني.
لوت شفتيها بإنزعاج وهي تقول بحزن: هو انا ليه محدش طايقني، محدش بيحبني، كلكوا مصرين تجرحوني، هو انا متحبش، مش بني ادمة عندها دم وبحس، ليه كلكم بتعاملوني على إني جماد! انا بجد مصدومة مصدومة مصدومة.

انتهت من حديثها فصفق لها مدعيًا التأثر وهو يقول: الله. الله. عظمة على عظمة ياست والله، ايه الحلاوة دي، لا تمثيلك هااايل ابهرتيني.
رفعت ياقة قميصها الوهمية وهي تقول بزهو: ايه رأيك! انفع صح.
طبعًا يا حبيبتي تمثيل يقرف ما شاء الله.
جزت على اسنانها بغيظ وهي تقول من بين اسنانها: نام يا يزن. نام الله يسترك بدل ما احسر قلب امك عليك.
ادعي الخوف وتمدد فورًا هاتفًا بخوف مصطنع: لا وعلى إيه الطيب احسن.

ضحكت بخفة واستعدت لتنام ولكنها لم تنام على وسادتها بل ابعدت زراعه الذي يضعه على عيناه ثم نامت عليه متنعمة بدفئ احضانه.
ابتسم على فعلتها فاحتضنها بقوة وهي بادلته كذلك، وتبقت حرب القلوب التي تطرق بشدة، يعشقان بعضهم ولكن أفعالهم تثبت ما لم تنطق به ألسنتهم.

طفل لم يتعدي الثالثة عشر وسيم بدرجة كبيرة رغم وجود الدماء على وجهه والاتربة التي تغطي جسده بالكامل يجلس ضاممًا ركبتاه إليه يجلس بوضع الجنين ينظر حوله بخوف يتخذ احتياطات وجودهم ثانية، لم يمر سوا القليل ووجد هذا المقيت يقف امامه بنفس الابتسامة القذرة، ارتعش جسده الصغير خوفًا مما هو مقدم عليه.

جلس امامه وهو ينظر له بتقزز جعلت الآخر على وشك التقيؤ، رفع الرجل كفه الضخم ومرره على وجهه فأبعدها الطفل عنه بسرعة ليقول الرجل بعتاب زائف: تؤ تؤ ليه تزعلني منك، مش احنا بقينا صحاب!
بكي الطفل بقوة وهو يردد بخوف: انا عايز ارجع لماما.
هرجعك لماما بس بشرط...
نظر له بلهفة وهو يومأ له: شرط إيه!
استغل الوضع فقام بإعطاءه كيس يحتوي على مادة من اللون الأبيض وهو يقول بخبث: خد دي واعمل زي ما بعمل بالظبط.

أخذ منه هذا الكيس يتبع خطواته الشيطانية في استنشاق هذا المخدر، ابتسم بخبث عندما نظر إليه وجده يشعر بالدوار فسأله بقلق مزيف: مالك في إيه!
غامت عينه وهو على وشك فقد وعيه هاتفًا: عايز ارجع لماما.
حمله وهو ينظر له بخبث ليقول: مفيش ماما، فيه انا من النهاردة.

شعرت به يهمهم ويتحرك بعنف على الفراش فاعتدلت بفزع وهي تجد حبات العرق متجمعة على وجهه كأنه يصارع في سباق، بدأت تيقظه بقلق وهي تقول: يزن. يزن حبيبي اصحي دا كابوس.
ولكنه كان في عالم آخر حيث كان يصرخ ويترجي من أمامه أن يتركه ويكف عن هذا الفعل الشنيع معه ولكنه كان كالذئاب يقتل برائته بلا رحمة، حتى استمع لصوتها فكانت هي طوق النجاة بالنسبة له للإستيقاظ من ذكريات يمقتها منذ القدم.

جلس وهو يتنفس بعنف أثر هذا الكابوس ينظر حوله حتى وقع بصره على وجهها القلق فأردفت وهي تمرر يدها على وجهه تمسح حبات العرق: بس اهدي. دا كان كابوس، استعيذ بالله.
ابتلع ريقه الجاف وهو يستعيذ فأتت بكوب من المياة وناولته إياه فارتشفه كاملًا حتى هدأ قليلًا.
جلست بجانبه مرة اخري وتحدثت بحنان: بقيت احسن!

اومأ لها وبهدوء ولا تعلم لما أرادت وبشدة احتضانه وبالفعل قامت بذلك فجلست على ركبتيها و اخذته في أحضانه ويداها تمر على ظهره صعودًا وهبوطًا لطمأنته.
لم يمانع بذلك بل شعر وكأنه بحاجة إلى ذلك العناق وخاصة منها هي، لف يده حول خصرها وكأنه طفل صغير يحتمي بوالدته مغمضًا عيناه براحة.

ظلوا على حالتهم تلك بوقت ليس بالقليل فابتعدت عنه بهدوء تبتسم له بخفة وهي تقول: قرآن الفجر اشتغل. قوم اتوضي عشان نصلي أنا وانت.
توترت عيناه ولم يعلم بماذا يجيبها ولكنه هتف بصوت جاهد لجعله ثابت: احم. لا قومي صلي انتِ، مش هصلي انا.
قطبت جبينها بتعجب متسائلة: ليه ما انت صاحي اهو بطل كسل وقوم صلي.
ظل على موقفه وهي يقول: يا ضحي قومي صلي انتِ انا مش مصلي.

نظرت له قليلًا تحاول أن تعرف سبب رفضه الغير منطقي هذا، حتى وصلت إلى نتيجة فشهقت بحدة أفزعته وهي تقول: يا نهار اسود. انت مسيحي!
مسح على وجهه بغيظ وهي يستغفر الله محاولًا التماسك حتى لا يفصل رأسها اليابس عن جسدها فقال بسخط: حمارة. انا متجوز حمارة.
اومال ايه السبب اللي ميخلكش تصلي انا عايزة اعرف.
ضحي الله يكرمك انا مش ناقص وجع دماغ.

علمت أنها لن تجني شئ من عنادها معه فقررت التعامل معه بسياسة وهدوء لمساعدته.
جلست أمامه فأمسكت يده بحنان وهي تقول: طيب احكيلي يمكن ترتاح. ليه مش عايز تدي لربنا حقه وتشكره على نعمته.
غامت عيناه بحزن وهاتفًا بألم: وتفتكري ربنا هيقبل توبتي!

سعدت من داخلها لتفاعله معها فأكملت حديثها معه: ربنا غفار تواب. مهما كانت الذنوب والمعصيات الكتير اللي انت عملتها في حق ربنا وبعدين رجعتله وقولتله يارب سامحني وانت ندمان من جواك بجد على الذنب اللي انت عملته فربنا هيغفرلك، واكبر دليل على كدا إنك مكسوف تقابل ربنا وانت مليان معاصي، تفتكر لو مكنش بيحبك كنت هتحس بالذنب دلوقتي! كنت هتقول أنا مستحقش اقف قدام ربنا! لا وقتها كنت هتقول عادي ما الكل بيغلط هي جت عليا انا، بس انت مقولتش كدا، ابدأ من جديد وتوب وصلي وقوله يارب سامحني وخبط على بابه وربنا مش بيرد عبد تائب ليه ابدًا.

ولأول مرة يظهر ضعفه ودموعه أمام أحد فقال بدموع: بس. بس انا عملت ذنوب كتير اوي وآثامها عظيمة معتقدش إن ربنا هيسامحني.
ضغطت على يده وهي تدعمه بقولها: ربنا بيقول. بسم الله الرحمن الرحيم: -
فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 39].

وفيه آية كمان بتقول: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 160]
ربنا بيقبل توبة عبده بس انت ابدأ.
كان يستمع لها بتأثر كبير وواضح، علم كم هو مقصر في حق الله، ولكنه كان يخجل من مقابلة الله وهو به كم هذه الذنوب، تحدث إليها وهو ينظر لها: تعرفي وانا صغير كنت دايمًا بصلي وبقرأ قرآن ومكنتش بسيب فرض ابدًا! بس...

اغمض عينه بألم وهو يتذكر هذا اليوم الذي قلب حياته رأسًا على عقب ولم يكمل، علمت ما يود قوله ولم تريد تذكيره بهذا الماضي الذي لا يجلب له سوي الألم فهتفت بمواساة: مش مهم اللي حصل زمان، المهم دلوقتي، انت هتتغير وهترجع لربنا تاني وهتكون احسن من الأول.

احتضنها بشدة ورغمًا عنه سقطت دموعه، حمد الله كثيرًا فهي بالنسبة له أكبر نعمة قد منَّ الله عليه بها، همس لها بعشق واضح: انا بحبك اوي. اول مرة احب حد كدا. خليكي معايا متسبنيش.
تيبس جسدها في مكانه بصدمة لا تصدق ما سمعته للتو، هل قال بأنه يحبها! يا الله تشعر وكأن قلبها سيخرج من مكانه، شعرت بدموعها تسقط لا إراديًا فضمته لها بقوة سعيدة بشدة مما سمعته للتو.

خرجت من أحضانه وعيناها تلتمع بشغف جديد عليها لا تعلم بما تجيبه، ولكنها خجله وبشدة الآن.
تحدثت بتلعثم تحاول التهرب من نظرات العشق التي يحدجها بها فقالت: يلا قوم اتوضي عشان الفجر بيأذن اهو.
ابتسم بخفة على خجلها فقام من مجلسه ولكن قبل أن يتجه إلى المرحاض قبل وجنتها بعمق ثم ذهب ليتوضأ ويبدأ حياة جديدة بقلب جديد مع الله.

اما هي ابتسمت له بحنان شديد وتمنت أن تدوم سعادتهم مدي الحياة، ولكن هل ستدوم السعادة أم سيأتي ما ينغص عليهم عيشتهم!

طرب يحتل الصباح وصوت زقزقة العصافير يعم الأرجاء لينشر البهجة في قلوب حزينة تحاول التحليق بأحلامها بعيدًا.
استيقظ الجميع وتجمعوا حول طاولة الطعام بسعادة لتجمع شملهم، وجدت ضحي والدتها جالسة فذهبت لإحتضانها بفرحة عارمة لتربت كريمة على كتفها بحنان مردفة: وحشتيني اوي يا حبيبتي.
لتقبل يدها وهي تقول بحنان: وانتِ كمان وحشتيني اوي يا ماما، بتاخدي دواكي بإنتظام!
اه يا حبيبتي متقلقيش عليا.

لتبتسم لها بحنان وذهبت معها لتناول الطعام، تحدث عصام وهو ينظر حوله بترقب: اومال المخفي عمر فين! مش عارف عوايده ميفطرش.
لترد عليه رضوي بتأييد: معاك حق يا عمو دا مش بيقوم غير ما يخلص الأكل.
وقفت ضحي فسألها يزن: راحة فين!
اجابته بحماس وهي تتجه للخارج: هروح اجيب العصير.
ثواني وسمعوا صوت صراخ يأتي من الخارج فاتجهوا إلى مصدر الصوت بقلق ليجدوا عمر يقف اعلي السيارة وهي يصرخ بنجدة: الحقوناااااي.

تحدث يزن بصرامة وهو ينهره بشدة: بتعمل ايه انزل يا حيوان.
اشار عمر بفزع على الأرض قائلًا: تعباااااان. تعبااااان كبير.
نظروا حيث يشير فوجدوا ثعبان من اللون الاسود ضخم وكبير، فزعوا من مظهره ليمسك يزن احد العصي الكبيرة وهم أن يرفعها ولكنه سمع صوت صراخ يأتي من خلفه وبالطبع لم يكن صوت ضحي العالي: لاااااا استني متموتهاش.
اردف بإستنكار وهو ينظر لها: مموتهاش!

اقتربت منه بسرعة وهي تمسك العصي ترميها بعيدًا: متخافش دي سمية مش بتعمل حاجة.
سمية!
هتف بها الجميع بصدمة لتؤكد لهم: ايوا سمية دي ثعبانتي الأليفة.
كاد يزن أن يجيب بغضب ولكن قطع حديثه صوت عمر الصارخ وهو يجري بعيدًا وخلفه الحية سمية: يالهووووووي، هموووووت الحقووووني.
ركضت ضحي خلفه وهي تنادي بصوت عالي: استني يا سمية. يا سمية. سمية.
ولكن سمية لا تجيب مكملة ركضها خلف عمر الذي يصرخ بفزع.

ضرب مدحت كفه بيأس مردفًا بحسرة: قولنا لما يكبروا هيعقلوا اتاريهم بيتجننوا اكتر، . يلا يا عصام ندخل جوا بدل الهبل دا.
ثم نظر إلى والدته مروة التي تتابع المشهد بإستمتاع قائلًا: يلا يا أمي ندخل.
هزت رأسها بنفي وهي تتابع صراخ عمر بحماس: لا ادخل انت. انا عايزة اشوف التعبان وهو بياكل البطل.
مسح على وجهه بغيظ فدخل بغضب من أفعال تلك العائلة المجنونة.

اقترب ساهر من رضوي وهو يقول بغمزة: تعالي ندخل جوا يا مودزريلا لتسيح.
اخفضت رأسها بخجل فدخلت بسرعة متحاشية إياه وهو يدخل خلفها، مصمصت مروة شفتيها بإستنكار وهي تردف: شوف الواد ومحنه. الله يرحمك يا حج كنت تصبحني بعلقة وتمسيني بعلقة. بس اعمل ايه كنت بموت في غباوتك.
ثم ولجت للداخل هي الاخري تنعي حظها.

شد يزن خصلاته بغيظ من تلك العائلة التي ستصيبه بشلل عن قريب وذهب ليلحق بتلك المجنونة التي تركض خلف حيوانها الأليف سُمية.

علي الجانب الآخر.
كان يجلس على كرسيه المخصص له وهو ينفث سيجارته بشراهة وإستمتاع ويفكر في شئ ما، مضي بضعة دقائق ثم استدعي بيبرس الذي اتي له على الفور قائلًا: اوامرك سيدي.
نظر له بغموض ثم تشدق بشر: تجهز سوف تسافر إلى مصر. سيتم تسليم الشحنة بعد غد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة